بَابُ الْفَرَائِضِ
952- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
953- وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلَا يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
954- وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي بِنْتٍ، وَبِنْتِ ابْنٍ، وَأُخْتٍ، قَضَى النَّبِيُّ ﷺ: لِلِابْنَةِ النِّصْف، وَلِابْنَةِ الِابْنِ السُّدُس تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ، وَمَا بَقِيَ فَلِلْأُخْتِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
955- وَعَنْ عبدالله بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْأَرْبَعَةُ إِلَّا التِّرْمِذِيَّ.
وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ بِلَفْظِ أُسَامَةَ.
وَرَوَى النَّسَائِيُّ حَدِيثَ أُسَامَةَ بِهَذَا اللَّفْظِ.
956- وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَينٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: إِنَّ ابْنَ ابْنِي مَاتَ، فَمَا لِي مِنْ مِيرَاثِهِ؟ فَقَالَ: لَكَ السُّدُسُ، فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ، فَقَالَ: لَكَ سُدُسٌ آخَرُ، فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ، فَقَالَ: إِنَّ السُّدُسَ الْآخَرَ طُعْمَةٌ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ عِمْرَانَ، وَقِيلَ: إِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ.
957- وَعَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ جَعَلَ لِلْجَدَّةِ السُّدُسَ إِذَا لَمْ يَكُنْ دُونَهَا أُمٌّ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ الْجَارُودِ، وَقَوَّاهُ ابْنُ عَدِيٍّ.
الشيخ: هذه الأحاديث في باب الفرائض كلها تتعلق بالمواريث.
والفرائض علم على علم المواريث، يقال: علم الفرائض، يعني: علم المواريث، وسُميت: فرائض؛ لأنَّ الله فرضها على عباده، وألزمهم بالحكم بها والأخذ بها في كتابه العزيز، وسمَّاها: فريضةً، فذكر قوله تعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ [النساء:11]، وذكر المواريث: فرضها وتعصيبها، قال بعد هذا: فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ، يُسمَّى الجميع: فرضًا، فالمواريث عصبها وفرضها كلها فرض.
ثم اصطلح العلماءُ على تسمية ما كان مُقدَّرًا بالفرض، وما كان غير مُقدَّرٍ بأنه تعصيب، فجعلوا الميراث قسمين: فرض وتعصيب، فالتعصيب: ما لم يُقدَّر، والفرض: ما قُدِّر: كالنصف والثلثين ونحو ذلك، وكلاهما يُسمَّى: فرضًا في كتاب الله؛ فلهذا قيل: علم الفرائض، ويقال له: علم المواريث.
وهو علم عظيم شريف، كل الناسٍ في حاجةٍ إليه؛ ولهذا رُوي أنه نصف العلم.
فالمقصود أنَّ هذا العلم من العلوم العظيمة التي تعمّ الحاجةُ إليه، ويعمّ نفعها للناس، فكل بلدٍ وكل قريةٍ وكل قبيلةٍ بحاجةٍ إلى هذا العلم؛ لأنه يتعلق بالموت، وكل قومٍ فيهم الموت.
وقد ألَّف العلماء في ذلك مؤلفات مستقلة في هذا الفن كما هو معلوم، وهو بحمد الله أيضًا ميسر، ومع ذلك فقد يُنزع من الناس في آخر الزمان كما جاء في بعض الأحاديث، وهو يُنسى: وهو أول علمٍ يُنزع من أمتي، وإن كان في سنده بعض المقال، لكنه مشهور.
فينبغي لأهل العلم العناية به لأمرين:
أحدهما: ما يُروى أنه يُنزع في آخر الزمان، والواقع شاهد بذلك.
والأمر الثاني: شدة الحاجة إليه، وأن المسلمين يحتاجون في كل مكانٍ مَن يقسم بينهم مواريثهم، فوجب على أهل العلم أن يُعنوا به، وأن يجتهدوا في إتقانه؛ حتى لا يغلطوا فيه إذا احتاج إليه المستفتون.
ومن رحمه الله ومن إحسان الله: أن جعل مسائله واضحةً ومنصوصةً، إلا الشيء اليسير من مسائله، وهو بحمد الله أيضًا مُيسر، وله قواعد تحفظ لك الشيء اليسير الذي قد يشتبه على بعض الناس، وإلا فعموم مسائله وغالب مسائله كلها منصوصة، وكلها واضحة.
والحديث الأول: حديث ابن عباسٍ، وهو أصل في هذا الباب، أصل في علم المواريث، وهو قوله ﷺ: ألحقوا الفرائضَ بأهلها، فما بقي فهو لأولى رجلٍ ذكرٍ، وفي لفظٍ: اقسموا المالَ بين أهل الفرائض على كتاب الله، فما أبقت الفرائضُ فهو لأولى رجلٍ ذكرٍ خرجه الشيخان.
فقد بيَّن هذا الحديثُ العظيم أنَّ الواجب قسم المواريث على أهل الفرائض، ويبدأ بهم، ثم ما بقي يكون للعصبة.
والعصبة موضحون في كتاب الله وفي سنة رسوله عليه الصلاة والسلام، فمَن قُدِّر له مال فهو صاحب الفرض، ومَن لم يُقدر وهو منصوصٌ عليه في الورثة فهو صاحب التَّعصيب: كالأب، والجد، والابن، وابن الابن، والأخوة لأب، ولأمهم، وبنيهم، والأعمام وبنيهم. هؤلاء هم العصبة، وهكذا أصحاب الولاء.
فعلى مَن ينظر في هذا المقام أن يبدأ بأهل الفروض: بأهل النصف، وأهل الثمن، وأهل الربع، وأهل الثلثين، وأهل الثلث، وأهل السدس، فهو موضحون في كتاب الله، فالبنات والأخوات من أهل الفرائض، وقد يُعصَّبن في حالٍ خاصَّةٍ: إذا وُجد مُعصِّبهن، والأم من أهل الفرائض، والجدة من أهل الفرائض، والزوج والزوجة من أهل الفرائض، وأولاد الأم من أهل الفرائض.
أما الأب والجدّ فتارةً وتارةً؛ لأنهما في النصوص قد يكونان من أهل الفرائض عند وجود الفرع الوارث، وقد يكونان من أهل العصبة عند عدم الفرع الوارث.
فيبدأ بأهل الفروض حيث كانوا، سواء كانوا أهل فروضٍ مطلقًا، أو في حال أخذهم الفروض: كالأب والجد مع الولد، فيُعطون فروضهم والباقي هو العصب.
وإذا لم يبقَ شيء سقط العاصبُ؛ لأنَّ هذا معنى: فما بقي فهو لأولى رجلٍ ذكرٍ، معناه: إذا لم يبقَ شيء يقع، ليس له إلا الفرض.
فإن هلك هالكٌ عن أهل فروضٍ: كزوج وأم وابن، بدأ بأهل الفروض، فيُعطى الزوج الربع مع الولد، وتُعطى الأم السدس مع الولد، فتكون من اثني عشر: للزوج الربع ثلاثة، وللأم السدسان، بقي سبعة للابن، أو ابن الابن؛ لأنهم من العصب.
وإذا هلك عن بنتين وأم وابن ابن مثلًا، البنتان لهما الثلثان، والأم لها السدس، والبقية واحد لابن الابن تعصيبًا.
بنتان وأخ، تكون من ثلاثة: للبنتين الثلثان، والباقي للأخ من غير أمٍّ، وهكذا.
يبدأ بالفروض، فإن استغرقوا المسألة ولم يبقوا شيئًا سقط العاصبُ: كبنتين وأبوين وابن ابن للست: للابنتين الثلث أربع، والأم لها السدس واحد، والأب له السدس، ما بقي شيء، يسقط ابن الابن، ما له شيء؛ لأنه استغرقت الفروض المسألة.
ومثل: أم وأختين شقيقتين وأخ لأم وأخ لأب، تكون من ستة .....، والأم لها السدس واحد، .....، يسقط الأخ لأب، وهكذا أشباهه: كالعمِّ وابن العمِّ؛ لأنهم عصبة، ما بقي لهم شيء، فهذا معنى حديث: ألحقوا الفرائض بأهلها، وفي اللفظ الآخر: اقسموا المالَ بين أهل الفرائض على كتاب الله، فما أبقت الفرائضُ فهو لأولى رجلٍ ذكرٍ يعني: أقرب، أولى بمعنى: أقرب؛ لأنه لو صار فيها حقٌّ احتاج إلى الدور مَن هو الأحقّ؛ ولهذا فسره العلماء بأقرب، هذا معنى ما جاء في النصوص، هذا أولى من هذا، يعني: أقرب إلى الشيء.
فالأقرب إلى الميت هو الأولى بالفرض، فالابن أولى من ابن الابن، وابن الابن أولى من ابن ابن الابن، والأخ أولى من ابن الأخ، والعم أولى من ابن العم، وهكذا، فيُقدم مَن هو أولى جهةً أو درجةً أو قوةً، كما يأتي في محلِّه إن شاء الله.
المقصود أنَّ القرابة تكون بالجهة: كالأب مقدم على الأخ، والأخ مقدم على العم في جهته، أو في الدَّرجة: كالعم مقدم على ابنه، والأخ على ابنه، والابن على ابن ابنه، والمعتق على ابن المعتق، وأشباه ذلك، أو بالقوة: كالشقيق مقدم على ابن الأب من الإخوة وأولادهم، والأعمام وأبنائهم، فالتقديم تارةً بالجهة، وتارة بالقرب، وتارة بالقوة.
والحديث الثاني: حديث أسامة بن زيد مولى النبي ﷺ أنه قال عليه الصلاة والسلام: لا يرث المسلمُ الكافرَ، ولا الكافرُ المسلم.
هذا الحديث متَّفق عليه كالذي قبله .....، وهو حُجَّة لجمهور أهل العلم على أنَّ اختلاف الدِّين يمنع من التَّوارث، وأنَّ من شرط التَّوارث اتِّحاد الدِّين وعدم اختلافه، فإذا كان الميتُ مسلمًا، والوارث كافرًا؛ فلا يرث، أو العكس، وهذا إجماعٌ من أهل العلم بعدم إرث الكافر من المسلم، وأنه إذا كان مسلمًا فإنه لا يرثه الكافرُ إجماعًا للحديث.
واختلفوا فيما إذا كان الميتُ كافرًا، والقريب مسلمًا، فلو مات إنسانٌ عن أبيه المسلم، وهو كافر الميت، أو ابنه المسلم، فالجمهور على المنع؛ لهذا الحديث الصحيح، وأنه لا يرث المسلمُ الكافرَ ولو كان أفضلَ منه، لا يرث لنصِّ هذا الحديث؛ لأنَّ الدِّين مختلف ..... فلا يرث.
ويُروى عن معاوية ومعاذٍ وجماعة من السَّلف أنهم ورثوا المسلم الكافر، وقالوا: الإسلام يعلو ولا يُعلى. واجتهدوا في هذا، ولكن الصَّواب الذي عليه الأئمة الأربعة والجمهور أنه لا يرثه مطلقًا، سواء كان الميتُ مسلمًا أو العكس، والوارث هو الكافر أو العكس.
وهذا هو الحقّ بلا شكٍّ؛ لأنَّ الحديث صريح واضح صحيح، فلا وجهَ للاجتهاد في هذا المحلِّ، الاجتهاد محله عند خفاء النصوص، فأما إذا كانت النصوصُ واضحةً وصحيحةً لم تكن محلّ الاجتهاد، والله يقول: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59]، فإذا ردّ الأمر إلى الله فقد أمر الله بطاعة رسوله ﷺ، واتباع ما جاء به، وقد نصَّ الرسولُ على أنه لا يرث المسلمُ من الكافر، فلا وجهَ لهذا القول الذي هو عن بعض السَّلف، بل هو ساقط ومردود بالنصِّ.
والحديث الثالث: حديث ابن مسعودٍ في بنت وبنت ابن وأخت، سُئل عنها ابن مسعودٍ، فقضى فيها بأن للبنت النصف، ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين، والباقي للأخت، وأخبر أنَّ هذا هو قضاء النبي عليه الصلاة والسلام.
وكان قد أشكل هذا على أبي موسى الأشعري، فلما أخبر به ابن مسعودٍ قال: "قد ضللتُ إذًا وما أنا من المهتدين"، وكان أبو موسى قد قضى للبنت بالنصف، والأخت لها النصف، فبين ابن مسعودٍ أنَّ هذا خلاف القضية، وقضى فيها بأن البنت لها النصف، وبنت الابن لها السدس تكملة الثلثين، وما بقي للأخت، فاستقر كلامُ أهل العلم على هذا النص.
وسُئل معاذ -كما رواه البخاري في "الصحيح"- عن رجلٍ مات عن بنته وأخته، فقضى معاذ بالنصف للبنت، والنصف الباقي للأخت، قسم المال بينهما، وهو موافق لما ذكر عبدالله، ووجه ذلك أنَّ الله جلَّ وعلا جعل للبنات الثلثين: فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ [النساء:176].
فإذا أخذت البنتُ النصفَ ووُجد بنت ابنٍ فقد بقي بعض الثلثين، وهي من البنات، فتُعطى هذه البقية من السدس تكملة الثلثين، والباقي للعاصب، والأخت مع البنات عصبة؛ فتُعطى البقية، وهكذا الأخوات أعطاهن الله الثلثين، فإذا أخذت الشَّقيقةُ النصفَ بقي بعض الثلثين، فتُعطى الأختُ لأبٍ؛ لأنها أضعف، كبنت الابن مع البنت، فتأخذ السدس تكملة الثلثين.
وهنا تكون الأختُ بمنزلة الشَّقيق، والأخت لأبٍ بمنزلة الأخ لأب، فتحجب مَن وراءها، فلو كان مع الأخت لأبٍ ابنُ أخ شقيق، أو ابن أخ لأب حجبته، وأخذت الباقي، وهكذا الشَّقيقة تحجب الأخَ لأبٍ لهذا؛ لأنها عاصبة، فتأخذ الباقي، ويُحجب الأخ لأب لأنها أقوى منه في هذا المكان، أقوى وأحقّ.
والحديث الرابع حديث عبدالله بن عمرو: لا توارث بين أهل ملتين.
هذا مطابقٌ لحديث أسامة في المعنى، فيكون مُؤيِّدًا لما رواه أسامة، وهو إن قلَّ في المعنى فلا توارث بين أهل ملتين .....
فلو مات يهودي عن نصراني، أو نصراني عن يهودي، أو يهودي عن مجوسي، فلا توارث؛ لأنهما ملتان، كل واحدةٍ تُكفِّر الأخرى وتُبطل دِين الأخرى، فلا يتوارثان، كالمسلم مع الكافر، وهذا هو الصواب.
وكونهم ملةً واحدةً في ظلم الناس، وفي عداء المسلمين لا يجعلهم ملةً واحدةً للتَّوارث، الكفار يتنوَّعون، لكنهم في الضَّلالة والباطل والعداء للإسلام وأهله فهم على ملةٍ واحدةٍ، مُتساعدون ضدّ الإسلام، وضدّ أهله.
الحديث الخامس: حديث عمران، اختلف الناسُ في سماع الحسن، والأقرب سماعه منه، ثبوت سماعه منه؛ لأنه قد جاء في الروايات ما يدل على مُقابلته له وسماعه منه، فيجب الحمل على ذلك؛ لأنَّ هذا هو الأصل، وما شكَّ فيه فهو على الأصل.
فيه أنَّ النبي ﷺ أعطى الجدَّ السدس، ثم أعطاه سدسًا آخر، ثم أخبره أنه طُعمة، قال العلماء: هذا يُتصور في بنتين، أو بنتي ابنٍ فأكثر، أو بنت وبنت الابن، أخذ معهما السدس فرضًا، ثم أخذ الباقي طعمةً تعصيبًا.
فإذا هلك هالكٌ عن بنتين وجدٍّ: فإنَّ البنتين تُعطيان الثلثين، والجدّ له السدس واحد، ويبقى واحد للجدِّ تعصيبًا.
وهكذا لو هلك هالكٌ عن بنتي ابنٍ، فالحكم واحد، أو بنت وبنت ابنٍ، تُعطى البنتُ النصف، وبنت الابن السدس تكملة الثلثين، والباقي يُعطى السدس، والباقي يأخذه طُعمةً تعصيبًا.
وهكذا غيره من الورثة يُعطى الباقي طُعمةً تعصيبًا، لا يُعطى فرضًا، وإن كان مكان الجدّ الأبُ فالحكم واحد؛ يُعطى الأب السدس فرضًا، والباقي تعصيبًا كالجد من باب أولى.
ويتبين بذلك أنه قد يُجمع بين الأمرين .....؛ فلهذا ذكر العلماءُ أنَّ الأب والجدَّ لهما ثلاث مواريث: الفرض، والتعصيب، والجمع بينهما، في هذه الصورة جمع بينهما: أخذ الفرض، وأخذ الباقي تعصيبًا.
وقد يرث بالفرض مثل: بنتين وأب، أو جد وابن ابن، فليس له في هذه الحالة إلا الفرض فقط؛ لأنَّ ابن الابن يأخذ الباقي تعصيبًا، ومثل: بنتين وأم وأب، أو أم وجد، ليس للأب في هذا إلا الفرض فقط، ما بقي شيء.
وقد يكون تعصيبًا فقط مثل: أم وأب الأم، لها الفرض الثلث، والباقي للأب تعصيبًا.
أم وجدّ الأم، لها الثلث فرضًا، والباقي للجدِّ تعصيبًا.
جدة وأب الجدة، لها السدس، والباقي للأب.
جدة وجدّ الجدة، لها السدس، والباقي للجد تعصيبًا، هذا كله فيه إرث التَّعصيب فقط.
هلك هالكٌ عن أبٍ فقط، أخذ المال تعصيبًا.
عن ابنٍ فقط أخذ المال تعصيبًا.
ويجمع بينهما مثل الصورة المتقدمة: بنتان وأم وأب، بنتان وأم وجد، بنت وبنت ابنٍ وأم وجدّ، بنت ابنٍ وأم وأب ما فيها إلا الفرض.
والحديث السادس: حديث بُريدة في الجدة، النبي أعطاها السدس، وقد أجمع المسلمون على هذا: أنها تُعطى السدس .....، سواء كانت من جهة الأب، أو من جهة الأم، تُعطى السدس، واختلفوا هل يمكن تعدد الجدات أكثر من اثنتين؟
فالصواب أنه يمكن، أما الجدتان فمُتفق عليهما: أم أب، أم أم وأم أب، وقد يُوجد أكثر من ذلك على الصحيح: كأم أم أم، وأم أم أب، وأم أبي أب، وقد يوجد أكثر.
فإنَّ الصحيح: كل جدةٍ أدلت بوارثٍ ترث على الصحيح، فقد تجتمع جدَّات عدة، فإذا انفردت أخذت السدسَ، وإذا تعددن وتساوين بالدَّرجة وكن وارثات أُعطين السُّدس بينهن على عدد رؤوسهن، وإذا كان للجدة جهتان ورثت بهما ثلثي السدس: كجدة لأم أم أم، وأم أم أب، ومعها أم أبي أب، تُعطى ثلثي السدس.
الحاصل أنَّ الجدات يرثن على الصحيح وإن كثرن، أما الجدة الواحدة أو الجدتان فمحل خلافٍ، والله أعلم.
س: ...............؟
ج: لأنه طُعمة، الله ..... زيادة فضلًا منه ، ومعناه التَّعصيب، يعني: طُعمة، جعله الله للأب أو الجدّ، مع أخذه فرضه الذي هو المعين؛ فضلًا من الله ونعمةً .
س: ..............؟
ج: لكن هذا طُعمة مفروضة مُقدَّرة مُعينة، وهذا طُعمة قد تحصل، وقد لا تحصل، قد تحصل إذا بقي شيء، وقد لا تحصل إذا استُوفيت الفروض، مُعرضة للسقوط، أما الطُّعمة الأولى ثابتة.
س: ..............؟
ج: الظاهر الكسر؛ لأنه إذا لم يكن قبله شيء فهو الآخر، وهو الأول والآخر، فالآخر الذي سبق بشيءٍ، يقال له: آخر، وأما آخر إذا دخل في المعنى ..... هذا كذا، والآخر كذا.
س: ...............؟
ج: نعم، وجمادى الآخرة، وربيع الآخر، بالكسر.
س: ...............؟
ج: قال: قضاء النبي ﷺ.
س: ...............؟
ج: لا، لا، لا يُصحح، لكن يُستأنس به فقط، الحكم على ما دلَّ عليه الدليل من جهة الواقع.
958- وَعَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: الْخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ. أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَالْأَرْبَعَةُ سِوَى التِّرْمِذِيِّ، وَحَسَّنَهُ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ.
959- وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ ابْنِ سَهْلٍ قَالَ: كَتَبَ مَعِي عُمَرُ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ مَوْلَى مَنْ لَا مَوْلَى لَهُ، وَالْخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْأَرْبَعَةُ سِوَى أَبِي دَاوُدَ، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
960- وَعَنْ جَابِرٍ ، عَن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: إِذَا اسْتَهَلَّ الْمَوْلُودُ وُرِّثَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
الشيخ: يقول المؤلفُ رحمه الله: وعن المقدام بن معدي كرب الكندي، صحابي جليل مشهور، عن النبي ﷺ أنه قال: الخال وارث مَن لا وارث له خرجه الإمامُ أحمد وأهل السنن سوى الترمذي، وحسَّنه أبو زرعة الرازي، وصححه ابن حبان والحاكم.
وهكذا حديث أبي أمامة ابن سهل بن حنيف: أن عمر كتب إلى أبي عبيدة ابن الجراح: إنَّ الله ورسوله مولى مَن لا مولى له، وإنَّ الخالَ وارث مَن لا وارثَ له. خرَّجه الإمام أحمد وأهل السنن إلا أبا داود، وحسنه الترمذي، وصححه ابن حبان.
هذان الحديثان دليلان على توريث الخال عند عدم الورثة، وقد تنازع أهلُ العلم في مسألة ذوي الأرحام: هل يرثون أم لا يرثون؟
وذهب الجمُّ الغفير من أهل العلم إلى توريثهم، مُحتجين بقوله جلَّ وعلا: وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ [الأنفال:75] يعني بعمومها، فإنها تعمّ أهل الفرائض، وتعمّ العصبة، وتعمّ مَن ليس له فرض ولا عصب من ذوي الأرحام.
واحتجُّوا أيضًا بهذا الحديث، وهو حديث جيد؛ رواه مَن ذكر من حديث المقدام، ومن حديث عمر.
قالوا: ولأنَّ قرابة الإنسان أولى بماله من بيت المال، هم أولى برفده وإحسانه، فكانوا أولى من بيت المال عند عدم ذوي الفروض، وعند عدم العصبة.
وهذا قول قال صاحب "المغني" ابن قُدامة الموفق رحمه الله: مروي عن عمر رضي الله عنه وأرضاه، وعن عليٍّ، وابن مسعودٍ، وأبي عبيدة ابن الجراح، ومعاذ بن جبل، وأبي الدَّرداء من الأنصار، وعن جماعةٍ من التابعين: منهم شريح المعروف، وعمر بن عبد العزيز، وجماعة، وبه قال علماءُ الكوفة: أبو حنيفة وأصحابه، وذهب إليه أحمد رحمه الله وجماعة من أهل العلم؛ لعموم الآية المذكورة، وهي قوله سبحانه: وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ [الأنفال:75]، فيعمّ ذوي الفروض والعصبة.
ومَن ليس كذلك من القرابات قد أجمعوا جميعًا على أنَّ ذوي الأرحام إنما يرثون عند فقد ذوي الفروض والعصبة، أنه متى وُجد صاحبُ فرضٍ: كالبنت أو الأم، أو ذو عصبٍ: كابن العم، فلا إرث لذوي الأرحام: لا خال ولا غيره، بل أولئك مُقدَّمون بالإجماع؛ إذا وُجد ابن عمه ولو بعيدًا، أو مُعتِق، أو ابن مُعتِق، أو عصبة مُعتقين ولو بعدوا، فإنهم مُقدَّمون بالإرث على ذوي الأرحام، وإنما الخلاف إذا فُقد ذوو الفروض وذوو العصبة من الأقارب.
أما الزوجان فلا دخلَ لهما في هذا، الزوجان لا دخلَ لهما في هذا الباب، فإذا فُقد ذوو الفروض من القرابات، والعصبة من النَّسب والولاء، هذا هو محل الخلاف في القرابات الأخرى: كالخال والخالة، والعمة والعم لأم، وبنات الإخوة، وأولاد البنات، والجدَّات الساقطات من جهة الأب، ومن جهة الأم: كأم أبي الأم، وأم أبي أم الأب، وأشباه ذلك، هؤلاء هم محل الخلاف والنزاع.
وعرفنا أنَّ القول بتوريثهم هو قول مَن تقدم، محتجين بعموم الآية: وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ [الأنفال:75]، وبهذا الحديث: الخال وارث مَن لا وارثَ له؛ لقربه، وكونه بمنزلة الأم، وقاسوا عليه بقية الأقارب من العمَّات، والجدَّات السَّاقطات، والأجداد السَّاقطين، وأولاد البنات، وأولاد بنات الابن، وبنات الإخوة، وبنات بنيهم، والعم لأم، وبنات الأعمام، وبنات بني الأعمام، إلى آخره. فجعلوهم أحد عشر صنفًا، وبعضهم صنَّفه أكثر من ذلك، وبعضهم أقلّ، على خلافٍ في هذا، والتصنيف لا يضرّ.
وذهب آخرون من أهل العلم إلى تأويل هذا الخبر أو تضعيفه، ولا بأس بسنده، وقالوا: لم يرد في الأرحام تفصيل في توريثهم، والإرث لا يكون إلا بالنصِّ، وليس هنا نصٌّ يُبين لنا توريثهم، وكيف يُورثون، وذكر الخال فقط لا يكفي، بل الواجب أن يكون .....، وليس له ذو فرضٍ ولا عصبة، بل يكون لبيت المال؛ لأنَّ بيت المال للمسلمين، ولا يخصّ به بقية القرابات، بل يكون لبقية المسلمين عمومًا؛ لأنَّ هذا هو الأصل: إذا لم نجد مُستحقًّا للمال فهو للمسلمين عمومًا، لبيت المال، هذا هو الأصل في الأموال الضَّائعة، وهكذا مَن مات لا وارثَ له يكون لبيت المال، وهكذا الجزية، وهكذا الخراج، وهكذا الغنائم، كله لمصلحة المسلمين، هذا يكون من هذا الباب، وليس معنا أصلٌ يُعتمد عليه مفصل حتى نُعطي ذوي الأرحام.
هذا مذهب ..... رحمه الله، وهو معروف؛ لهذه الأحاديث التي جاءت في الباب .....، فإنه لا يرى توريث ذوي الأرحام، وذهب إلى قوله مالك رحمه الله ابن أنس، والشافعي رحمه الله في المشهور عنه، وذهب بعضُ أصحابه إلى أن قول الشَّافعي فيه تفصيل، وأنه إن انتظم بيتُ المال واستقام فقوله كقول شيخه مالك: يكون لبيت المال، فإن لم ينتظم بيتُ المال فيُورث ذوو الأرحام، هم أولى من بيت المال عند عدم انتظامه.
والمشهور الأول، وهو الذي ذكره صاحبُ "المغني" عن الشَّافعي، ولم يُفصل.
وذهب إلى هذا القول أيضًا كما قال صاحب "المغني"، ذهب إليه أبو ثور المعروف: إبراهيم بن خالد الكلبي، وذهب إليه أيضًا الأوزاعي إمام أهل الشَّام المعروف، وذهب إليه أيضًا داود الظَّاهري: داود بن علي الظاهري، إمام الظاهرية، وذهب إليه أيضًا أبو جعفر ابن جرير صاحب "التفسير".
وهو كما ترى قول له قوته، وله وجاهته، والآية الكريمة التي احتجَّ بها المورثون ليست واضحةً؛ فإنها عامَّة، وقد احتجَّ بها العلماء على نسخ التَّوريث بالموالاة، والله أنزلها ناسخةً لذلك؛ لأنَّ الناس كما مضى في الجاهلية يتوارثون بالمحالفة؛ لأنهم يغزو بعضهم بعضًا، ويقتل بعضهم بعضًا، وينهب بعضهم بعضًا في الجاهلية، فكانوا يحتاجون للتَّحالف حتى يتناصروا، حتى يمتنعوا من عدوهم، فكان الرجلُ يقول للآخر: دمي دمك، ومالي مالك، تنصرني وأنصرك، وترثني وأرثك. ويتحالفون على هذا، والقبائل متحالفة، وينصر بعضهم بعضًا، ويحمي بعضها بعضًا، وأموالهم فيما بينها هكذا، ليس للأقارب، بل للمُتحالفين.
ثم جاء الإسلامُ فأبطل الله ذلك بالإسلام، وصار التَّوارث بالإسلام بالولاء -الموالاة- والهجرة، فمَن هاجر فولي أخيه يرثه، وفي هذا المعنى قوله جلَّ وعلا: وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ [النساء:33].
ثم بعد ذلك نسخ الله الموالاة، وصار الإرث بالقرابات والرحم يتوارثون، المهاجر وغير المهاجري ما داموا مسلمين، ونزل في هذا قوله سبحانه: وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ [الأنفال:75]، في آخر سورة الأنفال: وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ يعني: في حكم الله.
المقصود أنَّ الله جلَّ وعلا نسخ بهذه الآية العظيمة ولاء الموالاة والإرث به، وجعل الميراثَ للأقارب، وهم ذوو الفروض والعصبة، كل يقال لهم: أولو الأرحام، فالذي احتجَّ به على توريث بقية الأقارب يحتاج إلى دليلٍ مُفصلٍ يقتضي ذلك.
والذين قالوا بالتَّوريث قالوا: عمومها يكفي، فإنا أخذنا منها ذوي الفروض والعصبة بالنصِّ والإجماع، فلما زالوا وذهبوا بقي بقيتهم داخلون في هذا العموم، فلا وجهَ لإبعادهم منه، هم داخلون فيه، قُدِّم عليهم غيرهم، كما يُقدم بعض العصبة على بعضٍ، وبعض الفروض على بعضٍ، فهكذا بقية الأرحام قُدِّم عليهم ذوو الفروض وذوو العصب، فإذا زالوا ورثوا بعدهم.
ولعله يأتي في هذا مزيد بحثٍ إن شاء الله عند قراءة الرحبية: ما يتعلق بذوي الأرحام بعد .....؛ فإنَّ المقام يحتاج إلى مزيد عنايةٍ، يحتاج إلى مزيد تأمُّلٍ، ولكن هذا هو أصل البحث.
وكلا القولين فيهما نظر، ولا يبعد أن يُقال قول ثالث، إن كان قال به أحدٌ، ولا أذكره الآن، إن قال به أحدٌ فهو وجيه، وهو أن يقال: إنَّ المال لبيت المال إلا إذا وُجد خال فقط، فالخال ورَّثه الشرع فيُعطى، وما سوى الخال لم يرد فيه نصٌّ فلا يُعطى شيئًا: الخال وارث مَن لا وارثَ له، إذا ..... على الخال فلا شبهةَ في هذا المقام حينئذٍ، أما إلحاق غير الخال من العمَّات والخالات فهذا هو محل النَّظر، ولكني لا أعلم الآن مَن قال بهذا، ويمكن أن يقول به أحدٌ، يحتاج إلى تأمُّلٍ.
الحاصل أنَّ هذا البحث يأتي له مزيد إن شاء الله في درس هذه المسألة، في درس الفرائض إن شاء الله.
وأما قوله: الله مولى مَن لا مولى له هذا واضح، فإنَّ الله هو مولى الجميع، مولى العباد ، ومَن لا مولى له ولا قريبَ له فالله مولاه، وهو الذي جلَّ وعلا يتولى أمره، ويكون ماله من بيت المال؛ لأنَّ بيت المال للمسلمين، والله مولاهم ، وهكذا الرسول، وهكذا ولي الأمر، إذا كان الرجلُ لا ولي له صار ولي الأمر يقوم مقامه: فيقضي دَينه، ويُزوج نساءه، ونحو ذلك، فولي الأمر يقوم مقام مَن لا ولي له؛ ولهذا في الحديث الآخر: السلطان ولي مَن لا ولي له.
والحديث الثالث: حديث جابرٍ، عن النبي ﷺ أنه قال: إذا استهلَّ المولودُ ورث هذا رواه أبو داود، وصحَّحه ابن حبان، وخرجه أحمد أيضًا في "المسند" بإسنادٍ جيدٍ، وهو دليل على أنَّ المولود متى وُلد حيًّا ورث إذا كان استهلَّ، يعني: صرخ، فهذا يدل على أنه متى وُلد حيًّا ورث، وذكر الاستهلال للدلالة على حياته، فإذا استهلَّ أو وُجد منه ما يدل على الحياة من غير الاستهلال كما قاله أهلُ العلم: كالعطاس ونحوه من الحركة البينة الواضحة في الحياة؛ فإنه يرث، وإلا فلا، فإن سقط ميتًا فلا إرثَ له، حكمه حكم العدم، وللحمل في توريثه بحث يأتي في درس الفرائض إن شاء الله في باب الحمل، فإنه بحث يحتاج إلى تفصيلٍ، ولكن هذا الحديث حُجَّة في توريث الحمل لمن استهلَّ حيًّا، إذا وُلد حيًّا بشروطه المعروفة في محلِّها، فإنه يشترط أن يكون موجودًا حين موت المورث، وأن يستهلَّ صارخًا، يعني: أن يُولد حيًّا، ولتوريثه بحث يأتي إن شاء الله في درس الفرائض، والله أعلم.
س: .............؟
ج: الرد مُقدَّم عند مَن قال، والقول الثاني في الرد أنه لا يصح، ويجعله في بيت المال أيضًا، ولكن القول بالردِّ هو الصواب، جاء به النصُّ.
س: ...............؟
ج: محل بحثٍ، يأتي إن شاء الله في محلِّه.
س: ...............؟
ج: إذا عُرفت حياته: حركته واضحة، يكفي.
961- وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَيْسَ لِلْقَاتِلِ مِنَ الْمِيرَاثِ شَيْءٌ. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَوَّاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَأَعَلَّهُ النَّسَائِيُّ، وَالصَّوَابُ وَقْفُهُ عَلَى عُمَرَ.
962- وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: مَا أَحْرَزَ الْوَالِدُ أَو الْوَلَدُ فَهُوَ لِعَصَبَتِهِ مَنْ كَانَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْمَدِينِيِّ، وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ.
963- وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ، لَا يُبَاعُ، وَلَا يُوهَبُ. رَوَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَأَعَلَّهُ الْبَيْهَقِيُّ.
964- وَعَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَفْرَضُكُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ. أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَالْأَرْبَعَةُ سِوَى أَبِي دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ، وَأُعِلَّ بِالْإِرْسَالِ.
الشيخ: الحديث الأول: عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده ، وهو عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أنه عليه الصلاة والسلام قال: ليس للقاتل من الميراث شيءٌ أخرجه النَّسائي والدَّارقطني، وأخرجه ابن عبد البر، وأعلَّه النَّسائي.
لم أقف على علة النَّسائي، ولم يتيسر لي البحث عنها جيدًا، ولكن القاعدة: أن الثقة متى رفع الحديثَ ووصل الحديثَ فهو مُقدَّم؛ ولهذا قوَّاه ابن عبد البر؛ لثقة رجاله، والأصل الاتِّصال وعدم الانقطاع.
وأما قول الحافظ: والصواب وقفه على عمرو. ففيه نظر ..... عمرو بن شعيب، وإلا هو من كلام النبي ﷺ، ويحتمل أنَّ المراد قول عمر بن الخطاب، والواو زائدة؛ لأنَّ عمر حكم به وقال: "ليس للقاتل من الميراث شيء"، وأخبر عن النبي ﷺ أنه لا يُورث القاتل، ورواه مالك وأحمد وابن ماجه بلفظ: ليس لقاتلٍ من الميراث شيء.
وقد أجمع العلماءُ على أنَّ القاتل لا إرثَ له، وأن قتله من موانع الإرث: كالرق، واختلاف الدِّين، وإنما اختلفوا فيما إذا كان القتلُ خطأً: هل يمنع أم لا؟
على قولين لأهل العلم، والأرجح أنه يمنع مطلقًا، سواء كان قتلًا مضمونًا، ليس قتلًا مباحًا ولا مشروعًا فإنه يمنع؛ سدًّا لباب الشُّبهة، وحسمًا للحيل التي قد يتَّخذها مَن أراد قتل مورثه، فما دام القتل مضمونًا لم يأذن به الشرعُ، سواء كان ضمنه الدِّية والكفَّارة، أو بالدية فقط، أو بالكفَّارة فقط؛ فإنه لا يرث صاحبه، وقد يكون بالدية فقط: كالوالد إذا قتل ولده، فإنه ليس عليه إلا الدية فقط، ولكن لا يرث؛ لأنه متعمد، أو بالدية والكفَّارة: كقتل الخطأ، أو بالكفَّارة فقط إذا كان من قومٍ عدو لنا، فإنه لا ديةَ لهم.
وبكل حالٍ تمحص، والصواب قول مَن قال بالتعميم؛ لأنَّ الحديث عام: ليس لقاتلٍ من الميراث شيء؛ ولأنَّ هذا أقرب إلى سدِّ باب الشرِّ والفتن.
والحديث الثاني: حديث عمر عن النبي ﷺ أنه قال: ما أحرز الوالدُ أو الولدُ فهو لعصبته ما كان، هذا حديث جيد، ودليل على أنَّ العاصِب هو الذي يحرز المال، وهذه هي أحد أحكام العاصب، فإنَّ العاصب يأخذ المالَ كله إذا انفرد، كما في قوله جلَّ وعلا في سورة النساء في آخرها: وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ [النساء:176]، فدلَّ على أنَّ العاصب يأخذ المالَ كله إذا انفرد، وهكذا قوله: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ [النساء:11]، فإنَّ الله يأمر أنهم يرثون المالَ كله إذا انفردوا.
وهكذا قوله في آخر السورة: وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ [النساء:176]، والحديث يدل على هذا: ما أحرز الوالدُ أو الولدُ فهو لعصبته ما كان يعني: ما أحرز من عقارٍ أو أمتعةٍ أو نقودٍ فهو للعصبة ما كان، يعني: قربوا أو بعدوا.
وقد احتجّ به على أنَّ الولاء لا يورث، ويأتي البحثُ في هذا، فإنَّ في الحديث في قصة أنَّ امرأةً كان لها موالي وتُوفيت عن بنين من بني سهل، ثم مات البنون وورثهم عمرو بن العاص .....، ثم مات لها مولى عتيق، وهي من غير بني سهل، من قبيلةٍ أخرى، فطالب عمرو بإرث مولاها، فقضى عمر بأنَّ مولاها من مواليها هي، لعصبتها هي؛ لأنه لا يُورث الولاء، بل ينتقل إلى أبنائها، لم ينتقل إلى أبنائها حتى ينتقل إليه، وأخبر بهذا الحديث: ما أحرز الوالدُ أو الولدُ فهو لعصبته ما كانوا.
وهكذا أخذ العلماءُ من هذا قاعدة: لا ميراثَ لعصبة عصبة المعتق، إلا أن يكونوا عصبةً للمُعتق، فعمرو عصبة لعصبتها، وليس عصبةً لها، فإنها كانت امرأةً من تميم، ولها بنون من قريش، فماتت فوجدوها، ثم مات مولى لهم من عتيق لها، فإن أولاد عتيقها لبني تميم لا يورث بنيها وهم قريش؛ لأنَّ الولاء لا يورث، ما انتقل إليهم الولاء، مثل النَّسب لا يورث كما يأتي.
والمقصود أن العصبة هم الذين يأخذون المال كله، كما يأخذون الباقي بعد الفروض كما يأتي، والموالي ولاؤهم لعصبة مَن أعتقهم، وهذا يُتصور في النِّساء، وفي الرجال لا يُتصور؛ لأنَّ عصبة الرجال معروفون، هم عصبة النفس وعتقاؤهم من عصبتهم، لكن المرأة قد تكون من قبيلةٍ وبنوها من قبيلةٍ، فيكون عصبةُ بنيها غير عصبتها، فيكون الولاء لمواليها، لعصبتها، لا لعصبة عصبتها، بل لعصبتها هي، كما في المثال السابق.
أما أخذ العاصب ما أبقت الفروض فهذا يدل عليه الحديث الصحيح: ألحقوا الفرائضَ بأهلها، فما بقي فهو لأولى رجلٍ ذكرٍ، ويدل عليه أيضًا قوله تعالى: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ [النساء:11]، فإنَّ الله ..... بالثلث وسكت عن الوالد، فدلَّ على أنه يأخذ الباقي بعد الثلث -وهو الثلثان- عصبًا، ويُلحق بذلك وهو أنهم يسقطون عند استغراق الفروض، وهذا مأخوذ من هذا الدليل أيضًا؛ فإنه إذا ما بقي شيء سقط، وليس له إلا الباقي، إذا ما بقي شيء سقط، ولكن لا يتصور سقوط ثلاثة: الأب والجدّ والابن؛ لأنهم لا ..... الفروض، ولا تُستغرق معهم المسألة، فالأب والجدّ إنما ..... مع البنات، والبنات يُعطى الأم، والأم والجدّ معهم السدس، ولا يُتصور سقوطه.
والحديث الثاني: حديث ابن عمر، عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما: أنَّ النبي ﷺ قال: الولاء لحمة كلُحمة النَّسب، لا يُباع، ولا يُوهَب.
لُحمة بضم اللام كما في "القاموس"، قال: ..... بالضم. وصاحب "العذب الفائض" قال: تُضم وتُفتح: لُحمة، ولَحمة. وظاهر "القاموس" الضم فقط، وقال: واللُّحمة أيضًا ما يُجعل فوق السّدى، وتُفتح لامها أيضًا، وهكذا ما يقدم من باز من الطعام الذي صاده يقال له: لحمة ولحمة، قال: يُفتح بهما، بما يُقدم للطائر، بما يُجعل فوق السّدى على الثياب، ولم يذكر فتحًا في القرابة، فالظاهر أنَّ لحمة القرابة بالضم فقط.
ومعنى هذا الحديث: أنَّ الولاء مثل النَّسب؛ لا يُباع، فالإنسان ما يُباع نسبه، لو باع نسبه من أخيه أو ابن أخيه بطل البيعُ، لا يصح النَّسب، لا يُباع، هذا أمر ثابت شرعًا، لا ينتقل بالبيع، ولا بالهبة، فهكذا الولاء، وهو يدل على أنه لا يُباع، ولا يُوهب، ولا يُورث.
والإنسان إذا مات عن ولده لا يكون والده في محلِّه ينتقل إليه حكم الأخ، مثلًا: إذا مات الأخُ يكون حكمه حكم ابنه، فلو مات أخٌ شقيقٌ عن ابنٍ، ومات ميت عن أخٍ لأبٍ، قُدم الأخ لأب، ولم يكن ابن الأخ الشَّقيق في منزلة أبيه؛ لأنَّ له نسبته، وله قرابته، وقرابة أبيه لا تنتقل إليه، بل هي مستقلة، فهكذا الولاء لا ينتقل، ولا يورث، ولا يُوهَب.
وفي "الصحيحين" من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: أنَّ النبي ﷺ نهى عن بيع الولاء وعن هبته. رواه الشَّيخان من حديث عبدالله بن دينار، عن ابن عمر.
هذا الحديث من غرائب عبدالله بن دينار عن ابن عمر، والبيهقي رحمه الله حكم على هذه الرواية بالوهم وقال: الرواية المحفوظة أنَّ النبي نهى عن بيع الولاء وعن هبته فقط. وذكر أهل السنن روايات كثيرة فيها: الولاء لحمة كلُحمة النَّسب. وذكر شواهد عن عليٍّ وابن مسعودٍ وابن عباسٍ، وعن الحسن مرسلًا.
وظاهر سياق كلامه أنَّ المحفوظ النَّهي عن بيع الولاء، وعن هبته، ولكن لا منافاة؛ فإنَّ هذا يُؤيد ذلك: الولاء لحمة كلحمة النسب لا يُنافي الحديث الصحيح ولا يُخالفه: الولاء لحمة كلحمة النَّسب يُؤيد ما جاء في الحديث الصحيح من النَّهي عن بيع الولاء وعن هبته، ويُوافق ذلك، فلا منافاةَ، ويمكن ضبط هذا وهذا.
فالحكم بالوهم على أنه روى هذه الرواية محل نظرٍ، وقد أعلَّ بعضهم الرواية بأنَّ محمد بن الحسن وأبا يوسف ليسا من الأثبات من جهة الرواية، وإن كانا فقيهين عظيمين من أئمة الحنفية، لكن ليسا من الأثبات في الرواية، وقد جرح النَّسائي محمدًا في سوء حفظه، وشريح رحمه الله القاضي ردَّ شهادة أبي يوسف؛ لبدعة الإرجاء.
فالمقصود أنه أُعلَّ بعللٍ: منها الحديث الصحيح: النبي نهى عن بيع الولاء وعن هبته، ومنها ما قال في محمد بن الحسن وأبي يوسف، والرواية التي عن عليٍّ، فبعضها فيها انقطاع، وبعضها في صحَّتها نظر، وهكذا رواية ابن مسعودٍ وابن عباسٍ، والشواهد هذه كلها تدل على قوة الحديث، وأنه جيد وثابت؛ لأنها يشدّ بعضُها بعضًا، وينجبر ما في محمد بن الحسن وأبي يوسف من اللِّين من الحفظ، أو من جهة بدعة الإرجاء في أبي يوسف .....
وقد رواه أبو يوسف عن عبدالله بن دينار، حديث ابن عمر في رواية الجماعة: نهى عن بيع الولاء وعن هبته، ولكن رُوي من غير عبدالله بن دينار أيضًا، كما تقدم عند البيهقي وغيره.
والحاصل أنَّ الحديث سنده جيد، ورواية محمد بن الحسن وأبي يوسف لها شواهد كثيرة عن جماعةٍ من الصحابة أيضًا، فهو صحيح المعنى، صحيح المتن، موافق للحديث الصحيح: النَّهي عن بيع الولاء وعن هبته، ويدل ذلك على أن الولاء لا يُباع ولا يُوهب ولا يُورث، بل هو كالنَّسب.
فإذا مات ميت مثلًا عن ابني مُعتق، فإن الاثنين يرثانه، يُعصبانه، ثم لو مات أحدُهما عن ابنٍ، وبقي الابن الآخر و..... الآخر، فإنه يرثه ابن الابن الموجود، ولا ينتقل نصيبُ الميت إلى ابنه؛ لأنه لا يُورث، بل يرثه الأقرب كالنَّسب، مثلما يرث الابنُ، ويُقدم على ابن الابن، فهكذا في الولاء، وهكذا الأخ مع ابن الأخ، وكذا العم مع ابن العم كالنَّسب سواء.
والحديث الرابع حديث أنسٍ: أنَّ النبي ﷺ قال: أفرضكم زيد بن ثابت .. الحديث طويل، وله قصته عن جماعةٍ من الصحابة، لكن ذكر المؤلفُ هنا: أفرضكم زيد بن ثابت.
فزيد رحمة الله عليه كان مُبرزًا في الفرائض وعلمها؛ ولهذا عوَّل عليه الأئمةُ في هذا الفن وتابعوه، إلا في مسائل معدودة خالفه فيها العلماء؛ لظهور الدليل على خلاف قوله:
منها مسألة الجدّ والإخوة كما يأتي، فإنَّ الصواب خلاف قوله، وأنَّ الجدَّ أبٌ يحجب الإخوة، خلافًا لزيدٍ.
ومنها مسألة الحمارية (المشتركة) كما يأتي: أنه يرى تشريك الإخوة الأشقاء مع الإخوة لأم، والصواب عدم التَّشريك، وأنهم يسقطون؛ لاستغراق الفروض. وفي مسائل أخرى قليلة.
ولا يلزم من قوله: أفرضكم زيد أن يكون معه الصواب في كل شيءٍ، إنما أراد عليه الصلاة والسلام بيان تقدمه في هذا الفن، وكثرة علمه في هذا الفن، وليس المراد أنه معصوم لا يُخطئ، وقد يكون العالم مُبَرَّزًا في فنٍّ من الفنون، لكن لا يلزم من ذلك أن يكون قوله هو الصواب في كل شيءٍ، ولكن تُعرض أقواله التي خالف فيها غيره على القاعدة: الكتاب والسنة، فما رجح فيهما أو في أحدهما فهو الصَّواب.
س: ..............؟
ج: يرث إذا كان ما هناك دية ولا كفَّارة يرث، القاعدة: أنَّ القتل يكون مضمونًا، إذا كان ما هو بمضمونٍ لا يمنع، فلو أنَّ إنسانًا .....
س: .............؟
ج: نعم، إذا حكمنا بأنه غير مضمونٍ فإنه لا يمنع الإرث، مثل القصاص، لو أن إنسانًا له أبناء، فقتل أحدُهم أحدَ إخوته عمدًا عدوانًا، فلأبيه القصاص، فإذا قتله قصاصًا ورثه؛ لأنه قتله بحقٍّ.
س: .............؟
ج: ما أعلم مسألةً من المسائل في الفرائض ما فيها نصٌّ، لكن لو وُجد شيء فقوله مُقدَّم على غيره.
بَابُ الْوَصَايَا
965- عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
966- وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا ذُو مَالٍ، وَلَا يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةٌ لِي وَاحِدَةٌ، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: أَفَأَتَصَدَّقُ بِشَطْرِهِ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ؟ قَالَ: الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
967- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا وَلَمْ تُوصِ، وَأَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ، أَفَلَهَا أَجْرٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ.
968- وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْأَرْبَعَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ، وَحَسَّنَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَوَّاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ الْجَارُودِ.
969- وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَزَادَ فِي آخِرِهِ: إِلَّا أَنْ يَشَاءَ الْوَرَثَةُ. وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ.
970- وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: إِنَّ اللَّهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ عِنْدَ وَفَاتِكُمْ؛ زِيَادَةً فِي حَسَنَاتِكُمْ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ.
971- وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ.
972- وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَكُلُّهَا ضَعِيفَةٌ، لَكِنْ قَدْ يَقْوَى بَعْضُهَا بِبَعْضٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الشيخ: هذه الأحاديث المذكورة هنا في باب الوصايا كلها تدل على شرعية الوصية، وأنها لا يجوز أن تُزاد على الثلث، بل الثلث فأقلّ.
وفي حديث ابن عمر الدّلالة على أنه ما ينبغي للمؤمن أن يتساهل في ذلك إذا كان له شيءٌ يريد أن يُوصي فيه؛ ولهذا قال: ما حقّ امرئٍ مسلمٍ له شيء يُريد أن يُوصي به يبيت ليلتين إلا ووصيَّته مكتوبة عنده، المعنى: ما ينبغي له ولا يليق به أن يتساهل، وهذا عند العلماء فيما إذا كان له شيء يريد أن يُوصي فيه .....، أو حقوق لازمة: كالديون التي ليس عليها بينات، أو رهون يُخشى أن تضيع، أو عواري، أو أمانات، أو ما أشبه ذلك مما يجب.
فإنَّ الوصية تنقسم أقسامًا:
منها ما يجب ويتعين: كالدُّيون التي لا دليلَ عليها إلا بإقراره ووصيته، والحقوق الأخرى من رهنٍ وعاريةٍ وأمانةٍ ونحو ذلك، فهذا يُوصي بذلك ولا يتساهل؛ لأنَّ الأجل يأتي بغتةً.
وهناك أمور مُستحبة: كأن يكون ذا مالٍ كثيرٍ، فيُوصي بأشياء في وجوه الخير وأعمال الخير: كالصَّدقة على أقاربه الذين لا يرثون، والصدقة في الوجوه الأخرى، فإنَّ هذا مشروعٌ له بالثلث أو أقلّ.
وكتب الله على العباد الوصية: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ [البقرة:180]، ثم نسخ الله من هذا ما شاء، قال: إنَّ الله قد أعطى كل ذي حقٍّ حقَّه، فلا وصيةَ لوارثٍ.
وقال أهلُ العلم: إنَّ السنة مُخصصة للآية، وأنَّ النَّسخ وقع في آية المواريث: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ [النساء:11]، فنُسخت الوصية للأقارب ..... بالمواريث.
وقال قومٌ: إنه تخصيص: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ إنه تخصيص للورثة ..... على حالهم.
والمشهور عند أهل العلم النَّسخ العام، وأنَّ الآية نسخت بالمواريث، وخصَّها الحديثُ: إنَّ الله قد أعطى كل ذي حقٍّ حقَّه، فلا وصيةَ لوارثٍ، في القرآن بيَّن أنَّ الورثة ليس لهم وصايا، وجاءت السنةُ مُؤيدةً لذلك.
فالمقصود أنه يُوصي بالأشياء التي لم تُنسخ: فيُوصي لقريبٍ لا يرث، مثل: أبي أمه، ومثل: أولاد البنات، ومثل: إخوة لا يرثون، وما أشبه ذلك من الثلث فأقلّ، والأصل بقاء الآية، بقاء عمومها، نسخ منها ما نسخ، وخصص منها ما خصص، وكذلك إذا كانت هناك أمور أخرى يختصّ بها ويتعلق بها نفع المسلمين فيُوصي بها مَن خلفه؛ لتكون على باله؛ وليُبلغها غيره من ولاة الأمور أو أهل الحاجة إليها، كأنسابٍ: أنَّ فلانًا من بني فلان؛ ليعرفوا نسبه، فيه اشتباه، أو أشياء تضرّ المسلمين قد يُطلع عليها ويخشى منها وهو في مرضه أن تضيع على الناس، وأن يضرّهم ضياعها وخفاؤها.
المقصود أنه يُوصي بالشيء الذي له أهمية، أما غير ذلك فلا يلزم؛ لأنه قال: يريد، فالوصية غير واجبةٍ إلا إذا دعا إليها أمرٌ شرعي، فإذا دعا إليها أمر شرعي وجبت: كالوصية بالرهون والودائع والدُّيون التي ليس عليها بينات؛ حتى لا تضيع حقوق الناس، وأما ما يتعلق بالفضل والاستحباب فمُستحب فقط، قد يُوصي بصدقات، يُوصي بتعمير مساجد، يُوصي لبعض أقاربه من الأمور المستحبة إذا كان إلى خيرٍ.
قال ابن عمر: "فما مرت عليَّ ليلة منذ سمعتُ رسول الله يقول ذلك وإلا ووصيَّتي عندي". كما في الرواية الأخرى.
هذا يدل على فضله، وهمَّته العالية، ومسابقته إلى الخيرات ، وكان معروفًا بالمسابقة إلى الخيرات، والاجتهاد في العبادات، وهو من أعبد الناس، وأكثرهم أعمالًا صالحةً واجتهادًا في الخير رضي الله عنه وأرضاه، قد عمَّر ومات في نهاية الثالثة والثَّمانين، أو الرابعة والثمانين، في عام أربعٍ وسبعين، أو في آخر ذي الحجة من عام ثلاثٍ وسبعين، بعدما استولى الحجاجُ على مكة في عام ثلاثٍ وسبعين.
والحديث الثاني: حديث سعد، وهو ابن أبي وقاص الزهري المشهور، أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الرماة والفرسان رضي الله عنه وأرضاه، أول مَن رمى بسهمٍ في سبيل الله، وله مناقب مشهورة، وهو خال النبيِّ ﷺ؛ لأنَّ النبي أمه من بني زهرة.
أخبر أنه أصابه مرضٌ في حجة الوداع، فعاده النبيُّ ﷺ، فقال: يا رسول الله، ليس لي إلا ابنة واحدة، وأنا ذو مالٍ، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال النبي: لا، قال: أفأتصدق بالشطر؟ قال: لا، قال: بالثلث؟ قال: الثلث، والثلث كثير.
بيَّن عليه الصلاة والسلام أنَّه لا ينبغي ولا يجوز الصَّدقة بالشطر، ولا بالثلثين، ولا بالمال كله من باب أولى، ولو كان الوارث فردًا واحدًا كالبنت، لكنه رزقه الله بعد هذا بنين وبنات رضي الله عنه وأرضاه، عاش ورزقه الله ذريةً بعد ذلك: منهم محمد بن سعد، ومصعب بن سعد، وعامر بن سعد، وعمر بن سعد، ويحيى بن سعد، وعائشة بنت سعد، رُزق ذريةً رضي الله عنه وأرضاه، وروى عنه جمٌّ غفير.
المقصود من هذا أنَّ الرسول ﷺ لم يأذن إلا بالثلث، فدلَّ على أن الثلث هو النهاية، ما زاد عليه فلا يُوصى به، لكن رواية ابن عباسٍ الآتية تدل على [أنه] إذا أوصى بزيادةٍ ونفذها الورثةُ فلا بأس، أما هو فليس له أن يُوصي بأكثر من الثلث.
ثم بيَّن علته ﷺ قال: إنك أن تذر ورثتك أغنياء، "أن تذر" في محل رفع مبتدأ، "خير" في محل الخبر: خير من أن تذرهم عالةً -فقراء- يتكفَّفون الناس أي: يسألونهم بأكفِّهم.
هذا يدل على أنَّ الإنسان يُؤجر إذا خلف لذريته شيئًا يصونهم ويُغنيهم عن الحاجة إلى الناس؛ ولهذا قال العلماء: لا تُستحب الوصية لمن كان ماله قليلًا، إنما تُستحب لمن كان ماله كثيرًا، أما إن كان المالُ قليلًا فالأولى أن يدعه لذريته وورثته حتى ينتفعوا به، أولى من البعيدين.
والحديث طويل، لكن ذكر المؤلفُ هنا ما يتعلق بالموضوع في آخره: أن النبي ﷺ قال: إنك لن تُنفق نفقةً تبتغي بها وجه الله إلا أُجرتَ بها، حتى ما تجعل في في امرأتك، وذكر أنَّ سعدًا يخلف بعد قومه، قال: لعلك أن تخلف فينتفع بك قومٌ، ويُضرّ بك آخرون، فأطال الله حياته، وانتفع به أقوام، وغزا فارس، وفتح الله على يديه فتوحًا كثيرةً رضي الله عنه وأرضاه.
وحديث معاذٍ في آخر الباب من جنس هذا، فإنه يدل على أنَّ الثلث مشروعٌ للمؤمن أن يتصرف فيه، وأن الله تصدَّق عليهم بذلك من أموالهم عند وفاتهم؛ زيادةً في حسناتهم، فهو مما يسَّره الله للمؤمن وعفا عنه بأن يُوصي به، وجعل له صدقةً عليه من ماله، وهو ما رواه معاذ وأبو الدَّرداء وأبو هريرة وجماعة، وله طرق كما قال المؤلف يشدُّ بعضها بعضًا، والأصل في هذا حديث سعدٍ؛ فإنه متَّفق على صحته، وفيه الدلالة على جواز الثلث.
قال ابن عباسٍ: لو أنَّ الناس غضُّوا من الثلث إلى الربع؛ لأنَّ الرسول قال: الثلث، والثلث كثير، فلو غضُّوا: أوصى بالربع، أو بالخمس؛ لكان أولى، ولا سيما عند المال الكثير، فقد أوصى الصديقُ بالخمس، فإذا نزل عن الثلث إلى الربع أو الخمس فهو أفضل.
والحديث الثالث: حديث عائشة رضي الله عنها في أنَّ رجلًا قال: يا رسول الله، إنَّ أمي افتُلتت نفسها ولم تُوصِ. افتُلتت يعني: أُخذت فجأةً. وأظنّها لو تكلَّمت لتصدقت، أفلها أجرٌ إن تصدقت عنها؟ قال: نعم.
هذا يدل على أنَّ الصَّدقة على الأموات فيها أجر كبير للميت، وأن الولد إذا تصدق عن ميته أو غير الولد فإنه ينتفع الميتُ بذلك، وهذا محل إجماعٍ؛ أجمع أهلُ العلم على أنَّ الصدقة تنفع الميت، والحجّ جميعًا.
وجاء في بعض الروايات: أنَّ هذا هو سعد بن عبادة، أنَّ السائل هو سعد بن عبادة، تصدق عن أمه ..... في المدينة بستان جعله لها .....، فلما جاء صلَّى عليها وتصدَّق عنها بالبستان.
والحاصل أنَّ حديث عائشة وما جاء في معناه حُجَّة لما قاله أهلُ العلم في لحوق الصَّدقات بالموتى وانتفاعهم بذلك، وهكذا الدُّعاء بإجماع المسلمين ينتفعون بذلك، كما قال سبحانه: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ [الحشر:10]، وكما في الدعاء على الميت في صلاة الجنازة، وعند زيارة القبور، هم ينتفعون بهذا، وهكذا جاء انتفاع الميت بالصوم عنه، إن كان عليه صيام، أو حجّ، أو نذر، أو كفَّارة، فالصحيح حتى رمضان إذا تأخَّر عن الصوم لغير علَّةٍ فإنه يُصام عنه.
واختلفوا فيما لم يرد: كقراءة القرآن، أو صوم النافلة، أو صلاة النافلة، على قولين لأهل العلم:
منهم مَن أجاز ذلك، وقالوا: يُقاس على غيره. وهو قول الجمهور والأكثرين.
ومنهم مَن قال: لا، يُقتصر على الوارد، وما لم يرد يتوقف عنه. وهذا هو الأظهر والأقرب، والله أعلم.
والحديث الرابع حديث أبي أمامة: إنَّ الله قد أعطى كل ذي حقٍّ حقَّه، فلا وصيةَ لوارثٍ، هذا الحديث وما جاء في معناه قد جاءت في معناه أحاديث كثيرة، وذكر الشارحُ منها جملة شواهد لحديث أبي أمامة، وذكر الشارح أيضًا عن الشافعي في "الأم" أنه قال أنه من المتواترات، وأنه من رواية الكافَّة عن الكافَّة.
وعلى كل حالٍ، هو الذي عليه أهلُ العلم، ومَن خالف فقد شذَّ، وإلا فهو شبه إجماعٍ أنها لا وصيةَ لوارثٍ، وأن الله قد أعطى كل ذي حقٍّ حقَّه، فليس له أن يُوصي لولده، ولا لزوجته، ولا الزوجة تُوصي لزوجها، بل يكفيهم ما أعطاهم الله ، فإنَّ الوصايا تكون لغير الورثة كما تقدم، والله أعلم.
س: ..............؟
ج: مثلما سمعت في حديث ابن عباسٍ: إلا أن يشاء الورثة، إذا تراضوا فلا بأس .....، إذا أوصى مثلًا لولده الفقير وحاجته شديدة، وأوصى له بزيادة، أو لأنه مدين، أو لأسبابٍ أخرى، ورضوا فلا بأس.
س: ..............؟
ج: نعم، من باب الحسن لغيره، نعم، يعني: كل سندٍ فيه ضعف.
س: ..............؟
ج: "لو أنَّ الناس غضُّوا" ينصح، يعني: ينصح.
س: ..............؟
ج: يعني: عبارته تدل على أنَّ النزول أفضل.
...............
بَابُ الْوَدِيعَةِ
973- عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مَنْ أُودِعَ وَدِيعَةً فَلَيْسَ عَلَيْهِ ضَمَانٌ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ.
وَبَابُ قَسْمِ الصَّدَقَاتِ تَقَدَّمَ فِي آخِرِ الزَّكَاةِ.
وَبَابُ قَسْمِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ يَأْتِي عَقِبَ الْجِهَادِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
كِتَابُ النِّكَاحِ
أَحَادِيث فِي النِّكَاحِ:
974- عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ : قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
975- وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: لَكِنِّي أَنَا أُصَلِّي وَأَنَامُ، وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
976- وَعَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَأْمُرُ بِالْبَاءَةِ، وَيَنْهَى عَنِ التَّبَتُّلِ نَهْيًا شَدِيدًا، وَيَقُولُ: تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ؛ إِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأَنْبِيَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
977- وَلَهُ شَاهِدٌ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيِّ، وَابْنِ حِبَّانَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ.
978- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مَعَ بَقِيَّةِ السَّبْعَةِ.
979- وَعَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إِذَا رَفَّأَ إِنْسَانًا إِذَا تَزَوَّجَ قَالَ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ، وَبَارَكَ عَلَيْكَ، وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْأَرْبَعَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ حِبَّانَ.
الشيخ: هذا الباب في الوديعة، والوديعة هي فعيلة بمعنى مفعولة، هي المال المدفوع إلى الإنسان ليحفظه، على سبيل الإحسان ليحفظه لربه؛ لأنَّ ربه مسافر، أو ليس عنده بيت حصين، أو لأسبابٍ أخرى.
وهي قُربة وطاعة لمن أخذها لوجه الله؛ لأنها من باب التَّعاون بين المسلمين، ومباحة فقط إذا لم يكن له فيها نية قربة، وهي من باب أيضًا التَّعاون.
في الحديث الأول: مَن أودع وديعةً فليس عليه ضمانٌ خرجه ابن ماجه بسندٍ ضعيفٍ.
الأصل في هذا الباب أن المسلمين يُشرع لهم التَّعاون فيما بينهم، والإحسان من بعضهم إلى بعضٍ بأنواع الإحسان، وحفظ الوديعة من هذا الإحسان.
فالعمدة على عموم الشريعة وأدلتها العامَّة، وإن كان الحديث ضعيفًا، ولكن الأدلة الكثيرة دالة على هذا المعنى، ويدخل في الباب الحديث المتقدم في العارية: أدِّ الأمانةَ إلى مَن ائتمنك، ولا تخن مَن خانك، فإنَّ الوديعة أمانة، كذلك قوله جلَّ وعلا: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء:58]، إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ [الأحزاب:72]، وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنفال:27]، وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ [المؤمنون:8]، فالنصوص كثيرة في هذا الباب.
الحديث أيضًا: ..... حتى تُؤديه يعمّ الأمانة أيضًا، وهناك أدلة كثيرة غير هذا الحديث الضعيف كلها دالة على شرعية التَّعاون في هذا الباب، إحسان المسلم إلى أخيه في حفظ أمانته وصيانتها حتى يُؤديها إلى صاحبها، وإذا كان الأمر هكذا فليس عليه ضمانٌ؛ لأنه محسن، ما دام المقصودُ حفظها لربها والإحسان إليه في ذلك فليس عليه ضمانٌ إذا لم يتعدَّ؛ لأنه محسن، والله يقول: مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ [التوبة:91]، فإذا أخذها وحفظها بما يحفظ به أمثالها، واعتنى بها، ولم يتعدَّ عليها، لا بتساهل في حفظها، ولا بعدوانٍ عليها؛ فإنه لا يضمنها.
أما إن تعدَّى: بأن ذبح الدابةَ، أو ضربها حتى ماتت، أو فعل في الوديعة شيئًا يضرّها: شقَّ الثوب، جعله حول النار، أو ما أشبه ذلك مما يُسمَّى: تفريطًا أو تعدِّيًا، أو جعلها بين أيدي الناس من الدَّاخل والخارج في بيته ولم يحفظها فيما يحفظ به أمثالها، أو ما أشبه ذلك مما يُعدّ عرفيًّا تعديًا أو تفريطًا؛ فإنه يضمنها، وإلا فلا؛ لأنَّ الله قال: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ [المؤمنون:8]، فالذي ما رعاها ولا اعتنى بها مُفرِّط ظالم لنفسه حين أخذها.
أما قوله: "باب قسم الصَّدقة تقدم في الزكاة، وباب قسم الغنيمة والفيء يأتي في باب الجهاد" هذا ذكره المؤلفُ هنا لأنَّ عادة الشَّافعية [أنهم] يذكرون الصَّدقات في أواخر ما يتعلق بعدما يذكرون الفرائض والوصايا، فيذكرون بعدها قسم الصدقات؛ لأنَّ الوصايا فيها نوع قُربةٍ، فيها نوع تبرعٍ، فصار لها شبهٌ بقسم الصَّدقات، كذلك الغنائم والفيء فيه شيء من التَّبرع والإحسان للناس وإعانتهم، فيلزم صلتهم بالوصايا، ولكن صلة الصَّدقات بالزكاة أقرب، وصلة الغنيمة والفيء بالجهاد أقرب؛ فلهذا لاحظ المؤلفُ ما هو الأولى فقدَّم الصَّدقات في محلِّها، و..... الغنية والفيء في محلِّها، وهو أقرب وأنسب من ذكرها مع الوصايا.
ثم ذكر المؤلفُ رحمه الله: كتاب النكاح، والنكاح مصدر: نكح نكاحًا، وهو عقد الزوجية الصحيح، يُسمَّى: نكاحًا وإن لم يحصل به وطء ولا خلوة.
اختلف أئمةُ اللغة: هل هو حقيقة في العقد، أو في الوطء، أو فيهما جميعًا؟
والأرجح أنه حقيقة فيهما جميعًا؛ فالعرب تُسمِّي العقد: نكاحًا، وتُسمي الجماع: نكاحًا، وهو حقيقة فيهما، ومشترك فيهما، وهو سنة وقربة وطاعة، وقد يجب، والله أمر بذلك: وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ [النور:32]، فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [النساء:3]، فهو قُربة وطاعة.
وقد يجب: إما مطلقًا إن كانت له شهوة، وإما عند الخوف على نفسه. قولان لأهل العلم: منهم مَن أوجبه مطلقًا إذا كانت له شهوة وقُدرة؛ لعموم قوله ﷺ في الحديث الآتي: يا معشر الشباب.
وقال آخرون: إنما يجب عند الخوف، إذا خاف على نفسه من الوقوع في الفاحشة.
والأقرب الأولى، الأقرب وجوبه وإن لم يخف، ما دامت له قُدرة، وله شهوة، فإنَّ مصالح النِّكاح كثيرة: من عفَّة الفرج، وغضِّ البصر، ووجود الذرية، وعفة النساء، والإحسان إليهن، وعفَّتهن، إلى غير ذلك من المصالح.
فالأقرب وجوبه مطلقًا بشرطين:
أحدهما: أن يكون ..... ذا شهوةٍ.
والشرط الثاني: أن يكون ذا قدرةٍ.
فإذا قدر حسًّا وبه حاجة للنكاح مثل: الشهوة، فإنه يجب عليه؛ لقوله ﷺ: يا معشر الشباب، مَن استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغضُّ للبصر، وأحصن للفرج.
وقد أطلق النبيُّ ﷺ، ولم يقل: إن خفتُم على أنفسكم. قد أطلق.
ومَن لم يستطع فعليه بالصوم هذا يدل على أنَّ المؤمن يتحرى ما فيه سلامته، ما فيه نجاته، وحفظ فرجه، وغضّ بصره بالزواج، وبالتَّسري أيضًا إذا أمكن؛ لأنه ينفع أيضًا، فإن لم يستطع، ولم تكن له قُدرة فهو معذور، فعليه بالصوم وأسباب السلامة.
ومن ذلك: قلة المال، كما في قوله تعالى: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور:33]، فإذا عجز عليه أن يستعفف حتى يُغنيه الله، وإذا شقَّ عليه عدم النِّكاح لأجل عدم المال وخاف العنت فليصم، وليتعاطى الأسبابَ الأخرى التي تُعينه على العفَّة: من بُعده عن النساء، ومجالس النساء، ومحال النساء، وتعاطيه الأسباب التي تنفعه ولا تضرُّه في هذا الباب.
وإذا تيسر الصومُ فهو صيام مشروع، ندب إليه النبيُّ ﷺ وحثَّ عليه؛ لأنه بترك الطعام والشراب وقلة ذلك يضعف جريان الدم، ويضعف سلطان الشيطان؛ ولأنه بالصوم أيضًا تكون له خاصية في تحريه بالبُعد عن أسباب الزنا، والحرص على الأسباب التي تُقوي إيمانه، وتحفظ صيامه؛ ولأنه بهذا يستشعر أنه مأمور بشيءٍ؛ لأنه لهذا تعاطى الصوم، وتعاطيه الصوم له سبب خاصّ في حفظ فرجه، وغضّ بصره من وجوهٍ عديدةٍ، بخلاف بعض الأدوية الأخرى؛ فإنها لا تحلّ محل الصوم بهذا الشُّعور.
والحديث الثاني: حديث أنسٍ في جماعة الذين سألوا عن أعمال النبي ﷺ، وهو حديث مطول، ولكن اختصره المؤلفُ، فإنَّ الحديث من حديث أنسٍ المطول، وحديث عائشة أيضًا: أن جماعةً سألوا أزواج النبي ﷺ عن عمله في السرِّ، فأخبر أزواج النبي بذلك، فكأنهم تقالُّوا عمله، ورأوا أنهم محتاجون إلى أكثر: من التَّهجد بالليل، ومن الصيام الكثير، والعبادات المتنوعة، فقال بعضهم: أما أنا فأُصلي ولا أنام. وقال الآخر: أما أنا فأصوم ولا أُفطر. وقال آخر: أما أنا فلا آكل اللحم. وقال آخر: أما أنا فلا أتزوج النساء. أرادوا أن يُشددوا على أنفسهم؛ لأنهم بزعمهم يخشون إن تساهلوا أن يهلكوا، والنبي ﷺ ليس مثلهم؛ لأنه مغفور له، فأرادوا أن يُشددوا على أنفسهم.
فلما بلغ النبي هذا عليه الصلاة والسلام خطب الناسَ وحمد الله وأثنى عليه وقال: ما بال أقوامٍ قالوا كذا وكذا؟! لكني أُصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمَن رغب عن سنتي فليس مني.
بيَّن عليه الصلاة والسلام أنَّ هذا لا يجوز، هذا العمل، وأنَّ هذا التَّشديد أمر مُطَّرحٌ، ورهبانية مُطرحة، ليست من دين الإسلام.
وكان من سنته وعادته ألا يُصرح بالناس، لا يقول: قال فلان، وقال فلان، بل يقول: ما بال أقوام، ما بال رجال، ولا يخفى ما في هذا من المصلحة؛ لأنَّ التنصيص على الأسماء قد يضرّ أهل الأسماء؛ فلهذا كان من عادته عليه الصلاة والسلام عدم ذكر الأسماء، وإنما يُبين ما قيل، أو ما فُعل، ثم يُنبه على الحكم عليه الصلاة والسلام؛ لأنَّ المقصود هو هذا، ليس المقصود ذكر فلان أو فلان.
وفي هذا أنَّ الاستمرار بالصوم وعدم الفطر ليس من سنته، وهكذا يكون يُصلي ولا ينام، يسهر، ليس من سنته، وعدم التَّزوج من النساء ليس من سنته، كذلك عدم أكل اللحم والطيبات ليس من سنته، بل سنته أنه ينام ويُصلي، يتقوى بالنومة على العبادات، يُفطر يتقوى على الصوم، تارةً يصوم، وتارةً يُفطر، كذلك يتزوج النساء؛ لما في الزواج من الخير الكثير: من العفَّة، وإحصان الفرج، وغضّ البصر، ووجود الذرية، وإحصان النساء، والإنفاق عليهنَّ، إلى غير هذا من المصالح: تكثير الأمة.
كذلك أكل اللحم والطيبات فيه من قوة البدن، وتعاطي ما أباح الله، والله سبحانه قال: كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ [المؤمنون:51]، فترك اللحم ونحوه خلاف سنته، كان يأكل اللحم إذا تيسر عليه الصلاة والسلام، فهو يأكل الطيبات إذا تيسر ذلك، من أنواع الأطعمة إذا تيسر ذلك، ولم يمتنع من هذا عليه الصلاة والسلام، فأكل من الحنطة، وأكل من الشعير، وأكل من لحم الدجاج، وأكل من لحم الغنم والإبل عليه الصلاة والسَّلام.
وحديث أنسٍ الثاني: كان رسول الله يأمر بالباءة. يعني: بالزواج، يعني: بأسبابها، والنكاح.
وينهى عن التَّبتل نهيًا شديدًا.
التَّبتل: الانقطاع للعبادة وعدم الزواج.
ويقول: تزوَّجوا الودود الولود الودود: ذات التَّحبب، الولود: ذات الأولاد، فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة، الولود التي من شأنها أنها تلد، أو عُرفت بذلك، أما مَن عُرفت بذلك فلا إشكالَ فيها، وأما مَن لم تُعرف فقد ذكر العلماءُ أنها تُعرف بجماعتها وأُسرتها، إذا كانت من أسرةٍ يلدن فهي ولود؛ لأنه مشروع له نكاح البكر، والبكر التي ما بعد ولدت، لكن تُعرف أنها ولود بأسرتها: أخواتها، وعمَّاتها، وقراباتها.
فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة هذا فيه الحثُّ على تكثير الأمم، وأنَّ الرسول يُكاثر الأمم يوم القيامة بكثرة أتباعه عليه الصلاة والسلام، وفي بعض الروايات: الأنبياء يوم القيامة.
فالمشروع للأمة العناية بالزواج وتكثير النَّسل وتعدد الزواج؛ حتى يكثر مَن يعبد الله ويُوحده، وحتى تكثر أمةُ محمدٍ عليه الصلاة والسلام، لكن بالطرق الشَّرعية.
والحديث الرابع حديث أبي هريرة: تُنكح المرأةُ لأربعٍ: لمالها، ولجمالها، ولحسبها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك متفق عليه، مع بقية السبعة.
الحديث هذا يدل على أنَّ النساء يُنكحن لهذه الأسباب؛ لأنَّ هذا هو الغالب: إما أن تُنكح للجمال، وإما للمال، وإما لحسبها، والحسب: مآثر الآباء، الآباء المعروفون بالشجاعة، بالكرم والجود، إلى غير ذلك. ولدينها، قد تُنكح لذلك، قد تُنكح لأسبابٍ أخرى، لكن معظم الأسباب المهمة هذه الأربع، هذه الأسباب المهمة التي بيَّنها النبيُّ ﷺ.
فاظفر بذات الدِّين تربت يداك يعني: اظفر بمَن تُعرف بالدِّين، واجعل هذا أهم الأمور عندك، "تربت يداك" كلمة تُقال للحثِّ على الشيء، لا يقصد معناها، لكن للحثِّ: ثكلتك أمك، تربت يداك، عقرى حلقى، إلى غير هذا مما يُقال ولا يُقصد.
هذه الأربع المسائل تُقصد في النكاح، قد يقصدها الناس، ولكن ينبغي للمؤمن أن تكون مسألةُ الدِّين أهم مقاصده، وليس معناه أن يُهمل البقية، لا، لا بأس أن يهتم بالبقية، لكن ينبغي له أن تكون مسألةُ الدِّين أهم من غيرها، ولا مانع أن يقصد جمالها وحسبها، لا بأس، لكن ليكن هذا هو الأهم، يكون الأهم هو الدِّين، وإذا جاء معه حسبٌ ومالٌ وجمالٌ فهذا خيرٌ إلى خيرٍ، وفائدةٌ إلى فائدةٍ، ولكن لا يكن أكبر همِّه المال، أو الحسب، أو الجمال، بل رُوي عن النبي ﷺ أنه قال: لا تنكحوا النساء لجمالهنَّ؛ فلعله أن يردهن، ولا تنكحوهن لمالهن؛ فلعله أن يُطغيهن، ولكن انكحوهنَّ لدينهنَّ رواه ابن ماجه والبزار، كما ذكره الشارحُ، والبيهقي وجماعة.
المقصود أنَّ قصد المال فقط، أو الحسب فقط قد يضرّ الإنسان، لكن ينبغي له أن يُلاحظ الدِّين وما جاء معه، فهو خير.
والحديث الخامس: حديث أبي هريرة ، عن النبي ﷺ: أنه كان إذا رفأ إنسانًا إذا تزوج قال له: بارك الله لك، وبارك عليك، وجمع بينكما في خيرٍ.
رفأ يعني: إذا دعا له بما يجمع شمله، يقال: رفأ، يقال: رفأ، والمعنى: إذا دعا له بما يجمع شمله، أو دعا له، أو تكلم معه بما يُسكن روعته، ويُهدئ باله، ومنه: رفأ الثوب، إذا خاط خروقه، جمع ما فيه من خللٍ، يقال: رفأه، خاط خيوطه، وجمع ما فيه من الخروق حتى تستقيم، ومنه: رفأ السفينة، إذا أدناها من المرفأ، وهو الميناء الذي تقف عنده السفن.
المقصود أنه إذا رفأه: إذا قال له كلامًا يدعو له فيه بما يجمع شمله، ويُطيب نفسه، ويُعينه على المهمة التي دعا له فيها، قال له: بارك الله لك، وبارك عليك، وجمع بينكما في خيرٍ، هذا دعاء عظيم يُستحب الدعاء به للمُتزوج.
وقد ثبت في "الصحيحين" من حديث عبدالرحمن بن عوف: أنه لما تزوج قال له النبيُّ: بارك الله لك، أولم ولو بشاةٍ، فاختصر الدعاء قال: بارك الله لك، فإذا قال: بارك الله لك كفى، وإذا زاد: وبارك عليك، وجمع بينكما في خيرٍ فهذا أفضل وأكمل، والله أعلم.
س: قولهم: بالرفاة والبنين؟
ج: كان هذا في الجاهلية، كانوا في الجاهلية يقولون: بالرفاة والبنين، فأبدلهم الله هذه الدَّعوات.
س: ما يُشرع قولها؟
ج: ما يُشرع نعم.
..............