13 من قوله: ( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا )

وقوله تعالى: يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا [النساء:42] أي لو انشقت وبلعتهم مما يرون من أهوال الموقف.الشيخ: يودون أن الأرض تنشق عنهم، وتبلعهم، ويذهبون فيها لشدة الأهوال يوم القيامة على أولئك الكفار، نسأل الله العافية.
أي لو انشقت وبلعتهم مما يرون من أهوال الموقف، وما يحل بهم من الخزي، والفضيحة، والتوبيخ، كقوله: يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ [النبأ:40].
وقوله: وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا [النساء:42] إخبار عنهم بأنهم يعترفون بجميع ما فعلوه، ولا يكتمون منه شيئًا.  وقال ابن جرير: حدثنا حاكم.
الشيخ: حدثنا الحكم. حط عليه إشارة نراجع الأصل.
قال ابن جرير: حدثنا حاكم حدثنا عمرو عن مطرف، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، قال: جاء رجل إلى ابن عباس فقال له: سمعت الله يقول -يعني إخبارا عن المشركين يوم القيامة أنهم قالوا- وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ [الأنعام:23]، وقال في الآية الأخرى: وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا [النساء:42] فقال ابن عباس: أما قوله: وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ [الأنعام:23] فإنهم لما رأوا أنه لا يدخل الجنة إلا أهل الإسلام، قالوا: تعالوا فلنجحد، فقالوا، وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ، فختم الله على أفواههم، وتكلمت أيديهم، وأرجلهم، وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا.الشيخ: كما قال الله جل وعلا: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [يس:65]، وفي الآية الأخرى: يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النور:24]، نسأل الله العافية، نسأل الله العافية.
وقال عبدالرزاق: أخبرنا معمر، عن رجل، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، قال: جاء رجل إلى ابن عباس فقال: أشياء تختلف علي في القرآن، قال: ما هو؟ أشك في القرآن؟ قال: ليس هو بالشك، ولكن اختلاف قال: فهات ما اختلف عليك من ذلك، قال أسمع الله يقول: ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ [الأنعام:23]، وقال: وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا، فقد كتموا. فقال ابن عباس: أما قوله: ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ، فإنهم لما رأوا يوم القيامة أن الله لا يغفر إلا لأهل الإسلام، ويغفر الذنوب، ولا يتعاظمه ذنب أن يغفره، ولا يغفر شركًا جحد المشركون، فقالوا: وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ، رجاء أن يغفر لهم، فختم الله على أفواههم، وتكلمت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون، فعند ذلك يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا [النساء:42].الشيخ: وقال آخرون في هذا أن يوم القيامة أحوال كثيرة، ومتعددة، وهو طويل جدًا فلهذا يكون للناس فيه أحوال لطوله، وفي وقت لا يتكلمون ولا يتساءلون من شدة الأهوال، فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ [المؤمنون:101]، وفي وقت يتكلمون بما لديهم، وفي وقت يجحدون ما لديهم، فالقيامة لها أحوال، ولها شؤون، يوم طويل عظيم الأهوال؛ فلهذا تتنوع أحوال الناس فيه، ويكون لهم فيه أعمال متنوعة، وأقوال متنوعة، وفي جواب ابن عباس دلالة على أن جحدهم شركهم كان طمعًا في أن يغفر لهم، لما رأوا أن الموحدين يغفر لهم، وأنهم على طريق نجاة طمعوا أن يغفر لهم فجحدوا، فختم الله على أفواههم، يعني على الألسنة، وتكلمت الأيدي، والأرجل، فانفضحوا، وتبين أمرهم، وبطل ما تعاطوه من الكتمان.
وفي بعض الأحوال يقبل بعضهم على بعض يتساءلون، ويتكلمون، فهو يوم كثير الأهوال، طويل المدة، يحصل فيه من الكلام والتقلبات لأهلها ما يحصل، ولكنه جل وعلا لا يعاقب أحدًا إلا بذنبه، وعمله، فمن جحد بلسانه نطق عليه جلده ورجله ويده بما يعمل حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ۝ وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [فصلت:20، 21].
وقال جويبر عن الضحاك: إن نافع بن الأزرق أتى ابن عباس فقال: يا ابن عباس، قول الله تعالى: يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا، وقوله: وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ، فقال له ابن عباس: إني أحسبك قمت من عند أصحابك، فقلت: ألقي على ابن عباس متشابه القرآن، فإذا رجعت إليهم فأخبرهم أن الله تعالى جامع الناس يوم القيامة في بقيع واحد، فيقول المشركون: إن الله لا يقبل من أحد شيئًا إلا ممن وحده، فيقولون: تعالوا نجحد: فيسألهم فيقولون: وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ، قال: فيختم الله على أفواههم، ويستنطق جوارحهم فتشهد عليهم جوارحهم أنهم كانوا مشركين، فعند ذلك يتمنون لو أن الأرض سويت بهم، ولا يكتمون الله حديثا. رواه ابن جرير.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا [النساء:43].
ينهى تبارك وتعالى عباده المؤمنين عن فعل الصلاة في حال السكر الذي لا يدري معه المصلي ما يقول، وعن قربان محالها التي هي المساجد للجنب، إلا أن يكون مجتازًا من باب إلى باب من غير مكث، وقد كان هذا قبل تحريم الخمر، كما دل عليه الحديث الذي ذكرناه في سورة البقرة عند قوله تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ [البقرة:219]، الآية. فإن رسول الله ﷺ تلاها على عمر، فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيًا، فلما نزلت هذه الآية تلاها عليه فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيًا، فكانوا لا يشربون الخمر في أوقات الصلوات حتى نزلت: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة:90] إلى قوله تعالى: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ [المائدة:91] فقال عمر: انتهينا انتهينا.  
وفي رواية إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمرو بن شرحبيل عن عمر بن الخطاب في قصة تحريم الخمر، فذكر الحديث، وفيه فنزلت الآية التي في النساء يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ فكان منادي رسول الله ﷺ إذا قامت الصلاة ينادي: أن لا يقربن الصلاة سكران، لفظ أبي داود.
ذكروا في سبب نزول هذه الآية ما رواه ابن أبي حاتم: حدثنا يونس بن حبيب، حدثنا أبو داود، حدثنا شعبة، أخبرني سماك بن حرب قال: سمعت مصعب بن سعد يحدث عن سعد قال: نزلت في أربع آيات، صنع رجل من الأنصار طعامًا فدعا أناسًا من المهاجرين، وأناسًا من الأنصار، فأكلنا، وشربنا حتى سكرنا، ثم افتخرنا، فرفع رجل لحي بعير ففزر به أنف سعد، فكان سعد مفزور الأنف، وذلك قبل تحريم الخمر، فنزلت يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى الآية، والحديث بطوله عند مسلم من رواية شعبة، ورواه أهل السنن إلا ابن ماجه من طرق عن سماك به.
سبب آخر: قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عمار، حدثنا عبدالرحمن بن عبدالله الدشتكي، حدثنا أبو جعفر، عن عطاء بن السائب، عن أبي عبدالرحمن السلمي، عن علي بن أبي طالب، قال: صنع لنا عبدالرحمن بن عوف طعامًا فدعانا، وسقانا من الخمر، فأخذت الخمر منا، وحضرت الصلاة، فقدموا فلانا، قال فقرأ: قل يا أيها الكافرون، ما أعبد ما تعبدون، ونحن نعبد ما تعبدون، فأنزل الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ، هكذا رواه ابن أبي حاتم، وكذا رواه الترمذي عن عبد بن حميد، عن عبدالرحمن الدشتكي به، وقال: حسن صحيح.
وقد رواه ابن جرير عن محمد بن بشار، عن عبدالرحمن بن مهدي، عن سفيان الثوري، عن عطاء بن السائب، عن أبي عبدالرحمن، عن علي: أنه كان هو، وعبدالرحمن، ورجل آخر، شربوا الخمر فصلى بهم عبدالرحمن فقرأ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1] فخلط فيها، فنزلت لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى، وهكذا رواه أبو داود، والنسائي من حديث الثوري به.
الشيخ: وهذا يبين لهم سبحانه أضرار الخمر، وفسادها، وشرها، وأنها تجعل العقلاء غير عقلاء، وهذا تمهيد لتحريمها ليعلموا خبثها؛ لأن العرب كانوا يحبونها كثيرًا، وبها يتفاخرون، وعليها يجتمعون، ومن حكمة الله أن أخر تحريمها حتى بان لهم بعدما عقلوا من الله، وفهموا وعرفوا خبثها، وشرها، وفسادها، وأنها تلعب بالعقول، وتغول بالعقول، فبعد هذا حرمها الله عليهم تحريمًا باتًا، واقتنع المسلمون بتحريمها، واجتنبوها، وحذروها، وحذروا غيرهم، وعرفوا فسادها وخبثها، فأنزل الله فيها: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ۝ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ [المائدة:90، 91] فقالوا عند هذا: انتهينا انتهينا، وأراقوا ما عندهم من الخمور، وانتهى أمرها، والحمد لله، وحاربها المسلمون، وتركوها، وحذروها، فجاء في هذه الأحاديث ما يدل على شدة التحريم، وأنها من الكبائر حتى قال النبي ﷺ: إن عهدًا على الله لمن مات وهو يشرب الخمر أن يسقيه من طينة الخبال قيل: يا رسول الله، وما طينة الخبال؟ قال: عصارة أهل النار، أو قال: عرق أهل النار، وثبت عنه ﷺ أنه لعن في الخمر عشرة: لعن الخمر، وشاربها، وساقيها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وبائعها، ومشتريها، وآكل ثمنها، نعوذ بالله، وقال عليه الصلاة والسلام: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن فنبه على عظم خطرها وعظيم شرها في الأحاديث الكثيرة ليحذرها المسلمون، وليعلموا أنها من الخبائث العظيمة، ومن الكبائر والجرائم الخطيرة، نسأل الله العافية.
ورواه ابن جرير أيضًا عن ابن حميد، عن جرير، عن عطاء، عن أبي عبدالرحمن السلمي، قال: كان علي في نفر من أصحاب النبي ﷺ في بيت عبدالرحمن بن عوف، فطعموا فأتاهم بخمر فشربوا منها، وذلك قبل أن يحرم الخمر، فحضرت الصلاة فقدموا عليا فقرأ بهم قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} فلم يقرأها كما ينبغي، فأنزل الله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى، ثم قال: حدثني المثنى، حدثنا الحجاج بن المنهال، حدثنا حماد، عن عطاء بن السائب، عن عبدالرحمن بن حبيب.الشيخ: عن عبدالله، أو عن أبي عبدالرحمن بن حبيب، هو اسمه عبدالله، وكنيته أبو عبدالرحمن.
عن عبدالله بن حبيب، وهو أبو عبدالرحمن السلمي: أن عبدالرحمن بن عوف صنع طعامًا وشرابًا، فدعا نفرًا من أصحاب النبي ﷺ فصلى بهم المغرب، فقرأ: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، أعبد ما تعبدون، وأنتم عابدون ما أعبد، وأنا عابد ما عبدتم، لكم دينكم، ولي دين، فأنزل الله هذه الآية يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ، وقال العوفي عن ابن عباس في الآية: أن رجالًا كانوا يأتون، وهم سكارى قبل أن يحرم الخمر، فقال الله: لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى الآية، رواه ابن جرير، وكذا قال أبو رزين، ومجاهد. وقال عبدالرزاق عن معمر، عن قتادة: كانوا يجتنبون السكر عند حضور الصلوات، ثم نسخ بتحريم الخمر.
وقال الضحاك في الآية: لم يعن بها سكر الخمر، وإنما عنى بها سكر النوم، رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم، ثم قال ابن جرير: والصواب أن المراد سكر الشراب، قال: ولم يتوجه النهي إلى السكران الذي لا يفهم الخطاب؛ لأن ذاك في حكم المجنون، وإنما خوطب بالنهي الثمل الذي يفهم التكليف، وهذا حاصل ما قاله، وقد ذكره غير واحد من الأصوليين، وهو أن الخطاب يتوجه إلى من يفهم الكلام دون السكران الذي لا يدري ما يقال له، فإن الفهم شرط التكليف، وقد يحتمل أن يكون المراد التعريض بالنهي عن السكر بالكلية لكونهم مأمورين بالصلاة في الخمسة الأوقات من الليل والنهار، فلا يتمكن شارب الخمر من أداء الصلاة في أوقاتها دائمًا، والله أعلم، وعلى هذا فيكون كقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، وهو الأمر لهم بالتأهب للموت على الإسلام، والمداومة على الطاعة لأجل ذلك.
وقوله: حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ هذا أحسن ما يقال في حد السكران: إنه الذي لا يدري ما يقول، فإن المخمور فيه تخليط في القراءة، وعدم تدبره، وخشوعه فيها.
وقد قال الإمام أحمد: حدثنا عبدالصمد، حدثنا أبي، حدثنا أيوب عن أبي قلابة، عن أنس، قال: قال رسول الله ﷺ: إذا نعس أحدكم وهو يصلي فلينصرف، ولينم حتى يعلم ما يقول انفرد بإخراجه البخاري دون مسلم، ورواه هو والنسائي من حديث أيوب به، وفي بعض ألفاظ الحديث فلعله يذهب يستغفر فيسب نفسه

....