385 من حديث: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله..)

 
4/1209- وعَن ابن عُمَر رَضِيَ اللَّه عنْهَما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أُمِرْتُ أَن أُقاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَن لا إِلهَ إِلاَّ اللَّه وأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، ويُقِيمُوا الصَّلاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ، فَإِذا فَعَلوا ذلكَ، عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وأَمْوَالَهم إِلاَّ بحَقِّ الإِسلامِ، وحِسابُهُمْ عَلى اللَّهِ مُتفقٌ عليه.
5/1210- وَعَنْ أَبي هُريرةَ ، قالَ: لمَّا تُوُفي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَكانَ أَبُو بَكْر، وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ العربِ، فَقَالَ عُمرُ : كيفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ وَقدْ قَالَ رسُولُ اللَّهِ ﷺ: أُمِرتُ أَنْ أُقاتِل النَّاسَ حتَّى يَقُولُوا لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّه فَمَنْ قَالهَا، فقَدْ عَصَمَ مِني مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلاَّ بِحَقِّه، وَحِسَابُهُ عَلى اللَّهِ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: واللَّهِ لأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاةِ والزَّكاةِ، فإِن الزَّكَاةَ حَقُّ المَالِ. واللَّهِ لَو مَنعُوني عِقَالًا كانَوا يُؤَدونَهُ إِلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى منعِهِ، قَالَ عُمرُ : فَوَاللَّهِ مَا هُو إِلاَّ أَن رَأَيْتُ اللَّه قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أَبي بَكْرٍ للقِتَالِ، فَعَرفْتُ أَنَّهُ الحَقُّ. مُتفقٌ عَلَيْهِ.
6/1211- وعن أَبي أَيوبَ ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ للنَّبيِّ ﷺ: أَخْبِرْني بِعَملٍ يُدْخِلُني الجَّنَةَ، قَالَ: تَعْبُدُ اللَّه وَلاَ تُشْرِكُ بِه شَيْئًا، وتُقِيمُ الصَّلاةَ، وتُؤْتي الزَّكاةَ، وتَصِلُ الرَّحِمَ متفقٌ عَلَيهِ.

الشيخ:
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الأحاديث أيضا تتعلق بالزكاة وبقية شرائع الإسلام، تقدم أن الله جل وعلا خلق الخلق ليعبدوه، وبعث الرسل بذلك عليهم الصلاة والسلام، وأرسل خاتمهم وأفضلهم نبينا محمد عليه الصلاة والسلام بذلك بالإسلام الذي هو توحيد الله وطاعته واتباع شريعته، فالأساس هو توحيده والإخلاص له والإيمان به وبرسله، وبالأخص خاتمهم وأفضلهم نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، فإذا آمن بذلك أمر ببقية الشرائع وألزم ببقية الشرائع من صلاة وغيرها، والزكاة حق المال وهي أحد أركان الإسلام الخمسة، فيجب على من أسلم أو دخل في الإٍسلام أن يلتزم بها كما يلتزم بالصلاة وصيام رمضان وحج البيت، ولهذا سبق في الحديث يقول ﷺ: بني الإسلام على خمس يعني خمس دعائم شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت ولما توفي النبي ﷺ وارتد من ارتد من العرب، بعضهم كذّب بنبوة محمد ﷺ وارتد، وبعضهم لم يكذب ولكن امتنع من الزكاة، قال: كنا نؤديها لمحمد فلما توفي ما نؤديها، فقاتلهم الصديق، ألزمهم بذلك وقال: (والله لو منعوني عقالا) وفي رواية (عناقا كانوا يؤدونه إلى النبي ﷺ لقاتلتهم على منع ذلك)، فخاطبه عمر في ذلك فقال: إن الرسول ﷺ قال: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها فقال له الصديق: إن الزكاة من حقها، من حق لا إله إلا الله، ولهذا في اللفظ الآخر حديث ابن عمر: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله ويدل على هذا قوله جل وعلا: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ [التوبة:5] دل على أن من لم يؤد الزكاة لا يخلى سبيله بل يلزم، ولهذا ألزمهم الصديق وقاتلهم على منعها فامتنعوا وقاتلهم على منع ذلك، كما قاتل من ارتد وصدق مسيلمة، قاتلهم حتى دخل من دخل منهم في الإسلام وقتل من قتل على ردة ، وقد وفق الله الصديق في هذه المحنة العظيمة فلهذا ثبته الله وثبت الصحابة معه حتى قاتلوهم، فرجع من رجع إلى الإسلام ودخلوا في دين الله، ومنهم من قتل على ردته وكفره من أصحاب مسيلمة وغيرهم، وهذا يدلنا على أن الواجب على أهل الإسلام أن يؤدوا حق لا إله إلا الله من الصلاة والزكاة والصيام والحج وغير ذلك، فإن الشهادتين لهما حقوق فمن أدى الحقوق كمل إسلامه وكمل إيمانه، وإلا ألزم بذلك، فالصلاة عمود الإسلام، والزكاة ركنه الثالث، والصيام ركنه الرابع، والحج ركنه الخامس، وهكذا بقية الأوامر من الجهاد والدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبر الوالدين وصلة الرحم وصدق الحديث إلى غير هذا، ترك ما نهى الله عنه من سائر المعاصي، فمن أدى ما أوجب الله وترك ما حرم الله هذا هو المؤمن حقا، وله الجنة والكرامة، ومن قصر في ذلك ووحد الله وترك الشرك لكنه قصر في بعض الواجبات أو بعض المعاصي يكون تحت مشيئة الله، إن شاء الله عفا عنه بتوحيده وأعماله الطيبة، وإن شاء عذبه على قدر ما مات عليه من المعاصي ولم يتب، يعذب في النار مدة معلومة حسب ما ضيع من أمر الله، ثم يخرج منها إلى الجنة بتوحيده وإيمانه، وتقدم حديث ابن عباس لما بعث معاذا إلى اليمن قال له النبي ﷺ: ادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض منهم زكاة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم والأحاديث في هذا كثيرة، ونص القرآن واضح في ذلك فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ [التوبة:5]، فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ [التوبة:11] وفي الحديث الرجل الذي قال: يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الله به الجنة؟ قال: تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤدي الزكاة، وتصوم رمضان وفي اللفظ الآخر: وتصل الرحم هذه كلها من أسباب دخول الجنة، وهكذا حديث معاذ لما سأله قال: دلني يا رسول الله على عمل أدخل به الجنة وأنجو به من النار؟ قال: لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه، تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤدي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا، ثم قال: ألا أدلك على أبواب الخير: الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطية كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل -ثم تلا قوله تعالى-: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ۝ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:16-17] ثم قال ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروه سنامه؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: رأس الأمر الإٍسلام وعموده الصلاة، وذروه سنامه الجهاد في سبيله الله، ثم قال: ألا أدلك بملاك ذلك كله؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: كف عليك هذا، وأشار إلى لسانه قلت: يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال ﷺ: وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم فالواجب على المؤمن أن يحذر جميع ما حرم الله، وأن يستقيم على كل ما أوجب الله، هذا هو طريق السعادة، طريق الجنة، طريق الربح، فإذا قصر في شيء من ذلك بأن ضيع بعض الواجبات أو ركب بعض المحرمات صار ناقص الإيمان، ضعيف الإيمان، فيكون تحت مشيئة الله كما قال جل وعلا: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48] يعني من مات على المعاصي ولم يتب كمن يموت على الزنا أو على شرب الخمر أو على عقوق الوالدين أو على الغيبة والنميمة أو على غير هذا من المعاصي، يكون تحت مشيئة الله إن شاء الله عفا عنه لأعماله الطيبة وإيمانه وتقواه وتوحيده، وإن شاء عاقبه على قدر الجريمة التي مات عليها بالنار المدة التي تقتضي حكمته سبحانه وتعالى، ثم بعد التطهير في النار يخرجه الله من النار إلى الجنة، والعصاة الذين يخرجون من النار يلقون في نهر الحياة، يلقون في نهر يقال له نهر الحياة، ينبتون فيه كما تنبت الحبة في حميل السيل، فإذا تم خلقهم أدخلهم الله الجنة، هذه عقيدة أهل السنة والجماعة في أمر العصاة خلافا للخوارج والمعتزلة، فالعصاة عند المعتزلة والخوارج يخلدون في النار، وقولهم باطل، وأهل السنة والجماعة يقولون لا، إذا دخلوا النار لا يخلدون يعذبون على قدر معاصيهم ثم بعد التطهير والتمحيص يخرجهم الله من النار إلى الجنة، هذا هو قول أهل السنة والجماعة، وهو الذي دلت عليه الأدلة الشرعية والأحاديث الصحيحة عن رسول الله ﷺ، وفق الله الجميع.

الأسئلة:
س: من قال من مانعي الزكاة أن الزكاة لا تؤدى إلى إلا الرسول ﷺ ما يكون متأولا؟
الشيخ: يعلم، فإن أصر يقاتل، وإن هداه الله تؤخذ منه الزكاة غصبا عليه ويعزر بالمال كما في حديث بهز بن حكيم: وإنا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا لكن إذا قاتل يقاتل كما فعل أهل الردة، إذا قاتلوا قاتلهم الصديق، أما إذا لم يقاتل مقدورا عليه يلزم.
س: قوله ﷺ: تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم ألا يدل على عدم إخراجها من تلك البلاد إلى بلدة أخرى؟
الشيخ: يعم الفقراء كلهم، لكن أهل البلد أولى، فقراؤها أولى إذا احتاجوا، وإذا أغناهم الله ينقل إلى بلاد أخرى، أهل البلد فقراءها أولى بزكاتها لكن إذا أغناهم الله وصارت زائدة يخرج.