05 من قوله: (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ..)

وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النساء:25]، يقول تعالى: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أي سعة، وقدرة أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ أي الحرائر العفائف المؤمنات.
وقال ابن وهب: أخبرني عبد الجبار عن ربيعة، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ قال ربيعة: الطول الهوى، يعني ينكح الأمة إذا كان هواه فيها، رواه ابن أبي حاتم، وابن جرير، ثم أخذ يشنع على هذا القول، ويرده فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ أي فتزوجوا من الإماء المؤمنات اللآتي يملكهن المؤمنون، ولهذا قال: مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ، قال ابن عباس، وغيره: فلينكح من إماء المؤمنين، وكذا قال السدي، ومقاتل بن حيان. ثم اعترض بقوله: وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ أي هو العالم بحقائق الأمور، وسرائرها، وإنما لكم أيها الناس الظاهر من الأمور.
ثم قال: فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ فدل على أن السيد هو ولي أمته لا تزوج إلا بإذنه، وكذلك هو ولي عبده ليس له أن يتزوج بغير إذنه، كما جاء في الحديث أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه فهو عاهر أي زان. فإن كان مالك الأمة امرأة زوجها من يزوج المرأة بإذنها لما جاء في الحديث لا تزوج المرأة المرأة، ولا المرأة نفسها، فإن الزانية هي التي تزوج نفسها.
وقوله تعالى: وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ أي وادفعوا مهورهن بالمعروف، أي عن طيب نفس منكم، ولا تبخسوا منه شيئًا استهانة بهن لكونهن إماء مملوكات، وقوله تعالى: مُحْصَنَاتٍ أي عفائف عن الزنا لا يتعاطينه، ولهذا قال: غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ، وهن الزواني اللاتي لا يمنعن من أرادهن بالفاحشة.
الشيخ: يعني هذا هو معنى المسافحات، وهن اللاتي يشتهرن بالزنا، ولا يمنعن من أتى إليهن، وربما جعلن الرايات على بيوتهن حتى يعرفن بذلك، كان في الجاهلية هكذا، وأما ذوات الأخدان فهن الزواني مع أشخاص معينين مع خواص الناس لا مع العموم، فالله جل وعلا يبين لعباده أن من عجز عن الطول والمهر للحرائر فلا حرج عليه أن يتزوج الأمة المؤمنة العفيفة حتى يعف نفسه، ويعف أهله بطريقة الزواج بالإماء إذا خشي العنت يعني إذا خشي الفاحشة، والوقوع بالزنا تزوج الإماء، فهذان شرطان لنكاح الأمة:
أحدهما: عجزه عن مهر الحرائر، وهو الطول.
والثاني: خوف العنت على نفسه إذا لم يتزوج أن يقع فيما حرم الله.
وشرط ثالث: أن يكن عفيفات لا مسافحات، عجزه عن الطول، وخوف العنت، وأن تكون الأمة عفيفة لا مسافحة، ولا ذات خدن. نسأل الله السلامة.
.......
وقوله تعالى: وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ، قال ابن عباس: المسافحات هن الزواني المعلنات، يعني الزواني اللاتي لا يمنعن أحدًا أرادهن بالفاحشة. ومتخذات أخدان يعني أخلاء، وكذا روي عن أبي هريرة، ومجاهد، والشعبي، والضحاك، وعطاء الخراساني، ويحيى بن أبي كثير، ومقاتل بن حيان، والسدي، قالوا: أخلاء. وقال الحسن البصري: يعني الصديق. وقال الضحاك أيضًا، وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ذات الخليل الواحد المقرة به، نهى الله عن ذلك، يعني تزويجها ما دامت كذلك.
وقوله تعالى: فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ اختلف القراء في أحصن، فقرأه بعضهم بضم الهمزة، وكسر الصاد، مبني لما لم يسم فاعله، وقرئ بفتح الهمزة والصاد فعل لازم، ثم قيل: معنى القراءتين واحد، واختلفوا فيه على قولين: أحدهما: أن المراد بالإحصان هاهنا الإسلام، وروي ذلك عن عبد الله بن مسعود، وابن عمر، وأنس، والأسود بن يزيد، وزر بن حبيش، وسعيد بن جبير، وعطاء، وإبراهيم النخعي، والشعبي، والسدي، وروى نحوه الزهري عن عمر بن الخطاب، وهو منقطع، وهذا هو القول الذي نص عليه الشافعي في رواية الربيع، قال: وإنما قلنا ذلك، استدلالا بالسنة، وإجماع أكثر أهل العلم. وقد روى ابن أبي حاتم في ذلك حديثًا مرفوعًا، قال: حدثنا علي بن الحسين بن الجنيد، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الله، حدثنا أبي عن أبيه، عن أبي حمزة، عن جابر، عن رجل، عن أبي عبد الرحمن، عن علي بن أبي طالب، قال: قال رسول الله ﷺ فإذا أحصن قال: إحصانها إسلامها وعفافها، وقال: المراد به هاهنا التزويج.
الشيخ: لعلها، ويقال أو، وقيل، لأن هذا المعنى الثاني، المعنى الأول إسلامها، والمعنى الثاني تزويجها.
قال: وقال علي: اجلدوهن، ثم قال ابن أبي حاتم: وهو حديث منكر. (قلت)، وفي إسناده ضعف، وفيه من لم يسم، ومثله لا تقوم به حجة. وقال القاسم، وسالم: إحصانها إسلامها، وعفافها. وقيل: المراد به هاهنا التزويج، وهو قول ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، وطاوس، وسعيد بن جبير، والحسن، وقتادة، وغيرهم. ونقله أبو علي الطبري في كتابه الإيضاح عن الشافعي، فيما رواه أبو الحكم بن عبد الحكم عنه. وقد روى ليث بن أبي سليم عن مجاهد أنه قال: إحصان الأمة أن ينكحها الحر، وإحصان العبد أن ينكح الحرة، وكذا روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس، رواهما ابن جرير في تفسيره. وذكره ابن أبي حاتم عن الشعبي، والنخعي. وقيل: معنى القراءتين متباين. فمن قرأ: أحصن بضم الهمزة فمراده التزويج، ومن قرأ بفتحها فمراده الإسلام. اختاره أبو جعفر بن جرير في تفسيره، وقرره، ونصره.
والأظهر-، والله أعلم- أن المراد بالإحصان هاهنا التزويج، لأن سياق الآية يدل عليه حيث يقول : وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ، والله أعلم. والآية الكريمة سياقها كلها في الفتيات المؤمنات فتعين أن المراد بقوله: فَإِذَا أُحْصِنَّ أي تزوجن، كما فسره ابن عباس، ومن تبعه، وعلى كل من القولين إشكال على مذهب الجمهور، وذلك أنهم يقولون: إن الأمة إذا زنت فعليها خمسون جلدة، سواء كانت مسلمة، أو كافرة، مزوجة، أو بكرًا، مع أن مفهوم الآية يقتضي أنه لاحد على غير المحصنة ممن زنى من الإماء. وقد اختلفت أجوبتهم عن ذلك، فأما الجمهور فقالوا: لا شك أن المنطوق مقدم على المفهوم. وقد وردت أحاديث عامة في إقامة الحد على الإماء، فقدمناها على مفهوم الآية، فمن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن علي أنه خطب فقال: يا أيها الناس أقيموا الحد على إمائكم من أحصن منهم، ومن لم يحصن، فإن أمة لرسول الله ﷺ زنت، فأمرني أن أجلدها، فإذا هي حديثة عهد بنفاس فخشيت إن جلدتها أن أقتلها، فذكرت ذلك لنبي الله ﷺ فقال: أحسنت اتركها حتى تتماثل، وعند عبد الله بن أحمد عن غير أبيه فإذا تعافت من نفسها فجلدها خمسين، وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها، فليجلدها الحد، ولا يثرب عليها، ثم إن زنت الثانية، فليجلدها الحد، ولا يثرب عليها، ثم إن زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها، ولو بحبل من شعر، ولمسلم إذا زنت ثلاثًا فليبعها في الرابعة، وروى مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي قال: أمرني عمر بن الخطاب في فتية من قريش، فجلدنا من ولائد الإمارة خمسين خمسين في الزنا.
الجواب الثاني: جواب من ذهب إلى أن الأمة إذا زنت ولم تحصن فلا حد عليها، وإنما تضرب تأديبًا، وهو المحكي عن ابن عباس . وإليه ذهب طاوس، وسعيد بن جبير، وأبو عبيد القاسم بن سلام، وداود بن علي الظاهري في رواية عنه، وعمدتهم مفهوم الآية، وهو من مفاهيم الشرط، وهو حجة عند أكثرهم فقدم على العموم عندهم، وحديث أبي هريرة، وزيد بن خالد رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ سئل عن الأمة إذا زنت، ولم تحصن؟ قال: إن زنت فحدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم بيعوها، ولو بضفير. قال ابن شهاب: لا أدري أبعد الثالثة، أو الرابعة، وأخرجاه في الصحيحين. وعند مسلم قال ابن شهاب: الضفير الحبل.
قالوا: فلم يؤقت فيه عدد كما أقت في المحصنة، وكما وقت في القرآن بنصف ما على المحصنات من العذاب، فوجب الجمع بين الآية، والحديث بذلك، والله أعلم-، وأصرح من ذلك ما رواه سعيد بن منصور عن سفيان، عن مسعر، عن عمرو بن مرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله ﷺ: ليس على أمة حد حتى تحصن-، أو حتى تزوج- فإذا أحصنت بزوج فعليها نصف ما على المحصنات، وقد رواه ابن خزيمة عن عبد الله بن عمران العابدي عن سفيان به مرفوعًا، وقال: رفعه خطأ إنما هو من قول ابن عباس. وكذا رواه البيهقي من حديث عبد الله بن عمران، وقال مثل ما قاله ابن خزيمة.
قالوا: وحديث علي، وعمر قضايا أعيان، وحديث أبي هريرة عنه أجوبة:
أحدها: أن ذلك محمول على الأمة المزوجة، جمعًا بين، وبين هذا الحديث.
الثاني: أن لفظة الحد في قوله: فليقم عليها الحد مقحمة من بعض الرواة بدليل الجواب الثالث، وهو أن هذا من حديث صحابيين، وذلك من رواية أبي هريرة فقط، وما كان عن اثنين فهو أولى بالتقديم من رواية واحد، وأيضا فقد رواه النسائي بإسناد على شرط مسلم من حديث عباد بن تميم عن عمه، وكان قد شهد بدرًا أن رسول الله ﷺ قال: إذا زنت الأمة فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فبيعوها، ولو بضفير.
الرابع: أنه لا يبعد أن بعض الرواة أطلق لفظة الحد في الحديث على الجلد، لأنه لما كان الجلد اعتقد أنه حد، أو أنه أطلق لفظة الحد على التأديب، كما أطلق الحد على ضرب من زنى من المرضى بعثكال نخل فيه مائة شمراخ، وعلى جلد من زنى بأمة امرأته إذا أذنت له فيها مائة، وإنما ذلك تعزير وتأديب عند من يراه كأحمد، وغيره من السلف. وإنما الحد الحقيقي هو جلد البكر مائة. ورجم الثيب، أو اللائط، والله أعلم.
الشيخ: الصواب في هذا أن الأمة تجلد نصف الحد خمسين جلدة مطلقًا محصنة، أو غير محصنة؛ لأن الأحاديث الصحيحة، واضحة في ذلك. وقد وضح المحصنة وأنها تجلد نصف العذاب، وهو خمسين جلدة، وجاءت السنة بأن غير المحصنة كذلك، ولهذا في الحديث السابق عن أبي هريرة إذا زنت، ولم تحصن فاجلدوها، وفي اللفظ الآخر: فليجلدها الحد، ولا يثرب عليها، والحد هو المعروف خمسون جلدة هذا حدها.
والصواب هو ما قد دلت عليه الأحاديث الصحيحة، وهو أنها تجلد، وهكذا العبد يجلد خمسين جلدة مطلقًا محصنًا، أو غير محصنًا، هذا هو نصف العذاب.
وقد روى ابن ماجة، وابن جرير في تفسيره: حدثنا ابن المثنى، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة أنه سمع سعيد بن جبير يقول: لا تضرب الأمة إذا زنت ما لم تتزوج، وهذا إسناد صحيح عنه، ومذهب غريب إن أراد أنها لا تضرب الأمة أصلًا لاحدًا، وكأنه أخذ بمفهوم الآية، ولم يبلغه الحديث، وإن أراد أنها لا تضرب حدًا، ولا ينفي ضربها تأديبًا فهو كقول ابن عباس ، ومن تبعه في ذلك، والله أعلم.
الجواب الثالث: أن الآية دلت على أن الأمة المحصنة تحد نصف حد الحرة، فأما قبل الإحصان فعمومات الكتاب والسنة شاملة لها في جلدها مائة، كقوله تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ، وكحديث عبادة بن الصامت خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلًا البكر بالبكر جلد مائة، وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة، ورجمها بالحجارة، والحديث في صحيح مسلم، وغير ذلك من الأحاديث. وهذا القول هو المشهور عن داود بن علي الظاهري، وهو في غاية الضعف؛ لأن الله تعالى إذا كان أمر بجلد المحصنة من الإماء بنصف ما على الحرة من العذاب، وهو خمسون جلدة، فكيف يكون حكمها قبل الإحصان أشد منه بعد الإحصان، والقاعدة الشريعة في ذلك عكس ما قال؟ وهذا الشارع عليه السلام سأله أصحابه عن الأمة إذا زنت ولم تحصن، فقال: اجلدوها، ولم يقل: مائة، فلو كان حكمها كما زعم داود لوجب بيان ذلك لهم؛ لأنهم إنما سألوا عن ذلك لعدم بيان حكم جلد المائة بعد الإحصان في الإماء، وإلا فما الفائدة في قولهم: ولم تحصن لعدم الفرق بينهما لو لم تكن الآية نزلت، لكن لما علموا أحد الحكمين سألوا عن حكم الآخر فبينه لهم، كما في الصحيحين أنهم لما سألوه عن الصلاة عليه فذكرها لهم، ثم قال: والسلام ما قد علمتم، وفي لفظ لما أنزل الله قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56] قالوا: هذا السلام عليك قد عرفناه، فكيف الصلاة عليك، وذكر الحديث، وهكذا هذا السؤال.
الشيخ: والصواب أن الأمة تجلد نصف حد الحرة مطلقًا محصنة، أو غير محصنة، فالمحصنة بنص الكتاب العزيز، وغير المحصنة بنص السنة، فإنهم سألوه عن جارية لم تحصن فقال: فليجلدها الحد، والحد معروف نصف ما على المحصنات، وهو خمسون.
الجواب الرابع: عن مفهوم الآية جواب أبي ثور، وهو أغرب من قول داود من وجوه، وذلك أنه يقول: فإذا أحصن فإن عليهن نصف ما على المحصنات من المزوجات، وهو الرجم، وهو لا ينصف فيجب أن ترجم الأمة المحصنة إذا زنت، وأما قبل الإحصان فيجب جلدها خمسين، فأخطأ في فهم الآية، وخالف الجمهور في الحكم، بل قد قال أبو عبد الله الشافعي رحمه الله: ولم يختلف المسلمون في أن لا رجم على مملوك في الزنا، وذلك لأن الآية دلت على أن عليهن نصف ما على المحصنات من العذاب، والألف واللام في المحصنات للعهد، وهن المحصنات المذكورات في أول الآية: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ، والمراد بهن الحرائر فقط من غير تعرض لتزويج بحرة وغيره، وقوله: نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ يدل على أن المراد من العذاب الذي يمكن تنصيفه، وهو الجلد لا الرجم، والله أعلم.
وقد روى أحمد حديثا في رد مذهب أبي ثور من رواية الحسن بن سعيد
..........
عن أبيه: أن صيفة كانت قد زنت برجل من الحمس، فولدت غلامًا، فادعاه الزاني، فاختصما إلى عثمان، فرفعهما إلى علي بن أبي طالب، فقال علي: أقضي فيهما بقضاء رسول الله ﷺ: الولد للفراش، وللعاهر الحجر، وجلدهما خمسين خمسين.
..........
وقيل: بل المراد من المفهوم التنبيه بالأعلى على الأدنى، أي أن الإماء على النصف من الحرائر في الحد، وإن كن محصنات، وليس عليهن رجم أصلًا لا قبل النكاح، ولا بعده، وإنما عليهن الجلد في الحالتين بالسنة، قال ذلك صاحب الإفصاح، وذكر هذا عن الشافعي فيما رواه ابن عبد الحكم عنه، وقد ذكره البيهقي في كتاب السنن، والآثار عنه، وهو بعيد من لفظ الآية، لأنا إنما استفدنا تنصيف الحد من الآية لا من سواها، فكيف يفهم منها التنصيف فيما عداها، وقال: بل أريد بأنها في حال الإحصان لا يقيم الحد عليها إلا الإمام، ولا يجوز لسيدها إقامة الحد عليها، والحالة هذه، وهو قول في مذهب أحمد رحمه الله، فأما قبل الإحصان فله ذلك، والحد في كلا الموضعين نصف حد الحرة، وهذا أيضا بعيد لأنه ليس في الآية ما يدل عليه، ولولا هذه لم ندر ما حكم الإماء في التنصيف، ولوجب دخولهن في عموم الآية في تكميل الحد مائة، أو رجمهن كما ثبت في الدليل عليه، وقد تقدم عن علي أنه قال: أيها الناس أقيموا الحد على أرقائكم من أحصن منهم، ومن لم يحصن، وعموم الأحاديث المتقدمة ليس فيها تفصيل بين المزوجة، وغيرها، لحديث أبي هريرة الذي احتج به الجمهور: إذا زنت أمة أحدكم، فتبين زناها، فليجلدها الحد، ولا يثرب عليها.
ملخص الآية: أنها إذا زنت أقوال: أحدها تجلد خمسين قبل الإحصان، وبعده. وهل تنفى؟ فيه ثلاثة أقوال: أحدها أنها تنفى عنه. والثاني لا تنفى عنه مطلقًا، والثالث أنها تنفى نصف سنة، وهو نصف نفي الحرة، وهذا الخلاف في مذهب الشافعي، وأما أبو حنيفة فعنده أن النفي تعزير ليس من تمام الحد، وإنما هو رأي الإمام إن شاء فعله، وإن شاء تركه في حق الرجال، والنساء، وعند مالك أن النفي إنما هو على الرجال، وأما النساء فلا، لأن ذلك مضاد لصيانتهن، وما ورد شيء من النفي في الرجال لا النساء.
الشيخ: مقتضى كلام مالك ما ورد من النفي فهو في حق الرجال لا في حق النساء، يعني في الرجال لا في النساء.
 نعم، حديث عبادة، وحديث أبي هريرة أن رسول الله ﷺ، قضى فيمن زنى ولم يحصن بنفي عام، وبإقامة الحد عليه، رواه البخاري، وذلك مخصوص بالمعنى، وهو أن المقصود من النفي الصون، وذلك مفقود في نفي النساء، والله أعلم.
والثاني: أن الأمة إذا زنت تجلد خمسين بعد الإحصان، وتضرب تأديبًا غير محدود بعدد محصور، وقد تقدم ما رواه ابن جرير عن سعيد بن جبير أنها لا تضرب قبل الإحصان، وإن أراد نفيه فيكون مذهبا بالتأويل، وإلا فهو كالقول الثاني.
القول الآخر أنها تجلد قبل الإحصان مائة، وبعده خمسين، كما هو المشهور عن داود، وهو أضعف الأقوال: أنها تجلد قبل الإحصان خمسين، وقيل ترجم بعده، وهو قول أبي ثور، وهو ضعيف أيضًا، والله أعلم بالصواب.
الشيخ: ما دام هو ضعيف أيضاً دل على أن الكلام الأول صحيح، وهو أضعف الأقوال قول داود، والأمر في هذا واضح، الصواب الذي لا ريب فيه أنها تجلد خمسين قبل الإحصان وبعده، هذا هو الحق الذي قامت عليه السنة، ودل عليه الكتاب، تجلد خمسين، والعبد مثلها، خمسين بعد الإحصان، وقبل الإحصان مطلقًا، البكر والثيب سواء، حدهما واحد، وهو نصف العذاب الذي على الحرة والحر، وهذا القول بأنها ترجم بعد الإحصان، أو أنها ترجم نصف الرجم، أو أنها تحد مائة قبل الإحصان، وخمسون بعد الإحصان فهذان قولان لا وجه لهما.
س: وكذلك النفي في حقها أي الأمة؟
الشيخ: كذلك النفي لا وجه له، لأن في النفي تعذيب للسيد... وإنما قال: فليجلدها الحد، ولا يثرب عليها، ولم يقل، ولينفها.
..........
وقوله تعالى: ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ أي إنما يباح نكاح الإماء بالشروط المتقدمة لمن خاف على نفسه الوقوع في الزنا، وشق عليه الصبر عن الجماع، وعنت بسبب ذلك كله، فله حينئذ أن يتزوج بالأمة، وإن ترك تزوجها، وجاهد نفسه في الكف عن الزنا فهو خير له؛ لأنه إذا تزوجها جاء أولاده أرقاء لسيدها إلا أن يكون الزوج عربيًا، فلا يكون أولاده منها أرقاء في قول قديم للشافعي، ولهذا قال: وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.الشيخ: وهكذا إذا شرط على الصحيح، إذا شرط أن أولاده أحرار، والتزم السيد فأولاده أحرار، أن يتزوجها بشرط أن يكون أولاده أحرارًا، أو غروه قالوا: إنها حرة، أو ظن أنها حرة؛ لأنه غريب ما درى فبان أنها أمة فأولاده أحرار في الحالين، إحداهما إذا كان مغرورًا، أو شبه المغرور، والثاني إذا شرط أن أولاده أحرار.
ومن هذه الآية الكريمة، استدل جمهور العلماء في جواز نكاح الإماء على أنه لا بد من عدم الطول لنكاح الحرائر، ومن خوف العنت لما في نكاحهن من مفسدة رق الأولاد، ولما فيهن من الدناءة في العدول عن الحرائر إليهن، وخالف الجمهور أبو حنيفة، وأصحابه في اشتراط الأمرين، فقالوا: متى لم يكن الرجل مزوجًا بحرة جاز له نكاح الأمة المؤمنة، والكتابية أيضا، سواء كان واجدًا لطول حرة، أم لا، وسواء خاف العنت، أم لا، وعمدتهم فيما ذهبوا إليه قوله تعالى: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ [المائدة:5] أي العفائف، وهو يعم الحرائر، والإماء، وهذه الآية عامة، وهذه أيضا ظاهرة في الدلالة على ما قاله الجمهور، والله أعلم.
الشيخ: قول الأحناف في هذا من أضعف الأقوال نعوذ بالله – يصادم نص الآية الكريمة مصادمة ظاهرة، لا يشترط الطول، ولا يشترط خوف العنت، فهذه مصادمة غريبة، نسأل الله العافية، وهو قول من أبطل الباطل.
وقول الجمهور هو الحق لا بد من أمرين عجزه عن الحرة عن مهرها، والثاني خوف العنت، أما إذا كان ضعيف الشهوة فلا يخاف فلا يجوز له نكاح الأمة، أو كان عنده قدرة على طول الحرة فإنه يتزوجها؛ فالأمة أولاً يتعرض إلى رق أولاده.
ثانيًا: الغالب أن الإماء يكون عندهن سقوط أخلاق، ويطمع فيهن الناس من جهة الفاحشة.
فاجتمع فيها الأمران.
الأحناف لهم غرائب، وعجائب في هذه المسائل، والأصل، وهو الغالب خرجوهم عن الأدلة، وتحكيم الرأي والنظر، وهذا غلط! لا يليق بالمؤمن تحكيم الرأي والنظر، والقياس مع ورود الأدلة يوقع في مهالك، ومعاطب، والواجب العناية بالأدلة، هذا قبل كل شيء؛ لأن الشارع أعلم بمصالح عباده، وأحكم، وآراء الناس عرضة للخطأ، والغلط، والانحراف.
والعصمة كل العصمة بالتمسك بالنصوص من القرآن، والسنة إذا صحت السنة.
يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ۝ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ۝ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا [النساء:26-28].
يخبر تعالى أنه يريد أن يبين لكم أيها المؤمنون ما أحل لكم، وحرم عليكم مما تقدم ذكره في هذه السورة، وغيرها، وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ يعني طرائقهم الحميدة، واتباع شرائعه التي يحبها، ويرضاها، وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ أي من الإثم، والمحارم، وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ أي في شرعه، وقدره، وأفعاله، وأقواله.
وقوله: وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا أي يريد أتباع الشياطين من اليهود، والنصارى، والزناة أن تميلوا عن الحق إلى الباطل ميلًا عظيمًا، يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ أي في شرائعه، وأوامره، ونواهيه، وما يقدره لكم، ولهذا أباح الإماء بشروط، كما قال مجاهد، وغيره، وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا فناسبه التخفيف لضعفه في نفسه، وضعف عزمه، وهمته.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي، حدثنا وكيع عن سفيان، عن ابن طاوس، عن أبيه، وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا أي في أمر النساء. وقال وكيع: يذهب عقله عندهن.
وقال موسى الكليم عليه السلام لنبينا محمد ﷺ، ليلة الإسراء حين مر عليه راجعًا من عند سدرة المنتهى، فقال له: ماذا فرض عليكم، فقال: أمرني بخمسين صلاة في كل يوم وليلة، فقال له: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فإن أمتك لا تطيق ذلك، فإني قد بلوت الناس قبلك على ما هو أقل من ذلك فعجزوا، وإن أمتك أضعف أسماعا، وأبصارا، وقلوبا، فرجع، فوضع عشرا. ثم رجع إلى موسى فلم يزل كذلك حتى بقيت خمسًا، الحديث.
الشيخ: وهذا يبين لنا كرم ربنا جل وعلا، وجوده على هذه الأمة أن خفف عنهم، ويسر لهم كثيرًا، كانت الآصار والأغلال على من قبلهم، فوضع الله عنهم تلك الآصار والأغلال، كما قال في آية الأعراف: وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ [الأعراف:157] فهذا من فضله أن يسر لهذه الأمة في شرائعها، وأحكامها، وجعلها ميسرة خفيفة ليست كالآصار والأغلال التي على من قبلها. فمن ذلك قوله جل، وعلا: وخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا فهذا عام في النساء، وغير النساء، لكن ذكر طاوس، وغيره أمر النساء؛ لأن غلبتهن للرجال، وتأثر النساء بهن أمر معروف، وإلا فالإنسان ضعيف في كل شيء في أمر النساء، وفي غير النساء، فإذا كان ضعيفًا فينبغي له أن يتأدب بآداب الله، ويلتزم بأمر الله حتى لا يهلك؛ فإن القوة بالله، فإذا استقام على أمر، ووقف عند حدود الله كان قويًا موفقًا، وإذا تولاه الشيطان زاد ضعفه ضعفًا، نسأل الله السلامة!.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ۝ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ۝ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا [النساء:29، 30] .
ينهى الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين عن أن يأكلوا أموال بعضهم بعضا بالباطل، أي بأنواع المكاسب التي هي غير شرعية كأنواع الربا، والقمار، وما جرى مجرى ذلك من سائر صنوف الحيل، وإن ظهرت في غالب الحكم الشرعي مما يعلم الله أن متعاطيها إنما يريد الحيلة على الربا.
الشيخ: لعلها في القالب أحسن، في قالب الحكم الشرعي، يعني ما ظهر من الحكم الشرعي، والباطن حيلة الباطن من حيل الربا الذي يتحيلون عليه بالعينة، وغير العينة، والحقيقة أنها مكاسب خبيثة أكلها بالباطل.
وإن ظهرت في قالب الحكم الشرعي مما يعلم الله أن متعاطيها إنما يريد الحيلة على الربا، حتى قال ابن جرير: حدثني ابن المثنى، حدثنا عبد الوهاب، حدثنا داود عن عكرمة، عن ابن عباس في الرجل يشتري من الرجل الثوب فيقول: إن رضيته أخذته، وإلا رددته، ورددت معه درهما، قال: هو الذي قال الله فيه: وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ [البقرة:188].
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن حرب المصلي، حدثنا ابن فضيل عن داود الأيدي، عن عامر، عن علقمة، عن عبد الله في الآية، قال: إنها محكمة ما نسخت، ولا تنسخ إلى يوم القيامة.
الشيخ: والمقصود من هذا: وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ، يعني لا تأكلوها بالنهب، والسرقة، والربا، وغير هذا، يعني كلوها بالطرق الحلال بالبيع الشرعي بالهبة الشرعية بالصدقة الشرعية، أما بالتصرفات الباطلة فالواجب عليكم ترك ذلك لا جهرة، ولا بالسر والحيلة، هكذا يجب على المؤمنين أن يتجنبوا ما حرم الله عليهم من المعاملات سرًا، وجهرًا، وأن يجتهدوا في أن يأخذوا الأموال بينهم بحقها، وطريقها الشرعي.
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: لما أنزل الله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ قال المسلمون: إن الله قد نهانا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل، والطعام هو أفضل أموالنا، فلا يحل لأحد منا أن يأكل عند أحد، فكيف للناس؟ فأنزل الله بعد ذلك لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ [النور:61]، وكذا قال قتادة.
وقوله تعالى: إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ قرئ تجارة بالرفع، وبالنصب، وهو استثناء منقطع، كأنه يقول: لا تتعاطوا الأسباب المحرمة في اكتساب الأموال، ولكن المتاجر المشروعة التي تكون عن تراض من البائع، والمشتري فافعلوها، وتسببوا بها في تحصيل الأموال، كما قال تعالى: وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ [الأنعام: 151]، وكقوله: لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى [الدخان:56]، ومن هذه الآية الكريمة احتج الشافعي على أنه لا يصح البيع إلا بالقبول، لأنه يدل على التراضي نصًا بخلاف المعاطاة، فإنها قد لا تدل على الرضى، ولا بد، وخالف الجمهور في ذلك مالك، وأبو حنيفة، وأحمد.
الشيخ: وخالفه الجمهور، ما عندكم هاء؟
الطالب: وخالف الجمهور مالك، وأبو حنيفة..
الشيخ: خالفه أحسن ساقطة الهاء، هم المخالفون له، ولهذا قال مالك فرفعها.
وخالفه الجمهور في ذلك مالك، وأبو حنيفة، وأحمد، فرأوا أن الأقوال كما تدل على التراضي فكذلك الأفعال.الشيخ: فكذلك، ما عندكم فاء؟ يعني كما أن الأقوال ........ تدل على الرضا، فهكذا إذا أعطاه ريالًا وأعطاه خمس خبزات بريال فهذا يدل على التراضي، ولو ما تكلم، قال هات خبز، وأعطاه ريالًا، ومد له خمس، أو ست فهذا معناه التراضي، ولو ما قال شيئًا.
فكذلك الأفعال تدل في بعض المحال قطعًا، فصححوا بيع المعاطاة مطلقا، ومنهم من قال: يصح في المحقرات، وفيما يعده الناس بيعا، وهو احتياط نظر من محققي المذهب، والله أعلم.
وقال مجاهد إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم بيعًا، أو عطاء يعطيه أحد أحدًا.
س: المؤلف يرى مذهب الشافعي في هذا؟
الشيخ: هو شافعي رحمه الله، لكن ما صرح بشيء.
الطالب: في تعليق لعلي بن حرب في اسمه؟ علي بن حرب بن محمد بن علي الطائي صدوق فاضل من صغار العاشرة، مات سنة خمس، وستين، وقد جاوز التسعين النسائي.
علي بن حرب بن عبد الرحمن الجنديسابوري بضم الجيم، وسكون النون، وفتح المهملة بعدها تحتانية ساكنة، ثم مهملة، وبعدها الألف موحدة مضمومة، ثقة من الحادية عشرة، مات سنة ثمان وخمسين، تمييز.
الشيخ: يعني لا هذا، ولا هذا، وعندنا المصلي، حط عليه علامة (المصلي).
الطالب: في حاشية على النسخة الأخرى يقول: الموصلي، وبالمخطوطة المصلي، والمثبت عن الجرح.
الشيخ: هذا أقرب الموصلي أقرب.
س: أيهما أقرب الجرح، أم التعديل؟
الشيخ: لأن التقريب مختصر لا يستوفي الأوصاف.
وقال مجاهد إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم بيعا، أو عطاء يعطيه أحد أحدا، ورواه ابن جرير، ثم قال: وحدثنا، وكيع، حدثنا أبي عن القاسم، عن سليمان الجعفي، عن أبيه، عن ميمون بن مهران، قال: قال رسول الله ﷺ: البيع عن تراض، والخيار بعد الصفقة، ولا يحل لمسلم أن يغر مسلمًا هذا حديث مرسل.
ومن تمام التراضي إثبات خيار المجلس، كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله ﷺ قال: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، وفي لفظ البخاري: إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا، وذهب إلى القول بمقتضى هذا الحديث أحمد، والشافعي، وأصحابهما، وجمهور السلف، والخلف.
الشيخ: وهذا من رحمة الله؛ فإن الإنسان قد يعجل في الشراء، أو في البيع، ثم يندم، فجعل الله لهما الخيار ما داما في المجلس، ولو طال المجلس فإذا هون البائع، أو هون المشتري فلا بأس إلا أن يتبايعا على أنه لا خيار بينهما فيسقط للحديث المذكور.
ومن ذلك مشروعية خيار الشرط بعد العقد إلى ثلاثة أيام بحسب ما يتبين فيه حال البيع، ولو إلى سنة في القرية، ونحوها، كما هو المشهور عن مالك رحمه الله، وصححوا بيع المعاطاة مطلقًا، وهو قول في مذهب الشافعي، ومنهم من قال: يصح بيع المعاطاة في المحقرات فيما يعده الناس بيعا، وهو اختيار طائفة من الأصحاب كما هو متفق عليه.الشيخ: كما هو متفق عليه كذا عندكم؟
زيادة تكرار هذا.
الطالب: ما هي موجودة؟
الشيخ: ساقطة عندكم حط عليها إشارة هذه العبارة مكررة فيها نظر.
الطالب: عندنا موجودة!
الشيخ: لا ما هو طيب؛ لأنه تقدم الخلاف.