479 من حديث: (إذا أصبح ابن آدم، فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان..)

 
11/1521- وعن أَبي سَعيدٍ الخُدْرِيِّ عن النَّبيّ ﷺ قَالَ: إِذَا أَصْبح ابْنُ آدَمَ، فَإنَّ الأعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسانَ، تَقُولُ: اتِّقِ اللَّه فينَا، فَإنَّما نحنُ بِكَ؛ فَإنِ اسْتَقَمْتَ اسَتقَمْنا، وإنِ اعْوججت اعْوَججْنَا رواه الترمذي.
12/1522- وعنْ مُعاذ قَالَ: قُلْتُ يَا رسُول اللَّهِ أخْبِرْني بِعَمَلٍ يُدْخِلُني الجَنَّة، ويُبَاعِدُني عن النَّارِ؟ قَال: "لَقدْ سَأَلْتَ عنْ عَظِيمٍ، وإنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلى منْ يَسَّرَهُ اللَّه تَعَالى علَيهِ: تَعْبُد اللَّه لاَ تُشْركُ بِهِ شَيْئًا، وتُقِيمُ الصَّلاةَ، وتُؤتي الزَّكَاةَ، وتصُومُ رمضَانَ وتَحُجُّ البَيْتَ إن استطعت إِلَيْهِ سَبِيْلًا"، ثُمَّ قَال: "ألاَ أدُلُّك عَلى أبْوابِ الخَيْرِ؟ الصَّوْمُ جُنَّةٌ.،الصَّدَقةٌ تطْفِيءُ الخَطِيئة كما يُطْفِيءُ المَاءُ النَّار، وصلاةُ الرَّجُلِ منْ جوْفِ اللَّيْلِ، ثُمَّ تَلا: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ حتَّى بلَغَ يَعْمَلُونَ [السجدة:16]. ثُمَّ قَالَ: ألا أُخْبِرُكَ بِرَأسِ الأمْرِ، وعمودِهِ، وذِرْوةِ سَنامِهِ قُلتُ: بَلى يَا رسولَ اللَّهِ؟ قَالَ: رأْسُ الأمْرِ الإسْلامُ، وعَمُودُهُ الصَّلاةُ. وذروةُ سنامِهِ الجِهَادُ ثُمَّ قَالَ: ألاَ أُخْبِرُكَ بمِلاكِ ذلكَ كُلِّهِ؟ قُلْتُ: بَلى يَا رسُولَ اللَّهِ. فَأَخذَ بِلِسَانِهِ قالَ: كُفَّ علَيْكَ هَذَا. قُلْتُ: يَا رسُولَ اللَّهِ وإنَّا لمُؤَاخَذون بمَا نَتَكلَّمُ بِهِ؟ فقَال: ثَكِلتْكَ أُمُّكَ، وهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وَجُوهِهِم إلاَّ حصَائِدُ ألْسِنَتِهِمْ؟.
رواه الترمذي وقال: حدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ، وقد سبق شرحه.
13/1523- وعنْ أبي هُرَيرةَ أنَّ رسُول اللَّه ﷺ قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا الغِيبةُ؟ قَالُوا: اللَّه ورسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: ذِكرُكَ أَخَاكَ بِما يكْرَهُ. قِيل: أَفرأيْتَ إنْ كَانَ في أخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: إنْ كانَ فِيهِ مَا تقُولُ فَقَدِ اغْتَبْته، وإنْ لَمْ يكُن فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ بهتَّهُ. رواه مسلم.

الشيخ:
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الأحاديث الثلاثة تبين خطر اللسان ووجوب التحرز منه مع ما فيها من الفوائد الأخرى، فاللسان خطره عظيم وآفاته كثيرة من الغيبة والنميمة والسب والشتم وغير ذلك من الآفات الكثيرة التي تقع من اللسان، فالواجب التحرز منه وإمساكه إلا في الخير كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت هكذا يكون المؤمن إما خير يتكلم به وإما يمسك حتى لا يقع في ورطات اللسان من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت، والله يقول سبحانه: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18]، ويقول سبحانه: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء:36].

الحديث الأول
وفي هذا الحديث يقول: إن الأعضاء تكفر اللسان تلومه وتعذله وتقول له: اتق الله فينا، فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا فاللسان يقودها في بعض الأحيان إلى هلاكها، فالواجب الحذر من شره وأن تحسب حسابك قبل أن تتكلم، تنظر فإن كان الكلام لك تكلمت وإلا أمستك.

الحديث الثاني
وفي حديث معاذ الطويل قلت: يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار؟ سؤال عظيم! فقال له النبي ﷺ: لقد سألت عن عظيم، وأنه ليسير على من يسره الله عليه أعمال الجنة يسيرة على من كتب الله له السعادة ويسرها عليه، شديدة على أهل البطالة ومن كتب عليهم الشقاء نسأل الله العافية، ثم قال: تعبد الله ولا تشرك به شيئا هذا أصل الدين وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5] هذا أصل الدين: تعبد الله ولا تشرك به شيئا، صلاتك وذبحك وصدقاتك وصومك وغير ذلك كله لله وحده، تعبد الله وحده في كل العبادات: من صلاة، من صوم، من دعاء، من استغاثة، من نذر، من ذبح، من غير ذلك، كله لله وحده، لا تعبد معه غيره وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18]، وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36]،  فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ۝ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [الزمر:3] ثم قال: وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت هذه أركان الإسلام: الأول: التوحيد مع شهادة أن محمدا رسول الله، ثم الصلاة والزكاة والصيام والحج، هذه أركانه الظاهرة، أركان الإسلام الظاهرة هي هذه، ثم قال: ألا أدلك على أبواب الخير يعني ألا أرشدك إلى أبواب من أبواب الخير الصوم جنة يعني جنة من النار، من صان صيامه وتحفظ في صيامه فهو من أسباب دخوله الجنة ونجاته من النار، الصوم جنة، في الحديث الصحيح الصيام جنة كجنة أحدكم من النار كجنته من القتال يعني إذا استقام عليه وصانه والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار يعني من أسباب تكفير السيئات الصدقات، يمحو الله بها السيئات إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [هود:114] وصلاة الرجل في جوف الليل كذلك يمحو الله بها السيئات من أسباب تكفير السيئات التهجد بالليل، يرجو ما عند الله، يتقرب إليه بأنواع العبادة من ذكر ودعاء وصلاة وغير ذلك، ثم تلا النبي ﷺ قوله تعالى في حق المؤمنين تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ۝ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:16-17] هذه من أوصاف عباد الله المؤمنين تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ في الليل يقومون للتهجد لأداء سنة الليل التهجد والوتر يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا مع العبادة والصدق هم يخافون الله ويطمعون في ثوابه فيتعبدون رجاء وخوفا لا رياء ولا سمعة ولا عجبا ومنة ولكن عن خوف، عن رجاء، وعن إخلاص، وعن صدق، وعن خشوع لله، وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ مع الصدقات والإحسان بزكاة المال وغيرها فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ يعني من أنواع النعيم كما أخفوا عبادتهم بينهم وبين الله وتهجدوا بالليل سرا بينهم وبين ربهم، فالله جل وعلا أعد لهم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر كما في الحديث الصحيح يقول النبي ﷺ: يقول الله عز وجل: أعددت لعبادي الصالحين في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، واقرؤوا إن شئتم قوله تعالى: تَتَجَافَى الآية [السجدة:16] أعد لخواص عباده المؤمنين من أنواع النعيم ما لم تره عينين ولم تسمعه أذن ولم يخطر على قلب بشر من عظم النعيم وما فيه من أنواع اللذة والخير، ثم قال عليه الصلاة والسلام: ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروه سنامه؟ قلت: بلى يا رسول الله. قال: رأس الأمر الإسلام يعني الشهادتين، رأس الأمر الإسلام يعبر بالإسلام عن الشهادتين وعن أركانه الخمسة وعن جميع الدين يقال له إسلام إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ [آل عمران:19] وتسمى الشهادتان تسمى الإسلام لأنها أصل الإسلام وأساسه وعموده الصلاة يعني أعظم العمد بعد الشهادتين الصلاة وإلا الزكاة من عمده، والصيام في رمضان من عمده، والحج من عمده، لكن أعظم العمد وأفرضها وأوجبها بعد الشهادتين الصلاة «وذروه سنامه الجهاد في سبيل الله» أعلاه الجهاد لأن به يرفع الإسلام وبه يكثر أهله وبه ينصر أهله، ثم قال ﷺ: ألا أخبرك بملاك ذلك كله يعني بما يملك عليك هذا الخير ويحفظه عليك؟ قلت: بلى يا رسول الله. قال: كف عليك هذا وأشار إلى لسانه. قلت: يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال ﷺ: ثكلتك أمك يا معاذ كلمة يقولها العرب ثكلتك يعني فقدتك عند الإنكار وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم فالذي يحفظ عليه هذا الخير ويملك عليه هذا الخير بتوفيق الله أن يحرص على حفظ لسانه، فرب كلمة أهلكته وأوبقت دنياه وآخرته وهلك بها جميع ما عمل وبطل بها جميع ما عمل كما في الحديث الصحيح يقول ﷺ: إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يلقي لها بالا يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب، وفي اللفظ الآخر: يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه فالواجب الحذر من زلات اللسان وأخطاره. 

الحديث الثالث
ويقول ﷺ: أتدرون ما الغيبة؟ يسأل الصحابة، قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: ذكرك أخاك بما يكره بخيل جبان قطوع عاق غير ذلك، قيل :يا رسول الله إن كان في أخي ما أقول، قال: إن كان فيه فقد اغتبته هذه الغيبة وإن لم يكن فيه فقد بهته يعني ظلمته أشد من الغيبة، ظلمته بشيء ما هو فيه، فإذا قال: فلان بخيل وهو ما هو بخيل فقد ظلمه وبهته، فإن كان بخيلا فقد اغتابه، وأيش الداعي لذكره بهذه الصفة تذمه، أو قال: أنه قاطع رحم، أو قال: عاق لوالديه، أو قال: يشرب الخمر، أو قال كذا أو قال كذا من المعاصي الخفية هذه الغيبة، أما المعاصي المعلنة التي أعلنها هو مثل: يشرب الخمر في المجالس وفي القواهي ما يبالي، هذا قد فضح نفسه، ما له غيبة في هذا الشيء، كذلك سباب لعان في المجالس إذا اغتيب بهذا ما هي بغيبة لأن هو الذي أعلنه، هو الذي فضح نفسه، يتكاسل عن الصلاة لا يحضر الصلاة في الجماعة إذا قيل أنه يتخلف عن الصلاة هو الذي فضح نفسه ما له غيبة، ولهذا لما مر على النبي ﷺ بجنازة أثنوا عليها شرا قال: وجبت لها النار، ثم مر بأخرى فأثنوا عليا خيرا قال: وجبت له الجنة فسئل عليه الصلاة والسلام قال: أنتم شهداء الله في الأرض هذه أثنيتم عليها شرا فوجبت لها النار وهذه أثنيتم عليها خيرا فوجبت لها الجنة، فإذا أثنى الأخيار على الرجل فهي علامة سعادته، وإذا ذموه فهي علامة هلاكه لإظهاره المعاصي لأنهم إنما يذمون بما أظهره من المعاصي وإنما يمدحونه بما أظهره من الطاعات، فالواجب على المؤمن أن يحذر وإذا عصى ربه فيستتر بستر الله لا يفضح نفسه، يتقي الله ويتوب إلى الله ولا يفضح نفسه، يقول النبي ﷺ: كل أمتي معافى إلا المجاهرين المجاهرين بالمعاصي قد فضحوا أنفسهم أما من خافها فهو حري بأن يتوب، حري بأن يندم عنده حياء، حري بأن يبادر بالتوبة، لكن من لا يبالي ويجاهر بالمعاصي فهذا بعيد من التوبة، بعيد من الحياء قريب من الخطر والهلاك، نسأل الله العافية.

الأسئلة:
وفق الله الجميع، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
س: قوله في حديث أبي سعيد: إن الأعضاء تكفر اللسان كيف يجمع بينه وبين حديث النعمان بن بشير إن في الجسد مضغة؟
الشيخ: ما ينافي هذا وهذا، الأصل القلب واللسان والأعضاء تلوم اللسان أيضا لأن اللسان يجرها إلى البلاء أو إلى الخير، أيش قال المحشي عليه؟
الطالب: رواه الترمذي وهو حسن، وصححه ابن .....
الشيخ: عندك زيادة؟
الطالب: قال: حديث حسن أخرجه الترمذي وأحمد وابن المبارك في الزهد وغيرهم من طريق حماد بن زيد عن أبي الصهباء عن سعيد بن جبير عنه به، قلت: وهذا سند حسن رجاله ثقات غير أبي الصهباء واسمه صهيب مولى ابن عباس وثقه أبي زرعة وابن حبان وروى عنه جماعة وهو حسن الحديث.
الشيخ: نسأل الله العافية.
س: إذا كان الشخص دائما يكذب هل يطلق عليه من صفات المنافقين أو يقال أنت منافق؟
الشيخ: يقال فيك خصلة من خصال النفاق، احذرها وتب إلى الله منها.
س: حديث معاذ المذكور هل فيه مزية لمعاذ ومنقبة من قوله ﷺ: أيما رجل سببته؟
الشيخ: هذا عندهم ما هي بسب عند العرب لتأكيد الكلام ولتعظيم الكلام. وقد يدخل في الحديث هذا لكن ما هو مراد النبي السب.