472 من: (باب كرامات الأولياء وفضلهم)

 
253 - باب كرامات الأولياء وفضلهم
قَالَ الله تَعَالَى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ۝ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ۝ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [يونس:62-64]، وقال تَعَالَى: وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا ۝ فَكُلِي وَاشْرَبِي [مريم:25، 26]، وقال تَعَالَى: كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [آل عمران:37]، وَقَالَ تَعَالَى: وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا ۝ وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ [الكهف:16-17].
1/1503- وعنْ أبي مُحَمَّدٍ عَبْدِالرَّحْمن بنِ أَبي بكرٍ الصِّدِّيقِ رضي اللَّه عنْهُما أنَّ أصْحاب الصُّفَّةِ كانُوا أُنَاسًا فُقَرَاءَ وأنَّ النَّبيَّ ﷺ قَالَ مرَّةً: منْ كانَ عِنْدَهُ طَعامُ اثنَينِ، فَلْيذْهَبْ بِثَالث، ومَنْ كَانَ عِنْدهُ طعامُ أرْبَعَةٍ، فَلْيَذْهَبْ بخَامِسٍ وبِسَادِسٍ أوْ كَما قَالَ، وأنَّ أبَا بَكْرٍ جاءَ بثَلاثَةٍ، وَانْطَلَقَ النبيّ ﷺ بِعَشرَةٍ، وَأنَّ أبَا بَكْرٍ تَعَشَّى عِنْد النبيّ ﷺ، ثُّمَّ لَبِثَ حَتَّى صلَّى العِشَاءَ، ثُمَّ رَجَعَ، فَجَاءَ بَعْدَ مَا مَضَى مِنَ اللَّيلِ مَا شاءَ اللَّه. قَالَتْ له امْرَأَتُهُ: ما حبسَكَ عَنْ أضْيافِكَ؟ قَالَ: أوَ ما عَشَّيتِهمْ؟ قَالَتْ: أبوْا حَتَّى تَجِيءَ وَقدْ عرَضُوا عَلَيْهِم، قَال: فَذَهَبْتُ أنَا، فَاختبأْتُ، فَقَالَ: يَا غُنْثَرُ، فجدَّعَ وَسَبَّ وَقَالَ: كُلُوا لاَ هَنِيئًا، واللَّه لا أَطْعمُهُ أبَدًا، قَالَ: وايمُ اللَّهِ مَا كُنَّا نَأْخذُ منْ لُقْمةٍ إلاَّ ربا مِنْ أَسْفَلِهَا أكْثَرُ مِنْهَا حتَّى شَبِعُوا، وصَارَتْ أكثَرَ مِمَّا كَانَتْ قَبْلَ ذلكَ، فَنَظَرَ إلَيْهَا أبُو بكْرٍ فَقَال لامْرَأَتِهِ: يَا أُخْتَ بني فِرَاسٍ مَا هَذا؟ قَالَتْ: لا وَقُرّةِ عَيني لهي الآنَ أَكثَرُ مِنْهَا قَبْلَ ذَلكَ بِثَلاثِ مرَّاتٍ، فَأَكَل مِنْهَا أبُو بكْرٍ وَقَال: إنَّمَا كَانَ ذلكَ مِنَ الشَّيطَانِ، يَعني يَمينَهُ، ثُمَّ أَكَلَ مِنهَا لقمةً، ثُمَّ حَمَلَهَا إِلَى النَّبيِّ ﷺ فَأَصْبَحَت عِنْدَهُ. وكانَ بَيْننَا وبَيْنَ قَومٍ عهْدٌ، فَمَضَى الأجَلُ، فَتَفَرَّقنَا اثْنَيْ عشَرَ رَجُلًا، مَعَ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُم أُنَاسٌ، اللَّه أعْلَم كَمْ مَعَ كُلِّ رَجُلٍ فَأَكَلُوا مِنْهَا أَجْمَعُونَ.
وَفِي روايَة: فَحَلَفَ أبُو بَكْرٍ لا يَطْعمُه، فَحَلَفَتِ المرأَةُ لا تَطْعِمَه، فَحَلَفَ الضِّيفُ أوِ الأَضْيَافُ أنْ لاَ يَطعَمَه، أوْ يطعَمُوه حَتَّى يَطعَمه، فَقَالَ أبُو بَكْرٍ: هذِهِ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَدَعا بالطَّعامِ فَأَكَلَ وَأَكَلُوا، فَجَعَلُوا لا يَرْفَعُونَ لُقْمَةً إلاَّ ربَتْ مِنْ أَسْفَلِهَا أَكْثَرَ مِنْهَا، فَقَال: يَا أُخْتَ بَني فِرَاس، مَا هَذا؟ فَقالَتْ: وَقُرَّةِ عَيْني إنهَا الآنَ لأَكْثَرُ مِنْهَا قَبْلَ أنْ نَأْكُلَ، فَأَكَلُوا، وبَعَثَ بهَا إِلَى النَّبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فذَكَرَ أَنَّه أَكَلَ مِنهَا.
وَفِي روايةٍ: إنَّ أبَا بَكْرٍ قَالَ لِعَبْدِالرَّحْمَنِ: دُونَكَ أَضْيافَكَ، فَإنِّي مُنْطَلِقٌ إِلَى النَّبيِّ ﷺ، فَافْرُغْ مِنْ قِراهُم قَبْلَ أنْ أجِيءَ، فَانْطَلَقَ عبْدُالرَّحمَن، فَأَتَاهم بمَا عِنْدهُ. فَقَال: اطْعَمُوا، فقَالُوا: أيْنَ رَبُّ مَنزِلَنَا؟ قَالَ: اطْعَمُوا، قَالُوا: مَا نَحْنُ بآكِلِين حتَى يَجِيىء ربُ مَنْزِلَنا، قَال: اقْبَلُوا عَنَّا قِرَاكُم، فإنَّه إنْ جَاءَ ولَمْ تَطْعَمُوا لَنَلقَيَنَّ مِنْهُ، فَأَبَوْا، فَعَرَفْتُ أنَّه يَجِد عَلَيَّ، فَلَمَّا جاءَ تَنَحَّيْتُ عَنْهُ، فَقالَ: ماصنعتم؟ فأَخْبَروهُ، فقالَ يَا عَبْدَالرَّحمَنِ فَسَكَتُّ ثم قال: يا عبدالرحمن. فَسَكَتُّ، فَقَالَ: يَا غُنثَرُ أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ إنْ كُنْتَ تَسمَعُ صَوتِي لَمَا جِئْتَ، فَخَرَجتُ، فَقُلْتُ: سلْ أَضْيَافكَ، فَقَالُوا: صَدقَ، أتَانَا بِهِ. فَقَالَ: إنَّمَا انْتَظَرْتُموني وَاللَّه لا أَطعَمُه اللَّيْلَةَ، فَقالَ الآخَرون: وَاللَّهِ لا نَطعَمُه حَتَّى تَطعمه، فَقَالَ: وَيْلَكُم مَالَكُمْ لا تَقْبَلُونَ عنَّا قِرَاكُم؟ هَاتِ طَعَامَكَ، فَجاءَ بِهِ، فَوَضَعَ يَدَه، فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، الأولَى مِنَ الشَّيطَانِ فَأَكَلَ وَأَكَلُوا. متفقٌ عَلَيْهِ.

الشيخ:
الحمد لله، وصل الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الآيات الكريمات مع الحديث المذكور كل ذلك يتعلق بكرامات الأولياء، والكرامات هي الخوارق، خوارق العادة التي يخرقها الله لأوليائه، وهو أن يحدث شيء خلاف العادة شيء ينفعهم خلاف العادة من بركة طعام من وجود شيء ينفعهم من كفايتهم من عدو بخلاف المعتاد إلى غير ذلك، والله جل وعلا يقول في كتابه العظيم أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ۝ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:62، 63] يعني هم الذين آمنوا هؤلاء هم أولياء الله، أولياء الله هم أهل الإيمان والتقوى والصدق ليسوا أهل التصوف والخرافات، أولياء الله هم أهل الصدق، أهل الإيمان، أهل طاعة الله ورسوله هم أولياء الله كما قال تعالى وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ [الأنفال:34] فأولياء الله هم المؤمنون، ولهم كرامات يكرمهم الله بها عند دعاء الحاجة إليها أو الحجة عند إقامة الحجة أو عند الحاجة يحصل لهم الكرامات تخرق بها العادة، إما طعام في غير وقته، فاكهة في غير وقتها، أو طعام من غير سبب واضح، أو غير ذلك، أو زوال كربة من غير سبب واضح، أو هلاك عدو من غير سبب واضح، أو أشباه ذلك، ومن هذا ما ذكره المؤلف قصة مريم وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ [مريم:25]، وكذلك قصة كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا [آل عمران:37] جاء في التفسير أنها يأتيها فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء، ما يدرى من جاء بها، رزق من الله ساقه الله إليها، وهكذا قصة أهل الكهف وما فعل الله بهم حماهم مدة طويلة ولم يموتوا على المدة الطويلة ثلاثمائة سنة وازدادوا تسعا وهم نيام لا أكل ولا شرب، هذه من آيات الله، ثم الشمس تزاور عن كهفهم ذات اليمين وذات الشمال حتى لا تضرهم، وهكذا ما يروى عن خبيب لما قدم خبيب أحد السرية الذي اشتراه أهل مكة ليقتلوه، كان مسجونا عند أهل القتيل، قالت راعية البيت: أنها تجد عنده قطف العنب وما في مكة يومئذ عنب ولكنه رزق ساقه الله إليه، ومن ذلك قصة عباد بن بشر وأسيد بن حضير كانا عند النبي ﷺ في الليل فلما خرجا في ليلة مظلمة أضاءت لهما أسواطهما، أسواطهما أضاءت لهما الطريق، وقصة أسيد بن حضير لما كان يقرأ تنزلت السكينة لقراءته بين السماء والأرض فيها أمثال السرج حتى خشي على ولد يحيى -وكان عنده قريب- والفرس عنده قريب... الفرس من هذه السكينة فخاف على ولده من ذلك، فأخبر النبي ﷺ فقال: تلك الملائكة تنزلت لقراءتك.
وهذه قصة الصديق كان الصديق والصحابة مع النبي ﷺ فجاء ضيوف فقراء فأمر النبي ﷺ الصحابة أن يأخذ كل واحد اثنين ثلاثة يضيفونهم قال: من كان عنده اثنان فليأخذ الثالث، ومن كان عنده ثلاثة فأربعة خمسة وأخذ الصديق ثلاثة أرسلهم مع عبدالرحمن قال: ضيفهم يعني عشهم، وذهب النبي إلى بيته بعشرة وعبدالرحمن ذهب بهم إلى بيته، والصديق تأخر عند النبي ﷺ يسمر معه فقدم إليهم عبدالرحمن العشاء الميسور فأبوا قالوا: لا، ننتظر حتى يأتي الصديق، حتى يأتي صاحبنا، والصديق تأخر تعشى مع النبي ﷺ وتأخر حتى صلى العشاء، فلما جاء قال: فرغتم من الضيافة؟ قالوا: أبوا حتى تحضر، وكان عبدالرحمن خاف من أبيه لما تأخر، وكان الصديق فيه حدة رضي الله عنه، فلما جاء والضيف ما تعشى تكدر، يا عبدالرحمن، وعبد الرحمن اختفى خاف منه واختفى حتى ناداه الثالثة قال: أقسمت عليك إن كنت تسمع صوتي إلا حضرت، فجاء فقال: ما منعك أن تعطي أضيافك عشاءهم؟ قال: سلهم عرضت عليهم وأبوا، فغضب وقدموا لهم الضيافة، فقال: والله لا آكل، فقالوا: إذا كنت ما تأكل والله ما نأكل، حضر الشيطان فقال : بسم الله هذا من الشيطان ثم أكل وأكلوا، قال: فما رفعوا لقمة إلا ربى من تحتها أكثر منها، كلما أخذوا لقمة من الطعام سواء كان جريشا أو غيره، كلما رفعوا لقمة ربى في القصعة أكثر منها، فأكلوا وشبعوا وذهبوا بالقصعة إلى النبي ﷺ يخبرونه بما جرى، فأكل منها جم غفير من هذه البركة التي بارك الله في هذه القصعة، هذه من الدلائل على أن الله جل وعلا يبارك لمن يشاء ويعطي الكرامة لمن يشاء بشرط أن يكون صاحبها على الطريقة الشرعية وإلا هي خرافية، الكرامات توزن بميزان الشرع؛ فإن كان صاحبها من المستقيمين على الشرع فهي كرامة، وإن كان على خلاف ذلك فهي من خوارق الشياطين والسحرة والتلبيس، وفق الله الجميع.

الأسئلة:
س: ما يشاهد مع المجاهدين أنهم مثلا يرون زميلهم أن دمه ريحه مسك؟
الشيخ: إذا صح فهو من الكرامات، إذا صح قولهم من الكرامات إن صح، وإن كانوا كاذبين ما هو من الكرامات.
س: غير الصحابة يجزم أنها كرامة؟
الشيخ: نعم، حتى في زمانك إذا كان مستقيما.
س: تقبيل جبهة الوالد أو شيخ في العلم أو شيخ كبير في السن أو غير ذلك هل جائز؟ وهل ورد هناك حديث في ذلك؟
الشيخ: ما في تقبيل رأس الكبير أو الوالد أو الوالدة لا بأس، النبي ﷺ كان يقبل فاطمة إذا دخلت عليه، يقوم لها ويقبلها وهي تقوم له وتقبله، والصديق لما قدم والنبي ﷺ قد توفي وسجي كشف الغطاء عن وجهه وقبله بين عينيه، وقال: بأبي أنت وأمي لقد طبت حيا وميتا، إذا كان محرما، أو رجل مع رجل، أو امرأة مع امرأة، أو محرم قبل أمه أو أخته لا بأس.
س: قوله: غنثر ما معناه؟
الشيخ: كلمة زجر كأنه يقول يا غادر أو يا كذا.
س: مكتوب عندنا غبي؟
الشيخ: محتمل، يراجع كتب اللغة، المقصود أنها زجر له.
س: فجدع؟
الشيخ: يعني سبهم.