495 من: (باب النهي عن التباغض والتقاطع والتدابر)

باب النهي عن التباغض والتقاطع والتدابر
قَالَ الله تَعَالَى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10]، وقال تعالى: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِين َأَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ [المائدة:54]، وقال تَعَالَى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ [الفتح:29] .
1/1567- وعنْ أنسٍ أنَّ النبيَّ ﷺ قَالَ: لاَ تَباغَضُوا، وَلاَ تحاسدُوا، ولاَ تَدابَرُوا، وَلاَ تَقَاطعُوا، وَكُونُوا عِبادَ اللَّهِ إخْوَانًا، وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أنْ يهْجُرَ أخَاه فَوقَ ثلاثٍ متفقٌ عليه.
2/1568- وعنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ رَسُولَ اللَّه ﷺ قَالَ: تُفْتَحُ أبْوابُ الجَنَّةِ يَوْمَ الإثنين ويَوْمَ الخَمِيس، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عبْدٍ لا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيئًا، إلاَّ رجُلًا كانَت بيْنهُ وبَيْنَ أخيهِ شَحْناءُ فيقالُ: أنْظِرُوا هذيْنِ حتَّى يصطَلِحا، أنْظِرُوا هذَيْنِ حتَّى يَصطَلِحا رواه مسلم.
وفي روايةٍ لَهُ: تُعْرَضُ الأعْمالُ في كُلِّ يومِ خَميسٍ وَإثنين وذَكَر نحْوَهُ.
الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد: فهذه الآيات والأحاديث تدل على وجوب العناية بالإخوة الإيمانية والاستقامة عليها والتحاب في الله والتعاون على البر والتقوى والتواصي بالحق والحذر من ضد ذلك من العداوة والبغضاء والشحناء، أهل الإيمان يجب عليهم أن يكونوا متحابين في الله متناصحين متعاونين على البر والتقوى كما قال جل وعلا: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ  [الحجرات:10]، وقال جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ [المائدة:54]، وقال سبحانه: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [التوبة:71]، وقال سبحانه: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2]، وقال جل وعلا: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ [الفتح:29] هكذا المؤمنون رحماء يتواصلون ويتعاونون على البر والتقوى ويتناصحون، كل واحد يحب لأخيه الخير ويكره له الشر ينصح له ... يؤدي له الأمانة يلقاه بوجه منطلق كما في الحديث الصحيح يقول ﷺ: لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق كونه يقابله بوجه منبسط هذا من المعروف، والحديث الآخر يقول ﷺ: إنكم لا تسعون الناس بأموالكم ولكن ليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق، ويقول ﷺ: البر حسن الخلق، ويقول ﷺ: إن أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا، ويقول ﷺ: لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يكذبه، التقوى هاهنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات يعني القلب متى استقام القلب انقادت الجوارح إلى الخير كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه والأحاديث في هذا كثيرة.
ويقول ﷺ: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام، ويقول ﷺ: تفتح أبواب الجنة في كل إثنين وخميس، وفي لفظ آخر: تعرض الأعمال على الله في كل إثنين وخميس فيغفر الله لكل مسلم لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقول الله: دعوا هذين حتى يصطلحا فهذا يدل على أن الشحناء من أسباب إيقاف المغفرة عن المتشاحنين وهذه مصيبة كبيرة، فالواجب على كل مؤمن أن يحرص على المحبة لأخيه والصلح مع أخيه وعدم الشحناء، تحل المشاكل بالطرق الطيبة والتسامح لا بالشحناء والتهاجر، يقول ﷺ: لا هجرة فوق ثلاث وإذا كان ولا بد ثلاثة أيام يومين يوم إن كان شيء مثل خصومة أو مضاربة، النفوس تتغير بعض الشيء لا بأس هجر يوم أو يومين أو ثلاث من أجل حظ النفس لا بأس، ولا يجوز الزيادة على الثلاث من أجل حظ بينك وبينه مضاربة أو مشاتمة أو شبه ذلك، الواجب أن تحل المشكلة في ظرف الثلاثة أيام حتى لا يبقى تهاجر، أما إذا كان التهاجر من أجل المعاصي والبدع هذا ما له حد إلا التوبة، إذا هجره من أجل إظهاره المعاصي والبدع فهذا لا حد له بثلاث ولا بغيرها حده التوبة كما هجر النبي ﷺ كعب بن مالك وصاحبيه خمسين ليلة حتى تابوا وتاب الله عليهم لما تخلفوا عن غزوة تبوك مع أن الرسول أمرهم بذلك تخلفوا من غير عذر فهجرهم النبي ﷺ خمسين ليلة حتى تاب الله عليهم، وهكذا أشباههم ممن يتعاطى بعض المعاصي الظاهرة أو البدع إذا لم يتب يهجر حتى يتوب، وهذا من باب التعزير ومن باب التعاون على البر والتقوى لعله يراجع الحق، لعله يتدبر، لعله ينظر حتى يتوب إلى الله سبحانه وتعالى، وفق الله الجميع.
س: إذا كان الذي بينهم شحناء أحدهم ظالم والآخر مظلوم هل يلزم المظلوم أن يصطلح مع الظالم؟
الشيخ: يصطلح مع الظالم ويطالب بحقه من دون تهاجر من غير حاجة إلى التهاجر.
س: ولو ما اصطلحا يكونان سواء؟
الشيخ: ظاهر الأحاديث أنه عام ما دام من حقوق الدنيا لا هجرة فوق ثلاث، أما إذا كان حق ديني فهذا الذي لا يتقيد أما يطالبه مثلا بمائة ريال بألف ريال بعشرة آلاف جحدك بعضها أو جحدك إياها ولا عندك بينة وحلفته الحمد لله حلفته انتهى ما في حاجة للتهاجر، أو الدعوى معلقة حتى تحضر البينة لا حاجة للتهاجر لأن هذا حق مخلوق ما هو حق لله.
س: بعض الناس إذا نصحته يغلظ عليك في القول؟
الشيخ: ولو ولو تحمل، قل له: الله يهديك هذا واجب علي أني أنصحك، والواجب عليك التحمل وتقبل الحق، هكذا المؤمن يقبل الحق.
س: «يغفر لكل عبد» غفران الصغائر؟
الشيخ: على ما دارت عليه الآية وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48] إذا كان بالتوبة تغفر الذنوب كلها لكل عبد لا يشرك بالله شيئا، هذا فيه وعد بالمغفرة للعصاة لكن دلت الأحاديث الأخرى والآية على أن إصرارهم على الكبائر من أسباب حرمان المغفرة.
س: قوله لا يشرك بالله؟
الشيخ: عام يعم النوعين.
س: كلكم يناجي ربه لو كان في مثلا مجموعة منهم من يقرأ القرآن ومنهم من يصلي وكان بينهم واحد مرتفع صوته هل يقال له: كلكم يناجي ربه اخفض صوتك؟
الشيخ: نعم يبين له، يخفض صوته مثل ما بين النبي ﷺ للذين يصلون في المسجد قال: كلكم يناجي ربه فلا يؤذ بعضكم بعضا.
س: هجر الزوج لزوجته أكثر من ثلاثة أيام في أمر من أمور الدنيا؟
الشيخ: الله جل وعلا: واهجروهن والحديث مقيد الإطلاق، إذا كان لحقه ثلاثة أيام إذا كان لحق شخصي، وإن كان لمعصية ما يتقيد بثلاثة أيام.
س: هجر النبي ﷺ نساءه شهرا؟
الشيخ: هذا هجرهن جميعا لأنهن طلبن شيئا ما يحل، معصية منهن.
س: هل من علاج الحسد يقول: اللهم زدنا وإياه أو اللهم ارزقنا وإياه؟
الشيخ: بارك الله له، بارك الله فيه، ما شاء الله، هذا هو العلاج وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ [الكهف:39] إذا رأى شيئا يعجبه يقول: بارك الله فيه، ما شاء الله، لا قوة إلا بالله، هذا من العلاج.
س: إذا كان الذي بينك وبينه عداوة وشحناء ولا يقيم في البلد الذي أنت فيه كيف يتسامح منه؟
الشيخ: إذا قابلته لا تهجره، وإذا كان بعيدا عنك مستريح.
س: الحق الدنيوي بينه وبين صاحبه، يكون صاحبه مقيم على الظلم أو مقيم على الاحتقار –احتقار الناس- هل يجوز يفوت ثلاثة أيام؟
الشيخ: ثلاثة أيام فقط يصير أفضل منه، يرد عليه وما رد فالإثم عليه، من بدأ بالسلام خيرهم مثل ما قال في حديث أبي أيوب في الصحيحين: خيرهما الذي يبدأ بالسلام.
س: وإن كان مقيما على الظلم؟
الشيخ: وإن كان مقيما لأن الحق لك.
س: ما يكون الهجر للمعصية؟
الشيخ: لا، هذا حق لك، حق للمخلوق.
س: بالنسبة للكفار الذين يكونون في بلاد المسلمين مدى إظهار العزة في مقابلهم هل هو العبوس في وجوههم؟
الشيخ: لا لا.
س: أو لهم حكم المستأمنين؟
الشيخ: تضطرهم إلى أضيق الطريق ولا تبدأهم بالسلام بس، هذا يكفي، وإن بدؤوا ردت عليهم.
س: هل يعبس في وجوههم؟
الشيخ: لا لا يعبس في وجوههم... يدعوهم إلى الله، دعوتهم إلى الله من باب الخير لكن لا يبدأهم، وإذا رأى أن يبدأهم كيف حالك؟ كيف أنت يا فلان؟ كيف أولادك؟ لعلهم يقبلون إلى الخير طيب.
.....