4/1545- وعن ابنِ عُمرَ رضي اللَّه عنْهُما قالَ: قَالَ النَّبيُّ ﷺ: أفْرَى الفِرَى أنْ يُرِيَ الرجُلُ عيْنَيْهِ مَا لَمْ تَرَيا.
رواهُ البخاري. ومعناه: يقولُ: رأيتُ فيما لَمْ يَرَهُ.
5/1546- وعن سَمُرَةَ بنِ جُنْدُبٍ قالَ: كانَ رسُولُ اللَّه ﷺ مِما يُكْثِرُ أنْ يقولَ لأصحابهِ: هَلْ رَأَى أحدٌّ مِنكُمْ مِن رُؤْيَا؟ فيقُصُّ عليهِ منْ شَاءَ اللَّه أنْ يقُصَّ. وَإنَّهُ قَالَ لنا ذَات غَدَاةٍ: إنَّهُ أتَاني اللَّيْلَةَ آتيانِ، وإنَّهُما قَالا لِي: انطَلقْ، وإنِّي انْطلَقْتُ معهُما، وإنَّا أتَيْنَا عَلى رجُلٍ مُضْطَجِعٌ، وإِذَا آَخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِصَخْرَةٍ، وإِذَا هُوَ يَهْوي بالصَّخْرَةِ لِرَأْسِهِ، فَيثْلَغُ رَأْسهُ، فَيَتَدَهْدهُ الحَجَرُ هَاهُنَا. فيتبعُ الحَجَرَ فيأْخُذُهُ، فَلاَ يَرجِعُ إلَيْه حَتَّى يَصِحَّ رَأْسُهُ كَما كَانَ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ، فَيفْعلُ بهِ مِثْلَ مَا فَعَل المَرَّةَ الأوْلَى، قَالَ: قلتُ لهما: سُبْحانَ اللَّهِ، مَا هذانِ؟ قَالا لي: انْطَلِقْ انْطَلِقْ، فانْطَلَقْنا. فأَتيْنَا عَلى رَجُل مُسْتَلْقٍ لقَفَاه وَإذا آخَرُ قائمٌ عليهِ بكَلُّوبٍ مِنْ حَديدٍ، وَإِذَا هُوَ يَأْتى أحَد شِقَّيْ وَجْهِهِ فيُشَرْشِرُ شِدْقَهُ إِلَى قَفاهُ، ومنْخِرهُ إلى قَفَاهُ، وَعينَهُ إلى قَفاهُ، ثُمَّ يتَحوَّل إِلَى الجانبِ الآخرِ فَيَفْعَل بهِ مثْلَ مَا فعلَ بالجَانِبِ الأوَّلِ، فَما يَفْرُغُ مِنْ ذلكَ الجانبِ حتَّى يصِحَّ ذلكَ الجانِبُ كما كانَ، ثُمَّ يَعُودُ عليْهِ، فَيَفْعَل مِثْلَ مَا فَعلَ فِي المَرَّةِ الأُوْلَى. قَالَ: قلتُ: سُبْحَانَ اللَّه، مَا هذانِ؟ قالا لي: انْطلِقْ انْطَلِقْ، فَانْطَلَقْنَا. فَأتَيْنا عَلى مِثْل التَّنُّورِ فَأَحْسِبُ أنهُ قَالَ: فإذا فيهِ لَغَطٌ، وأصْواتٌ، فَاطَّلَعْنا فيهِ فَإِذَا فِيهِ رجالٌ ونِساء عُرَاةٌ، وَإِذَا هُمْ يأتِيهمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفلِ مِنْهُمْ، فإذا أتَاهُمْ ذلكَ اللَّهَبُ ضَوْضوا، قلتُ مَا هؤلاءِ؟ قَالا لِي: انْطَلِقْ انْطَلِقْ، فَانْطَلقْنَا. فَأَتيْنَا عَلَى نهرٍ حسِبْتُ أَنهُ كانَ يقُولُ: أَحْمرُ مِثْلُ الدَّمِ، وَإِذَا في النَّهْرِ رَجُلٌ سابِحٌ يَسْبحُ، وَإذا عَلَى شَطِّ النَّهْرِ رجُلٌ قَد جَمَعَ عِندَهُ حِجارةً كَثِيرَة، وَإِذَا ذلكَ السَّابِحُ يَسْبَحُ مَا يَسْبَحُ، ثُمَّ يَأتيْ ذلكَ الَّذِي قَدْ جمَعَ عِنْدهُ الحِجارةَ، فَيَفْغَرُ لهَ فاهُ، فَيُلْقِمُهُ حَجَرًا، فَيَنْطَلِقُ فَيَسْبَحُ، ثُمَّ يَرْجِعُ إليهِ، كُلَّمَا رَجَعَ إليْهِ، فَغَر لهُ فاهُ، فَألْقمهُ حَجَرًا، قُلْتُ لهُما: مَا هذانِ؟ قالاَ لِي: انْطلِقْ انطلِق، فانْطَلَقنا. فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ كريِه المَرْآةِ، أوْ كأَكرَهِ مَا أنتَ رَاءٍ رجُلًا مَرْأَى، فإذا هُوَ عِندَه نارٌ يحشُّها وَيسْعى حَوْلَهَا، قلتُ لَهُمَا: مَا هَذَا؟ قالاَ لي: انْطَلِقْ انْطلِقْ، فَانْطَلقنا. فَأتَينا عَلَى روْضةٍ مُعْتَمَّةٍ فِيها مِنْ كلِّ نَوْرِ الرَّبيعِ، وَإِذَا بيْنَ ظهْرِي الرَّوضَةِ رَجلٌ طويلٌ لا أكادُ أَرَى رأسَهُ طُولًا في السَّماءِ، وَإِذَا حوْلَ الرجلِ منْ أَكْثَرِ وِلدانٍ رَأَيْتُهُمْ قطُّ، قُلتُ: مَا هَذَا؟ وَمَا هؤلاءِ؟ قالا لي: انطَلقْ انْطَلِقْ فَاَنْطَلقنا. فَأتيْنَا إِلَى دَوْحةٍ عظِيمَة لَمْ أَرَ دَوْحةً قطُّ أعظمَ مِنها، وَلاَ أحْسنَ، قالا لي: ارْقَ فِيهَا، فَارتَقينا فِيهَا، إِلَى مدِينةٍ مَبْنِيَّةٍ بِلَبِنٍ ذَهبٍ ولبنٍ فضَّةٍ، فأتَينَا بَابَ المَدينة فَاسْتفتَحْنَا، فَفُتحَ لَنا، فَدَخَلناهَا، فَتَلَقَّانَا رجالٌ شَطْرٌ مِن خَلْقِهِم كأحْسنِ مَا أنت راءٍ، وشَطرٌ مِنهم كأَقْبحِ مَا أنتَ راءِ، قالا لَهُمْ: اذْهَبُوا فقَعُوا في ذَلِكَ النًّهْر، وَإِذَا هُوَ نَهرٌ معتَرِضٌ يجْرِي كأنَّ ماءَهُ المحضُ في البَيَاضِ، فذَهبُوا فوقعُوا فِيهِ، ثُمَّ رجعُوا إلَيْنَا قَدْ ذَهَب ذلكَ السُّوءُ عَنهمْ، فَصارُوا في أحْسَنِ صُورةٍ. قَالَ: قالا لِي: هذِهِ جَنَّةُ عدْن، وهذاك منزلُكَ، فسمَا بصَرِي صُعدًا، فإذا قَصْرٌ مِثلُ الرَّبابة البيضاءِ. قالا لي: هذاكَ منزِلُكَ. قلتُ لهما: باركَ اللَّه فيكُما، فَذراني فأدخُلْه. قالا: أمَّا الآنَ فَلاَ، وأنتَ داخلُهُ. قُلْتُ لهُما: فَإنِّي رأَيتُ مُنْذُ اللَّيلة عَجَبًا؟ فما هَذَا الذي رأيت؟ قالا لي: إنَا سَنخبِرُك. أمَّا الرجُلُ الأوَّلُ الَّذِي أتَيتَ عَليه يُثلَغُ رأسُهُ بالحَجَرِ، فإنَّهُ الرَّجُلُ يأخُذُ القُرْآنَ فيرفُضُه، وينامُ عَنِ الصَّلاةِ المكتُوبةِ. وأمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أتَيتَ عَليْهِ يُشرْشرُ شِدْقُه إِلَى قَفاهُ، ومَنْخِرُه إِلَى قَفاهُ، وعَيْنهُ إِلَى قفاهُ، فإنَّهُ الرَّجُلُ يَغْدو مِنْ بَيْتِه فَيكذبُ الكذبةَ تبلُغُ الآفاقَ. وأمَّا الرِّجالُ والنِّساءُ العُراةُ الَّذِينَ هُمْ في مِثل بِناءِ التَّنُّورِ، فإنَّهم الزُّناةُ والزَّواني. وأما الرجُلُ الَّذي أتَيْت عليْهِ يسْبَحُ في النَهْرِ، ويلْقمُ الحِجارة، فإنَّهُ آكِلُ الرِّبا. وأمَّا الرَّجُلُ الكَريهُ المَرآةِ الَّذِي عندَ النَّارِ يَحُشُّها ويسْعى حَوْلَها فإنَّهُ مالِكُ خازنُ جَهنَّمَ. وأمَّا الرَّجُلُ الطَّويلُ الَّذي في الرَّوْضةِ، فإنَّهُ إبراهيم صلى الله عليه وسلم، وأمَّا الوِلدانُ الذينَ حوْله، فكلُّ مُوْلود ماتَ عَلَى الفِطْرَةِ وفي رواية البَرْقَانِي: وُلِد عَلَى الفِطْرَةِ. فَقَالَ بعض المسلمينَ: يَا رسولَ اللَّه، وأولادُ المشرِكينَ؟ فقال رسولُ اللَّه ﷺ: وأولادُ المشركينَ. وأما القومُ الذينَ كانُوا شَطْرٌ مِنْهُمْ حَسَنٌ وشَطْرٌ مِنْهُمْ قَبيحٌ فإنَّهُمْ قَومٌ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وآخَرَ سَيِّئًا تَجاوَزَ الله عنهم. رواه البخاري.
وفي روايةٍ لَهُ: رأيتُ اللَّيلَةَ رجُلَين أتَياني فأخْرجاني إِلَى أرْضِ مُقدَّسةِ ثُمَّ ذكَره. وقال: فانطَلَقْنَا إِلَى نَقبٍ مثلِ التنُّورِ، أعْلاهُ ضَيِّقٌ وأسْفَلُهُ وَاسعٌ، يَتَوَقَّدُ تَحتهُ نارًا، فإذا ارتَفَعت ارْتَفَعُوا حَتى كادُوا أنْ يَخْرُجوا، وَإِذَا خَمَدت، رَجَعوا فِيهَا، وفيها رجالٌ ونِساءٌ عراةٌ. وفيها: حَتَّى أتَينَا عَلَى نَهرٍ مِنْ دَمٍ، ولم يشكَّ فِيهِ رجُلٌ قائمٌ عَلَى وَسَطِ النَّهرِ، وعلى شطِّ النَّهر رجُلٌ، وبيْنَ يديهِ حجارةٌ، فأقبلَ الرَّجُلُ الذي في النَّهرِ، فَإذا أرَادَ أنْ يخْرُجَ، رمَى الرَّجُلُ بِحجرٍ في فِيه، فردَّهُ حيْثُ كانَ، فجعلَ كُلَّمَا جاءَ ليخْرج جَعَلَ يَرْمي في فِيهِ بحجرٍ، فيرْجِعُ كما كانَ. وفيهَا: فَصَعِدَا بي الشَّجَرةَ، فَأدْخلاني دَارًا لَمْ أرَ قَطُّ أحْسنَ منْهَا، فيهَا رجالٌ شُيُوخٌ وَشَباب. وفِيهَا: الَّذي رأيْتهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ فكَذَّابٌ، يُحدِّثُ بالْكذبةِ فَتُحْملُ عنْهَ حتَّى تَبْلُغَ الآفَاقَ، فيصْنَعُ بهِ مَا رأيْتَ إِلَى يوْم الْقِيامةِ. وَفِيهَا: الَّذي رأيْتهُ يُشْدَخُ رأسُهُ فرجُلُ علَّمهُ اللَّه الْقُرآنَ، فَنَامَ عنهُ بِاللَّيْلِ، ولَمْ يعْملْ فِيهِ بِالنَّهَارِ، فيُفْعلُ بِه إِلَى يَوْمِ الْقِيامةِ. والدَّارُ الأولَى الَّتي دخَلْتَ دارُ عامَّةِ المُؤمنينَ، وأمَّا هذِهِ الدَّارُ فدَارُ الشُّهَداءِ، وأنا جِبْريلُ، وهذا مِيكائيلُ، فارْفع رأسَك، فرفعتُ رأْسي، فإذَا فَوْقِي مِثلُ السَّحابِ، قالا: ذاكَ منزلُكَ، قلتُ: دَعاني أدْخُلْ مَنْزِلي، قالا: إنَّهُ بَقي لَكَ عُمُرٌ لَم تَستكمِلْهُ، فلَوْ اسْتَكْملته، أتَيْتَ منْزِلَكَ رواه البخاري.
الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.رواهُ البخاري. ومعناه: يقولُ: رأيتُ فيما لَمْ يَرَهُ.
5/1546- وعن سَمُرَةَ بنِ جُنْدُبٍ قالَ: كانَ رسُولُ اللَّه ﷺ مِما يُكْثِرُ أنْ يقولَ لأصحابهِ: هَلْ رَأَى أحدٌّ مِنكُمْ مِن رُؤْيَا؟ فيقُصُّ عليهِ منْ شَاءَ اللَّه أنْ يقُصَّ. وَإنَّهُ قَالَ لنا ذَات غَدَاةٍ: إنَّهُ أتَاني اللَّيْلَةَ آتيانِ، وإنَّهُما قَالا لِي: انطَلقْ، وإنِّي انْطلَقْتُ معهُما، وإنَّا أتَيْنَا عَلى رجُلٍ مُضْطَجِعٌ، وإِذَا آَخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِصَخْرَةٍ، وإِذَا هُوَ يَهْوي بالصَّخْرَةِ لِرَأْسِهِ، فَيثْلَغُ رَأْسهُ، فَيَتَدَهْدهُ الحَجَرُ هَاهُنَا. فيتبعُ الحَجَرَ فيأْخُذُهُ، فَلاَ يَرجِعُ إلَيْه حَتَّى يَصِحَّ رَأْسُهُ كَما كَانَ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ، فَيفْعلُ بهِ مِثْلَ مَا فَعَل المَرَّةَ الأوْلَى، قَالَ: قلتُ لهما: سُبْحانَ اللَّهِ، مَا هذانِ؟ قَالا لي: انْطَلِقْ انْطَلِقْ، فانْطَلَقْنا. فأَتيْنَا عَلى رَجُل مُسْتَلْقٍ لقَفَاه وَإذا آخَرُ قائمٌ عليهِ بكَلُّوبٍ مِنْ حَديدٍ، وَإِذَا هُوَ يَأْتى أحَد شِقَّيْ وَجْهِهِ فيُشَرْشِرُ شِدْقَهُ إِلَى قَفاهُ، ومنْخِرهُ إلى قَفَاهُ، وَعينَهُ إلى قَفاهُ، ثُمَّ يتَحوَّل إِلَى الجانبِ الآخرِ فَيَفْعَل بهِ مثْلَ مَا فعلَ بالجَانِبِ الأوَّلِ، فَما يَفْرُغُ مِنْ ذلكَ الجانبِ حتَّى يصِحَّ ذلكَ الجانِبُ كما كانَ، ثُمَّ يَعُودُ عليْهِ، فَيَفْعَل مِثْلَ مَا فَعلَ فِي المَرَّةِ الأُوْلَى. قَالَ: قلتُ: سُبْحَانَ اللَّه، مَا هذانِ؟ قالا لي: انْطلِقْ انْطَلِقْ، فَانْطَلَقْنَا. فَأتَيْنا عَلى مِثْل التَّنُّورِ فَأَحْسِبُ أنهُ قَالَ: فإذا فيهِ لَغَطٌ، وأصْواتٌ، فَاطَّلَعْنا فيهِ فَإِذَا فِيهِ رجالٌ ونِساء عُرَاةٌ، وَإِذَا هُمْ يأتِيهمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفلِ مِنْهُمْ، فإذا أتَاهُمْ ذلكَ اللَّهَبُ ضَوْضوا، قلتُ مَا هؤلاءِ؟ قَالا لِي: انْطَلِقْ انْطَلِقْ، فَانْطَلقْنَا. فَأَتيْنَا عَلَى نهرٍ حسِبْتُ أَنهُ كانَ يقُولُ: أَحْمرُ مِثْلُ الدَّمِ، وَإِذَا في النَّهْرِ رَجُلٌ سابِحٌ يَسْبحُ، وَإذا عَلَى شَطِّ النَّهْرِ رجُلٌ قَد جَمَعَ عِندَهُ حِجارةً كَثِيرَة، وَإِذَا ذلكَ السَّابِحُ يَسْبَحُ مَا يَسْبَحُ، ثُمَّ يَأتيْ ذلكَ الَّذِي قَدْ جمَعَ عِنْدهُ الحِجارةَ، فَيَفْغَرُ لهَ فاهُ، فَيُلْقِمُهُ حَجَرًا، فَيَنْطَلِقُ فَيَسْبَحُ، ثُمَّ يَرْجِعُ إليهِ، كُلَّمَا رَجَعَ إليْهِ، فَغَر لهُ فاهُ، فَألْقمهُ حَجَرًا، قُلْتُ لهُما: مَا هذانِ؟ قالاَ لِي: انْطلِقْ انطلِق، فانْطَلَقنا. فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ كريِه المَرْآةِ، أوْ كأَكرَهِ مَا أنتَ رَاءٍ رجُلًا مَرْأَى، فإذا هُوَ عِندَه نارٌ يحشُّها وَيسْعى حَوْلَهَا، قلتُ لَهُمَا: مَا هَذَا؟ قالاَ لي: انْطَلِقْ انْطلِقْ، فَانْطَلقنا. فَأتَينا عَلَى روْضةٍ مُعْتَمَّةٍ فِيها مِنْ كلِّ نَوْرِ الرَّبيعِ، وَإِذَا بيْنَ ظهْرِي الرَّوضَةِ رَجلٌ طويلٌ لا أكادُ أَرَى رأسَهُ طُولًا في السَّماءِ، وَإِذَا حوْلَ الرجلِ منْ أَكْثَرِ وِلدانٍ رَأَيْتُهُمْ قطُّ، قُلتُ: مَا هَذَا؟ وَمَا هؤلاءِ؟ قالا لي: انطَلقْ انْطَلِقْ فَاَنْطَلقنا. فَأتيْنَا إِلَى دَوْحةٍ عظِيمَة لَمْ أَرَ دَوْحةً قطُّ أعظمَ مِنها، وَلاَ أحْسنَ، قالا لي: ارْقَ فِيهَا، فَارتَقينا فِيهَا، إِلَى مدِينةٍ مَبْنِيَّةٍ بِلَبِنٍ ذَهبٍ ولبنٍ فضَّةٍ، فأتَينَا بَابَ المَدينة فَاسْتفتَحْنَا، فَفُتحَ لَنا، فَدَخَلناهَا، فَتَلَقَّانَا رجالٌ شَطْرٌ مِن خَلْقِهِم كأحْسنِ مَا أنت راءٍ، وشَطرٌ مِنهم كأَقْبحِ مَا أنتَ راءِ، قالا لَهُمْ: اذْهَبُوا فقَعُوا في ذَلِكَ النًّهْر، وَإِذَا هُوَ نَهرٌ معتَرِضٌ يجْرِي كأنَّ ماءَهُ المحضُ في البَيَاضِ، فذَهبُوا فوقعُوا فِيهِ، ثُمَّ رجعُوا إلَيْنَا قَدْ ذَهَب ذلكَ السُّوءُ عَنهمْ، فَصارُوا في أحْسَنِ صُورةٍ. قَالَ: قالا لِي: هذِهِ جَنَّةُ عدْن، وهذاك منزلُكَ، فسمَا بصَرِي صُعدًا، فإذا قَصْرٌ مِثلُ الرَّبابة البيضاءِ. قالا لي: هذاكَ منزِلُكَ. قلتُ لهما: باركَ اللَّه فيكُما، فَذراني فأدخُلْه. قالا: أمَّا الآنَ فَلاَ، وأنتَ داخلُهُ. قُلْتُ لهُما: فَإنِّي رأَيتُ مُنْذُ اللَّيلة عَجَبًا؟ فما هَذَا الذي رأيت؟ قالا لي: إنَا سَنخبِرُك. أمَّا الرجُلُ الأوَّلُ الَّذِي أتَيتَ عَليه يُثلَغُ رأسُهُ بالحَجَرِ، فإنَّهُ الرَّجُلُ يأخُذُ القُرْآنَ فيرفُضُه، وينامُ عَنِ الصَّلاةِ المكتُوبةِ. وأمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أتَيتَ عَليْهِ يُشرْشرُ شِدْقُه إِلَى قَفاهُ، ومَنْخِرُه إِلَى قَفاهُ، وعَيْنهُ إِلَى قفاهُ، فإنَّهُ الرَّجُلُ يَغْدو مِنْ بَيْتِه فَيكذبُ الكذبةَ تبلُغُ الآفاقَ. وأمَّا الرِّجالُ والنِّساءُ العُراةُ الَّذِينَ هُمْ في مِثل بِناءِ التَّنُّورِ، فإنَّهم الزُّناةُ والزَّواني. وأما الرجُلُ الَّذي أتَيْت عليْهِ يسْبَحُ في النَهْرِ، ويلْقمُ الحِجارة، فإنَّهُ آكِلُ الرِّبا. وأمَّا الرَّجُلُ الكَريهُ المَرآةِ الَّذِي عندَ النَّارِ يَحُشُّها ويسْعى حَوْلَها فإنَّهُ مالِكُ خازنُ جَهنَّمَ. وأمَّا الرَّجُلُ الطَّويلُ الَّذي في الرَّوْضةِ، فإنَّهُ إبراهيم صلى الله عليه وسلم، وأمَّا الوِلدانُ الذينَ حوْله، فكلُّ مُوْلود ماتَ عَلَى الفِطْرَةِ وفي رواية البَرْقَانِي: وُلِد عَلَى الفِطْرَةِ. فَقَالَ بعض المسلمينَ: يَا رسولَ اللَّه، وأولادُ المشرِكينَ؟ فقال رسولُ اللَّه ﷺ: وأولادُ المشركينَ. وأما القومُ الذينَ كانُوا شَطْرٌ مِنْهُمْ حَسَنٌ وشَطْرٌ مِنْهُمْ قَبيحٌ فإنَّهُمْ قَومٌ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وآخَرَ سَيِّئًا تَجاوَزَ الله عنهم. رواه البخاري.
وفي روايةٍ لَهُ: رأيتُ اللَّيلَةَ رجُلَين أتَياني فأخْرجاني إِلَى أرْضِ مُقدَّسةِ ثُمَّ ذكَره. وقال: فانطَلَقْنَا إِلَى نَقبٍ مثلِ التنُّورِ، أعْلاهُ ضَيِّقٌ وأسْفَلُهُ وَاسعٌ، يَتَوَقَّدُ تَحتهُ نارًا، فإذا ارتَفَعت ارْتَفَعُوا حَتى كادُوا أنْ يَخْرُجوا، وَإِذَا خَمَدت، رَجَعوا فِيهَا، وفيها رجالٌ ونِساءٌ عراةٌ. وفيها: حَتَّى أتَينَا عَلَى نَهرٍ مِنْ دَمٍ، ولم يشكَّ فِيهِ رجُلٌ قائمٌ عَلَى وَسَطِ النَّهرِ، وعلى شطِّ النَّهر رجُلٌ، وبيْنَ يديهِ حجارةٌ، فأقبلَ الرَّجُلُ الذي في النَّهرِ، فَإذا أرَادَ أنْ يخْرُجَ، رمَى الرَّجُلُ بِحجرٍ في فِيه، فردَّهُ حيْثُ كانَ، فجعلَ كُلَّمَا جاءَ ليخْرج جَعَلَ يَرْمي في فِيهِ بحجرٍ، فيرْجِعُ كما كانَ. وفيهَا: فَصَعِدَا بي الشَّجَرةَ، فَأدْخلاني دَارًا لَمْ أرَ قَطُّ أحْسنَ منْهَا، فيهَا رجالٌ شُيُوخٌ وَشَباب. وفِيهَا: الَّذي رأيْتهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ فكَذَّابٌ، يُحدِّثُ بالْكذبةِ فَتُحْملُ عنْهَ حتَّى تَبْلُغَ الآفَاقَ، فيصْنَعُ بهِ مَا رأيْتَ إِلَى يوْم الْقِيامةِ. وَفِيهَا: الَّذي رأيْتهُ يُشْدَخُ رأسُهُ فرجُلُ علَّمهُ اللَّه الْقُرآنَ، فَنَامَ عنهُ بِاللَّيْلِ، ولَمْ يعْملْ فِيهِ بِالنَّهَارِ، فيُفْعلُ بِه إِلَى يَوْمِ الْقِيامةِ. والدَّارُ الأولَى الَّتي دخَلْتَ دارُ عامَّةِ المُؤمنينَ، وأمَّا هذِهِ الدَّارُ فدَارُ الشُّهَداءِ، وأنا جِبْريلُ، وهذا مِيكائيلُ، فارْفع رأسَك، فرفعتُ رأْسي، فإذَا فَوْقِي مِثلُ السَّحابِ، قالا: ذاكَ منزلُكَ، قلتُ: دَعاني أدْخُلْ مَنْزِلي، قالا: إنَّهُ بَقي لَكَ عُمُرٌ لَم تَستكمِلْهُ، فلَوْ اسْتَكْملته، أتَيْتَ منْزِلَكَ رواه البخاري.
أما بعد: فهذان الحديثان يتعلقان بالكذب، وفي هذا الحديث الطويل عظات وذكرى في مسائل عدة.
في الحديث الأول: يقول ﷺ: إن أفرى الفرى يعني أعظم الكذب أن يري الرجل عينيه ما لم تريا تقدم ما يتعلق بتحريم الكذب، وأن الواجب على المؤمن أن يحذر الكذب، وأن الله جل وعلا يمقت على ذلك، قال جل وعلا: إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ [النحل:105]، وتقدم قول النبي ﷺ: وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا.
وتقدم قوله ﷺ: إن الكذاب يوم القيامة يكلف بأن يعقد بين شعيرتين ولن يستطيع ذلك والمقصود أن الكذب شره عظيم، فالواجب على المؤمن أن يحذره، وأن الإنسان متى أرى عينيه ما لم ترا فقد افترى على الكذب، وأن هذا من أعظم الفرية، وأنه يكلف أن يعقد بين شعيرتين وهذا من عذابه، وفي هذا الحديث أنه ﷺ أتاه ملكان فذهبا به وأرياه أشياء عظيمة في هذه الدار -ورؤيا الأنبياء وحي- وكان الصحابة يقصون عليه مرائيهم فيعبرها لهم عليه الصلاة والسلام، كانت هذه الرؤيا العظيمة رآها هو عليه الصلاة والسلام، رأى أن رجلين وهما جبرائيل وميكائيل أتياه فذهبا به ومرا به على شخص مطروح الأرض وعلى رأسه رجل قائم بحجر يضربه به كلما فلغ رأسه تتهده الحجر ورجع وأخذه، وهكذا يفعل به، وأن هذا الرجل هو الذي أعطاه الله القرآن فنام عنه بالليل ولم يعمل به في النهار، يعني أعطاه القرآن ولكن لم يعمل به نسأل الله العافية فصار حجة عليه كما قال في الحديث الصحيح: القرآن حجة لك أو عليك فالذي أعطاه الله القرآن ثم ضيع العمل فلم يقم أمر الله ولم يحافظ على الصلوات ولم يؤد حق الله صار كتاب الله حجة عليه يعذب به في القبر، في البرزخ، وعذاب الآخرة أشد، نسأل الله العافية. وهذا كله... عن عذاب القبر البرزخز
والثاني مر عليه ﷺ وهو مضطجع ... فاه وعلى رأسه رجل معه كلوب يشرشر شدقه إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، وأنفه إلى قفاه، وهكذا الشق الثاني كلما فرغ من شق إذ الشق الآخر قد اعتدل، وهكذا يفعل به يعذب في البرزخ إلى يوم القيامة، وهو الرجل الذي يكذب الكذبة فتنشر في الآفاق نعوذ بالله، فهذا يفيد الحذر من الكذب وأنه كلما عظم الكذب وكثر صار العذاب أشد، نسأل الله العافية.
ثم مر عليه على شبه التنور فيه نار وفيه رجال عراة ونساء عراة تأتيهم النار من أسفل منهم فإذا جاءتهم النار صاحوا وضوضوا، فسأل عنهم فقيل له: هؤلاء هم الزناة والزواني عذابهم في البرزخ، نسأل الله العافية.
ثم مر عليه على رجل في نهر مثل الدم يسبح وعلى حافة النهر رجل معه حجارة كلما دنا منه هذا الذي يسبح ألقمه حجرا فغفر فاه فألقمه حجر فذهب يسبح ثم عاد وأن هذا هو آكل الربا نسأل الله العافية.
ثم مر عليه على رجل كريه المنظر على نار يحشها ويحوطها، فإذا سأل عنه قيل هو مالك خازن النار، ثم مر به على رجل طويل في روضة لديه أولاد كثيرون، روضة عظيمة معتمة يعني ذات عشب وخير، فسأل عنه، فقال: هذا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وهؤلاء الأولاد هم أولاد المسلمين والمشركين الذين ولدوا على الفطرة، فهذا يدل على أن أولاد المسلمين في الجنة، وهكذا أولاد المشركين الصغار على الفطرة كلهم على الفطرة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ما من مولود يولد إلا على الفطرة» يعني على الإسلام «فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه وهذا أصح الأقوال في أولاد المشركين، فيهم أقوال: أحدها: أنهم في النار، والثاني: أنهم يمتحنون يوم القيامة، والثالث: الله أعلم بما كانوا عاملين، أقوال عدة لكن أرجحها وأحسنها أنهم في الجنة وأنهم سالمون لأنهم لم يهودوا ولم ينصروا ولم يكلفوا، فهم مع أولاد المسلمين في الجنة، وفيه أنه رفع إليه مدينة عظيمة من طريق شجرة عظيمة دوحة عظيمة فلما فتح له رأى فيها ما رأى من الخير ورأى فيها قوما شطر أجسامهم حسن وشطر ليس بحسن، ثم قيل لهم اذهبوا إلى ذلك النهر فاغتسلوا فيه فتعدل خلقهم وصار خلقهم خلقا حسنا، فسأل عنهم فقال هؤلاء قوم جمعوا حسنات وسيئات فغفر الله لهم إما بتوبتهم وإما بأعمال صالحة فعلوها وبعفو الله عنهم سبحانه، وهذا لأسباب اقتضت ذلك .. في منزله لما رفع رأسه ورأى منزلا عاليا، قالوا: هذا منزلك، قال: دعاني أدخله، قالوا: إن بقي عليك بعض الشيء، يعني بقي من حياتك بعض الشيء وسوف تدخله عليه الصلاة والسلام، والشاهد من هذا الحديث الطويل قصة الكذابين لأن الباب في الكذب، الشاهد من هذا الحديث الطويل هذا الرجل الذي عليه إنسان معه كلوب يشق شدقه وأنفه وعيناه، فإذا فرغ من جانب إذا الجانب الآخر قد اعتدل، وهكذا عذابه في البرزخ، هذا الكذاب الذي يكذب الكذبات الكثيرة التي تنتشر في الآفاق نسأل الله العافية، ففي هذا الحذر من الكذب وأن عاقبته وخيمة، نسأل الله العافية والسلامة.
س: بعض الكتاب يكتب قصة ويقول هذا من نسج الخيال؟
الشيخ: ما ينبغي هذا لأنه يعتبر من الكذب، ما ينبغي للإنسان أن يكتب شيئا إلا حقيقة يفيد الناس ونصيحة وقعت ونقلها العلماء فيها فائدة، فيها مصالح، أما أنه يكذب: يكتب أشياء من خيال فكره كذب ما ينبغي أخشى أنه يعمه إثم الكذب.
س: أولاد المشركين يصلى عليهم؟
الشيخ: لا، في الدنيا لهم أحكام، أهلهم لا يصلى عليهم، النبي ﷺ قال: هم منهم لا يصلى عليهم في الدنيا، لهم أحكامهم في الدنيا لو قتلوا، يعني لو فوجئ أهلهم وبيتوا ومات منهم أولاد تبع أهلهم قال: هم منهم في أحكام الدنيا معهم لكن في أحكام الآخرة لهم النجاة إذا لم يبلغوا.
س: ...؟
الشيخ: هذا عذابهم في البرزخ نسأل الله العافية، يعني بعد الموت وقبل القيامة.
س: بعض الأمهات تقص على أولادها حتى يناموا قصصا ما هي صحيحة؟
الشيخ: سواليف يعني؟
س: نعم هذا يعتبر من الكذب؟
الشيخ: الله أعلم، الله أعلم يتحرى الأشياء التي تناسب ولا تكذب.
س: ...؟
الشيخ: هذا الذي رفع له في الجنة بعد الدوحة هذه الجنة لكن الذي في الأرض، هذه أنواع عذاب المعذبين في البرزخ آخرها الروضة اللي فيها الأولاد.
س: دار الشهداء..؟؟
الشيخ: ورد لكن ما أتذكر حال أسانيده.
س: مالك خازن جهنم من الملائكة؟
الشيخ: نعم وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ [الزخرف:77].
س: أطلق عليه رجل، هنا يجوز إطلاق رجل؟
الشيخ: يمكن أنه رآه في صورة رجل.