107 من حديث: (يخلص المؤمنون من النار فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار..)

بَاب مَنْ نُوقِشَ الحِسَابَ عُذِّبَ
6536 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مَنْ نُوقِشَ الحِسَابَ عُذِّبَ قَالَتْ: قُلْتُ: أَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا [الانشقاق:8] قَالَ: ذَلِكِ العَرْضُ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الأَسْوَدِ، سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ مِثْلَهُ. وَتَابَعَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمٍ، وَأَيُّوبُ، وَصَالِحُ بْنُ رُسْتُمَ، عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ.

الشيخ: المعنى أن المؤمن يحاسب حسابًا يسيرًا ثم يدخل الجنة ولا يرى إلا الخير كما قال : فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ ۝ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ۝ وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا [الانشقاق:7-9] أما من نوقش الحساب على أعماله وعلى أخطائه وأغلاطه فإنه يعذب؛ لأنه لا بدّ له من أخطاء وأغلاط كثيرة، والله المستعان.
6537 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ أَبِي صَغِيرَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، حَدَّثَنِي القَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لَيْسَ أَحَدٌ يُحَاسَبُ يَوْمَ القِيَامَةِ إِلَّا هَلَكَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا [الانشقاق:8] فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّمَا ذَلِكِ العَرْضُ، وَلَيْسَ أَحَدٌ يُنَاقَشُ الحِسَابَ يَوْمَ القِيَامَةِ إِلَّا عُذِّبَ.
الشيخ: والعرض يعني تعرض أعماله عليه ثم يسمح له في دخول الجنة، تعرض أعماله عليه مع إقرار عينه بعدم.. ما يسوؤه.
6538 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِاللَّهِ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ : أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقُولُ: يُجَاءُ بِالكَافِرِ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيُقَالُ لَهُ: أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ مِلْءُ الأَرْضِ ذَهَبًا، أَكُنْتَ تَفْتَدِي بِهِ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيُقَالُ لَهُ: قَدْ كُنْتَ سُئِلْتَ مَا هُوَ أَيْسَرُ مِنْ ذَلِكَ.
الشيخ: يعني سئل ما هو أيسر وهو ألا يشرك بالله فأبى إلا الشرك، نسأل الله العافية، وفي اللفظ الآخر: لقد أردت منك ما هو أيسر من ذلك ألا تشرك بي فأبيت إلا الشرك.
6539 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي الأَعْمَشُ، قَالَ: حَدَّثَنِي خَيْثَمَةُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَسَيُكَلِّمُهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، لَيْسَ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ، ثُمَّ يَنْظُرُ فَلاَ يَرَى شَيْئًا قُدَّامَهُ، ثُمَّ يَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَتَسْتَقْبِلُهُ النَّارُ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَّقِيَ النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ.
6540 - قَالَ الأَعْمَشُ، حَدَّثَنِي عَمْرٌو، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: اتَّقُوا النَّارَ ثُمَّ أَعْرَضَ وَأَشَاح، ثُمَّ قَالَ: اتَّقُوا النَّارَ ثُمَّ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ ثَلاَثًا، حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ: اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ.

الشيخ: اللهم صل عليه، قد بلغ وأنذر.
س: معنى كلمة أشاح؟
الشيخ: أعرض، يعني أشاح بعنقه: التفت.
س: ورد الدعاء: اللهم حاسبني حسابًا يسيرًا؟
الشيخ: ما أعرف فيه شيء.. شف كلامه على ذلك العرض؟
الطالب: ................
قَوْله: إِنَّمَا ذَلِك الْعَرْضُ فِي رِوَايَة الْقَطَّانِ: قَالَ ذَاكِ الْعَرْضُ تُعْرَضُونَ وَمَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ هَلَكَ، وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ لِهَذَا الْحَدِيثِ شَاهِدًا مِنْ رِوَايَة هَمَّام عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَس رَفَعَهُ: مَنْ حُوسِبَ عُذِّبَ وَقَالَهُ غَرِيب. قُلْت: وَالرَّاوِي لَهُ عَنْ هَمَّام عَلَى بْن أَبِي بَكْر صَدُوقٌ وَرُبَّمَا أَخْطَأَ، قَالَ الْقُرْطُبِيّ: مَعْنَى قَوْله: إِنَّمَا ذَلِك الْعَرْضُ أَنَّ الْحِسَابَ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ إِنَّمَا هُوَ أَنْ تُعْرَضَ أَعْمَالُ الْمُؤْمِنِ عَلَيْهِ حَتَّى يَعْرِفَ مِنَّةَ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي سَتْرِهَا عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَفِي عَفْوِهِ عَنْهَا فِي الْآخِرَةِ كَمَا فِي حَدِيث اِبْنِ عُمَرَ فِي النَّجْوَى، قَالَ عِيَاضٌ: قَوْله "عُذِّبَ" لَهُ مَعْنَيَانِ: أَحَدهمَا أَنَّ نَفْسَ مُنَاقَشَةِ الْحِسَابِ وَعَرْض الذُّنُوبِ وَالتَّوْقِيف عَلَى قَبِيح مَا سَلَفَ وَالتَّوْبِيخ تَعْذِيب، وَالثَّانِي: أَنَّهُ يُفْضِي إِلَى اِسْتِحْقَاق الْعَذَابِ إِذْ لَا حَسَنَةَ لِلْعَبْدِ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِإِقْدَارِهِ عَلَيْهَا وَتَفْضِيلِهِ عَلَيْهِ بِهَا وَهِدَايَته لَهَا وَلِأَنَّ الْخَالِص لِوَجْهِهِ قَلِيلٌ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا الثَّانِيَ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: "هَلَكَ"، وَقَالَ النَّوَوِيّ: التَّأْوِيل الثَّانِي هُوَ الصَّحِيح؛ لِأَنَّ التَّقْصِير غَالِبٌ عَلَى النَّاسِ، فَمَنْ اُسْتُقْصِيَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُسَامَحْ هَلَكَ.
الشيخ: جاء في حديث النجوى أن العرض عليه أنها تعرض عليه أعماله خيرها وشرها، فإذا رأى شرها قال: يا رب ألم..... لي، قال: سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم.
الطالب: وَقَالَ غَيْره: وَجْه الْمُعَارَضَة أَنَّ لَفْظ الْحَدِيث عَامٌّ فِي تَعْذِيب كُلّ مَنْ حُوسِبَ وَلَفْظ الْآيَة دَالٌّ عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ لَا يُعَذَّبُ؛ وَطَرِيق الْجَمْع أَنَّ الْمُرَاد بِالْحِسَابِ فِي الْآيَة الْعَرْض وَهُوَ إِبْرَاز الْأَعْمَال وَإِظْهَارهَا فَيُعَرِّف صَاحِبهَا بِذُنُوبِهِ ثُمَّ يَتَجَاوَز عَنْهُ، وَيُؤَيِّدهُ مَا وَقَعَ عِنْد الْبَزَّار وَالطَّبَرِيّ مِنْ طَرِيق عَبَّاد بْن عَبْداللَّه بْن الزُّبَيْر: "سَمِعْت عَائِشَة تَقُول: سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ الْحِسَابِ الْيَسِيرِ قَالَ: الرَّجُلُ تُعْرَضُ عَلَيْهِ ذُنُوبُهُ ثُمَّ يُتَجَاوَزُ لَهُ عَنْهَا"، وَفِي حَدِيث أَبِي ذَرٍّ عِنْدَ مُسْلِمٍ: "يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَوْم الْقِيَامَة فَيُقَال اِعْرِضُوا عَلَيْهِ صِغَار ذُنُوبه"، الْحَدِيثَ وَفِي حَدِيث جَابِر عِنْد اِبْن أَبِي حَاتِم وَالْحَاكِم: "مَنْ زَادَتْ حَسَنَاتُهُ عَلَى سَيِّئَاتِهِ فَذَاكَ الَّذِي يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ. وَمَنْ اِسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُ وَسَيِّئَاتُهُ فَذَاكَ الَّذِي يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ثُمَّ يَدْخُل الْجَنَّة، وَمَنْ زَادَتْ سَيِّئَاتُهُ عَلَى حَسَنَاتِهِ فَذَاكَ الَّذِي أَوْبَقَ نَفْسَهُ وَإِنَّمَا الشَّفَاعَةُ فِي مِثْلِهِ"، وَيَدْخُل فِي هَذَا حَدِيث اِبْن عُمَر فِي النَّجْوَى، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّف فِي كِتَاب الْمَظَالِم وَفِي تَفْسِير سُورَة هُود وَفِي التَّوْحِيد وَفِيهِ: "وَيَدْنُو أَحَدكُمْ مِنْ رَبّه حَتَّى يَضَع كَنَفَهُ عَلَيْهِ فَيَقُول: أَعَمِلْت كَذَا وَكَذَا؟ فَيَقُول: نَعَمْ فَيُقَرِّرُهُ. ثُمَّ يَقُول: إِنِّي سَتَرْت عَلَيْك فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَك الْيَوْمَ"، وَجَاءَ فِي كَيْفِيَّة الْعَرْضِ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَة عَلِىّ بْن عَلِيٍّ الرِّفَاعِيِّ عَنْ الْحَسَن عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَفَعَهُ: "تُعْرَض النَّاس يَوْم الْقِيَامَة ثَلَاث عَرْضَات: فَأَمَّا عَرْضَتَانِ فَجِدَالٌ وَمَعَاذِيرُ وَعِنْد ذَلِكَ تَطِيرُ الصُّحُفُ فِي الْأَيْدِي فَآخِذٌ بِيَمِينِهِ وَآخِذٌ بِشِمَالِهِ" قَالَ التِّرْمِذِيّ: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَة وَقَدْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ عَلِىّ بْن عَلِيٍّ الرِّفَاعِيِّ عَنْ الْحَسَن عَنْ أَبِي مُوسَى، اِنْتَهَى. وَهُوَ عِنْد اِبْن مَاجَهْ وَأَحْمَد مِنْ هَذَا الْوَجْه مَرْفُوعًا، وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْث بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ عَبْداللَّه بْن مَسْعُود مَوْقُوفًا، قَالَ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ: الْجِدَالُ لِلْكُفَّارِ يُجَادِلُونَ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ رَبَّهُمْ فَيَظُنُّونَ أَنَّهُمْ إِذَا جَادَلُوا نَجَوْا، وَالْمَعَاذِيرُ اِعْتِذَارُ اللَّهِ لِآدَمَ وَأَنْبِيَائِهِ بِإِقَامَتِهِ الْحُجَّةَ عَلَى أَعْدَائِهِ، وَالثَّالِثَة لِلْمُؤْمِنِينَ وَهُوَ الْعَرْضُ الْأَكْبَرُ.
(تَنْبِيهٌ): وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِابْنِ مَرْدَوَيْهِ عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَة مَرْفُوعًا: "لَا يُحَاسَب رَجُلٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ".
الشيخ: الظاهر -والله أعلم- أنه انقلاب.. ابن مردويه. ..قد يكون مما انقلب على بعض الرواة من شيخه أو بعد شيخه.. لا يناقش الحساب أحد إلا هلك انقلب عليه ظاهره، والله أعلم أنه انقلاب.
س:............
الشيخ: قول لبعض السلف.
[مناقشة غير واضحة].................... 
بَاب يَدْخُلُ الجَنَّةَ سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ
6541 - حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ، ح: وَحَدَّثَنِي أَسِيدُ بْنُ زَيْدٍ،

الشيخ: أسيد علق عليه؟ هذا غريب شيخ غريب.
الطالب: قَوْله: (وَحَدَّثَنِي أَسِيدٌ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ هُوَ اِبْنُ زَيْدٍ الْجَمَّال بِالْجِيمِ كُوفِيٌّ حَدَّثَ بِبَغْدَاد، قَالَ أَبُو حَاتِم: كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ فِيهِ وَضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ، وَأَفْحَشَ اِبْن مَعِينٍ فِيهِ الْقَوْلَ. وَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْمَوْضِعِ وَقَدْ قَرَنَهُ فِيهِ بِغَيْرِهِ، وَلَعَلَّهُ كَانَ عِنْده ثِقَة قَالَهُ أَبُو مَسْعُود، وَيَحْتَمِل أَنْ لَا يَكُون خَبُرَ أَمْرَهُ كَمَا يَنْبَغِي وَإِنَّمَا سَمِعَ مِنْهُ هَذَا الْحَدِيث الْوَاحِد، وَقَدْ وَافَقَهُ عَلَيْهِ جَمَاعَة مِنْهُمْ شُرَيْح بْن النُّعْمَانِ.
الشيخ: سريج بالجيم والسين.
الطالب: وَقَدْ وَافَقَهُ عَلَيْهِ جَمَاعَة مِنْهُمْ شُرَيْح بْن النُّعْمَانِ عِنْد أَحْمَد وَسَعِيد بْن مَنْصُور عِنْد مُسْلِم وَغَيْرهمَا، وَإِنَّمَا اِحْتَاجَ إِلَيْهِ فِرَارًا مِنْ تَكْرِير الْإِسْنَاد بِعَيْنِهِ فَإِنَّهُ أَخْرَجَ السَّنَدَ الْأَوَّلَ فِي الطِّبِّ فِي بَابٌ مَنْ اِكْتَوَى ثُمَّ أَعَادَهُ هُنَا فَأَضَافَ إِلَيْهِ طَرِيقَ هُشَيْمٍ، وَتَقَدَّمَ لَهُ فِي الطِّبّ أَيْضًا فِي بَاب مَنْ لَمْ يَرْقِ مِنْ طَرِيق حُصَيْنِ بْن بَهْزٍ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ، وَتَقَدَّمَ بِاخْتِصَارٍ قَرِيبًا مِنْ طَرِيق شُعْبَةَ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ.
الشيخ:.... أعد السند.
الطالب: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ، ح: وَحَدَّثَنِي أَسِيدُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ حُصَيْنٍ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ، فَأَخَذَ النَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ الأُمَّةُ، وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ النَّفَرُ، وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ العَشَرَةُ، وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ الخَمْسَةُ، وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ وَحْدَهُ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ كَثِيرٌ، قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ، هَؤُلاَءِ أُمَّتِي؟ قَالَ: لاَ، وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الأُفُقِ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ كَثِيرٌ، قَالَ: هَؤُلاَءِ أُمَّتُكَ، وَهَؤُلاَءِ سَبْعُونَ أَلْفًا قُدَّامَهُمْ لاَ حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَلاَ عَذَابَ، قُلْتُ: وَلِمَ؟ قَالَ: كَانُوا لاَ يَكْتَوُونَ، وَلاَ يَسْتَرْقُونَ، وَلاَ يَتَطَيَّرُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ  فَقَامَ إِلَيْهِ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ، فَقَالَ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، قَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ آخَرُ قَالَ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، قَالَ: سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ.
الشيخ: والمعنى أنهم كانوا غاية في الاستقامة وأداء الفرائض وترك المحارم وترك بعض الأشياء التي في قسم المباح توكلًا على الله وتلذذًا بما يصيبهم واكتفاءً بما شرع من الأسباب المباحة والمشروعة، وتركوا ما يكره كالكي وما ينبغي تركه أيضًا وهو السؤال والاسترقاء اكتفاء بما لديهم من الأسباب الأخرى، وتوكلًا على الله عز وجل، وثقة به ، أما الطيرة فهي من الشرك، في قسم الشرك؛ لأنها تشاؤم، تركوها أيضًا ولم يأتوا من الأسباب إلا ما سمعوا به أنه مشروع أو مباح لا شبهة فيه، حرصًا منهم على كمال إيمانهم وكمال تقواهم، وتقدم في الأحاديث الصحيحة ما يدل على جواز الاسترقاء إذا دعت الحاجة إليه، وجواز الكي إذا دعت الحاجة إليه، ولكن تركهما أفضل عند الاستغناء عنهما وعند وجود ما يكفي عنهما، ولهذا أمر أن يسترقى من العين، وكوى بعض أصحابه، وقال: الشفاء في ثلاث: كية نار وشرطة محجم وشربة عسل وما أحب أن أكتوي وفي اللفظ الآخر: وأنا أنهى أمتي عن الكي، فدل على أنه مكروه لكن عند الحاجة إليه تزول الكراهة، وهكذا الاسترقاء عند عدم الحاجة إليه لوجود ما يغني عن ذلك يكون تركه أوْلى؛ لأنه سؤال وحاجة إلى الناس، والأصل في سؤال الناس أنه أمر مذموم فتركه أوْلى، أما إذا رقى أخاه من دون أن يسأله فهذا مطلوب؛ ولهذا في اللفظ الآخر عند مسلم: فمن استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل.
س: يدخل في ذلك ترك العلاج بالطب الحديث؟
الشيخ: لا ما يدخل في هذا؛ لأن هذا مباح: عباد الله تداووا أمر به النبي ﷺ.
س: لو رقى نفسه بنفسه؟
الشيخ: كذلك كان النبي يرقي نفسه ﷺ.
س: مفهوم العدد في سبعين؟
الشيخ: جاء في رواية أخرى: وزادني مع كل ألف سبعين ألفًا كما ذكره المؤلف، وذكره الحافظ ابن كثير عند قوله سبحانه: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110] فإنه جاء له طرق فيها: زادني مع كل ألف سبعين ألفًا وفي لفظ: مع كل واحد سبعين ألفًا وفي بعضها: وثلاث حثيات من حثيات ربي فالذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب لا يحصيهم إلا الله .
الطالب: أسيد بن زيد بن نجيح الجمال بالجيم الهاشمي مولاهم الكوفي ضعيف، أفرط ابن معين فكذبه، وما له في البخاري سوى حديث واحد مقرون بغيره، من العاشرة، مات قبل العشرين، خ.
س: زيادة يرقون؟
الشيخ: عندكم زيادة يرقون؟
الطالب: نعم.
الشيخ: هذه رواها مسلم؛ ولكنها ضعيفة عند أهل العلم، وغلط من بعض الرواة؛ لأن الرقية من دون سؤال لا بأس بها مشروعة. عندكم نبه على زيادة: يرقون، على رواية: يرقون، هي عند مسلم، ليست عند البخاري!
الطالب: وَوَقَعَ فِي رِوَايَة سَعِيد بْن مَنْصُور عِنْد مُسْلِم: "وَلَا يَرْقُونَ" بَدَل "وَلَا يَكْتَوُونَ" وَقَدْ أَنْكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ تَيْمِيَّةَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَزَعَمَ أَنَّهَا غَلَطٌ مِنْ رَاوِيهَا، وَاعْتَلَّ بِأَنَّ الرَّاقِيَ يُحْسِنُ إِلَى الَّذِي يَرْقِيهِ فَكَيْف يَكُونُ ذَلِكَ مَطْلُوبَ التَّرْكِ؟ وَأَيْضًا فَقَدْ رَقَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ ﷺ.
الشيخ: رقى من باب رمى، رقى يرقي، بخلاف رقي بمعنى صعد.
الطالب: وَرَقَى النَّبِيّ أَصْحَابه وَأَذِنَ لَهُمْ فِي الرُّقَى وَقَالَ: "مَنْ اِسْتَطَاعَ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ" وَالنَّفْعُ مَطْلُوبٌ. قَالَ: وَأَمَّا الْمُسْتَرِقِي فَإِنَّهُ يَسْأَلُ غَيْرَهُ وَيَرْجُو نَفْعَهُ، وَتَمَامُ التَّوَكُّلِ يُنَافِي ذَلِكَ. قَالَ: وَإِنَّمَا الْمُرَاد وَصْف السَّبْعِينَ بِتَمَامِ التَّوَكُّل فَلَا يَسْأَلُونَ غَيْرَهُمْ أَنْ يَرْقِيَهُمْ، وَلَا يَكْوِيهِمْ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ مِنْ شَيْءٍ. وَأَجَابَ غَيْره بِأَنَّ الزِّيَادَة مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ وَسَعِيد بْن مَنْصُور حَافِظٌ وَقَدْ اِعْتَمَدَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم وَاعْتَمَدَ مُسْلِم عَلَى رِوَايَته هَذِهِ وَبِأَنَّ تَغْلِيطَ الرَّاوِي مَعَ إِمْكَانِ تَصْحِيحِ الزِّيَادَةِ لَا يُصَارُ إِلَيْهِ. وَالْمَعْنَى الَّذِي حَمَلَهُ عَلَى التَّغْلِيطِ مَوْجُودٌ فِي الْمُسْتَرِقِي؛ لِأَنَّهُ اِعْتَلَّ بِأَنَّ الَّذِي لَا يَطْلُبُ مِنْ غَيْرِهِ أَنْ يَرْقِيَهُ تَامُّ التَّوَكُّلِ فَكَذَا يُقَال لَهُ وَاَلَّذِي يَفْعَلُ غَيْرُهُ بِهِ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُمَكِّنَهُ مِنْهُ لِأَجْلِ تَمَامِ التَّوَكُّل، وَلَيْسَ فِي وُقُوع ذَلِكَ مِنْ جِبْرِيلَ دَلَالَةٌ عَلَى الْمُدَّعَى وَلَا فِي فِعْل النَّبِيّ ﷺ لَهُ أَيْضًا دَلَالَةٌ لِأَنَّهُ فِي مَقَام التَّشْرِيعِ وَتَبَيُّنِ الْأَحْكَامِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إِنَّمَا تَرَكَ الْمَذْكُورُونَ الرُّقَى وَالِاسْتِرْقَاءَ حَسْمًا لِلْمَادَّةِ؛ لِأَنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَكِلَ نَفْسَهُ إِلَيْهِ وَإِلَّا فَالرُّقْيَة فِي ذَاتهَا لَيْسَتْ مَمْنُوعَةً وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْهَا مَا كَانَ شِرْكًا أَوْ اِحْتَمَلَهُ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ ﷺ: اِعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ، وَلَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ شِرْكٌ فَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى عِلَّةِ النَّهْيِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُ ذَلِكَ وَاضِحًا فِي كِتَاب الطِّبِّ، وَقَدْ نَقَلَ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ غَيْره أَنَّ اِسْتِعْمَال الرُّقَى وَالْكَيّ قَادِح فِي التَّوَكُّل بِخِلَافِ سَائِر أَنْوَاع الطِّبّ، وَفُرِّقَ بَيْن الْقِسْمَيْنِ بِأَنَّ الْبُرْءَ فِيهِمَا أَمْرٌ مَوْهُومٌ وَمَا عَدَاهُمَا مُحَقَّقٌ عَادَةً كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَلَا يَقْدَحُ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ أَكْثَرَ أَبْوَابِ الطِّبِّ مَوْهُومٌ، وَالثَّانِي أَنَّ الرُّقَى بِأَسْمَاءِ اللَّه تَعَالَى تَقْتَضِي التَّوَكُّلَ عَلَيْهِ وَالِالْتِجَاءَ إِلَيْهِ وَالرَّغْبَة فِيمَا عِنْده وَالتَّبَرُّكَ بِأَسْمَائِهِ، فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ قَادِحًا فِي التَّوَكُّل لَقَدَحَ الدُّعَاءُ إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ، وَقَدْ رُقِيَ النَّبِيُّ ﷺ وَرَقَى وَفَعَلَهُ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ، فَلَوْ كَانَ مَانِعًا مِنْ اللَّحَاقِ بِالسَّبْعِينَ أَوْ قَادِحًا فِي التَّوَكُّل لَمْ يَقَعْ مِنْ هَؤُلَاءِ وَفِيهِمْ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ وَأَفْضَلُ مِمَّنْ عَدَاهُمْ. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ بَنَى كَلَامَهُ عَلَى أَنَّ السَّبْعِينَ الْمَذْكُورِينَ أَرْفَعُ رُتْبَةً مِنْ غَيْرِهِمْ مُطْلَقًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا سَأُبَيِّنُهُ، وَجَوَّزَ أَبُو طَالِب بْن عَطِيَّةَ فِي مُوَازَنَة الْأَعْمَال أَنَّ السَّبْعِينَ الْمَذْكُورِينَ هُمْ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ۝ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ۝ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ فَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُمْ مِنْ جُمْلَةِ السَّابِقِينَ فَمُسَلَّمٌ وَإِلَّا فَلَا، وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَد وَصَحَّحَهُ اِبْن خُزَيْمَةَ وَابْن حِبَّانَ مِنْ حَدِيث رِفَاعَةَ الْجُهَنِيِّ قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَذَكَرَ حَدِيثًا وَفِيهِ "وَعَدَنِي رَبِّي أَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ لَا يَدْخُلُوهَا حَتَّى تَبَوَّءُوا أَنْتُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ أَزْوَاجكُمْ وَذُرِّيَّاتِكُمْ مَسَاكِنَ فِي الْجَنَّةِ" فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَزِيَّةَ السَّبْعِينَ بِالدُّخُولِ بِغَيْرِ حِسَابٍ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنَّهُمْ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِمْ، بَلْ فِيمَنْ يُحَاسَبُ فِي الْجُمْلَةِ مَنْ يَكُون أَفْضَلَ مِنْهُمْ وَفِيمَنْ يَتَأَخَّرُ عَنْ الدُّخُولِ مِمَّنْ تَحَقَّقَتْ نَجَاتُهُ وَعُرِفَ مَقَامُهُ مِنْ الْجَنَّةِ يَشْفَعُ فِي غَيْرِهِ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُمْ، وَسَأَذْكُرُ بَعْدَ قَلِيلٍ مِنْ حَدِيث أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مُحْصَنٍ أَنَّ السَّبْعِينَ أَلْفًا مِمَّنْ يُحْشَرُ مِنْ مَقْبَرَةِ الْبَقِيعِ بِالْمَدِينَةِ وَهِيَ خُصُوصِيَّةٌ أُخْرَى.
الشيخ: على كل حال مثل ما قال المؤلف، ويحتمل الشيخ تقي الدين رحمه الله ومن قال ..... زيادة "ويرقون" وجهه أن الرقية مجرد إحسان وفضل، وليس فيها سؤال لأحد، فعلها النبي ﷺ، وفعلها أصحابه، فعلها بنفسه، فلهذا استنبط منها أنها وهم من بعض الرواة، والحافظ رحمه الله قال: لا يلزم من ذلك أنها وهم؛ لأن الأصل عدم تغليط الثقة إلا بحجة، فلا يلزم من ذلك أن تكون رواية مسلم هذه فيها غلط، ويكون مثل يسترقون، يكون هذا شيء بخصوص الرقية فقط، تركها أفضل، وإذا دعت الحاجة إليها فلا بأس، وفعلها النبي ﷺ من باب التشريع، وفعل جبرائيل كذلك، فلا يلزم من ذلك تغليط الراوي فهو أمر محتمل، وبكل حال فكون الرسول ﷺ فعلها وفعلها أصحابه يكفي، وهكذا الاسترقاء عند الحاجة إليه فلا كراهة............. فعلوا ذلك حرصًا على كمال التوكل وتمام التوكل لهم أجرهم فيه ولهم فضلهم فيه، ولا يلزم من ذلك كراهة الاسترقاء أو كراهة الرقية أو كراهة الكي لغيرهم إذا دعت الحاجة إلى ذلك.
س:..................
الشيخ: لا يمتنع؛ لأنه إحسان، من باب الإحسان، الكراهة موجهة لمن يطلب لا للمطلوب، ثم هي ليست للكراهة إنما هو خبر، والنبي أمر بالاسترقاء في حديث أم سلمة وفي حديث عائشة وفي حديث أسماء بنت عميس، الأحاديث ثابتة في أمره بالاسترقاء، دل على أنه لا حرج فيه، ولا كراهة أيضًا.
س: هل مباح أن يدعو الإنسان: اللهم اجعلني منهم "السبعين ألف"؟
الشيخ: هذا طيب مثل ما قال النبي لعكاشة: اللهم اجعله منهم؛ لكمال تقواه وكمال إيمانه.
س:..................
الشيخ: الإحسان قسمان: إحسان واجب، وإحسان ليس بواجب، الإحسان الواجب تركه معصية، والإحسان الذي ليس بواجب ليس تركه معصية.
س: السبعين ألفًا كلهم قبروا في البقيع؟
الشيخ: الله أعلم، هذا يحتاج إلى نظر.
س:..................
الشيخ: هو أعلم بنفسه، إذا طلبه هو أعلم بنفسه، والمسؤول مخيّر إن شاء أجاب وإن شاء ترك.
س:..................
الشيخ: هو مخير، المسؤول مخير إن أجابه فلا بأس، وأن ترك فلا بأس، الأمر واسع النبي ﷺ أمر أن يسترقى من العين والحمة؛ فدل ذلك على أن المسؤول يشرع له الإجابة لينفع أخاه.
س:..................
الشيخ: ما يلزم من هذا الفضل الذي خصهم الله أن يكون غيرهم دونهم؛ لكن فيه فضل أنهم يدخلون الجنة بغير حساب، ثم دخول الجنة بغير حساب متفاوت قد يدخلون جميعًا وهم ملايين بغير حساب؛ ولكنهم طبقات بعضهم فوق بعض، فالصديق مثلًا يدخل الجنة بغير حساب، وعمر يدخل الجنة بغير حساب، والصديق أفضل من عمر، ما يلزم من كونهم يدخلون الجنة بغير حساب أن تكون حالهم واحدة، قد تكون السبعون والملايين من الداخلين الجنة بغير حساب معلوم أنهم طبقات في فضلهم عند الله عز وجل ومقامهم عنده سبحانه وتعالى.
س:..................
الشيخ: هذا يدل على أنه لا يلزم أن يكونوا سابقين وإن كانوا دخلوها بغير حساب، لكن لا يلزم أن يكونوا أسبق الناس إليها، قد يسبقهم غيرهم كالصحابة بالنسبة إلى من بعدهم، ولهذا قال: إني أرجو ألا يدخلوها إلا وقد تبوأتم منازلكم أنتم في الجنة يعني الصحابة ومن صلح من أزواجهم وذرياتهم.
س: يدل على تفضيل الصحابة على السبعين؟
الشيخ: على من دونهم.
س: هل الأفضل للمريض عدم طلب الرقية؟
الشيخ: الأفضل نعم إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك، مثلًا ما تيسر له أسباب أخرى، ولهذا أمر النبي أن يسترقى من العين، ومثل الكي تكره أولى مكروه وإذا دعت الحاجة إليه زالت الكراهة.
6542 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ أَسَدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُاللَّهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، حَدَّثَهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: يَدْخُلُ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي زُمْرَةٌ هُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا، تُضِيءُ وُجُوهُهُمْ إِضَاءَةَ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ الأَسَدِيُّ يَرْفَعُ نَمِرَةً عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، قَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَقَالَ: سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ.
6543 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: لَيَدْخُلَنَّ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا، أَوْ سَبْعُ مِائَةِ أَلْفٍ - شَكَّ فِي أَحَدِهِمَا - مُتَمَاسِكِينَ، آخِذٌ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، حَتَّى يَدْخُلَ أَوَّلُهُمْ وَآخِرُهُمُ الجَنَّةَ، وَوُجُوهُهُمْ عَلَى ضَوْءِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ.
6544 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِاللَّهِ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: يَدْخُلُ أَهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، ثُمَّ يَقُومُ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ: يَا أَهْلَ النَّارِ لاَ مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ الجَنَّةِ لاَ مَوْتَ، خُلُودٌ.

الشيخ: وذلك ليزداد أهل الجنة نعيمًا وطمأنينة وسرورًا، ويزداد أهل النار حسرة وثبورًا، إن هذا المؤذن ينادي بينهم يقول: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت، نسأل الله العافية، فيزداد أهل الخير غبطة وسرورًا، ويزداد المعذبون شرًّا وثبورًا.
6545 - حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: يُقَالُ لِأَهْلِ الجَنَّةِ: يَا أَهْلَ الجَنَّةِ خُلُودٌ لاَ مَوْتَ، وَلِأَهْلِ النَّارِ: يَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ لاَ مَوْتَ.
الشيخ: وهذا بعد التمحيص وإخراج العصاة؛ لأن العصاة لهم أمد ينتهون إليه، فإذا ميّز الله أولئك وأخرجهم؛ بقي أهل النار الذين هم أهلها، نسأل الله العافية، ويُؤتى بالموت بصورة كبش أملح فيوقف بين الجنة والنار ويدعى هؤلاء وهؤلاء ويقال: تعرفون هذا؟ قالوا: نعم هذا الموت، فيذبح ثم يقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت، نسأل الله السلامة.
س:...............
الشيخ: يقال من باب كمال الفائدة، يعني له تعلق بأهل الجنة؛ لأن هذا يعم السبعين وغير السبعين. ما تكلم على زيادة: وزادني مع كل ألف سبعين ألفًا؟ ما تعرض للزيادة وثلاث حثيات؟
س:...............
الشيخ: سدًّا للباب؛ لئلا يتسرب من ليس أهلاّ لذلك فيفتضح.
الطالب: وَقَدْ وَقَعَ فِي أَحَادِيث أُخْرَى أَنَّ مَعَ السَّبْعِينَ أَلْفًا زِيَادَة عَلَيْهِمْ، فَفِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة عِنْد أَحْمَد وَالْبَيْهَقِيِّ فِي الْبَعْث مِنْ رِوَايَة سُهَيْل بْن أَبِي صَالِح عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ ﷺ قَالَ: سَأَلْت رَبِّي فَوَعَدَنِي أَنْ يُدْخِل الْجَنَّة مِنْ أُمَّتِي فَذَكَرَ الْحَدِيث نَحْو سِيَاق حَدِيث سَعِيد بْن الْمُسَيِّب عَنْ أَبِي هُرَيْرَة ثَانِي أَحَادِيث الْبَاب وَزَادَ "فَاسْتَزَدْت فَزَادَنِي مَعَ كُلّ أَلْف سَبْعِينَ أَلْفًا" وَسَنَده جَيِّد، وَفِي الْبَاب عَنْ أَبِي أَيُّوب عِنْد الطَّبَرَانِيِّ وَعَنْ حُذَيْفَة عِنْد أَحْمَد وَعَنْ أَنَس عِنْد الْبَزَّار وَعَنْ ثَوْبَانَ عِنْد اِبْن أَبِي عَاصِم، فَهَذِهِ طُرُق يُقَوِّي بَعْضهَا بَعْضًا، وَجَاءَ فِي أَحَادِيثَ أُخْرَى مِنْ ذَلِكَ: فَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيّ وَحَسَّنَهُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْن حِبَّان فِي صَحِيحه مِنْ حَدِيث أَبِي أُمَامَةَ رَفَعَهُ: "وَعَدَنِي رَبِّي أَنْ يُدْخِل الْجَنَّة مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفًا مَعَ كُلّ أَلْف سَبْعِينَ أَلْفًا لَا حِسَاب عَلَيْهِمْ وَلَا عَذَاب، وَثَلَاث حَثَيَات مِنْ حَثَيَات رَبِّي"، وَفِي صَحِيح اِبْن حِبَّان أَيْضًا وَالطَّبَرَانِيِّ بِسَنَدٍ جَيِّد مِنْ حَدِيث عُتْبَةَ بْن عَبْد نَحْوه بِلَفْظِ: "ثُمَّ يَشْفَع كُلّ أَلْف فِي سَبْعِينَ أَلْفًا، ثُمَّ يُحْثِي رَبِّي ثَلَاث حَثَيَات بِكَفَّيْهِ" وَفِيهِ: "فَكَبَّرَ عُمَر، فَقَالَ النَّبِيّ ﷺ: إِنَّ السَّبْعِينَ أَلْفًا يُشَفِّعُهُمْ اللَّه فِي آبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتهمْ وَعَشَائِرهمْ وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُون أَدْنَى أُمَّتِي الْحَثَيَات"، وَأَخْرَجَهُ الْحَافِظ الضِّيَاء وَقَالَ: لَا أَعْلَم لَهُ عِلَّة. قُلْت: عِلَّتُهُ الِاخْتِلَاف فِي سَنَدِهِ، فَإِنَّ الطَّبَرَانِيَّ أَخْرَجَهُ مِنْ رِوَايَة أَبِي سَلَام حَدَّثَنِي عَامِر بْن زَيْد أَنَّهُ سَمِعَ عُتْبَةَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيق أَبِي سَلَام أَيْضًا فَقَالَ: "حَدَّثَنِي عَبْداللَّه بْن عَامِر أَنَّ قَيْس بْن الْحَارِث حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا سَعِيد الْأَنْمَارِيّ حَدَّثَهُ" فَذَكَرَهُ وَزَادَ: "قَالَ قَيْس: فَقُلْت لِأَبِي سَعِيد: سَمِعْته مِنْ رَسُول اللَّه ﷺ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: وَقَالَ رَسُول ﷺ: وَذَلِكَ يَسْتَوْعِب مُهَاجِرِي أُمَّتِي وَيُوَفِّي اللَّه بَقِيَّتَهُمْ مِنْ أَعْرَابِنَا"، وَفِي رِوَايَة لِابْنِ أَبِي عَاصِم قَالَ أَبُو سَعِيد: "فَحَسَبْنَا عِنْد رَسُول اللَّه ﷺ فَبَلَغَ أَرْبَعَة آلَاف أَلْف وَتِسْعَمِائَةِ أَلْف" يَعْنِي مَنْ عَدَا الْحَثَيَات، وَقَدْ وَقَعَ عِنْد أَحْمَد وَالطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيث أَبِي أَيُّوب نَحْو حَدِيث عُتْبَةَ بْن عَبْد وَزَادَ: "وَالْخَبِيئَة - بِمُعْجَمَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَة وَهَمْزَة وَزْن عَظِيمَة - عِنْد رَبِّي"، وَوَرَدَ مِنْ وَجْه آخَر مَا يَزِيد عَلَى الْعَدَد الَّذِي حَسَبَهُ أَبُو سَعِيد الْأَنْمَارِيّ، فَعِنْد أَحْمَد وَأَبِي يَعْلَى مِنْ حَدِيث أَبِي بَكْر الصِّدِّيق نَحْوه بِلَفْظِ: "أَعْطَانِي مَعَ كُلّ وَاحِد مِنْ السَّبْعِينَ أَلْفًا سَبْعِينَ أَلْفًا" وَفِي سَنَده رَاوِيَانِ أَحَدهمَا ضَعِيف الْحِفْظ وَالْآخَر لَمْ يُسَمَّ. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْث مِنْ حَدِيث عَمْرو بْن حَزْم مِثْله وَفِيهِ رَاوٍ ضَعِيف أَيْضًا، وَاخْتُلِفَ فِي سَنَده وَفِي سِيَاق مَتْنه. وَعِنْد الْبَزَّار مِنْ حَدِيث أَنَس بِسَنَدٍ ضَعِيف نَحْوه، وَعِنْد الْكَلَابَاذِيّ فِي مَعَانِي الْأَخْبَار بِسَنَدٍ وَاهٍ مِنْ حَدِيث عَائِشَة: "فَقَدْت رَسُول اللَّه ﷺ ذَات يَوْم فَاتَّبَعْته فَإِذَا هُوَ فِي مَشْرُبَة يُصَلِّي، فَرَأَيْت عَلَى رَأْسِه ثَلَاثَة أَنْوَار، فَلَمَّا قَضَى صَلَاته قَالَ:رَأَيْت الْأَنْوَار؟ قُلْت:نَعَمْ. قَالَ: إِنَّ آتِيًا أَتَانِي مِنْ رَبِّي فَبَشَّرَنِي أَنَّ اللَّه يُدْخِل الْجَنَّة مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَاب وَلَا عَذَاب، ثُمَّ أَتَانِي فَبَشَّرَنِي أَنَّ اللَّه يُدْخِل مِنْ أُمَّتِي مَكَان كُلّ وَاحِد مِنْ السَّبْعِينَ أَلْفًا سَبْعِينَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَاب وَلَا عَذَاب، ثُمَّ أَتَانِي فَبَشَّرَنِي أَنَّ اللَّه يُدْخِل مِنْ أُمَّتِي مَكَان كُلّ وَاحِد مِنْ السَّبْعِينَ أَلْفًا الْمُضَاعَفَة سَبْعِينَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَاب وَلَا عَذَاب، فَقُلْت يَا رَبّ لَا يَبْلُغ هَذَا أُمَّتِي قَالَ أُكَمِّلهُمْ لَك مِنْ الْأَعْرَاب مِمَّنْ لَا يَصُوم وَلَا يُصَلِّي"، قَالَ الْكَلَابَاذِيّ: الْمُرَاد بِالْأُمَّةِ أَوَّلًا أُمَّة الْإِجَابَة، وَبِقَوْلِهِ آخِرًا أُمَّتِي أُمَّة الِاتِّبَاع، فَإِنَّ أُمَّته ﷺ عَلَى ثَلَاثَة أَقْسَام: أَحَدهَا أَخَصُّ مِنْ الْآخَر أُمَّة الِاتِّبَاع ثُمَّ أُمَّة الْإِجَابَة ثُمَّ أُمَّة الدَّعْوَة، فَالْأُولَى أَهْل الْعَمَل الصَّالِح وَالثَّانِيَة مُطْلَق الْمُسْلِمِينَ وَالثَّالِثَة مَنْ عَدَاهُمْ مِمَّنْ بُعِثَ إِلَيْهِمْ، وَيُمْكِن الْجَمْع بِأَنَّ الْقَدْر الزَّائِد عَلَى الَّذِي قَبْله هُوَ مِقْدَار الْحَثَيَات، فَقَدْ وَقَعَ عِنْد أَحْمَد مِنْ رِوَايَة قَتَادَةَ عَنْ النَّضْر بْن أَنَس أَوْ غَيْره عَنْ أَنَس رَفَعَهُ: "إِنَّ اللَّه وَعَدَنِي أَنْ يُدْخِل الْجَنَّة مِنْ أُمَّتِي أَرْبَعمِائَةِ أَلْف، فَقَالَ أَبُو بَكْر: زِدْنَا يَا رَسُول اللَّه، فَقَالَ: هَكَذَا وَجَمَعَ كَفَّيْهِ، فَقَالَ: زِدْنَا. فَقَالَ وَهَكَذَا. فَقَالَ عُمَر حَسْبك أَنَّ اللَّه إِنْ شَاءَ أَدْخَلَ خَلْقَهُ الْجَنَّة بِكَفٍّ وَاحِدَةٍ، فَقَالَ النَّبِيّ ﷺصَدَقَ عُمَر" وَسَنَده جَيِّد لَكِنْ اُخْتُلِفَ عَلَى قَتَادَةَ فِي سَنَده اِخْتِلَافًا كَثِيرًا.
الشيخ: هذه الزيادة التي ذكرها ............ مثل ما تقدم سند واه ليس بالصحيح، والمهم ما تقدم في الرواية الصحيحة: مع كل ألف سبعين ألفًا والحثيات، والحثيات لا يحصي ما فيها إلا الله ، فإن فضله واسع وجوده عظيم سبحانه وتعالى، أما زيادة .......... فهي رواية واهية مثل ما قال المؤلف، وكذلك: مع كل واحد كلها روايات ضعيفة، وإنما المحفوظ: مع كل ألف سبعين ألفًا، وفضل الله واسع جل وعلا.
س:..............
الشيخ: كل هذه التي ذكرها ضعيفة، وإنما المحفوظ مع كل ألف سبعين ألفًا.
ثم أيضًا ينبغي للمؤمن في مثل هذه الأمور أن يحرص على الاستقامة ولا يغتر بمجرد الترغيب، فإن الإنسان قد يفوته الخير الكثير بسبب اغتراره، ولهذا لما ذكر ﷺ الوضوء وفضل الوضوء قال: فلا تغتروا، فالواجب أن الإنسان يستبشر بالخيرات ولكن لا يغتر فيتساهل بمحارم الله عز وجل، فإن هذا الوعد إنما هو لمن استقام على أمر الله وحقق أوامره ونواهيه ولم ينقد لهواه وطاعة الشيطان؛ فالواجب الحذر دائمًا والأخذ.. والاستقامة على الحق حتى يلقى ربه.
 
بَاب صِفَةِ الجَنَّةِ وَالنَّارِ
وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الجَنَّةِ زِيَادَةُ كَبِدِ حُوتٍ عَدْنٌ [التوبة:72]: "خُلْدٌ، عَدَنْتُ بِأَرْضٍ: أَقَمْتُ، وَمِنْهُ المَعْدِنُ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ [القمر:55]: فِي مَنْبِتِ صِدْقٍ".
6546 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنْ عِمْرَانَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: اطَّلَعْتُ فِي الجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الفُقَرَاءَ، وَاطَّلَعْتُ فِي النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ.
6547 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: قُمْتُ عَلَى بَابِ الجَنَّةِ، فَكَانَ عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا المَسَاكِينَ، وَأَصْحَابُ الجَدِّ مَحْبُوسُونَ، غَيْرَ أَنَّ أَصْحَابَ النَّارِ قَدْ أُمِرَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ، وَقُمْتُ عَلَى بَابِ النَّارِ فَإِذَا عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا النِّسَاءُ.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صل وسلم على رسول الله، هذان الحديثان فيهما تسلية وتعزية للفقراء، وحث لهم على الصبر، وأنهم يسبقون الناس إلى الجنة بسبب صبرهم وإيمانهم وتقواهم وقلة حسابهم، وأهل الجد: وهم الغنى والسعة محبوسون ..... لأن هناك تبعات يحاسبون عليها ويتأخرون بأسبابها عن دخول الجنة، وإن كانوا من أهلها، فهذا تعزية للفقير وجبرٌ له وإرشاد له إلى أن يحمد الله على ما قدر الله وأصابه، وأنه على خير، وعلى عاقبة حميدة في صبره واحتسابه وما حرمه في الدنيا من الملذات التي حصلت لغيره، وربك حكيم عليم سبحانه وتعالى، يبتلى بالسراء والضراء والغنى والفقر، والمؤمن صبور عند البلاء شكور عند الرخاء، وفي هذا أيضًا دلالة على كثرة من يدخل النار من النساء وأن عامة أهلها النساء: لقلة صبرهن، وكثرة جزعهن، وخبث ألسنتهن، ولهذا في الحديث الآخر لما سألته امرأة قالت: يا رسول الله ولم؟ قال: لأنكن تكثرن اللعن، وتكفرن العشير وأوصاهن بالصدقة وبالاستغفار، كثرة الاستغفار والصدقة؛ لأن هذا مما يحط الله به الخطايا، فالتوبة والصدقات مما يعتق الله به الرقاب من النار، والمرأة يغلب عليها: بذاءة لسانها، وقلة صبرها، ونسيانها المعروف عند أقل تكدُّر، وتؤذي زوجها وتقول له: ما رأيت منك خيرًا قط، عند أقل ما قد يقع من تقصير، وفي هذا دلالة على أن الجنة والنار موجودتان، ولهذا اطلع عليهما عليه الصلاة والسلام فهما موجودتان ولا تزالان في مزيد من الإعداد لأهلهما، فالجنة في مزيد من الإعداد في قصورها ونعيمها، والنار في مزيد من الإعداد لأهلها في عذابها وأغلالها وأنواع شرها، والمقصود من إخبارنا أن نعد العدة للفوز بالجنة والكرامة والسلامة من العذاب من دخول النار، وبين الله أعمال هؤلاء وأعمال هؤلاء في كتابه العظيم، وعلى لسان نبيه الكريم، ليحذر كل ذي لب، وكل ذي رغبة في الخير أسباب النار، وأعمال أهل النار، وليحرص ذو اللب السليم والرغبة بما عند الله على الأخذ بأعمال أهل الجنة والثبات عليها، والمنافسة فيها، والمسارعة إليها، والحث عليها، كما قال : لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ [الصافات:61] وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ [المطففين:26] فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ [البقرة:148] سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ [الحديد:21] وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ [آل عمران:133] هذا كله حث على المسارعة والمنافسة في أعمال الخير التي وعد الله أهلها الكرامة، والفوز بدار النعيم، وبالمنازل العالية في الجنة.
وفي هذا أن أفضل طعامهم أن أول طعام أهل الجنة زيادة كبد الحوت، حوت منعم في الجنة تكون زيادة كبده أول طعامهم، فكيف يكون حال هذا الحيوان، وكيف تكون حالة عظمه، إذا زاد كبده أول طعام، هذا يدل على أنه حيوان عظيم لا يقدر قدره إلا الذي خلقه، وأن في هذه الزيادة الزائدة هذه شيئًا من النعيم، وشيئًا من الطرفة والحلاوة واللذة لا تخطر بالبال، ولهذا كان ذلك أول طعامهم، والله المستعان، شف كلامه على قال أبو سعيد زيادة أول طعامهم..؟
س:..............
الشيخ: الصحيح أن الغني الشاكر أفضل، لكن لا يلزم منه أن يتقدم عليه في الدخول، فقد يتأخر بأسباب.
الطالب: قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ زِيَادَةُ كَبِدِ حُوتٍ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ: كَبِدُ الْحُوتِ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ مُطَوَّلًا فِي بَابُ يَقْبِضُ اللَّهُ الْأَرْضَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهُوَ مَذْكُورٌ هُنَا بِالْمَعْنَى، وَتَقَدَّمَ بِلَفْظِهِ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ لَكِنْ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ فِي سُؤَالِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ سَلَام.
[مناقشة غير واضحة] ................
الشيخ: يفسر قوله تعالى: جَنَّاتُ عَدْنٍ [الرعد:23] يعني جنات خلد، جنات إقامة، ليست ببساتين ظعن وانتقال، فسماها الله جنات عدن؛ لأنها جنات إقامة وخلد، لا ظعن فيها، ولا زوال لها، وسمي معدن لأنه عدن فيه الشيء الذي نبت فيه، فالمعادن لأن عدن فيها ما خلق فيها من ذهب أو فضة أو حديد قد استقر فيها.
س:..............
الشيخ: لا، بس قصده استقرار في معنى عدن.
س:..............
الشيخ: مقصوده الاستقرار؛ سميت معادن لأنها عادنة لأنها مقيمة خالدة في محلها فيها إقامة تناسبها.
...............[مناقشة غير واضحة]
الشيخ: هم أكثر أهل الجنة وهم أكثر النار جميعًا هم أكثر أهل الجنة؛ لأن كل واحد من أهل الجنة له زوجتان فأكثر وليس فيهما أعزب، فصار النساء أضعاف أهل الجنة، وهم أكثر أهل النار لكثرة الشر في نساء الدنيا، هم أكثر أهل النار من نساء الدنيا لمعاصيهن وكفرهن، وهم أكثر أهل الجنة لما معهم من الحور العين، مثل ما قال أبو هريرة: هم أكثر أهل الجنة، وهم أكثر أهل النار؛ لكن اللي في النار نساء الدنيا، وأما في الجنة مخلوطون من نساء الدنيا ومن الحور، وهو عام للنساء من الجن والإنس جميعًا.
6548 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ أَسَدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُاللَّهِ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِذَا صَارَ أَهْلُ الجَنَّةِ إِلَى الجَنَّةِ، وَأَهْلُ النَّارِ إِلَى النَّارِ، جِيءَ بِالْمَوْتِ حَتَّى يُجْعَلَ بَيْنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، ثُمَّ يُذْبَحُ، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ: يَا أَهْلَ الجَنَّةِ لاَ مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ لاَ مَوْتَ، فَيَزْدَادُ أَهْلُ الجَنَّةِ فَرَحًا إِلَى فَرَحِهِمْ، وَيَزْدَادُ أَهْلُ النَّارِ حُزْنًا إِلَى حُزْنِهِمْ.
الشيخ: وتقدم هذا في الحديثين السابقين وأنه ينادي مناد في أهل الجنة من عند الله : يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت؛ ليزداد أهل الجنة نعيمًا وليزداد أهل النار عذابًا، وظاهر هذا أن هذا بعد ما يخرج الله من كان في النار من أهل التوحيد فإذا لم يبق فيها إلا أهلها وهم الكفرة وينادى فيهم هذا النداء وأنه خلود فلا موت.
وفي هذا أن الموت يصور لهم في صورة كبش أملح من الغنم ثم يذبح في مكان يراه هؤلاء وهؤلاء، وهذه من آيات الله النار اللي في أسفل سافلين، وفي أبعد شيء، والجنة في أعلى عليين، وهو بينهما يراه هؤلاء وهؤلاء، هذه من آيات الله، وهو على كل شيء قدير .
ثم يذبح ويقال لهم: يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت؛ حتى ييأس أهل النار من الفرج فيزداد شرهم وعذابهم وبلاؤهم، وحتى يزداد أهل الجنة نعيمًا لعلمهم بأنه لا موت، وأنه نعيم دائم وحياة دائمة ليس فيها تنغيص بالموت، فيا لها من نعمة عظيمة الله الموفق لها، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم في سعادة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم سلم سلم.
وهذا الموت غير المَلَك، المَلَك ما هو اللي يذبح، الموت نفسه، الموت الذي هو في يد الملك يقبض به الأرواح، وهو معنى من المعاني خلقه الله، الله أعلم بصفته وحقيقته، هذا الموت الذي هو في يد الملك هو الذي يتصرف فيه الملك يُجعل حيوانًا ويجعل في صورة حيوان، وربك على كل شيء قدير، كما أنه يجعل الأعمال أجسامًا توزن، فيجعل الموت حيوانًا يذبح.
 6549 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ أَسَدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُاللَّهِ، أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ لِأَهْلِ الجَنَّةِ: يَا أَهْلَ الجَنَّةِ؟ فَيَقُولُونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ، فَيَقُولُ: هَلْ رَضِيتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: وَمَا لَنَا لاَ نَرْضَى وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، فَيَقُولُ: أَنَا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قَالُوا: يَا رَبِّ، وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ: أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي، فَلاَ أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا.

الشيخ: وهذا أمن آخر، هذا أيضًا أمن آخر، وهو أنهم في رضا دائم لا خطر عليهم من الله سبحانه وتعالى، الأول أمن من الموت، وهذا أمن من السخط، وأنهم أبدًا في مرضاة من الله، وأن الله راض عنهم أبدًا.
6550 - حَدَّثَنِي عَبْدُاللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ حُمَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا، يَقُولُ: أُصِيبَ حَارِثَةُ يَوْمَ بَدْرٍ وَهُوَ غُلاَمٌ، فَجَاءَتْ أُمُّهُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ عَرَفْتَ مَنْزِلَةَ حَارِثَةَ مِنِّي، فَإِنْ يَكُ فِي الجَنَّةِ أَصْبِرْ وَأَحْتَسِبْ، وَإِنْ تَكُنِ الأُخْرَى تَرَى مَا أَصْنَعُ؟ فَقَالَ: وَيْحَكِ، أَوَهَبِلْتِ، أَوَجَنَّةٌ وَاحِدَةٌ هِيَ؟ إِنَّهَا جِنَانٌ كَثِيرَةٌ، وَإِنَّهُ لَفِي جَنَّةِ الفِرْدَوْسِ.
الشيخ: وهذا حارثة أصيب يوم بدر، جاء يشرب من الحوض فأصابه سهم غرب فقتله، فجاءت أمه إلى النبي ﷺ تقول: يا رسول الله تسأل عن منزلة حارثة فإن كان في الجنة صبرت وإن كان غير ذلك رأيت ما أصنع يعني من البكاء والحزن، فأخبرها أنه أصاب الفردوس، هذه بشارة لها رضي الله عنها ورضي الله عنه، وأن الشهداء على خير عظيم، لهم منزلة عند الله عظيمة.
6551 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ أَسَدٍ، أَخْبَرَنَا الفَضْلُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا الفُضَيْلُ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مَا بَيْنَ مَنْكِبَيِ الكَافِرِ مَسِيرَةُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ للرَّاكِبِ المُسْرِعِ.

الشيخ: وهذا معناه أن الكفرة يعظمون في النار تعظيما عظيمًا، تعظم أجسامهم حتى يكون ذلك أشد لعذابهم، نسأل الله العافية، ما بين منكبيه مسيرة ثلاثة أيام للراكب المجد هذا يدل على أنهم يكبرون جدًا، وهكذا ما جاء في ضرسه؛ أن ضرس أحدهم مثل أحد، وهذا يدل على أن الأمر عظيم، وأنهم يعظمون في هذه النار التي قعرها سبعين خريفًا ما بين أعلاها وأسفلها مسيرة سبعين عاما ولا يعلم سعتها إلا الله ، فيعظم الكفرة فيها حتى تكون أجسامهم بهذه المثابة ما بين كتفي منكبيه مسيرة ثلاثة أيام، هذا شيء عظيم نحو مائة وخمسين كيلو تقريبًا أو ما يقارب هذا، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
س:..............
الشيخ: هذا معنى آخر: كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا [النساء:56].
س:..............
الشيخ: هذا المراد هم يعرفون ذاك الوقت على الإبل والخيل والبغال، أيش قال الشارح عليه؟
الطالب: قَوْله: مَنْكِبَيْ الْكَافِر بِكَسْرِ الْكَاف تَثْنِيَة مَنْكِب وَهُوَ مُجْتَمَعُ الْعَضُدِ وَالْكَتِفِ.
قَوْله: مَسِيرَة ثَلَاثَة أَيَّام لِلرَّاكِبِ الْمُسْرِع فِي رِوَايَة يُوسُف بْن عِيسَى عَنْ الْفَضْل بْن مُوسَى بِسَنَدِ الْبُخَارِيّ فِيهِ "خَمْسَة أَيَّام" أَخْرَجَهُ الْحَسَن بْن سُفْيَان فِي مُسْنَده عَنْهُ، وَفِي حَدِيث اِبْن عُمَر عِنْد أَحْمَد مِنْ رِوَايَة مُجَاهِد عَنْهُ مَرْفُوعًا: "يَعْظُم أَهْل النَّار فِي النَّار حَتَّى إِنَّ بَيْن شَحْمَة أُذُن أَحَدهمْ إِلَى عَاتِقه مَسِيرَةَ سَبْعِمِائَةِ عَام" وَلِلْبَيْهَقِيِّ فِي الْبَعْث مِنْ وَجْه آخَر عَنْ مُجَاهِد عَنْ اِبْن عَبَّاس: "مَسِيرَة سَبْعِينَ خَرِيفًا"، وَلِابْنِ الْمُبَارَك فِي الزُّهْد عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ: "ضِرْس الْكَافِر يَوْم الْقِيَامَة أَعْظَم مِنْ أُحُد، يَعْظُمُونَ لِتَمْتَلِئَ مِنْهُمْ وَلِيَذُوقُوا الْعَذَاب".
الشيخ: وهذا يدل على أنهم أنواع، يدل على أنهم أنواع في النار، وأنهم يختلفون في العظم، وأنهم ليسوا على حد سواء، منهم من يكون مسيرة ثلاثة أيام، ومنهم من يكون مثل ما ذكر ما بين عاتقه إلى شحمة إذنه سبعمائة عام، هذا يدل على عظمة عظيمة، لا حول ولا قوة إلا بالله، فظاهر الأحاديث أنهم أقسام وأصناف في عظمهم وعظم أجسامهم في النار، نسأل الله السلامة.
الطالب: وَلِابْنِ الْمُبَارَك فِي الزُّهْد عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ: "ضِرْس الْكَافِر يَوْم الْقِيَامَة أَعْظَم مِنْ أُحُد، يَعْظُمُونَ لِتَمْتَلِئَ مِنْهُمْ وَلِيَذُوقُوا الْعَذَاب" وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ، وَلَمْ يُصَرِّح بِرَفْعِهِ لَكِنْ لَهُ حُكْم الرَّفْع لِأَنَّهُ لَا مَجَال لِلرَّأْيِ فِيهِ، وَقَدْ أَخْرَجَ أَوَّلَهُ مُسْلِم مِنْ وَجْه آخَر عَنْ أَبِي هُرَيْرَة مَرْفُوعًا وَزَادَ: "وَغِلَظ جِلْدِهِ مَسِيرَة ثَلَاثَة أَيَّام"، وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّار مِنْ وَجْه ثَالِث عَنْ أَبِي هُرَيْرَة بِسَنَدٍ صَحِيحٍ بِلَفْظِ: "غِلَظُ جِلْدِ الْكَافِر وَكَثَافَة جِلْده اِثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ ذِرَاعًا بِذِرَاعِ الْجَبَّار" وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ.
س:.................
الشيخ: مثل سائر الصفات إذا صح.
س:.................
الشيخ: هم أقسام الكفرة، أقسام وأصناف.
الطالب: وَقَالَ: "أَرَادَ بِذَلِكَ التَّهْوِيل يَعْنِي بِلَفْظِ الْجَبَّار، قَالَ:وَيَحْتَمِل أَنْ يُرِيد جَبَّارًا مِنْ الْجَبَابِرَة إِشَارَة إِلَى عَزْم الذِّرَاع" وَجَزَمَ اِبْن حِبَّانَ لِمَا أَخْرَجَهُ فِي صَحِيحه بِأَنَّ الْجَبَّار مَلِكٌ كَانَ بِالْيَمَنِ وَفِي مُرْسَل عُبَيْد بْن عُمَيْر عِنْد اِبْن الْمُبَارَك فِي الزُّهْد بِسَنَدٍ صَحِيحٍ: "وَكَثَافَة جِلْده سَبْعُونَ ذِرَاعًا" وَهَذَا يُؤَيِّد الِاحْتِمَال الْأَوَّل؛ لِأَنَّ السَّبْعِينَ تُطْلَق لِلْمُبَالَغَةِ. وَلِلْبَيْهَقِيِّ مِنْ طَرِيق عَطَاء بْن يَسَار عَنْ أَبِي هُرَيْرَة: "وَفَخِذه مِثْل وَرِقَانَ وَمَقْعَده مِثْل مَا بَيْن الْمَدِينَة وَالرَّبَذَة"، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَلَفْظه: "بَيْن مَكَّة وَالْمَدِينَة" وَوَرْقَان بِفَتْحِ الْوَاو وَسُكُون الرَّاء بَعْدهَا قَاف جَبَل مَعْرُوف بِالْحِجَازِ، وَالرَّبَذَة تَقَدَّمَ ضَبْطهَا قَرِيبًا فِي حَدِيث أَبِي ذَرّ، وَكَأَنَّ اِخْتِلَاف هَذِهِ الْمَقَادِير مَحْمُول عَلَى اِخْتِلَاف تَعْذِيب الْكُفَّار فِي النَّار، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي  الْمُفْهِم: إِنَّمَا عَظُمَ خَلْق الْكَافِر فِي النَّار لِيَعْظُمَ عَذَابه وَيُضَاعَف أَلَمُهُ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ فِي حَقّ الْبَعْض بِدَلِيلِ الْحَدِيث الْآخَر: "إِنَّ الْمُتَكَبِّرِينَ يُحْشَرُونَ يَوْم الْقِيَامَة أَمْثَال الذَّرّ فِي صُوَر الرِّجَال يُسَاقُونَ إِلَى سِجْن فِي جَهَنَّمَ يُقَال لَهُ بُولَسُ" قَالَ: وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ الْكُفَّار مُتَفَاوِتُونَ فِي الْعَذَاب عُلِمَ مِنْ الْكِتَاب وَالسُّنَّة وَلِأَنَّا نَعْلَم عَلَى الْقَطْع أَنَّ عَذَاب مَنْ قَتَلَ الْأَنْبِيَاء وَفَتَكَ فِي الْمُسْلِمِينَ وَأَفْسَدَ فِي الْأَرْض لَيْسَ مُسَاوِيًا لِعَذَابِ مَنْ كَفَرَ فَقَطْ وَأَحْسَنَ مُعَامَلَة الْمُسْلِمِينَ مَثَلًا، قُلْت: أَمَّا الْحَدِيث الْمَذْكُور فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ جَيِّد عَنْ عَمْرو بْن شُعَيْب عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه، وَلَا حُجَّة فِيهِ لِمُدَّعَاهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ فِي أَوَّل الْأَمْر عِنْد الْحَشْر، وَأَمَّا الْأَحَادِيث الْأُخْرَى فَمَحْمُولَة عَلَى مَا بَعْد الِاسْتِقْرَار فِي النَّار، وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث اِبْن عُمَر رَفَعَهُ: "إِنَّ الْكَافِر لَيُسْحَب لِسَانُهُ الْفَرْسَخ وَالْفَرْسَخَيْنِ يَتَوَطَّؤُهُ النَّاس" فَسَنَده ضَعِيف وَأَمَّا تَفَاوُت الْكُفَّار فِي الْعَذَاب فَلَا شَكَّ فِيهِ.
الشيخ: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ [النحل:88] فهم متفاوتون بلا شك، نسأل الله العافية.
6552 - وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: أَخْبَرَنَا المُغِيرَةُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا أهيْبٌ بن أَبِي حَازِمٍ،
الشيخ: أهيب عن أبي حازم.
حَدَّثَنَا أهيْبٌ عن أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِنَّ فِي الجَنَّةِ لَشَجَرَةً، يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لاَ يَقْطَعُهَا.
6553 - قَالَ أَبُو حَازِمٍ: فَحَدَّثْتُ بِهِ النُّعْمَانَ بْنَ أَبِي عَيَّاشٍ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: إِنَّ فِي الجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ الجَوَادَ المُضَمَّرَ السَّرِيعَ مِائَةَ عَامٍ مَا يَقْطَعُهَا.
6554 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُالعَزِيزِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لَيَدْخُلَنَّ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا، أَوْ سَبْعُ مِائَةِ أَلْفٍ - لاَ يَدْرِي أَبُو حَازِمٍ أَيُّهُمَا قَالَ - مُتَمَاسِكُونَ، آخِذٌ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، لاَ يَدْخُلُ أَوَّلُهُمْ حَتَّى يَدْخُلَ آخِرُهُمْ، وُجُوهُهُمْ عَلَى صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ.

الشيخ: وهذا على ما سمعنا صورة القمر ليلة البدر ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دري إضاءة في السماء، ورد في فتاوى الشيخ رحمه الله ما يدل على أن ..... على طلوع الشمس ولم أقف عليه، ينبغي أن يلتمس هذا، فالحافظ هنا ما ذكره هنا، لعله يلتمس هل ورد شيء في هذا الذي ..... في الرواية (القمر).
س: الرواية السابقة وقال إسحاق بن إبراهيم تكون معلقة؟
الشيخ: نعم إسحاق بن راهويه.
س: هو شيخ له؟
الشيخ: شيخ له نعم.
س: لكن تعتبر من باب التعليق؟
الشيخ: نعم.
س:.............
الشيخ: إذا قال لنا يكون مذاكرة، وإذا ما قال لنا يكون معلقًا. ما تكلم عليه على وقال إسحاق؟
الطالب: ...............
الشيخ: ماشي نعم.
6555 - حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُالعَزِيزِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْلٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: إِنَّ أَهْلَ الجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ الغُرَفَ فِي الجَنَّةِ، كَمَا تَتَرَاءَوْنَ الكَوْكَبَ فِي السَّمَاءِ.
6556 - قَالَ أَبِي، فَحَدَّثْتُ بِهِ النُّعْمَانَ بْنَ أَبِي عَيَّاشٍ، فَقَالَ: أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ، يُحَدِّثُ وَيَزِيدُ فِيهِ: كَمَا تَرَاءَوْنَ الكَوْكَبَ الغَارِبَ فِي الأُفُقِ: الشَّرْقِيِّ وَالغَرْبِيِّ.

الشيخ: يعني من أجل تفاوت المنازل، وأنهم يتراءون الغرف فوقهم، شيئًا عظيمًا كما يتراءى الآن الكواكب في السماء من هنا ومن هنا، لاختلاف منازل أهل الجنة وتنوعها لعظم ثوابهم، وتفاوت ما يعطيهم الله من النعيم من دون أن يكون في قلب أحد منهم شيء من التألم أو الحزن، بل كل في نعيمه راض بنعيمه، وفي لذة من نعيمه لا يرى أن أحدًا فوقه في ذلك النعيم، كلهم في نعيم وفي سرور، وليس هناك حزن ولا تألم ولا حسد ولا غير ذلك، بل كل في نعيم دائم، وفي خير دائم، وفي رضا وسرور بما أعطاه الله من النعيم، لا يرى أن أحدًا فوقه، والله المستعان.
6557 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لِأَهْوَنِ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ القِيَامَةِ: لَوْ أَنَّ لَكَ مَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ أَكُنْتَ تَفْتَدِي بِهِ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: أَرَدْتُ مِنْكَ أَهْوَنَ مِنْ هَذَا، وَأَنْتَ فِي صُلْبِ آدَمَ: أَنْ لاَ تُشْرِكَ بِي شَيْئًا، فَأَبَيْتَ إِلَّا أَنْ تُشْرِكَ بِي.

الشيخ: وهذه الإرادة الشرعية أراد الله شرعًا منهم بإرسال الرسل، وإنزال الكتب، أراد الله من جميع العباد ألا يشركوا به وهم في أصلاب آبائهم، ولكن من غلب عليه الشقاء أبى إلا أن يشرك بالله ، من سبقت له من الله الشقاوة فإنه لاحيلة فيه، نسأل الله العافية، ولهذا يقول سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ [آل عمران:91] نسأل الله العافية، هذا يوجب للمؤمن شكر الله كثيرًا وحمده كثيرًا على ما منّ به الهداية، ويوجب له أيضًا الضراعة إلى الله سبحانه كثيرًا أن يثبته على الهدى، وأن يعيذه من نزغات الشيطان، ومن شر نفسه وهواه، ومن دعاة الباطل وشياطين الإنس، فهو على خطر حتى يلقى ربه، فليسأل ربه الهداية والثبات على الحق، وليجتهد في طلب الحق وطلب العلم، والتفقه في الدين، وسؤال الله العافية من مضلات الفتن، حتى يلقى ربه سبحانه بخروج روحه على الإسلام.
6558 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ بِالشَّفَاعَةِ كَأَنَّهُمُ الثَّعَارِيرُ، قُلْتُ: مَا الثَّعَارِيرُ؟ قَالَ: الضَّغَابِيسُ -وَكَانَ قَدْ سَقَطَ فَمُهُ- فَقُلْتُ لِعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ: أَبَا مُحَمَّدٍ سَمِعْتَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِاللَّهِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: يَخْرُجُ بِالشَّفَاعَةِ مِنَ النَّارِ قَالَ: نَعَمْ.

الشيخ: وهذا فيه الرد على الخوارج والمعتزلة ومن سار في طريقهم من القائلين بأن العاصي مخلّد في النار، وأن هذه الأحاديث عن رسول الله ﷺ وهي متواترة تلقاها أهل الإيمان وأهل السنة بالقبول كلها دالة على أن العاصي الموحّد الذي مات على الإسلام لا يخلد في النار، بل يعذب فيها ما شاء الله إذا دخلها، فإذا طهر من سيئاته وخبثه انتقل إلى الجنة، ولهذا تواترت الأخبار عن رسول الله ﷺ بذلك، وأما العمومات التي فيها: رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ [آل عمران:192] وما أشبه ذلك فهي كلها في الكفار، كذلك قوله جل وعلا: كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ [البقرة:167] يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ [المائدة:37] وما أشبه ذلك هذه في الكفرة، لا يجوز حملها على العصاة، مع أن من دخل النار فقد أخزي بعض الخزي، وإن كان غير كافر، الآيات التي فيها التصريح ببقائهم وعدم خروجهم هذه في الكفرة، فلا يجوز ضرب الكتاب بعضه ببعض، ولا تضرب السنة بعضها ببعض، بل السنة تفسر القرآن وتبين معناه، وأن العصاة وإن كانوا متوعدين بالنار فإن دخلوها لكن مصيرهم إلى الخروج منها، فعلى التطهير والتمحيص فلا يبقى فيها إلا من كفر بالله عز وجل، هم الذين يبقون فيها أبد الآباد، كما قال عز وجل: إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا [الأحزاب:64،65] نسأل الله العافية، وقوله: لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ [فاطر:36] هؤلاء كلها في الكفار، والعصاة إذا خرجوا من النار يسمون الجهنميين، ثم تزول هذه التسمية بعد ذلك، والله المستعان.
6559 - حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنَ النَّارِ بَعْدَ مَا مَسَّهُمْ مِنْهَا سَفْعٌ، فَيَدْخُلُونَ الجَنَّةَ، فَيُسَمِّيهِمْ أَهْلُ الجَنَّةِ: الجَهَنَّمِيِّينَ.
6560 - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ، وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، يَقُولُ اللَّهُ: مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ، فَيَخْرُجُونَ قَدْ امْتُحِشُوا وَعَادُوا حُمَمًا.
 
الشيخ: ضبط امتحشوا.
الطالب: على صيغة المجهول.
الشيخ: والحافظ؟ لا بأس، امتحشوا يعني أحرقوا، نسأل الله العافية.
فَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرِ الحَيَاةِ، فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ - أَوْ قَالَ: حَمِيَّةِ السَّيْلِ - وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: أَلَمْ تَرَوْا أَنَّهَا تَنْبُتُ صَفْرَاءَ مُلْتَوِيَةً.

س:.............
الشيخ: نعم قد ماتوا ميتة خاصة لهؤلاء ثم يلقون في نهر الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، فإذا تم خلقهم أدخلهم الله الجنة، والله أكبر.
6561 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ القِيَامَةِ لَرَجُلٌ، تُوضَعُ فِي أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَةٌ، يَغْلِي مِنْهَا دِمَاغُهُ.
الشيخ: أخمص ضبطه؟
الطالب: بوزن أحمر.
الشيخ: أخمص هذا اللي أعرفه.
الطالب: قَوْله: (أَخْمَص) بِخَاءِ مُعْجَمَة وَصَادٍ مُهْمَلَة وَزْن أَحْمَر: مَا لَا يَصِل إِلَى الْأَرْض مِنْ بَاطِن الْقَدَم عِنْد الْمَشْيِ.
الشيخ: العيني؟
الطالب: ما قال شيئًا.
الشيخ: نعم.
 6562 - حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ القِيَامَةِ رَجُلٌ، عَلَى أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَتَانِ، يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ كَمَا يَغْلِي المِرْجَلُ والقُمْقُمُ.
الشيخ: هذا أهونهم عذابًا؛ من يوضع على أخمص قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه، فكيف بمن تكون النار فوقه وتحته وعن يمينه وعن شماله، كما قال تعالى: يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ [العنكبوت:55] كيف الحال نسأل الله العافية والسلامة، وتقدم في حديث أبي طالب: أنه شفع فيه فتنفعه شفاعتي فيكون في ضحضاح من النار يغلي منه دماغه، وفي بعضها: إن أهون أهل النار عذابًا من يكون له نعلان من النار فالنعلان والجمرتان والضحضاح كلها متقاربة في المعنى، هؤلاء أهونهم عذابًا، نسأل الله العافية. أيش قال عندك على: كما يغلي المرجل والقمقم؟
الطالب: قَوْله: كَمَا يَغْلِي الْمِرْجَل بِالْقُمْقُمِ زَادَ فِي رِوَايَة الْأَعْمَش: لَا يَرَى أَنَّ أَحَدًا أَشَدّ عَذَابًا مِنْهُ، وَأَنَّهُ لَأَهْوَنُهُمْ عَذَابًا وَالْمِرْجَل بِكَسْرِ الْمِيم وَيَسُكُّونَ الرَّاء وَفَتْح الْجِيم بَعْدهَا لَامٌ قِدْرٌ مِنْ نُحَاس، وَيُقَال أَيْضًا: لِكُلِّ إِنَاء يَغْلِي فِيهِ الْمَاء مِنْ أَيْ صِنْف كَانَ، وَالْقُمْقُم مَعْرُوف مِنْ آنِيَّة الْعَطَّار، وَيُقَال: هُوَ إِنَاء ضَيِّق الرَّأْس يُسَخَّن فِيهِ الْمَاء يَكُون مِنْ نُحَاس وَغَيْره فَارِسِيّ، وَيُقَال: رُومِيّ، وَهُوَ مُعَرَّب، وَقَدْ يُؤَنَّث فَيُقَال: قَمْقَمَة، قَالَ اِبْن التِّين: فِي هَذَا التَّرْكِيب نَظَر، وَقَالَ عِيَاض: الصَّوَاب "كَمَا يَغْلِي الْمِرْجَل وَالْقُمْقُم" بِوَاوِ الْعَطْفِ لَا بِالْبَاءِ.
الشيخ: لأنهما إناءان يسخن فيهما الماء، المرجل: القِدر، والقمقم: يسمونه اليوم المسخنة، أسفلها واسع وعلوها ضيق يسمونها مساخن عندنا، مسخنة يعني يسخن فيها الماء، وهو إناء ضيق الرأس واسع الجوف، فالمعنى كما يغلي المرجل والقمقم أو القمقم، إما واو وإلا أو، أما بالقمقم فكأنه وهم من بعض الرواة.
الطالب: وَقَالَ عِيَاض: الصَّوَاب " كَمَا يَغْلِي الْمِرْجَل وَالْقُمْقُم" بِوَاوِ الْعَطْفِ لَا بِالْبَاءِ، وَجَوَّزَ غَيْره أَنْ تَكُون الْبَاء بِمَعْنَى مَعَ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: " كَمَا يَغْلِي الْمِرْجَل أَوْ الْقُمْقُم" بِالشَّكِّ.
الشيخ: هذا أظهر.
 وَتقدم شَيْءٌ مِنْ هَذَا فِي قِصَّةِ أَبِي طَالِبٍ.
6563 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ ذَكَرَ النَّارَ فَأَشَاحَ بِوَجْهِهِ فَتَعَوَّذَ مِنْهَا، ثُمَّ ذَكَرَ النَّارَ فَأَشَاحَ بِوَجْهِهِ فَتَعَوَّذَ مِنْهَا، ثُمَّ قَالَ: اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ.

الشيخ: وهذا يبين لنا أن الصدقات مما يدفع الله بها النار، الصدقات والإحسان إلى الفقراء والمحاويج من أسباب الوقاية من النار، ولهذا قال: اتقوا النار ولو بشق تمرة فينبغي للمؤمن أن يكثر من الصدقات والإحسان إلى عباد الله ما دام يستطيع ذلك اتقوا الله ولو بشق تمرة فإن لم يجد فبكلمة طيبة يعني يرد السائل والفقير بالكلام الطيب لا بالنهر ولا بالشدة: وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ [الضحى:10] يرده بكلام طيب: أغناك الله، أو ما أشبه ذلك، ولا يرده بكلام شديد.
وسبق لنا في درس مضى أن عائشة رضي الله عنها قالت: أتتني امرأة ومعها ابنتان تسأل فلم تجد عندي إلا ثلاث تمرات، ما وجدت عند عائشة إلا ثلاث تمرات في البيت فأعطتها إياها، فأعطت كل بنت من بنتيها واحدة، ورفعت الثالثة إلى فهمها لتأكلها فسبقت البنتان إلى أكل تمرتهما، وجعلتا تنظران إلى أمهما تريدان الثالثة، فشقتها بينهما، ولم تأكلها، شقتها بين ابنتيها، ولم تأكلها، فقالت فيها عائشة: فأعجبني أمرها! ولما جاء النبي ﷺ أخبرته بذلك فقال: إن الله أوجب لها بها الجنة، فهذا من الرحمة، هذه ثلاث تمرات لها قيمة سهلة في المالية، لكنها عند الله عظيمة في محلها، ثم فيه رحمة الوالدة، وأن الإحسان إلى البنات والأولاد الفقراء من أسباب دخول الجنة، ولهذا في اللفظ الآخر: من رزق من هذه البنات شيئًا فأحسن إليهن كن له سترًا من النار فمن أحسن إلى بناته أو أخواته أو أيتامه كان ذلك له عتقًا من النار، وسببًا للنجاة من النار، فينبغي الإحسان والرأفة للفقير والمسكين والحيوان، وتقدم في قصة البغي من بني إسرائيل أنها رأت كلبًا يأكل الثرى من العطش فنزلت إلى البئر فأخذت في خفها ماء ثم صعدت فأسقته، قال الرسول ﷺ: فشكر الله لها ذلك، فغفر لها برحمتها لهذه البهيمة.