77 من حديث: (احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم، حجمه أبو طيبة..)

بَاب الحِجَامَةِ مِنَ الدَّاءِ

5696- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُاللَّهِ، أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسٍ : أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ أَجْرِ الحَجَّامِ، فَقَالَ: احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، حَجَمَهُ أَبُو طَيْبَةَ، وَأَعْطَاهُ صَاعَيْنِ مِنْ طَعَامٍ، وَكَلَّمَ مَوَالِيَهُ فَخَفَّفُوا عَنْهُ، وَقَالَ: إِنَّ أَمْثَلَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ الحِجَامَةُ وَالقُسْطُ البَحْرِيُّ، وَقَالَ: لا تُعَذِّبُوا صِبْيَانَكُمْ بِالْغَمْزِ مِنَ العُذْرَةِ، وَعَلَيْكُمْ بِالقُسْطِ.

الشيخ: وهذا يدل على فوائد، منها: جواز مكافأة الحاجم وإعطائه أجره، وأن هذا لا حرج فيه، ويدل على أن أجر الحجَّام ليس بحرامٍ، وإنما هو مُستخبث وليس بحرامٍ، وقوله ﷺ: كسب الحجَّام خبيثٌ يعني ليس بمُستطابٍ، مثلما في شجرة البصل والكراث والثوم، هي خبيثة من جهة رائحتها، وليست حرامًا، فهذا خبيث من جهة كسبه، وليس حرامًا، ولهذا أعطاه أجره، ولو كان حرامًا لم يُعطه، كما قال ابنُ عباس.

وفيه من الفوائد: شرعية التَّداوي بالحجامة وبالقُسط، وأن التداوي بالقُسط أوْلى من الغمز، وكانوا فيما مضى يغمزون: تدخل يدها هكذا ترفع لهاة الصبي الصغير لئلا تنزل، وهذا قد يُؤذي الصبي ويُتعبه، فتسعيطه من القُسط البحري يرفعها بدون مشقةٍ.

وقوله: إن أمثل ما تداويتم به الحجامة يدل على أن الحجامة دواء طيب، إنها أحسن ما تداوى به الناس عند تغير الدم ووفرته وثورانه، يرى أهلُ الطب وأهل البصيرة أن الحجامة إزالة لهذه الزيادة التي قد تكون ضارةً فاسدةً، فتنزل بالحجامة وتزول، ويبقى الدم الصافي الصحيح، لكنه يحتاج إلى أهل بصيرةٍ، الذين جرَّبوا الحجامة، وعرفوا كيف يحجمون، وما هو الدم والدم الرديء.

س: الحجامة سُنة؟

ج: ظاهر الحديث أنها سُنة، يقول: إن أمثل ما تداويتم به الحجامة.

5697- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ تَلِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو وَغَيْرُهُ: أَنَّ بُكَيْرًا حَدَّثَهُ: أَنَّ عَاصِمَ بْنَ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ حَدَّثَهُ: أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِاللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَادَ المُقَنَّعَ، ثُمَّ قَالَ: لا أَبْرَحُ حَتَّى تَحْتَجِمَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: إِنَّ فِيهِ شِفَاءً.

الشيخ: تكلم على المقنع مَن هو؟

الطالب: قَوْلُهُ (عَادَ الْمُقَنَّع) بِقَافٍ وَنون ثَقيلَة مَفْتُوحَة، هُوَ ابن سِنَانٍ، تَابِعِيٌّ لَا أَعْرِفُهُ إِلَّا فِي هَذَا الحديث.

الشيخ: والعيني؟

الطالب: كذلك.

الشيخ: ماشي، نعم.

بَاب الحِجَامَةِ عَلَى الرَّأْسِ

5698- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ، عَنْ عَلْقَمَةَ: أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَالرَّحْمَنِ الأَعْرَجَ: أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَاللَّهِ ابْنَ بُحَيْنَةَ يُحَدِّثُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ احْتَجَمَ بِلَحْيِ جَمَلٍ مِنْ طَرِيقِ مَكَّةَ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، فِي وَسَطِ رَأْسِهِ.

5699- وَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ احْتَجَمَ فِي رَأْسِهِ.

الشيخ: (بلحي جمل) موضع، يعني محل نعم، كل هذا العمل يدل على فضل الحجامة من قوله وفعله، فاستعماله لها يدل على فضلها، وقوله: إنَّ أمثل ما تداويتُم به الحجامة يدل على فضلها أيضًا، فهي سُنة قولًا وفعلًا.

بَاب الحِجَامَةِ مِنَ الشَّقِيقَةِ وَالصُّدَاعِ

5700- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: احْتَجَمَ النَّبِيُّ ﷺ فِي رَأْسِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ مِنْ وَجَعٍ كَانَ بِهِ، بِمَاءٍ يُقَالُ لَهُ: لُحْيُ جَمَلٍ.

5701- وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَوَاءٍ: أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَن ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ فِي رَأْسِهِ مِنْ شَقِيقَةٍ كَانَتْ بِهِ.

الشيخ: أيش قال عن محمد بن سواء؟

الطالب: قوْلُهُ (وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَوَاءٍ) بِمُهْمَلَةٍ وَمَدٍّ، هُوَ السَّدُوسِيُّ، وَاسْمُ جَدِّهِ عَنْبَرٌ -بِمُهْمَلَةٍ وَنُونٍ وَمُوَحَّدَةٍ- بَصْرِيٌّ، يُكَنَّى: أَبَا الْخَطَّابِ، مَا لَهُ فِي البُخَارِيِّ سِوَى حَدِيثٍ مَوْصُولٍ مَضَى فِي الْمَنَاقِبِ، وَآخَرَ يَأْتِي فِي الْأَدَبِ، وَهَذَا الْمُعَلَّق، وَقَدْ وَصَلَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ الْأَزْدِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَوَاءٍ، فَذَكَرَهُ سَوَاءٌ، وَقَدِ اتَّفَقَتْ هَذِهِ الطُّرُقُ عَن ابن عَبَّاسٍ أَنَّهُ احْتَجَمَ ﷺ وَهُوَ محرمٌ فِي رَأسه.

5702- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانَ، حَدَّثَنَا ابْنُ الغَسِيلِ قَالَ: حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ خَيْرٌ فَفِي شَرْبَةِ عَسَلٍ، أَوْ شَرْطَةِ مِحْجَمٍ، أَوْ لَذْعَةٍ مِنْ نَارٍ، وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ.

س: ...........؟

ج: بعض أهل العلم قالوا: يُعفى عنه؛ لأنه ليس بحلقٍ كاملٍ، إنما شيء يسير، وبعض أهل العلم قالوا: يُحمل على ما في حديث كعب، وأنه يفدي عنه بإحدى ثلاث خصال: صيام ثلاثة أيام، أو ذبح شاة، أو إطعام ستة مساكين، ويغلب على ظنِّي أن ابن القيم رحمه الله حمله على التَّسامح؛ لأنه لم ينقل أنه كفَّر عليه الصلاة والسلام، فدلَّ ذلك على أن الحجامة يُعفى عن أثرها إذا كان في الشعر؛ لأنه شيء يسير ليس بحلقٍ للرأس كله أو غالبه، إنما هو شيء يسير، فيُغفر في جنب الإذن بالحجامة، وإذا احتاط وكفَّر فحسن.

بَاب الحَلْقِ مِنَ الأَذَى

5703- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ كَعْبٍ -هُوَ ابْنُ عُجْرَةَ- قَالَ: أَتَى عَلَيَّ النَّبِيُّ ﷺ زَمَنَ الحُدَيْبِيَةِ، وَأَنَا أُوقِدُ تَحْتَ بُرْمَةٍ، وَالقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَنْ رَأْسِي، فَقَالَ: أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَاحْلِقْ، وَصُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةً، أَوِ انْسُكْ نَسِيكَةً، قَالَ أَيُّوبُ: لا أَدْرِي بِأَيَّتِهِنَّ بَدَأَ.

بَاب مَنِ اكْتَوَى أَوْ كَوَى غَيْرَهُ، وَفَضْلِ مَنْ لَمْ يَكْتَوِ

5704- حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِالمَلِكِ، حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ ابْنِ الغَسِيلِ، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ شِفَاءٌ فَفِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ، أَوْ لَذْعَةٍ بِنَارٍ، وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ.

5705- حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لا رُقْيَةَ إِلَّا مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ، فَذَكَرْتُهُ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ وَالنَّبِيَّانِ يَمُرُّونَ مَعَهُمُ الرَّهْطُ، وَالنَّبِيُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ، حَتَّى رُفِعَ لِي سَوَادٌ عَظِيمٌ، قُلْتُ: مَا هَذَا؟ أُمَّتِي هَذِهِ؟ قِيلَ: بَلْ هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ، قِيلَ: انْظُرْ إِلَى الأُفُقِ، فَإِذَا سَوَادٌ يَمْلَأُ الأُفُقَ، ثُمَّ قِيلَ لِي: انْظُرْ هَاهُنَا وَهَاهُنَا فِي آفَاقِ السَّمَاءِ، فَإِذَا سَوَادٌ قَدْ مَلَأَ الأُفُقَ، قِيلَ: هَذِهِ أُمَّتُكَ، وَيَدْخُلُ الجَنَّةَ مِنْ هَؤُلاءِ سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ.

ثُمَّ دَخَلَ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ، فَأَفَاضَ القَوْمُ وَقَالُوا: نَحْنُ الَّذِينَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاتَّبَعْنَا رَسُولَهُ، فَنَحْنُ هُمْ، أَوْ أَوْلادُنَا الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الإِسْلامِ، فَإِنَّا وُلِدْنَا فِي الجَاهِلِيَّةِ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ ﷺ، فَخَرَجَ فَقَالَ: هُمُ الَّذِينَ لا يَسْتَرْقُونَ، وَلا يَتَطَيَّرُونَ، وَلا يَكْتَوُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ، فَقَالَ عُكَاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ: أَمِنْهُمْ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ: أَمِنْهُمْ أَنَا؟ قَالَ: سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ.

الشيخ: وهذا يدل على أن ترك الكي أفضل، كما تقدم قوله: وما أحبُّ أن أكتوي، ومنها أعمال السبعين، وكذلك يدل على فضل عدم الاسترقاء، وهو طلب الرقية، أما الرقية نفسها فلا بأس بها، ولهذا قال: لا رقيةَ إلا من عينٍ أو حمةٍ، لكن الاسترقاء -وهو طلب الرقية- تركه أفضل؛ لأنه نوعٌ من السؤال،  والأصل في ترك السؤال أنه أفضل، لكن إذا دعت الحاجةُ إلى الاسترقاء زالت الكراهة.

فأعمال السبعين هنا اشتملت على أشياء تركها أفضل، وأشياء مكروهة، وأشياء محرمة، فالمكروه الكي، والمحرم الطيرة، والمفضول الاسترقاء، وقد ثبت عنه ﷺ أنه قال لأسماء بنت عميس: استرقي لأبناء أخي لأولاد جعفر لما أصابتهم العين، فدلَّ على جواز الاسترقاء عند الحاجة، وأنه لا كراهةَ به عند الحاجة، ولكن تركه أفضل في الجملة؛ لثنائه على السبعين وقوله: لا رقيةَ إلا من عينٍ أو حمةٍ، مثلما قال العلماء، يعني أوْلى وأشفى، هذا من حصر الأولوية، لا حصر الجواز، ولهذا قال ﷺ: لا بأس بالرقى ما لم تكن شركًا، وقد رقى النبيُّ، ورُقي من غير العين والحمة.

وأما التوكل: فلا يُنافي الأسباب وعلى ربِّهم يتوكَّلون، فترك التَّطير من الأسباب، ترك الكي من الأسباب، ترك الاسترقاء من الأسباب، كما أن الأكل والشرب من الأسباب، والاستدفاء في الشتاء من الأسباب، وتجنب أسباب الهلاك: كالبعد عن أكل السم، والبعد عن الطريق التي فيها قطاع الطريق، أو الطريق التي فيها السباع، وكذلك التَّحرز من الأعداء بالسلاح والعين، العين التي تعرف حال العدو، وتَنَقُّل العدو؛ حتى يتحرز من شرِّه، وإغلاق البيوت، وحفظ الأموال بالحرس، كل هذا من باب الأخذ بالأسباب، فالدنيا قائمة على الأسباب، والله شرعها وأمر بها، فالأسباب قد تجب، وقد تُستحب، وقد تُباح.

فالواجب على أهل العلم والإيمان أن يجمعوا بين الأمرين: من الاعتماد على الله والتفويض إليه، وبين الأخذ بالأسباب، إلا إذا كانت الأسبابُ مكروهة، فالسُّنة تركها، أو محرمة فالواجب تركها، أما إذا كانت مباحة أو مشروعة فإنه ينبغي الأخذ بها، ولهذا ذهب جمهورُ أهل العلم إلى أن التَّداوي مُستحب لأنه من الأسباب المستحبَّة؛ لأنه يُخفف عن الناس تعب المرض، ويُعينهم على طاعة الله ورسوله، ويُعينهم على ترك الإثقال على أهل البيت، والمشقة على أهل البيت، ويُعين على أداء الواجبات، وعلى الجهاد في سبيل الله، إلى غير هذا من مصالح التَّداوي.

س: إذا فعل الاسترقاء عند الحاجة إليه اختلَّ فيه شرط السبعين؟

ج: الظاهر أنه ما يختل؛ لأنه أمر به النبيُّ ﷺ، هم تركوه عند عدم الحاجة إليه.

بَاب الإِثْمِدِ وَالكُحْلِ مِنَ الرَّمَدِ، فِيهِ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ

5706- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ نَافِعٍ، عَنْ زَيْنَبَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ امْرَأَةً تُوُفِّيَ زَوْجُهَا، فَاشْتَكَتْ عَيْنَهَا، فَذَكَرُوهَا لِلنَّبِيِّ ﷺ، وَذَكَرُوا لَهُ الكُحْلَ، وَأَنَّهُ يُخَافُ عَلَى عَيْنِهَا، فَقَالَ: لَقَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ تَمْكُثُ فِي بَيْتِهَا فِي شَرِّ أَحْلاسِهَا -أَوْ: فِي أَحْلاسِهَا فِي شَرِّ بَيْتِهَا- فَإِذَا مَرَّ كَلْبٌ رَمَتْ بَعْرَةً، فَهَلَّا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا.

الشيخ: هذا مختصر، وتمام الحديث: أن أهل الجاهلية كانوا إذا مات فيهم الرجلُ مكثت الزوجةُ في بيت زوجها سنةً كاملةً في شرِّ البيت، وفي أسوأ البيت، لا تغتسل، ولا تتنظَّف، ولا، ولا، إلى آخره، فإذا مضت السنةُ خرجت وافتضّت بشيءٍ من طائرٍ أو غيره، ورمت ببعرةٍ إشارة إلى أنها انتهت من العدَّة، فجعل الله بدل ذلك أربعة أشهرٍ وعشرًا، الثلث، وخفَّف ويسَّر سبحانه على عباده، وجعل العدَّة أربعة أشهر وعشرًا، عدّة الوفاة.

والحكمة في ذلك -والله أعلم- أنَّ هذه المدة يبين فيها الحمل، إن كانت حُبلى بان حملها واتضح، والميت في حاجةٍ إلى أن يُصان ماؤه، ويُصان نسبه، وقد لا يكون وراءه مَن يصونه ويعتني به، فشرع الله هذه العدّة حتى يكون في مأمنٍ وحمى من اختلاط الأنساب، وربما هناك حِكَم أخرى سوى ذلك.

وفي هذا من الفوائد: أنها لا تكتحل، وأن تصبر، كانت تصبر سنةً كاملةً على ترك الزينة والكحل والطيب ونحو ذلك، وقد خفف الله ويسَّر، فعليها أن تصبر أربعة أشهر وعشرًا في الإحداد، ولهذا في اللفظ الآخر: لا تحدّ امرأةٌ على ميتٍ فوق ثلاث، إلا على زوجٍ أربعة أشهر وعشرًا.

والمحادة عند أهل العلم حسبما في الأحاديث؛ تعتني بخمسة أمور، تُلاحظ خمسة أمور في حال العدّة وقت الإحداد:

الأول: بقاؤها في المسكن الذي مات زوجُها وهي ساكنة فيه، إلا من حاجةٍ: كالطبيب ونحوه، كحاجتها للسوق، ونحو ذلك، أو البيت يخرب، أو يكون بالأجرة وتنتهي ولا يسمح أهلُه بالبقاء، أو نحو ذلك.

الأمر الثاني: تجنب الملابس الجميلة، بل تكون ملابسها غير جميلة؛ لقوله في الحديث الآخر: لا تلبس إلا ثوب ...... تلبس ملابس غير جميلة، سوداء أو خضراء أو زرقاء أو غير ذلك، لا يتعين الأسود، ما هو لازم الأسود، ما تيسر من الملابس التي ليس فيها جمال.

والثالث: عدم الطيب، أنواع الطيب، إلا إذا كانت تحيض فلها أن تأخذ شيئًا من قسطٍ أو أظفارٍ من البخور عند طهرها من الحيض.

الرابع: عدم الحُلي، من الذهب والفضّة ونحو ذلك.

الخامس: عدم الكحل، كما ذكر النبيُّ ﷺ، الكحل والحناء ونحوه.

أما ما سوى ذلك فهي من جنس بقية النساء، تعمل في بيتها: تطبخ، تكنس، تكلم مَن شاءت من أقاربها وغيرهم بالهاتف وبغير الهاتف الكلام الذي ليس فيه ريبة، وتُقابل مَن تشاء من النساء وغير النساء، مع مُراعاة المحاذير الشَّرعية.

وتخرج إلى السطح في الليل والنهار، وفي القمر وفي غيره، تخرج إلى حديقة بيتها، وإلى حوش بيتها، تخرج إلى الحاجة من السوق تشتريها، تخرج إلى الطبيب عند الحاجة، مثلما تقدَّم.

وكثير ما وقع للناس في هذا من العامَّة أشياء ما لها أصل من التَّشديد، وهذا هو ...... من الأحاديث.

س: قد يُقال أن الكحل من السُّنة؟

ج: يُفيد أنَّ هذا معروف عندهم الكحل، وقد كان النبي يكتحل، فالأظهر أنه من السنة، وأنه مشروع في كل عينٍ ثلاثة أميال؛ لأن فيه خيرًا كثيرًا مثلما في الحديث: إنه يُنبت الشعر، ويصفي، وينقي البصر، وهو الطِّيب الذي هو الإثمد فيه نفعٌ كثير.

س: في حقِّ الرجال والنِّساء؟

ج: نعم، أيش قال الشارحُ على الترجمة؟

الطالب: قَوْلُهُ (بَابُ الْإِثْمِدِ وَالْكُحْلِ مِنَ الرَّمَدِ) أَيْ: بِسَبَبِ الرَّمَدِ، وَالرَّمَدُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْمِيمِ وَرَمٌ حَارٌّ يَعْرِضُ فِي الطَّبَقَةِ الْمُلْتَحِمَةِ مِنَ الْعَيْنِ، وَهُوَ بَيَاضُهَا الظَّاهِرُ، وَسَبَبُهُ انْصِبَابُ أَحَدِ الْأَخْلَاطِ أَوْ أَبْخِرَةٍ تَصْعَدُ مِنَ الْمَعِدَةِ إِلَى الدِّمَاغِ، فَإِنِ انْدَفَعَ إِلَى الْخَيَاشِيمِ أَحْدَثَ الزُّكَامَ، أَو إِلَى الْعَيْنِ أَحْدَثَ الرَّمَدَ، أَو إِلَى اللَّهَاةِ وَالْمَنْخِرَيْنِ أَحْدَثَ الْخُنَانَ -بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالنُّونِ- أَو إِلَى الصَّدْرِ أَحْدَثَ النَّزْلَةَ، أَوْ إِلَى الْقَلْبِ أَحْدَثَ الشَّوْصَةِ، وَإِنْ لَمْ يَنْحَدِرْ وَطَلَبَ نَفَاذًا فَلَمْ يَجِدْ أَحْدَثَ الصُّدَاعَ، كَمَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ فِيهِ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ.

يُشِيرُ إِلَى حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ مَرْفُوعًا: لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ تُحِدُّ فَوْقَ ثَلَاثٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ، فَإِنَّهَا لَا تَكْتَحِلُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَبْوَابِ الْعِدَّةِ، لَكِنْ لَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِهِ ذِكْرَ الْإِثْمِدِ، فَكَأَنَّهُ ذَكَرَهُ لِكَوْنِ الْعَرَبِ غَالِبًا إِنَّمَا تَكْتَحِلُ بِهِ، وَقَدْ ورد التَّنْصِيص عَلَيْهِ فِي حَدِيث ابن عَبَّاسٍ رَفَعَهُ: اكْتَحِلُوا بِالْإِثْمِدِ؛ فَإِنَّهُ يَجْلُو الْبَصَرَ، وَيُنْبِتُ الشَّعْرَ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَاللَّفْظُ لَهُ، وابن ماجه، وَصَححهُ ابن حِبَّانَ، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابن عَبَّاسٍ فِي الشَّمَائِلِ.

وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ عِنْد التِّرْمِذِيِّ فِي الشَّمَائِل، وابن ماجه وابن عدي من ثَلَاث طرقٍ عَن ابن الْمُنْكَدِرِ عَنْهُ بِلَفْظِ: عَلَيْكُمْ بِالْإِثْمِدِ؛ فَإِنَّهُ يَجْلُو الْبَصَر، ويُنبت الشّعْر.

وَعَن عَليٍّ عِنْد ابن أَبِي عَاصِمٍ وَالطَّبَرَانِيِّ، وَلَفْظُهُ: عَلَيْكُمْ بِالْإِثْمِدِ؛ فَإِنَّهُ مَنْبَتَةٌ لِلشَّعْرِ، مَذْهَبَةٌ لِلْقَذَى، مَصْفَاةٌ لِلْبَصَرِ، وَسَنَدُهُ حسن.

وَعَن ابن عُمَرَ بِنَحْوِهِ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ فِي الشَّمَائِلِ.

وَعَنْ أنسٍ فِي غَرِيب مَالك والدَّارَقُطْنِيّ بِلَفْظِ: "كَانَ يَأْمُرُنَا بِالْإِثْمِدِ".

وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ هَوْذَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ بِلَفْظِ: اكْتَحِلُوا بِالْإِثْمِدِ؛ فَإِنَّهُ .. الْحَدِيثَ، وَهُوَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِهِ بِلَفْظِ: "إِنَّهُ أَمَرَ بِالْإِثْمِدِ الْمُرَوَّحِ عِنْدَ النَّوْمِ".

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: خَيْرُ أَكْحَالِكُمُ الْإِثْمِدُ؛ فَإِنَّهُ .. الْحَدِيثَ، أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ، وَفِي سَنَدِهِ مَقَالٌ.

وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَكْتَحِلُ بِالْإِثْمِدِ، أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَفِي سَنَدِهِ مَقَالٌ.

وَعَنْ عَائِشَةَ: كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِثْمِدٌ يَكْتَحِلُ بِهِ عِنْدَ مَنَامِهِ فِي كُلِّ عَيْنٍ ثَلَاثًا. أَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ فِي كِتَابِ "أَخْلَاقِ النَّبِيِّ ﷺ" بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ.

وَالْإِثْمِدُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالْمِيمِ بَيْنَهُمَا ثَاءٌ مُثَلَّثَةٌ سَاكِنَةٌ، وَحُكي فِيهِ ضَمُّ الْهَمْزَةِ، حَجَرٌ مَعْرُوفٌ أَسْوَدُ، يَضْرِبُ إِلَى الْحُمْرَةِ، يَكُونُ فِي بِلَادِ الْحِجَازِ، وَأَجْوَدُهُ يُؤْتَى بِهِ مِنْ أَصْبَهَانَ، وَاخْتُلِفَ: هَلْ هُوَ اسْمُ الْحَجْرِ الَّذِي يُتَّخَذُ مِنْهُ الْكُحْلُ، أَوْ هُوَ نفس الْكُحل؟ ذكره ابن سِيدَهْ، وَأَشَارَ إِلَيْهِ الْجَوْهَرِيُّ.

وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ: اسْتِحْبَابُ الِاكْتِحَالِ بِالْإِثْمِدِ، وَوَقَعَ الْأَمْرُ بِالِاكْتِحَالِ وِتْرًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي "سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ"، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي أَشَرْتُ إِلَيْهَا كَيْفيَّة الِاكْتِحَالِ، وَحَاصِلُهُ ثَلَاثًا فِي كُلِّ عَيْنٍ، فَيَكُونُ الْوِتْرُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ عَلَى حِدَةٍ، أَوِ اثْنَتَيْنِ فِي كُلِّ عَيْنٍ، وَوَاحِدَةٌ بَيْنَهُمَا، أَوْ فِي الْيَمِينِ ثَلَاثًا، وَفِي الْيُسْرَى ثِنْتَيْنِ، فَيَكُونُ الْوِتْرُ بِالنِّسْبَةِ لَهُمَا جَمِيعًا، وَأَرْجَحُهَا الْأَوَّلُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ.

الشيخ: انظر سعيد بن هوذة موجود في "التقريب"؟ نعم المتن.

بَاب الجُذَامِ

5707- وَقَالَ عَفَّانُ: حَدَّثَنَا سَلِيمُ بْنُ حَيَّانَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لا عَدْوَى، وَلا طِيَرَةَ، وَلا هَامَةَ، وَلا صَفَرَ، وَفِرَّ مِنَ المَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ.

الطالب: سعيد بن ميناء.

الشيخ: لا، سعيد بن هوذة، أيش قال على الباب؟

الطالب: قَوْلُهُ (بَابُ الْجُذَامِ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَخْفِيفِ الْمُعْجَمَةِ، هُوَ عِلَّةٌ رَدِيئَةٌ تَحْدُثُ مِنَ انْتِشَارِ الْمِرَّةِ السَّوْدَاءِ فِي الْبَدَنِ كُلِّهِ، فَتُفْسِدُ مِزَاجَ الْأَعْضَاءِ، وَرُبَّمَا أَفْسَدَ فِي آخِرِهِ إِيصَالَهَا حَتَّى يَتَأَكَّلَ، قَالَ ابنُ سِيدَهْ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِتَجَذُّمِ الْأَصَابِعِ وَتَقَطُّعِهَا.

[5707] قَوْلُهُ: (وَقَالَ عَفَّان) هُوَ ابن مُسْلِمٍ الصَّفَّارُ، وَهُوَ مِنْ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ، لَكِن أَكْثَرُ مَا يَخْرُجُ عَنْهُ بِوَاسِطَةٍ، وَهُوَ مِنَ الْمُعَلَّقَاتِ الَّتِي لَمْ يَصِلْهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَقَدْ جَزَمَ أَبُو نُعَيْمٍ أَنَّهُ أَخْرَجَهُ عَنْهُ بِلَا رِوَايَة، وعَلى طَريقَة ابن الصَّلَاحِ يَكُونُ مَوْصُولًا، وَقَدْ وَصَلَهُ أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، وَأَبِي قُتَيْبَةَ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ سَلِيمِ بْنِ حَيَّانَ شَيْخِ عَفَّانَ فِيهِ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ مَرْزُوقٍ، عَنْ سَلِيمٍ، لَكِنْ مَوْقُوفًا، وَلم يَسْتَخْرِجهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، وَقد وَصله ابنُ خُزَيْمَةَ أَيْضًا، وَسَلِيمٌ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَانِيهِ، وَحَيَّانُ بِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ تَحْتَانِيَّةٍ ثَقِيلَةٍ.

الطالب: عفا الله عنك، التَّعليق مع أنه من شيوخه، أقول: ما ذكر سبب التَّعليق؟

الشيخ: للأسباب المعروفة التي ذكرها في التعليقات ذكر الأسباب، يكون رواه عنه من طريق إنسانٍ ليس على شرطه، فلهذا حذفه، وقد يكون لأسبابٍ أخرى، لكنه ثابتٌ عنده، وقد يكون لعلَّةٍ أخرى.

الطالب: الإثمد يا شيخ، يقول: الإثمد بالكسر حجر للكحل، وكأحمد.

الشيخ: نعم.

الطالب: قَوْلُهُ: لَا عَدْوَى، وَلَا طِيَرَةَ، وَلَا هَامَةَ، وَلَا صَفَرَ كَذَا جَمْعُ الْأَرْبَعَةِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ.

الشيخ: وذكر ..... أنه حجر أسود يضرب للحمرة، أحد رآه منهم؟

الطالب: نعم.

الشيخ: فيه لمعة وإلا ما فيه لمعة؟

الطالب: في بعضه فيه لمعان، وبعضه بدون لمعان.

الشيخ: المؤلف ..... أن عليه لمعان أو الشارح ..... أن عليه لمعان، نعم.

الطالب: وَيَأْتِي مِثْلُهُ، سَوَاءً بَعْدَ عِدَّةِ أَبْوَابٍ فِي بَابِ (لَا هَامَةَ) مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَيَأْتِي بَعْدَ خَمْسَةِ أَبْوَابٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلُهُ، لَكِنْ بِدُونِ قَوْلِهِ: وَلَا طِيَرَةَ، وَأَعَادَهُ بَعْدَ أَبْوَابٍ كَثِيرَةٍ بِزِيَادَةِ قِصَّةٍ، وَبَعْدَ عِدَّةِ أَبْوَابٍ فِي بَابِ (لَا طِيَرَةَ) مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِاللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: (لَا طِيَرَةَ) حَسْبٌ، وَفِي بَابِ (لَا عَدْوَى) مِنْ طَرِيقِ سِنَانِ بْنِ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: لَا عَدْوَى حَسْبٌ، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: لَا عَدْوَى، وَلَا هَامَةَ، وَلَا طِيَرَةَ.

وَأَخْرَجَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلَ رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ، وَزَادَ: وَلَا نَوْءَ، وَيَأْتِي فِي بَاب (لَا عدوى) من حَدِيث ابن عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ: لَا عَدْوَى، وَلَا طيرة.

وَلمُسلم وابن حبَّان من طَرِيق ابن جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ: أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا بِلَفْظِ: لَا عَدْوَى، وَلَا صَفَرَ، وَلَا غُولَ.

وَأخرج ابن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ مِثْلَ رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ مِينَاءَ، وَأَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَادَ فِيهِ الْقِصَّةَ الَّتِي فِي رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهُوَ فِي ابن مَاجَهْ بِاخْتِصَارٍ.

فَالْحَاصِلُ مِنْ ذَلِكَ سِتَّةُ أَشْيَاءَ: الْعَدْوَى، وَالطِّيَرَةُ، وَالْهَامَةُ، وَالصَّفَرُ، وَالْغُولُ، وَالنَّوْءُ.

وَالْأَرْبَعَةُ الْأُوَلُ قَدْ أَفْرَدَ الْبُخَارِيُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا تَرْجَمَةً، فَنَذْكُرُ شَرْحَهَا فِيهِ، وَأَمَّا الْغُولُ فَقَالَ الْجُمْهُورُ: كَانَتِ الْعَرَبُ تَزْعُمُ أَنَّ الْغِيلَانَ فِي الْفَلَوَاتِ، وَهِيَ جِنْسٌ مِنَ الشَّيَاطِينِ تَتَرَاءَى لِلنَّاسِ وَتَتَغَوَّلُ لَهُمْ تَغَوُّلًا، أَيْ: تَتَلَوَّنُ تَلَوُّنًا فَتُضِلُّهُمْ عَنِ الطَّرِيقِ، فَتُهْلِكُهُمْ، وَقَدْ كَثُرَ فِي كَلَامِهِمْ: غَالَتْهُ الْغُولُ، أَيْ أَهْلَكَتْهُ، أَو أَضَلَّتْهُ، فَأَبْطَلَ ﷺ ذَلِكَ.

وَقِيلَ: لَيْسَ الْمُرَادُ إِبْطَالُ وُجُودِ الْغِيلَانِ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ إِبْطَالُ مَا كَانَتِ الْعَرَبُ تَزْعُمُهُ مِنْ تَلَوُّنِ الْغُولِ بِالصُّوَرِ الْمُخْتَلِفَةِ، قَالُوا: وَالْمَعْنَى لَا يَسْتَطِيعُ الْغُولُ أَنْ يُضِلَّ أَحَدًا، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ إِذَا تَغَوَّلَتِ الْغِيلَانُ فَنَادُوا بِالْأَذَانِ أَيِ ادْفَعُوا شَرَّهَا بِذَكَرِ اللَّهِ.

وَفِي حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ عِنْدَ قَوْلِهِ: كَانَتْ لِي سَهْوَةٌ فِيهَا تَمْرٌ، فَكَانَتِ الْغُولُ تَجِيءُ فَتَأْكُلُ مِنْهُ .. الْحَدِيثَ.

وَأَمَّا النَّوْءُ: فَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهِ فِي كِتَابِ الِاسْتِسْقَاءِ، وَكَانُوا يَقُولُونَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا، فَأَبْطَلَ ﷺ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمَطَرَ إِنَّمَا يَقَعُ بِإِذْنِ اللَّهِ، لَا بِفِعْلِ الْكَوَاكِبِ، وَإِنْ كَانَتِ الْعَادَةُ جَرَتْ بِوُقُوعِ الْمَطَرِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، لَكِنْ بِإِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَقْدِيرِهِ، لَا صُنْعَ لِلْكَوَاكِبِ فِي ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ وَفِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الْأَسَدِ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ فِي الطِّبِّ، لَكِنَّهُ مَعْلُولٌ، وَأَخْرَجَ ابنُ خُزَيْمَةَ فِي كِتَابِ التَّوَكُّلِ لَهُ شَاهِدًا مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَلَفْظُهُ: لَا عَدْوَى، وَإِذَا رَأَيْتَ الْمَجْذُومَ فَفِرَّ مِنْهُ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الْأَسَدِ.

وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ الثَّقَفِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ رَجُلٌ مَجْذُومٌ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَنَّا قَدْ بَايَعْنَاكَ فَارْجِعْ.

قَالَ عِيَاضٌ: اخْتَلَفَتِ الْآثَارُ فِي الْمَجْذُومِ؛ فَجَاءَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺأَكَلَ مَعَ مَجْذُومٍ وَقَالَ: ثِقَةً بِاللَّهِ، وَتَوَكُّلًا عَلَيْهِ، قَالَ: فَذَهَبَ عُمَرُ وَجَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ إِلَى الْأَكْلِ مَعَهُ، وَرَأَوْا أَنَّ الْأَمْرَ بِاجْتِنَابِهِ مَنْسُوخٌ، وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، قَالَ: وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ وَيَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ أَنْ لَا نَسْخَ، بَلْ يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ، وَحَمْلُ الْأَمْرِ بِاجْتِنَابِهِ وَالْفِرَارُ مِنْهُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَالِاحْتِيَاطِ، وَالْأَكْلُ مَعَهُ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ. اهـ.

هَكَذَا اقْتَصَرَ الْقَاضِي وَمَنْ تَبِعَهُ عَلَى حِكَايَةِ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ، وَحَكَى غَيْرُهُ قَوْلًا ثَالِثًا وَهُوَ التَّرْجِيحُ، وَقَدْ سَلَكَهُ فَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا سَلَكَ تَرْجِيحَ الْأَخْبَارِ الدَّالَّةِ عَلَى نَفْيِ الْعَدْوَى وَتَزْيِيفِ الْأَخْبَارِ الدَّالَّةِ عَلَى عَكْسِ ذَلِكَ، مِثْلِ: حَدِيثِ الْبَابِ، فَأَعَلُّوهُ بِالشُّذُوذِ، وَبِأَنَّ عَائِشَةَ أَنْكَرَتْ ذَلِكَ، فَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ عَنْهَا: أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْهَا عَنْهُ، فَقَالَتْ: مَا قَالَ ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ قَالَ: لَا عَدْوَى، وَقَالَ: فَمَنْ أَعْدَى الْأَوَّلَ، قَالَتْ: وَكَانَ لِي مَوْلًى بِهِ هَذَا الدَّاءُ، فَكَانَ يَأْكُلُ فِي صِحَافِي، وَيَشْرَبُ فِي أَقْدَاحِي، وَيَنَامُ عَلَى فِرَاشِي، وَبِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ تَرَدَّدَ فِي هَذَا الْحُكْمِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ، فَيُؤْخَذُ الْحُكْمُ مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِهِ، وَبِأَنَّ الْأَخْبَارَ الْوَارِدَةَ مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِهِ فِي نَفْيِ الْعَدْوَى كَثِيرَةٌ شَهِيرَةٌ، بِخِلَافِ الْأَخْبَارِ الْمُرَخِّصَةِ فِي ذَلِكَ.

وَمِثْلُ حَدِيثِ لَا تُديموا النَّظر إِلَى المجذومين، وَقد أخرجه ابن مَاجَهْ، وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ.

وَمِثْلُ حَدِيثِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رَفَعَهُ: كَلِّمِ الْمَجْذُومَ وَبَيْنَكَ وَبَيْنَهُ قَيْدُ رُمْحَيْنِ أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الطِّبِّ بِسَنَدٍ وَاهٍ.

وَمِثْلُ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِمُعَيْقِيبٍ: اجْلِسْ مِنِّي قَيْدَ رُمْحٍ، وَمِنْ طَرِيقِ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ: كَانَ عُمَرُ يَقُولُ نَحْوَهُ، وَهُمَا أَثَرَانِ مُنْقَطِعَانِ.

وَأَمَّا حَدِيثُ الشَّرِيدِ الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فَلَيْسَ صَرِيحًا فِي أَنَّ ذَلِكَ بِسَبَبِ الْجُذَامِ، وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ طَرِيقَ التَّرْجِيحِ لَا يُصَارُ إِلَيْهَا إِلَّا مَعَ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ، وَهُوَ مُمْكِنٌ، فَهُوَ أَوْلَى.

الْفَرِيقُ الثَّانِي سَلَكُوا فِي التَّرْجِيحِ عَكْسَ هَذَا الْمَسْلَكِ، فَرَدُّوا حَدِيثَ لَا عَدْوَى بِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَجَعَ عَنْهُ.

الشيخ: يكفي، المقصود أنَّ الأرجح في هذا عند أهل العلم أنَّ أحاديث العدوى ثابتة، وأحاديث اتِّقاء الجذام ونحوه ثابتة، كلها ثابتة، هذه وهذه، وكلها أحاديث صحيحة، ومن هذا الباب: لا يُورد ممرض على مصحٍّ، وهو صحيح، رواه مسلم وغيره، فهي أحاديث صحيحة، ..... ﷺ حين قال: لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر، ولا نوء، ولا غول، هذا لإبطال ما عليه الجاهلية من اعتقادهم بأنها تُؤثر بنفسها، وأن لها تصرُّفًا، وأنها تعدي بطبعها من الأمراض والجذام ونحو ذلك، فأبطل النبي ﷺ هذا .....، وأن الأمر بيده ، وهو المتصرف في عباده كيف يشاء، فإذا شاء ابتلى عبدَه بشيءٍ من هذه الأمراض، وإذا شاء سلَّمه من ذلك وإنْ خالط هذه الأشياء.

وحملوا أحاديث لا يُورد ممرضٌ على مصحٍّ على الاستحباب، وأنه يُستحب أن يتَّقي أسباب الأمراض، وأسباب الشر، فلا يُورد صاحبُ الإبل المِراض على صاحب الإبل الصحاح، وليكن لهذه وِرد، ولهذه وِرد، ولا يُخالط المجذومين وأشباههم، ولا يجعل الصحيحة مع الجرباء، بل يعزل هذه عن هذه، وهذا هو المعتمد من باب الأخذ بالأسباب، مع العلم بأن الله مسبب الأمور، فقد يُبتلى هذا وإنْ ما خالط مثلما قال: فمَن أعدى الأول، قد تُصاب بجربٍ وهي ما خالطت جربًا، ولكن أراد الله ذلك.

فالأخذ بأسباب العافية من الأمراض التي قد جرت العادةُ بأن مَن خالط يُصاب؛ هذا هو الأفضل، وإذا خالف ذلك بعض الأحيان ثقةً بالله وتوكُّلًا عليه، وبيانًا بأنَّ الأمور بيد الله، وأن الأمر باتِّقاء هذه الأمور من باب الاستحباب، كما أكل النبيُّ مع المجذوم؛ فلا بأس، تارة، وتارة.

والقاعدة أنَّ الجمع مقدم على النسخ وعلى الترجيح أيضًا، فإن القاعدة عند اختلاف الأخبار يُصار للجمع أولًا عند ثبوتها كلها، فإن تعذَّر الجمعُ صير إلى النسخ إن عُرف التاريخ، فإن لم يُعرف التاريخ ولم يمكن الجمع جاء دور الترجيح حينئذٍ، وهو الأخير، فإن اشتبه الأمرُ ولم يتضح الترجيحُ صير إلى أمر رابعٍ وهو التَّوَقُّف، كما نبَّه الحافظُ على هذا في "النخبة".

فالأمر الأول عند اختلاف الأخبار وصحّتها هو الجمع.

الثاني: عند تعذر الجمع: النسخ، عند توافر شروطه.

الثالث: عند تعذر الجمع والنسخ هو: الترجيح عند وجود الترجيح، عند استطاعة ذلك، وعند توفر ذلك.

الأمر الرابع: عند تعذر الجمع والنسخ والترجيح: التَّوَقُّف حتى يتبين الأمر.

وهذا الباب فيه الجمع واضح؛ قوله لا عدوى، ولا طيرة .. إلى آخره، يعني على طريقة أهل الجاهلية، من أنها تُعدي بطبعها، لا، بل الأمور بيد الله جلَّ وعلا، ولكن تُحمل الأحاديث الأخرى على اتِّقاء الشر، حديث فرَّ من المجذوم، وحديث ارجع فقد بايعناك، وحديث: لا يُورد ممرضٌ على مصحٍّ، كلها على التَّوقي، وأن هذا هو الأفضل، ويُستحب التَّوقي.

وما ورد من فعل هذه الأشياء -من أكله مع المجذوم ونحو ذلك- فهو من باب بيان أنَّ الأمور بيد الله، وأنها لا تُؤذي بطبعها، وأن الأمر للاستحباب.

ومن هذا الباب حديث الطاعون: إذا سمعتُم به في بلدٍ فلا تقدموا عليه، وإذا وقع وأنتم به فلا تخرجوا فرارًا منه هذا من هذا الباب.

والغول مثلما تقدم: مخبلة الجن، شياطين الجن يُقال لها: مخبلات، يعني: مَن فيه خبل من الجنِّ في عقله يُقال له: مخبل ..... شياطين الجن، يعني المردة من الجن قد تُؤذي الناس في الفلوات، وفي الصحاري، تتلوَّن لهم بألوان، وتقول العربُ: ..... الغول .. يعني: أضلوه عن الطريق، أو شوشوا عليه، تارة يكون من باب اللعب منهم والإيذاء، وتارة لأسبابٍ أخرى، فينبغي أن يتقى شرّها بذكر الله: بالأذان وأنواع الذكر عند وجودها، وهي موجودة إلى الآن، قد يكون الرجلُ قويًّا وعنده تحصُّن بذكر الله، فلا يُبالي بها، وقد يخاف منها بعضُ الناس؛ لقلة بصيرته، أو لضعف إيمانه، أو لعدم علمه بهذه الأمور، قد يركب مع الإنسان على مطيته، قد يمشي معه، وقد يسمعه كلامًا، وهذا كله يُتَّقى بالأذكار والأذان والعوذ بكلمات الله التامات من شرِّ ما خلق، ونحو ذلك مما شرع الله جلَّ وعلا، فيزول هذا، وقد وقع للناس شيء كثير من هذا، وكانوا أهل بصيرةٍ، فلم يُبالوا بهذه الأشياء، وذهبت عنهم وتركتهم.

س: حديث: إذا تغوَّلت الغيلان صحته؟

ج: ما أعرف حاله، لكن ظاهر كلام المؤلف أنه صحيح؛ لأنه احتجّ به وسكت عنه، والذي يغلب على ظني أنه لا بأس به مثلما سكت عنه المؤلف.

بَاب المَنُّ شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ

5708- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِالمَلِكِ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ حُرَيْثٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: الكَمْأَةُ مِنَ المَنِّ، وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ.

قَالَ شُعْبَةُ: وَأَخْبَرَنِي الحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ، عَنِ الحَسَنِ العُرَنِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ. قَالَ شُعْبَةُ: لَمَّا حَدَّثَنِي بِهِ الحَكَمُ لَمْ أُنْكِرْهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِالمَلِكِ.

الشيخ: والكمأة هي المعروفة الآن، يُسميها الناس: الفقع، ويُسميها بعضُهم: الزبيدي، والله جلَّ وعلا جعل في مائها شفاء للعين على ظاهر الحديث، وقد استعمل ذلك جمٌّ غفيرٌ من الناس، وانتفعوا بذلك في جلاء البصر، وفي قوة البصر، وفي ردِّ البصر الذي قد ذهب وضعف، ذكر ذلك النووي وغيره، وهذا مما أطلع الله عليه نبيه عليه الصلاة والسلام.

س: .............؟

ج: أيش قال الشارح عليه؟ المتبادر أنها قبل أن تُشوى، هذا المتبادر، إطلاق النبي ظاهره أنها طرية.

الطالب: قَوْلُهُ (بَابٌ الْمَنّ شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ، وَفِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ: (شِفَاءٌ مِنَ الْعَيْنِ)، وَعَلَيْهَا شرح ابن بَطَّالٍ، وَيَأْتِي تَوْجِيهُهَا، وَفِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ إِشَارَةٌ إِلَى تَرْجِيحِ الْقَوْلِ الصَّائِرِ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بالمنِّ فِي حَدِيث الْبَاب الصِّنْف الْمَخْصُوص، وَمن الْمَأْكُولِ، لَا الْمَصْدَرُ الَّذِي بِمَعْنَى الِامْتِنَانِ، وَإِنَّمَا أُطْلِقَ عَلَى الْمَنِّ شِفَاءٌ لِأَنَّ الْخَبَرَ وَرَدَ أَنَّ الْكَمْأَةَ مِنْهُ، وَفِيهَا شِفَاءٌ، فَإِذَا ثَبَتَ الْوَصْفُ لِلْفَرْعِ كَانَ ثُبُوتُهُ لِلْأَصْلِ أَوْلَى.

[5708] قَوْلُهُ (عَن عبدالملك) هُوَ ابن عُمَيْرٍ، وَصَرَّحَ بِهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ –غُنْدَرٍ- وَعَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ هُوَ الْمَخْزُومِيُّ، لَهُ صُحْبَةٌ.

قَوْلُهُ (سَمِعْتُ سَعِيدَ بن زيد) أَي ابن عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ الْعَدَوِيِّ، أَحَدَ الْعَشَرَةِ، وَعُمَرُ بن الْخطَّاب بن نفَيْل ابن عَمِّ أَبِيهِ، كَذَا قَالَ عَبْدُالْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ وَمَنْ تَابَعَهُ، وَخَالَفَهُمْ عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِالْوَارِثِ عَنْهُ، فَقَالَ: عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَخْرَجَهُ مُسَدَّدٌ فِي "مُسْنده"، وابن السَّكَنِ فِي "الصَّحَابَةِ"، وَالدَّارَقُطْنِيُّ فِي "الْأَفْرَادِ"، وَقَالَ فِي "الْعِلَلِ": الصَّوَابُ رِوَايَةُ عَبْدِالْمَلِكِ، وَقَالَ ابن السَّكَنِ: أَظُنُّ عَبْدَالْوَارِثِ أَخْطَأَ فِيهِ، وَقِيلَ: كَانَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ تَزَوَّجَ أُمَّ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، وَأَرَادَ زَوْجَ أُمِّهِ مَجَازًا، فَظَنَّهُ الرَّاوِي أَبَاهُ حَقِيقَةً.

قَوْلُهُ (الْكَمْأَةُ) بِفَتْحِ الْكَافِ، وَسُكُونِ الْمِيمِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَفْتُوحَةٌ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَفِي الْعَامَّةِ مَنْ لَا يَهْمِزُهُ، وَاحِدَةُ الْكَمْءِ -بِفَتْحٍ ثُمَّ سُكُونٍ ثمَّ همزَة- مثل تَمْرَة وتمر، وَعكس ابن الْأَعْرَابِيِّ فَقَالَ: الْكَمْأَةُ الْجَمْعُ، وَالْكَمْءُ الْوَاحِدُ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ. قَالَ: وَلَمْ يَقَعْ فِي كَلَامِهِمْ نَظِيرُ هَذَا سِوَى: خَبْأَةٍ وَخَبْءٍ. وَقِيلَ: الْكَمْأَةُ قد تُطلق على الْوَاحِد وَعَلَى الْجَمْعِ، وَقَدْ جَمَعُوهَا عَلَى أَكْمُؤٍ، قَالَ الشَّاعِرُ: "وَلَقَدْ جَنَيْتُكَ أَكْمُؤًا وَعَسَاقِلَا"، وَالْعَسَاقِلُ بِمُهْمَلَتَيْنِ وَقَافٍ وَلَامٍ: الشَّرَابُ، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنَّ الْأَكْمُؤَ مَحَلُّ وِجْدَانِهَا الْفَلَوَاتُ.

وَالْكَمْأَةُ نَبَاتٌ لَا وَرَقَ لَهَا وَلَا سَاقَ، تُوجَدُ فِي الْأَرْضِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُزْرَعَ، قِيلَ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاسْتِتَارِهَا، يُقَالُ: "كَمَأَ الشَّهَادَةَ" إِذَا كَتَمَهَا، وَمَادَّةُ الكمأة من جَوْهَر أرضي بُخَاري يَحْتَقِنُ نَحْوَ سَطْحِ الْأَرْضِ بِبَرْدِ الشِّتَاءِ، وَيُنَمِّيهِ مَطَرُ الرَّبِيعِ، فَيَتَوَلَّدُ وَيَنْدَفِعُ مُتَجَسِّدًا، وَلِذَلِكَ كَانَ بَعْضُ الْعَرَبِ يُسَمِّيهَا: جُدَرِيَّ الْأَرْضِ؛ تَشْبِيهًا لَهَا بِالْجُدَرِيِّ مَادَّةً وَصُورَةً؛ لِأَنَّ مَادَّتَهُ رُطُوبَةٌ دَمَوِيَّةٌ تَنْدَفِعُ غَالِبًا عِنْدَ التَّرَعْرُعِ وَفِي ابْتِدَاءِ اسْتِيلَاءِ الْحَرَارَةِ وَنَمَاءِ الْقُوَّةِ، وَمُشَابَهَتُهَا لَهُ فِي الصُّورَةِ ظَاهِرٌ.

وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالُوا: الْكَمْأَةُ جُدَرِيُّ الْأَرْضِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: الْكَمْأَةُ مِنَ الْمَنِّ الْحَدِيثَ.

وَلِلطَّبَرِيِّ مِنْ طَرِيقِ ابن الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَثُرَتِ الْكَمْأَةُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَامْتَنَعَ قَوْمٌ مِنْ أَكْلِهَا وَقَالُوا: هِيَ جُدَرِيُّ الْأَرْضِ، فَبَلَغَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنَّ الْكَمْأَةَ لَيْسَتْ مِنْ جُدَرِيِّ الْأَرْضِ، أَلَا إِنَّ الْكَمْأَةَ مِنَ الْمَنِّ.

وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْكَمْأَةَ أَيْضًا: بَنَاتَ الرَّعْدِ؛ لِأَنَّهَا تَكْثُرُ بِكَثْرَتِهِ، ثُمَّ تَنْفَطِرُ عَنْهَا الْأَرْضُ، وَهِيَ كَثِيرَةٌ بِأَرْضِ الْعَرَبِ، وَتُوجَدُ بِالشَّامِ وَمِصْرَ، فَأَجْوَدهَا مَا كَانَتْ أَرْضُهُ رَمْلَةً قَلِيلَةَ الْمَاءِ، وَمِنْهَا صِنْفٌ قَتَّالٌ يَضْرِبُ لَوْنُهُ إِلَى الْحُمْرَةِ، وَهِيَ بَارِدَةٌ رَطْبَةٌ فِي الثَّانِيَةِ، رَدِيئَةٌ لِلْمَعِدَةِ، بَطِيئَةُ الْهَضْمِ، وَإِدْمَانُ أَكْلِهَا يُورِثُ الْقُولَنْجَ وَالسَّكْتَةَ وَالْفَالِجَ وَعُسْرَ الْبَوْلِ، وَالرَّطْبُ مِنْهَا أَقَلُّ ضَرَرًا مِنَ الْيَابِسِ، وَإِذَا دُفِنَتْ فِي الطِّينِ الرَّطْبِ ثُمَّ سُلِقَتْ بِالْمَاءِ وَالْمِلْحِ وَالسَّعْتَرِ وَأُكِلَتْ بِالزَّيْتِ وَالتَّوَابِلِ الْحَارَّةِ قَلَّ ضَرَرُهَا، وَمَعَ ذَلِكَ فَفِيهَا جَوْهَرٌ مَائِيٌّ لَطِيفٌ؛ بِدَلِيلِ خِفَّتِهَا، فَلِذَلِكَ كَانَ مَاؤُهَا شِفَاءً لِلْعَيْنِ.

قَوْلُهُ (مِنَ الْمَنِّ) قِيلَ فِي الْمُرَاد بِالْمَنِّ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا مِنَ الْمَنِّ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَهُوَ الطَّلُّ الَّذِي يَسْقُطُ عَلَى الشَّجَرِ فَيُجْمَعُ وَيُؤْكَلُ حُلْوًا، وَمِنْهُ التَّرَنْجَبِينُ، فَكَأَنَّهُ شَبَّهَ بِهِ الْكَمْأَةَ بِجَامِعِ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ وُجُودِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَفْوًا بِغَيْرِ عِلَاجٍ.

قُلْتُ: وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ وَاضِحًا فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَذَكَرْتُ مَنْ زَادَ فِي مَتْنِ هَذَا الْحَدِيثِ: الْكَمْأَةُ مِنَ الْمَنِّ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهَا مِنَ الْمَنِّ الَّذِي امْتَنَّ اللَّهُ بِهِ عَلَى عِبَادِهِ عَفْوًا بِغَيْرِ عِلَاجٍ، قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَجَمَاعَةٌ.

وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهَا نَوْعٌ مِنَ الْمَنِّ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَإِنَّ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ كَالتَّرَنْجَبِينِ الَّذِي يَسْقُطُ عَلَى الشَّجَرِ، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى أَنَّ الْكَمْأَةَ شَيْءٌ يَنْبُتُ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ بِبَذْرٍ وَلَا سَقْيٍ، فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الْمَنِّ الَّذِي كَانَ يَنْزِلُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فَيَقَعُ عَلَى الشَّجَرِ فَيَتَنَاوَلُونَهُ.

ثُمَّ أَشَارَ إِلَى أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ أَنْوَاعًا: مِنْهَا مَا يَسْقُطُ عَلَى الشَّجَرِ، وَمِنْهَا مَا يَخْرُجُ مِنَ الْأَرْضِ، فَتَكُونُ الْكَمْأَةُ مِنْهُ، وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الثَّالِثُ، وَبِهِ جَزَمَ الْمُوَفَّقُ عَبْدُاللَّطِيفِ الْبَغْدَادِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ، فَقَالُوا: إِنَّ الْمَنَّ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ لَيْسَ هُوَ مَا يَسْقُطُ عَلَى الشَّجَرِ فَقَطْ، بَلْ كَانَ أَنْوَاعًا مِنَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، بِهَا مِنَ النَّبَاتِ الَّذِي يُوجَدُ عَفْوًا، وَمِنَ الطَّيْرِ الَّتِي تَسْقُطُ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ اصْطِيَادٍ، وَمِنَ الطَّلِّ الَّذِي يَسْقُطُ عَلَى الشَّجَرِ.

وَالْمَنُّ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ، أَيْ: مَمْنُونٌ بِهِ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ فِيهِ شَائِبَةُ كَسْبٍ كَانَ مَنًّا مَحْضًا، وَإِنْ كَانَتْ جَمِيعُ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عَبِيدِهِ مَنًّا مِنْهُ عَلَيْهِمْ، لَكِنْ خُصَّ هَذَا بِاسْمِ الْمَنِّ لِكَوْنِهِ لَا صُنْعَ فِيهِ لِأَحَدٍ، فَجَعَلَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قوتهم فِي التيه الْكَمْأَةَ، وَهِيَ تَقُومُ مَقَامَ الْخُبْزِ، وَأُدمُهُمُ السَّلْوَى، وَهِيَ تَقُومُ مَقَامَ اللَّحْمِ، وَحَلْوَاهُمُ الطَّلُّ الَّذِي يَنْزِلُ عَلَى الشَّجَرِ، فَكَمَّلَ بِذَلِكَ عَيْشَهُمْ، وَيُشِيرُ إِلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ ﷺ: مِنَ الْمَنِّ، فَأَشَارَ إِلَى أَنَّهَا فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِهِ، فَالتَّرَنْجَبِينُ كَذَلِكَ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ الْمَنِّ، وَإِنْ غَلَبَ اسْتِعْمَالُ الْمَنِّ عَلَيْهِ عُرْفًا. اهـ.

وَلَا يُعَكِّرُ عَلَى هَذَا قَوْلُهُمْ: لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ [البقرة:61]؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَحْدَةِ دَوَامُ الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ غَيْرِ تَبَدُّلٍ، وَذَلِكَ يَصْدُقُ عَلَى مَا إِذَا كَانَ الْمَطْعُومُ أَصْنَافًا، لَكِنَّهَا لَا تَتَبَدَّلُ أَعْيَانُهَا.

قَوْلُهُ: وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ كَذَا لِلْأَكْثَرِ، وَكَذَا عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَفِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي: مِنَ الْعَيْنِ أَيْ شِفَاءٌ مِنْ دَاءِ الْعَيْنِ.

قَالَ الْخَطَّابِيُّ: إِنَّمَا اخْتَصَّتِ الْكَمْأَةُ بِهَذِهِ الْفَضِيلَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنَ الْحَلَالِ الْمَحْضِ الَّذِي لَيْسَ فِي اكْتِسَابِهِ شُبْهَةٌ، وَيُسْتَنْبَطُ مِنْهُ أَنَّ اسْتِعْمَالَ الْحَلَالِ الْمَحْضِ يَجْلُو الْبَصَر، وَالْعَكْس بِالْعَكْسِ.

قَالَ ابنُ الْجَوْزِيِّ: فِي الْمُرَادِ بِكَوْنِهَا شِفَاءً لِلْعَيْنِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَاؤُهَا حَقِيقَةً، إِلَّا أَنَّ أَصْحَابَ هَذَا الْقَوْلِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ صِرْفًا فِي الْعَيْنِ، لَكِنِ اخْتَلَفُوا كَيْفَ يُصْنَعُ بِهِ عَلَى رَأْيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يُخْلَطُ فِي الْأَدْوِيَةِ الَّتِي يُكْتَحَلُ بِهَا، حَكَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ، قَالَ: وَيُصَدِّقُ هَذَا الَّذِي حَكَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ أَنَّ بَعْضَ الْأَطِبَّاءِ قَالُوا: أَكْلُ الْكَمْأَةِ يَجْلُو الْبَصَرَ، ثَانِيهمَا: أَنْ تُؤْخَذَ فَتُشَقُّ وَتُوضَعُ عَلَى الْجَمْرِ حَتَّى يَغْلِيَ مَاؤُهَا، ثُمَّ يُؤْخَذُ الْمِيلُ فَيُجْعَلُ فِي ذَلِكَ الشِّقِّ وَهُوَ فَاتِرٌ فَيُكْتَحَلُ بِمَائِهَا؛ لِأَنَّ النَّارَ تُلَطِّفُهُ وَتُذْهِبُ فَضَلَاته الرَّدِيئَةَ، وَيَبْقَى النَّافِعُ مِنْهُ، وَلَا يُجْعَلُ الْمِيلُ فِي مَائِهَا وَهِيَ بَارِدَةٌ يَابِسَةٌ، فَلَا يَنْجَعُ.

وَقَدْ حَكَى إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ عَنْ صَالِحٍ وَعَبْدِاللَّهِ ابْنَيْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَل أَنَّهُمَا اشْتَكَتْ أَعْيُنُهُمَا، فَأَخَذَا كَمْأَةً وَعَصَرَاهَا وَاكْتَحَلَا بِمَائِهَا، فَهَاجَتْ أَعْيُنُهُمَا وَرَمِدَا.

قَالَ ابن الْجَوْزِيِّ: وَحَكَى شَيْخُنَا أَبُو بَكْرِ ابْنُ عَبْدِالْبَاقِي أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ عَصَرَ مَاءَ كَمْأَةٍ فَاكْتَحَلَ بِهِ فَذَهَبَتْ عَيْنُهُ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ مَاؤُهَا الَّذِي تَنْبُتُ بِهِ، فَإِنَّهُ أَوَّلُ مَطَرٍ يَقَعُ فِي الْأَرْضِ، فَتُرَبَّى بِهِ الْأَكْحَالُ، حَكَاهُ ابن الْجَوْزِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ ابْنِ عَبْدِالْبَاقِي أَيْضًا، فَتَكُونُ الْإِضَافَةُ إِضَافَةَ الْكُلِّ لَا إِضَافَةَ جُزْءٍ.

قَالَ ابن الْقَيِّمِ: وَهَذَا أَضْعَفُ الْوُجُوهِ.

قُلْتُ: وَفِيمَا ادَّعَاهُ ابن الْجَوْزِيِّ مِن الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهَا لَا تُسْتَعْمَلُ صِرْفًا نَظَرٌ، فَقَدْ حَكَى عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الطِّبِّ فِي التَّدَاوِي بِمَاءِ الْكَمْأَةِ تَفْصِيلًا، وَهُوَ إِنْ كَانَ لِتَبْرِيدِ مَا يَكُونُ بِالْعَيْنِ مِنَ الْحَرَارَةِ فَتُسْتَعْمَلُ مُفْرَدَةً، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ ذَلِك فتُستعمل مُركبةً، وَبِهَذَا جزم ابن الْعَرَبِيِّ فَقَالَ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَنْفَعُ بِصُورَتِهِ فِي حَالٍ، وَبِإِضَافَتِهِ فِي أُخْرَى، وَقَدْ جُرِّبَ ذَلِكَ فَوُجِدَ صَحِيحًا، نَعَمْ جَزَمَ الْخَطَّابِيُّ بِمَا قَالَ ابنُ الْجَوْزِيِّ فَقَالَ: تُرَبَّى بِهَا التُّوتِيَاءُ وَغَيْرُهَا مِنَ الْأَكْحَالِ، قَالَ: وَلَا تُسْتَعْمَلُ صِرْفًا، فَإِنَّ ذَلِكَ يُؤْذِي الْعَيْنَ.

وَقَالَ الْغَافِقِيُّ فِي "الْمُفْرَدَاتِ": مَاءُ الْكَمْأَةِ أَصْلَحُ الْأَدْوِيَةِ لِلْعَيْنِ، إِذَا عُجِنَ بِهِ الْإِثْمِدُ وَاكْتُحِلَ بِهِ فَإِنَّهُ يُقَوِّي الْجَفْنَ، وَيَزِيدُ الرُّوحَ الْبَاصِرَ حِدَّةً وَقُوَّةً، وَيَدْفَعُ عَنْهَا النَّوَازِلَ.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الصَّوَابُ أَنَّ مَاءَهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ مُطْلَقًا، فَيُعْصَرُ مَاؤُهَا وَيُجْعَلُ فِي الْعَيْنِ مِنْهُ، قَالَ: وَقَدْ رَأَيْتُ أَنَا وَغَيْرِي فِي زَمَانِنَا مَنْ كَانَ عَمِيَ وَذَهَبَ بَصَرُهُ حَقِيقَةً، فَكَحَّلَ عَيْنَهُ بِمَاءِ الْكَمْأَةِ مُجَرَّدًا فَشُفِيَ وَعَادَ إِلَيْهِ بَصَرُهُ، وَهُوَ الشَّيْخُ الْعَدْلُ الْأَمِينُ الْكَمَالُ ابْنُ عَبْدٍ الدِّمَشْقِيُّ، صَاحِبُ صَلَاحٍ وَرِوَايَةٍ فِي الْحَدِيثِ، وَكَانَ اسْتِعْمَالُهُ لِمَاءِ الْكَمْأَةِ اعْتِقَادًا فِي الْحَدِيثِ وَتَبَرُّكًا بِهِ، فَنَفَعَهُ اللَّهُ بِهِ.

قُلْتُ: الْكَمَالُ الْمَذْكُورُ هُوَ كَمَالُ الدِّينِ ابْنُ عَبْدِالْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِالْمُنْعِمِ بْنِ الْخَضِرِ، يُعْرَفُ بِابْنِ عَبْدٍ -بِغَيْرِ إِضَافَةٍ- الْحَارِثِيّ الدِّمَشْقِيّ، مِنْ أَصْحَابِ أَبِي طَاهِرٍ الْخُشُوعِيِّ، سَمِعَ مِنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْ شُيُوخِ شُيُوخِنَا، عَاشَ ثَلَاثًا وَثَمَانِينَ سَنَةً، وَمَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ وَسِتِّمِئَةٍ، قَبْلَ النَّوَوِيِّ بِأَرْبَعِ سِنِينَ.

وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ ذَلِكَ بِمَنْ عَرَفَ مِنْ نَفْسِهِ قُوَّةَ اعْتِقَادٍ فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ وَالْعَمَلِ بِهِ، كَمَا يُشِيرُ إِلَيْهِ آخِرُ كَلَامِهِ، وَهُوَ يُنَافِي قَوْلَهُ أَوَّلًا مُطْلَقًا.

وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ فِي "جَامِعِهِ" بِسَنَدٍ صَحِيحٍ إِلَى قَتَادَةَ قَالَ: حُدِّثْتُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: أَخَذْتُ ثَلَاثَةَ أَكْمُؤٍ أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا فَعَصَرْتُهُنَّ، فَجَعَلْتُ مَاءَهُنَّ فِي قَارُورَةٍ، فَكَحَّلْتُ بِهِ جَارِيَةً لِي فبرئتْ.

وَقَالَ ابنُ الْقَيِّمِ: اعْتَرَفَ فُضَلَاءُ الْأَطِبَّاءِ أَنَّ مَاءَ الْكَمْأَةِ يجلو الْعين، مِنْهُم المسبحي وابن سِينَا وَغَيْرُهُمَا، وَالَّذِي يُزِيلُ الْإِشْكَالَ عَنْ هَذَا الِاخْتِلَافِ أَنَّ الْكَمْأَةَ وَغَيْرَهَا مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ خُلِقَتْ فِي الْأَصْلِ سَلِيمَةً مِنَ الْمَضَارِّ، ثُمَّ عَرَضَتْ لَهَا الْآفَاتُ بِأُمُورٍ أُخْرَى مِنْ مُجَاوَرَةٍ، أَوِ امْتِزَاجٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْبَابِ الَّتِي أَرَادَهَا اللَّهُ تَعَالَى، فَالْكَمْأَةُ فِي الْأَصْلِ نَافِعَةٌ؛ لِمَا اخْتَصَّتْ بِهِ مِنْ وَصْفِهَا بِأَنَّهَا مِنَ اللَّهِ، وَإِنَّمَا عَرَضَتْ لَهَا الْمَضَارُّ بِالْمُجَاوَرَةِ، وَاسْتِعْمَالُ كُلِّ مَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ بِصِدْقٍ يَنْتَفِعُ بِهِ مَنْ يَسْتَعْمِلُهُ، وَيَدْفَعُ اللَّهُ عَنْهُ الضَّرَرَ بِنِيَّتِهِ، وَالْعَكْسُ بِالْعَكْسِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الشيخ: على كل حال، مثلما تقدم، الأخذ بظاهر الحديث هو الحق مثلما قال النبيُّ ﷺ: الكمأة من المنِّ، وماؤها شفاء للعين، لكن ينبغي أن يُعتنى بالشيء الطيب منها، السليم منها، المعروف والمسمَّى: الزبيدي، وهو الشيء الطيب منها، المتّخذ من أرضٍ طيبة، أما المستخرج من أرضٍ خبيثة أو فيها ......، وفيها الأشياء الخبيثة، فلا ينبغي استعمالها، ينبغي أن يُعتنى بالشيء الطيب المستخرج من أرضٍ طيبةٍ.

بَاب اللَّدُودِ

5709- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِاللَّهِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ عُبَيْدِاللَّهِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ : أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَبَّلَ النَّبِيَّ ﷺ وَهُوَ مَيِّتٌ.

5712- قَالَ: وَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَدَدْنَاهُ فِي مَرَضِهِ، فَجَعَلَ يُشِيرُ إِلَيْنَا: أَنْ لا تَلُدُّونِي، فَقُلْنَا: كَرَاهِيَة المَرِيضِ لِلدَّوَاءِ، فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ: أَلَمْ أَنْهَكُمْ أَنْ تَلُدُّونِي؟! قُلْنَا: كَرَاهِيَةَ المَرِيضِ لِلدَّوَاءِ، فَقَالَ: لا يَبْقَى فِي البَيْتِ أَحَدٌ إِلَّا لُدَّ وَأَنَا أَنْظُرُ، إِلَّا العَبَّاسَ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَشْهَدْكُمْ.

الشيخ: واللدود دواء سُقِيَه، اجتهدوا فيه وظنُّوا أنه نافعٌ ومفيدٌ، وهو يُدخَل من جانب الفم، ولهذا يقال:..... أي: جانبي الوادي، والرسول ﷺ ما رضي بهذا اللدود، وظنوا أنه من أجل كراهية الدواء من شدة المرض، ولهذا أمر بالقصاص.

وهذا فيه فوائد: منها أنه لا ينبغي إكراه المريض الذي عقله معه على شيءٍ يكرهه، ولو زعم الفاعلُ الإصلاح، ما دام المريض يعقل فلا يُجبر على عمليةٍ، ولا على دواءٍ، فهو أعلم بنفسه، ولأنَّ الدواء غير واجب، العلاج ما هو واجب، إنما قصاراه أنه مُستحب عند الجمهور، فلا يُجبر على شيءٍ لا يُريده.

ومنها وجوب القصاص، وأن المريض ونحوه إذا أُكره على شيءٍ فله طلب القصاص ما دام عاقلًا، ولهذا أمر النبيُّ بالقصاص وهو يُشاهد عليه الصلاة والسلام.

وكثيرٌ من الناس يقدم على أشياء تُؤذي المريض وتضرّ المريض من اجتهادٍ من أوليائه، وهو غلط، ما دام المريضُ يعقل، أما إذا كان ما يعقل فهذا يرجع إلى اجتهاد أوليائه مع الطبيب، فإنهم ينظرون الأصلح ويتشاورون مع الطبيب فيما هو أصلح من عمليةٍ وغيرها، أما ما دام المريض يعقل ويفهم ويقول: ما لي حاجة لهذا الدواء، أو لا أرغب بالذهاب إلى المستشفى، أو لا أرغب بإجراء عملية، دعوني؛ فإنه لا يُجبر.

س: وجوب القصاص؟

ج: نعم، يجب القصاص، إلا أن يعفو صاحبُ الحقِّ، أيش قال على اللّدود؟

س: إذا أكرهوا المريضَ وهو كاره للعلاج؟

ج: على كل حالٍ يأثمون.

الطالب: قَوْلُهُ (بَابُ اللَّدُودِ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَبِمُهْمَلَتَيْنِ، هُوَ الدَّوَاءُ الَّذِي يُصَبُّ فِي أَحَدِ جَانِبَيْ فَمِ الْمَرِيضِ، وَاللُّدُودُ بِالضَّمِّ الْفِعْلُ، وَلَدَدْتَ الْمَرِيضَ: فَعَلْتَ ذَلِك بِهِ، وَتقدم شرح الحَدِيث الأول مُسْتَوْفًى فِي بَابِ وَفَاةِ النَّبِيِّ ﷺ، وَبَيَانُ مَا لَدُّوهُ ﷺ بِهِ، وَبَيَانُ مَنْ عُرِفَ اسْمُهُ مِمَّنْ كَانَ فِي الْبَيْتِ وَلُدَّ لِأَمْرِهِ ﷺ بِذَلِكَ، فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ.

الشيخ: العيني تكلم على الشيء الذي لُدَّ به؟

الطالب: ما تكلم.

الشيخ: نعم، لا بأس.

س: إذا كان طلبُ القصاص ربما يُصيب الصحيح مثلًا بمرضٍ بسبب شرب هذا الدواء؟

ج: هذا محل نظر، هذا ينظر فيه؛ إذا كانوا فعلوا شيئًا للمريض قد يُناسبه، ولكنه أبى وطالب القصاص، وهو يضرُّ بالصحيح؛ فهذا لا يُوافق عليه؛ لأنه حينئذٍ طلب القصاص بما يضرُّ.

س: إذا كان الدكتور ماهرًا ومات في العملية؟

ج: ما يضرُّ، ما عليه شيء، ما يضمن إذا كان من أهل الطبِّ معروف ما يضمن.

5713- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِاللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي عُبَيْدُاللَّهِ بْنُ عَبْدِاللَّهِ، عَنْ أُمِّ قَيْسٍ قَالَتْ: دَخَلْتُ بِابْنٍ لِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَقَدْ أَعْلَقْتُ عَلَيْهِ مِنَ العُذْرَةِ، فَقَالَ: عَلَى مَا تَدْغَرْنَ أَوْلادَكُنَّ بِهَذَا العِلاقِ؟! عَلَيْكُنَّ بِهَذَا العُودِ الهِنْدِيِّ؛ فَإِنَّ فِيهِ سَبْعَةَ أَشْفِيَةٍ، مِنْهَا ذَاتُ الجَنْبِ، يُسْعَطُ مِنَ العُذْرَةِ، وَيُلَدُّ مِنْ ذَاتِ الجَنْبِ، فَسَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ: بَيَّنَ لَنَا اثْنَيْنِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ لَنَا خَمْسَةً، قُلْتُ لِسُفْيَانَ: فَإِنَّ مَعْمَرًا يَقُولُ: أَعْلَقْتُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: لَمْ يَحْفَظْ، إِنَّمَا قَالَ: أَعْلَقْتُ عَنْهُ، حَفِظْتُهُ مِنْ فِي الزُّهْرِيِّ، وَوَصَفَ سُفْيَانُ الغُلامَ يُحَنَّكُ بِالإِصْبَعِ، وَأَدْخَلَ سُفْيَانُ فِي حَنَكِهِ، إِنَّمَا يَعْنِي رَفْعَ حَنَكِهِ بِإِصْبَعِهِ، وَلَمْ يَقُلْ: أَعْلِقُوا عَنْهُ شَيْئًا.

الشيخ: وهذا كله -مثلما تقدم- يُؤيد قول الجمهور أن الدواء يُستحب ومشروع؛ لأن الرسول أمر به وقال: عليكم بهذا العود الهندي، وشرع لهم العلاج بالعذرة بالسعوط، وبالحجامة كما تقدم، وبالكي كما تقدم، فدلَّ هذا كله على شرعية العلاج.

5714- حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُاللَّهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ وَيُونُسُ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُاللَّهِ بْنُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ: أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ- قَالَتْ: لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَاشْتَدَّ وَجَعُهُ اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ فِي أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي، فَأَذِنَّ لَهُ، فَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ تَخُطُّ رِجْلاهُ فِي الأَرْضِ، بَيْنَ عَبَّاسٍ وَآخَرَ.

فَأَخْبَرْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ: هَلْ تَدْرِي مَنِ الرَّجُلُ الآخَرُ الَّذِي لَمْ تُسَمِّ عَائِشَةُ؟ قُلْتُ: لا، قَالَ: هُوَ عَلِيٌّ.

قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ بَعْدَمَا دَخَلَ بَيْتَهَا وَاشْتَدَّ بِهِ وَجَعُهُ: هَرِيقُوا عَلَيَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ لَمْ تُحْلَلْ أَوْكِيَتُهُنَّ؛ لَعَلِّي أَعْهَدُ إِلَى النَّاسِ، قَالَتْ: فَأَجْلَسْنَاهُ فِي مِخْضَبٍ لِحَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ، ثُمَّ طَفِقْنَا نَصُبُّ عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ القِرَبِ، حَتَّى جَعَلَ يُشِيرُ إِلَيْنَا: أَنْ قَدْ فَعَلْتُنَّ، قَالَتْ: وَخَرَجَ إِلَى النَّاسِ، فَصَلَّى بهم وَخَطَبَهُمْ.

الشيخ: وهذا مثلما تقدَّم كذلك يدل على شرعية العلاج واستحبابه، وأنه مما فعله المصطفى عليه الصلاة والسلام، كل هذا واضح في الأمر.

وفيه من الفوائد: أن الإنسان الذي عنده أكثر من زوجةٍ إذا مرض لا مانع أن يستأذن منهنَّ أن يكون عند واحدةٍ منهن؛ لأنها قد تكون أرفقَ به، وقد تكون أحبَّ إليه، وقد تكون لأسبابٍ أخرى أقوى على علاجه، وأقوى على الصبر على مرضه، فإذا استأذنَّ منهن وأذِنَّ صار عند واحدةٍ؛ لأن تنقله بينهن قد يشقّ عليه مع المرض، فإن لم يأذن فالقرعة مثل السفر، إن لم يأذنَّ أن يكون عند واحدةٍ لم يبقَ إلا القرعة، كما إذا أراد السفر وأراد أن يصطحب منهن إحداهنَّ أقرع، إلا أن يأذنَّ من دون قرعةٍ، ولا يخفى أن المريض يشقّ عليه التنقل بين البيتين والثلاثة والأربعة، فكيف بالتسعة؟! فلهذا استأذن أزواجه عليه الصلاة والسلام، فأذنَّ له في أن يكون عند عائشة لتمريضه عليه الصلاة والسلام.

س: بعض العلماء يقول أن أقواله ﷺ في الطبِّ راجعة للخبرة البشرية وليست لها العصمة؟

ج: الشيء الذي يجزم به مثل غيره، مثل قوله: فإنَّ فيه سبعة أشفية، هذا حقٌّ جزم به، وما يجزم به فهو وحي، والذي نقلته عن بعض الناس ليس بجيدٍ، وليس على إطلاقه، أما لو قال: قيل لي، أو لعله كذا، ولم يجزم به، أو لو فعل كذا لعله يكون كذا، ممكن هذا.

 

بَاب العُذْرَةِ

5715- حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُاللَّهِ بْنُ عَبْدِاللَّهِ: أَنَّ أُمَّ قَيْسٍ بِنْتَ مِحْصَنٍ الأَسَدِيَّةَ -أَسَدَ خُزَيْمَةَ- وَكَانَتْ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ اللَّاتِي بَايَعْنَ النَّبِيَّ ﷺ، وَهِيَ أُخْتُ عُكَاشَةَ، أَخْبَرَتْهُ: أَنَّهَا أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بِابْنٍ لَهَا قَدْ أَعْلَقَتْ عَلَيْهِ مِنَ العُذْرَةِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: عَلَى مَا تَدغرْنَ أَوْلادَكُنَّ بِهَذَا الْعِلاقِ؟! عَلَيْكُمْ بِهَذَا العُودِ الهِنْدِيِّ؛ فَإِنَّ فِيهِ سَبْعَةَ أَشْفِيَةٍ، مِنْهَا ذَاتُ الجَنْبِ يُرِيدُ الكُسْتَ، وَهُوَ العُودُ الهِنْدِيُّ، وَقَالَ يُونُسُ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاشِدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ: عَلَّقَتْ عَلَيْهِ.

 

س: تذعرن أو تدغرن، الذي عندنا بالغين؟

ج: الذي أعرف بالعين: الذعر، وهو المس القوي في آخر الحنك، ما ضبطه عندكم؟

الطالب: قَوْلُهُ تَدْغَرْنَ خِطَابٌ لِلنِّسْوَةِ، وَهُوَ بَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، وَالدَّغْرُ: غَمْزُ الْحَلْقِ.

الشيخ: فقط، ما ذكر روايةً أخرى؟ هذا ذكر الغين فقط، ما ذكر العين، الظاهر أنها رواية بالعين والغين. قوله (أعلق) تكلم على أعلق؟

الطالب: قَوْلُهُ (قَدْ أعلقت عَلَيْهِ) تقدم، قيل: بِبَابٍ، مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ بِلَفْظِ: (أَعْلَقَتْ عَنْهُ)، وَفِيهِ قُلْتُ لِسُفْيَانَ: فَإِنَّ مَعْمَرًا يَقُولُ: أَعْلَقَتْ عَلَيْهِ، قَالَ: لَمْ يُحْفَظْ، إِنَّمَا قَالَ: (أَعْلَقَتْ عَنْهُ)، حَفِظْتُهُ مِنْ فِي الزُّهْرِيِّ، وَوَقَعَ هُنَا مُعَلَّقًا مِنْ رِوَايَةِ يُونُس -وَهُوَ ابن يَزِيدَ- وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاشِدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ: (عَلَّقَتْ عَلَيْهِ) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ.

وَالصَّوَابُ (أَعْلَقَتْ)، وَالِاسْمُ الْعَلَاقُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ، وَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ الْمَاضِيَةِ: (بِهَذَا الْعَلَاقِ)، كَذَا لِلْكُشْمِيهنِيِّ، وَلِغَيْرِهِ: (الْأَعْلَاقُ).

وَرِوَايَةُ يُونُسَ الْمُعَلَّقَةُ هُنَا وَصَلَهَا أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ، وَرِوَايَةُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاشِدٍ وَصَلَهَا الْمُؤَلِّفُ فِي بَابِ ذَاتِ الْجَنْبِ، وَسَيَأْتِي قَرِيبًا، وَرِوَايَةُ مَعْمَرٍ الَّتِي سَأَلَ عَنْهَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِاللَّهِ سُفْيَانَ أَخْرَجَهَا أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِالرَّزَّاقِ عَنْهُ، لَكِنْ بِلَفْظِ: (جِئْتُ بِابْنٍ لِي قَدْ أَعْلَقَتْ عَنْهُ)، قَالَ عِيَاضٌ: وَقَعَ فِي الْبُخَارِيِّ: أَعْلَقَتْ، وَعَلَّقَتْ، وَالْعَلَاقُ وَالْإِعْلَاقُ، وَلَمْ يَقَعْ فِي مُسْلِمٍ إِلَّا أَعْلَقَتْ، وَذَكَرَ الْعَلَاقَ فِي رِوَايَةٍ، وَالْإِعْلَاقَ فِي رِوَايَةٍ، وَالْكُلُّ بِمَعْنًى جَاءَتْ بِهِ الرِّوَايَاتُ، لَكِنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ إِنَّمَا يَذْكُرُونَ أَعْلَقَتْ، وَالْإعْلَاقُ رُبَاعِيٌّ، وَتَفْسِيرُهُ غَمْزُ الْعُذْرَةِ، وَهِيَ اللَّهَاةُ بِالْأُصْبُعِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ عِنْدَ مُسْلِمٍ قَالَ: أَعْلَقَتْ غَمَزَتْ. وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: عَلَامَ أَيْ لِأَيِّ شَيْءٍ.

الشيخ: كأنَّ السياقات تقتضي أن العلاق والأعلاق شيء آخر يغمز به، كأنه شيء، يعني إما خرقة تلف وتفتل ويعلق بها.....، وكأنه فهم هذا؛ أنه رآه تغمز أو شيء، ولكن ظاهر السياقات أنه شيء يرى مع الصبي يعلق عليه، يعني يُربط في ثيابه، أو شيء كأنها...... بأصبعه وترفع بالحنك، محتمل هذا، ما تكلم على هذا؟

الطالب: يقول: غَرَضه من هَذَا الْكَلَام التَّنْبِيه على أَنَّ الأعلاق هُوَ رفع الحنك، لَا تَعْلِيق شَيْء مِنْهُ على مَا هُوَ الْمُتَبَادر إِلَى الذِّهْن، وَنعم التَّنْبِيه.

الشيخ: وأيش قال قبل هذا الكلام؟

الطالب: وَقَالَ ابْنُ بطال: الصَّحِيح "أعلقت عَنهُ"، وَقَالَ النَّوَوِيّ: "أعلقت عَنهُ" وَ"عَليهِ" لُغَتَانِ.

قَوْله: (وَوصف سُفْيَان) غَرَضه من هَذَا الْكَلَام التَّنْبِيه على أَن الإعلاق هُوَ رفع الحنك، لَا تَعْلِيق شَيْء مِنْهُ على مَا هُوَ الْمُتَبَادر إِلَى الذِّهْن، وَنعم التَّنْبِيه.

الشيخ: نعم.

س: ما العود الهندي؟

ج: المعروف الآن بالقُسط، يُسمونه: القُسط، يعرفونه الآن، يُحَك بالماء، أو بماء الورد، وتُرفع به اللهاة.

بَاب دَوَاءِ المَبْطُونِ

5716- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي المُتَوَكِّلِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: إِنَّ أَخِي اسْتَطْلَقَ بَطْنُهُ، فَقَالَ: اسْقِهِ عَسَلًا، فَسَقَاهُ، فَقَالَ: إِنِّي سَقَيْتُهُ فَلَمْ يَزِدْهُ إِلَّا اسْتِطْلاقًا، فَقَالَ: صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ. تَابَعَهُ النَّضْرُ، عَنْ شُعْبَةَ.

الشيخ: تقدَّم أنه سقاه وسقاه ثم استمسك.

س: قوله صدق الله؟

ج: في قوله: فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ [النحل:69].

 

بَاب لا صَفَرَ، وَهُوَ دَاءٌ يَأْخُذُ البَطْنَ

5717- حَدَّثَنَا عَبْدُالعَزِيزِ بْنُ عَبْدِاللَّهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ ابْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ وَغَيْرُهُ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لا عَدْوَى، وَلا صَفَرَ، وَلا هَامَةَ، فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا بَالُ إِبِلِي تَكُونُ فِي الرَّمْلِ كَأَنَّهَا الظِّبَاءُ، فَيَأْتِي البَعِيرُ الأَجْرَبُ فَيَدْخُلُ بَيْنَهَا فَيُجْرِبُهَا؟! فَقَالَ: فَمَنْ أَعْدَى الأَوَّلَ؟ رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَسِنَانِ بْنِ أَبِي سِنَانٍ.

 

الشيخ: وهذا يُبيّن لنا أن هذه الأمور التي كانت تعتقدها الجاهلية لا صحَّة لها، ولا أساس لها، بل هي باطلة، ولهذا قال ﷺ: لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر، وتقدم قوله: ولا نوء، ولا غول، فهذه الأشياء الستة كانت الجاهلية لها بها اعتقادات باطلة، فأبطلها النبيُّ ﷺ، وأنه ليس هناك عدوى بطبعها، بل كل شيء بيد الله وبتدبيره، فإذا شاء أجربها وأمرضها، وإذا شاء سلّمها، ولكن هذا لا يُنافي الابتعاد عن أسباب الشرِّ، والحرص على تجنُّب أسباب البلاء، فهذا شيء، وهذا شيء، فالنصوص تدل على أنها لا تعدي بطبعها كما تعتقد الجاهلية، وأنه قد يكون المريضُ مع الصحيح ويسلم الصحيح، وقد يكون وجود المريض مع الصحيح من أسباب هذا المرض، كما قال الأعرابي السائل، ولكن أجابه النبي بقوله: فمَن أعدى الأول؟ الذي أنزله بالأول هو الذي أنزله بالثاني.

وهكذا ولا هامة وهي الطائر الذي يُسمَّى: البومة، كانوا يزعمون أنه إذا وقع على بيت أحدهم خرب، وهذا باطلٌ لا أساسَ له.

وهكذا لا صفر قيل: داء بالبطن، كما قال المؤلف ..... تعدي، وقال قومٌ أنه الشهر المعروف (صفر)، وكل ذلك لا وجهَ له، كله لا شُؤم فيه.

وهكذا قوله لا طيرة: الطيرة باطلة، كانت الجاهلية تتطير، إذا قابلها المرئي وهو مكروه أو سمعت صوتًا مكروهًا تطيَّرت وتشاءمت، فأبطل الله ذلك.

وهكذا النوء: كانوا يتشاءمون بالأنواء، وهي النجوم، ويعتقدون فيها أشياء باطلة، فأخبر النبي ﷺ أنه ليس عندها شيء، إنما هي زينة للسماء، ورجوم للشياطين، وعلامات يُهتدى بها في البرِّ والبحر.

وهكذا الغول كما تقدم، والغول موجودة، تتغول وتُؤذي بعض الناس في الصحراء وغيرها، ولكنه ليس بأمرها، بيدها، بل الله جلَّ وعلا جعل لها ذلك التَّصرف والتَّشكل، كما أن الملائكة لها تَشَكُّل، ولهم خِلْقة خاصة، وأنواع من التشكلات بأمر الله، فهكذا ما جعل للجنِّ، فهذه الأمور بيد الله جلَّ وعلا يفعلها إذا شاء ابتلاءً وامتحانًا، ولحكمةٍ بالغةٍ.

بَاب ذَاتِ الجَنْبِ

5718- حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا عَتَّابُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُاللَّهِ بْنُ عَبْدِاللَّهِ: أَنَّ أُمَّ قَيْسٍ بِنْتَ مِحْصَنٍ -وَكَانَتْ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ اللَّاتِي بَايَعْنَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، وَهِيَ أُخْتُ عُكَّاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ- أَخْبَرَتْهُ: أَنَّهَا أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بِابْنٍ لَهَا قَدْ عَلَّقَتْ عَلَيْهِ مِنَ العُذْرَةِ، فَقَالَ: اتَّقُوا اللَّهَ، عَلَى مَا تَدغرن أَوْلادَكُمْ بِهَذِهِ الأَعْلاقِ؟ عَلَيْكُمْ بِهَذَا العُودِ الهِنْدِيِّ؛ فَإِنَّ فِيهِ سَبْعَةَ أَشْفِيَةٍ، مِنْهَا ذَاتُ الجَنْبِ يُرِيدُ الكُسْتَ، يَعْنِي القُسْطَ. قَالَ: وَهِيَ لُغَةٌ.

5719- حَدَّثَنَا عَارِمٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ قَالَ: قُرِئ عَلَى أَيُّوبَ مِنْ كُتُبِ أَبِي قِلابَةَ -مِنْهُ مَا حَدَّثَ بِهِ، وَمِنْهُ مَا قُرِئَ عَلَيْهِ، وَكَانَ هَذَا فِي الكِتَابِ- عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ وَأَنَسَ بْنَ النَّضْرِ كَوَيَاهُ، وَكَوَاهُ أَبُو طَلْحَةَ بِيَدِهِ، وَقَالَ عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِأَهْلِ بَيْتٍ مِنَ الأَنْصَارِ أَنْ يَرْقُوا مِنَ الحُمَةِ وَالأُذُنِ.

قَالَ أَنَسٌ: كُوِيتُ مِنْ ذَاتِ الجَنْبِ، وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَيٌّ، وَشَهِدَنِي أَبُو طَلْحَةَ، وَأَنَسُ بْنُ النَّضْرِ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو طَلْحَةَ كَوَانِي.

الشيخ: أيش قال عليه؟ المعروف من الحمة والعين، أيش قال على الأذن؟

الطالب: وَأما رقية الْأُذن فَقَالَ ابنُ بَطَّالٍ: الْمُرَادُ وَجَعُ الْأُذُنِ، أَيْ رَخَّصَ فِي رُقْيَةِ الْأُذُنِ إِذَا كَانَ بِهَا وَجَعٌ، وَهَذَا يَرُدُّ عَلَى الْحَصْرِ الْمَاضِي فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي بَابِ (مَنِ اكْتَوَى)، حَيْثُ قَالَ: لَا رُقْيَةَ إِلَّا مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَخَّصَ فِيهِ بَعْدَ أَنْ مَنَعَ مِنْهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: لَا رُقْيَةَ أَنْفَعُ مِنْ رُقْيَةِ الْعَيْنِ وَالْحُمَةِ، وَلَمْ يُرِدْ نَفْي الرُّقَى عَنْ غَيْرِهِمَا.

وَحَكَى الْكِرْمَانِيُّ عَنِ ابن بَطَّالٍ أَنَّهُ ضَبَطَهُ (الْأُدْرُ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا رَاءٌ، وَأَنَّهُ جَمْعُ أُدْرَةٍ، وَهِيَ نَفْخَةُ الْخُصْيَةِ، قَالَ: وَهُوَ غَرِيبٌ شَاذٌّ. انْتَهَى.

وَلم أر ذَلِك فِي كتاب ابن بَطَّالٍ فَلْيُحَرَّرْ.

الشيخ: المقصود أن قوله لا رقيةَ إلا من عينٍ أو حمةٍ أنَّ هذا ليس من باب المنع، بل من باب أنه لا رقيةَ أنفع وأوْلى من هذه الأشياء، وإلا فالرقية جائزة مطلقًا كما قال ﷺ: لا بأس بالرقى ما لم تكن شركًا، فهذه أسباب، تقدم أن الأسباب لا تُنافي التوكل، وهكذا الكي سببٌ لا يُنافي التوكل، ولهذا كوى أبو طلحة أنسًا، وأبو طلحة هو زوج أمه، وأنس بن النضر حاضر وجماعة، والنبي ﷺ قال: الشفاء في ثلاثةٍ: كية نار، وشرطة محجم، وضربة عسل الحديث، نعم.

وهذه قاعدة عند أهل السنة والجماعة: أن تعاطي الأسباب سواء ظنَّ أنها واجبة أو مُستحبَّة أو مباحة لا يُنافي التوكل، التوكل على الله واجب، والتفويض إليه، والاعتماد عليه، والإيمان بأنه مُسبِّب الأسباب، وأن كل شيء بقدرٍ، هذا أمرٌ لازم: وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [المائدة:23]، ولكنه لا يُنافي الأخذ بالأسباب، فيتوكل ويتسبَّب، كما يُروى عنه عليه الصلاة والسلام: اعقلها وتوكّل، وكما في الأحاديث الأخرى الدالة على أنواع التَّداوي، وكذلك أكلك وشربك من باب الأسباب، وهكذا اجتناب أسباب الخطر في الجهاد وغيره، وهكذا إغلاق الباب على السُرَّاق، وكذلك ما جاء في الأحاديث: أغلق بابك واذكر اسم الله، وأوك سقاءك واذكر اسم الله، وغط إناءك واذكر اسم الله، ولو أن تعرض عليه عودًا..، كل هذا من باب الأسباب.

س: اعقلها وتوكل؟

الشيخ: ....