بَاب بَدْءِ السَّلاَمِ
6227 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:"خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ، طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، فَلَمَّا خَلَقَهُ قَالَ: اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ مِنَ المَلاَئِكَةِ، جُلُوسٌ، فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ، فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ، فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ، فَقَالُوا: السَّلاَمُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَزَادُوهُ: وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ، فَلَمْ يَزَلِ الخَلْقُ يَنْقُصُ بَعْدُ حَتَّى الآنَ"
الشيخ: يعني أن أهل الجنة على طول ستين ذارعًا في السماء كلهم على هذا الطول، وجاء في رواية الترمذي وجماعة بإسناد فيه بعض اللين، أما العرض فسبعة أذرع، ولم يزل الخلق ينقص إلى آخر الزمان.
قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا، وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَّكَّرُونَ * فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ * لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ [النور:28]
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي الحَسَنِ، لِلْحَسَنِ: إِنَّ نِسَاءَ العَجَمِ يَكْشِفْنَ صُدُورَهُنَّ وَرُءُوسَهُنَّ؟ قَالَ: اصْرِفْ بَصَرَكَ عَنْهُنَّ، قَوْلُ اللَّهِ : قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ [النور:30] وَقَالَ قَتَادَةُ:"عَمَّا لاَ يَحِلُّ لَهُمْ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ [النور:31] خَائِنَةَ الأَعْيُنِ [غافر:19]: مِنَ النَّظَرِ إِلَى مَا نُهِيَ عَنْهُ"وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: فِي النَّظَرِ إِلَى الَّتِي لَمْ تَحِضْ مِنَ النِّسَاءِ: لاَ يَصْلُحُ النَّظَرُ إِلَى شَيْءٍ مِنْهُنَّ، مِمَّنْ يُشْتَهَى النَّظَرُ إِلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً وَكَرِهَ عَطَاءٌ، النَّظَرَ إِلَى الجَوَارِي الَّتِي يُبَعْنَ بِمَكَّةَ إِلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنْ يَشْتَرِيَ
الشيخ: وسعيد بن أبي الحسن هذا هو أخو الحسن البصري -رحمة الله عليه- وهذا من توجيه الله لعباده وحمايته لهم من أسباب الهلاك وهو الأمر بغض الأبصار وحفظ الفروج من الصنفين من الرجال والنساء حذرًا من الخطر والفتنة حتى ولو كانت غير مكلفة إن كانت مما تشتهى ومما تتحرك الشهوة إليه، وهكذا الإماء يجب أيضًا غض البصر منهن إلا لمن يريد الشراء والنظر ليشتري.
6229 - حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: إِيَّاكُمْ وَالجُلُوسَ بِالطُّرُقَاتِ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لَنَا مِنْ مَجَالِسِنَا بُدٌّ نَتَحَدَّثُ فِيهَا، فَقَالَ: إِذْ أَبَيْتُمْ إِلَّا المَجْلِسَ، فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: غَضُّ البَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلاَمِ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ.
الشيخ: وهذا يدل على وجوب هذه الأمور، وأن من جلس في الطرقات أو سار في الطرقات عليه أن يقوم بواجب غض البصر عما حرم الله، وكف الأذى عن الناس؛ كف الأذى بلسانه وأفعاله، ورد السلام كذلك، وإفشاء السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، هذه من الحقوق التي يجب على المسلم أن يُعنى بها إذا بلي بالجلوس في الطرقات أو السير في الطرقات: أن يغض البصر، ويكف الأذى، ويرد السلام، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر. وفي قصة الفضل دلالة على أنه ينبغي لولاة الأمور ولأهل العلم والإيمان أن يلاحظوا من معهم وأن يوجهوه إلى الخير ولو كان كبيرًا، ولهذا صرف النبي وجه الفضل إلى الشق الآخر، خشي عليه من الفتنة، وهذه الخثعمية تعلق بها من يرى السفور ويدعو إلى السفور، وليست الرواية صريحة في أنها كانت سافرة، فيحتمل أنه رأى منها ما يدل على جمالها وحسن صوتها وحسن قامتها ونحو ذلك، فلهذا نظر إليها، والوضيئة لا يلزم من ذلك أن تكون سافرة قد يكون رأى شيئًا من أطرافها أو شيئًا مما دله على ذلك؛ لأن الأدلة الدالة على الحجاب صريحة ثابتة، ولأن المعنى واضح في فتنته وأن ظهور الوجه هو أعظم أسباب الفتنة؛ لأنه عنوان المرأة، عنوانها في جمالها ودمامتها، وقد صرحت الآيات بوجوب الحجاب، وهذا في حجة الوداع في آخر حياته ﷺ؛ فعُلم بذلك أنها ما كانت سافرة، وأن قول الراوي (وضيئة) ونحو ذلك ليس من الصريح بالمقام، وأصرح منه قوله جل وعلا: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53] وقال جل وعلا: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ الآية [النور:31] يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ [الأحزاب:59] وما ثبت في الصحيحين من حديث عائشة أنهم كانوا قبل الحجاب أنهن كن يكشفن قبل الحجاب وجوههن فلما نزلت آية الحجاب خمرن وجوههن؛ فهذا صريح في أن الكشف كان قبل الحجاب. وقال بعضهم: لعلها سافرة لأنها محرمة وقد قال النبي ﷺ: ولا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين فأجاز للمحرمة أن تكشف، وهذا أيضًا فيه نظر؛ فإن الحجاب مأمور للجميع وقوله: لا تنتقب يعني لا تلبس النقاب المعروف وهو ما يخاط على الوجه ويصنع لقدر الوجه، فأما تخميرها وجهها بغير ذلك وتخمير يديها بغير قفازين فلا بأس بل مأمور به، ويدل عليه عمل أزواج النبي ﷺ فإنهن في حجة الوداع كن إذا دنا منهن الرجال سدلت إحداهن جلبابها على وجهها.
س: الحديث في النظر والباب في الاستئذان؟
الشيخ: لأجل هذا، لأن المقصود من الاستئذان خوف النظر؛ لأن الإنسان إذا لم يستأذن اطلع على عورات الناس ونظر إلى عورات الناس.
س: حتى ولو كان وجهها قبيحًا واجب عليها سترها؟
الشيخ: ولو، إلا القواعد العجائز التي ليس لهن رغبة في النكاح ولا يتجملن؛ لا بأس، أما غيرهن فقد تكون شابة وكل ساقطة لها لاقطة قد يفتن بها بعض الناس، ثم الدمامة ما لها حد مضبوط قد تكون دميمة عند قوم، وجميلة عند آخرين.
وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النساء:86]
الشيخ: يعني قوله: "السلام عليكم" هذا اسم من أسماء الله، فالمعنى نزلت بركة السلام أو حلت بركة السلام عليكم، فيه إضمار مضاف وهكذا، وعليكم السلام: نزلت بركة السلام أو حلت بركة السلام، أو ما أشبه ذلك.
وقال آخرون: السلام هنا ليس بمعنى الاسم بل بمعنى المصدر بمعنى السلامة، وأن السلام عليكم يعني: السلامة من كل سوء، وعليكم السلام يعني: وعليكم السلام من كل سوء. والمعنيان متقاربان؛ لكن المقصود من السلام عليكم: يعني جنس السلام وهو العافية والرحمة والسلامة من كل سوء، السلام عليكم يعني الذي هو مصدر كل خير، السلام عليكم يعني: حلت بركته عليه أو نزلت بركته عليكم.
س: من رد بدل السلام بهلا يا مرحب ما يكون عاصيًا؟
الشيخ: خالف السنة، الواجب عليه أن يرد: وعليكم السلام؛ لأن الله قال: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النساء:86] ولكن يُعلّم ويُوجّه إلى الخير.
الشيخ: وفي هذا توسعة في الدعاء وأن المؤمن يتوسع في الدعاء ما أحب من الدعوات الطيبة ومنها الصلاة على النبي ﷺ، ومنها التعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال، الأحاديث جاءت نصًّا على ذلك ومنها .... مما ورد مثل: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت، اللهم إني أعوذ بك من البخل وأعوذ بك من الجبن وأعوذ بك من أرد إلى أرذل العمر وأعوذ بك من فتنة الدنيا وأعوذ بك من عذاب القبر.. كل هذا مما ورد في الدعاء بعد التحيات في آخر الصلاة قبل السلام ويدعو بما أحب أيضًا؛ لأن الرسول قال: ثم ليختر من المسألة ما شاء، ثم ليختر من الدعاء أعجبه إليه فيدعو، فلا بأس أن يدعو بدعاء غير وارد مثل أن يقول: اللهم يسر لي رزقًا حلالاً أو رزقًا طيبًا أو زوجة صالحة أو ذرية طيبة أو ما أشبه ذلك من الدعوات التي تنفعه.
س: المراد بكل عبد صالح في السماء؟
الشيخ: الملائكة.
6231 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُاللَّهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الكَبِيرِ، وَالمَارُّ عَلَى القَاعِدِ، وَالقَلِيلُ عَلَى الكَثِيرِ.
بَاب تَسْلِيمِ الرَّاكِبِ عَلَى المَاشِي
6232 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ، أَخْبَرَنَا مَخْلَدٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي زِيَادٌ، أَنَّهُ سَمِعَ ثَابِتًا، مَوْلَى ابن يزيد..
الطالب: أحسن الله إليك، ثابت مولى عبد الرحمن بن زيد.
الشيخ: أيش عندك؟
الطالب: مولى ابن يزيد. أشار إليه.
الشيخ: أيش قال؟
الطالب: قَوْلُهُ: أَنَّهُ سَمِعَ ثَابتا مولى بن يَزِيدَ فِي رِوَايَةِ غَيْرِ أَبِي ذَرٍّ عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ زَيْدٍ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ رَوْحٍ الَّتِي بَعْدهَا أَنَّ ثَابِتًا أَخْبَرَهُ وَهُوَ مَوْلَى عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ وَزَيْدٌ الْمَذْكُورُ هُوَ ابن الْخَطَّابِ أَخُو عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَلِذَلِكَ نَسَبُوا ثَابِتًا عَدَوِيًّا وَحَكَى أَبُو عَلِيٍّ الْجَيَّانِيُّ أَنَّ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ عَنِ الْجُرْجَانِيِّ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بِزِيَادَةِ يَاءٍ فِي أَوَّلِهِ وَهُوَ وهم وثابت هُوَ ابن الْأَحْنَف وَقيل ابن عِيَاضِ بْنِ الْأَحْنَفِ.
الشيخ: يكفي، نعم. صلحه عندك: صوابه أنه عبدالرحمن بن زيد بن الخطاب، وأن رواية ابن يزيد وَهْم.
أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى المَاشِي، وَالمَاشِي عَلَى القَاعِدِ، وَالقَلِيلُ عَلَى الكَثِيرِ.
الشيخ: وهذه السنة في السلام، السنة إفشاء السلام بين المسلمين، ولهذا يقول عليه الصلاة والسلام: والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؛ أفشوا السلام بينكم فإفشاء السلام من أسباب المحبة، ومن أسباب كمال الإيمان وتمامه، ومن أسباب دخول الجنة، وهكذا يقول ﷺ في حديث عبدالله بن سلام: أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام؛ تدخلوا الجنة بسلام وفي هذا يقول ﷺ: ليسلم الصغير على الكبير، والمار على القاعد، والراكب على الماشي، والقليل على الكثير هذا هو السنة، أن يبدأ الصغير بالسلام على الكبير إذا تلاقيا، والمار يبدأ بالسلام على القاعد، والراكب يبدأ بالسلام على الماشي، والقليل يبدأ بالسلام على الكثير، هذا هو الأفضل؛ المار يبدأ بسلامه على القاعد، والصغير يبدأ بالسلام على الكبير، والقليل يبدأ بالسلام على الكثير؛ فإذا تلاقى اثنان وثلاثة فالأفضل أن يبدأ الاثنان، وإذا تلاقى صغير وكبير فالأفضل أن يبدأ الصغير، وإذا تلاقى راكب وماش فالأفضل أن يبدأ الراكب، ولو سبقه الماشي وسلم حاز الفضل، ولو سبقه الكبير فسلم على الصغير حاز الفضل، ولو سلم القاعد على المار حاز الفضل، ولو سلم الكثير على القليل حاز الفضل، لكن السنة أن يبدأ أولئك من السنة أن يبدؤوا ويبادروا فيبادر الصغير بالسلام على الكبير؛ لأن حقه أكبر، ويبادر الراكب بالسلام على الماشي، ويبادر القليل بالسلام على الكثير، ويبادر بالسلام المار على القاعد، هكذا السنة، وفي هذا من الفوائد ما لا يحصى؛ لأن هذا السلام فيه من الإيناس والتآلف وإزالة الوحشة والطمأنينة بين المتلاقيين ما هو ظاهر، والله شرع السلام لما فيه من تأليف القلوب وإيناس المتلاقيين فيما بينهم وإزالة الوحشة والتقريب بين الناس والتعارف، هذه الشريعة كلها رحمة، وكلها خير، وكلها كمال، وكلها إفضال من الله على عباده في مصالح دينهم ودنياهم؛ لمن عقلها واستقام عليها.
س: السلام بالإشارة؟
الشيخ: باللفظ لكن إذا كان بعيدًا يشير له حتى يفهم حتى يعلم أنه سلم، يعني مر على النسوة فأشار إليهن، المقصود إذا كان يحتاج إلى إشارة لبُعدهم أو قلة سمعهم يشير مع الكلام، ولا يجوز السلام بالإشارة.
س: حكم رد السلام؟
الشيخ: واجب بخلاف البدء، هل يجب أو ما يجب؟ أما الرد واجب؛ لأن الله يقول: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النساء:86] فالتحية بالأحسن أفضل، والرد واجب.
س:......
الشيخ: لا، المشروع السلام وينصح فإنه قد يكون جاهلاً، السنة السلام لما فيه من الإيناس والتقارب، وهو أيضًا مفتاح للنصيحة إلا إذا كان معاندًا، وهو يعرف أنه معاند، ورأى أن هجره أصلح، وأنه يؤثر عليه وينفعه هجره، وإذا رأى أن هجره ليس بأصلح وأن الاستمرار في النصيحة والإنكار يكون أنفع فعل ما هو الأصلح.
س: المرأة تسلم على الرجال؟
الشيخ: نعم، والرجال يسلمون على النساء إذا كان ما فيه ريبة، سلم النبي على النساء وسلمن عليه عليه الصلاة والسلام، وسلمن على الصحابة.
س: من مر على شارب الدخان يسلم عليه؟
الشيخ: نعم، تسلم، وتنصحه، تبين له أن هذا منكر.
6233 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي زِيَادٌ، أَنَّ ثَابِتًا، أَخْبَرَهُ وَهُوَ مَوْلَى عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى المَاشِي، وَالمَاشِي عَلَى القَاعِدِ، وَالقَلِيلُ عَلَى الكَثِيرِ.
بَاب تَسْلِيمِ الصَّغِيرِ عَلَى الكَبِيرِ
6234 - وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الكَبِيرِ، وَالمَارُّ عَلَى القَاعِدِ، وَالقَلِيلُ عَلَى الكَثِيرِ.
بَاب إِفْشَاءِ السَّلاَمِ
6235 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ، عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ:"أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِسَبْعٍ: بِعِيَادَةِ المَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الجَنَائِزِ، وَتَشْمِيتِ العَاطِسِ، وَنَصْرِ الضَّعِيفِ، وَعَوْنِ المَظْلُومِ، وَإِفْشَاءِ السَّلاَمِ، وَإِبْرَارِ المُقْسِمِ. وَنَهَى عَنِ الشُّرْبِ فِي الفِضَّةِ، وَنَهَانَا عَنْ تَخَتُّمِ الذَّهَبِ، وَعَنْ رُكُوبِ المَيَاثِرِ، وَعَنْ لُبْسِ الحَرِيرِ، وَالدِّيبَاجِ، وَالقَسِّيِّ، وَالإِسْتَبْرَقِ".
الشيخ: لا خير إلا دلّ عليه ولا شر إلا حذّر منه عليه الصلاة والسلام، ولهذا في الصحيح يقول ﷺ: ما بعث الله من نبي إلا كان حقًا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه هكذا أخبر النبي ﷺ كما رواه مسلم في الصحيح من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص يقول ﷺ: ما بعث الله من نبي إلا كان حقًا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم فينبغي لأهل العلم وطلبة العلم ولكل مسلم أن يتأسى بأنبياء الله ولاسيما خاتمهم وأفضلهم نبينا محمد عليه الصلاة والسلام؛ فيكون حريصًا على إبلاغ الناس ما ينفعهم، وعلى نهيهم عما يضرهم، حريصًا على النصيحة والتوجيه والعمل بما يرضي الله جل وعلا في عباده، حتى تكون الدعوة ظاهرة، وحتى يكون الناس على بينة فيما جاء عن ربهم عن نبيهم عليه الصلاة والسلام.
شف كلامه على أول الباب.
الطالب: (قَوْلُهُ كِتَابُ الِاسْتِئْذَانِ)
الِاسْتِئْذَانُ طَلَبُ الْإِذْنِ فِي الدُّخُولِ لِمَحَلٍّ لَا يَمْلِكُهُ الْمُسْتَأْذِنُ، وَبَدْءٌ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَالْهَمْزُ بِمَعْنَى الِابْتِدَاءِ، أَيْ أَوَّلَ مَا وَقَعَ السَّلَامُ، وَإِنَّمَا تَرْجَمَ لِلسَّلَامِ مَعَ الِاسْتِئْذَانِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ لِمَنْ لَمْ يُسَلِّمْ، وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وابن أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ حَدَّثَنِي رَجُلٌ أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَقَالَ: أَأَلِجُ فَقَالَ لِخَادِمِهِ: اخْرُجْ لِهَذَا فَعَلِّمْهُ، فَقَالَ: قُلِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ.. الْحَدِيثَ، وَصَحَّحَهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَأخرج ابن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ بَعَثَنِي أبي إِلَى ابن عُمَرَ فَقُلْتُ: أَأَلِجُ، فَقَالَ: لَا تَقُلْ كَذَا؛ وَلَكِنْ قُلِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَإِذَا رَدَّ عَلَيْكَ فَادْخُلْ، وَمن طَرِيق ابن أَبِي بُرَيْدَةَ اسْتَأْذَنَ رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الصَّحَابَةِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يَقُولُ: أَأَدْخُلُ، وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ لَا يَأْذَنُ لَهُ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ، قَالَ: نَعَمْ، ثُمَّ قَالَ: لَوْ أَقَمْتَ إِلَى اللَّيْلِ، وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ لِذَلِكَ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ.
الشيخ: يعني ولو أقمت إلى الليل وأنت ولم تستعمل الأمر المشروع ما أذنت لك، مقصوده حتى يتعلم حتى يستفيد؛ لأنه قال: أألج، والسنة أن يقول: السلام عليكم أأدخل، وهو ينظر إليه وتركه حتى يعدل استئذانه فلما عدله قال: السلام عليكم أأدخل؟! أذن له، هذا من باب التعليم، ولو علمه من أول وهلة كما فعل النبي ﷺ كان أيضًا أفضل وأشمل؛ لكن لعل له في هذا مقصدًا صالحًا.
س: رواية ابن أبي شيبة كأن مفهومها أنه إذا رد السلام ما يحتاج يستأذن في الدخول؟
الشيخ: لكن الأدلة الأخرى لا بدّ من إذن.
[6227] قَوْلُهُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ هُوَ الْبِيكَنْدِيُّ، قَوْلُهُ: خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ، تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ، وَاخْتُلِفَ إِلَى مَاذَا يَعُودُ الضَّمِيرُ فَقِيلَ إِلَى آدَمَ أَيْ خَلَقَهُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي اسْتَمَرَّ عَلَيْهَا إِلَى أَنْ أُهْبِطَ وَإِلَى أَنْ مَاتَ، دَفْعًا لِتَوَهُّمِ مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِي الْجَنَّةِ كَانَ عَلَى صِفَةٍ أُخْرَى أَوِ ابْتَدَأَ خَلْقَهُ كَمَا وُجِدَ لَمْ يَنْتَقِلْ فِي النَّشْأَةِ كَمَا يَنْتَقِلُ وَلَدُهُ مِنْ حَالَةٍ إِلَى حَالَةٍ، وَقِيلَ: لِلرَّدِّ عَلَى الدَّهْرِيَّةِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ إِنْسَانٌ إِلَّا مِنْ نُطْفَةٍ وَلَا تَكُونُ نُطْفَةُ إِنْسَانٍ إِلَّا مِنْ إِنْسَانٍ وَلَا أَوَّلَ لِذَلِكَ فَبَيَّنَ أَنَّهُ خُلِقَ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ، وَقِيلَ: لِلرَّدِّ عَلَى الطَّبَائِعِيِّينَ الزَّاعِمِينَ أَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَكُونُ مِنْ فِعْلِ الطَّبْعِ وَتَأْثِيرِهِ وَقِيلَ لِلرَّدِّ عَلَى الْقَدَرِيَّةِ الزَّاعِمِينَ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَخْلُقُ فِعْلَ نَفْسِهِ، وَقِيلَ: إِنَّ لِهَذَا الْحَدِيثِ سَبَبًا حُذِفَ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَأَنَّ أَوَّلَهُ قِصَّةُ الَّذِي ضَرَبَ عَبْدَهُ فَنَهَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، وَقَالَ لَهُ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ، وَقِيلَ: الضَّمِيرُ لِلَّهِ، وَتَمَسَّكَ قَائِلُ ذَلِكَ بِمَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ عَلَى صُورَةِ الرَّحْمَنِ، وَالْمُرَادُ بِالصُّورَةِ الصِّفَةُ، وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ خَلَقَهُ عَلَى صِفَتِهِ مِنَ الْعِلْمِ وَالْحَيَاةِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ صِفَاتُ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُشْبِهُهَا شَيْءٌ.
الشيخ: وهذا الأخير هو الأرجح على صورته على صورة الله جل وعلا، ولا يلزم من هذا المماثلة والتشبيه لا؛ لأن معناه خلقه على صورته سميعًا بصيرًا يتكلم، وله وجه، وله صفاته المعروفة، كما أن الله جل وعلا يتكلم وهو سميع بصير وله وجه كامل واليد ونحو ذلك، هكذا خلق آدم يسمع ويبصر ويتكلم وله وجه وله يد وله قدم، ومعلوم أن الله جل وعلا لا شبيه له ولا مثل له: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11] فالمعنى على صورته على الصورة التي هو عليها من جهة السمع والبصر والكلام ونحو ذلك، وهذا اختاره جمع من أئمة الحديث، وهو أظهر في الرواية وأوضح ويؤيده الرواية الأخرى على صورة الرحمن يعني تفصل الضمير وتوضحه، هذا هو المعتمد في هذا الحديث خلافًا لمن قال على صورة آدم أو على صورة ..... كل هذا لا وجه له.
س:......
الشيخ: جاء في بعض روايات الترمذي أن آدم طوله ستون ذراعًا في السماء، وعرضه سبعة أذرع؛ لكن في سنده علي بن زيد بن جدعان وفيه بعض الضعف، فالعرض لم يثبت فيه حديث صحيح، إنما جاء من رواية علي بن زيد عند الترمذي، والترمذي يصحح له وهو حسن الرأي فيه، والجمهور يضعفونه.
قَوْلُهُ: "اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ" فِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى بُعْدٍ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى إِيجَابِ ابْتِدَاءِ السَّلَامِ لِوُرُودِ الْأَمْرِ بِهِ وَهُوَ بَعِيدٌ بَلْ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهَا وَاقِعَةُ حَالٍ لَا عُمُومَ لَهَا، وَقَدْ نقل ابن عَبْدِالْبَرِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الِابْتِدَاءَ بِالسَّلَامِ سُنَّةٌ، وَلَكِنْ فِي كَلَامِ الْمَازِرِيِّ مَا يَقْتَضِي إِثْبَاتَ خِلَافٍ فِي ذَلِكَ، كَذَا زَعَمَ بَعْضُ مَنْ أَدْرَكْنَاهُ، وَقَدْ رَاجَعْتُ كَلَامَ الْمَازِرِيِّ وَلَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ قَالَ: ابْتِدَاءُ السَّلَامِ سُنَّةٌ وَرَدُّهُ وَاجِبٌ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا، وَهُوَ مِنْ عِبَادَاتِ الْكِفَايَةِ، فَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: الْمَشْهُورِ، إِلَى الْخِلَافِ فِي وُجُوبِ الرَّدِّ، هَلْ هُوَ فَرْضُ عَيْنٍ أَوْ كِفَايَةٍ، وَقَدْ صُرِّحَ بَعْدَ ذَلِكَ بِخِلَافِ أَبِي يُوسُفَ كَمَا سَأَذْكُرُهُ بَعْدُ، نَعَمْ وَقَعَ فِي كَلَامِ الْقَاضِي عَبْدِالْوَهَّابِ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْهُ عِيَاضٌ قَالَ: لَا خِلَافَ أَنَّ ابْتِدَاءَ السَّلَامِ سُنَّةٌ أَوْ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ فَإِنْ سَلَّمَ وَاحِدٌ مِنَ الْجَمَاعَةِ أَجْزَأَ عَنْهُمْ، قَالَ عِيَاضٌ: مَعْنَى قَوْلِهِ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ مَعَ نَقْلِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ أَنَّ إِقَامَةَ السُّنَنِ وَإِحْيَاءَهَا فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، قَوْلُهُ: نَفَرٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ بِالْخَفْضِ فِي الرِّوَايَةِ وَيَجُوزُ الرَّفْعُ وَالنَّصْبُ.
الشيخ: يعني بدلاً من أولئك.
وَلَمْ أَقِفْ عَلَى تَعْيِينِهِمْ، قَوْلُهُ: فَاسْتَمِعْ، فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: فَاسْمَعْ، قَوْلُهُ: مَا يُحَيُّونَكَ، كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِالْمُهْمَلَةِ مِنَ التَّحِيَّةِ، وَكَذَا تَقَدَّمَ فِي خَلْقِ آدَمَ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِالرَّزَّاقِ، وَكَذَا عِنْدَ أَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِالرَّزَّاقِ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ هُنَا بِكَسْرِ الْجِيمِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ مِنَ الْجَوَابِ، وَكَذَا هُوَ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ لِلْمُصَنِّفِ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ، قَوْلُهُ: فَإِنَّهَا، أَيِ الْكَلِمَاتِ الَّتِي يُحَيُّونَ بِهَا أَوْ يُجِيبُونَ، قَوْلُهُ: تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ أَيْ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ، أَوِ الْمُرَادُ بِالذُّرِّيَّةِ بَعْضُهُمْ وَهُمُ الْمُسْلِمُونَ، وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَب الْمُفْرد وابن ماجة وَصَححهُ بن خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: مَا حَسَدَتْكُمُ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ مَا حَسَدُوكُمْ عَلَى السَّلَامِ وَالتَّأْمِينِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ شُرِعَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ دُونَهُمْ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ الطَّوِيلِ فِي قِصَّةِ إِسْلَامِهِ قَالَ: وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ.. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ حَيَّاهُ بِتَحِيَّةِ الْإِسْلَامِ فَقَالَ: وَعَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ رَفَعَهُ: جَعَلَ اللَّهُ السَّلَامَ تَحِيَّةً لِأُمَّتِنَا وَأَمَانًا لِأَهْلِ ذِمَّتِنَا، وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: كُنَّا نَقُولُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ: أَنْعِمْ بِكَ عَيْنًا وَأَنْعِمْ صَبَاحًا، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ نُهِينَا عَنْ ذَلِكَ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ لَكِنَّهُ مُنْقَطع، وَأخرج ابن أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ قَالَ: كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ: حُيِّيتَ مَسَاءً حُيِّيتَ صَبَاحًا، فَغَيَّرَ اللَّهُ ذَلِكَ بِالسَّلَامِ، قَوْلُهُ: فَقَالَ السَّلَام عَلَيْكُم، قَالَ ابن بَطَّالٍ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ عَلَّمَهُ كَيْفِيَّةَ ذَلِكَ تَنْصِيصًا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فَهِمَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ لَهُ: فَسَلِّمْ، قُلْتُ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَلْهَمَهُ ذَلِكَ؛ وَيُؤَيِّدُهُ مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ حَمْدِ الْعَاطِسِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ بن حِبَّانَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: أَنَّ آدَمَ لَمَّا خَلَقَهُ اللَّهُ عَطَسَ فَأَلْهَمَهُ اللَّهُ أَنْ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ.. الْحَدِيثَ، فَلَعَلَّهُ أَلْهَمَهُ أَيْضًا صِفَةَ السَّلَامِ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ هِيَ الْمَشْرُوعَةُ لِابْتِدَاءِ السَّلَامِ.
الشيخ: هذا كله من توفيق الله سواء أنه أمره بذلك أمرًا أو إلهامًا، فهو السلام المشروع، السلام عليكم ورحمة الله.
س: قوله: ويدل على أنه شرع لهذه الأمة....؟
الشيخ: محتمل يحتاج إلى نظر، في قصة إبراهيم قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ [هود:69]
لِقَوْلِهِ: فَهِيَ تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ، وَهَذَا فِيمَا لَوْ سَلَّمَ عَلَى جَمَاعَةٍ، فَلَوْ سَلَّمَ عَلَى وَاحِدٍ فَسَيَأْتِي حُكْمُهُ بَعْدَ أَبْوَابٍ، وَلَوْ حَذَفَ اللَّامَ فَقَالَ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ؛ أَجْزَأَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلَامٌ عَلَيْكُم وَقَالَ تَعَالَى: فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ على نَفسه الرَّحْمَة وَقَالَ تَعَالَى: سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، لَكِنْ بِاللَّامِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا لِلتَّفْخِيمِ وَالتَّكْثِيرِ، وَثَبَتَ فِي حَدِيثِ التَّشَهُّدِ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ، قَالَ عِيَاضٌ: وَيُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ فِي الِابْتِدَاءِ: عَلَيْكَ السَّلَامُ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ: إِذَا قَالَ الْمُبْتَدِئُ: وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ؛ لَا يَكُونُ سَلَامًا وَلَا يَسْتَحِقُّ جَوَابًا؛ لأن هَذِهِ الصِّيغَةَ لَا تَصْلُحُ لِلِابْتِدَاءِ، قَالَهُ الْمُتَوَلِّي، فَلَوْ قَالَهُ بِغَيْرِ وَاوٍ فَهُوَ سَلَامٌ قَطَعَ بِذَلِكَ الْوَاحِدِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُجْزِئَ كَمَا قِيلَ بِهِ فِي التَّحَلُّلِ مِنَ الصَّلَاةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُعَدَّ سَلَامًا وَلَا يَسْتَحِقَّ جَوَابًا لِمَا رُوِينَاهُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَصَحَّحَهُ وَغَيْرِهِمَا بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ عَنْ أَبِي جُرَيٍّ بِالْجِيمِ وَالرَّاءِ مُصَغَّرٌ الْهُجَيْمِيِّ بِالْجِيمِ مُصَغَّرًا قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقُلْتُ: عَلَيْكَ السَّلَامُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: لَا تَقُلْ عَلَيْكَ السَّلَامُ؛ فَإِنَّ عَلَيْكَ السَّلَامُ تَحِيَّةُ الْمَوْتَى، قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ وَرَدَ لِبَيَانِ الْأَكْمَلِ، وَقَدْ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ: يُكْرَهُ لِلْمُبْتَدِئِ أَنْ يَقُولَ: عَلَيْكُمُ السَّلَامُ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَالْمُخْتَارُ لَا يُكْرَهُ، وَيَجِبُ الْجَوَابُ لِأَنَّهُ سَلَامٌ، قُلْتُ: وَقَوْلُهُ بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ يُوهِمُ أَنَّ لَهُ طُرُقًا إِلَى الصَّحَابِيِّ الْمَذْكُورِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَرْوِهِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ غَيْرُ أَبِي جُرَيٍّ وَمَعَ ذَلِكَ فَمَدَارُهُ عِنْدَ جَمِيعِ مَنْ أَخْرَجَهُ عَلَى أَبِي تَمِيمَةَ الْهُجَيْمِيِّ رَاوِيَةً عَنْ أَبِي جُرَيٍّ وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ أَيْضًا وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وَقَدِ اعْتَرَضَ هُوَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ بِمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي خُرُوجِ النَّبِيِّ ﷺ إِلَى الْبَقِيعِ، الْحَدِيثَ، وَفِيهِ قُلْتُ: كَيْفَ أَقُولُ؟ قَالَ: قُولِي السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، قُلْتُ: وَكَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لَمَّا أَتَى الْبَقِيعَ: السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ .. الْحَدِيثَ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: فِيهِ أَنَّ السَّلَامَ عَلَى الْأَمْوَاتِ وَالْأَحْيَاءِ سَوَاءٌ، بِخِلَافِ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ مِنْ قَوْلِهِمْ:
عَلَيْكَ سَلَامُ اللَّهِ قَيْسُ بْنَ عَاصِمٍ | ......................... |
عَلَيْكَ السَّلَامُ مِنْ أَمِيرٍ وَبَارَكَتْ | يَدُ اللَّهِ فِي ذَاكَ الْأَدِيمِ الْمُمَزَّقِ |
وَقَالَ ابن الْعَرَبِيِّ فِي السَّلَامِ عَلَى أَهْلِ الْبَقِيعِ: لَا يُعَارِضُ النَّهْيَ فِي حَدِيثِ أَبِي جُرَيٍّ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ أَحْيَاهُمْ لِنَبِيِّهِ ﷺ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ سَلَامَ الْأَحْيَاءِ، كَذَا قَالَ، وَيَرُدُّهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ الْمَذْكُورُ، قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ مَخْصُوصًا بِمَنْ يَرَى أَنَّهَا تَحِيَّةُ الْمَوْتَى وَبِمَنْ يَتَطَيَّرُ بِهَا مِنَ الْأَحْيَاءِ؛ فَإِنَّهَا كَانَتْ عَادَةَ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ وَجَاءَ الْإِسْلَامُ بِخِلَاف ذَلِك، قَالَ عِيَاض: وَتَبعهُ ابن الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ فَنَقَّحَ كَلَامَهُ فَقَالَ: كَانَ مِنْ هَدْيِ النَّبِيَّ ﷺ أَنْ يَقُولَ فِي الِابْتِدَاءِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ: عَلَيْكُمُ السَّلَامُ، فَذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي جُرَيٍّ وَصَحَّحَهُ ثُمَّ قَالَ: أَشْكَلَ هَذَا عَلَى طَائِفَةٍ وَظَنُّوهُ مُعَارِضًا لِحَدِيثِ عَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا مَعْنَى قَوْلِهِ: عَلَيْكَ السَّلَامُ، تَحِيَّةُ الْمَوْتَى إِخْبَارٌ عَنِ الْوَاقِعِ لَا عَنِ الشَّرْعِ أَيْ أَنَّ الشُّعَرَاءَ وَنَحْوَهُمْ يُحَيُّونَ الْمَوْتَى بِهِ، وَاسْتَشْهَدَ بِالْبَيْتِ الْمُتَقَدِّمِ وَفِيهِ مَا فِيهِ، قَالَ: فَكَرِهَ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يُحَيِّيَ بِتَحِيَّةِ الْأَمْوَاتِ.
الشيخ: والأقرب في هذا -والله أعلم- أن يقال: إن أحاديث البداءة بالسلام على الموتى أصح، فيكون حديث أبي جري شاذًّا أو وقع فيه شيء من الوهم، وإلا فقد ثبت عنه ﷺ أنه علم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، من حديث أبي هريرة، وهكذا من حديث عائشة، وهي أحاديث صحيحة أصح من حديث أبي جري؛ أما في حديث أبي الجري أنه قال: إن سلام الموتى: عليكم السلام، بالبداءة بالجار والمجرور فهذا خلاف الأحاديث الصحيحة، والقاعدة أن الحديثين إذا تعارضا فإن الأصح منهما هو المعتمد والمخالف يكون هو الشاذ، وهذا هو المعتمد، وأما ما ذكر ابن القيم من حمله أن هذا كان في الجاهلية فهو محل نظر كما قال الشارح.
والحاصل: أن السنة في السلام على الموتى مثل السلام على الأحياء يبدأ بقوله: السلام عليكم، كما يسلم على الأحياء، يقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية، وفي اللفظ الآخر: السلام على أهل الديار من المؤمنين المسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، هذا هو المعتمد في السلام على الأحياء والأموات جميعًا، أن يبدأ بقوله: السلام عليكم، أما الرد فيقول: وعليكم السلام، الرد خلاف البدء، البدء يقول: السلام عليكم، يبدأ بالمبتدأ السلام، وفي الرد يبدأ بالجر، بالجار والمجرور، يقول: وعليكم السلام ورحمة الله.
تكلم على قوله: قول الملائكة: عليك السلام؟
الطالب: قَوْلُهُ: فَقَالُوا: السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهُ، كَذَا لِلْأَكْثَرِ فِي الْبُخَارِيِّ هُنَا، وَكَذَا لِلْجَمِيعِ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ؛ وَلِأَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِالرَّزَّاقِ، وَوَقَعَ هُنَا لِلْكُشْمِيهَنِيِّ فَقَالُوا: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ.
الشيخ: هذا هو المطابق لشرعية السلام، وعليك السلام.
قَوْلُهُ: فَقَالُوا السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهُ، كَذَا لِلْأَكْثَرِ فِي الْبُخَارِيِّ هُنَا، وَكَذَا لِلْجَمِيعِ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ، وَلِأَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِالرَّزَّاقِ، وَوَقَعَ هُنَا لِلْكُشْمِيهَنِيِّ فَقَالُوا: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، وَعَلَيْهَا شَرْحُ الْخَطَّابِيِّ، وَاسْتُدِلَّ بِرِوَايَةِ الْأَكْثَرِ لِمَنْ يَقُولُ يُجْزِئُ فِي الرَّدِّ أَنْ يَقَعَ بِاللَّفْظِ الَّذِي يُبْتَدَأُ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، قِيلَ: وَيَكْفِي أَيْضًا الرَّدُّ بِلَفْظِ الْإِفْرَادِ، وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِي ذَلِكَ فِي بَابِ مَنْ رَدَّ فَقَالَ: عَلَيْكَ السَّلَامُ، قَوْلُهُ: فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ الزِّيَادَةِ فِي الرَّدِّ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ بِالِاتِّفَاقِ لِوُقُوعِ التَّحِيَّةِ فِي ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ ردوهَا فَلَوْ زَادَ الْمُبْتَدِئُ: وَرَحْمَةُ اللَّهِ اسْتُحِبَّ أَنْ يُزَادَ وَبَرَكَاتُهُ، فَلَوْ زَادَ وَبَرَكَاتُهُ فَهَلْ تُشْرَعُ الزِّيَادَةُ فِي الرَّدِّ، وَكَذَا لَوْ زَادَ الْمُبْتَدِئُ عَلَى: وَبَرَكَاتُهُ، هَلْ يُشْرَعُ لَهُ ذَلِكَ؟ أَخْرَجَ مَالك فِي الْمُوَطَّأ عَن ابن عَبَّاسٍ قَالَ: انْتَهَى السَّلَامُ إِلَى الْبَرَكَةِ، وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِاللَّهِ بن بِأَبِيهِ قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى ابن عُمَرَ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ وَمَغْفِرَتُهُ، فَقَالَ: حَسْبُكَ إِلَى وَبَرَكَاتُهُ، انْتَهَى إِلَى وَبَرَكَاتُهُ، وَمِنْ طَرِيقِ زُهْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: انْتَهَى السَّلَامُ إِلَى وَبَرَكَاتُهُ، وَرِجَالُهُ ثِقَات، وَجَاء عَن ابن عُمَرَ الْجَوَازُ؛ فَأَخْرَجَ مَالِكٌ أَيْضًا فِي الْمُوَطَّأِ عَنْهُ أَنَّهُ زَادَ فِي الْجَوَابِ: وَالْغَادِيَاتُ وَالرَّائِحَاتُ، وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ مِنْ طَرِيقِ عَمْرو بن شُعَيْب عَن سَالم مولى ابن عمر قَالَ كَانَ ابن عُمَرَ يَزِيدُ إِذَا رَدَّ السَّلَامَ، فَأَتَيْتُهُ مَرَّةً فَقُلْتُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَزِدْتُ وَبَرَكَاتُهُ، فَرَدَّ وَزَادَ: وَطِيبُ صَلَوَاتِهِ، وَمِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ وَمَغْفِرَتُهُ وَطِيبُ صلواته، وَنقل ابن دَقِيقِ الْعِيدِ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ بْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا الْجَوَازُ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الْبَرَكَةِ إِذَا انْتَهَى إِلَيْهَا الْمُبْتَدِئُ، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَرَدَّ عَلَيْهِ وَقَالَ: عَشْرٌ، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَرَدَّ عَلَيْهِ وَقَالَ: عِشْرُونَ، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَزَادَ وَبَرَكَاتُهُ فَرَدَّ وَقَالَ: ثَلَاثُونَ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ مِنْ حَدِيثِ أبي هُرَيْرَة وَصَححهُ ابن حِبَّانَ وَقَالَ: ثَلَاثُونَ حَسَنَةً، وَكَذَا فِيمَا قَبْلَهَا صَرَّحَ بِالْمَعْدُودِ، وَعِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ فِي عَمَلِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي وَقَعَ لَهُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ، وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ رَفَعَهُ: مَنْ قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ كُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وَمن زَاد وَرَحْمَة الله كتبت لَهُ عِشْرُونَ حَسَنَةً، وَمَنْ زَادَ وَبَرَكَاتُهُ كُتِبَتْ لَهُ ثَلَاثُونَ حَسَنَةً، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ نَحْوَ حَدِيثِ عِمْرَانَ وَزَادَ فِي آخِرِهِ ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَزَادَ وَمَغْفِرَتُهُ، فَقَالَ: أَرْبَعُونَ، وَقَالَ: هَكَذَا تَكُونُ الْفَضَائِلُ، وَأخرج ابن السُّنِّيِّ فِي كِتَابِهِ بِسَنَدٍ وَاهٍ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ يَمُرُّ فَيَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّه،ِ فَيَقُولُ لَهُ: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ وَمَغْفِرَتُهُ وَرِضْوَانُهُ، وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ كُنَّا إِذَا سَلَّمَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ ﷺ قُلْنَا: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ وَمَغْفِرَتُهُ، وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ الضَّعِيفَةُ إِذَا انْضَمَّتْ قَوِيَ مَا اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ مِنْ مَشْرُوعِيَّةِ الزِّيَادَةِ عَلَى وَبَرَكَاتُهُ، وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الرَّدَّ وَاجِبٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، وَجَاءَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ: يَجِبُ الرَّدُّ عَلَى كُلٍّ فَرْدٍ فَرْدٍ، وَاحْتَجَّ لَهُ بِحَدِيثِ الْبَابِ؛ لأن فِيهِ فَقَالُوا: السَّلَامُ عَلَيْكَ، وَتعقب بِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ نُسِبَ إِلَيْهِمْ وَالْمُتَكَلِّمُ بِهِ بَعْضُهُمْ، وَاحْتَجَّ لَهُ أَيْضًا بِالِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ مَنْ سَلَّمَ عَلَى جَمَاعَةٍ فَرَدَّ عَلَيْهِ وَاحِدٌ مِنْ غَيْرِهِمْ لَا يُجْزِئُ عَنْهُمْ، وَتُعُقِّبَ بِظُهُورِ الْفرق، وَاحْتج لِلْجُمْهُورِ بِحَدِيث عَليّ رَفعه يُجزئ عَنِ الْجَمَاعَةِ إِذَا مَرُّوا أَنْ يُسَلِّمَ أَحَدُهُمْ وَيُجْزِي عَنِ الْجُلُوسِ أَنْ يَرُدَّ أَحَدُهُمْ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْبَزَّارُ وَفِي سَنَدِهِ ضَعْفٌ لَكِنْ لَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَفِي سَنَدِهِ مَقَالٌ وَآخَرُ مُرْسَلٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَاحْتَجَّ بن بَطَّالٍ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ الْمُبْتَدِئَ لَا يُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِ تَكْرِيرُ السَّلَامُ بِعَدَدِ مَنْ يُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ، كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ مِنْ سَلَامِ آدَمَ وَفِي غَيْرِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ، قَالَ: فَكَذَلِكَ لَا يَجِبُ الرَّدُّ عَلَى كُلٍّ فَرْدٍ فَرْدٍ إِذَا سَلَّمَ الْوَاحِدُ عَلَيْهِمْ، وَاحْتَجَّ الْمَاوَرْدِيُّ بِصِحَّةِ الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ عَلَى الْعَدَدِ مِنَ الْجَنَائِزِ، وَقَالَ الْحَلِيمِيُّ: إِنَّمَا كَانَ الرَّدُّ وَاجِبًا؛ لأن السَّلَامَ مَعْنَاهُ الْأَمَانُ.
الشيخ: يكفي، المقصود من هذا كله أن السلام ينتهي إلى "وبركاته"، هذا هو المحفوظ في الأحاديث الصحيحة، فالأوْلى الاقتصار على ذلك في البدء حتى لا يكلف إخوانه، فيقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، هذه النهاية، هذا هو الذي جاءت به الأحاديث الصحيحة الكثيرة، وأما الزيادات فهي... بأسانيد واهية وضعيفة.
وأما الرد إذا قال المسلِّم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، رد عليه كذلك، ولو زاد لم يضر، لو زاد: حياكم الله، أو بارك الله فيكم، أو كيف أهلك؟ كيف أولادك؟ صار هذا من باب الرد بأحسن. النهاية: وبركاته، فإذا زاده بعد ذلك في الجواب فالأمر واسع.
أما البدء فينتهي عند قوله: وبركاته، وأما قوله جل وعلا: فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا [النساء:86] فهو يقتضي أنه إذا قال المسلم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، يعني يرد عليه بما هو أحسن: ومغفرته، أو حياك الله، أو بارك الله فيك، أو كيف أهلك؟ أو كيف أولادك؟ أو كيف أصبحت؟ من باب الزيادة في الحسنة.
س: يبدأ بالمفرد: السلام عليك؟
الشيخ: يجوز هذا وهذا، السلام عليك، والسلام عليكم، إذا كان واحدًا: السلام عليك، والغالب أن النبي ﷺ كان يقول: السلام عليكم؛ فالأفضل الجمع.
س: في فرق بين السلام عليكم وسلامٌ عليكم؟
الشيخ: هذا جائز وهذا جائز، والأفضل السلام عليكم، وإن قال سلام عليكم؛ فلا بأس، يسلم في البدء، النبي ﷺ لما كتب إلى هرقل، قال: سلام على من اتبع الهدى؛ للتنكير، كما ذكره الشارح في قوله: سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ [الصافات:79] وقول إبراهيم: سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ [الذاريات:25] فلا بأس.
س: ....
الشيخ:....