10 من قوله: ( وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ..)

الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا [النساء:34].
يقول تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ أي الرجل قيم على المرأة، أي هو رئيسها، وكبيرها، والحاكم عليها، ومؤدبها إذا اعوجت، بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ أي لأن الرجال أفضل من النساء، والرجل خير من المرأة، ولهذا كانت النبوة مختصة بالرجال، وكذلك الملك الأعظم لقوله ﷺ: لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة رواه البخاري من حديث عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه، وكذا منصب القضاء، وغير ذلك.

الشيخ: المقصود من هذا أن جنس الرجال أفضل من جنس النساء، الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ يعني جنس الرجال أفضل من جنس النساء، وليس المراد كل فرد أفضل من كل فردة، لأن هذا يخالف المنقول، والواقع، كم لله من امرأة خير من بعض الرجال في علمها، وفضلها، وتقواها، لكن جنس الرجال أفضل من جنس النساء، وهم قوامون على النساء الذين ينظرون في أمورهن، ويوجهونهن إلى الخير، ويأخذون على أيديهن عند الإشارات.
وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ أي من المهور، والنفقات، والكلف التي أوجبها الله عليهم لهن في كتابه، وسنة نبيه ﷺ، فالرجل أفضل من المرأة في نفسه، وله الفضل عليها، والإفضال، فناسب أن يكون قيمًا عليها، كما قال الله تعالى: وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة:228]، الآية، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس الرجال قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ يعني أمراء عليهن أن تطيعه فيما أمرها به من طاعته، وطاعته أن تكون محسنة لأهله حافظة لماله، وكذا قال مقاتل، والسدي، والضحاك. وقال الحسن البصري: جاءت امرأة إلى النبي ﷺ تشكو أن زوجها لطمها، فقال رسول الله ﷺ: القصاص، فأنزل الله : الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ الآية، فرجعت بغير قصاص، ورواه ابن جرير، وابن أبي حاتم من طرق عنه.
الشيخ: وهذا مرسل، والرسول ﷺ نهى عن اللطم بالوجه، لا يجوز للرجل، ولا للزوج، ولا للأمير، ولا للقاضي، ولا لغيرهم، الضرب في الوجه، لا ضرب المرأة، ولا ضرب الولد، ولا ضربه الحد، الرسول ﷺ نهى أن يضرب بالوجه، وقال: إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه. ولكن له أن يؤدبها عند الحاجة إلى ذلك من غير الوجه، كما يأتي في قوله سبحانه: واللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ واهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ واضْرِبُوهُنَّ عند الحاجة ضربًا خفيفًا غير مبرح، عند الحاجة إذا لم ينفع فيها الوعظ، والهجر.
وأما ضرب الوجه ولطم الوجه فلا يجوز، ليس له أن يضرب وجهها، وليس له أن يضرب وجه ولده، ولا وجه خادمه، ولا وجه دابته حتى الدابة، البعير، الشاة، الحمار، البغل كله لا تضرب في الوجوه، ولا توسم في الوجوه أيضًا.
وكذلك أرسل هذا الخبر قتادة، وابن جريج، والسدي، أورد ذلك كله ابن جرير.
وقد أسنده ابن مردويه من وجه آخر فقال: حدثنا أحمد بن علي النسائي، حدثنا محمد بن هبة الله الهاشمي، حدثنا محمد بن محمد الأشعث حدثنا موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمد، قال: حدثنا أبي عن جدي، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي، قال: أتى رسول الله ﷺ رجل من الأنصار بامرأة له، فقالت: يا رسول الله إن زوجها فلان بن فلان الأنصاري، وإنه ضربها فأثر في وجهها، فقال رسول الله ﷺ ليس له ذلك فأنزل الله تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ أي في الأدب، فقال رسول الله ﷺ: أردت أمرا، وأراد الله غيره.

الشيخ: وهذا أيضًا ضعيف؛ لأن محمد بن علي لم يسمع من جده.
الطالب: عندنا محمد بن عبد الله بدلاً عن محمد بن هبة الله.
الشيخ: محمد بن هبة الله أصح من محمد بن عبد الله.
س: اللطم لا يكون إلا في الوجه؟
الشيخ: اللطم لا يكون إلا بالوجه هذا المعروف.
وكذلك أرسل هذا الخبر قتادة، وابن جريج، والسدي، أورد ذلك كله ابن جرير.
وقال الشعبي في هذه الآية: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ قال: الصداق الذي أعطاها، ألا ترى أنه لو قذفها لاعنها، ولو قذفته جلدت.
وقوله تعالى: فَالصَّالِحَاتُ أي من النساء قانتات قال ابن عباس، وغير واحد: يعني مطيعات لأزواجهن، حافظات للغيب، وقال السدي، وغيره: أي تحفظ زوجها في غيبته في نفسها، وماله. وقوله: بِمَا حَفِظَ اللَّهُ أي المحفوظ من حفظه الله.

الشيخ: يعني هذا شأن الزوجات الطيبات هكذا شأنهن قانتات مطيعات لله، ومطيعات لأزواجهن بالمعروف، حفاظات للغيب، يعني صائنات لأنفسهن، ولمال زوجهن، ولسائر ما يؤتمن عليه، لسن خائنات، ولا فاجرات، وهذا من تيسير الله، وحفظ الله لنساء عباده، من كانت بهذه الصفة فهي من الغنائم العظيمة، ومن المنن الكريمة، ومن فضل الله العظيم على الزوج، والموفق من وفقه الله من الرجال والنساء جميعًا، ولهذا قال: بِمَا حَفِظَ اللَّهُ يعني بسبب حفظ الله لها، وهذا أمر معلوم، فإن التوفيق بيد الله، الموفق من الرجال والنساء الصالحات إنما يكون هذا بتوفيق الله .
س: لو ضربها في غير الوجه، وأثر..؟
الشيخ: في غير الوجه أسهل لكن ما ينبغي له.
س: لو أثر في جسمها مثلاً؟
الشيخ: هذا محل نظر، ينظر فيه الحاكم إذا اشتكت، ويعاقب ذلك بما يستحق إذا رأى ذلك؛ لأن الضرب يكون خفيفًا لا يؤثر جرحًا، ولا كسرًا، يكون خفيفًا يمنعها مما لا ينبغي، ولا يؤثر شيئًا.
س: توليتهن بعض المناصب مثل رئاسة الشرطة، أو وزارة الشؤون الاجتماعية، أو ما أشبه ذلك، هل يدخل في هذا الحديث الذي تقدم آنفاً؟
الشيخ: ما يتعلق بالنساء يجوز المنع من جهة الرجال، أما إذا تولت المرأة إدارة مدرسة، أو إدارة مستشفى للنساء خاصة، أو ما أشبه فلا بأس في ذلك، أما الأمور العامة فلا كرئيسة جمهورية، أو رئيسة وزراء، أو ما أشبه ذلك، وزارة عامة تكون للرجال والنساء، وزارة شرطة، أو وزارة أمن كل هذا ممنوع.
الطالب: قول الشعبي: ألا ترى أنه لو قذفها لا عنها، ولو قذفته جلدت.
الشيخ: جعل الله لزوجها فرجًا باللعان، لأنه قد يحتاج إلى قذفها حتى يسلم من أولادها الفاسدين، لكن ما الضرورة إلى قذفه، فإذا قذفته قام عليها الحد إذا طلب ذلك؟
س: موقفه الحال ما يكون من اللعان جانبين بجانب؟
الشيخ: أي لكن لأجل جانب يقام عليه الحد، إلا إذا لعنها فلا حد عليه.
قال ابن جرير حدثني المثنى، حدثنا أبو صالح، حدثنا أبو معشر، حدثنا سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: خير النساء امرأة إذا نظرت إليها سرتك، وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها، ومالك قال: ثم قرأ رسول الله ﷺ هذه الآية الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ إلى آخرها، ورواه ابن أبي حاتم عن يونس بن حبيب، عن أبي داود الطيالسي، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب، عن سعيد المقبري به، مثله سواء.الشيخ: وهذا صحيح أيضًا.
وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن إسحاق، حدثنا ابن لهيعة، عن عبيد الله بن أبي جعفر: أن ابن قارظ أخبره أن عبد الرحمن بن عوف قال: قال رسول الله ﷺ: إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنة من أي الأبواب شئت تفرد به أحمد من طريق عبد الله بن قارظ، عن عبد الرحمن بن عوف.
وقوله تعالى: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ أي والنساء اللاتي تخافون أن ينشزن على أزواجهن، والنشوز هو الارتفاع، فالمرأة الناشز هي المرتفعة على زوجها، التاركة لأمره، المعرضة عنه، المبغضة له، فمتى ظهر له منها أمارات النشوز فليعظها، وليخوفها عقاب الله في عصيانه، فإن الله قد أوجب حق الزوج عليها، وطاعته، وحرم عليها معصيته لما له عليها من الفضل، والإفضال، وقد قال رسول الله ﷺ: لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها، وروى البخاري عن أبي هريرة ، قال: قال رسول الله ﷺ: إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت عليه لعنتها الملائكة حتى تصبح، ورواه مسلم، ولفظه: إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح، ولهذا قال تعالى: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ.
وقوله: وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: الهجر هو أن لا يجامعها، ويضاجعها على فراشها، ويوليها ظهره، وكذا قال غير واحد. وزاد آخرون منهم السدي، والضحاك، وعكرمة، وابن عباس في رواية: ولا يكلمها مع ذلك، ولا يحدثها. وقال علي بن أبي طلحة أيضًا عن ابن عباس: يعظها فإن هي قبلت، وإلا هجرها في المضجع، ولا يكلمها من غير أن يذر نكاحها، وذلك عليها شديد. وقال مجاهد، والشعبي، وإبراهيم، ومحمد بن كعب، ومقسم، وقتادة: الهجر هو أن لا يضاجعها. وقد قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد، عن أبي مرة الرقاشي، عن عمه أن النبي ﷺ قال: فإن خفتم نشوزهن فاهجروهن في المضاجع قال حماد: يعني النكاح. وفي السنن، والمسند عن معاوية بن حيدة القشيري أنه قال: يا رسول الله ما حق امرأة أحدنا عليه؟
قال: أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت.

الشيخ: وهذا استثنى منه جماعة من أهل العلم هجر الكلام على أن لا يزيد على ثلاثة أيام، أما هجرها في الفراش، وإظهار كراهيته عليها، وتأثره عليها فلا بأس، ولكن هذا الكلام لا يزيد عن ثلاث؛ لأنها من حق الإنسان، وحق الإنسان لا يزيد في هذا ثلاث؛ لقوله ﷺ: لا هجر فوق ثلاث لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث. وهذا هو الأحوط، والأظهر يهجرها ما شاء حتى ترجع إلى الصواب، لكن في الكلام لا يزيد على ثلاث، بعد الثلاث يعظها، وينهاها مع بقاء الهجر.
الطالب: أبو مرة، أم أبو حرة الرقاشي؟
الشيخ: أبو حرة، انظر التقريب.
الطالب: أبو حرة بضم أوله وتشديد الراء البصري، اسمه واسط بن عبد الرحمن.
أبو حرة الرقاشي اسمه حميثة.
س: بعضهم يقول أن هجر الرجل لزوجته أمر شرعي، وإذا كان أمر شرعي لا مانع أن يزيد عن ثلاث؛ لأنه يهجرها لأمر شرعي؟
الشيخ: لا، هو يهجرها لحظه؛ لأنها قصرت في حقه.
س: ولكن عصيان عفا الله عنك؟
الشيخ: ما يجوز له قطيعة الرحم لكن ما تزيد على ثلاث، لأن الأحاديث في الهجر صحيحة، وكثيرة، تكون خاصة، هذا مطلق، وهذه مقيدة.
س: ما يلحق هذا بالمعاصي الأخرى؟
الشيخ: تقيده لأن المسألة تخصه؟
س: اعتزال النبي ﷺ لنسائه ما يكون ذلك هجرًا؟
الشيخ: بعيد عنهن ليس بينهن ... فظاهر الحال أنه لم يأتين إليه، قد يكون هذا من الأدلة على أنه مستثنى ... يحتاج إذا هجرها خارج البيت لا يكون أكثر لكن لو جاءت وكلمته يكلمها.
وقوله: وَاضْرِبُوهُنَّ، أي إذا لم يرتدعن بالموعظة، ولا بالهجران، فلكم أن تضربوهن ضربًا غير مبرح، كما ثبت في صحيح مسلم عن جابر عن النبي ﷺ أنه قال في حجة الوداع: واتقوا الله في النساء، فإنهن عندكم عوان، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربًا غير مبرح، ولهن رزقهن، وكسوتهن بالمعروف، وكذا قال ابن عباس، وغير واحد: ضربًا غير مبرح، قال الحسن البصري: يعني غير مؤثر، وقال الفقهاء: هو أن لا يكسر فيها عضوًا، ولا يؤثر فيها شينا، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: يهجرها في المضجع، فإن أقبلت، وإلا فقد أذن الله لك أن تضربها ضربًا غير مبرح، ولا تكسر لها عظمًا، فإن أقبلت، وإلا فقد أحل الله لك منها الفدية.
وقال سفيان بن عيينة عن الزهري، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، عن إياس بن عبد الله بن أبي ذباب قال: قال النبي ﷺ: لا تضربوا إماء الله فجاء عمر إلى رسول الله ﷺ فقال: «ذئرت النساء على أزواجهن، فرخص رسول الله ﷺ في ضربهن، فأطاف بآل رسول الله ﷺ نساء كثير يشكون أزواجهن، فقال رسول الله ﷺ: لقد أطاف بآل محمد نساء كثير يشكين من أزواجهن ليس أولئك بخياركم رواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
س: قوله: لا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه، يعني حتى ولو كان من قرابتها، وكان هذا القريب صالحًا؟
الشيخ: ولو، لا يأذن إلا لمن يرضا له الزوج.
وقال الإمام أحمد: حدثنا سليمان بن داود يعني أبا داود الطيالسي، حدثنا أبو عوانة عن داود الأودي، عن عبد الرحمن السلمي، عن الأشعث بن قيس، قال: ضفت عمر ، فتناول امرأته فضربها، فقال: يا أشعث، احفظ عني ثلاثا حفظتها عن رسول الله ﷺ: لا تسأل الرجل فيم ضرب امرأته، ولا تنم إلا على وتر، ونسيت الثالثة، وكذا رواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه من حديث عبد الرحمن بن مهدي عن أبي عوانة، عن داود الأودي به.
وقوله تعالى: فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا أي إذا أطاعت المرأة زوجها في جميع ما يريده منها مما أباحه الله له منها، فلا سبيل له عليها بعد ذلك، وليس له ضربها، ولا هجرانها.
وقوله: إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا تهديد للرجال إذا بغوا على النساء من غير سبب، فإن الله العلي الكبير، وليهن، وهو ينتقم ممن ظلمهن، وبغى عليهن.

الشيخ: حط عليه إشارة عبد الرحمن السلمي.
الطالب: عندنا عبد الرحمن المسلي.
الشيخ: حط عليه إشارة.
س: قول ابن عباس، فإن أقبلت؛ وإلا فقد أحل الله لك منها الفدية.
الشيخ: لا تثريب، يعني يأخذ منها الفدية ويطلقها.
وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا [النساء:35].
ذكر الحال الأول، وهو إذا كان النفور، والنشوز من الزوجة. ثم ذكر الحال الثاني، وهو إذا كان النفور من الزوجين، فقال تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا، وقال الفقهاء: إذا وقع الشقاق بين الزوجين، أسكنهما الحاكم إلى جنب ثقة ينظر في أمرهما، ويمنع الظالم منهما من الظلم، فإن تفاقم أمرهما، وطالت خصومتهما، بعث الحاكم ثقة من أهل المرأة، وثقة من قوم الرجل ليجتمعا فينظرا في أمرهما، ويفعلا ما فيه المصلحة مما يريانه من التفريق، أو التوفيق، وتشوف الشارع إلى التوفيق، ولهذا قال تعالى: إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا.
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: أمر الله أن يبعثوا رجلًا صالحًا من أهل الرجل، ورجلا مثله من أهل المرأة، فينظران أيهما المسيء، فإن كان الرجل هو المسيء حجبوا عنه امرأته، وقصروه على النفقة، وإن كانت المرأة هي المسيئة، قصروها على زوجها، ومنعوها النفقة، فإن اجتمع رأيهما على أن يفرقا، أو يجمعا، فأمرهما جائز، فإن رأيا أن يجمعا فرضي أحد الزوجين، وكره الآخر، ثم مات أحدهما، فإن الذي رضي يرث الذي لم يرض، ولا يرث الكاره الراضي، رواه ابن أبي حاتم، وابن جرير.

الشيخ: وهذا فيه نظر؛ لأن علي بن أبي طلحة لم يسمع ابن عباس فهو منقطع.
ومقصود الآية كما هو ظاهر أن ولاة الأمور كالأمير، والقاضي عند التخاصم، والنزاع، وعدم الوفاق يبعث حكمًا من أهله، وحكمًا من أهلها، لينظرا حال النزاع بينهما، وأسباب النزاع بينهما، ويجتهدا في الصلح بينهما، يسألانه عما عنده، ويسألانها عما عندها، ويسألان أهل هذا وأهل هذا، ويجتهدان، فإن يسر الله الوفاق، وفق، وإن لم يتيسر بين الحاكم الذي بعثهما أن الأوفق التفريق بينهما.. لأنهما حكمان، والصحيح أن لهما التفريق، ولهما التوفيق، فإذا رأيا التفريق أصلح فرقا، وإذا رأيا التوفيق أصلح وفقا.
وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن ابن طاوس، عن عكرمة بن خالد، عن ابن عباس، قال: بعثت أنا ومعاوية حكمين، قال معمر: بلغني أن عثمان بعثهما، وقال لهما: إن رأيتما أن تجمعا جمعتما، وإن رأيتما أن تفرقا ففرقا، وقال: أنبأنا ابن جريج، حدثني ابن أبي مليكة أن عقيل بن أبي طالب تزوج فاطمة بنت عتبة بن ربيعة، فقالت: تصير إلي وأنفق عليك، فكان إذا دخل عليها قالت: أين عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة؟ فقال: على يسارك في النار إذا دخلت، فشدت عليها ثيابها فجاءت عثمان فذكرت له ذلك، فضحك، فأرسل ابن عباس، ومعاوية، فقال ابن عباس، لأفرقن بينهما.الشيخ: ابن عباس من أجل عقيل؛ لأنه بني هاشم، ومعاوية من أجل فاطمة لأنها من بني عبد شمس.
 فقال معاوية: ما كنت لأفرق بين شخصين من بني عبد مناف، فأتياهما فوجداهما قد أغلقا عليهما أبوابهما فرجعا.
وقال عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن أيوب، عن محمد بن سيرين، عن عبيدة قال: شهدت عليًا، وجاءته امرأة، وزوجها مع كل واحد منهما فئام من الناس، فأخرج هؤلاء حكمًا، وهؤلاء حكمًا، فقال علي للحكمين:
أتريان ما عليكما؟ إن عليكما إن رأيتما أن تجمعا جمعتما، فقالت المرأة: رضيت بكتاب الله لي وعلي، وقال الزوج: أما الفرقة فلا، فقال علي: كذبت، والله لا تبرح حتى ترضى بكتاب الله لك وعليك، رواه ابن أبي حاتم، ورواه ابن جرير عن يعقوب عن ابن علية عن أيوب، عن ابن سيرين، عن عبيدة، عن علي مثله.
الشيخ: وهذا سند جيد عن علي، وهو مطابق لظاهر القرآن.
ورواه من وجه آخر عن ابن سيرين، عن عبيدة عن علي به.
وقد أجمع العلماء على أن الحكمين لهما الجمع، والتفرقة حتى قال إبراهيم النخعي: إن شاء الحكمان أن يفرقا بينهما بطلقة، أو بطلقتين، أو ثلاث فعلا، وهو رواية عن مالك، وقال الحسن البصري: الحكمان يحكمان في الجمع لا في التفرقة، وكذا قال قتادة، وزيد بن أسلم، وبه قال أحمد بن حنبل، وأبو ثور، وداود.

الشيخ: وهذا يبين لنا أن الإجماع المنقول ليس بإجماع، ولعل فيه زيادة، قد أجمع العلماء على أن لهما التوفيق، أما التفريق ما هو إجماع، أيش عندكم؟
الطالب: عندنا، وهذا مذهب جمهور العلماء أن الحكمين إليهما الجمع، والتفرقة.
الشيخ: هذا الأظهر، ليس بإجماع، ولكن هذا غلط من بعض النساخ.
وقال الحسن البصري: الحكمان يحكمان في الجمع لا في التفرقة، وكذا قال قتادة، وزيد بن أسلم، وبه قال أحمد بن حنبل، وأبو ثور، وداود، ومأخذهم قوله تعالى: إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا، ولم يذكر التفريق، وأما إذا كانا وكيلين من جهة الزوجين فإنه ينفذ حكمهما في الجمع، والتفرقة بلا خلاف.
وقد اختلف الأئمة في الحكمين، هل هما منصوبان من جهة الحاكم، فيحكمان، وإن لم يرض الزوجان، أو هما وكيلان من جهة الزوجين؟ على قولين، والجمهور على الأول، لقوله تعالى: فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا فسماهما حكمين، ومن شأن الحكم أن يحكم بغير رضا المحكوم عليه، وهذا ظاهر الآية، والجديد من مذهب الشافعي، وهو قول أبي حنيفة، وأصحابه.
الثاني منهما قول علي للزوج حين قال: أما الفرقة فلا، قال: كذبت حتى تقر بما أقرت به، قالوا: فلو كانا حاكمين لما افتقر إلى إقرار الزوج، والله أعلم، قال الشيخ أبو عمر بن عبد البر: وأجمع العلماء على أن الحكمين إذا اختلف قولهما فلا عبرة بقول الآخر، وأجمعوا على أن قولهما نافذ في الجمع، وإن لم يوكلهما الزوجان، واختلفوا هل ينفذ قولهما في التفرقة، ثم حكي عن الجمهور أنه ينفذ قولهما فيها أيضا من غير توكيل.
س: إذا اختلف الحكمان؟
الشيخ: ينظر الأمر القاضي، الحجة في اتفاقهما.
س: من يختار الحكمين؟
الشيخ: أهل الزوجة، وأهل الزوج، الزوج يختار جماعته، والزوجة تختار جماعتها.
س: لكن هو الذي يختار الزوج، والزوجة يختار من قبله؟
الشيخ: نعم، وإن اختار اختار الحاكم، القاضي مثل ما فعل عثمان.
س: الإجماعان اللذين ذكرهما ابن عبد البر مسلمان؟
الشيخ: ما هما إجماعان، بل إجماع واحد، إجماع في الجمع، والجمهور متفقون.
س: يقول: وأجمع العلماء على أن الحكمين إذا اختلف قولهما فلا عبرة بقول الآخر، وأجمعوا على أن قولهما نافذ، إجماعان.
الشيخ: نعم في الجمع، لا في التفرقة.
والغالب حسب ما جربنا أنهما لا يجتمعان؛ لأن حكم الزوج يكون في صف الزوج، وحكم المرأة في صف المرأة، لا يجتمعان إلا في التوفيق، في التوفيق يجتمعان فيه، أما إذا جاء التفريق فالغالب أن الحكم الذي من جهة الزوج يكون في صفه، وما يرى التفريق، وكذلك حكم الزوجة يكون في صفها، ويرى التفريق. هذا الغالب إلا من رحم الله، وصار له عناية بالموضوع، وخوف من الله، ومراقبة، وبصيرة.
س: يعني هذا ما يكون الأولى أن يختار الحاكم؟
لكن إذا اختلفا لولي الأمر أن يفسخ أن يؤذنها بالطلاق على عوض، وعلى غير عوض، إذا اتضح للحاكم أن الزوج ظالم لها ألزمه بالفراق، وإن اتضح أنها ظالمة له ألزمها بالجعل بالمهر المال الذي دفعها لها، كما فعل النبي مع ثابت بن قيس، وزوجته لما قالت: لا أطيقه بغضًا أمرها أن ترد عليه حديقته.
س: يجوز للزوج أن يفارق بدون عوض؟
الشيخ: إذا ثبت أنه ظالم، نعم.
 .......