بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فيطيب لمؤسسة الشيخ عبدالعزيز بن باز الخيرية أن تضع بين يدي المستمعين الأكارم هذا الإصدار ضمن سلسلة نشر تراث سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله.
الإصدار الخامس: عنوان هذه المادة "وصايا رمضانية"، نسأل الله تعالى أن ينفع به من يسمعه، وأن يجعله صدقة جارية لسماحة شيخنا رحمه الله، والآن نترككم مع هذه المادة.
الوصية الأولى:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فإن من نعم الله العظيمة ومن فضله الكبير أن شرع لعباده صيام رمضان، وشرع لهم جميع ما أمر به سبحانه من الصلاة والزكاة والحج وغير ذلك رحمة منه لهم وتوجيها لهم إلى الخير، ليثيبهم على ذلك أنواع الثواب، ويجري لهم الحسنات، ويرفع لهم الدرجات، ومن نعمه سبحانه أن يسر لك أيها المسلم بلوغ هذا الشهر الكريم في صيامه وقيامه، والتقرب إلى الله بأنواع الطاعات، فالله جل وعلا جعل هذا الشهر العظيم ميدانا لعباده المؤمنين يتسابقوا فيه إلى الخيرات، ويسارعوا فيه إلى الطاعات، ويتنافسوا فيه بكل ما يقرب إلى الله ويدني من رحمته، فجدير بك أيها المؤمن أن تغتنم هذا الشهر الكريم بأنواع الخير، وأن تسارع فيه إلى أنواع الطاعات، وأن تحذر فيه جميع ما حرم الله عليك، وأنت مأمور بالمسارعة إلى الخيرات في كل وقت، كما أنك منهي عن المآثم في كل وقت، ولكن هذا الشهر العظيم يشرع لك أن تخصه بمزيد عناية بأنواع الطاعات والخيرات والمحافظة على ذلك، كما يشرع لك أن تخصه بمزيد حذر من السيئات والمعاصي لأن إثمها أكبر في هذا الشهر الكريم كما أن أجر الطاعات أجزل وأعظم في هذا الشهر الكريم، والله يقول جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183] فأخبر سبحانه أنه كتب علينا كما كتب على من قبلنا، لنا فيهم أسوة فكما صبروا علينا أن نصبر ونتقرب ونعمل لما في ذلك من الخير العظيم والفضل الكبير والعاقبة الحميدة، ولهذا قال: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183] فدل على أن الصيام تقوى لله وطاعة له وتعظيم له، وهو أيضا يعين على التقوى في بقية الأعمال، فإن العبد يتقرب إلى ربه بترك شهواته من المأكل والمشرب والمنكح، يريد ثوابه والقربة لديه، وذلك يعينه على بقية الطاعات التي شرعها الله سبحانه، فالذي منعه من الأكل والشرب والنكاح في نهار الصيام هو الذي شرع له بقية العبادات ينظر ويتأمل بما له في ذلك من الخير العظيم، وما يحصل له من الصيام من قوة الإيمان والثقة بالله وإحسان الظن به والمسارعة إلى مراضيه والعناية بكتابه العظيم تدبرا وتعقلا.
فهذا الشهر الكريم: شهر الصيام، وشهر الأعمال الصالحات، وشهر القرآن، وشهر المسارعة إلى كل خير، شهر تضاعف فيه الحسنات، وتقال فيه العثرات، وتجاب فيه الدعوات، وتفتح فيه أبواب الجنات، وتغلق فيه أبواب جهنم، وتسلسل فيه الشياطين، شهر يجود الله به على عباده بأنواع الخيرات سبحانه وتعالى.
فجدير بك أيها المؤمن وجدير بكل مؤمنة المسارعة إلى كل خير، والفرح بهذا الخير العظيم، ولهذا كان يقول عليه الصلاة والسلام لأصحابه: أتاكم شهر رمضان، شهر تفتح فيه أبواب الجنات، وتغلق فيه أبواب جهنم، وتسلسل فيه الشياطين، شهر ينادي فيه منادٍ: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة، ويقول: هذا الشهر العظيم، شهر يغشاكم الله فيه، فيحط الخطايا، ويستجيب الدعاء، وينزل الرحمة، ينظر إلى تنافسكم فيه فيباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيرا، فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله.
هذا الشهر الكريم يشرع للمؤمن أن يسارع فيه إلى أنواع الخير، وأن يجتهد في قراءة القرآن، شهر نزل فيه القرآن فهو شهر القرآن، فالوصية العناية بكتاب الله والإكثار من تلاوته، كل حرف حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، يقول النبي ﷺ: من قرأ حرفا من القرآن فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف، ويقول ﷺ: اقرؤوا القرآن فإنه يأتي شفيعا لأصحابه يوم القيامة، ويقول ﷺ: يؤتى بالقرآن يوم القيامة وبأهله الذين كانوا يعملون به تقدمهم سورة البقرة وآل عمران كأنهما غمامتان، أو غيايتان، أو فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما فالوصية تقوى الله في هذا الشهر الكريم، وفي جميع الأوقات أنت مخلوق لعبادة الله، أنت مخلوق لطاعة ربك، لم تخلق عبثا ولا سدى، ولكنك خلقت لتعبد ربك بطاعة أوامره وترك نواهيه، كما قال سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، وأنت مأمور بذلك كما قال سبحانه: يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة:21]. والرسل بعثوا لهذا الأمر العظيم، بعثوا ليأمروك بعبادة الله، ويوضحوها لك، ويشرحوها لك، ويبينوا لك فضلها، وما أعد الله لأهلها كما قال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36].
فعليك أن تؤدي هذه العبادة وهي: الخضوع لله وطاعته سبحانه بفعل أوامره وترك نواهيه، هذه العبادة التي خلقت لها هي طاعة أوامر وترك نواهٍ، وأصلها وأعظمها ورأسها توحيده والإخلاص له، تخصيصه بالعبادة دون كل ما سواه، وترك الإشراك به، هذا هو أصل هذه العبادة، وهو أساسها ومحورها، ثم بقية الأوامر تؤدي أوامر الله وتنتهي عن نواهي الله، ترجو ثوابه وتخشى عقابه، ومن ذلك أن تصون هذا الصيام، هذا الصيام يحتاج إلى صيانة من محارم الله، عليك أن تصونه -تصون الصيام- بكل إخلاص وصدق عن إيمان واحتساب، لا عن تقليد للناس، ولا عن رياء ولا سمعة، ولكن عن إخلاص لله ومحبة وتعظيم، ترجو ثوابه وتخشى عقابه، يقول ﷺ: من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه هذا وعيد عظيم وفضل عظيم لمن أدى هذا الصيام عن إيمان بالله واعتقاد أن الله شرعه له وأوجبه عليه، وعن احتساب يرجو ثوابه، لم يصم عن تجلد أو رياء أو سمعة لا، لكن صيام عن إيمان بالله ورسوله، الإيمان بأن الله شرع هذه العبادة مع احتساب الأجر عنده سبحانه وتعالى يرجو ثوابه ويخشى عقابه.
ويقول ﷺ: الصيام جنة يعني سترة وحرز من النار ما لم يخرقها قيل: بم يخرقها؟ قال: بكذب أو غيبة، وقال ﷺ: الصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم يعني يشرع للصائم أن ترى عليه آثار الصيام: الخشوع، وقراءة القرآن، والإكثار من التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير، وحفظ لسانه عن كثير من الكلام الذي لا حاجة إليه، يشغل نفسه بطاعة الله وبالكلام النافع وقراءة القرآن والتسبيح والتهليل والتحميد والتكبير والاستغفار والدعاء، والدعوة إلى الله، تعليم الجاهل، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلى غير هذا من وجوه الخير، ولهذا كان ﷺ يخص هذا الشهر بمزيد عناية، ولاسيما عشره الأخيرة، يجتهد فيها أكثر، وكان ﷺ يدارس جبرائيل القرآن في هذا الشهر الكريم يدارسه القرآن، وفي السنة الأخيرة دارسه إياه مرتين، وهذا يدل على أن هذا الشهر شهر القرآن، فينبغي للمؤمن أن يخصه بمزيد عناية بتلاوة كتاب الله، بالإكثار من قراءة القرآن بالتدبر والتعقل كما قال الله جل وعلا: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص:29]، ويقول جل علا: وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأنعام:155]، ويقول سبحانه: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ [النحل:89]، ويقول جل وعلا: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31]، فمن دلائل المحبة لله والصدق اتباع الرسول ﷺ، اتباعه في أقواله وأعماله وسيرته عليه الصلاة والسلام في صيامه وقيامه وسائر أحواله عليه الصلاة والسلام لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [الأحزاب:21].
وقد سمعتم في خطبة إمامنا الآن من الخير الكثير ما فيه خير وكفاية، فنسأل الله أن يضاعف مثوبته وأن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، وأن يزيدنا وإياكم من كل خير، والوصية العام مرة بعد مرة العناية بهذا الشهر، وأن تصونه عن محارم الله عز وجل، وأن تجتهدوا فيه بطاعة الله جل وعلا، فليحذر فيه المؤمن الغيبة والنميمة وسائر المعاصي ليصن صيامه عما حرم الله، يقول عليه الصلاة والسلام: من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل -يعني الظلم- فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه الواجب علينا أن نصون هذا الصيام من الكذب والغيبة وسائر المعاصي، ومن الظلم للناس في النفس أو في المال أو في العرض، فالمؤمن يصون جوارحه ويصون لسانه عما حرم الله، ويبذل الخير ويبتعد عن الشر وفق الله الجميع لما يرضيه، وهدانا وإياكم صراطه المستقيم، وأعاذنا وإياكم من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ... أن يوفقنا جميعا لإكمال صيامه إيمانا واحتسابا، وأن يعيننا جميعا على التقرب إليه بأنواع العبادة في هذا الشهر الكريم، وفي غيره، وأن يوفقنا جميعا لطاعته والاستقامة على دينه حتى نلقاه سبحانه، ونسأله أن ينصر دينه ويعلي كلمته، وأن يوفق ولاة أمرنا لكل خير، وأن يعينهم على كل خير، وأن ينصر بهم الحق ويصلح لهم البطانة، وأن يجعلنا وإياهم من الهداة المهتدين، إنه سميع قريب، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه.
الوصية الثانية:
أما بعد:
فكلنا بحمد الله يستبشر بهذا الشهر الكريم الذي أظلنا زمانه، ويفرحوا بذلك، يرجو من الله أن يعينهم على صيامه وقيامه إيمانا واحتسابا، وأن يوفقهم فيه لأنواع الخير الذي يرضيه ويقرب لديه.
أيها الإخوة في الله: معلوم أننا قد أظلنا شهر كريم، شهر الصيام والقيام، شهر العتق من النار، شهر تفتح فيه أبواب الجنات وتغلق فيه أبواب جهنم وتغل فيه الشياطين، شهر تفتح فيه أبواب الرحمة، شهر ينادي فيه منادٍ: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، كان النبي ﷺ يبشر أصحابه بهذا الشهر الكريم، ويقول: شهر مبارك كتب الله عليكم صيامه، فأروا الله من أنفسكم خيرا، ويقول عليه الصلاة والسلام: إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت فيه أبواب النار، وسلسلت فيه الشياطين، وينادي فيه منادٍ: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة، ويقول أيضا عليه الصلاة والسلام: أتاكم شهر رمضان، شهر بركة، يغشاكم الله فيه فينزل الرحمة ويحط الخطايا ويستجيب الدعاء، ينظر الله إلى تنافسكم فيه فيباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيرا، فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله، ويقول عليه الصلاة والسلام: من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ويقول عليه الصلاة والسلام: يقول الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، ويقول عليه الصلاة والسلام: الصيام جنّة يعني جنة من النار لمن أتقنه وأكمله ... فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم.
هذا الشهر العظيم يجب على المؤمن أن يصونه مما حرم الله، وأن يجتهد في أداء ما أوجب الله عليه، وأن يحذر ما حرم الله عليه، فهو شهر عظيم شهر مبارك تضاعف فيه الحسنات وتعظم فيه السيئات، فلهذا قال عليه الصلاة والسلام: من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه، فالواجب على المؤمن أن يحذر ما حرم الله عليه من سائر المعاصي من الغيبة والنميمة وقول الزور والظلم للعباد وغير ذلك، يقول عليه الصلاة والسلام: الصلوات الخمس، ورمضان إلى رمضان، والجمعة إلى الجمعة، كفارات لما بينهن إذا اجتنب الكبائر، وفي لفظ: ما لم تغش الكبائر. فالواجب عليك يا عبدالله أن تصون صيامك من كل ما حرم الله، وأن تجتهد في أداء ما أوجب الله، ومن ذلك المحافظة على الصلوات الخمس في جماعة: الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء، يجب أن تحافظ عليها أكثر مما تحافظ عليها في غير ذلك، وإن كان الواجب على الجميع المحافظة في كل وقت والحذر مما حرم الله في كل وقت، ولكن في رمضان تكون العناية أكبر، يجب أن تكون العناية بأداء ما أوجب الله والحذر مما حرم الله أكبر وأكمل.
ويجب عليك يا عبدالله أن تصون صيامك عن جميع المحارم من الغيبة والنميمة والعقوق وقطيعة الرحم وسائر المعاصي، يجب أن تحذر ذلك، وأن تسأل ربك العون والتوفيق والتسديد، وعليك أيضا أن تحذر جميع ما يخل بصيامك من سائر المفطرات، عليك أن تحذر ما حرم الله عليك من سائر المفطرات، وأن تصون صيامك من كل ما ينقصه ويبطله، فالمؤمن حريص على الخيرات، قال الرسول ﷺ: احرص على ما ينفعك، واستعن بالله وهذا الشهر الكريم يشرع به للمؤمن المنافسة في الخيرات والمسارعة إلى الطاعات من الصدقات والتسبيح والتهليل والتكبير وغير هذا من وجوه الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله ، فهذا شهر عظيم شهر تضاعف فيه الحسنات وتعظم السيئات.
فالمشروع لك يا عبدالله أن تسارع إلى الخيرات وأن تنافس في الطاعات وأن تحذر جميع السيئات، ومن ذلك تفقد الفقراء والمساكين والصدقة عليهم ومواساتهم والإحسان إليهم، فإن الصدقة في هذا الشهر الكريم مضاعفة، ولا يخفى أنه يوجد الضعفاء والمساكين، فالمشروع لك يا عبدالله أن تعنى بإخوانك الفقراء، وأن تحسن إليهم من زكاتك وغيرها ترجو ثواب الله وتخشى عقاب الله، وهكذا تقوم رمضان، يقول ﷺ: من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه يشرع قيامه، يقول النبي ﷺ: صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى فيشرع للمسلمين قيام رمضان، وكان الصحابة يقومونه، وكان النبي ﷺ صلى بالناس عدة ليالي ثم ترك ذلك وخاف أن تفرض عليهم، فلما توفي ﷺ قام بذلك عمر في وقت خلافته، وعين إماما للناس يصلي بهم صلاة التراويح في رمضان، وصلاة القيام في رمضان عملا بالحديث: من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ويقول ﷺ: من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له قيام ليلته. فالمشروع لك أن تقوم مع الإمام وتكمل مع الإمام حتى يحصل لك بذلك فضل قيام الليل كله.
وصلاة الليل في رمضان موسع فيها بحمد الله، لكن أفضلها ثلاثة عشر أو إحدى عشر أو ثلاثة عشرة، هذا أكثر ما ورد عنه ﷺ، هذا يصليها في رمضان وفي غيره، إحدى عشرة يسلم من كل ثنتين ويوتر بواحدة، وربما صلى ثلاثة عشرة عليه الصلاة والسلام، فالأفضل في العشرين وفي العشر الأخيرة إحدى عشرة وثلاثة عشرة، لكنه يحيي الليل في العشر الأخيرة ويطول القراءة والسجود والركوع حتى يحصل بذلك التأسي بالنبي ﷺ، فإنه كان عليه الصلاة والسلام يحيي العشر الأخيرة، إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله، وكان يطول في القراءة والركوع والسجود عليه الصلاة والسلام، أما في العشرين الأول فكان يصلي وينام عليه الصلاة والسلام، فالأفضل للمسلمين أن يصلوا ما تيسر في أول الليل والباقي للنوم والراحة، وأما العشر الأخيرة فالسنة إحياؤها بالعبادة والصلاة والقراءة، وعلى الأئمة أن يتقوا الله وأن يجتهدوا في إتقان الصلاة وعدم العجلة، فالواجب أن يصلي صلاة فيها الطمأنينة، فيها خشوع، فيها تدبر، فيها تحريك القلوب في قراءة القرآن، وليحذر العجلة، كثير من الناس يصلي صلاة لا يعقلها يعجل فيها، فالسنة بل الواجب الطمأنينة وعدم العجلة في الصلاة في الفريضة وفي غيرها، في التراويح يجب الطمأنينة وعدم العجلة، لما رأى النبي ﷺ رجلا صلى ولم يتم ركوعه ولا سجوده أمره بالإعادة عليه الصلاة والسلام، وعلمه أن يطمئن في صلاته، فالواجب على الأئمة وعلى كل مسلم أن يصلي صلاة فيها الطمأنينة وفيها الخشوع لله، يقول الله جل وعلا: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:1-2] فالطمأنينة في ركوعك وفي سجودك وبين السجدتين وبعد رفعك من الركوع لا بد من الطمأنينة وعدم العجلة، وهكذا في قراءتك تقرأ قراءة واضحة فيها خشوع، فيها إظهار الفقر والضراعة إلى الله حتى تخشع القلوب وحتى تستفيد من كلام الله عز وجل، هكذا المؤمن يتحرى في ذلك ما ينفعه وينفع إخوانه الذين يصلون معه في ركوعه وطمأنينته وترتيله القراءة وعدم العجلة حتى يستفيد الجميع، وحتى ينتفع الجميع بسماع القرآن وبالصلاة التي فيها الطمأنينة والخشوع وعدم العجلة، والله جل وعلا شرع لنا المسارعة إلى الخيرات والمنافسة في الطاعات، وهذا شهر كريم، شهر المنافسة والمسارعة إلى الخيرات في القراءة، في الصلاة والتسبيح والتهليل وغير ذلك من وجوه الخير، مع الصدقة والإحسان على الفقراء والمساكين والإنفاق في وجوه الخير كلها، ومع الحذر كل الحذر من جميع السيئات، ولكن نسأل الله للجميع التوفيق، والمزيد من كل خير، وصلاح القلوب وصلاح الأعمال والقبول، ونسأل الله أن يبلغنا وإياكم صيامه وقيامه إيمانا واحتسابا، وان يعيذنا وإياكم من مضلات الفتن، ومن شرور النفس وسيئات العمل، كما نسأله سبحانه أن ينصر دينه ويعلي كلمته، وأن يوفق ولاة أمرنا لكل خير، وأن يعينهم على كل خير، وأن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان، وأن يمنحهم الفقه في الدين، وأن يولي عليهم خيارهم ويصلح قادتهم، إنه سميع قريب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.
الوصية الثالثة:
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
لا ريب أن صيام رمضان أحد أركان الإسلام الخمسة كما في الحديث الصحيح، يقول النبي ﷺ: بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت قد بين الله في كتابه وجوب صيام رمضان، وأنه كتب الصيام علينا وعلى من قبلنا، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183] فأبان سبحانه أن الصيام مكتوب علينا وعلى من قبلنا، وأنه وسيلة للتقوى، هو من التقوى ووسيلة للتقوى، الصيام تقوى لله جل وعلا فرض من فرائضه وعبادة من عبادته ، وهو مع ذلك أيضا وسيلة إلى أن يتقي ربه، يتقي العبد ربه في جميع الأمور، فالصيام مما يعين على أداء حق الله وترك محارمه، فالصوم يذكر الله لأنه سر بين العبد وبين ربه الصائم، يدع طعامه وشرابه وشهوته للنساء يبتغي ما عند الله، وسر بين العبد وبين ربه، لو أفطر في مكان لم يعلمه إلا الله جل وعلا فهو يذكر بالله ويذكر بحقه وعظمته، من أعظم الأسباب في تقوى العبد لربه قيامه بحقه وأدائه فرائضه وتركه محارمه، وجعله سبحانه شهرا واحدا من السنة فضلا منه وإحسانا، وجعل صيامه يكفر ما بينه وبين السنة الأخرى كما في الحديث الصحيح يقول عليه الصلاة والسلام: الصلوات الخمس، ورمضان إلى رمضان، والجمعة إلى الجمعة كفارات لما بينهن إذا اجتنب الكبائر فالصيام والصلاة والجمعة مكفرات لما بينهن من الذنوب ما لم تغش الكبائر، فالواجب على كل المؤمن أن يتقن هذا الصيام، وأن يصونه، يجب أن تصون صيامك عما حرم الله، وأن تحذر هتك صيامك بالمعاصي، وقد سمعت قول النبي ﷺ: الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان كفارات لما بينهن إذا اجتنب الكبائر، وفي لفظ: ما لم تغش الكبائر وهي كبائر الذنوب: الزنا والسرقة وشرب المسكر والغيبة والنميمة والعقوق للوالدين أو أحدهما وقطيعة الرحم وغير هذا مما حرم الله من المعاصي التي ورد فيها ما يدل على أنها من الكبائر، فالواجب على المؤمن اجتناب جميع الذنوب والحذر منها جميعها صغيرها وكبيرها، يرجو ثواب الله ويخشى عقابه ، والتساهل بالصغائر يجر إلى الكبائر فالواجب الحذر.
ويقول ﷺ: الصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ...
فالواجب صيانة الصيام عما حرم الله، تصون سمعك وبصرك ولسانك وجوارحك من محارم الله، وأن تحذر الظلم والجهل، ظلم الناس والتعدي عليهم. وفي الحديث الآخر: الصيام جنة ما لم يخرقها قيل يا رسول الله بم يخرقها؟ قال: بكذب أو غيبة فالمعاصي تخرق الصيام ... أثره.
ويقول عليه الصلاة والسلام: كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، يقول الله عز وجل إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك فالواجب على المؤمن أن يصون هذا الصيام، وأن يحفظه مما يبطله أو يفسده، ومن رحمته أن رخص للمريض والمسافر الفطر، قال تعالى: وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:185] فالمريض الذي يشق عليه الصوم له رخصة كالشيخ الكبير العاجز له رخصة، والمسافر له رخصة رخصة من الله، إفطاره أفضل وإن صام لا حرج، لكن إذا شق عليه الصوم في السفر أو المرض يكره له الصوم، يأتي الرخصة إن الله يحب أن تؤتى رخصه، ولهذا لما رأى رسول الله ﷺ رجلا قد ظلل عليه وهو صائم في السفر قال: ليس من البر الصوم في السفر، وإذا كان الصوم يشق عليه مثل هذا ويضعف عليه الجهاد في سبيل الله وجب الإفطار، ولهذا لما أراد ﷺ الوصول إلى مكة أمر الناس بالإفطار، لما كان غزوة مكة قبل الفتح في رمضان قيل له إن الناس قد شق عليهم الصيام فأخذ قدحا من ماء وشرب، فبلغه أن بعض الناس قد صام فقال: أولئك العصاة، أولئك العصاة ... قال لهم: إنكم قد دنوتم من عدوكم، والفطر أقوى لكم. فيجب على من عليه صيام أن يقضيه قبل رمضان كما سمعتم، يجب ... يقضيه قبل رمضان، ويجوز التأخير إلى شعبان، إلى رجب، لا بأس لكن يجب أن يقضى قبل رمضان، المرأة إذا أفطرت لحيضها أو نفاسها، أو أفطر الإنسان لمرض ثم عفاه الله يجب البدار القضاء قبل رمضان، فإن تأخر ولم يقض بغير عذر وجب عليه القضاء والتوبة، أخره إلى رمضان آخر من غير عذر وجب القضاء والتوبة وإطعام مسكين عن كل يوم أيضًا ... مع التوبة والاستغفار والندم.
ولا يجوز الصوم قدام رمضان، يقول ﷺ: لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين إلا رجل كان يصوم صومه فليصمه ليس للناس أن يحتاطوا ويتقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين، الرسول ﷺ نهى عن هذا، لأن هذا وسيلة للزيادة في رمضان، ولهذا قال عمار : من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم ﷺ إلا إذا كان له صوم وصادف آخر الشهر فلا بأس، يصوم آخر الشهر من شعبان ... ما عليه من القضاء، أو كان له عادة يصوم الاثنين والخميس وصادف الاثنين آخر شعبان، أو صادف الخميس آخر شعبان لا بأس أن يصوم لقوله ﷺ: إلا رجل كان يصوم صومه فليصمه، أو يصوم يوم ويفطر يوم وصادف اليوم الأخير وهو يوم صومه فلا حرج.
والواجب على جميع المسلمين أن يصونوا صيامهم ويحفظوه عما يجرحه من سائر المعاصي، هذا هو الواجب على جميع المسلمين، وليس المقصود مجرد ترك الطعام والشراب، بل الواجب أن تصون صيامك عما حرم الله من سائر المعاصي، ولهذا يقول ﷺ: من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه.
وهكذا ينبغي للمسلمين عدم السهر في الليل، الإنسان يستعين بشيء من النوم في العشرين الأول على طاعة ربه وعلى أعماله، ويحذر السهر على ما حرم الله، بعض الناس قد يسهر على ما حرم الله، فليحذر المؤمن من ذلك وليستعن ببعض نومه في الليل على ما أوجب الله عليه، وعلى ما شرع الله له في النهار إلا في العشر الأخيرة، فالسنة ... كان النبي ﷺ في العشر الأخيرة يحيي الليل قالت عائشة رضي الله عنها: «كان رسول الله ﷺ إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيا أهله، وأيقظ أهله» يعني شمر للعبادة، وأحيا الليل للعبادة، وأيقظ أهله للعبادة عليه الصلاة والسلام.
نسأل الله أن يبلغنا وإياكم صيام رمضان وقيامه، وأن يجعلنا وإياكم ممن يصومه ويقومه إيمانا واحتسابا، وأن يعيذنا وإياكم من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، ومن مضلات الفتن، كما نسأله سبحانه أن يوفق جميع المسلمين في كل مكان على ما يرضيه وأن يصلح أحوالهم، وأن يمنحنا وإياهم الفقه في الدين، وأن يولي عليهم خيارهم ويصلح قادتهم، وأن يوفق ولاة أمرنا لكل خير وأن يعينهم على كل خير، وأن يصلح لهم البطانة، وأن يوفقهم لكل ما فيه صلاح العباد والبلاد، ويجعلنا وإياكم وإياهم من الهداة المهتدين، إنه جل وعلا جواد كريم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.
الوصية الرابعة:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فنسأل الله جل وعلا أن يوفقنا وجميع المسلمين للفقه في الدين والاستقامة عليه، وأن يعيذ الجميع من مضلات الفتن، وأن ينصر دينه ويعلي كلمته، وأن يصلح أحوال المسلمين جميعا في كل مكان، وأن يمنحهم الفقه في الدين، وأن يولي عليهم خيارهم ويصلح قادتهم، كما نسأله سبحانه أن يوفق ولاة أمرنا لكل خير، وأن يصلح لهم البطانة وأن ينصر بهم الحق، وأن يجعلنا وإياكم وإياهم من الهداة المهتدين.
لا ريب أن هذا الشهر الكريم الذي قد أظلنا زمانه، لا شك أنه من نعم الله العظيم على المسلمين، ولهذا كان الرسول ﷺ يبشر أصحابه بهذا الشهر العظيم إذا قرب، ويقول: أتاكم شهر رمضان، شهر مبارك، كتب الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب جهنم، وتغل فيه الشياطين، وفي اللفظ الآخر يقول ﷺ: أتاكم شهر رمضان، شهر بركة، يغشاكم الله فينزل الرحمة، ويحط الخطايا، ويستجيب الدعاء، ينظر الله إلى تنافسكم فيه فيباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيرا، فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله، هذا الشهر العظيم شهر مبارك، تفتح فيه أبواب الجنة وأبواب السماء، وتغل فيه الشياطين وتغلق فيه أبواب جهنم، وينادي فيه منادٍ يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة.
ويقول في هذا عليه الصلاة والسلام: من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ويقول النبي ﷺ: يقول الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، يقول الله جل وعلا: إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، ويقول ﷺ: الصيام جنة يعني جنة من النار فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم.
وسبق في المحاضرة من التوجيه والإرشاد ما فيه الخير الكثير والفائدة العظيمة، ومن هذا قوله ﷺ: من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه هذا يوجب الحذر، والواجب على المؤمن أن يصون صيامه عن محارم الله، ليس الصيام عن الطعام والشراب، المقصود أن تصوم عما حرم الله عليك من الطعام والشراب والجماع وسائر المعاصي، المعاصي محرمة في كل زمان وفي كل مكان، لكن في رمضان يشتد التحريم ويعظم الإثم، الغيبة محرمة في كل وقت وفي رمضان أشد، الزنا محرم في كل وقت وفي رمضان أشد، وشرب المسكر محرم في كل وقت وفي رمضان أشد، وهكذا بقية المعاصي.
الواجب الحذر، الواجب أن تصون صيامك عما حرم الله عليك، وأن تجتهد في ذلك لأن الصوم كما تعلمون وكما سمعتم إمساك عن الطعام والشراب ... للقربة إلى الله بنية صالحة، ليس إمساكا عاديا ولكنه يمسك عما حرم الله ... يريد وجه الله، يريد التقرب إلى الله لا مجرد عادة لا، ينوي بذلك التقرب إلى الله فهو عبادة، يترك الطعام والشراب والجماع وغير هذا من المفطرات يرجو ثواب الله ويخشى عقاب الله، ويلتزم أمر الله لا لمجرد أن الناس تركوا لا، بل يتعبد بذلك يريد وجه الله والدار الآخرة، لا بد من النية، لا بد من تبييتها قبل الفجر، أن ينوي قبل الفجر صوم الفرض، ينوي بنية سابقة حتى يطلع عليه الفجر وقد نوى الصوم الفريضة: رمضان، أو الكفارات، أو النذر. أما النفل فلا بأس أن يصوم من أثناء النهار، لو أصبح ولم يأكل ولم يشرب ولم يتعاط المفطرات ثم نوى الصوم من أثناء النهار فلا بأس، كما ثبت في الحديث الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ دخل عليها ذات يوم وقال: هل عندكم شيء؟ قالت: لا، قال: فإني إذًا صائم يعني الآن يبدأ بالصوم، فيكون له أجر صيامه ... في النافلة، أما الفرض فلا بد أن يكون مبيتا قبل طلوع الفجر سواء في أول الليل أو في أثناء الليل، أو في آخر الليل ينوي الصوم ينوي الصوم ... الذي شرعه الله له، وترك ما حرم الله عليه من المفطرات يريد وجه الله والدار الآخرة.
وكذلك يجب على المؤمن أن يحذر من التعدي والظلم، ولهذا قال: والجهل الجهل يعني التعدي على الناس وظلمهم، كما يحرم عليه جميع المعاصي فهكذا ... الظلم فهو من أشد المعاصي، ظلم الناس بالسب والشتم أو الضرب أو القتل أو أخذ أموالهم هذا محرم، ولكنه في رمضان يكون أشد تحريما وأعظم إثما، فالواجب على المؤمن أن يقدر هذا الصوم ويعرف له شأنه ويميزه عن غيره من الأيام، فيكون يوم صومه ليس كيوم فطره، بل يكون يوم الصوم له عناية بالعبادة والحذر من محارم الله جل وعلا، والله جعل وعلا يقول في كتابه العظيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ [البقرة:183] فهو مفروض على العباد بإجماع المسلمين، وركن من أركان الإسلام، يقول النبي ﷺ: بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت وهو الركن الرابع من أركان الإسلام، وإذا أفطر عمدا ليس له أن يأكل ويشرب بل يجب عليه التوبة ويمسك، فلو جامع زوجته نهارا أثم وعليه التوبة والإمساك وعليه القضاء، وهكذا إذا أكل أو شرب عمدا وجب عليه الإمساك والتوبة إلى الله ، هكذا إذا ... عمدا من غير عذر من غير مرض، عليه أن يتوب إلى الله وعليه القضاء وعليه أن يمسك، فليس له أن يأكل ويشرب، وهكذا لو ذرعه القيء لا قضاء عليه، ذرعه يعني غلبه القيء من فمه، فصومه صحيح لأنه ليس باختياره لكن متى استقاء ... يعني طلبه، فهذا عليه القضاء لأنه لا يجوز له أن جذبه إلا عند الضرورة، إذا كان يشق عليه يكون مريضا يجذبه ... ثم يمسك بقية يومه، وليس له الفطر كسائر المفطرات التي تعاطها عمدا فإنه يتوب إلى الله ويمسك وليس له أن يستقيء إلا إذا اضطر إلى ذلك، كالمريض الذي يفطر بالأكل والشرب لأنه يشق عليه الصوم، الله أباح له الفطر وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:185]، إذا شق عليه الصيام، وهكذا إذا وجد في بطنه يشق عليه عدم الاستقاء بل يضره ذلك صار كالمريض، وهكذا الحجامة إذا شق عليه واحتاج إليها كان ذلك من قبيل المرض فإنه ... مرضه، أما التوسع في ذلك لا، يؤخرها إلى الليل، فليس له أن يفطر بها أثم وعليه الإمساك والقضاء، وهكذا جميع أنواع المفطرات فليس له أن ... زوجته ليجامع، ليس له ذلك بل يجب عليه أن يمسك حتى تغرب الشمس، وهكذا نحو ذلك من جميع المفطرات، الواجب على المؤمن أن يمسك ويتقي الله ويراقب الله حتى يتم صومه ... وأما إذا ظن غروب الشمس وأفطر ثم بان أنها لم تغرب فهذا عليه الإمساك حتى تغيب الإمساك، واختلف العلماء هل يقضي أو ما يقضي؟ على قولين للعلماء: منهم من قال يقضي ... لا بد من قضاء. وقال آخرون: معذور بالجهل، لأنه لم يتعمد فلا قضاء عليه.
وفي المسألة خلاف، فإذا قضى من باب الاحتياط فهذا حسن مثل لو أفطر في يوم الثلاثين من شعبان، ثم قامت البينة أنه من الصيام، وأنه من رمضان يمسك ويقضي ذلك اليوم الذي أفطره عند أهل العلم، عند جميع الأئمة الأربعة لأنه يفطر بعذر، فلما بان أنه من رمضان وجب عليه الصوم وعليه القضاء لأنه أصبح مفطرا، والله أوجب عليه أن يصبح صائما لكنه معذور لعدم علمه بأنه من رمضان، فلما ثبت أنه من رمضان وجب عليه الإمساك ووجب عليه قضاء ذلك اليوم لأنهم لم يصوموه إنما أفطروا بعضه، والله عز وجل أوجب عليهم صيامه كله.
نسأل الله للجميع التوفيق وأن يثبتنا جميعا على دينه، إنه سميع قريب، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه.
الوصية الخامسة:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
أيها الإخوة في الله، يقول الله عز وجل في كتابه العظيم: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات:55]، ونحن في آخر يوم من شهر رمضان فيشرع لنا جميعا العناية بهذا اليوم وختم شهر رمضان بالتوبة النصوح، والإكثار من ذكر الله واستغفاره جل وعلا، فالأعمال بالخواتيم، فنسأل الله أن يوفقنا وإياكم في ختام هذا الشهر لما يرضيه جل وعلا من الإكثار من ذكره والتوبة إليه، وسؤاله جل وعلا التوفيق والهداية وصلاح النية والعمل، وأوصيكم ونفسي بتقوى الله ومواصلة الجهود في طاعة الله واتباع شرعه، فالله جل وعلا هو المعبود بالحق في كل زمان ومكان، وقد شرع لنا الاستقامة على طاعته، والاستقامة على مراضيه في جميع الزمان حتى نلقاه سبحانه وتعالى، كما قال جل وعلا: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ [هود:112]، وقال جل وعلا: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ [فصلت:30]، ويقول سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأحقاف:14].
فأوصيكم بتقوى الله دائما في جميع الأوقات في كل زمان ومكان، وأوصيكم بمواصلة الجهود في طاعة الله واتباع شريعته وتعظيم أمره ونهيه، والحذر من كل ما نهى عنه، يقول الله جل وعلا: إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ [المؤمنون:57-61]. وقد وصف عباده المؤمنين بالمسارعة إلى الخيرات والاستقامة على الطاعة في قوله جل وعلا: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:71]، فالوصية الاستقامة والحذر من العود إلى ما حرم الله بعدما هداك الله في رمضان ووفقك، فالواجب الحذر أن ترجع إلى سيئات أعمالك، والواجب التوبة إلى الله الصادقة والاستمرار عليها وسؤال ربك التوفيق والهداية، سل ربك التوفيق والهداية، وأن يعينك على شكره وأداء حقه، وأن يعيذك من شر نفسك وهواك ومن الشيطان الرجيم، ثم استقم في جميع الأحوال، فالمؤمنون مستقيمون في جميع الزمان حتى يلقوا ربهم، وسيد الخلق محمد عليه الصلاة والسلام قال الله له وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، وقال في عباده المتقين: كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [الذاريات:17-19]، وقال أيضا عنهم: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:16-17]، وقال في وصف عباد الرحمن وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا [الفرقان:64-67] إلى آخر السورة.
ذكر فيها صفاتهم العظيمة، فأوصيك أن تستمر في طاعة الله، أوصيكم ونفسي جميعا بتقوى الله جل وعلا، والاستمرار في الخير من الصيام والصلاة والتهجد بالليل والصدقات، إلى غير هذا من وجوه الخير، يقول الله : آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ [الحديد:7]، ويقول سبحانه: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:274] فعليكم أيها الإخوة تقوى الله دائما في جميع الأحوال، وفي كل زمان ومكان، والمسارعة إلى الخير والحذر من كل ما نهى الله عنه، وهكذا الوصية فيما بينكم: التواصي، التناصح، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هكذا المؤمنون في جميع الزمان التناصح والتواصي بالحق في جميع الزمان، يقول الله جل وعلا في كتابه العظيم وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3]، ويقول سبحانه: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2]، ويقول النبي ﷺ: الدين النصيحة قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم.
نسأل الله أن يوفقنا وإياكم لما يرضيه، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا جميعا، وأن ينصر دينه ويعلي كلمته، وإن يجعلنا وإياكم من الموفقين لإكمال صيام هذا الشهر وقيامه إيمانا واحتسابا، وأن يمن على الجميع بالمغفرة والعتق من النار، وأن يعيده علينا وعلى المسلمين جميعا أعواما كثيرة في حال خير واستقامة وعز الإسلام ونصر لدين الله وثبات على الحق، إنه جل وعلا جواد كريم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.
الوصية السادسة:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فإن الله جل وعلا شرع لعباده متابعة الأعمال الصالحات، والاجتهاد من الخيرات في كل وقت، فالمؤمن يسابق إلى الخيرات ويسارع إلى عمل الخير في رمضان وفي غيره، كما قال جل وعلا عن عباده الصالحين من الأنبياء وأتباعهم: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء:90]، وقال تعالى في كتابه العظيم: فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ [البقرة:148]، وقال جل وعلا: إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ [المؤمنون:57-61] فأعمالهم الطيبة يعملون على وجل وخوف، ويؤدون فرائض الله، ويبتعدون عن محارم الله عن إيمان وتصديق وخوف من الله ورجاء، وعلى مسابقة إلى الخيرات، هكذا ينبغي للمؤمن في رمضان وفي غيره أن يسابق إلى الخيرات، وأن يسارع إلى الطاعات، وأن يختم شهره بالتوبة الصادقة والاستغفار، وأن يتابع ذلك بالعمل الصالح، ومن ذلك زكاة الفطر، فإن الله أوجب زكاة الفطر على كل مسلم صاعا من قوت البلد تمرا أو من شعيرا أو من غيرهما من قوت البلد، يجب إخراجها قبل العيد، قبل صلاة العيد، النبي ﷺ أمر بإخراجها قبل الصلاة، يقول ابن عمر رضي الله عنهما: «فرض رسول الله ﷺ زكاة الفطر صاعا من تمر، أو صاعا من طعام، على الذكر والأنثى، والصغير والكبير، والحر والمملوك، وأمر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة» يعني إلى صلاة العيد. قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: «كنا نعطيها في زمن رسول الله ﷺ صاعا من طعام، أو صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، أو صاعا من زبيب، أو صاعا من أقط». وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: «فرض رسول الله زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين، فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات». هذا يدل على وجوب إخراجها قبل صلاة العيد، ليلة العيد أو قبل العيد بيوم أو يومين، كان الصحابة يخرجونها قبل العيد بيوم أو يومين بإذن النبي ﷺ، يعني في يوم الثامن والعشرين، أو التاسع والعشرين، أو الثلاثين إن تم الشهر، فإن الشهر يكون تسعا وعشرين ويكون ثلاثين، فإذا أخرجها في اليوم الثامن والعشرين أو التاسع والعشرين أو في الثلاثين إن تم الشهر قد أداها في وقتها، والأفضل قبل صلاة العيد، يوم العيد قبل الصلاة، وإذا قدمها في ليلة العيد أو قبل العيد بيوم أو يومين في الثامن والعشرين، أو التاسع والعشرين، أو في الثلاثين إذا تم الشهر كل ذلك حسن والحمد لله.
والمشروع للمؤمن أن يتحرى الشيء الطيب: التمر، الشعير، الذرة من قوت بلده كما قال الله جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ [البقرة:267] غني عن صدقات الناس وعن أعمالهم جل وعلا، إنما هي لهم، وكما في الحديث الصحيح القدسي: يقول الله جل وعلا: إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه فأعمالنا لنا، والله غني عنا جل وعلا، إذا أنفقوا من الطيبات وأتقنوا أعمالهم الطيبة واجتهدوا في الخيرات فذلك لهم إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا [الإسراء:7]، قال جل وعلا: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا [فصلت:46].
ومن ذلك العناية بزكاة الفطر، وأن تكون من الطعام الطيب، التمر الطيب، الحنطة الطيبة، الشعير الطيب، الرز الطيب، الذرة الطيبة، الدخن الطيب، ... صاع. قال بعض أهل العلم يجب نصف الصاع من البر، والصواب: أنه لا بد من صاع من البر وغيره لظاهر الأحاديث عن النبي ﷺ، والمشروع لك يا عبدالله أن تطيب بها نفسا، أن تكون في إخراجها عن نفس طيبة، وعن رغبة بما عند الله، هذا الواجب، على المؤمن أن يتحرى الطيب، الزكاة من وسط المال: إما من طيبه، وإما من وسطه، واحذر أن تخرج من الرديء إما من الوسط أو من الجيد خير لك وأزكى لك ترجو ثواب الله وتخشى عقاب الله، تحرى بها الفقراء والمساكين في بلدك قبل الصلاة، أما بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات، ما يكون لها زكاة الفريضة، تكون حكم الصدقة ... الأجر العظيم والوعد بالقبول، فبادر بها قبل صلاة العيد، إما صباح العيد قبل الصلاة، وإلا في ليلة العيد، وإلا قبل ذلك بيوم أو يومين ترجو ثواب الله وتخشى عقاب الله، عن الصغير والكبير، حتى الرضيع حتى الطفل أو كبير السن، أما الحمل لا، عن الحمل لا تجب لكن لو أخرج عن الحمل أفضل، جاء عن عثمان أنه كان يخرج عن الحمل. فالمقصود أن إخراجها عن الحمل مستحب غير واجب، أما الذي ولد قبل صلاة العيد فهي .... صاع، وإن كان ما وجد إلا ليلة العيد أو صباح العيد.
والسنة للمؤمن أن يتحرى بها الفقراء الذين يعرف فقرهم وحاجتهم، لا يتساهل ويعطيها من هب ودب لا، يتحرى، هي طعمة للمساكين وللفقراء، فيتحرى بها الفقراء من جيرانه أو غيرهم، هي مواساة لهم وإحسان إليهم، والله جل وعلا وعد المنفقين بالخلف، فأنت أحسنت لنفسك، والله يقول: وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [سبأ:39]، وسماها الله قرضا: إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ [التغابن:17] فأنت بصدقاتك وزكواتك وصدقات التطوع كلها قرض، كلها سوف تجد ثوابها عند ربك أوفى ما كان خير لك، فأحسن في صدقاتك وفي زكاتك، اجتهد في إخراج الطيب وأبشر بالخلف الجزيل والأجر العظيم تجده عند ربك جل وعلا خلفا في الدنيا وأجرا في الآخرة وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا [المزمل:20]، وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [سبأ:39]، ويقول سبحانه: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً [البقرة:245].
وأوصي إخواني جميعا، وأوصي كل مسلم في كل مكان بتقوى الله جل وعلا، وأن تكون حالهم بعد رمضان مثل حالهم في رمضان أو أحسن، يجتهد لا يرجع إلى حاله السيئة، يحذر طاعة الشيطان ونواب الشيطان والرجوع إلى المعاصي والسيئات ليستقم على طاعة ربه بعد رمضان وفي كل زمان حتى الموت كما قال الله : وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99]. فالمؤمن يتقي ربه أينما كان وفي كل زمان، ولكن يكون في رمضان، وفي العشر الأول من ذي الحجة يكون اجتهاده أكثر، وهكذا في المكان الفاضل في مكة والمدينة يجتهد أكثر، ولكن في كل زمان يكون حريصا على الخير بعيدا عن الشر، يحاسب نفسه ويجاهدها لله حتى يلقى ربه، هكذا المؤمن في كل وقت وفي كل مكان يحاسب نفسه ويجاهدها، قال تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69].
فأنت يشرع لك أن تكون في جهاد في جميع زمانك وفي كل مكان حتى تلقى ربك في أداء فرائض الله وترك محارم الله، والمسارعة إلى الخيرات والحذر من السيئات، وصحبة الأخيار والتواصي بالحق والتناصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلى غير هذا من وجوه الخير، كأنك تموت غدا، تجتهد في وجوه الخير وأعمال الخير تريد الله والدار الآخرة وتحذر الشر دقيقه وجله، هكذا المؤمن، هكذا الراغبون في الخيرات، يسارع إلى كل خير ويتباعد عن كل شر.
ويشرع في ليلة العيد وصباح العيد التكبير، قال الله جل وعلا: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ [البقرة:185] فيشرع للمؤمن والمؤمنة التكبير ليلة العيد في الفطر من غروب الشمس إلى خطبة العيد، كله محل تكبير في البيت، في الطريق، في المسجد تكبير مطلق، هكذا السنة. أما في عيد النحر فالتكبير في عشرة ذي الحجة مطلق، وفي يوم عرفة مطلق ومقيد، وفي يوم النحر مطلق مقيد، وفي أيام التشريق كلها تكبير ثلاثة عشر يوما: من ذي الحجة، من أول الشهر إلى غروب الشمس من اليوم الثالث عشر كله تكبير، لكن في يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق الخمسة الأيام هذه يجتمع فيها التكبير المطلق والمقيد، المقيد بعد الصلوات، والمطلق ... في يوم عرفة وفي يوم النحر وفي أيام التشريق، أما ما قبل عرفة فهو تكبير مطلق، أما هذه الليلة -ليلة عيد الفطر هذه- ... التكبير من غروب الشمس إلى أن ... في الطريق، في البيت، في المسجد، وأنت على فراشك، في كل مكان تقول: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد، شفعا، وإن أوترت جعلتها ثلاثا: الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر الله أكبر كله حسن، جاء هذا وهذا عن السلف، أو كذلك: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر كبيرا.