13 من قوله: (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ..)

وقوله تعالى:  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا قال الحسن البصري رحمه الله: أمروا أن يصبروا على دينهم الذي ارتضاه الله لهم وهو الإسلام، فلا يدعوه لسراء ولا لضراء ولا لشدة ولا لرخاء، حتى يموتوا مسلمين، وأن يصابروا الأعداء الذين يكتمون دينهم، وكذا قال غير واحد من علماء السلف، وأما المرابطة فهي المداومة في مكان العبادة والثبات، وقيل: انتظار الصلاة بعد الصلاة، قاله ابن عباس وسهل بن حنيف ومحمد بن كعب القرظي وغيرهم، وروى ابن أبي حاتم هاهنا الحديث الذي رواه مسلم والنسائي من حديث مالك بن أنس عن العلاء بن عبدالرحمن بن يعقوب مولى الحرقة، عن أبيه، عن أبي هريرة ، عن النبي ﷺ، قال ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط.

الشيخ: وهذه الآية فيها الحض والتحريض على الصبر على طاعة الله والمصابرة لأعداء الله والمرابطة في الحق، والثبات في الحق يشمل ذلك انتظار الصلاة بعد الصلاة، ويشمل ذلك الثبات في الحق والبقاء في عبادة الله وطاعته، ويشمل ذلك المرابطة في الجهاد ولزوم الثغور كله داخل في الرباط ولهذا قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا  [آل عمران:200] المعنى اصبروا على دينكم واثبتوا عليه فأدوا ما أوجب الله وابتعدوا عما حرم الله وصابروا من المصابرة وهي مصابرة الأعداء يعني الصبر على كفاحهم وجهادهم حتى تكون أنت أصبر منهم وأغلب فهم أعداء دينك الذين كتموه وأخفوه والذين عادوه وأظهروا عداوته يجب أن يصابروا حتى لا يضروا دينك وحتى لا يضروك وحتى لا يضروا المسلمين.
ورابطوا المعنى اثبتوا على الحق والزموه، ومن ذلك الثبات في طاعة الله وترك المعاصي، والثبات في طلب العلم، الثبات في الدعوة إلى الله، الثبات في انتظار الصلوات والمسارعة إليها وألا يمل ولا يضعف بل لا يزال أبدًا يحافظ على الصلوات وينتظر الصلاة بعد الصلاة، كلما صلى فهو على بابه الصلاة الأخرى لا ينساها ولا يرغب عنها، بل هي على باله حتى يؤديها وهكذا في جميع الأيام والليالي والسنين والأعوام حتى يلقى ربه، ومن ذلك المرابطة في الجهاد ولزوم الثغور التي على الحدود حتى لا ينفذ منها الأعداء فهذه الأعمال العظيمة ..... الله فيها عباده لما فيها من الخير العظيم لما فيها من الثبات على الحق لما فيها من جهاد النفس لما فيها من جهاد الأعداء لما فيها من الثبات على الحق والمرابطة عليه. ولهذا جاء الحديث هذا يقول ﷺ: ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط فذلكمم الرباط إسباغ الوضوء على المكاره في أيام الشتاء وأيام البرد على بمعنى في ولهذا في اللفظ الآخر: إسباغ الوضوء في السبغات يعني في البرد لأن الماء مكروه للنفوس في أيام الشتاء والبرد، ولكن المؤمن يعتني به ويسبغ وضوءه ولو كان في الشتاء ولو كان في الماء البارد الذي لا يضره. أما ما يضر فينبغي تسخينه وينبغي أن يلاحظ حتى لا يضر نفسه فإذا كان ماء محتملا فعله وإلا سخنه حتى لا يضره ذلك فالمقصود السبغات يعني أوقات البرد لا يحملك الخوف من البرد أن تضيع وضوءك أو غسلك من الجنابة بل افعل ما أوجب الله عليك وإن كان في أيام الشتاء كما تفعله في أيام الصيف.
وكثرة الخطا إلى المساجد" قد يضعف بعض الناس عن ذلك ولا سيما إذا بعد عليه المسجد، فالرسول ﷺ يحرض على الصبر والمصابرة والمرابطة وأن تلزم الذهاب إلى المساجد وتستقيم على ذلك، وكل خطوة يرفعك الله بها كل خطوة فيها خير عظيم لك، ولهذا شرع المقاربة بين الخطا عند الذهاب إلى المسجد لكثرة الخطا يرفع الله بها الدرجات ويمحو بها الخطايا ويكتب بها الحسنات.
ثم ذكر الثالثة وهي انتظار الصلاة بعد الصلاة" ما هو معناه يجلس في المسجد حتى يعطل أعماله لا، المراد بانتظارها يعني كونه يجعلها على باله فالمؤمن لا يغيب عنه فرض الصلاة ولا يضيعها ولا يشغل عنه بل ينتظر طورًا بعد طور وتارة بعد تارة، ففي جميع الأوقات هو ينتظر الصلاة ويهتم بها ويعنى بها حتى لا يضيع عليه وقتها ولا عملها مع إخوانه؛ فإن المؤمن مأمور بالعمل مأمور بطلب الرزق مأمور بالأعمال التي يحتاجها في بيته، فليس المراد أن يبقى في المسجد دائمًا حتى لا يعمل ولا يكسب ولا يقضي حاجة أهلها لا، المراد بانتظارها بأن تكون على باله وفي قلبه ولا يضيعها ولا يشغل عنها بشيء، بل كلما فرغ من صلاة فالصلاة الأخرى على باله حتى يؤديها.

وقال ابن مردويه: حدثنا محمد بن أحمد، حدثنا موسى بن إسحاق، حدثنا أبو جحيفة علي بن يزيد الكوفي، أنبأنا ابن أبي كريمة عن محمد بن يزيد، عن أبي سلمة بن عبدالرحمن، قال: أقبل علي أبو هريرة يوما، فقال: أتدري يا ابن أخي فيم نزلت هذه الآية:  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا قلت: لا. قال: أما إنه لم يكن في زمان النبي ﷺ غزو يرابطون فيه، ولكنها نزلت في قوم يعمرون المساجد ويصلون الصلاة في مواقيتها، ثم يذكرون الله فيها، فعليهم أنزلت  اصْبِرُوا أي على الصلوات الخمس،  وَصَابِرُوا أنفسكم وهواكم،  وَرَابِطُوا في مساجدكم،  وَاتَّقُوا اللَّهَ فيما عليكم،  لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. وهكذا رواه الحاكم في مستدركه من طريق سعيد بن منصور ابن المبارك عن مصعب بن ثابت، عن داود بن صالح، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة بنحوه.

الشيخ: وهذا السند عن أبي هريرة في صحته نظر فإن السورة مدنية، والجهاد قد شرع في المدينة، وجاهد الرسول ﷺ وجاهد أصحابه يوم بدر وقبل بدر وبعد بدر؛ فهم مأمورون بالجهاد ومأمورون بالرباط ولكنه على أطوار، أما في مكة فلم يكن جهاد إلا باللسان يعني بالدعوة إلى الله والتوجيه إلى الخير والإرشاد لأنهم ليس لهم دولة وليس لهم قوة، فلما هاجروا واستقر أمرهم في المدينة صارت لهم دولة وقوة فأمروا بالجهاد وأذن لهم بالجهاد، وهذه السورة من السور المدنية وهي سورة آل عمران.

وقال ابن جرير: حدثني أبو السائب، حدثني ابن فضيل عن عبدالله بن سعيد المقبري، عن جده، عن شرحبيل، عن علي ، قال: قال رسول الله ﷺ ألا أدلكم على ما يكفر الذنوب والخطايا؟ إسباغ الوضوء على المكاره، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط.
وقال ابن جرير أيضا: حدثني موسى بن سهل الرملي، حدثنا يحيى بن واضح، حدثنا محمد بن مهاجر، حدثني يحيى بن يزيد عن زيد بن أبي أنيسة، عن شرحبيل، عن جابر بن عبدالله، قال: قال رسول الله ﷺ ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويكفر به الذنوب؟ قلنا: بلى يا رسول الله. قال إسباغ الوضوء في أماكنها، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط.
وقال ابن مردويه: حدثنا محمد بن علي، أنبأنا محمد بن عبدالله بن السلام البيروتي، أنبأنا محمد بن غالب الأنطاكي، أنبأنا عثمان بن عبدالرحمن، أنبأنا الوازع بن نافع عن أبي سلمة بن عبدالرحمن، عن أبي أيوب ، قال: وقفه علينا رسول الله ﷺ فقال: هلل لكم إلى ما يمحو الله به الذنوب ويعظم به الأجر؟ قلنا: نعم يا رسول الله، وما هو؟ قال إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة. قال: وهو قوله الله تعالى  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ فذلك هو الرباط في المساجد، وهذا حديث غريب من هذا الوجه جدا.
وقال عبدالله بن المبارك عن مصعب بن ثابت بن عبدالله بن الزبير، حدثني داود بن صالح، قال: قال لي أبو سلمة بن عبدالرحمن: يا ابن أخي هل تدري في أي شيء نزلت هذه الآية  اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا؟ قال: قلت: لا. قال: إنه لم يكن يا ابن أخي في زمان رسول الله ﷺ غزو يرابط فيه، ولكنه انتظار الصلاة بعد  الصلاة، رواه ابن جرير، وقد تقدم سياق ابن مردويه له، وأنه من كلام أبي هريرة ، والله أعلم.
وقيل: المراد بالمرابطة هاهنا مرابطة الغزو في نحور العدو وحفظ ثغور الإسلام وصيانتها عن دخول الأعداء إلى حوزة بلاد المسلمين، وقد وردت الأخبار بالترغيب في ذلك وذكر كثرة الثواب فيه، فروى البخاري في صحيحه عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله ﷺ، قال : رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها.
حديث آخر: روى مسلم  عن سلمان الفارسي، عن رسول الله ﷺ أنه قال: رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأجري عليه رزقه وأمن الفتان.

الشيخ: وهذا فضل عظيم الرباط فيه هذا الفضل رباط يوم وليلة في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه ويجرى عليه رزقه ويجرى عليه عمله ويؤمن بالفتان هذا من فضل الله العظيم، وكذلك رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها فهذا يدل على عظم شأن الرباط لأنه يلزم الثغور ويحفظها ويصونها ويكابد الأعداء ويضبط حركاتهم حتى لا يتعدى أحد منهم على المسلمين فأمر الرباط أمر عظيم وفيه أخطار ولهذا صار فضله عظيمًا.
.............. 

حديث آخر: روى مسلم عن سلمان الفارسي، عن رسول الله ﷺ أنه قال: رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليهه عمله الذي كان يعمله، وأجري عليه رزقه وأمن الفتان.
حديث آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا ابن المبارك عن حيوة بن شريح، أخبرني أبو هانئ الخولاني أن عمرو بن مالك الجنبي أخبره أنه سمع فضالة بن عبيد يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: كل ميت يختم على عمله إلا الذي مات مرابطا في سبيل الله، فإنه ينمى له عمله إلى يوم القيامة ويأمن فتنة القبر وهكذا رواه أبو داود والترمذي من حديث أبي هانئ الخولاني وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وأخرجه ابن حبان في صحيحه أيضا.
.............. 
حديث آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن إسحاق، وحسن بن موسى وأبو سعيد قالوا: حدثنا ابن لهيعة، حدثنا مشرح بن هاعان، سمعت عقبة بن عامر يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: كل ميت يختم على عمله إلا المرابط في سبيل الله فإنه يجري عليه عمله حتى يبعث ويأمن من الفتان وروى الحارث بن محمد بن أبي أسامة في مسنده عن المقري وهو عبدالله بن يزيد به إلى قوله حتى يبعث دون ذكر الفتان وابن لهيعة إذا صرح بالتحديث فهو حسن ولا سيما مع ما تقدم من الشواهد.
حديث آخر: قال ابن ماجه  في سننه: حدثنا يونس بن عبدالأعلى، حدثنا عبدالله بن وهب، أخبرني الليث عن زهرة بن معبد عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول الله ﷺ قال: من مات مرابطا في سبيل الله أجري عليه عمله الصالح الذي كان يعمله، وأجري عليه رزقه، وأمن من الفتان، وبعثه الله يوم القيامة آمنا من الفزع الأكبر.

الشيخ: وتقدم في رواية مسلم أن رباط يوم في سبيل الله وليله خير من صيام الدهر وقيامه، وأن المرابط إذا مات يجرى عليه رزقه، ويجري عليه عمله، ويأمن الفتان، وهنا زيادة وهي أنه يبعث يوم القيامة آمنًا من الفزع الأكبر وهذا فضل عظيم للمرابطين في سبيل الله والله المستعان.

طريق أخرى: قال الإمام أحمد: حدثنا موسى، أنبأنا ابن لهيعة عن موسى بن وردان، عن أبي هريرة، عن رسول الله ﷺ قال: من مات مرابطا وقي فتنة القبر، وأمن من الفزع الأكبر، وغدا عليه وريح برزقه من الجنة، وكتب له أجر المرابط إلى يوم القيامة.
حديث آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا إسحاق بن عيسى، حدثنا إسماعيل بن عياش عن محمد بن عمرو بن حلحلة الدؤلي، عن إسحاق بن عبدالله عن أم الدرداء ترفع الحديث، قالت: من رابط في شيء من سواحل المسلمين ثلاثة أيام أجزأت عنه رباط سنة.
حديث آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا كهمس، حدثنا مصعب بن ثابت بن عبدالله بن الزبير، قال: قال عثمان وهو يخطب على منبره: إني محدثكم حديثا سمعته من رسول الله ﷺ لم يكن يمنعني أن أحدثكم به إلا الضن بكم.

الشيخ: يعني البخل بكم.
...............

سمعت رسول الله ﷺ يقول: حرس ليلة في سبيل الله أفضل من ألف ليلة يقام ليلها ويصام نهارها وهكذا رواه أحمد  أيضا عن روح، عن كهمس، عن مصعب بن ثابت، عن عثمان، وقد رواه ابن ماجه  عن هشام بن عمار، عن عبدالرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن مصعب بن ثابت، عن عبدالله بن الزبير، قال: خطب عثمان بن عفان الناس فقال: يا أيها الناس إني سمعت من رسول الله ﷺ حديثا لم يمنعني أن أحدثكم به إلا الضن بكم وبصحابتكم، فليختر مختار لنفسه أو ليدع، سمعت رسول الله ﷺ يقول: من رابط ليلة في سبيل الله كانت كألف ليلة صيامها وقيامها.

الشيخ: وهذان الطريقان ضعيفان، والثابت ما تقدم من حديث سلمان، وأما في ليلة فهذه الرواية ضعيفة والثابت ما رواه سلمان الفارسي وأبو هريرة: رباط يوم وليلة في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه الحديث. وحديث سهل بن سعد: رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها

طريق أخرى: عن عثمان . قال الترمذي: حدثنا الحسن بن علي الخلال، حدثنا هشام بن عبدالملك، حدثنا الليث بن سعد، حدثنا أبو عقيل زهرة بن معبد عن أبي صالح مولى عثمان بن عفان، قال: سمعت عثمان وهو على المنبر يقول: إني كتمتكم حديثا سمعته من رسول الله ﷺ كراهية تفرقكم عني، ثم بدا لي أن أحدثكموه ليختار امرؤ لنفسه ما بدا له، سمعت رسول الله ﷺ يقول: رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل. ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، قال محمد يعني البخاري: أبو صالح مولى عثمان اسمه بركان، وذكر غير الترمذي أن اسمه الحارث، والله أعلم. وهكذا رواه الإمام أحمد من حديث الليث بن سعد وعبدالله بن لهيعة، وعنده زيادة في آخره فقال يعني عثمان: فليرابط امرؤ كيف شاء هل بلغت؟ قالوا: نعم. قال: اللهم اشهد.
حديث آخر: قال أبو عيسى الترمذي: حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان، حدثنا محمد بن المنكدر، قال: مر سلمان الفارسي بشرحبيل بن السمط، وهو في مرابط له وقد شق عليه وعلى أصحابه، فقال: أفلا أحدثكم يا ابن السمط بحديث سمعته من رسول الله ﷺ؟ قال: بلى، قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: رباط يوم في سبيل الله أفضل أو قال: خير- من صيام شهر وقيامه، ومن مات فيه وقي فتنة القبر، ونمي له عمله إلى يوم القيامة تفرد به الترمذي من هذا الوجه، وقال: هذا حديث حسن، وفي بعض النسخ زيادة وليس إسناده بمتصل، وابن المنكدر لم يدرك سلمان.
قلت: الظاهر أن محمد بن المنكدر سمعه من شرحبيل بن السمط، وقد رواه مسلم والنسائي من حديث مكحول وأبي عبيدة بن عقبة، كلاهما عن شرحبيل بن السمط وله صحبة عن سلمان الفارسي عن رسول الله ﷺ أنه قال: رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله وأجري عليه رزقه وأمن الفتان وقد تقدم سياق مسلم بمفرده.
حديث آخر: قال ابن ماجه: حدثنا محمد بن إسماعيل بن سمرة، حدثنا محمد بن يعلى السلمي، حدثنا عمر بن صبيح عن عبدالرحمن بن عمرو، عن مكحول، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله ﷺ: لرباط يوم في سبيل الله، من وراء عورة المسلمين محتسبا من شهر رمضان أعظم أجرا من عبادة مائة سنة صيامها وقيامها، ورباط يوم في سبيل الله من وراء عورة المسلمين محتسبا من غير شهر رمضان أفضل عند الله وأعظم أجرا  أراه قال: من عبادة ألف سنة صيامها وقيامها، فإن رده الله تعالى إلى أهله سالما لم تكتب عليه سيئة ألف سنة، وتكتب له الحسنات، ويجرى له أجر الرباط إلى يوم القيامة هذا حديث غريب من هذا الوجه، بل منكر، وعمر بن صبيح متهم.

.............. 

حديث آخر: قال ابن ماجه: حدثنا عيسى بن يونس الرملي، حدثنا محمد بن شعيب بن شابور عن سعيد بن خالد بن أبي طويل، سمعت أنس بن مالك يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول حرس ليلة في سبيل الله خير من صيام رجل وقيامه في أهله ألف سنة. السنة ثلاثمائة وستونن يوما، واليوم كألف سنة وهذا حديث غريب أيضا، وسعيد بن خالد هذا ضعفه أبو زرعة وغير واحد من الأئمة، وقال العقيلي: لا يتابع على حديثه، وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به. وقال الحاكم: روى عن أنس أحاديث موضوعة.
حديث آخر: قال ابن ماجه: حدثنا محمد بن الصباح، أنبأنا عبدالعزيز بن محمد عن صالح بن محمد بن زائدة، عن عمر بن عبدالعزيز، عن عقبة بن عامر الجهني، قال: قال رسول الله ﷺ رحم الله حارس الحرس فيه انقطاع بين عمر بن عبدالعزيز وعقبة بن عامر، فإنه لم يدركه والله أعلم.
حديث آخر: قال أبو داود: حدثنا أبو توبة، حدثنا معاوية يعني ابن سلام عن زيد - يعني ابن سلام- أنه سمع أبا سلام قال: حدثني السلولي أنه حدثه سهل بن الحنظلية أنهم ساروا مع رسول الله ﷺ يوم حنين فأطنبوا السير حتى كانت عشية، فحضرت الصلاة مع رسول الله ﷺ، فجاء رجل فارس فقال: يا رسول الله، إني انطلقت بين أيديكم حتى طلعت جبل كذا وكذا، فإذا أنا بهوازن على بكرة أبيهم بظعنهم
الشيخ: من الظعينة وهي المرأة في الهودج.
ونعمهم وشائهم اجتمعوا إلى حنين، فتبسم النبي ﷺ وقال تلك غنيمة المسلمين غدا إن شاء الله ثم قال من يحرسنا الليلة؟ قال أنس بن أبي مرثد: أنا يا رسول الله، فقال فاركب فركب فرسا له، فجاء إلى رسول الله ﷺ فقال له رسول الله ﷺ استقبل هذا الشعب حتى تكون في أعلاه ولا نغرن من قبلك الليلة.
...........
 فلما أصبحنا خرج رسول الله ﷺ إلى مصلاه، فركع ركعتين ثم قال هل أحسستم فارسكم؟ فقال رجل: يا رسول الله ما أحسسناه فثوب بالصلاة، فجعل النبي ﷺ وهو يصلي يلتفت إلى الشعب حتى إذا قضى صلاته قال أبشروا فقد جاءكم فارسكم فجعلنا ننظر إلى خلال الشجر في الشعب، فإذا هو قد جاء حتى وقف على النبي ﷺ، فقال: إني انطلقت حتى كنت في أعلى هذا الشعب حيث أمرتني، فلما أصبحت اطلعت الشعبين كليهما، فنظرت فلم أر أحدا، فقال له رسول الله ﷺ هل نزلت الليلة؟ قال: لا إلا مصليا أو قاضيا حاجة، فقال له أوجبت فلا عليك أن لا تعمل بعدها.
ورواه النسائي عن محمد بن يحيى بن محمد بن كثير الحراني عن أبي توبة وهو الربيع بن نافع به.
الشيخ: يعني وجبت له الجنة، وهذه بشارة عظيمة، وما عليك أن لا تعمل زيادة على أوجب الله من التطوع لأن الواجبات لا تسقط بشئ، والمعنى لا عليك أن لا تتطوع بعد هذا.
وهذا استدل به العلماء على أنه يجوز الالتفات للحاجة ...... ولهذا التفت النبي ﷺ في الشعب، ولما سبح الناس حين جاء النبي ﷺ في قصة أبي بكر والتفت أبو بكر دل ذلك على أن الالتفات للحاجة لا بأس به.
................
حديث آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا زيد بن الحباب، حدثنا عبدالرحمن بن شريح، سمعت محمد بن شمير الرعيني يقول: سمعت أبا عامر التجيبي، قال الإمام أحمد: وقال غير زيد أبا علي الجنبي يقول: سمعت أبا ريحانة يقول كنا مع رسول الله ﷺ في غزوة، فأتينا ذات ليلة إلى شرف، فبتنا عليه، فأصابنا برد شديد حتى رأيت من يحفر في الأرض حفرة يدخل فيها ويلقي عليه الجحفة يعني الترس، فلما رأى ذلك رسول الله ﷺ من الناس نادى من يحرسنا في هذه الليلة فأدعو له بدعاء يكون له فيه فضل؟ فقال رجل من الأنصار: أنا يا رسول الله فقال ادن فدنا، فقال من أنت؟ فتسمى له الأنصاري، ففتح رسول الله ﷺ بالدعاء فأكثر منه. فقال أبو ريحانة: فلما سمعت ما دعا به رسول الله ﷺ قلت: أنا رجل آخر، فقال ادن، فدنوت فقال من أنت؟ قال: فقلت: أنا أبو ريحانة، فدعا بدعاء هو دون ما دعا للأنصاري، ثم قال حرمت النار على عين دمعت- أو بكت- من خشية الله، وحرمت النار على عين سهرت في سبيل الله وروى النسائي منه حرمت النار إلى آخره عن عصمة بن الفضل عن زيد بن الحباب به، وعن الحارث بن مسكين عن ابن وهب عن عبدالرحمن بن شريح به، وأتم وقال في الروايتين عن أبي علي الجنبي.
حديث آخر: قال الترمذي: حدثنا نصر بن علي الجهضمي، حدثنا بشر بن عمر، حدثنا شعيب بن رزيق أبو شيبة عن عطاء الخراساني، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس، قال سمعت رسول الله ﷺ يقول عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله ثم قال: حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث شعيب بن رزيق، قال وفي الباب عن عثمان وأبي ريحانة.
قلت: وقد تقدما، ولله الحمد والمنة.
الشيخ: وهذا يدل على فضل الحراسة في سبيل الله والبكاء من خشية الله جل وعلا، وأن هذا من أسباب السلامة من النجاة من النار ومن أسباب الفوز بالجنة؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وذكر منهم رجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه". فالبكاء من خشية الله رجاء ما عند الله وحذر عقابه والسهر في سبيل الله له فضله العظيم.
حديث آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن غيلان، حدثنا رشدين عن زياد، عن سهل بن معاذ، عن أبيه معاذ بن أنس عن رسول الله ﷺ قال : من حرس من وراء المسلمين متطوعا لا بأجرة سلطان، لم ير النار بعينيه إلا تحلة القسم، فإن الله يقول وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّاا وَارِدُهَا [مريم:71] تفرد به أحمد رحمه الله.
حديث آخر: روى البخاري  في صحيحه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش، طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله أشعث رأسه، مغبرة قدماه إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، إن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يشفع. فهذا آخر ما تيسر إيراده من الأحاديث المتعلقة بهذا المقام، ولله الحمد على جزيل الإنعام، على تعاقب الأعوام والأيام.
وقال ابن جرير: حدثني المثنى، حدثنا مطرف بن عبدالله المدني، حدثنا مالك عن زيد بن أسلم قال: كتب أبو عبيدة إلى عمر بن الخطاب يذكر له جموعا من الروم وما يتخوف منهم، فكتب إليه عمر: أما بعد، فإنه مهما ينزل بعبد مؤمن من منزلة شدة يجعل الله بعدها فرجا، وإنه لن يغلب عسر يسرين.
الشيخ: إشارة إلى قوله تعالى: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ۝ إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا [الشرح:5، 6] يعني أن اليسر مكرر، اسم مكرر وهو منكر فيكون اليسر يسرين، والعسر مع الرفع إذا تكرر لا يتعدد، فإن مع العسر يسرًا إن مع العسر يسرًا، العسر واحد والعسر متعدد والله جل وعلا كتب أن اليسر يغلب العسر سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا [الطلاق:7]
وإن الله تعالى يقول في كتابه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران:200]. وهكذا روى الحافظ بن عساكر في ترجمة عبدالله بن المبارك من طريق محمد بن إبراهيم بن أبي سكينة، قال: أملى علي عبدالله بن المبارك هذه الأبيات بطرسوس، وودعته للخروج، وأنشدها معي إلى الفضيل بن عياض في سنة سبعين ومائة، وفي رواية سنة سبع وسبعين ومائة:
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك في العبادة تلعب
من كان يخضب خده بدموعه فنحورنا بدمائنا تتخضب
أو كان يتعب خيله في باطل فخيولنا يوم الصبيحة تتعب
ريح العبير لكم ونحن عبيرنا وهج السنابك والغبار الأطيب
ولقد أتانا من مقال نبينا قول صحيح صادق لا يكذب
لا يستوي غبّار خيل الله في أنف امرئ ودخان نار تلهب
هذا كتاب الله ينطق بيننا ليس الشهيد بميت لا يكذب

الشيخ: ويشير بهذا إلى قوله تعالى: وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران:169] والمقصود من هذا أن المجاهدين في سبيل الله وما يحصل لهم من الشدة والغبار والقتل في سبيل الله خير ما يكون من عباد الحرمين، العابد في الحرمين يصلي ويصوم ويبكي من خشية الله وإن كان في عمل صالح وإن كان في خير لكن المجاهد أفضل منه!

قال: فلقيت الفضيل بن عياض بكتابه في المسجد الحرام، فلما قرأه ذرفت عيناه وقال: صدق أبو عبدالرحمن ونصحني، ثم قال: أنت ممن يكتب الحديث؟ قال: قلت: نعم، قال فاكتب هذا الحديث كراء حملك كتاب أبي عبدالرحمن إلينا وأملى علي الفضيل بن عياض: حدثنا منصور بن المعتمر عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رجلا قال: يا رسول الله، علمني عملا أنال به ثواب المجاهدين في سبيل الله، فقال هل تستطيع أن تصلي فلا تفتر، وتصوم فلا تفطر؟ فقال: يا رسول الله، أنا أضعف من أن أستطيع ذلك، ثم قال النبي ﷺ فو الذي نفسي بيده لو طوقت ذلك ما بلغت المجاهدين في سبيل الله.الشيخ: يعني لو طوق الإنسان أنه يصوم ولا يفطر ويقوم الليل كله ولا يفتر لو طوق هذا ..... لما بلغ المجاهدين والله المستعان.
أو ما علمت أن الفرس المجاهد ليستن  في طوله، فيكتب له بذلك الحسنات».
وقوله تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ أي في جميع أموركم وأحوالكم، كما قال النبي ﷺ لمعاذ حين بعثه إلى اليمن اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئةة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ أي في الدنيا والآخرة.
وقال ابن جرير: حدثني يونس أنبأنا ابن وهب أنبأنا أبو صخر عن محمد بن كعب القرظي أنه كان يقول في قول الله وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ واتقوا الله فيما بيني وبينكم لعلكم تفلحون غدا إذا لقيتموني.
انتهى تفسير سورة آل عمران، ولله الحمد والمنة، نسأله الموت على الكتاب والسنة
الشيخ: علق الفلاح والرحمة والسعادة والنجاة بالتقوى في آيات فالتقوى سبب الرحمة وسبب الفلاح وسبب الفوز بالجنة والنجاة من النار فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [آل عمران:123] وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا [الطلاق:5] إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ [القلم:34] والله المستعان كل خير وضعه الله في التقوى.
.................