09 من قوله: ( وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ..)

ولَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا [النساء:32].
قال الإمام أحمد: حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: قالت أم سلمة: يا رسول الله، يغزو الرجال، ولا نغزو، ولنا نصف الميراث، فأنزل الله، وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ.
ورواه الترمذي عن ابن أبي عمر، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن أم سلمة أنها قالت: قلت: يا رسول الله، فذكره، وقال: غريب. ورواه بعضهم عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد أن أم سلمة قالت: يا رسول الله، فذكره.
ورواه ابن أبي حاتم، وابن جرير، وابن مردويه، والحاكم في مستدركه من حديث الثوري عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: قالت أم سلمة: يا رسول الله، لا نقاتل فنستشهد، ولا نقطع الميراث، فنزلت الآية.

الشيخ: هذا السند جيد عن أم سلمة، ولكن الشك في مجاهد هل سمع منها، أو ما سمع، وهو قدم عليها، وسمع من عائشة، سمع من أم سلمة رضي الله عنها.
ثم أنزل الله أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى [آل عمران:195]، الآية، ثم قال ابن أبي حاتم: وكذا روى سفيان بن عيينة، عن ابن أبي نجيح بهذا اللفظ، وروى يحيى القطان، ووكيع بن الجراح، عن الثوري، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن أم سلمة قالت: قلت يا رسول الله، وروي عن مقاتل بن حيان، وخصيف نحو ذلك، وروى ابن جرير من حديث ابن جريج، عن عكرمة، ومجاهد أنهما قالا: أنزلت في أم سلمة. وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن شيخ من أهل مكة، قال: نزلت هذه الآية في قول النساء: ليتنا الرجال، فنجاهد كما يجاهدون، ونغزو في سبيل الله .
وقال ابن أبي حاتم أيضًا: حدثنا أحمد بن القاسم بن عطية، حدثني أحمد بن عبد الرحمن، حدثني أبي، حدثنا الأشعث بن إسحاق، عن جعفر يعني ابن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في الآية، قال: أتت امرأة إلى النبي ﷺ قالت: يا رسول الله، للذكر مثل حظ الأنثيين، وشهادة امرأتين برجل، فنحن في العمل هكذا، إن فعلت امرأة حسنة كتبت لها نصف حسنة، فأنزل الله هذه الآية، وَلَا تَتَمَنَّوْا الآية، فإنه عدل مني، وأنا صنعته. وقال السدي في الآية: فإن الرجال قالوا: إنا نريد أن يكون لنا من الأجر الضعف على أجر النساء، كما لنا في السهام سهمان، وقالت النساء: نريد أن يكون لنا أجر مثل أجر الشهداء، فإنا لا نستطيع أن نقاتل، ولو كتب علينا القتال لقاتلنا، فأبى الله ذلك، ولكن قال لهم: سلوني من فضلي، قال: ليس بعرض الدنيا، وقد روي عن قتادة نحو ذلك.

الشيخ: والأصل في هذا أن الرجال والنساء سواء في الأجور، والحسنات، والأعمال الصالحات، إلا ما خصه الله ، وهو الأعلم الأحكم سبحانه، وهو جل وعلا عليم حكيم، نصف النساء في مسائل وجعل بقية المسائل هن كالرجال، إن فعلت حسنة فلها عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وهكذا في سائر أعمالها كما قال جل وعلا: فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أو أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ [آل عمران:195]، وقال : إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [الأحزاب:35] جميعًا رجالهم ونساءهم، لكن هناك مسائل اقتضت حكمة الله جلا وعلا أن تكون المرأة على النصف في الأولاد، والإخوة في الأولاد، والإخوة للذكر مثل حظ الأنثيين، الأولاد، وأولاد البنين، والإخوة كذلك، واقتضت حكمته أن العصبة للرجال، فالعم يرث، والعمة لا ترث، وابن العم يرث عصبة، وبنت العم لا ترث، وابن الأخ عصبة، وبنت الأخ ليست عصبة، هذه حكمة من الله، اقتضته حكمته ، وفضله ، وهو أعلم بأحوال عباده، وهكذا الجهاد، فضله الله على الرجال بالنفس، أما النساء فلا.
أما الجهاد بالمال فاختلف فيه العلماء فمنهم من قال إنه أيضًا خاص بالرجال، والأرجح أنه عام للرجال بالمال يعم الرجال والنساء من جهة المال، فهكذا في الشهادة المرأة لها النصف، وهكذا في العقيقة يعق عن المرأة بشاة، وعن الذكر بشاتين، وهكذا في الدية على النصف، أما القصاص فيقتل الرجل بالمرأة؛ حماية للنساء من العدوان، وللدية على النصف، إلا فيما كان أقل من الثلث كالأصبع، والأصبعين، والثلاثة فإن فيها مثل الرجل، فإذا كانت أكثر من ذلك فعلى النصف، هذه حكمة من الله له فيها الحجة البالغة، والحكمة العظيمة، والله يعلم أنهن لسن كالرجال في الجهاد، الجهاد له شأن يحتاج إلى قوة، وإلى صبر، وإلى أشياء أخرى، وليس النساء يتحملنها، وهكذا في الشهادة، وضبط الرجال، وحضورهم مجامع الرجال، وضبطهم للأمور غير ضبط المرأة، فصار ذكرهم لها وحفظهم لها أكثر، وصارت المرأة على النصف، وفي الدية ليس وجودها في المجتمع مثل وجود الرجل فكانت على النصف، ولكن في القصاص تحمى حماها الله، وجعل الرجل يقتل بها إذا قتلها عمدًا عدوانًا، أما العقيقة فلله في ذلك حكمة بالغة ، وكون العقيقة عن الذكر شاتين، وعن الأنثى شاة لله فيها الحكمة ، وقد يكون ذلك كالفدية؛ لأن الذكر له حال في المجتمع، وله شأن في المجتمع، وهذه العقيقة كالفدية له، وكالوقاية له فكان أولى بأن يكون أكثر من المرأة.
فالمقصود أن الأصل في ذلك أنهم سواء، هذا هو الأصل، الأصل في الأحكام أن الرجال والنساء سواء، هذا هو الأصل إلا ما خصه الدليل.
س: سمعنا بعضهم يقول: إذا اعتدى الكفار على بلاد المسلمين، أو استنفر الإمام فإن الجهاد فرض عين على الرجال والنساء، فهل لهذا القول؟
الشيخ: هذا في الاعتداء، أما النفير لا، لكن في الاعتداء إذا اعتدوا على البلد، وجب على النساء أن يساعدن في القتال حسب الطاقة يعني.
وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في الآية، قال: ولا يتمنى الرجل فيقول: ليت لو أن لي مال فلان وأهله، فنهى الله عن ذلك، ولكن ليسأل الله من فضله.
وقال الحسن، ومحمد بن سيرين، وعطاء، والضحاك، نحو هذا، وهو الظاهر من الآية، ولا يرد على هذا ما ثبت في الصحيح لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق فيقول رجل: لو أن لي مثل مال فلان لعملت مثله فهما في الأجر سواء، فإن هذا شيء غير ما نهت عنه الآية، وذلك أن الحديث حض على تمني مثل نعمة هذا، والآية نهت عن تمني عين نعمة هذا، فقال: وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أي في الأمور الدنيوية، وكذا الدينية أيضًا، لحديث أم سلمة، وابن عباس. وهكذا قال عطاء بن أبي رباح: نزلت في النهي عن تمني مال فلان.

الشيخ: يعني تمنيه على أنه يحصل له ويزول عن ذاك، فيكون حسدًا مذمومًا، أن يتمنى ما عند فلان من المال، أو من الشجاعة، أو من العلم عندي هذا هو الحسد، أما كونه يتمنى أن يكون مثله حتى يعمل مثل عمله، هذا هو الذي لا حرج فيه، وهذا حسد الغبطة، يتمنى أنه مثل فلان حتى يعمل مثل أعماله من الصدقات، والجهاد، ونحو ذلك، أو أنه له مثل قوته وشجاعته ليفعل مثله، وما أشبه ذلك، يعني يتمنى مثلها لا أنها تزول عن ذاك، لكن يتمنى أنه يكون له مثلها حتى يعمل مثل عمله الطيب.
وهكذا قال عطاء بن أبي رباح: نزلت في النهي عن تمني ما لفلان، وفي تمني النساء أن يكن رجالا فيغزون، رواه ابن جرير.
ثم قال: لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ أي كل له جزاء على عمله بحسبه إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، هذا قول ابن جرير.
وقيل: المراد بذلك في الميراث، أي كل يرث بحسبه، رواه الترمذي عن ابن عباس.
ثم أرشدهم إلى ما يصلحهم، فقال: اسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا، فإن هذا أمر محتوم، إن التمني لا يجدي شيئا، ولكن سلوني من فضلي أعطكم، فإني كريم، وهاب، وقد روى الترمذي، وابن مردويه من حديث حماد بن واقد، سمعت إسرائيل عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله ﷺ: سلوا الله من فضله، فإن الله يحب أن يسأل، وإن أفضل العبادة انتظار الفرج.

الشيخ: يعني لا يمل الإنسان يسأل الله، ويضرع إلى الله، ويطلبه من فضله، وهو الجواد الكريم، وينتظر الفرج من عند الله، والله يقول: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60]، وفي الحديث الصحيح: يستجاب للعبد مالم يعجل، فيقول: دعوت، ودعوت فلم أره يستجاب لي، فيستحسر عند ذلك، ويدع الدعاء، ولكن يلح في الدعاء فيما ينفعه، ولا يعجل، ولا يقول: دعوت، ودعوت، ولم أره يستجاب لي، لا، بل يكثر من الدعاء، وينتظر الفرج، وربك حكيم عليم في تعجيل الإجابة، وفي تأخيرها، أو إعطائه خيرًا مما طلب، أو تأجيل ذلك إلى الآخرة، وربك له الحكمة البالغة سبحانه وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ أما تمني مال فلان، أو جمال فلان، أو علم فلان، أو صحة فلان هذا مما ذمه الله من الحسد.
ثم قال الترمذي: كذا رواه حماد بن واقد، وليس بالحافظ، ورواه أبو نعيم عن إسرائيل، عن حكيم بن جبير، عن رجل، عن النبي ﷺ، وحديث أبي نعيم أشبه أن يكون أصح، وكذا رواه ابن مردويه من حديث، وكيع عن إسرائيل، ثم رواه من حديث قيس بن الربيع عن حكيم بن جبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله ﷺ: سلوا الله من فضله، فإن الله يحب أن يسأل، وإن أحب عباده إليه الذي يحب الفرج.الشيخ: وفي هذا المعنى يقول الشاعر:
الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يسأل يغضب.
بنو آدم يضعفون، وإذا أكثر عليهم ذلوا، وربما تكلموا، أما ربك ، وهو الجواد الكريم فيحب أن يسأل، ويحب أن يلح في الدعاء، وأن يكثر من السؤال، لأنه الجواد الكريم يحب من عباده أن يذلوا بين يديه، ويضرعوا إليه دائمًا في حاجات الدنيا والآخرة.
س: سؤال له مناسبة لا بأس به، اللهم إني أسألك مثل فلان؟
الشيخ: ما فيه شيء لا يتمنى زواله عن أخيه.
س: سبب نزول الآية، المراد بالتنزيل في حديث أم سلمة، والحديث الثاني حديث سعيد بن جبير فما التوفيق بينهما؟
الشيخ: الآية عامة، والآية عامة، ولها أيضًا بالأسباب، والأسباب بعموم الآية. 
ثم قال إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا أي هو عليم بمن يستحق الدنيا فيعطيه منها، وبمن يستحق الفقر فيفقره، وعليم بمن يستحق الآخرة فيقيضه لأعمالها، وبمن يستحق الخذلان فيخذله عن تعاطي الخير، وأسبابه، ولهذا قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا.
وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا [النساء:33].
قال ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وأبو صالح، وقتادة، وزيد بن أسلم، والسدي، والضحاك، ومقاتل بن حيان، وغيرهم، في قوله: وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ أي ورثة، وعن ابن عباس في رواية: أي عصبة، قال ابن جرير: والعرب تسمي ابن العم مولى، كما قال الفضل بن عباس:
مهلا بني عمنا مهلا موالينا لا يظهرن بيننا ما كان مدفونا
قال: ويعني بقوله: مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ، من تركة والديه وأقربيه من الميراث، فتأويل الكلام: ولكم أيها الناس جعلنا عصبة يرثونه مما ترك والده وأقربوه من ميراثهم له.
وقوله تعالى: وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ أي والذين تحالفتم بالأيمان المؤكدة أنتم وهم، فآتوهم نصيبهم من الميراث كما وعدتموهم في الأيمان المغلظة، إن الله شاهد بينكم في تلك العهود والمعاقدات، وقد كان هذا في ابتداء الإسلام، ثم نسخ بعد ذلك، وأمروا أن يوفوا لمن عاقدوا، ولا ينشئوا بعد نزول هذه الآية معاقدة.
الشيخ: ولا ينشئوا بالشين يعني لا يجددوا عقدا جديدا.
قال البخاري: حدثنا الصلت بن محمد، حدثنا أبو أمامة.
الشيخ: الظاهر أنه أبو أسامة ما نعرف أبو أمامة في المقام هذا حط عليه إشارة.
عن إدريس، عن طلحة بن مصرف، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ قال: ورثة، وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ، كان المهاجرون لما قدموا المدينة يرث المهاجري الأنصاري دون ذوي رحمه للأخوة التي آخى النبي ﷺ بينهم، فلما نزلت، وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ نسخت، ثم قال: وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ من النصر، والرفادة، والنصيحة، وقد ذهب الميراث، ويوصى له، ثم قال البخاري: سمع أبو أسامة إدريس.الشيخ: كذا عندكم؟ أبو أسامة هنا؟
الطالب: نعم.
الشيخ: هذا هو، صلحت الأول؟
 وسمع إدريس عن طلحة.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا أبو أسامة، حدثنا إدريس الأودي، أخبرني طلحة بن مصرف عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله، والذين عقدت أيمانكم وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ الآية، قال: كان المهاجرون حين قدموا المدينة يرث المهاجري الأنصاري دون ذوي رحمه بالأخوة التي آخى رسول الله ﷺ بينهم، فلما نزلت، وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ نسخت.
الشيخ: يعني نسخت تلك الأحكام، أو نسخت ما مضى من المواريث يعني.
ثم قال: وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ، وحدثنا الحسن بن محمد بن الصباح، حدثنا حجاج عن ابن جريج، وعثمان بن عطاء عن عطاء، عن ابن عباس، قال: وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ، فكان الرجل قبل الإسلام يعاقد الرجل، ويقول: وترثني، وأرثك، وكان الأحياء يتحالفون، فقال رسول الله ﷺ: كل حلف كان في الجاهلية، أو عقد أدركه الإسلام فلا يزيده الإسلام إلا شدة، ولا عقد، ولا حلف في الإسلام فنسختها هذه الآية: وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ [الأنفال:75]، ثم قال: وروي عن سعيد بن جبير، ومجاهد، وعطاء، والحسن، وابن المسيب، وأبي صالح، وسليمان بن يسار، والشعبي، وعكرمة، والسدي، والضحاك، وقتادة، ومقاتل بن حيان، أنهم قالوا: هم الحلفاء.
وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا.
قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا ابن نمير وأبو أسامة.
الشيخ: الصواب حدثنا عبد الله بن نمير، وأبو أسامة؛ لأن محمد من شيوخ البخاري، ومسلم. حط عليه إشارة.
الطالب: عندنا ابن أبي نمير.
الشيخ: غلط، الصواب عبد الله بن نمير، وأبو أسامة، محمد مقحمة.
وأبو أسامة عن زكريا، عن سعيد بن إبراهيم، قال: قال رسول الله ﷺ.
الشيخ: لا، عن سعد بن إبراهيم.
عن سعد بن إبراهيم قال: قال رسول الله ﷺ لا حلف في الإسلام، وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة.
وهكذا رواه مسلم ورواه النسائي من حديث إسحاق بن يوسف.

الشيخ: كذا عندكم مرسل عن سعد بن إبراهيم، وبس؟
ما عندكم زيادة عن إبراهيم؟
إذن الحديث كله فيه خلل.
الطالب: سعد بن إبراهيم عن أبيه عن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله ﷺ.
الشيخ: هذا هو الصواب.
الطالب: أول الإسناد وجدناه، قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا ابن نمير وأبو أسامة، عن زكريا، عن سعد بن إبراهيم، عن أبيه عن جبير بن مطعم.
الشيخ: معنى هذا أن الإسلام كاف ما يحتاج محالفات أن يتحالفوا على التناصر، والتعاون، والتوارث، لا هو واجب أن يتناصح المسلمون فيما بينهم، وأن يتناصروا، وأن يتعاونوا، وأن يتناصحوا، وأن يتوارثوا كما شرع الله، فلا حاجة إلى حلف من جديد، ولكن ما كان في الجاهلية من حلف موافق للشرع فإنه لا يزيده الإسلام إلا شدة، إلا قوة.
س: لو أنشأوا حلفا جديدًا؟
الشيخ: يعني حلف جديد على التناصر والتعاون، هذا غير البيعة التي تكون لولاة الأمور، كانت قبائل تحصل بينها الحروب، كانت الحروب بين الجاهلية دائمة، تأتي قبيلة تميم إلى قبيلة سبيعة، أو غيرها فيتحالفون، ويتناصرون، ويتعاونون، ويتوارثون، دون بقية الأقاليم الأخرى، ضد القبيلة الفلانية، هذا الحلف ينافي الإسلام، إلا ما كان في الجاهلية فإن كان موافقا للإسلام زاده شدة وقوة، فإن كان مخالفا للإسلام لا يعتبر، لو تحالفوا في الجاهلية على أنهم يتناصرون ويتعاونون ضد أعداء الله ضد الكفرة، لكن هذا ما يوجد لأنهم كلهم كفرة، أو لو تحالفوا وتعاقدوا على صلة الرحم، تحالفوا على أن يصلوا أرحامهم، أو يكرمون الجار، هذا حلف موافق للإسلام، لا بأس.
وهكذا رواه مسلم، ورواه النسائي من حديث إسحاق بن يوسف الأزرق، عن زكريا، عن سعد بن إبراهيم، عن نافع بن جبير بن مطعم، عن أبيه، به.
وقال ابن جرير: حدثنا أبو كريب، حدثنا، وكيع عن شريك، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله ﷺ، وحدثنا أبو كريب، حدثنا مصعب بن المقدام عن إسرائيل عن يونس، عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة، عن عكرمة، عن ابن عباس: قال: قال رسول الله ﷺ: لا حلف في الإسلام، وكل حلف كان في الجاهلية فلم يزده الإسلام إلا شدة، وما يسرني أن لي حمر النعم، وأني نقضت الحلف الذي كان في دار الندوة، هذا لفظ ابن جرير.
الطالب: عندنا إسرائيل عن نون، أو إسرائيل بن نون.
س: ما المقصود بيونس هنا؟
الشيخ: إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي
الشيخ: يعني الحلف الطيب السديد، يقول: ما يسرني أن لي حمر النعم، وأنه نقضه فهو موافق عليه، حلف المطيبين يقال له المطَيبين، والمطِّيبين، وهم الذين تعاهدوا على أن يأخذون طيبًا، ويتعاهدون على صلة الرحم، وإكرام الجار، وردع الظالم، ونصر المظلوم، وهذا كان في الجاهلية، والنبي أقره، وقال: ما يسرني أن لي حمر النعم، وإني نقضت الحلف، ما أحب أن أنقضه بل أؤكده لأنه موافق للشرع.
وقال ابن جرير أيضًا: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا ابن علية، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن عوف، أن رسول الله ﷺ قال: شهدت حلف المطيبين، وأنا غلام مع عمومتي، فما أحب أن لي حمر النعم، وأنا أنكثه قال الزهري: قال رسول الله ﷺ: لم يصب الإسلام حلفًا إلا زاده شدة.الشيخ: يعني حلفًا طيبًا يعني حلفًا موافقًا للشريعة.
 قال: ولا حلف في الإسلام، وقد ألف النبي ﷺ بين قريش، والأنصار. وهكذا رواه الإمام أحمد، عن بشر بن المفضل، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن الزهري بتمامه.
وحدثني يعقوب بن إبراهيم، حدثنا هشيم، أخبرني مغيرة عن أبيه، عن شعبة بن التوأم، عن قيس بن عاصم: أنه سأل النبي ﷺ عن الحلف، قال: فقال: ما كان من حلف في الجاهلية فتمسكوا به، ولا حلف في الإسلام، وهكذا رواه أحمد عن هشيم.
وحدثنا أبو كريب، حدثنا، وكيع عن داود بن أبي عبد الله، عن ابن جدعان حدثه، عن أم سلمة، أن رسول الله ﷺ، قال: لا حلف في الإسلام، وما كان من حلف في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة.
وحدثنا كريب، حدثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: لما دخل رسول الله ﷺ مكة عام الفتح، قام خطيبًا في الناس فقال: يا أيها الناس ما كان من حلف في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة، ولا حلف في الإسلام، ثم رواه من حديث حسين المعلم، وعبد الرحمن بن الحارث عن عمرو بن شعيب به.
وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا ابن نمير وأبو أسامة، عن زكريا، عن سعد بن إبراهيم، عن أبيه، عن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله ﷺ لا حلف في الإسلام، وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة.
وهكذا رواه مسلم عن عبد الله بن محمد، وهو أبو بكر بن أبي شيبة، بإسناده مثله.
ورواه أبو داود، عن عثمان بن محمد بن أبي شيبة، عن محمد بن بشر وابن نمير وأبي أسامة، ثلاثتهم.
الشيخ: زاد على أخيه محمد بن بشر، عبد الله أخوه، روى عن ابن نمير وأبي أسامة، وهذا عثمان زائد واحد محمد بن بشر، اثنين، أو ثلاثة.
ثلاثتهم عن زكريا -وهو ابن أبي زائدة- بإسناده، مثله.
ورواه ابن جرير من حديث محمد بن بشر، به. ورواه النسائي من حديث إسحاق بن يوسف الأزرق، عن زكريا، عن سعد بن إبراهيم، عن نافع بن جبير بن مطعم، عن أبيه به.
وقال الإمام أحمد: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا مغيرة عن أبيه، عن شعبة بن التوأم، عن قيس بن عاصم أنه سأل النبي ﷺ عن الحلف فقال: ما كان حلف في الجاهلية فتمسكوا به، ولا حلف في الإسلام، وكذا رواه شعبة عن مغيرة، وهو ابن مقسم، عن أبيه به.
وقال محمد بن إسحاق عن داود بن الحصين، قال: كنت أقرأ على أم سعد بنت سعد بن الربيع مع ابن ابنها موسى بن سعد، وكانت يتيمة في حجر أبي بكر، فقرأت عليها، "والذين عاقدت أيمانكم" فقالت: لا، ولكن، وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:33] ، قالت: إنما نزلت في أبي بكر، وابنه عبد الرحمن حين أبى أن يسلم، فحلف أبو بكر أن لا يورثه، فلما أسلم حين حمل على الإسلام بالسيف، أمر الله أن يؤتيه نصيبه، رواه ابن أبي حاتم، وهذا قول غريب، والصحيح الأول، وأن هذا كان في ابتداء الإسلام يتوارثون بالحلف، ثم نسخ، وبقي تأثير الحلف بعد ذلك، وإن كانوا قد أمروا أن يوفوا بالعهود والعقود، والحلف الذي كانوا قد تعاقدوه قبل ذلك، وتقدم في حديث جبير بن مطعم، وغيره من الصحابة: لا حلف في الإسلام، وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة، وهذا نص في الرد على من ذهب إلى التوارث بالحلف اليوم، كما هو مذهب أبي حنيفة، وأصحابه، ورواية عن أحمد بن حنبل.
والصحيح قول الجمهور، ومالك، والشافعي، وأحمد في المشهور عنه، ولهذا قال تعالى: وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ أي ورثة من قراباته من أبويه وأقربيه هم يرثونه دون سائر الناس، كما ثبت في الصحيحين عن ابن عباس أن رسول الله ﷺ قال: ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر أي اقسموا الميراث على أصحاب الفرائض الذين ذكرهم الله في آيتي الفرائض، فما بقي بعد ذلك فأعطوه للعصبة.
وقوله: وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ أي قبل نزول هذه الآية فآتوهم نصيبهم، أي من الميراث، فأما حلف عقد بعد ذلك فلا تأثير له، وقد قيل: إن هذه الآية نسخت الحلف في المستقبل، وحكم الحلف الماضي أيضًا، فلا توارث به، كما قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا أبو أسامة، حدثنا إدريس الأودي، أخبرني طلحة بن مصرف، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: فآتوهم نصيبهم، قال: من النصرة، والنصيحة، والرفادة، ويوصى له، وقد ذهب الميراث. ورواه ابن جرير عن أبي كريب عن أبي أسامة، وكذا روي عن مجاهد، وأبي مالك نحو ذلك.
الشيخ: وهذا معنى قوله في سورة الأحزاب وأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ والْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا [الأحزاب:6] يعني المعروف باقي يوصي له، تتصدقوا عليه لا بأس، أما الإرث فقد ذهب بما أنزل الله من جعل الأرحام أقرب، وأولى من المتعاقدين.
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: قوله: وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ قال: كان الرجل يعاقد الرجل أيهما مات، ورثه الآخر، فأنزل الله تعالى: وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا يقول: إلا أن توصوا لأوليائهم الذين عاقدوا وصية، فهو لهم جائز من ثلث مال الميت، وهذا هو المعروف، وهكذا نص غير واحد من السلف أنها منسوخة بقوله: وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا، وقال سعيد بن جبير: فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ، أي من الميراث، قال: وعاقد أبو بكر مولى فورثه، رواه ابن جرير.
وقال الزهري عن ابن المسيب: نزلت هذه الآية في الذين كانوا يتبنون رجالًا غير أبنائهم، ويورثونهم، فأنزل الله فيهم، فجعل لهم نصيبًا في الوصية، ورد الميراث إلى الموالي في ذي الرحم، والعصبة، وأبي الله أن يكون للمدعين ميراث ممن ادعاهم، وتبناهم، ولكن جعل لهم نصيبًا من الوصية، رواه ابن جرير.
وقد اختار ابن جرير أن المراد بقوله: فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ، أي من النصرة، والنصيحة، والمعونة، لا أن المراد فآتوهم نصيبهم من الميراث حتى تكون الآية منسوخة، ولا أن ذلك كان حكمًا ثم نسخ، بل إنما دلت الآية على الوفاء بالحلف المعقود على النصرة، والنصيحة فقط، فهي محكمة لا منسوخة، وهذا الذي قاله فيه نظر، فإن من الحلف ما كان على المناصرة، والمعاونة، ومنه ما كان على الإرث كما حكاه غير واحد من السلف، وكما قال ابن عباس: كان المهاجري يرث الأنصاري دون قراباته وذوي رحمه حتى نسخ ذلك، فكيف يقولون: إن هذه لآية محكمة غير منسوخة؟ والله أعلم.

الطالب: قالوا: حتى لا تكون منسوخة، قوله: حتى تكون الآية منسوخة، أو لا تكون منسوخة، فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ حتى تكون الآية منسوخة.
الشيخ: حتى لا تكون منسوخة يكون الأصوب، ثانياً أن ابن جرير يختار من المراد النصرة، والتعاضد.
الطالب: الموجود حتى تكون الآية منسوخة، قال ابن جرير أن المراد بقوله: فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ، أي من النصرة، والنصيحة، والمعونة، لا أن المراد فآتوهم نصيبهم من الميراث حتى تكون الآية منسوخة.
الشيخ: يعني إذا أولناها على هذا كانت الآية منسوخة، إذًا الأصل أنها ليست منسوخة.
الطالب: القول هذا مرجوح؟
الشيخ: نعم.
...