06 من قوله: (.. وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا )

وقوله: وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [النساء:29] أي بارتكاب محارم الله، وتعاطي معاصيه، وأكل أموالكم بينكم بالباطل إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً أي فيما أمركم به، ونهاكم عنه.
وقال الإمام أحمد: حدثنا حسن بن موسى، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا يزيد بن أبي حبيب عن عمران بن أبي أنس، عن عبد الرحمن بن جبير، عن عمرو بن العاص أنه قال لما بعثه النبي ﷺ، عام ذات السلاسل، قال: احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيممت، ثم صليت بأصحابي صلاة الصبح، قال: فلما قدمنا على رسول الله ﷺ، ذكرت ذلك له، فقال «يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب» قال: قلت: يا رسول الله، إني احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فذكرت قول الله : وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا، فتيممت، ثم صليت، فضحك رسول الله ﷺ، ولم يقل شيئا، وهكذا رواه أبو داود من حديث يحيى بن أيوب عن يزيد بن أبي حبيب به، ورواه أيضًا عن محمد بن أبي سلمة، عن ابن وهب، عن ابن لهيعة، وعمر بن الحارث كلاهما عن يزيد بن أبي حبيب، عن عمران بن أبي أنس، عن عبد الرحمن بن جبير المصري، عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص عنه، فذكر نحوه، وهذا- والله أعلم- أشبه بالصواب.
الشيخ: وهذا سند صحيح عن عمرو، وهو يدل على أن شدة البرد عذر إذا لم يتيسر للمؤمن التدفئة الماء الدافئ، والمحل المصون، وخاف على نفسه من الماء البارد، فإنه يتيمم كالمعدوم كالماء المعدوم، والله يقول: وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ والآية عامة، فلا يقتل العبد نفسه كالانتحار بالسيف، أو بالبندق، أو بالسكين، أو بما تيسر ذلك، أو في بئر كل هذا لا يجوز له، ولا يقتل بعضهم بعضًا؛ لأن المؤمن كأخيه كنفس أخيه، فيدخل فيها يعني لا يقتل بعضكم بعضًا، فلا يجوز للمسلم أن يقتل أخاه، ولهذا وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ يعني لا يقتل بعضكم بعضًا، وكذلك لا يقتلها بالمعاصي؛ فإن المعاصي قتل لها، قد تودي بها إلى الهلاك، فإن المعاصي بريد الكفر كالميت، المرض بريد الموت، والمعصية بريد الكفر، وقد تجتمع عليه المعاصي حتى يهلك حتى يختم على قلبه فيطبع على قلبه.
على كل حال الآية عامة، ولهذا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا، ومثل هذا قوله تعالى: ولَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [البقرة:195].
فعلى المؤمنين أن يتراحموا، وأن يتعاطفوا، وألا يقتل بعضهم بعضًا، وعلى كل مؤمن في نفسه أن يتقي الله، ولا يقتلها لا بالمباشرة، والانتحار، ولا بالمعاصي، والسيئات، ولا بالكفر، بل يرفق بها، ويرحمها، ويتقي الله فيها حتى تكون إلى الجنة لا إلى النار.
وقال أبو بكر بن مردويه: حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن حامد البلخي، حدثنا محمد بن صالح بن سهل البلخي، حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري، حدثنا يوسف بن خالد، حدثنا زياد بن سعد عن عكرمة، عن ابن عباس أن عمرو بن العاص صلى بالناس وهو جنب، فلما قدموا على رسول الله ﷺ ذكروا ذلك له فدعاه فسأله عن ذلك، فقال: يا رسول الله، خفت أن يقتلني البرد، وقد قال الله تعالى: وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ الآية، فسكت عنه رسول الله ﷺ، ثم أورد ابن مردويه عند هذه الآية الكريمة من حديث الأعمش عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ من قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده، يجأ بها بطنه يوم القيامة في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن قتل نفسه بسم فسمه في يده، يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، وهذا الحديث ثابت في الصحيحين، وكذلك رواه أبو الزناد عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ بنحوه.الشيخ: وهذا يدل على شدة الوعيد، وعيد من قتل نفسه، وأن الواجب على المؤمن أن يحذر قتل نفسه، ولو اشتد به المرض، ولو اشتدت به الجروح يبتعد عن هذا، وليتق الله في ذلك.
أما قوله: خالدًا مخلدًا فيها أبدًا فهو عند العلماء على وجهين، أحدهما: أن هذا فيمن استحل ذلك، من استحل قتل نفسه يكون كافرًا مخلدًا في النار نعوذ بالله.
الأمر الثاني: أن هذا على العموم، ويكون هذا الخلود خلودًا مؤقتا ليس كخلود الكفار خالدًا مخلدًا فيها أبدًا يعني إلى النهاية التي حدها الله، بخلاف خلود الكفار، فإن خلودهم مستمر لا يخرج منها أبدًا، أما العاصي فيخلد خلود يليق به له نهاية له منتهى، مثل ما قال في الزاني، وقاتل النفس في آية الفرقان: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ ولَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ولَا يَزْنُونَ ومَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ۝ يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ويَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا [الفرقان:68-69] هذا الخلود يكون له نهاية في حق القاتل، وفي حق الزاني، أما في حق المشرك فهو خلود أبدي، نسأل الله العافية.
س: ذكر عن الأعمش أنه قال: خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، وهذا مخالف للآية.
الشيخ: هذا الخلود له نهاية، أو محمول على من استحل ذلك، نسأل الله العافية.
وعن أبي قلابة عن ثابت بن الضحاك ، قال: قال رسول الله ﷺ: من قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة، وقد أخرجه الجماعة في كتبهم من طريق أبي قلابة.
وفي الصحيحين من حديث الحسن عن جندب بن عبد الله البجلي، قال: قال رسول الله ﷺ: كان رجل ممن كان قبلكم، وكان به جرح فأخذ سكينا نحر بها يده، فما رقأ الدم حتى مات، قال الله : عبدي بادرني بنفسه، حرمت عليه الجنة.
ولهذا قال تعالى: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا أي، ومن تعاطى ما نهاه الله عنه معتديًا فيه ظالمًا في تعاطيه، أي عالمًا بتحريمه، متجاسرًا على انتهاكه فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا الآية، وهذا تهديد شديد، ووعيد أكيد، فليحذر منه كل عاقل لبيب ممن ألقى السمع، وهو شهيد.
وقوله تعالى: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ الآية، أي إذا اجتنبتم كبائر الآثام التي نهيتم عنها، كفرنا عنكم صغائر الذنوب، وأدخلناكم الجنة، ولهذا قال: وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا [النساء:31].
وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا مؤمل بن هشام، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، حدثنا خالد بن أيوب عن معاوية بن قرة، عن أنس رفعه، قال: لم نر مثل الذي بلغنا عن ربنا ، ثم لم نخرج له عن كل أهل ومال أن تجاوز لنا عما دون الكبائر، يقول الله: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [النساء:31].
وقد وردت أحاديث متعلقة بهذه الآية الكريمة، فلنذكر منها ما تيسر.
قال الإمام أحمد: حدثنا هشيم عن مغيرة عن أبي معشر، عن إبراهيم، عن قرثع الضبي، عن سلمان الفارسي، قال: قال لي النبي ﷺ: أتدري ما يوم الجمعة؟ قلت: هو اليوم الذي جمع الله فيه أباكم، قال: لكن أدري ما يوم الجمعة، لا يتطهر الرجل فيحسن طهوره، ثم يأتي الجمعة فينصت حتى يقضي الإمام صلاته إلا كان كفارة له ما بينها، وبين الجمعة المقبلة ما اجتنبت المقتلة.
الشيخ: المقتلة هي الكبيرة، مثل ما جاء في حديث عثمان في الوضوء من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين، غفر له ما تقدم من ذنبه ما اجتنبت المقتلة يعني ما دام مجتنبًا كبائر الذنوب.
وقد روى البخاري من وجه آخر عن سلمان نحوه.
وقال أبو جعفر بن جرير: حدثني المثنى، حدثنا أبو صالح، حدثنا الليث، حدثني خالد عن سعيد بن أبي هلال، عن نعيم المجمر، أخبرني صهيب مولى العتواري، أنه سمع أبا هريرة، وأبا سعيد يقولان: خطبنا رسول الله ﷺ يومًا، فقال: والذي نفسي بيده ثلاث مرات، ثم أكب فأكب كل رجل منا يبكي لا ندري ماذا حلف عليه، ثم رفع رأسه، وفي وجهه البشر، فكان أحب إلينا من حمر النعم، فقال: ما من عبد يصلي الصلوات الخمس، ويصوم رمضان، ويخرج الزكاة، ويجتنب الكبائر السبع، إلا فتحت له أبواب الجنة، ثم قيل له: ادخل بسلام، وهكذا رواه النسائي، والحاكم في مستدركه من حديث الليث بن سعد به، ورواه الحاكم أيضًا، وابن حبان في صحيحه من حديث عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال به، ثم قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.
الشيخ: والسبع قوله: اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقتل المحصنات الغافلات.
شف عندك قرثع.
الطالب: قرثع بمثلثة، وزن أحمد الضبي الكوفي صدوق من الثانية مخضرم قتل في زمن عثمان قاله الخطيب د تم س ق.
الشيخ: هذا هو قرثع.
الشيخ: صهيب، أو الصواري؟
الطالب: صهيب مولى العتواري بمهملة، ومثناة ساكنة، تفرد نعيم المجمر بالرواية عنه، ووهم من قال غير ذلك، مقبول من الرابعة س.
الشيخ: صلح العتواري صهيب العتواري بدل الصواري.
مرثع عندك، أجعلها قرثع بالقاف.
وهذه الرواية فيها نكارة؛ لأن صهيب هذا مقبول، وليس من المشهورين بالرواية، والثقة. ولكن كلمة فيها كناية مطلقة، والكبائر لا تنحصر بسبع، كما قال ابن عباس: بل هي إلى سبعين أقرب منها إلى سبع.
[تفسير هذه السبع]، وذلك بما ثبت في الصحيحين من حديث سليمان بن بلال عن ثور بن زيد، عن سالم أبي الغيث، عن أبي هريرة، أن رسول الله ﷺ قال: اجتنبوا السبع الموبقات.
قيل: يا رسول الله، وما هن؟ قال: الشرك بالله، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، والسحر، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات.

الشيخ: وهذه السبع من أقبح الكبائر، ومن أخبث الخبائث يقول ﷺ: اجتنبوا السبع الموبقات يعني ابتعدوا عنها، احذروها، وهو أبلغ من اتركوا كما قال جل وعلا: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ، واجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ [الحج:30]، وقوله ﷺ: اجتنبوا السبع الموبقات يعني ابتعدوا عنها، واحذروها، وسميت موبقات لأنها مهلكة، الموبقة المهلكة، نعوذ بالله.
ثم فسرها بقوله ﷺ: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات كلها، والعياذ بالله من أقبح الذنوب، وأعظمها الشرك بالله، وهو صرف العبادة لغير الله، أو بعضها، مثل: دعاء الأموات، والاستغاثة بالأموات، والنذر للأموات، والذبح للأموات، أو للأصنام، أو للكواكب كالشمس، والقمر، أو للجن، هذه أعظم، وهي الشرك بالله جل وعلا، الذي قال فيه سبحانه: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ[لقمان:13]، وقال فيه سبحانه: ولَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:88].
ثم السحر، ويكون من الشرك؛ لأن السحر يكون بعبادة الجن، وبخدمة الجن، ودعائهم، والاستغاثة بهم، فهو محرم، فلا يجوز تعلمه، ولا تعليمه، بل هو من جملة الكفر، وفي الحديث المشهور: ومن سحر فقد أشرك، ويقول سبحانه: وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ [البقرة:102]، ويقول جل، وعلا: ولَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ يعني السحر مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ولَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ۝ وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا واتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [البقرة:102، 103] فدل على أن السحر خلاف التقوى، وخلاف الإيمان.
وطريق السحر وتعلمه وتعليمه والاشتغال به يترتب عليه شرور في الدنيا الآخرة، يدخل فيه الشرك، ومضرة الناس، فإن الساحر قد يتعاطى شيئًا يقتل، أو يضر، ويتعاطى أشياء تحول بين الرجل وزوجته، وتبغضه لها، وتبغضها له، مع أشياء أخرى مما يضر في الدنيا والآخرة، نسأل الله العافية.طريق أخرى عنه: قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا فهد بن عوف، حدثنا أبو عوانة عن عمرو بن أبي سلمة، عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعًا، أن رسول الله ﷺ، قال: الكبائر سبع: أولها الإشراك بالله، ثم قتل النفس بغير حقها، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم إلى أن يكبر، والفرار من الزحف، ورمي المحصنات، والانقلاب إلى الأعراب بعد الهجرة.
فالنص على هذه السبع بأنهن كبائر لا ينفي ما عداهن؛ إلا عند من يقول بمفهوم اللقب، وهو ضعيف عند عدم القرينة، ولا سيما عند قيام الدليل بالمنطوق على عدم المفهوم، كما سنورده من الأحاديث المتضمنة من الكبائر غير هذه السبع، فمن ذلك ما رواه الحاكم في مستدركه حيث قال: حدثنا أحمد بن كامل القاضي إملاء، حدثنا أبو قلابة عبد الملك بن محمد، حدثنا معاذ بن هانئ، حدثنا حرب بن شداد، حدثنا يحيى بن أبي كثير عن عبد الحميد بن سنان، عن عبيد بن عمير، عن أبيه يعني عمير بن قتادة ، أنه حدثه، وكانت له صحبة أن رسول الله ﷺ قال في حجة الوداع: ألا إن أولياء الله المصلون من يقم الصلوات الخمس التي كتب الله عليه، ويصوم رمضان، ويحتسب صومه، يرى أنه عليه حق، ويعطي زكاة ماله يحتسبها، ويجتنب الكبائر التي نهى الله عنها، ثم إن رجلا سأله فقال: يا رسول الله، ما الكبائر؟ فقال: تسع: الشرك بالله، وقتل نفس مؤمنة بغير حق، وفرار يوم الزحف، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، وقذف المحصنة، وعقوق الوالدين المسلمين، واستحلال البيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتا، ثم قال: لا يموت رجل لا يعملل هؤلاء الكبائر، ويقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة إلا كان مع النبي ﷺ في دار مصاريعها من ذهب، هكذا رواه الحاكم مطولا، وقد أخرجه أبو داود، والترمذي مختصرا من حديث معاذ بن هانئ به. وكذا رواه ابن أبي حاتم من حديثه مبسوطا، ثم قال الحاكم: رجاله كلهم يحتج بهم في الصحيحين إلا عبد الحميد بن سنان. (قلت)، وهو حجازي لا يعرف إلا بهذا الحديث، وقد ذكره ابن حبان في كتاب الثقات. وقال البخاري: في حديثه نظر، وقد رواه ابن جرير عن سليمان بن ثابت الجحدري، عن سلم بن سلام، عن أيوب بن عتبة، عن يحيى بن أبي كثير، عن عبيد بن عمير، عن أبيه فذكره، ولم يذكر في الإسناد عبد الحميد بن سنان، والله أعلم.

الشيخ: والمعنى في هذا أن هذه من الكبائر، ولا ينفي أن هناك كبائر أخرى، وفي السند نظر، ولكن من باب التحذير والترهيب، فهناك كبائر لم تذكر في هذا الحديث كشهادة الزور، وأنها من أقبح الكبائر، كما في قوله ﷺ: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئًا فجلس، فقال: ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور هكذا اليمين الغموس من حديث عبد الله بن عمرو في الصحيح: الكبائر خمس: الشرك بالله، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وعقوق الوالدين، واليمين الغموس، وهي الإيمان الكاذبة يعني الفاجرة التي يقتطع بها مال أخيه بغير حق.
وهكذا الغيبة، والنميمة من أقبح الكبائر.
.......
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا فهد بن عوف، حدثنا أبو عوانة عن عمرو بن أبي سلمة، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله ﷺ، قال: الكبائر سبع: أولها الإشراك بالله، ثم قتل النفس بغير حقها، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم إلى أن يكبر، والفرار من الزحف، ورمي المحصنات، والانقلاب إلى الأعراب بعد الهجرة.  
فالنص على هذه السبع بأنهن كبائر، لا ينفي ما عداهن إلا عند من يقول بمفهوم اللقب، وهو ضعيف عند عدم القرينة، ولا سيما عند قيام الدليل بالمنطوق على عدم المفهوم، كما سنورده من الأحاديث المتضمنة من الكبائر غير هذه السبع.

الشيخ: انظر في التقريب فهد بن عوف.
........
فمن ذلك ما رواه الحاكم في مستدركه حيث قال: حدثنا أحمد بن كامل القاضي إملاء، حدثنا أبو قلابة عبد الملك بن محمد، حدثنا معاذ بن هانئ، حدثنا حرب بن شداد، حدثنا يحيى بن أبي كثير عن عبد الحميد بن سنان، عن عبيد بن عمير، عن أبيه يعني عمير بن قتادة .الشيخ:...... يحيى بن أبي كثير أيضًا مدلس، وقد عنعن، وعبد الحميد هذا غير معروف فيكون الحديث ضعيفًا.
حديث آخر في معنى ما تقدم: قال ابن مردويه: حدثنا عبد الله بن جعفر حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا يحيى بن عبد الحميد، حدثنا عبد العزيز بن مسلم بن الوليد، عن المطلب بن عبد الله بن حنطب، عن ابن عمرو، قال: صعد النبي ﷺ المنبر، فقال: لا أقسم، لا أقسم، ثم نزل فقال: أبشروا أبشروا، من صلى الصلوات الخمس، واجتنب الكبائر السبع، نودي من أبواب الجنة: ادخل. قال عبد العزيز: لا أعلمه إلا قال: بسلام. وقال المطلب: سمعت من سأل عبد الله بن عمرو، أسمعت رسول الله ﷺ يذكرهن؟ قال: نعم عقوق الوالدين، وإشراك بالله، وقتل النفس، وقذف المحصنات، وأكل مال اليتيم، والفراق من الزحف، وأكل الربا.
حديث آخر في معناه: قال أبو جعفر بن جرير في التفسير: حدثنا يعقوب، حدثنا ابن علية، حدثنا زياد بن مخراق عن طيسلة بن مياس، قال: كنت مع النجدات فأصبت ذنوبا لا أراها إلا من الكبائر، فلقيت ابن عمر، فقلت له: إني أصبت ذنوبا لا أراها إلا من الكبائر، قال: ما هي؟ قلت: أصبت كذا، وكذا. قال: ليس من الكبائر. قلت: وأصبت كذا، وكذا. قال ليس من الكبائر. قال- أشيء لم يسمه طيسلة- قال: هي تسع، وسأعدهن عليك الإشراك بالله، وقتل النفس بغير حقها، والفرار من الزحف، وقذف المحصنة، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم ظلما. وإلحاد في المسجد الحرام، والذي يستسخر، وبكاء الوالدين من العقوق.
قال زياد: وقال طيسلة: لما رأى ابن عمر فرقي.

الشيخ: يعني خوفي.
قال: أتخاف النار أن تدخلها؟ قلت: نعم.
قال: وتحب أن تدخل الجنة؟ قلت: نعم. قال: أحي والداك؟ قلت: عندي أمي. قال: فو الله لئن أنت ألنت لها الكلام، وأطعمتها الطعام لتدخلن الجنة ما اجتنبت الموجبات.

الطالب:..
طريق أخرى: قال ابن جرير: حدثنا سليمان بن ثابت الجحدري الواسطي، أنبأنا سلم بن سلام، حدثنا أيوب بن عتبة عن طيسلة بن علي النهدي، قال: أتيت ابن عمر، وهو في ظل أراك يوم عرفة، وهو يصب الماء على رأسه، ووجهه، قلت: أخبرني عن الكبائر؟ قال: هي تسع قلت: ما هي؟ قال: الإشراك بالله، وقذف المحصنة قال: قلت: مثل قتل النفس؟ قال: نعم، ورغما، وقتل النفس المؤمنة، والفرار من الزحف، والسحر، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، وعقوق الوالدين المسلمين، وإلحاد بالبيت الحرام قبلتكم أحياء، وأمواتا هكذا رواه من هذين الطريقين موقوفا. وقد رواه علي بن الجعد عن أيوب بن عتبة، عن طيسلة بن علي، قال: أتيت ابن عمر عشية عرفة، وهو تحت ظل أراكة، وهو يصب الماء على رأسه فسألته عن الكبائر؟ فقال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: هي سبع قال: قلت: وما هن؟ قال الإشراك بالله، وقذف المحصنة قال: قلت: قبل الدم؟ قال: نعم، ورغما، وقتل النفس المؤمنة، والفرار من الزحف، والسحر، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، وعقوق الوالدين، وإلحاد بالبيت الحرام قبلتكم أحياء، وأمواتا. وهكذا رواه الحسن بن موسى الأشيب عن أيوب بن عتبة اليماني، وفيه ضعف، والله أعلم.
حديث آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا زكريا بن عدي، حدثنا بقية عن يحيى بن سعيد عن خالد بن معدان أن أبا رهم السمعي حدثهم عن أبي أيوب قال: قال رسول الله ﷺ: من عبد الله لا يشرك به شيئًا، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة، وصام رمضان، واجتنب الكبائر فله الجنة-، أو دخل الجنة- فسأله رجل ما الكبائر؟ فقال: الشرك بالله، وقتل نفس مسلمة، والفرار يوم الزحف، ورواه أحمد، والنسائي من غير وجه عن بقية.

الطالب: أيوب ابن عتبة اليمامي أبو يحيى القاضي من بني قيس ابن ثعلبة ضعيف من السادسة مات سنة ستين، ومائة ق.
الشيخ: نعم.
حديث آخر: روى ابن مردويه في تفسيره من طريق سليمان بن داود اليماني-، وهو ضعيف- عن الزهري، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جده، قال: كتب رسول الله ﷺ إلى أهل اليمن كتابا فيه الفرائض، والسنن، والديات، وبعث به مع عمرو بن حزم قال: وكان في الكتاب إن أكبر الكبائر عند الله يوم القيامة: إشراك بالله، وقتل النفس المؤمنة بغير حق، والفرار في سبيل الله يوم الزحف، وعقوق الوالدين، ورمي المحصنة، وتعلم السحر، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم.
..........
الطالب: داود اليماني.
الشيخ: في أي حديث؟
الطالب: رواه ابن مردويه في تفسيره من طريق سليمان بن داود اليماني.
الشيخ: بالنون؟
الطالب: وهو ضعيف.
الشيخ: نعم.
حديث آخر فيه ذكر شهادة الزور: قال الإمام أحمد حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، حدثني عبيد الله بن أبي بكر، قال: سمعت أنس بن مالك: قال: ذكر رسول الله ﷺ الكبائر، أو سئل عن الكبائر، فقال: الشرك بالله، وقتل النفس، وعقوق الوالدين، فقال: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى قال: الإشراك بالله، وقول الزور-، أو شهادة الزور- قال شعبة: أكبر ظني أنه قال: شهادة الزور. أخرجاه من حديث شعبة، به. وقد رواه ابن مردويه من طريقين آخرين غريبين عن أنس بنحوه.
حديث آخر: أخرجاه الشيخان من حديث عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه، قال: قال النبي ﷺ: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله. قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئًا، فجلس فقال: ألا وشهادة الزور، ألا وقول الزور، فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت.

الشيخ: وهذا يبين عظم جريمة العقوق، والشرك، وقتل النفس، وشهادة الزور، وأن هذه الجرائم من أكبر الكبائر نعوذ بالله، وأعظمها وأشدها خطرًا الإشراك بالله؛ لأنه أعظم ذنب عصي الله؛ لأنه ضد التوحيد، فالتوحيد خلق الله من أجله الثقلين، والشرك ضد التوحيد، وهو أعظم الذنوب، ولهذا في الحديث الصحيح حديث ابن مسعود عند الشيخين: قلت: يا رسول الله، أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندًا، وهو خلقك، يعني أن تعبد معه إلهاً آخر، كالاستغاثة الأموات، والأصنام، وأصحاب القبور، والجن، والملائكة، ودعائهم، والاشتغال بهم، وبالأنبياء، وبنحو ذلك، فهذا هو الشرك الأكبر، وهو اتخاذ الأنداد، وهكذا التعلق بالأصنام، وعبادة الأصنام من الأشجار والأحجار، هذا هو الشرك الأكبر.
ومن الجرائم العظيمة عقوق الوالدين الذي يعق والديه، ويقطع والديه، ويؤذيهما بأفعاله، أو بأقواله، أو يقطع صلته بهما، أو الإحسان إليهما.
وهكذا القتل بغير حق، قتل النفوس من أعظم الجرائم، وهكذا الزنا من أقبح الجرائم، وهكذا قول الزور، وشهادة الزور بين رسول الله ﷺ أنها من أكبر الكبائر، والواجب على المؤمن أن يحذرها، ويحذر أسبابها.
وإنما جلس وهو متكئًا عند شهادة الزور؛ لأن الناس يتساهلون فيها، ولهذا لها أسباب كثيرة، ولهذا حذر منها كثيرًا، كان متكئًا: يعني مائل غير معتدل الجلسة، فلما أراد أن يتكلم بشهادة الزور انتصب وجلس، وقال: ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور، وحذر الناس منها؛ لأن غالب شهادة الزور إما لعداوة بينه وبين المشهود عليه، وإما أن يرشيه يعطيه صاحب الشهادة يرشيه، وإما لأسباب أخرى فلها أسباب تتعلق بحظوظ النفس، وحقوق الناس، فالدوافع لها كثيرة، والشرك أعظم منها لكن لما كانت دواعي شهادة الزور كثيرة كررها، وحذر منها عليه الصلاة والسلام قال الله تعالى: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ واجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ [الحج:30]، فقد جعل قول الزور عديل الشرك، وشهادة الزور قد يستحل بها الفروج، ويستحل بها الدماء، ويستحل بها الأموال والأعراض، فشرها عظيم، نسأل الله السلامة.
حديث آخر فيه ذكر قتل الولد: وهو ثابت في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود قال:
قلت: يا رسول الله، أي الذنب أعظم؟ وفي رواية أكبر قال: أن تجعل لله ندًا، وهو خلقك.
قلت: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك. قلت: ثم أي؟ قال: أن تزاني حليلة جارك، ثم قرأ: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ [الفرقان:68] - إلى قوله-: إِلَّا مَنْ تَابَ [الفرقان:70].
حديث آخر فيه ذكر شرب الخمر: قال ابن أبي حاتم: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، أخبرنا ابن وهب، حدثني ابن صخر أن رجلًا حدثه عن عمارة بن حزم أنه سمع عبد الله بن عمرو بن العاص، وهو بالحجر بمكة، وسأله رجل عن الخمر فقال: والله إن عظيما عند الله الشيخ مثلي يكذب في هذا المقام على رسول الله ﷺ، فذهب فسأله، ثم رجع فقال: سألته عن الخمر، فقال: هي أكبر الكبائر، وأم الفواحش من شرب الخمر ترك الصلاة، ووقع على أمه، وخالته، وعمته غريب من هذا الوجه.

الشيخ: لا شك أنها من أكبر الكبائر، ولا شك أنها أم الخبائث الخمر تجعله مجنونًا، وأسوأ حالاً من المجنون فهي أم الخبائث، تجر إلى خبائث كثيرة، فهي من أكبر الكبائر، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: لا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن يعني إذا كان إيمانه حاضرًا لكان ابتعاده عن الخمر، ولكن بسبب ضعف الإيمان، وقلة المبالاة أقدم على الخمر التي هي أم الخبائث، فنسأل الله العافية.