بَاب التَّعَوُّذِ مِنَ البُخْلِ
البُخْلُ وَالبَخَلُ وَاحِدٌ، مِثْلُ: الحُزْنِ وَالحَزَنِ.
6370- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنِي غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِالمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ : كَانَ يَأْمُرُ بِهَؤُلاءِ الخَمْسِ، وَيُحَدِّثُهُنَّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ البُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الجُبْنِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ العُمُرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ.
الشيخ: تكلّم عليه؟
الطالب: قوله: (باب التَّعوذ من البخل) تقدم الكلام عليه قَبْلُ.
قَوْلُهُ: (الْبُخْلُ وَالْبَخَلُ وَاحِدٌ) يَعْنِي بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ ثَانِيهِ، وَبِفَتْحِهِمَا.
قَوْلُهُ: (مِثْلُ الْحُزْنِ وَالْحَزَنِ) يَعْنِي فِي وَزْنِهِمَا.
[6370] قَوْلُهُ: وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ فِي رِوَايَةِ السَّرَخْسِيِّ: وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ أُرَدَّ بِزِيَادَةِ "مِنْ"، وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ.
قَوْلُهُ: وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا كَذَا لِلْأَكْثَرِ، وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، عَنْ رَوْحٍ، عَنْ شُعْبَةَ، وَزَادَ فِي رِوَايَةِ آدَمَ الْمَاضِيَةِ قَرِيبًا عَنْ شُعْبَةَ: يَعْنِي فِتْنَةَ الدَّجَّالِ.
وَحَكَى الْكَرْمَانِيُّ أَنَّ هَذَا التَّفْسِيرَ مِنْ كَلَامِ شُعْبَةَ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ؛ فَقَدْ بَيَّنَ يَحْيَى ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ شُعْبَةَ: أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ عَبْدِالْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ رَاوِي الْخَبَرِ، أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ، وَلَفْظُهُ: قَالَ شُعْبَةُ: فَسَأَلْتُ عَبْدَالْمَلِكِ بْنَ عُمَيْرٍ عَنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا فَقَالَ: الدَّجَّالُ.
وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ زَائِدَةَ بْنِ قُدَامَةَ، عَنْ عَبْدِالْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ بِلَفْظِ: وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سُفْيَانَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ حَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْجُعْفِيِّ.
وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ عَنْ إِسْحَاقَ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ بِلَفْظِ: مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا، فَلَعَلَّ بَعْضَ رُوَاتِهِ ذَكَرَهُ بِالْمَعْنَى الَّذِي فَسَّرَهُ بِهِ عَبْدُالْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ.
وَفِي إِطْلَاقِ الدُّنْيَا عَلَى الدَّجَّالِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ فِتْنَتَهُ أَعْظَمُ الْفِتَنِ الْكَائِنَةِ فِي الدُّنْيَا، وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: إِنَّهُ لَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ مُنْذُ ذَرَأَ اللَّهُ ذُرِّيَّةَ آدَمَ أَعْظَمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وابن ماجه.
الشيخ: وقد رواه مسلمٌ بهذا المعنى: ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة أمرٌ أعظم من الدجال، كأنه نسيه المؤلف هنا.
المقصود أنَّ فتنة الدجال أعظم الفتن، لكن لا يلزم حصر فتنة الدنيا فيه، لا يلزم حصر ذلك كما قال عبدالملك بن عمير، فإن فتنة الدنيا تعمُّ الدجال، وتعمُّ فتنة الحروب، وفتنة الغنى، وفتنة الفقر، وفتنة المرض، وفتنة الشَّهوات، وفتنة الشبهات، كلها تقع في الدنيا، فلفظ النبي أوضح وأعمُّ عليه الصلاة والسلام.
بَاب التَّعَوُّذِ مِنْ أَرْذَلِ العُمُرِ
أَرَاذِلُنَا [هود:27]: سقاطنا.
6371- حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُالوَارِثِ، عَنْ عَبْدِالعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَتَعَوَّذُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الكَسَلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الجُبْنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَرَمِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ البُخْلِ.
الشيخ: ينبغي أن يعلق على حديث أبي أمامة، رواه مسلم.
الطالب: نعم.
الشيخ: أقول: ينبغي أن يُعلِّق على خبر أبي أمامة في الدجال، رواه مسلم، فإنه أصح ....... ابن أبي عامر الأنصاري، وهو والد سعد، النبي ﷺ قال: ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة أمرٌ أعظم من الدجال، ذكره في آخر الصحيح.
س: هذه الدَّعوات تُقال في الصباح والمساء؟
ج: جاء في رواية سعد: تُقال في آخر الصلاة: اللهم إني أعوذ بك من البخل والجبن .. إلى آخره، والدعوات إذا أُطلقت يدعو بها الإنسانُ متى شاء: في الصباح، في المساء، في النهار، في كل وقتٍ، الذي أطلقه النبيُّ يُدْعَى به في كل وقتٍ.
س: .............؟
ج: ما أتذكر سنده، لكن الحمد لله الأمر واسع، يدعو به الإنسان، وإذا تحرى أوقات الإجابة مثل: آخر الليل، ومثل: بين الأذان والإقامة، ومثل: آخر الصلاة؛ يكون أنفع وأقرب للإجابة.
س: ...............؟
ج: ما نعلم فيه شيئًا، ينظر الذي هو أنسب له، أو أفرغ له، ويدعو.
بَاب الدُّعَاءِ بِرَفْعِ الوَبَاءِ وَالوَجَعِ
6372- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا المَدِينَةَ كَمَا حَبَّبْتَ إِلَيْنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، وَانْقُلْ حُمَّاهَا إِلَى الجُحْفَةِ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مُدِّنَا وَصَاعِنَا.
6373- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ: أَنَّ أَبَاهُ قَالَ: عَادَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ مِنْ شَكْوَى أَشْفَيْتُ مِنْهُ عَلَى المَوْتِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَلَغَ بِي مَا تَرَى مِنَ الوَجَعِ، وَأَنَا ذُو مَالٍ، وَلا يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةٌ لِي وَاحِدَةٌ، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: لا، قُلْتُ: فَبِشَطْرِهِ؟ قَالَ: الثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ، وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِكَ، قُلْتُ: أَأُخَلَّفُ بَعْدَ أَصْحَابِي؟ قَالَ: إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ فَتَعْمَلَ عَمَلًا تَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا ازْدَدْتَ دَرَجَةً وَرِفْعَةً، وَلَعَلَّكَ تُخَلَّفُ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ، وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ، اللَّهُمَّ أَمْضِ لِأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ، وَلا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ، لَكِنِ البَائِسُ سَعْدُ ابْنُ خَوْلَةَ، قَالَ سَعْدٌ: رَثَى لَهُ النَّبِيُّ ﷺ مِنْ أَنْ تُوُفِّيَ بِمَكَّةَ.
الشيخ: وهذه من علامات النبوة، فإنَّ الله جلَّ وعلا خلَّف سعدًا، فنفع الله به قومًا، وأضرَّ به آخرين، فتولى الجهاد في الفرس، ونفع الله به المسلمين، وأضرَّ به الكافرين من المجوس، فصار له في ذلك جهاد عظيم، وآثار مشكورة، وأعمال عظيمة، رضي الله عنه وأرضاه، ولم يُقبض إلا سنة ستٍّ وخمسين، عاش بعد النبي ستًّا وأربعين سنة .
س: أيش معنى: لكن البائس سعد ابن خولة؟
ج: يعني توجَّع له؛ لأنه مات في مكة محلّ هجرته، تكلَّم على هذا: لكن البائس سعد ابن خولة؟
الطالب: وَشَاهِدُ التَّرْجَمَةِ مِنْ قَوْلِهِ ﷺ: اللَّهُمَّ أَمْضِ لِأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ، وَلَا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ فَإِنَّ فِيهِ إِشَارَةً إِلَى الدُّعَاءِ لِسَعْدٍ بِالْعَافِيَةِ لِيَرْجِعَ إِلَى دَارِ هِجْرَتِهِ، وَهِيَ الْمَدِينَةُ، وَلَا يَسْتَمِرَّ مُقِيمًا بِسَبَبِ الْوَجَعِ بِالْبَلَدِ الَّتِي هَاجَرَ مِنْهَا، وَهِيَ مَكَّةُ.
وَإِلَى ذَلِكَ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: لَكِن البائس سعد ابن خَوْلَةَ .. إِلَخْ، وَقَدْ أَوْضَحْتُ فِي أَوَائِلِ الْوَصَايَا مَا يتَعَلَّق بِسَعْد ابن خَوْلَة، وَنقل ابنُ المزين الْمَالِكِي أن الرثاء لسعد ابن خَوْلَةَ بِسَبَبِ إِقَامَتِهِ بِمَكَّةَ، وَلَمْ يُهَاجِرْ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا، وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا مَتَى رَجَعَ إِلَى مَكَّةَ حَتَّى مَرِضَ بِهَا فَمَاتَ:
فَقِيلَ: إِنَّهُ سَكَنَ مَكَّةَ بَعْدَ أَنْ شَهِدَ بَدْرًا.
وَقِيلَ: مَاتَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ.
وَأَغْرَبَ الدَّاوُدِيُّ فِيمَا حَكَاهُ ابن التِّينِ فَقَالَ: لَمْ يَكُنْ لِلْمُهَاجِرِينَ أَنْ يُقِيمُوا بِمَكَّةَ إِلَّا ثَلَاثًا بَعْدَ الصَّدْرِ، فَدَلَّ ذَلِكَ أن سعد بن خَوْلَةَ تُوُفِّيَ قَبْلَ تِلْكَ الْحَجَّةِ.
وَقِيلَ: مَاتَ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ أَنْ أَطَالَ الْمَقَامَ بِمَكَّةَ بِغَيْرِ عُذْرٍ، إِذْ لَوْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ لَمْ يَأْثَمْ، وَقَدْ قَالَ ﷺ حِينَ قِيلَ لَهُ: إِنَّ صَفِيَّةَ حَاضَتْ: أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ لِلْمُهَاجِرِ إِذَا كَانَ لَهُ عُذْرٌ أَنْ يُقِيمَ أَزْيَدَ مِنَ الثَّلَاثِ الْمَشْرُوعَةِ لِلْمُهَاجِرِينَ.
وَقَالَ: يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ اللَّفْظَةُ قَالَهَا ﷺ قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، ثُمَّ حَجَّ، فَقَرَنَهَا الرَّاوِي بِالْحَدِيثِ لِكَوْنِهَا مِنْ تَكْمِلَتِهِ. انْتَهَى.
وَكَلَامُهُ مُتَعَقَّبٌ فِي مَوَاضِعَ: مِنْهَا: اسْتِشْهَادُهُ بِقِصَّةِ صَفِيَّةَ، وَلَا حُجَّةَ فِيهَا؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا تُجَاوِزَ الثَّلَاثَ الْمَشْرُوعَةَ، وَالِاحْتِبَاسُ: الِامْتِنَاعُ، وَهُوَ يَصْدُقُ بِالْيَوْمِ، بَلْ بِدُونِهِ. وَمِنْهَا: جزمه بِأَنَّ سعد ابن خَوْلَةَ أَطَالَ الْمَقَامَ بِمَكَّةَ، وَرَمْزُهُ إِلَى أَنَّهُ أَقَامَ بِغَيْرِ عُذْرٍ، وَإِنَّهُ أَثِمَ بِذَلِكَ، إِلَى غير ذَلِك مِمَّا يَظْهر فَسَاده بِالتَّأَمُّلِ.
الشيخ: العيني ما تكلَّم؟
الطالب: قَوْله: (سعد ابن خَوْلَة) وَإِن كَانَت مُخَفَّفَةً يكون البائس مُبْتَدأ، وَخَبره سعد ابن خَوْلَة، وَهُوَ من بني عَامر بن لؤَي، من أنفسهم عِنْد الْبَعْض، وحليف لَهُم عِنْد آخَرين، وَكَانَ من مهاجرة الْحَبَشَة الْهِجْرَة الثَّانِيَة فِي قَول الْوَاقِدِيّ، وَإِنَّمَا رثى لَهُ رَسُولُ الله ﷺ لكَونه مَاتَ بِمَكَّة، وَهِي الأَرْض الَّتِي هَاجر مِنْهَا.
وَفِي "التَّوْضِيح": وَإِنَّمَا رثى لَهُ رَسُولُ الله ﷺ لِأَنَّهُ قَالَ: كل مَن هَاجر من بَلَده يكون لَهُ ثَوَابُ الْهِجْرَة من الأَرْض الَّتِي هَاجر مِنْهَا إِلَى الأَرْض الَّتِي هَاجر إِلَيْهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، فَحُرم ذَلِك لما مَاتَ بِمَكَّة، وَقيل: رَجَعَ إِلَى مَكَّة بعد شُهُوده بَدْرًا، وَقد أَطَالَ الْمقَام بهَا بِغَيْر عذرٍ، وَلَو كَانَ لَهُ عذرٌ لم يَأْثَم، وَكَانَ مَوته فِي حجَّة الْوَدَاع.
وَقد قَالَ ابْنُ مزين من الْمَالِكِيَّة: إِنَّمَا رثى لَهُ رَسُولُ الله ﷺ لِأَنَّهُ أسلم وَأقَام بِمَكَّة وَلم يُهَاجر، وأنكروا ذَلِك عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَعْدُود من الْبَدْرِيِّينَ عِنْد أهل الصَّحِيح، كَمَا ذكره البُخَارِيُّ وَغَيره.
وَقَوله: (قَالَ سعد) أَي: سعد بن أبي وَقاص.
س: ...............؟
ج: يعني يتوجع له الرسولُ ﷺ.
بَاب الِاسْتِعَاذَةِ مِنْ أَرْذَلِ العُمُرِ
وَمِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا وَفِتْنَةِ النَّارِ.
6374- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ عَبْدِالمَلِكِ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: تَعَوَّذُوا بِكَلِمَاتٍ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَتَعَوَّذُ بِهِنَّ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الجُبْنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ البُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ العُمُرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا، وَعَذَابِ القَبْرِ.
الشيخ: تقدَّم في الرواية الأخرى أنه كان يقولها في آخر الصلاة عليه الصلاة والسلام، كان يدعو بها قبل أن يُسلّم في دبر الصلاة، وهذا من الدعاء العظيم الذي يُدْعى به في كل وقتٍ.
6375- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الكَسَلِ وَالهَرَمِ، وَالمَغْرَمِ وَالمَأْثَمِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ النَّارِ وَفِتْنَةِ النَّارِ، وَفِتْنَةِ القَبْرِ وَعَذَابِ القَبْرِ، وَشَرِّ فِتْنَةِ الغِنَى، وَشَرِّ فِتْنَةِ الفَقْرِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَايَ بِمَاءِ الثَّلْجِ وَالبَرَدِ، وَنَقِّ قَلْبِي مِنَ الخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، وَبَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ.
بَاب الِاسْتِعَاذَةِ مِنْ فِتْنَةِ الغِنَى
6376- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا سَلَّامُ بْنُ أَبِي مُطِيعٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ خَالَتِهِ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَتَعَوَّذُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ النَّارِ وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ القَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الغِنَى، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الفَقْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ.
بَاب التَّعَوُّذِ مِنْ فِتْنَةِ الفَقْرِ
6377- حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ النَّارِ وَعَذَابِ النَّارِ، وَفِتْنَةِ القَبْرِ وَعَذَابِ القَبْرِ، وَشَرِّ فِتْنَةِ الغِنَى، وَشَرِّ فِتْنَةِ الفَقْرِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْ قَلْبِي بِمَاءِ الثَّلْجِ وَالبَرَدِ، وَنَقِّ قَلْبِي مِنَ الخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَبَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الكَسَلِ، وَالمَأْثَمِ وَالمَغْرَمِ.
الشيخ: وهذا كله يُبيّن لنا شرعية الدَّعوات، وأنه ﷺ كان يدعو بهذه الدَّعوات، مع أنه خير الناس، وأفضل الناس، ومغفورٌ له ما تقدم من ذنبه وما تأخَّر، ومع هذا يدعو بهذه الدَّعوات العظيمة، فينبغي للمؤمن أن يكون كثير الدّعاء، كثير اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى، كثير الاستغفار، ولو كان ذا عملٍ صالحٍ، ولو كان من أتقى الناس، ولو كان من أفضل الناس، فأفضل الناس وأتقاهم نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، ومع هذا اجتهد في الدعاء، وأكثر من الدعاء عليه الصلاة والسلام.
وفيه ضراعة إلى الله، وانكسار بين يديه، وتذلُّل بين يديه ، والله يُحب من عباده أن ينكسروا له، وأن يتذللوا بين يديه، وأن يُظهروا فاقتهم له، وعجزهم وغناه عنهم ، هكذا ينبغي للمؤمن في صلاته، في سجوده، في غير ذلك من أوقاته، في آخر الليل، في جميع الأوقات، كثير الدعاء، كثير الضَّراعة إلى الله، كثير الانكسار بين يديه ، يسأل فضله وإحسانه، يسأله الجنة، يتعوَّذ به من النار، يتعوذ به من الهرم، ومن شرِّ الغنى، وشرِّ الفقر، من الكسل، من المأثم والمغرم، مثلما دعا النبيُّ ﷺ.
بعض الناس قد يُطغيه الغنى، فيتعوَّذ بالله من شرِّ الغنى، وبعض الناس قد يضره الفقر فيحمله على المعاصي والسرقات والشر الكثير، فينبغي للمؤمن أن يسأل ربَّه أن يقيه شرَّ هذه الأمور، كذلك الهرم؛ قد يُبتلى بالهرم حتى يكون كَلًّا على أهله، وتعبًا على أهله، فيكون أضعف من الصبي الصغير؛ لذهاب عقله، وشدة مؤنته على أهله، فيتعوذ بالله من الهرم الذي يضر أهله، ويضر غير أهله في بعض الأحيان.
بَاب الدُّعَاءِ بِكَثْرَةِ المَالِ مَعَ البَرَكَةِ
6378- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أُمِّ سُلَيْمٍ أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَسٌ خَادِمُكَ، ادْعُ اللَّهَ لَهُ، قَالَ: اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ، وَوَلَدَهُ، وَبَارِكْ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتَهُ، وَعَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، مِثْلَهُ.
باب الدُّعاء بكثرة الولد مع البركة
6380- حَدَّثَنَا أَبُو زَيْدٍ سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا قَالَ: قَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: أَنَسٌ خَادِمُكَ، قَالَ: اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ، وَوَلَدَهُ، وَبَارِكْ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتَهُ.
الشيخ: زاد في البخاري في "الأدب": وأطل حياته، واغفر له، وفي سنده بعض اللين: اللهم أكثر ماله، وولده، وأطل حياته، واغفر له، لكن في سنده بعض اللين.
المقصود أن هذه الدَّعوات من النبي ﷺ فيها خيرٌ كثيرٌ لأنسٍ؛ لأن كثرة المال للمؤمن ينفعه: يتصدق، ويُحسن، ويُواسي الفقير والمسكين، كذلك الأولاد إذا أصلحهم الله ينفعونه، ويدعون له، ويبقى له ذكر عظيم فيهم، كما في الحديث الصحيح: إذا مات ابنُ آدم انقطع عملُه إلا من ثلاثٍ: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له، ولهذا قال: وبارك له فيما أعطيتَه، فإذا بارك الله في الأولاد، وبارك الله في الأموال؛ نفعوا كثيرًا، فإنه دعا له بكثرة المال والولد، ثم أتبع ذلك بالبركة: وبارك له فيما أعطيتَه، فإذا كان المال مباركًا والولد مباركًا ما حصل منهم إلا خير، فالمال يُنفق في وجوه البرِّ، والولد يُطيع الله، ويُطيع والده، ويدعو له، إلى غير هذا من وجوه الخير.
س: ...............؟
ج: مثلما قال في دعائه في السجود: اللهم اغفر لي ذنبه كله، دقه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره، قد يقع منه الذنبُ، لكن يغفره الله له بسبب إيمانه وتقواه ودعواته العظيمة عليه الصلاة والسلام، وقد أخبره الله أنه غفر له ذنبه، ولكنه عبد شكور يسأل ربه مع ذلك ويضرع إليه.
بَاب الدُّعَاءِ عِنْدَ الِاسْتِخَارَةِ
6382- حَدَّثَنَا مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ أَبُو مُصْعَبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي المَوَالِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا، كَالسُّورَةِ مِنَ القُرْآنِ: إِذَا هَمَّ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ العَظِيمِ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلا أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي -أَوْ قَالَ: فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ- فَاقْدُرْهُ لِي، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي -أَوْ قَالَ: فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ- فَاصْرِفْهُ عَنِّي، وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِي الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ، وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ.
الشيخ: وهذا من الدعاء العظيم، يعني يُشرع للمؤمن عند همِّه ببعض الأمور التي لا يدري عاقبتها، ولا يعرف ما وراءها أن يستخير، إذا همَّ بأمرٍ ليس مقطوعًا بأنه خيرٌ له، بل لا يدري: إما من جهة العاقبة، أو من جهة الطريق الموصل إليه، أو من الجهات الأخرى، يعني بأي وجهٍ من الوجوه، هذا هو محل الاستخارة، أما إذا كان الأمرُ خيرًا محضًا، ليس فيه شيء يخشى منه، فليس فيه استخارة: كالصلاة، والزكاة، والصيام، وأشباه ذلك من الأمور الواضحة التي ليس فيها شيء، أما إذا كان هناك أمر مثل: السفر إلى جهةٍ من الجهات، مثل: الزواج من امرأةٍ، مثل: معاملة إنسانٍ، إلى غير هذا مما قد يشك في عاقبته أو في مصلحته أو ما أشبه ذلك.
س: الدعاء بعد هذه الصلاة أو في آخرها؟
ج: بعد الصلاة؛ لأن النبي قال: «يُصلي ركعتين، ثم يقول».
س: حتى وإن كان وقت نهيٍ؟
ج: لا، في غير وقت النَّهي.
س: يرفع يديه؟
ج: ما ورد شيء في هذا، الأمر واسع.
س: ..............؟
ج: الذي فيه تردد: إما من جهة الطريق إليه، أو عاقبته، أو مصلحته، أو ما أشبه ذلك، يعني: فيه نوع تردد، أما إذا كان شيء معروف، ما فيه شبهة، ما يحتاج استخارة، ما يستخير، يُصلي الظهر وإلا ما يُصلي الظهر؟ ما يستخير، يُصلي المغرب وإلا ما يُصلي المغرب؟ ما يستخير، يُصلي الضُّحى وإلا ما يُصلي الضحى؟ ما يستخير، يصل رحمه وإلا ما يصل رحمه؟ يبرّ والديه وإلا ما يبرّ والديه؟ أمور معروفة من الدين، منتهية.
س: ............؟
ج: الحج كذلك، مثل: الحج، قد يكون خوف، إذا كان هناك خوف وخطر يستخير، أما إذا كانت الطريق آمنة ولا خطر هناك ما في استخارة.
س: ...........؟
ج: حتى يشرح صدره، ويستحبّ أن يستشير أيضًا بعد الاستخارة، يستشير مَن يطمئن إليهم: وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ [الشورى:38]، وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ [آل عمران:159].
س: ..........؟
ج: ما في بأس؛ حتى يطمئن وينشرح صدره لأحد الأمرين.
بَاب الدُّعَاءِ عِنْدَ الوُضُوءِ
6383- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: دَعَا النَّبِيُّ ﷺ بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ بِهِ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْد أَبِي عَامِرٍ، وَرَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ فَوْقَ كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِكَ مِنَ النَّاسِ.
الشيخ: وكان عبيد أبو عامر مثلما تقدم، كان أراد أن يقتل مرحبًا رئيس خيبر، فجعل ...... له، فأصابه ..... سيفه في ركبته، وكان سببًا لموته، فقال بعضُ الناس: إنه قتل نفسه! فأنكر عليهم النبيُّ ذلك عليه الصلاة والسلام، وقال: إنه جاهد مجاهد؛ لأنه ما تعمَّد، إنما أراد قتل عدو الله، فأصابه سيفه، فدعا له هذه الدَّعوة بعدما توضأ ورفع يديه وجعل يدعو لعبيد أبي عامر؛ لتطييب نفوس مَن يظن أنَّ هذا الشيء قد وقع فيه ضرر عليه، وأن الإنسان إذا قتل نفسه من غير قصدٍ –كالخطأ- لا يضرُّه ذلك، إنما الوعيد فيمَن قتل نفسه مُتعمدًا -نسأل الله العافية- أيش قال الشارح؟
الطالب: ذكره مُختصرًا، وقد تقدَّم بطوله في المغازي.
الشيخ: نعم ...........
بَاب الدُّعَاءِ إِذَا عَلا عَقَبَةً
6384- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي سَفَرٍ، فَكُنَّا إِذَا عَلَوْنَا كَبَّرْنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: أَيُّهَا النَّاسُ، ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَإِنَّكُمْ لا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلا غَائِبًا، وَلَكِنْ تَدْعُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا، ثُمَّ أَتَى عَلَيَّ وَأَنَا أَقُولُ فِي نَفْسِي: لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، فَقَالَ: يَا عَبْدَاللَّهِ بْنَ قَيْسٍ، قُلْ: لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ؛ فَإِنَّهَا كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الجَنَّةِ، أَوْ قَالَ: أَلا أَدُلُّكَ عَلَى كَلِمَةٍ هِيَ كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الجَنَّةِ؟ لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ.
الشيخ: وهذا مما يدل على شرعية التَّكبير عند صعود الرَّوابي والمرتفعات، والتَّسبيح عند هبوط الأودية، كان النبيُّ والصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم إذا صعدوا فَدْفَدًا أو رابيةً أو جبلًا كبَّروا، إشارةً إلى أن الله أكبر من كل شيءٍ ، وإذا نزلوا الأوديةَ أو هبطوا أرضًا سبَّحوا الله ، كانوا يرفعون أصواتهم كثيرًا، فأمرهم النبيُّ أن يربعوا على أنفسهم، وأن يخفضوا من أصواتهم، قال: إنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائبًا، إنما تدعون سميعًا قريبًا، وفي اللفظ الآخر: سميعًا بصيرًا، فهو أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته، هذا يدل على الرفق في رفع الأصوات، وأنه لا ينبغي المبالغة إلا ما شرع الله فيه المبالغة: كالأذان، والإقامة، والتلبية، شيء ورد فيه رفع الصوت الشديد، أما الأذكار الأخرى فتكون وسطًا، ليس فيها شدة.
وفي هذا فضل: "لا حول ولا قوة إلا بالله"، وأنها كلمة عظيمة، سمَّاها النبيُّ: كنزًا من كنوز الجنة عليه الصلاة والسلام، فينبغي الإكثار منها، "لا حول ولا قوة إلا بالله" معناها: لا حول لي على شيءٍ، ولا قوةً لي على شيءٍ إلا بالله وحده ، يعني الإنسان يتجرد، العبد يتجرد من حوله وقوته، وأنه ليس بشيءٍ إلا بالله وحده ، فليس للعبد حولٌ على ترك المعصية، ولا قوة على تركها، ولا على فعل طاعة إلا بالله سبحانه وتعالى، لا حول ولا قوة إلا بالله.
س: .............؟
ج: شيء مرتفع، نعم.
س: .............؟
ج: على ظاهره والله أعلم: أنه يعني وسيلة إلى هذا الخير العظيم، وأيش قال على حديث جابر؟
الطالب: فِيهِ حَدِيثُ جَابِرٍ، كَذَا ثَبَتَ عِنْدَ الْمُسْتَمْلِي وَالْكُشْمِيهَنِيِّ، وَسَقَطَ لِغَيْرِهِمَا، وَالْمُرَادُ بِحَدِيثِ جَابِرٍ مَا تَقَدَّمَ فِي الْجِهَادِ، وَفِي بَابِ التَّسْبِيحِ إِذَا هَبَطَ وَادِيًا، مِنْ حَدِيثِهِ، بِلَفْظِ: "كُنَّا إِذَا صَعِدْنَا كَبَّرْنَا، وَإِذَا نَزَلْنَا سَبَّحْنَا"، وَقَالَ بَعْدَهُ: "بَابُ التَّكْبِيرِ إِذَا عَلَا شَرَفًا"، وَأَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ جَابِرٍ أَيْضًا، لَكِنْ بِلَفْظِ: "وَإِذَا تَصَوَّبْنَا" بَدَلَ "نَزَلْنَا"، وَالتَّصْوِيبُ: الِانْحِدَارُ، وَقَدْ وَرَدَ بِلَفْظِ: "هَبَطْنَا" فِي هَذَا الحَدِيث عِنْد النَّسَائِيّ وابن خُزَيْمَةَ، وَأَشَرْتُ إِلَى شَرْحِهِ هُنَاكَ.
وَمُنَاسَبَةُ التَّكْبِيرِ عِنْدَ الصُّعُودِ إِلَى الْمَكَانِ الْمُرْتَفِعِ أَنَّ الِاسْتِعْلَاءَ وَالِارْتِفَاعَ مَحْبُوبٌ لِلنُّفُوسِ؛ لِمَا فِيهِ مِنِ اسْتِشْعَارِ الْكِبْرِيَاءِ، فَشُرِعَ لِمَنْ تَلَبَّسَ بِهِ أَنْ يَذْكُرَ كِبْرِيَاءَ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، فَيُكَبِّرُهُ لِيَشْكُرَ لَهُ ذَلِكَ، فَيَزِيدَهُ مِنْ فَضْلِهِ.
وَمُنَاسَبَةُ التَّسْبِيحِ عِنْدَ الْهُبُوطِ لِكَوْنِ الْمَكَانِ الْمُنْخَفِضِ مَحَلَّ ضِيقٍ، فَيُشْرَعُ فِيهِ التَّسْبِيحُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَسْبَابِ الْفَرَجِ، كَمَا وَقَعَ فِي قِصَّةِ يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ سَبَّحَ فِي الظُّلُمَاتِ فَنُجِّيَ مِنَ الْغَمِّ.
الشيخ: وأيضًا لأنه لا يليق بالله؛ لأن الله في العلو، والهبوط نزول وسفول، فإذا قال: سبحان الله، معناه: تنزيه الله عن السفول والنزول، وأنه سبحانه أولى بكل كمالٍ، وبكل علوٍّ، ولهذا كان فوق العرش .
بَاب الدُّعَاءِ إِذَا هَبَطَ وَادِيًا
فِيهِ حَدِيثُ جَابِرٍ.
بَاب الدُّعَاءِ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَوْ رَجَعَ
فِيهِ يَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَنَسٍ.
6385- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ إِذَا قَفَلَ مِنْ غَزْوٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ يُكَبِّرُ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ مِنَ الأَرْضِ ثَلاثَ تَكْبِيرَاتٍ، ثُمَّ يَقُولُ: لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، آيِبُونَ، تَائِبُونَ، عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ، صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ.
الشيخ: أيش قال الشارحُ عليه؟
الطالب: قَوْلُهُ: (بَابُ الدُّعَاءِ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَوْ رَجَعَ) فِيهِ يَحْيَى ابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَنَسٍ، كَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْحَمَوِيِّ، عَنِ الْفَرَبْرِيِّ، وَمِثْلُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ عَنْهُ، لَكِنْ بِالْوَاوِ الْعَاطِفَةِ بَدَلَ لَفْظِ: "بَاب".
وَالْمُرَادُ بِحَدِيثِ يَحْيَى ابْنِ أَبِي إِسْحَاقَ فِيمَا أَظُنُّ الْحَدِيثَ الَّذِي أَوَّله: "إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَقْبَلَ مِنْ خَيْبَرَ وَقَدْ أَرْدَفَ صَفِيَّةَ، فَلَمَّا كَانَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ عَثَرَتِ النَّاقَةُ"، فَإِنَّ فِي آخِرِهِ: فَلَمَّا أَشْرَفْنَا عَلَى الْمَدِينَةِ قَالَ: آيِبُونَ، تَائِبُونَ، عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ، فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُهَا حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَوْصُولًا فِي أَوَاخِرِ الْجِهَادِ، وَفِي الْأَدَبِ، وَفِي أَوَاخِرِ اللِّبَاسِ، وَشَرَحْتُهُ هُنَاكَ، إِلَّا الْكَلَامَ الْأَخِيرَ هُنَا، فَوَعَدْتُ بِشَرْحِهِ هُنَا، وَإِسْمَاعِيلُ فِي الحَدِيث الْمَوْصُول هُوَ ابن أَبِي أُوَيْسٍ.
[6385] قَوْلُهُ: "كَانَ إِذَا قَفَلَ" بِقَافٍ ثُمَّ فَاءٍ أَيْ: رَجَعَ، وَزْنهُ وَمَعْنَاهُ، وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِالله الْأَزْدِيِّ عَن ابن عُمَرَ فِي أَوَّلِهِ مِنَ الزِّيَادَةِ: "كَانَ إِذَا اسْتَوَى عَلَى بَعِيرِهِ خَارِجًا إِلَى سَفَرٍ كَبَّرَ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، إِلَى أَنْ قَالَ: "وَإِذَا رَجَعَ قَالَهُنَّ"، وَزَادَ: آيِبُونَ، تَائِبُونَ الْحَدِيثَ، وَإِلَى هَذِهِ الزِّيَادَةِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّرْجَمَةِ بِقَوْلِهِ: (إِذَا أَرَادَ سَفَرًا).
قَوْلُهُ: (مِنْ غَزْوٍ، أَوْ حَجٍّ، أَوْ عُمْرَةٍ) ظَاهِرُهُ اخْتِصَاصُ ذَلِكَ بِهَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثِ، وَلَيْسَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، بَلْ يُشْرَعُ قَوْلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ سَفَرٍ، إِذَا كَانَ سَفَرَ طَاعَةٍ: كَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَطَلَبِ الْعِلْمِ؛ لِمَا يَشْمَلُ الْجَمِيعَ مِنِ اسْمِ الطَّاعَةِ.
وَقِيلَ: يَتَعَدَّى أَيْضًا إِلَى الْمُبَاحِ؛ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ فِيهِ لَا ثَوَابَ لَهُ، فَلَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ فِعْلُ مَا يَحْصُلُ لَهُ الثَّوَابُ.
وَقِيلَ: يُشْرَعُ فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ مُرْتَكِبَهَا أَحْوَجُ إِلَى تَحْصِيلِ الثَّوَابِ مِنْ غَيْرِهِ.
وَهَذَا التَّعْلِيلُ مُتَعَقَّبٌ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَخُصُّهُ بِسَفَرِ الطَّاعَةِ لَا يَمْنَعُ مَنْ سَافَرَ فِي مُبَاحٍ وَلَا فِي مَعْصِيَةٍ مِنَ الْإِكْثَارِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي خُصُوصِ هَذَا الذِّكْرِ فِي هَذَا الْوَقْتِ الْمَخْصُوصِ؛ فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى الِاخْتِصَاصِ؛ لِكَوْنِهَا عِبَادَاتٍ مَخْصُوصَةً شُرِعَ لَهَا ذِكْرٌ مَخْصُوصٌ، فَتَخْتَصُّ بِهِ: كَالذِّكْرِ الْمَأْثُورِ عَقِبَ الْأَذَانِ، وَعَقِبَ الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ الصَّحَابِيُّ عَلَى الثَّلَاثِ لِانْحِصَارِ سَفَرِ النَّبِيِّ ﷺ فِيهَا؛ وَلِهَذَا تَرْجَمَ بِالسَّفَرِ عَلَى أَنَّهُ تَعَرَّضَ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الظَّاهِرُ، فَتَرْجَمَ فِي أَوَاخِرِ أَبْوَابِ الْعُمْرَةِ: مَا يَقُولُ إِذَا رَجَعَ مِنَ الْغَزْوِ، أَوِ الْحَجِّ، أَوِ الْعُمْرَةِ.
الشيخ: يكفي، يكفي، نعم.
والحاصل من هذا أنه يُستحب للمؤمن في أسفاره الإكثار من ذكر الله، وتعظيم الله، وتسبيحه، وتهليله، وتحميده، وتكبيره، في السفر، عند الذهاب والتَّوجه، وعند الإياب والقفول، وفي ابتدائه يقول: "بسم الله، والحمد لله، والله أكبر، الله أكبر، الله أكبر"، وأول ما يركب: "سبحان الذي سخَّر لنا هذا وما كنا له مُقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون"، ويُكثر من ذكر الله، وفي الرجوع كذلك يُكبر الله على كل شرفٍ، ويُسبح الله في بطون الأودية ويقول: "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر"، ويقول: "لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير"، ويقول: "آيبون، تائبون، عابدون، ساجدون لربنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده".
وإذا قاله في الأسفار المباحة والأسفار الأخرى فهذا لا يكون منه إلا الخير، يقوله في الغزو، أو في الحج، أو في العمرة، لا يمنع أن يقول ذلك جميع المسافرين؛ لأنَّه ذكر لله وتعظيم لله سبحانه وتعالى.
س: حتى سفر المعصية؟
ج: لا مانع من ذلك؛ لأنه في حاجةٍ إلى هذا الخير.
س: .............؟
ج: إذا كان سفرًا مباحًا، يعني: راح للبيع والشراء، على حسب نيته: إن كان قصده التَّعفف وطلب الحلال يُؤجر، مثلما قال النبيُّ ﷺ: الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، أو قال: كالصائم لا يُفطر، والقائم لا يفتر، فيُشرع للمُسافر أن يأتي بأذكار السفر مطلقًا، ولو كان مباحًا، ولو كان معصيةً.
بَاب الدُّعَاءِ لِلْمُتَزَوِّجِ
6386- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: رَأَى النَّبِيُّ ﷺ عَلَى عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَثَرَ صُفْرَةٍ، فَقَالَ: مَهْيَمْ؟ أَوْ مَهْ؟ قَالَ: قَالَ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ، أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ.
6387- حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: هَلَكَ أَبِي وَتَرَكَ سَبْعَ أَوْ تِسْعَ بَنَاتٍ، فَتَزَوَّجْتُ امْرَأَةً، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: تَزَوَّجْتَ يَا جَابِرُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا؟ قُلْتُ: ثَيِّبًا، قَالَ: هَلَّا جَارِيَةً تُلاعِبُهَا وَتُلاعِبُكَ، أَوْ تُضَاحِكُهَا وَتُضَاحِكُكَ، قُلْتُ: هَلَكَ أَبِي فَتَرَكَ سَبْعَ أَوْ تِسْعَ بَنَاتٍ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَجِيئَهُنَّ بِمِثْلِهِنَّ، فَتَزَوَّجْتُ امْرَأَةً تَقُومُ عَلَيْهِنَّ، قَالَ: فَبَارَكَ اللَّهُ عَلَيْكَ.
لَمْ يَقُل ابْنُ عُيَيْنَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ عَمْرٍو: بَارَكَ اللَّهُ عَلَيْكَ.
الشيخ: وفي الرواية الأخرى قال: أحسنتَ، وهذا يدل على أنه ينبغي للمُتزوج أن ينظر البكرَ أوْلى إذا تيسر ذلك، لكن إذا كانت عنده بنات وعنده عائلة صغيرة فلو تزوج امرأةً عاقلة قد تزوجت وعرفت الأمور؛ حتى تقوم على بناته، وعلى بيته؛ يكون أوْلى، ولهذا قال: أحسنتَ يا جابر، فإن جابرًا قُتِلَ والده عام أحد -في غزوة أحد- وهو شابٌّ جابر، ثم تزوج بعد أبيه امرأةً عاقلة قد تزوجت؛ لتقوم على أخواته الصغار، وتُمشطهن، وتُحسن إليهن، وكن سبعًا أو تسعًا.
بَاب مَا يَقُولُ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ
6388- حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا.
الشيخ: وهذا يدل على شرعية هذا الدعاء، وهو مهمٌّ، فإن الفائدة عظيمة، فينبغي للمؤمن إذا أراد أن يُجامع أهله أن يحرص على هذا الدعاء، يقول النبيُّ ﷺ: لو أنَّ أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله يقول: بسم الله، اللهم جنّبنا الشيطان، وجنّب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن يُقدر بينهما ولدٌ في ذلك لم يضرّه شيطانٌ أبدًا، وهذا فضلٌ عظيمٌ، وخيرٌ عظيمٌ، وفائدةٌ كبيرةٌ، فيُستحب للمؤمن إذا أراد أن يُجامع زوجته أن يقول: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا كما أرشد إليه النبيُّ الكريم عليه الصلاة والسلام.
س: قوله: لم يضره شيطان مُطلق؟
ج: على ظاهره، وعليك بحُسن الظنِّ بالله.
بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً
6389- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُالوَارِثِ، عَنْ عَبْدِالعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ النَّبِيِّ ﷺ: اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
الشيخ: وهذا أيضًا يدل على فضل هذا الدعاء، وأنه أكثر دعاء النبي ﷺ: ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، دعاء جامع، حسنة الدنيا تشمل الإيمان والتوحيد وكلَّ ما ينفع في الدنيا، وحسنة الآخرة يدخل فيها الجنة والنَّجاة من النار وكل خيرٍ.
بَاب التَّعَوُّذِ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا
6390- حَدَّثَنَا فَرْوَةُ بْنُ أَبِي المَغْرَاءِ، حَدَّثَنَا عَبِيدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِالمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُعَلِّمُنَا هَؤُلاءِ الكَلِمَاتِ كَمَا تُعَلَّمُ الكِتَابَةُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ البُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الجُبْنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ نُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ العُمُرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ القَبْرِ.
الشيخ: تقدَّم هذا غير مرةٍ من المؤلف، وفي بعض الروايات: كان يقولها في دُبُر كل صلاةٍ، عليه الصلاة والسلام.
بَاب تَكْرِيرِ الدُّعَاءِ
6391- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُنْذِرٍ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ طُبَّ، حَتَّى إِنَّهُ لَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ صَنَعَ الشَّيْءَ وَمَا صَنَعَهُ، وَإِنَّهُ دَعَا رَبَّهُ، ثُمَّ قَالَ: أَشَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ؟ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: جَاءَنِي رَجُلانِ، فَجَلَسَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي، وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ، قَالَ: مَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ، قَالَ: فِي مَاذَا؟ قَالَ: فِي مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ وَجُفِّ طَلْعَةٍ، قَالَ: فَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي ذَرْوَانَ، وَذَرْوَانُ بِئْرٌ فِي بَنِي زُرَيْقٍ، قَالَتْ: فَأَتَاهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى عَائِشَةَ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الحِنَّاءِ، وَلَكَأَنَّ نَخْلَهَا رُؤوسُ الشَّيَاطِينِ، قَالَتْ: فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَأَخْبَرَهَا عَنِ البِئْرِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَهَلَّا أَخْرَجْتَهُ؟ قَالَ: أَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِي اللَّهُ، وَكَرِهْتُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا.
زَادَ عِيسَى بْنُ يُونُسَ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "سُحِرَ النَّبِيُّ ﷺ، فَدَعَا وَدَعَا" وَسَاقَ الحَدِيثَ.
الشيخ: هذا الشاهد: "دعا ودعا" يعني: كرر الدعاء عليه الصلاة والسلام حتى شفاه الله، وفي البخاري: كان يدعو ثلاث مراتٍ عند النوم، يقرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص] والمعوذتين، ثلاث مرات، يقرأ ويدعو، ثم يقرأ ويدعو، ثم يقرأ ويدعو، ينفث في يديه: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ والمعوذتين، ثم يمسح بهما ما أقبل من جسده، ثم يعود فيقرأ، ثم يمسح، ثم يعود فيقرأ، وقال أنس: كان إذا دعا دعا ثلاثًا عليه الصلاة والسلام.
س: ما معنى المشط والمشاطة؟
ج: يعني الذي وضعوا فيه السحر، والمشط معروف، المشط: الذي يمشط به الرأس، والمشاطة: ما يُؤخذ من الرأس، ما يسقط من الرأس، وجفّ طلعة ذكر يعني: كافور النخل.
س: قوله: وكرهتُ أن أُثير على الناس شرًّا؟
ج: هذه رواية: أنه تركه ولم يُخرجه، وفي الرواية الأخرى أنه أخرجه وأتلفه.
بَاب الدُّعَاءِ عَلَى المُشْرِكِينَ
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَيْهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلٍ.
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: دَعَا النَّبِيُّ ﷺ فِي الصَّلاةِ: اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلانًا وَفُلانًا، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ : لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ [آل عمران:128].
6392- حَدَّثَنَا ابْنُ سَلامٍ، أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: دَعَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى الأَحْزَابِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ، سَرِيعَ الحِسَابِ، اهْزِمِ الأَحْزَابَ، اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ.
6393- حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ ابْنُ أَبِي عَبْدِاللَّهِ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِنْ صَلاةِ العِشَاءِ قَنَتَ: اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ ابْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، اللَّهُمَّ أَنْجِ الوَلِيدَ بْنَ الوَلِيدِ، اللَّهُمَّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، اللَّهُمَّ أَنْجِ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ.
6394- حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَنَسٍ : بَعَثَ النَّبِيُّ ﷺ سَرِيَّةً يُقَالُ لَهُم: القُرَّاءُ، فَأُصِيبُوا، فَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ وَجَدَ عَلَى شَيْءٍ مَا وَجَدَ عَلَيْهِمْ، فَقَنَتَ شَهْرًا فِي صَلاةِ الفَجْرِ، وَيَقُولُ: إِنَّ عُصَيَّةَ عَصَوُا اللَّهَ وَرَسُولَهُ.
6395- حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ اليَهُودُ يُسَلِّمُونَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، يَقُولُونَ: السَّامُ عَلَيْكَ، فَفَطِنَتْ عَائِشَةُ إِلَى قَوْلِهِمْ، فَقَالَتْ: عَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: مَهْلًا يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ، فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا يَقُولُونَ؟! قَالَ: أَوَلَمْ تَسْمَعِي أَنِّي أَرُدُّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَأَقُولُ: وَعَلَيْكُمْ؟.
الشيخ: وهذه الأخبار كلها وما جاء في معناها كلها تدل على شرعية الدعاء على المشركين إذا آذوا الناس، وتعدّوا عليهم، وظلموهم، وتدل أيضًا أحاديث أخرى على شرعية الدعاء على المشركين مطلقًا؛ لأن بقاءهم يضرُّ المجتمع إذا لم يهتدوا، ولهذا دعا ﷺ على المشركين في صلاته، وفي خارج الصلاة، ولا سيما أهل الظلم والعدوان، كما جرى لكفار مكة مع المستضعفين، وكما جرى لقتلة القراء، ولقتلة عاصم بن ثابت وأصحابه.
فالدعاء سلاح المؤمن، وقد شرع الله الدعاء جلَّ وعلا، وندب عباده إليه؛ لما فيه من الضَّراعة إلى الله، والانكسار بين يديه، والاعتراف بأنه الناصر لأوليائه، وأنه المتصرف في الكون، وأنه بيده الملك والأخذ والعطاء، فلهذا قال سبحانه: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60]، وقد أمر عباده أن يدعوه، ووعدهم بالاستجابة فقال: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186].
ولهذا لما اشتدت وطأةُ الكفار على المستضعفين بمكة دعا عليهم النبيُّ ﷺ وقال: اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف يعني: في الجدب والقحط والشدة، ولعنهم، وصرَّح بأسماء مُعينة منهم: كأبي جهل وأشباهه من صناديد كفرتهم، ودعا للمُستضعفين في مكة، كل هذا مما يدل على شرعية الدعاء للمُستضعفين والمظلومين بالنَّجاة والسَّعادة والعافية، والدعاء على الظالمين بالقضاء عليهم، ولعنهم، وقتلهم، وهذا شيء ينفع المؤمنين، ويطمئن عن قلوبهم، ويُريح ضمائرهم، ويُرجى منه حصول المطالب؛ لأنَّ ربك حكيم عليم، فقد يُجيب أولياءه وعباده بدعواتهم، ويكفيهم شرَّ كثيرٍ من الحروب بهذه الدَّعوات التي تصدر منهم إلى ربِّهم ؛ ولهذا قنت في الفجر، وقنت في العشاء، وقنت في أوقاتٍ أخرى على حسب الأحوال، فثبت عنه ﷺ أنه قنت في الخمس كلها، ولكن أكثر ما يكون في الفجر بعد الرفع من الركعة الثانية، يدعو على الظلمة، ويدعو للمُستضعفين، كما قال في هذا الحديث: اللهم أَنْجِ عياش ابن أبي ربيعة، اللهم أنج سلمة بن هشام، اللهم أنج الوليد بن الوليد وهو أخو خالد، وسلمة بن هشام أخو أبي جهل، اللهم عليك بأبي جهل، اللهم عليك بفلان وفلان، وفي الرواية الأخرى: على صفوان بن أمية، وسهيل بن عمرو، والحارث بن هشام؛ لأنهم كانوا آذوا الناس ذاك الوقت، آذوا المؤمنين، ثم هداهم الله وأسلموا.
والمقصود من هذا أن الدعاء أمرٌ مطلوبٌ، وفيه الخير الكثير، ومن فوائده العظيمة: اعتراف العباد بأنَّ لهم ربًّا يعلم أحوالهم، وينتقم لهم من أعدائهم، وأنه الغني الحميد، وأنه الناصر لأوليائه، وأنه على كل شيء قدير، فهذه عبادات تحصل في القلوب، إيمان العبد بأنَّ ربه الغني العظيم القادر على كل شيءٍ، وأنه الناصر لأوليائه، وأنه الحكيم العليم ...... هذه اعتقادات عظيمة في القلوب، يرضاها الله ويُحبها من عباده: أن يخضعوا له، وينكسروا له، ويعرفوا أنه ربهم، وخالقهم، وإلههم، ومفزعهم عند الشَّدائد، إلى غير ذلك، كما قال سبحانه: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ [النمل:62].
لكن إذا كان المقامُ مقام رفقٍ فينبغي الرفق، إذا كان القومُ لهم تأويل أو يقصد دعوتهم وترغيبهم فينبغي الرفق بهم، وعدم السبِّ لهم؛ ولهذا لما كان اليهود يأتون ويُسلمون على النبي ﷺ، وهم سكان المدينة، فأمر بالرفق بهم لعلهم يهتدون؛ لأنهم ليسوا مُظهرين الحرب للنبي ﷺ، بل مُوادعون، فكانوا إذا جاءوا يقولون: السام عليكم، كأنهم يقولون: السلام، وهم يُدغمونها: السام عليكم، بغير إظهارٍ، ففطنت عائشةُ لهم في هذا، فقالت: "عليكم السام واللعنة"، وفي اللفظ الآخر: "غضب الله عليكم"، فقال: مهلًا يا عائشة، إنَّ الله رفيقٌ يُحب الرفقَ في الأمر كله، قالت: "أو لم تسمع ما قالوا؟!" قال: ألم تسمعي ما قلتُ لهم؟ قلت: وعليكم، إذا كانوا قالوا: السلام، فعليكم السلام، وإن كانوا قالوا: السام، فعليهم السام أيضًا، والسام قصدهم الموت، يعني: الموت عليك يا محمد وأصحابه، لكن لا يُظهرونها واضحة، يحذف، الذي ما يتفطن يحسب أنهم قالوا: السلام، وهم ما قالوا: السلام، قالوا: السام.
المقصود أنَّ مَن كان في كلامه له تأويل، أو في عداوته وبُغضه له تأويل، أو يُرجى إسلامه، أو في سبِّه مضرة؛ يترك السبّ، أما مَن كان أعلن الشرَّ، وأعلن الحرب، وأعلن الأذى؛ فهذا يُسب ولا كرامةَ، ويُلعن ولا كرامةَ، ويُدعى عليه ولا كرامةَ، كانت هذه حال النبي ﷺ؛ يُفرِّق بين الناس عليه الصلاة والسلام: قوم يسبُّهم، وقوم يدعو لهم؛ لأنهم ما آذوه ولا فعلوا ما يُوجب أن يسبّهم، ولما قيل: يا رسول الله، إنَّ دوسًا امتنعت عن الإسلام واستعصت فادعُ عليهم، قال: اللهم اهدِ دوسًا وَأْتِ بهم، اللهم اهدِ دوسًا وَأْتِ بهم، فهداهم الله وجاءوا.
فالحاصل أن ولاة الأمور والعلماء والمسلمين عليهم في هذا التَّأسي به ﷺ: في مقام السبِّ يسبُّون، وفي مقام الدعاء يدعون، تُلاحظ أحوال الناس، فإذا كان الرفقُ أنسب رفق، وإذا كان الدعاء لهم أنسب دعا لهم، وإذا كان الدعاء عليهم أنسب دعا عليهم، فالناس لهم أحوال، ولهم صفات يختلفون فيها: في عداوتهم، وفي شرِّهم، وفي آذاهم، وفي ظُلمهم.
س: أيش معنى: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ [آل عمران:128]؟
ج: يعني: الأمر بيد الله، هذا معناه، يعني: ليس الأمر بيدك تهديهم أو تُهلكهم، الأمر بيد الله .
س: يعني الدعاء سُنيته مُستمرة إذا نزلت نازلةٌ بالمسلمين؟
ج: نعم، لكن يُبين للعباد أنَّ الأمر بيده سبحانه وتعالى، أنتم عليكم الدعاء، والأمر بيد الله، لا تستطيعون النصر، الأمر بيد الله، العباد عليهم الدعاء، وعليهم الجهاد، وعليهم الإعداد، والتوفيق بيد الله ، ينصر مَن يشاء، ويُؤجل الفتح تارةً، ويُعجِّله تارةً، هو الحكيم العليم .
س: يقنط بالناس فجرًا دائما؟
ج: النبي ما كان يُديم القنوت، تارةً وتارةً، تارة يقنت، وتارة يترك، إذا جاءت الحاجات.
س: إذن يجوز سبّ الكافر بعينه؟
ج: إذا اشتدَّ شرُّه وأذاه فلا بأس، مثلما دعا النبيُّ على أبي جهلٍ، وعلى صفوان بن أمية، وجماعة، إذا اشتدَّ أذاهم.
س: والفاسق؟
ج: الفاسق ينبغي ألا يُسبَّ بعينه: لعن الله الظالمين، لعن الله الفاسقين، لعن الله السراق، لعن الله الزناة، لكن لا يُسَبُّ واحدٌ معين، هذا هو الأفضل، وبعض أهل العلم يُجيز ذلك، لكن الأفضل عدم سبِّ المعين، قد يهديه الله، تُرجى له الهداية، ترك سبِّ المعين أولى مطلقًا، إلا إذا اشتدَّ الأذى، مثلما سبَّ النبي أبا جهلٍ لشدة آذاه وجماعة آخرين .....
س: .............؟
ج: قال: يُستجاب لنا فيهم، ولا يُستجاب لهم فينا.
الطالب: عندنا: حدَّثنا محمد بن المُثنى، حدثنا الأنصاري؟
الشيخ: أيش عندك؟
الطالب: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا هشام.
الشيخ: انظر الشارح أيش قال؟
الطالب: قال العيني: "ذكر الأنصار"، قال: والأنصاري هو محمد بن عبدالله بن المثنى القاضي، وهو من شيوخ البخاري، وأخرجه عنه هنا بالواسطة، وهشام بن حسان هذا وإن تكلم فيه بعضُهم من قبل حفظه، لكنه أثبت الناس في الشيخ الذي حدَّث عنه حديث الباب، وهو محمد بن سيرين، وقال سعيد بن أبي عروبة: ما كان أحد أحفظ عن ابن سيرين من هشام بن حسان وعبيدة.
الشيخ: والحافظ أيش قال؟
الطالب: وَقَوْلُهُ فِي السَّنَدِ: "حَدَّثَنَا الْأَنْصَارِيُّ" يُرِيدُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِاللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى الْقَاضِي، وَهُوَ مِنْ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ، وَلَكِنْ رُبَّمَا أَخْرَجَ عَنْهُ بِوَاسِطَةٍ كَالَّذِي هُنَا.
الشيخ: صلحه، ساقطة عندك، صلحه عندك، بعد محمد بن المثنى: حدثنا الأنصاري.
الطالب: تكلم على .......
الشيخ: أيش قال؟
الطالب: الْحَدِيثُ الثَّامِنُ حَدِيثُ عَلِيٍّ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ يَوْمَ الْخَنْدَقِ. الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: مَلَأَ اللَّهُ قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ نَارًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَأَشَرْتُ إِلَى اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي الصَّلَاةِ الْوُسْطَى، وَبَلَّغْتُهُ إِلَى عِشْرِينَ قَوْلًا، وَقَدْ تَعَسَّفَ أَبُو الْحَسَنِ ابْنُ الْقَصَّارِ فِي تَأْوِيلِهِ فَقَالَ: إِنَّمَا تَسْمِيَةُ الْعَصْرِ وُسْطَى يَخْتَصُّ بِذَلِكَ الْيَوْمِ؛ لِأَنَّهُمْ شُغِلُوا عَنِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ، فَكَانَتِ الْعَصْرُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الثَّلَاثَةِ الَّتِي شُغِلُوا عَنْهَا وُسْطَى، لَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُسْطَى تَفْسِيرُ مَا وَقَعَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ.
قُلْتُ: وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ: وَهِيَ صَلَاةُ الْعَصْرِ جَزَمَ الْكِرْمَانِيُّ بِأَنَّهُ مُدْرَجٌ فِي الْخَبَرِ مِنْ قَوْلِ بَعْضِ رُوَاتِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْجِهَادِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ، وَفِي الْمَغَازِي مِنْ رِوَايَةِ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ، وَفِي التَّفْسِيرِ مِنْ رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، وَمِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ، وَلَمْ يَقَعْ عِنْدَهُ ذِكْرُ صَلَاةِ الْعَصْرِ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ، إِلَّا أَنَّهُ وَقَعَ فِي الْمَغَازِي: إِلَى أَنْ غَابَتِ الشَّمْسُ، وَهُوَ مُشْعِرٌ بِأَنَّهَا الْعَصْرُ.
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ، وَمِنْ رِوَايَةِ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، وَمِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ هِشَامٍ كَذَلِكَ، وَلَكِنْ بِلَفْظِ: شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى: صَلَاةِ الْعَصْرِ. وَكَذَا أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ شُتَيْرِ بْنِ شَكَلٍ، عَنْ عَلِيٍّ، وَمِنْ طَرِيقِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ مِثْلَهُ سَوَاءً، وَأَصْرَحُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ مَرْفُوعًا: شَغَلُونَا عَنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ مِنْ نَفْسِ الْحَدِيثِ.
الشيخ: ماشٍ، ماشٍ، نعم.
بَاب الدُّعَاءِ لِلْمُشْرِكِينَ
6397- حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : قَدِمَ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ دَوْسًا قَدْ عَصَتْ وَأَبَتْ، فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهَا، فَظَنَّ النَّاسُ أَنَّهُ يَدْعُو عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا، وَأْتِ بِهِمْ.
الشيخ: وهذا مثلما تقدم أنه يُبين أن الناس ليسوا على حدٍّ سواء، وإن كانوا كفَّارًا، لكن يختلفون: منهم مَن يُدعى عليه، ومنهم مَن يستحق أن يُدعى له.
الطالب: ما تكلم على الضبط، لكن ..... يقول: والسامة والسام كالخيزران ..... وابن نوح ......
س: .............؟
ج: لا، ما في إلا محمد بن المثنى واحد، هاك محمد بن عبدالله بن المثنى من أولاد أنس، أما هذا: محمد بن المثنى العنزي أبو موسى.
س: أيهما؟
ج: شيخ البخاري محمد بن المثنى العنزي، وذاك كذلك الذي يروي عنه بغير واسطةٍ الأنصاري محمد بن عبدالله بن المثنى، الذي هو المثنى جده، وهذا أبو موسى المثنى، أب، وهذا أكثر، يعني: محمد بن المثنى أبو موسى في رواية البخاري ..... أكثر.
بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ
6398- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُالمَلِكِ بْنُ صَبَّاحٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ: رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي، وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي كُلِّهِ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطَايَايَ وَعَمْدِي وَجَهْلِي وَهَزْلِي، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ المُقَدِّمُ وَأَنْتَ المُؤَخِّرُ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
وَقَالَ عُبَيْدُاللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ: وَحَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ ابْنِ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِنَحْوِهِ.
6399- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُاللَّهِ بْنُ عَبْدِالمَجِيدِ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ ابْنِ أَبِي مُوسَى، وَأَبِي بُرْدَةَ -أَحْسِبُهُ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ- عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي، وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي هَزْلِي وَجِدِّي، وَخَطَايَايَ وَعَمْدِي، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي.
الشيخ: وهذا فيه تواضعه ﷺ، وانكساره بين يدي الله، واجتهاده في الدعاء، مع أنه مغفورٌ له عليه الصلاة والسلام، هذا فيه الحثُّ والتحريض على التَّأسي به في هذا عليه الصلاة والسلام، إذا كان مغفورًا له وهذا اجتهاده؛ فأنت يا عبدالله أوْلى وأوْلى بأن تحذر وتحرص على هذا الدعاء؛ لأنك لا تدري، نعم.
بَاب الدُّعَاءِ فِي السَّاعَةِ الَّتِي فِي يَوْمِ الجُمُعَةِ
6400- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو القَاسِمِ ﷺ: فِي يَوْمِ الجُمُعَةِ سَاعَةٌ لا يُوَافِقُهَا مُسْلِمٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا إِلَّا أَعْطَاهُ. وَقَالَ بِيَدِهِ، قُلْنَا: يُقَلِّلُهَا، يُزَهِّدُهَا.
س: قال بيده؟
ج: يعني: قليلة، ما هي طويلة، اغتنموها.
س: ............؟
ج: انظر أول ما قرأت ..... الظاهر -والله أعلم- يعني: أنه يُشير بأصابعه للتَّقليل، هكذا، يعني: شيء يعرف الناس أنه أراد التَّقليل.
الطالب: قَوْلُهُ: (بَابُ الدُّعَاءِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ) كَذَا أَطْلَقَ هُنَا، وَقَيَّدَهُ فِي الْجِهَادِ بِالْهَزِيمَةِ وَالزَّلْزَلَةِ، وَذَكَرَ فِيهِ أَحَادِيث:
الأول: قَوْله: وَقَالَ ابنُ مَسْعُودٍ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَيْهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ، وَهَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ تَقَدَّمَ مَوْصُولًا فِي كِتَابِ الِاسْتِسْقَاءِ، وَتَقَدَّمَ شَرْحُهُ هُنَاكَ.
الثَّانِي: قَوْلُهُ: وَقَالَ: اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلٍ أَيْ بِإِهْلَاكِهِ، وَسقط هذا التعليق مِنْ رِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ، وَهُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ لِابْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا فِي قِصَّةِ: سَلَى الْجَزُورِ الَّتِي أَلْقَاهَا أَشْقَى الْقَوْمِ عَلَى ظَهْرِ النَّبِيِّ ﷺ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَوْصُولًا فِي الطَّهَارَةِ، وَهُوَ رَابِعُ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ فِي التَّرْجَمَةِ الَّتِي أَشَرْتُ إِلَيْهَا آنِفًا فِي كتاب الْجِهَاد.
الثَّالِث: قَوْله: وَقَالَ ابنُ عُمَرَ: "دَعَا النَّبِيُّ ﷺ فِي الصَّلَاةِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلَانًا وَفُلَانًا، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ : لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ [آل عمران:128]". هَذَا أَيْضًا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ تَقَدَّمَ مَوْصُولًا فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ، وَفِي تَفْسِيرِ آلِ عِمْرَانَ، وَتَقَدَّمَ شَرْحُهُ وَتَسْمِيَةُ مَنْ أبهم من الْمَدْعُو عَلَيْهِم.
الحَدِيث الرَّابِع: [6392] قَوْله: (حَدثنَا ابن سَلَامٍ) هُوَ مُحَمَّدُ ابْنُ أَبِي خَالِدٍ، اسْمُهُ إِسْمَاعِيل.
الشيخ: هو محمد، وابن أبي خالد هو إسماعيل، ساقطة الواو.
الطالب: قَوْله: (حَدثنَا ابن سَلَامٍ) هُوَ مُحَمَّدُ، وابْنُ أَبِي خَالِدٍ اسْمُهُ إِسْمَاعِيل، وابن أَبِي أَوْفَى هُوَ عَبْدُاللَّهِ.
قَوْلُهُ: (عَلَى الْأَحْزَابِ) تَقَدَّمَ الْمُرَادُ بِهِ قَرِيبًا، وَ«سَرِيعُ الْحِسَابِ» أَيْ: سَرِيعٌ فِيهِ، أَوِ الْمَعْنَى: أَنَّ مَجِيءَ الْحِسَابِ سَرِيعٌ، وَتَقَدَّمَ شَرْحُ الْحَدِيثِ مُسْتَوْفًى فِي بَابِ لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ مِنْ كِتَابِ "الْجِهَادِ".
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: حَدِيث أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الدُّعَاءِ فِي الْقُنُوتِ لِلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
الشيخ: يكفي، وأحسن ما في هذا أن يُقال: الله أعلم؛ لأنَّ المقام مقام احتمال، وليس فيه نص يفصل في النزاع، والله أعلم، السياق واضح في أن (ما) موصولة، وليست نافيةً، أما كونهما قُيّضا لهذا؛ فالله حكيم عليم جلَّ وعلا، سواء كانا مَلَكَيْن أو مَلِكَيْن.
بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: يُسْتَجَابُ لَنَا فِي اليَهُودِ، وَلا يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِينَا
6401- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُالوَهَّابِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ اليَهُودَ أَتَوُا النَّبِيَّ ﷺ فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ، قَالَ: وَعَلَيْكُمْ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: السَّامُ عَلَيْكُمْ، وَلَعَنَكُمُ اللَّهُ، وَغَضِبَ عَلَيْكُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَهْلًا يَا عَائِشَةُ، عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ، وَإِيَّاكِ وَالعُنْفَ أَوِ الفُحْشَ، قَالَتْ: أَوَ لَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟! قَالَ: أَوَلَمْ تَسْمَعِي مَا قُلْتُ؟ رَدَدْتُ عَلَيْهِمْ، فَيُسْتَجَابُ لِي فِيهِمْ، وَلا يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِيَّ.
الشيخ: وهذا الذي وقع من ...... بإثبات الواو: وعليكم يقول إنها تقتضي المشاركة، ويرجح الرواية الأخرى: عليكم بالواو، يقول ﷺ: إن قلنا وعليكم بالواو فإنه يُستجاب لنا، ولا يُستجاب لهم، فلا بأس بأن يأتي بالواو، ولهذا فالصحيح من القولين أنهم يُجابون بـ"عليكم" كما في الروايات الصحيحة بالواو، فيُستجاب لنا فيهم: أي في الدعوة، ولا يُستجاب لهم فينا، مع أنا إذا قصدنا السلامَ فهو دعاء له بالسلامة، وإن قصدوا هم السام فعليهم ما أرادوا، يعني: إن أرادوا السلام فقد دعونا لهم بمثل ما دعوا لنا، وإن أرادوا السام وهو الموت فقد قلنا: وعليكم، يعني: الموت والهلاك والدمار، فيُستجاب لنا فيهم، ولا يُستجاب لهم فينا.
س: ..........؟
ج: نعم، أحد الأئمة يقول: عليكم، بدون واو، كما في الروايات عن النبي ﷺ.
بَاب التَّأْمِينِ
6402- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِاللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: الزُّهْرِيُّ حَدَّثَنَاهُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: إِذَا أَمَّنَ القَارِئُ فَأَمِّنُوا، فَإِنَّ المَلائِكَةَ تُؤَمِّنُ، فَمَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ المَلائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ.
بَاب فَضْلِ التَّهْلِيلِ
6403- حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سُمَيٍّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَنْ قَالَ: لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فِي يَوْمٍ مِئَةَ مَرَّةٍ كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَ لَهُ مِئَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِئَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ، إِلَّا رَجُلٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْهُ.
الشيخ: مما جاء به؟ ما عندكم: به؟
الطالب: لا.
الشيخ: زيادة "به" ما تحرَّاها الشارح؟ يمكن رواية.
الطالب: قَوْلُهُ: وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ، كَذَا هُنَا، وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ يُوسُفَ: مِمَّا جَاءَ بِهِ.
الشيخ: نعم، هذا، وزاد الترمذي رحمه الله بإسنادٍ صحيحٍ زيادة: يُحيي ويُميت، وهذا فضلٌ عظيمٌ ينبغي للمؤمن ألا يدع هذا الذكر كل يومٍ، سواء في أول الصباح، أو في أثناء النهار، لكن إذا كان في أول الصباح كان أفضل؛ حتى يعمَّ اليوم كله: لا إله إلا الله، وحده لا شريكَ له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قدير مئة مرة، إذا قالها كانت عدل عشر رقابٍ يُعتقها، وكتب الله له مئة حسنةٍ، ومحا عنه مئة سيئةٍ، وكان في حرزٍ من الشيطان في يومه حتى يُمسي، ولم يأت أحدٌ بأفضلَ مما جاء به، إلا رجلٌ عمل أكثر من عمله.
فهذا خيرٌ عظيمٌ مع قلَّة الكُلفة والمؤنة في هذا الشيء، فينبغي للمؤمن أن يحرص على هذا الخير العظيم، ويكون له نصيبٌ من ذلك في جميع أيامه، فتارةً يقول: له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قدير، وتارةً يقول: له الملك، وله الحمد، يُحيي ويُميت، وهو على كل شيءٍ قدير؛ لأنَّ هذا جاء، وهذا جاء.
وهكذا زيادة: بيده الخير، وهكذا في بعض الروايات.
المقصود أنَّ أنواع الذكر كثيرة، فالمؤمن يستعملها كما جاءت عن النبي عليه الصلاة والسلام، ولا سيما هذا الذكر العظيم الذي فيه هذا الثواب العظيم: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يُحيي ويُميت، وهو على كل شيء قدير مئة مرة، دقيقة يأتي بهذا أو دقيقتان في هذا الخير العظيم كانت له عدل عشر رقاب.
وفي الحديث الصحيح: مَن أعتق رقبةً مؤمنةً أعتق الله بكلِّ عضوٍ منها عضوًا من النار، حتى فرجه بفرجه، هذه عدل عشر رقاب، ومع ذلك يكتب الله له مئة حسنةٍ، ويمحا عنه مئة سيئة، ويكون في حرزٍ من الشيطان في يومه حتى يُمسي، ولم يأتِ أحدٌ بأفضل مما جاء به، إلا رجلٌ عمل أكثر من عمله. هذا خيرٌ عظيمٌ، ما ينبغي لعاقلٍ أن يُفرط في هذا الخير العظيم.
ولعلَّ المؤلف ذكره هنا؛ لأنَّ الذكر وإن كان لفظه الذكر لكنه دعاء في المعنى؛ لأنَّ الباب باب الدُّعاء، فالذاكر إنما ذكر يدعو ربَّه في المعنى، يطلب منه هذا الثواب العظيم، فالذاكرون حين يذكرون الله بعد الصلاة وفي أي وقتٍ مقصودهم الدعاء، مقصودهم طلب الأجر، طلب الثواب من ربِّهم ، فالذكر دعاء في المعنى، ويُسمَّى: دعاء العبادة.
س: ............؟
ج: الرواية فيها ضعف .....: الدعاء هو العبادة في الحديث الصحيح.
س: ..............؟
ج: لعلَّ هذا مرة، وهذا مرة يكون أحسن، والأمر واسعٌ في هذا.
الشيخ: يعني: استنباطًا من هذا، إذا كانت مئة بعشر رقاب .....، لكن جاء ما هو أفضل من هذا من فضل الله : في "الصحيحين" من حديث أبي أيوب الأنصاري ، عن النبي ﷺ أنه قال: مَن قال: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، عشر مرات، كان كمَن أعتق أربعة أنفسٍ من ولد إسماعيل، هذا فضله جلَّ وعلا، فهي قلَّة، يُشجع سبحانه على هذا الخير العظيم على يد رسوله ﷺ، وإذا كانت مئةً صارت عدل عشر رقاب، وأُضيف إليها المئة حسنة، ومحو المئة سيئة، ويكون في حرزٍ من الشيطان في يومه ذلك حتى يُمسي، ففي اقتصاره على عشر كان كمَن أعتق أربعة أنفسٍ من ولد إسماعيل، وليس معها البقية الأخرى، وإذا كان مئةً اجتمع له هذا الخير كله، وهذا فضله، وهو الحكيم العليم .
س: تخصيص ولد إسماعيل؟
ج: مزية؛ لأنهم أولاد الأنبياء، إسماعيل نبي، والرسول عليه الصلاة والسلام مثلما قال في قصة عائشة في الجارية: أعتقيها؛ فإنها من ولد إسماعيل، وقد جاء في الحديث الصحيح: إنَّ الله اختار من بني آدم بني إسماعيل، واختار من بني إسماعيل كنانة، واختار من كنانة قريشًا، واختار من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم رواه مسلم في "الصحيح"، لهم مزية، ولهم فضلٌ خاصٌّ.
الطالب: قَالَ عمرو: وَحَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ ابْنُ أَبِي السَّفَرِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ رَبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ، مِثْلَهُ.
س: ..............؟
ج: أيش قال على: (وقال عمرو) الشارح؟
الطالب: في المتن يتكلم عليه الآن.
الشيخ: نعم، نعم.
الطالب: فَقُلْتُ لِلرَّبِيعِ: مِمَّنْ سَمِعْتَهُ؟ فَقَالَ: مِنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، فَأَتَيْتُ عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ فَقُلْتُ: مِمَّنْ سَمِعْتَهُ؟ فَقَالَ: مِن ابْنِ أَبِي لَيْلَى، فَأَتَيْتُ ابْنَ أَبِي لَيْلَى فَقُلْتُ: مِمَّنْ سَمِعْتَهُ؟ فَقَالَ: مِنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ، يُحَدِّثهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ: عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، قَوْلَهُ: عَنِ النَّبِيِّ ﷺ.
وَقَالَ مُوسَى: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ.
وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ: عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَوْلَهُ.
وَقَالَ آدَمُ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُالمَلِكِ بْنُ مَيْسَرَةَ: سَمِعْتُ هِلالَ بْنَ يَسَافٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ، وَعَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَوْلَهُ.
وَقَالَ الأَعْمَشُ وَحُصَيْنٌ: عَنْ هِلالٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ، قَوْلَهُ.
وَرَوَاهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الحَضْرَمِيُّ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: كَانَ كَمَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ أَبُو عَبْدِاللَّهِ: وَالصَّحِيحُ قَوْل عَمْرٍو.
قال الحافظُ أبو ذرٍّ الهروي: صوابه: عمر، وهو ابن أبي زائدة.
قال اليونيني: قلتُ: وعلى الصواب ذكره أبو عبدالله البخاري في الأصل كما تراه، لا عمرو.
الشيخ: عمر ابن أبي زائدة، نعم ............ مقتضى التَّصويب الأخير أنه قال: عمر، وحدثنا، لكن الأصل أنها عمرو، ثم بيَّن المؤلفُ الصوابَ أنها عمر.
بَاب فَضْلِ التَّسْبِيحِ
6405- حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سُمَيٍّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، فِي يَوْمٍ مِئَةَ مَرَّةٍ، حُطَّتْ خَطَايَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ.
الشيخ: وهذا أخفّ وأخفّ: "سبحان الله وبحمده" مئة مرة، زاد أبو دواد بإسنادٍ صحيحٍ: "سبحان الله العظيم وبحمده"، زيادة "العظيم" مئة مرة، هذا أيضًا فضل كبير، وعمل قليل، والله أكبر، وهذه من أحاديث الفضائل.
جاء في الحديث الصحيح: الصلوات الخمس، ورمضان إلى رمضان، والجمعة إلى الجمعة كفَّارات لما بينهنَّ ما لم تُغْشَ الكبائر، فالجمهور يُقيدون مثل هذه الروايات بأنها: عند اجتناب الكبائر، كما قال : إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [النساء:31]، فاجتناب الكبائر من أسباب أنَّ هذه الأعمال الصَّالحات يمحو الله بها الخطايا، ويُكفِّر بها السيئات، بسبب اجتناب العبد للكبائر، وإذا أتى بهذه الأذكار العظيمة صار ذلك أيضًا من الأسباب.
س: ............؟
ج: صباح ومساء، في رواية مسلم: مَن قال حين يُصبح وحين يُمسي، صباح ومساء.
س: ............؟
ج: الذي أعرف: سبحان الله وبحمده، لكن زاد مسلم: حين يُصبح، وحين يُمسي، أما العظيم فتُروى من زيادة أبي دواد بإسنادٍ صحيحٍ.
الشيخ: ختم المؤلفُ بهذا الحديث كتابه، آخر حديثٍ فيه هذا الحديث، لكن بتقديم: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، وهو الأشهر في الروايات؛ تقديم سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي المِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ العَظِيمِ.