488 من: (باب بيان مَا يجوز من الكذب)

باب بيان مَا يجوز من الكذب
إْعْلَمْ أنَّ الْكَذب، وَإنْ كَانَ أصْلُهُ مُحرَّمًا، فيَجُوزُ في بعْض الأحْوالِ بشرُوطٍ قَدْ أوْضَحْتُهَا في كتاب: "الأذْكارِ" ومُخْتَصَرُ ذَلِكَ أنَّ الكلامَ وسيلةٌ إِلَى المقاصدِ، فَكُلُّ مَقْصُودٍ محْمُودٍ يُمْكِن تحْصيلُهُ بغَيْر الْكَذِبِ يَحْرُمُ الْكذِبُ فِيهِ، وإنْ لَمْ يُمكِنْ تَحْصِيلُهُ إلاَّ بالكذبِ جازَ الْكذِبُ. ثُمَّ إنْ كانَ تَحْصِيلُ ذَلِكَ المقْصُودِ مُباحًا كَانَ الْكَذِبُ مُباحًا، وإنْ كانَ واجِبًا، كَانَ الكَذِبُ واجِبًا، فإذا اخْتَفى مُسْلمٌ مِن ظالمٍ يُريدُ قَتلَه، أوْ أخْذَ مالِه، وأخَفي مالَه، وسُئِل إنسانٌ عَنْهُ، وَجَبَ الكَذبُ بإخفائِه، وكذا لو كانَ عِندهُ وديعَةٌ، وأراد ظالِمٌ أخذَها، وجبَ الْكَذِبُ بإخفائها، والأحْوطُ في هَذَا كُلِّه أنْ يُوَرِّي، ومعْنَى التَّوْرِيةِ: أنْ يقْصِد بِعبارَتِه مَقْصُودًا صَحيحًا ليْسَ هُوَ كاذِبًا بالنِّسّبةِ إلَيْهِ، وإنْ كانَ كاذِبًا في ظاهِرِ اللًّفظِ، وبِالنِّسْبةِ إِلَى مَا يفهَمهُ المُخَاطَبُ، ولَوْ تَركَ التَّوْرِيةَ وَأطْلَق عِبارةَ الكذِبِ، فليْس بِحرَامٍ في هَذَا الحَالِ.
واسْتَدلَّ الْعُلَماءُ بجَوازِ الكَذِب في هَذَا الحَال بحدِيث أمِّ كُلْثومٍ رَضِيَ اللَّه عنْهَا أنَّها سَمِعَتْ رَسُولَ اللْه ﷺ يقولُ: لَيْس الكَذَّابُ الَّذي يُصلحُ بيْنَ النَّاسِ، فينمِي خَيْرًا أَوْ يقولُ خَيْرًا متفقٌ عَلَيهِ.
زاد مسلم في رواية: قالت: أمُّ كُلْثُومٍ: "ولَم أسْمعْهُ يُرْخِّصُ في شَيءٍ مِمَّا يقُولُ النَّاسُ إلاَّ في ثلاثٍ: تَعْني: الحَرْبَ، والإصْلاحَ بيْن النَّاسِ، وحديثَ الرَّجُلَ امْرَأَتَهُ، وَحَدِيثَ المرْأَةِ زوْجَهَا".
الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد: فهذا الباب فيما يحل من الكذب، تقدم أن الكذب من المحرمات بل من الكبائر، وتقدم قوله ﷺ: إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار والله جل وعلا يقول في كتابه الكريم إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ [النحل:105]، ويقول ﷺ: إن من أفرى الفرى أن يري الإنسان عينيه ما لم تريا، وفي اللفظ الآخر: أفرى الفرى يعني أكذب الكذب، ويقول ﷺ في صفة المنافق: آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب فمن صفات المنافقين الكذب لكن يجوز الكذب في المصالح العظيمة التي لا يتوصل إليها إلا بالكذب، فقد يجب، قد يستحب، وقد يباح على حسب الأحوال، فإن كان إنسانا يريد قتل إنسان بغير حق وأمكن الدفع عنه بالكذب وجب الكذب حتى يدفع عنه، يقال: ما هو بحاضر، يقال هذا ما هو محله، وما أشبه ذلك حتى يدفع عنه الشر، أو يريد أخذ ماله، هذا مقصود صحيح لا بدّ من الدفاع عن المسلم كما يدافع عنه بالسلاح أو الجهاد، يدافع عنه أيضا بالكذب، إذا رأى ظالما يريد قتله أو أخذ ماله وأمكنه أن يكذب فيقول: إنه غائب، أو أن هذا ليس بيته، أو أن هذا المال ليس ماله، أو هذه السيارة ما هي سيارته، أو ما أشبه ذلك كذلك، إذا كان معه أخ يريد إنسان أن يؤذيه بغير حق ويسأله يقول: هذا ما هو هذا، فيقول: هذا أخي .. ليحميه من الظالم، أو يقول هذا أخي يعني أخي في الله مثل ما قال إبراهيم عن سارة أنها أخته في الله ليدفع عنها شر الظالم، كذبة أراد بها حمايتها من الظلم، ولهذا قال النبي ﷺ: ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فيقول خيرا أو ينمي خيرا من يصلح بين الناس فيقول خيرا ليس بكذاب، قبيلتان بينهما شر أو أهل قريتين أو طائفتان من الأقارب أو غيرهم بينهم شر، فيصلح بينهم ويقول إن: إخوانكم يدعون لكم ويثنون عليكم، ويقولون أنهم يحبون الصلح ويجي الآخرين ويقول: كذلك إخوانكم يحبون الصلح ويدعون لكم ويثنون عليكم خيرا، وهم ما وصوه لكن ليجمع بينهم ليزيل بينهم الشحناء ويجمعهم على الخير، فهو مشكور وليس بكذاب لأنه أراد الإصلاح بينهم وإنهاء الشر الذي بينهم، ولهذا قالت أم كلثوم لم أسمعه يرخص في شيء مما يقوله الناس أنه كذب إلا في ثلاث ثم بينتها الحرب والإصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته والمرأة زوجها، الحرب مثل ما قال: الحرب خدعة كان النبي ﷺ إذا أراد غزوة ورى بغيرها، إذا أراد الشمال ورى بالجنوب، وإذا أراد الشرق ورى بالغرب حتى يعمي على العدو، إذا كان العدو قد بلغ وقد دعي وأصر يعمى عليها حتى يهجم عليه، وهكذا أي خدعة .. بها الحرب ليس فيها نقض عهد وليس فيها غدر لا بأس مثل عدو متحصن شق على المسلمين، حربه فيرسل الجيش أو السرية للانهزام وأنه منصرف عن الحصن حتى يخرجوا فإذا خرجوا كر عليهم ورجع عليهم أو ما أشبه ذلك من أشياء ليس فيها نقض عهد وليس فيها غدر، ولكن كذب لمصلحة الجهاد سواء تورية أو كذب أو إظهار لما يدل على الكذب، وهكذا حديث الرجل امرأته أو المرأة زوجها فيما بينهم لا يتعلق بغيرهم، فيما بينهم يقول لها: سوف أعطيك كذا، أو سوف أشتري لك كذا حتى يرضيها ولو ما اشتراه، وهي تقول: إن شاء الله ما أعود أبدا، سوف أفعل كذا وسوف ألزم البيت، وسوف أسمع واطيع وسوف وسوف وإن كان في نيتها خلاف ذلك لكن لأجل إزالة الشر وجمع القلوب وعدم المشاقة، فهذا بينهما لا يضر غيرهما ما دام الحديث بينهما وفي مصلحتهما فلا بأس أن تكذب عليه ويكذب عليها فيما هو من مصلحتهما وجمع قلوبهما ولا يتعلق بغيرهما، وفق الله الجميع.
س: معنى كلام الإمام النووي أن ما زاد على الثلاث .. فيها؟
الشيخ: كل ما كان في المعنى يدخل فهو مثل الثلاث، مثل ما كان إذا أراد غزوة ورى بغيرها.
س: حديث: «ليس منا من لم يتغن بالقرآن»؟
الشيخ: يعني يحسن صوته يجهر به.
س: صحيح؟
الشيخ: صحيح.
س: الوعيد الذي ورد فيه يدل على وجوب التحسين؟
الشيخ: هذا ظاهر في الوعيد لأنه لا بد يعتني بالقرآن حتى يخشع قلبه، وحتى ينتفع من يسمعه، يتحرى يتحرى.
س: معنى التغني؟
الشيخ: تحسين الصوت، والجهر به إذا دعت الحاجة إلى الجهر.
س: قوله سفيان بن عيينة يستغني به؟
الشيخ: لا لا ما هو بمعنى الاستغناء، يتغنى به يجهر به ويحسن صوته.
س: حديث عائشة «والذي يقرأ القرآن وهو عليه شاق»؟
الشيخ: له أجران، أيش فيه؟ يعني يتعب، يعني يتعتع فيه ويشق عليه بعض الحرو،ف يجتهد حتى يتعلم لا يقول أنا لا أعرف، ولا يقرأ، يقرأ ويتعلم ويصبر ويسأل إخوانه وهكذا حتى ينجح، له أجران: أجر القراءة وأجر الاجتهاد.
س: الذي يكذب لأجل لأنه يخفي عبادة مثل الصوم والصلاة؟
الشيخ: هذا ما له حاجة، ما هو مشروع.