01 من: ( باب الإِخلاصِ وإحضار النيَّة في جميع الأعمال والأقوال والأحوال البارزة والخفيَّة )

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمْدُ للهِ الواحدِ القَهَّارِ، العَزيزِ الغَفَّارِ، مُكَوِّرِ اللَّيْلِ على النَّهَارِ، تَذْكِرَةً لأُولي القُلُوبِ والأَبصَارِ، وتَبْصرَةً لِذَوي الأَلبَابِ واَلاعتِبَارِ، الَّذي أَيقَظَ مِنْ خَلْقهِ مَنِ اصطَفاهُ فَزَهَّدَهُمْ في هذهِ الدَّارِ، وشَغَلهُمْ بمُراقبَتِهِ وَإِدَامَةِ الأَفكارِ، ومُلازَمَةِ الاتِّعَاظِ والادِّكَارِ، ووَفَّقَهُمْ للدَّأْبِ في طاعَتِهِ، والتّأهُّبِ لِدَارِ القَرارِ، والْحَذَرِ مِمّا يُسْخِطُهُ ويُوجِبُ دَارَ البَوَارِ، والمُحافَظَةِ على ذلِكَ مَعَ تَغَايُرِ الأَحْوَالِ والأَطْوَارِ.

أَحْمَدُهُ أَبلَغَ حمدٍ وأَزكَاهُ، وَأَشمَلَهُ وأَنْمَاهُ.

وأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ البَرُّ الكَرِيمُ، الرؤُوفُ الرَّحيمُ، وأشهَدُ أَنَّ مُحمّدًا عَبدُهُ ورَسُولُهُ، وحبِيبُهُ وخلِيلُهُ، الهَادِي إلى صِرَاطٍ مُسْتَقيمٍ، والدَّاعِي إِلَى دِينٍ قَويمٍ، صَلَوَاتُ اللهِ وسَلامُهُ عَليهِ، وَعَلَى سَائِرِ النَّبيِّينَ، وَآلِ كلٍّ، وسائر الصالحين.

أَما بعد: فقد قال اللهُ تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ۝ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ [الذريات56-57] وَهَذا تَصْريحٌ بِأَنَّهُمْ خُلِقوا لِلعِبَادَةِ، فَحَقَّ عَلَيْهِمُ الاعْتِنَاءُ بِمَا خُلِقُوا لَهُ وَالإعْرَاضُ عَنْ حُظُوظِ الدُّنْيَا بالزَّهَادَةِ، فَإِنَّهَا دَارُ نَفَادٍ لاَ مَحَلُّ إخْلاَدٍ، وَمَرْكَبُ عُبُورٍ لاَ مَنْزِلُ حُبُورٍ، ومَشْرَعُ انْفصَامٍ لاَ مَوْطِنُ دَوَامٍ. فلِهذا كَانَ الأَيْقَاظُ مِنْ أَهْلِهَا هُمُ العبَّاد، وَأعْقَلُ النَّاسِ فيهَا هُمُ الزُّهّادُ. قالَ اللهُ تعالى: إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [يونس:24].

والآيات في هذا المعنى كثيرةٌ. ولقد أَحْسَنَ القَائِلُ:

إِنَّ للهِ عِبَادًا فُطَنَا طَلَّقُوا الدُّنْيَا وخَافُوا الفِتَنَا
نَظَروا فيهَا فَلَمَّا عَلِمُوا أَنَّهَا لَيْسَتْ لِحَيٍّ وَطَنَا
جَعَلُوها لُجَّةً واتَّخَذُوا صَالِحَ الأعمال فيها سفنا

فإذا كَانَ حالُها ما وصَفْتُهُ، وحالُنَا وَمَا خُلِقْنَا لَهُ مَا قَدَّمْتُهُ، فَحَقٌّ عَلَى الْمُكلَّفِ أَنْ يَذْهَبَ بنفسِهِ مَذْهَبَ الأَخْيارِ، وَيَسلُكَ مَسْلَكَ أُولي النُّهَى وَالأَبْصَارِ، وَيَتَأهَّبَ لِمَا أشَرْتُ إليهِ، ويهتم بما نَبَّهتُ عليهِ.

وأَصْوَبُ طريقٍ لهُ في ذَلِكَ، وَأَرشَدُ مَا يَسْلُكُهُ مِنَ المسَالِكِ: التَّأَدُّبُ بمَا صَحَّ عَنْ نَبِيِّنَا سَيِّدِ الأَوَّلينَ والآخرينَ، وَأَكْرَمِ السَّابقينَ والَّلاحِقينَ. صَلَواتُ اللهِ وسَلامُهُ عَلَيهِ وَعَلى سَائِرِ النَّبيِّينَ. وقدْ قالَ اللهُ تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2] وقد صَحَّ عَنْ رسولِ الله ﷺ أَنَّهُ قالَ: واللهُ في عَوْنِ العَبْدِ مَا كَانَ العَبْدُ في عَوْنِ أَخِيهِ، وَأَنَّهُ قالَ: مَنْ دلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أجْرِ فَاعِلِهِ، وأَنَّهُ قالَ: مَنْ دَعَا إِلى هُدىً كَانَ لَهُ مِنَ الأَجرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تبعهُ لاَ يَنْقُصُ ذلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيئًا، وأَنَّهُ قالَ لِعَليٍّ : فَوَاللهِ لأَنْ يَهْدِي اللهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ.

فَرَأَيتُ أَنْ أَجْمَعَ مُخْتَصَرًا منَ الأحاديثِ الصَّحيحَةِ، مشْتَمِلًا عَلَى مَا يكُونُ طريقًا لِصَاحبهِ إِلى الآخِرَةِ، ومُحَصِّلًا لآدَابِهِ البَاطِنَةِ وَالظَاهِرَةِ، جَامِعًا للترغيب والترهيب وسائر أنواع آداب السالكين: من أحاديث الزهد، ورياضات النُّفُوسِ، وتَهْذِيبِ الأَخْلاقِ، وطَهَارَاتِ القُلوبِ وَعِلاجِهَا، وصِيانَةِ الجَوَارحِ وَإِزَالَةِ اعْوِجَاجِهَا، وغَيرِ ذلِكَ مِنْ مَقَاصِدِ الْعارفِينَ.

وَألتَزِمُ فيهِ أَنْ لا أَذْكُرَ إلاّ حَدِيثًا صَحِيحًا مِنَ الْوَاضِحَاتِ، مُضَافًا إِلى الْكُتُبِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُوراتِ، وأُصَدِّر الأَبْوَابَ مِنَ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ بِآياتٍ كَرِيماتٍ، وَأَوشِّحَ مَا يَحْتَاجُ إِلى ضَبْطٍ أَوْ شَرْحِ مَعْنىً خَفِيٍّ بِنَفَائِسَ مِنَ التَّنْبِيهاتِ. وإِذا قُلْتُ في آخِرِ حَدِيث: مُتَّفَقٌ عَلَيهِ، فمعناه: رواه البخاريُّ ومسلمٌ.

وَأَرجُو إنْ تَمَّ هذَا الْكِتَابُ أنْ يَكُونَ سَائِقًا للمُعْتَنِي بِهِ إِلى الْخَيْرَاتِ، حَاجزًا لَهُ عَنْ أنْواعِ الْقَبَائِحِ والْمُهْلِكَاتِ، وأَنَا سائلٌ أخًا انْتَفعَ بِشيءٍ مِنْهُ أنْ يَدْعُوَ لِي، وَلِوَالِدَيَّ، وَمَشَايخي، وَسَائِرِ أَحْبَابِنَا، وَالمُسْلِمِينَ أجْمَعِينَ، وعَلَى اللهِ الكَريمِ اعْتِمادي، وَإِلَيْهِ تَفْويضي وَاسْتِنَادي، وَحَسبِيَ الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم.

بسم الله الرحمن الرحيم

1- باب الإِخلاصِ وإحضار النيَّة في جميع الأعمال والأقوال والأحوال البارزة والخفيَّة

قَالَ اللهُ تَعَالَى: وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة:5]، وَقالَ تَعَالَى: لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ [الحج:37]، وَقالَ تَعَالَى: قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ [آل عمران:29].

1/1- وعَنْ أَميرِ الْمُؤْمِنِينَ أبي حفْصٍ عُمرَ بنِ الْخَطَّابِ بْن نُفَيْل بْنِ عبدالْعُزَّى بن رياحِ بْن عبداللَّهِ بْن قُرْطِ بْنِ رَزاحِ بْنِ عَدِيِّ بْن كَعْبِ بْن لُؤَيِّ بنِ غالبٍ القُرَشِيِّ العدويِّ ، قالَ: سمعْتُ رسُولَ اللهِ ﷺ يقُولُ: إنَّما الأَعمالُ بالنِّيَّات، وإِنَّمَا لِكُلِّ امرئٍ مَا نَوَى، فمنْ كانَتْ هجْرَتُهُ إِلَى الله ورَسُولِهِ فهجرتُه إلى الله ورسُولِهِ، ومنْ كاَنْت هجْرَتُه لدُنْيَا يُصيبُها، أَو امرَأَةٍ يَنْكحُها فهْجْرَتُهُ إِلى مَا هَاجَر إليْهِ متَّفَقٌ عَلَى صحَّتِه. رواهُ إِماما المُحَدِّثِين: أَبُو عبدالله مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعيل بْن إِبْراهيمَ بْن الْمُغيرة بْن برْدزْبَهْ الْجُعْفِيُّ الْبُخَارِيُّ، وَأَبُو الحُسَيْنِى مُسْلمُ بْن الْحَجَّاجِ بْنِ مُسلمٍ القُشَيْريُّ النَّيْسَابُوريُّ رَضَيَ اللهُ عَنْهُمَا فِي صَحيحيهِما اللَّذَيْنِ هما أَصَحُّ الْكُتُبِ الْمُصَنَّفَة.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه من اهتدى بهداه.

أما بعد:

فقد جمع الحافظ الإمام أبو زكريا يحيى النووي رحمه الله هذا الكتاب الجليل والسفر المفيد وهو كتاب رياض الصالحين، وهو كتاب عظيم مفيد قد نفع الله به الأمة واجتهد الناس في دراسته والإفادة منه في سائر أقطار الدنيا، فهو كتاب جليل جمع جملة من الأحاديث الصحيحة في الترغيب والترهيب، والدعوة إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، والحث على أداء ما فرض الله وترك ما حرم الله والوقوف عند حدود الله، فهو كتاب جيد نفيس مفيد، قد أجاب الله دعوة مؤلفه فيما ذكر، فنسأل الله أن يغفر لنا وله ولوالديه ولجميع المسلمين.

يقول الله جل وعلا في كتابه العظيم: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] بدأ المؤلف كتابه بهذه الآية ليبين للناس أنهم خلقوا ليعبدوا الله، لم يخلقوا عبثا ولا سدى، قال الله تعالى: أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى [القيامة:36] يعني مهملا لا، ما يترك سدى، بل خلق ليعبد الله، وبعث الله الرسل ليأمرونه وينهونه، وأنزل الكتب التي أشرفها القرآن فيها الأوامر والنواهي، قال -جل وعلا: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا [ص:27] بل خلقوا لحكمة عظيمة، ليعلم الناس أنه ربهم، وأنه إلههم الحق، وأنه معبودهم الحق، وقال جل وعلا: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ [المؤمنون:115] يعني أن معنى هذا حسبان باطل، بل خلقوا ليعبدوا الله ويعظموه، ويتبعوا رسله، وينقادوا لأمره وينتهوا عن نهيه، خلقوا لهذا، وتكفل الله بأرزاقهم وهيأ لهم الأسباب، قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ۝ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ ۝ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات:56-58]، وقال سبحانه: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [هود:6]، قال جل وعلا: فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [العنكبوت:17].

فالواجب على جميع المكلفين من الرجال والنساء، ومن الجن والإنس، من العرب والعجم، يجب على الجميع أن يعبدوا الله، وهذه العبادة هي الإسلام، وهي الإيمان، وهي الهدى، وهي التقوى، وهي توحيد الله وطاعته، هذه هي العبادة هي الإسلام إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ [آل عمران:19]، هي الإيمان قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [النساء:136]، وقال ﷺ: الإيمان بضع وسبعون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان.

فالإيمان هو الدين كله، والإسلام، وهو التقوى، وهو العبادة التي خلقنا لها، وأساسه ورأسه، وأصله شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، هذا هو أصل الدين، وأصل العبادة، وهو أوجبها وأعظمها أن تشهد بقلبك ولسانك وجوارحك أنه لا إله إلا الله، والمعنى لا معبود حق إلا الله كما قال تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ [محمد:19]، وقال تعالى: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [البقرة:163]، وقال تعالى: إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا [طه:98]، وقال جل وعلا: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36] فالرسل بعثوا ليعلموا الناس توحيد الله وعبادته، وليأمروهم بعبادة الله التي خلقوا لها، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21] فنحن خلقنا لنعبد الله، مأمورون بذلك، والرسل بعثوا لهذا الأمر، وعلى رأسهم خاتمهم وأفضلهم وإمامهم محمد بن عبدالله ﷺ، هو أفضل الرسل، وهو خاتم الأنبياء كما قال تعالى: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:40]، وقال ﷺ: أنا خاتم الأنبياء لا نبي بعدي.

فالواجب عبادة الله وحده بالإخلاص له في قولك وعملك، أن لا تعبد إلا الله، تصلي لله، تصوم لله، تتصدق لله، تخاف الله، ترجوه، تذبح له، تنذر له، كل شيء لله وحده، العبادة حق الله وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5].

وأصل هذه العبادة توحيد الله بأن تشهد أنه لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فلا معبود بحق إلا الله، والمتبع هو الرسول ﷺ، فعليك أن توحد الله وتعبده وحده باتباع الرسول ﷺ وطاعة ما جاء به كما قال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31]، وقال تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80]، وقال تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، وقال: قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [النور:54]، وقال -جل وعلا: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ [النور:63] يعني عن أمر النبي ﷺ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63]، وقال ﷺ: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى.

فأصل الدين توحيد الله وطاعته وأن تؤدى بالنية، يقول لا إله إلا الله بنية صادقة أنه لا معبود حق إلا الله، بهذه النية، بهذا الإخلاص، فيصلي بالنية لله، يصوم لله، يتصدق لله، يحج لله، في قلبه أنه فعل هذا يبتغي وجه الله، يبتغي الأجر عنده، هكذا يتصدق، هكذا يذبح الضحية أو الهدي يرجو وجهه لا لغيره، وهكذا يجاهد يرجو وجه الله، هكذا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، يدعو إلى الله يريد وجه الله لا رياء ولا سمعة، قال تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125]، قال تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا [فصلت:33]، وقال سبحانه: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [يوسف:108]، وقال النبي ﷺ: من دل على خير فله مثل أجر فاعله، وقال ﷺ: الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة، قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم، وقال -جل وعلا: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2]، وقال تعالى: وَالْعَصْرِ ۝ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ۝ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ  [العصر:1-3]، وقال النبي ﷺ: والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، وقال ﷺ: من دل على خير فله مثل أجر فاعله، وقال ﷺ: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.

هذه حال المؤمنين، هذه صفات عباد الله الصادقين، يتعاونون على البر والتقوى، يتناصحون يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، يعبدون الله وحده، يواسون ضعيفهم وفقيرهم، ينصحون لإمامهم ولعامتهم، قال تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:71].

فالواجب على كل مسلم، وعلى كل مسلمة أن يتقي الله، وأن يعبد الله وحده بفعل الأوامر وترك النواهي عن إخلاص لله ومحبة وتعظيم، وعن متابعة للرسول ﷺ، لا عن بدع، لا عن هوى، يعبد الله بما شرعه الله، وبما جاء به رسوله في القرآن والسنة، لا بهواه وبدعه، يعبد الله بما شرع وبما جاء به النبي ﷺ كما قال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران:31] فمن أحب الله، وصدق، فليتبع الرسول ﷺ فيما جاء به.

وذم الذين يبتدعون في الدين فقال: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى:21]، وقال تعالى: ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا [الجاثية:18] فالواجب اتباع الشريعة التي شرعها الله، وأما ما أحدثه الناس لا، ولهذا يقول ﷺ: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد يعني فهو مردود، وقال ﷺ: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد، فما أحدثه الناس من البدع هذا يرد عليهم غير مقبول، لا يعبد الله إلا بما شرع، بما جاء به نبيه ﷺ من صلاة، وصوم، واعتكاف، وجهاد، وصدقات، وغير ذلك بما شرعه الله، فليس لأحد أن يبتدع في الدين ما لم يأذن به الله.

وقد أحدث الناس بدعا مثل بدعة المولد، هذه ما لها أصل، الرسول ﷺ ما عبد الله بالمولد، ما احتفل بالمولد -مولده ﷺ- ولا الصحابة ما احتفلوا بالمولد، ولا مولد الصديق، ولا مولد عمر، ولا عثمان، ولا علي ولا غيرهم، أو الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج، أو بالهجرة، هذه بدع ما أنزل الله بها من سلطان، ليس لأحد أن يبتدع في الدين ما لم يأذن به الله، ذمهم الله وعابهم فقال: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى:21]، وقال ﷺ في خطبة الجمعة: أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ -يعني سيرته- وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة بين أن كل بدعة ضلالة، البدعة ما أحدثه الناس، الشيء الذي ما له أصل في الدين، لا في القرآن ولا في السنة يقال له بدعة، إذا تعبد به الناس يعني يتعبدون به لله، أما أمور الدنيا في تجاراتهم، في مبانيهم، هذه أمرها إليهم في غرس أشجارهم في بساتينهم، هذه إليها أمور الدنيا إليهم يغرس من الشجر ما شاء، يبني طابق أو طابقين أو ثلاث، يبيع ويشتري فيما أباح الله، يعمل يجتهد في طلب الرزق، هذا الله أباح له أن يعمل وأن يطلب الرزق، وأن يعمل لدنياه ما فيه مصلحته من الشيء الذي لا يخالف الشرع، لكن ليس له أن يبتدع في الدين عبادة يفعلها، أو هذه مشروعة هذا لا يجوز.

لو قال إنسان بنحط عبادة صلاة سادسة، هذه خمس صلوات نحط سادسة، نحطها الضحى، أو نحطها في وسط الليل، هذا منكر ما يطاع، أو نحط عيد ثالث، عيد الأضحى وعيد الفطر نحط عيد ثالث في ربيع أو في جمادى زود خير بدعة ما نطيعه، أو يقول نجح حج ثانٍ، الحج الشرعي مرة في السنة يوم عرفة نحط حج جديد في رجب ما يطاع بدعة باطل، أو قال: نصوم شهر آخر غير رمضان، نلزم الناس بشهر آخر غير رمضان لا بدعة، ما لك تحدث شيئا إلا الذي شرعه الله فقط لا تزد. المقصود مثل ما قال ﷺ: كل بدعة ضلالة يعني كل شيء عبادة يحدثها الناس جديدة يتعبدون بها يطلبون الثواب بدعة، أما أمور دنياهم إليهم، كونه يحط حجرة في بيته، حجرتين، ثلاث يحط له دكان يحط دكانين يغرس نخلا يغرس عنبا هذا إليهم أمور الدنيا إليهم.

وفق الله الجميع، وثبتنا وإياكم على دينه، ورزقنا وإياكم الاستقامة، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه.

2/2 - وَعَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أُمِّ عبداللَّهِ عَائشَةَ رَضيَ الله عنها قالت: قالَ رسول الله ﷺ: يَغْزُو جَيْشٌ الْكَعْبَةَ فَإِذَا كَانُوا ببيْداءَ مِنَ الأَرْضِ يُخْسَفُ بأَوَّلِهِم وَآخِرِهِمْ. قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يُخْسَفُ بَأَوَّلِهِم وَآخِرِهِمْ وَفِيهِمْ أَسْوَاقُهُمْ وَمَنْ لَيْسَ مِنهُمْ،؟ قَالَ: يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِم وَآخِرِهِمْ، ثُمَّ يُبْعَثُون عَلَى نِيَّاتِهِمْ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، هذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ.

3/3- وعَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللهُ عنْهَا قَالَت قالَ النَّبِيُّ ﷺ: لا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَلكنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اسْتُنْفرِتُمْ فانْفِرُوا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَمَعْنَاهُ: لا هِجْرَةَ مِنْ مَكَّةَ لأَنَّهَا صَارَتْ دَارَ إِسْلامٍ.

4/4- وعَنْ أبي عبداللَّهِ جابِرِ بْنِ عبداللَّهِ الأَنْصَارِيِّ رضِيَ اللهُ عنْهُمَا قَالَ: كُنَّا مَع النَّبِيِّ ﷺ في غَزَاة فَقَالَ: إِنَّ بِالْمَدِينَةِ لَرِجَالًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا، وَلاَ قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلاَّ كانُوا مَعكُم حَبَسَهُمُ الْمَرَضُ، وَفِي روايَةِ: إِلاَّ شَركُوكُمْ في الأَجْر رَواهُ مُسْلِمٌ.

ورواهُ البُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: رَجَعْنَا مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: إِنَّ أَقْوَامًا خلْفَنَا بالمدِينةِ مَا سَلَكْنَا شِعْبًا وَلاَ وَادِيًا إِلاَّ وَهُمْ مَعَنَا، حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ.

الشيخ: هذه الأحاديث الثلاثة كلها تتعلق ببيان عظم النية، وأن مدار الأعمال عليها كما تقدم في قوله ﷺ: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى فمدار الأعمال الصالحة على هذه النية، فالإنسان يخرج من بيته إلى المسجد للصلاة فيؤجر، والآخر يخرج من بيته للفساد فيأثم على حسب النية، وهذا يصلي يرائي فيأثم، وهذا يصلي لله فيؤجر، وهذا يقرأ يرائي فيأثم، وهذا يقرأ يرجو ثواب الله فيثاب، هذا يعظ الناس للرياء فيأثم، وهذا يعظ الناس لقصد وجه الله فيؤجر وهكذا.

في هذا الحديث حديث عائشة رضي الله عنها يقول النبي ﷺ: يغزو جيش الكعبة يعني في آخر الزمان يغزو جيش الكعبة لهدمها ضد الإسلام فإذا كانوا في بيداء من الأرض خسف بأولهم وآخرهم يعني خسف الله بهم الأرض عقوبة عاجلة، فقالت يا رسول الله كيف يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم؟ يعني الجيوش في الطرقات يأتي إليها الناس الذين يبيعون ويشترون يدورون الرزق ما هم منهم، ما دروا عن نيتهم ولا يعرفون حالهم كيف يخسف بهم جميعا يعني، وهؤلاء ما عندهم نية ما عند هؤلاء، جاؤوا للبيع والشراء ما يعرفون حالهم؟ قال النبي ﷺ: يخسف بأولهم وآخرهم ثم يبعثون على نياتهم الذين أرادوا الشر يبعثون على نياتهم، والذين جاؤوا للبيع والشراء ما دروا عن الموضوع ولا شركوا فيه على نياتهم، وهكذا عند ظهور المعاصي وانتشار المعاصي قد تعم العقوبات فيبعثون على نياتهم وأحوالهم، أهل المعاصي على نياتهم، وأهل الخير على نياتهم كما في الحديث الصحيح يقول النبي ﷺ: إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب، في الحديث الآخر: إن المعصية إذا خفت لم تضر إلا أصحابها، وإذا ظهرت ولم تنكر ظهرت العامة.

فالإنسان في محل المعاصي، مجلس المعاصي، قرية المعاصي الظاهرة قد تعمه العقوبة، ثم يبعث على نيته إذا كان معذورا، إذا كان معذورا يبعث على نيته وعلى عمله.

وفي هذا التحذير من صحبة أهل الشر، في هذا الحديث التحذير من صحبة أهل الشر والجلوس معهم، وأنهم خطر، يقول -جل وعلا: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [الأنعام:68]، ويقول ﷺ: مثل الجليس الصالح كحامل المسك إما أن يحذيك -يعني يعطيك، وإما أن تبتاع منه -تشتري منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ومثل الجليس السوء كنافخ الكير -مثل نافخ الكير- إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحا خبيثة ففي هذا الحث على صحبة الأخيار والبعد عن صحبة الأشرار.

ويقول ﷺ: لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا لما فتح الله مكة صارت بلاد إسلام، كان المسلمون يهاجرون منها إلى المدينة وإلى غيرها بسبب كفر أهل مكة؛ ولهذا خرج النبي منها ﷺ إلى المدينة مهاجرا، فلما فتحها الله عليه عام ثمان من الهجرة صارت بلد إسلام، فقال فيها ﷺ: لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية بقي الجهاد والنية الصالحة باقية، الجهاد في سبيل الله، والنية كل على نيته الأعمال بالنيات في أي مكان وإذا استنفرتم فانفروا يعني إذا استنفرتم للجهاد قال ولي الأمر: انفروا، اخرجوا للجهاد في جهة كذا، جهة كذا، وجب النفير حسب الطاقة، النية باقية الصالحة في أي مكان في البر، أو في البحر، أو في قرية، أو في مدينة النية مع صاحبها طيبة أو خبيثة لها شأنها.

وفي الحديث الثالث يقول ﷺ يوم تبوك لما غزا الغزوة العظيمة في الشدة كان قصد جهاد الروم في الشام، وغزا معه جم غفير نحوا من ثلاثين ألف في سنة تسع من الهجرة يقول ﷺ: إن في المدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا وهم معكم حبسهم العذر يعني نيتهم الصلاح، ودهم يدخلون بالغزو لكن حبسهم المرض، وفي اللفظ الآخر: إلا شركوكم في الأجر تأخروا في المدينة لكن تأخروا بغير اختيارهم بسبب المرض، وإلا نيتهم طيبة، ودهم أنهم مع إخوانهم، فهذا يدل على أن الإنسان إذا تخلف عن العمل بسبب العجز، وإلا نيته العمل الطيب يكون له أجره، فالذي مثلا يصوم الإثنين والخميس ثم يمرض يكون له أجر الصوم ولو ما صام، وهكذا الذي يصوم يوما ويفطر يوما، أو ثلاثة أيام من كل شهر إذا حبسه مرض يكون له أجرها وإن لم يصم، يكون له لأنه حبسه العذر.

ويقول النبي ﷺ: إذا مرض العبد أو سافر كتب الله ما كان يعمل وهو صحيح مقيم، كانت عادته في الحضر يصوم الإثنين والخميس وسافر ما صام له أجر ذلك، عادته يصوم ثلاثة أيام من كل شهر وسافر كتب له أجر ذلك، أو أصابه مرض منعه من ذلك له أجر ذلك، له أعمال أخرى من أمر بمعروف ونهي عن منكر، من دعوة إلى الله، من غير ذلك فمنعه مرض عن ذلك له أجر ذلك، وهذا من رحمة الله ومن فضله جل وعلا وإحسانه، فإن الأعمال بالنيات، إذا منع المؤمن مانع من العمل الطيب وهو يريده ويحبه ويعمل به لولا المانع، لولا المرض أو الحبس، أو نحوه يكون له أجره فضلا من الله -جل وعلا.

وفق الله الجميع.

س: حديث: لا هجرة بعد الفتح يقصد به بعد فتح مكة؟

ج: نعم هذا الصواب.

س: ما يمنع أن في هجرة؟

ج: في الحديث الآخر: لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها الهجرة باقية من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام.

5/5- وَعَنْ أبي يَزِيدَ مَعْنِ بْن يَزِيدَ بْنِ الأَخْنسِ ، وَهُوَ وَأَبُوهُ وَجَدّهُ صَحَابِيُّونَ، قَال: كَانَ أبي يَزِيدُ أَخْرَجَ دَنَانِيرَ يَتصَدَّقُ بِهَا فَوَضَعَهَا عِنْدَ رَجُلٍ في الْمَسْجِدِ فَجِئْتُ فَأَخَذْتُهَا فَأَتيْتُهُ بِهَا. فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا إِيَّاكَ أَرَدْتُ، فَخَاصمْتُهُ إِلَى رسولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: لَكَ مَا نويْتَ يَا يَزِيدُ، وَلَكَ مَا أَخذْتَ يَا مَعْنُ رواهُ البخاريُّ.

6/6- وَعَنْ أبي إِسْحَاقَ سعْدِ بْنِ أبي وَقَّاصٍ مَالك بنِ أُهَيْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهرةَ بْنِ كِلابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كعْبِ بنِ لُؤىٍّ الْقُرشِيِّ الزُّهَرِيِّ ، أَحدِ الْعَشرة الْمَشْهودِ لَهمْ بِالْجَنَّة، قَالَ: "جَاءَنِي رسولُ اللهِ ﷺ يَعُودُنِي عَامَ حَجَّة الْوَداعِ مِنْ وَجعٍ اشْتدَّ بِي فَقُلْتُ: يَا رسُول اللَّهِ إِنِّي قَدْ بلغَ بِي مِن الْوجعِ مَا تَرى، وَأَنَا ذُو مَالٍ وَلاَ يَرثُنِي إِلاَّ ابْنةٌ لِي، أَفأَتصَدَّق بثُلُثَىْ مالِي؟ قَالَ: لا، قُلْتُ: فالشَّطُر يَا رسوُلَ اللهِ؟ فقالَ: لا، قُلْتُ فالثُّلُثُ يَا رَسُولَ اللَّه؟ قَالَ: الثُّلثُ والثُّلُثُ كثِيرٌ -أَوْ كَبِيرٌ - إِنَّكَ إِنْ تَذرَ وَرثتك أغنِياءَ خَيْرٌ مِن أَنْ تذرهُمْ عالَةً يَتكفَّفُونَ النَّاس، وَإِنَّكَ لَنْ تُنفِق نَفَقةً تبْتغِي بِهَا وجْهَ اللهِ إِلاَّ أُجرْتَ عَلَيْهَا حَتَّى ما تَجْعلُ فِيِّ امْرَأَتكَ قَال: فَقلْت: يَا رَسُولَ اللهِ أُخَلَّفُ بَعْدَ أَصْحَابِي؟ قَال: إِنَّك لَنْ تُخَلَّفَ فتعْمَل عَمَلًا تَبْتغِي بِهِ وَجْهَ اللهِ إلاَّ ازْددْتَ بِهِ دَرجةً ورِفعةً، ولعَلَّك أَنْ تُخلَّف حَتَى ينْتفعَ بكَ أَقَوامٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخرُونَ، اللَّهُمَّ أَمْضِ لأِصْحابي هجْرتَهُم، وَلاَ ترُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهم، لَكن الْبائسُ سعْدُ بْنُ خوْلَةَ، يرْثى لَهُ رسولُ اللهِ ﷺ أَن مَاتَ بمكَّةَ" متفقٌ عليهِ.

7/7- وَعَنْ أبي هُريْرة عبدالرَّحْمن بْنِ صخْرٍ قَالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: إِنَّ الله لا يَنْظُرُ إِلى أَجْسامِكْم، وَلا إِلى صُوَرِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وأعمالكم رواه مسلم.

الشيخ: هذه الأحاديث الثلاثة كلها تتعلق أيضا بعظم النية، وأن المدار عليها، وأن الأعمال تابعة، فالأساس النية والأعمال والأقوال تدور عليها صلاحا وفسادا وقبولا وردا كما تقدم في قوله ﷺ: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى في هذا أن يزيد بن الأخنس تصدق بصدقة جعلها عند بعض أهل المسجد للفقراء؛ فجاء ابنه معن فأخذها، جاء للوكيل وقال: إني فقير وأخذها وأخبر أباه بذلك، فقال: والله ما إياك أردت، ما نويتك أنت، نويت غيرك من الفقراء، فترافعا إلى النبي ﷺ، فقال النبي ﷺ: لك ما نويت يا يزيد، ولك ما أخذت يا معن.

لأن معن أهل لها، مستحق لها، فلهذا قال له ما أخذت، ولك ما نويت، وإن كونك ما نويت معنًا فأنت ناوٍ مستحق، وهو مستحق، فيكون لك الأجر، وفي هذا دلالة على أن نفقة الإنسان في أولاده وفي أقاربه يؤجر عليها، ويثاب عليها صدقة، وهكذا نفقته على زوجتها يحتسبها صدقة يؤجر عليها لأدائه الواجب؛ لأن إنفاقه على من تحت يده واجب، فإذا احتسب ذلك عند الله صار أجره عظيما من زوجة، وأولاد، وأب عاجز، وأم عاجزة، ونحو ذلك، ولهذا قال النبي ﷺ لسعد: إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها حتى ما تجعل في في امرأتك يعني حتى النفقة في زوجتك تؤجر عليها مع النية الصالحة لأداء الواجب وكف حاجة المرأة والقريب مأجور عليها، فما يتصدق به على أقاربه وأرحامه، أو ينفق على والديه، على زوجته يحتسب ذلك كله يؤجر عليه، وهذا من فضل الله ورحمته .

وقال سعد: يا رسول الله -لما كان مريضا في حجة الوداع فدخل عليه النبي ﷺ- فقال: يا رسول الله قد أصابني ما ترى، وأنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة واحدة، ذاك الوقت ما له إلا ابنة واحدة، ثم ولد له أولاد عاش وولد له أولاد جماعة: إبراهيم، ومحمد، وعمر، وعامر، وغيرهم، لكنه في حجة الوداع ما له إلا ابنة، ثم ولد له بعد النبي ﷺ أولاد، فهل أتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا، قلت: يا رسول الله فالشطر؟ قال: لا، قلت: والثلث؟ قال: الثلث، والثلث كثير.

هذا يدل على أنه ليس للإنسان أن يوصي بأكثر من الثلث، ثم بين له النبي ﷺ قال: إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس يعني كون الإنسان يخلي لورثته مال يغنيهم الله عن الناس من غير حاجة إلى الناس مأجور على ذلك، فليس له أن يتصدق، وأن يوصي إلا بالثلث فأقل، وقد أوصى الصديق بالخمس، قال: رضيت بما رضي الله به، وقال ابن عباس: لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع لكان أولى لقوله ﷺ: الثلث، والثلث كثير فإذا أوصى بالثلث أو بالربع أو بالخمس فلا بأس في وجوه البر وأعمال الخير، تعمير المساجد، الصدقة على الفقراء، على المحتاجين من الذرية، والفقراء من الذرية فلا بأس الثلث فأقل، وقال له ﷺ: إنك لن تعمل عملا تبتغي به وجه الله إلا ازدت به درجة ورفعة فقلت له: يا رسول الله أخلف بعد أصحابي؟ فقال: لعلك أن تخلف فينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون خلف طاب وعافاه الله وتأمر على جيش فارس، جيش العراق، أمره عمر ونفع الله به نفعا عظيما، وجرى على يديه فتوحات منها يوم القادسية نصر الله به الإسلام وأذل به الكفر، وعاش إلى عام ست وخمسين من الهجرة، عُمّر بعد النبي ﷺ ست وأربعين سنة.

ففي هذا دلالة على أن النية لها شأن عظيم، وأن العبد له في نفقاته أجر عظيم إذا نوى بها الخير على أقاربه، أو على غيرهم، أو على زوجته، أو على غيرها، ثم قال ﷺ: اللهم أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم، وقال: لكن البائس سعد بن خولة يرثي له رسول الله أن مات بمكة يعني المهاجر ينبغي له ألا يبقى في محل هجرته، المحلة التي هاجر منها، ولهذا منع المهاجرون أن يرجعوا إلى مكة، بلد تركها لله لا يرجع إليها.

وفي حديث أبي هريرة يقول ﷺ: إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم محل النظر القلب والعمل، أما مال الإنسان وجسمه، كونه قوي أو جميل أو ما هو جميل أمره سهل، ليس محل نظر الله، لا جسمه ولا ماله، إنما محل النظر والاعتبار قلبه وعمله، إذا صلح قلبه وصلح عمله هذه هي الفائدة العظيمة، أما كونه كثير المال أو قليل المال، عظيم الجسيم أو جميل ما له قيمة في درجاته عند الآخرة وفي ثوابه، إنما الدرجات والأعمال الصالحات والحسنات تتعلق بقلبك وعملك، بقلبك الذي يحب الله ورسوله ويخلص له العمل ويخافه ويرجوه، وفي عملك تصدق، تصلي، تصوم، تجاهد، هذه الذي ينفعك، هذا المال الذي تصدقت به وجاهدت به وواسيت به الفقراء هذا ينفعك.

فالمقصود محل الاعتبار ومحل النظر من الله جل وعلا هو قلبك وعملك، فاحرص على أن يكون قلبك معمورا بحب الله، والإخلاص لله، وخوف الله ورجائه والشوق إليه، واحرص على أن يكون عملك لله خالصا لله، صدقاتك، صلاتك، صومك، جهادك، غير ذلك يكون لله، لا رياء ولا سمعة، تصلي لله، تصوم لله، تتصدق لله، تجاهد لله، تنصح لله، تأمر بالمعروف، تنهى عن المنكر، تدعو إلى الله، كله لله، لم نرد رياء الناس ولا حمد الناس، ولكن تعمل تبتغي وجه الله كما قال جل وعلا: فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف:110]، ويقول سبحانه وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [البينة:5]، ويقول : فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ۝ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [الزمر:2-3].

فالواجب على المكلفين من الرجال والنساء، من الجن والإنس العناية بالإخلاص لله في العمل والصدق في العمل، وتحري أسباب القبول من الخوف والرجاء والمحبة والكسب الطيب، والحذر من المعاصي، كل هذه أسباب للقبول والمغفرة، والوصية وغير الوصية يلتزم فيها شرع الله، إنسان يتصرف حسب الشرع في وصيته، وفي بيعه وشرائه، في كل شيء يتحرى ما جاء به الشرع ولا يخالف الشرع.

وفق الله الجميع، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه.

8/8- وعَنْ أبي مُوسَى عبداللَّهِ بْنِ قَيْسٍ الأَشعرِيِّ قالَ: سُئِلَ رسولُ الله ﷺ عَنِ الرَّجُلِ يُقاتِلُ شَجَاعَةً، ويُقاتِلُ حَمِيَّةً ويقاتِلُ رِياءً، أَيُّ ذلِك في سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُول الله ﷺ: مَنْ قاتَلَ لِتَكُون كلِمةُ اللَّهِ هِي الْعُلْيَا فهُوَ في سَبِيلِ اللَّهِ مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

9/9- وعن أبي بَكْرَة نُفيْعِ بْنِ الْحارِثِ الثَّقفِي أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: إِذَا الْتقَى الْمُسْلِمَانِ بسيْفيْهِمَا فالْقاتِلُ والمقْتُولُ في النَّارِ قُلْتُ: يَا رَسُول اللَّهِ، هَذَا الْقَاتِلُ فمَا بَالُ الْمقْتُولِ؟ قَال: إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ متفقٌ عليه.

10/10- وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: صَلاَةُ الرَّجُلِ في جماعةٍ تزيدُ عَلَى صَلاَتِهِ في سُوقِهِ وَبَيْتِهِ بضْعًا وعِشْرينَ دَرَجَةً، وذلِكَ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِد لا يَنْهَزُهُ إِلاَّ الصَّلاَةُ، لا يُرِيدُ إِلاَّ الصَّلاَةَ، لَمْ يَخطُ خُطوَةً إِلاَّ رُفِعَ لَهُ بِها دَرجةٌ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطيئَةٌ حتَّى يَدْخلَ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ كانَ في الصَّلاَةِ مَا كَانَتِ الصَّلاةُ هِيَ تحبِسُهُ، وَالْمَلائِكَةُ يُصَلُّونَ عَلَى أَحَدكُمْ مَا دَامَ في مَجْلِسهِ الَّذي صَلَّى فِيهِ، يقُولُونَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْهِ، مالَمْ يُؤْذِ فِيهِ، مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ متفقٌ عليه، وهَذَا لَفْظُ مُسْلمٍ.

وَقَوْلُهُ ﷺ: ينْهَزُهُ هُوَ بِفتحِ الْياءِ وَالْهاءِ وَبالزَّاي: أَي يُخْرِجُهُ ويُنْهِضُهُ.

الشيخ: هذه الأحاديث الثلاثة الصحيحة عن النبي ﷺ كلها تدل على عظم شأن النية، وأن الأعمال بالنيات كما قال ﷺ: الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى فهذه النية الطيبة تجعل العمل عظيما ومقبولا، وإذا كانت النية خلاف ذلك جعلت العمل باطلا، أو جعلت العمل آثما مؤذيا لا ينفع بل يضر.

 في الحديث الأول يقول ﷺ لما سئل عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء أي ذلك في سبيل الله؟ فقال ﷺ: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله هذا من جوامع الكلم، من قاتل يعني من جاهد، في سبيل الله نيته نصر الدين وأن تكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله وله الجنة، أما من قاتل رياء ليري الناس شجاعته أو حمية لقومه أو لقصد آخر من الدنيا فهو على نيته ليس بمجاهد، إنما المجاهد من جاهد في سبيل الله يريد إعلاء كلمة الله، يريد نصر دين الله، يريد إظهار الحق وكبت الباطل، فهذا هو المجاهد، وهكذا من دعا الناس إلى الله، أو أمرهم بالمعروف، أو نهاهم عن المنكر، إن أراد رياء أو سمعة صار شركًا، وإن أراد وجه الله والدار الآخرة صار في جهاد عظيم، وهكذا الصدقة يخرجها إن أخرجها لله فله أجرها العظيم، وإن أخرجها رياء فعليه وزر ذلك.

وهكذا قراءة القرآن وتعلم العلم إن أراد به الرياء والسمعة والدنيا فليس له إلا ما نوى، وإن أراد وجه الله والدار الآخرة فهو على طريق الجنة كما قال ﷺ: من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة، وقال ﷺ: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين. فهذا يبين لنا عظم شأن النية، وأن شأنها عظيم.

هكذا الحديث الثاني يقول النبي ﷺ: إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار يعني ظلما، يعني التقيا ظلما، قيل: يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول يصير معه في النار؟ قال: لأنه كان حريصا على قتل صاحبه نيته قتل صاحبه لو قدر فهما التقيا هذا يريد قتل هذا، وهذا يريد قتل هذا، فغلب أحدهما فالقاتل والمقتول في النار إذا كان ظلما، إذا كان تقاتلهما ظلما وعدوانا فهما موعودون بالنار، أما إذا كان أحدهما في سبيل الله فله الجنة، والمقتول له النار إن كان كافرا، وإن كان ظالما عاصيا فهو متوعد بالنار، وعلى خطر عظيم.

وبكل حال هذا يبين لنا عظم شأن النية، وأن شأنها عظيم، وهكذا الإنسان يخرج من بيته، إن خرج من بيته إلى الصلاة أو إلى عيادة مريض أو اتباع جنائز أو طلب عمل فهو على خير وخطواته خير له تكتب له حسنات، كل خطوة يرفعه الله بها درجة ويحط عنه بها خطيئة، فإن دخل المسجد فهو في صلاة، والملائكة تصلي عليه قبل الصلاة وبعدها تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، اللهم تب عليه، ما لم يؤذ، ما لم يحدث، إذا خرج لا نية له إلا الصلاة، نيته طلب العلم، نيته عيادة المريض، نيته اتباع الجنائز، نيته طلب العلم، فهو على نيته الأعمال بالنيات.

فالذي خرج للصلاة في الجماعة، يريد يصلي في الجماعة، يريد وجه الله والدار الآخرة خطواته تكتب له حسنات وتحط خطيئات، والملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه قبل الصلاة وبعدها، ولا زال في صلاة يعطى أجر المصلين ما لم يؤذ أو يحدث، يؤذي بكلام منكر أو فعل منكر كالغيبة والنميمة وأشباه ذلك، أو يحدث ينقض الطهارة، فإذا أحدث توقف استغفار الملائكة له، يعني بعد الصلاة، ما دام جالسا في مصلاه على طهارته ولم يؤذ فالملائكة تصلي عليه تقول: اللهم صل عليه، وهو في صلاة مأجور ما لم يؤذ أو يحدث.

وبكل حال فالمشروع للمؤمن أن يستصحب النية الطيبة دائما في كل أعماله حتى إذا خرج للبيع والشراء يطلب الرزق، يريد الكسب الحلال، يريد يستغني عن الحاجة إلى الناس فهو بنيته، يطلب الحلال، يريد الحلال فله نيته في تجارته، في زراعته، في غير ذلك يريد الكسب الحلال الذي يغنيه عما في أيدي الناس، وفي اللفظ الآخر: ما من مسلم يغرس غرسا، أو يزرع زرعا فيأكل منه دابة، أو طير، أو إنسان إلا كان له صدقة ولا سيما إذا احتسب ذلك، فأجره عظيم، وفق الله الجميع، وثبت الجميع على الهدى، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

11/11- وَعَنْ أبي الْعَبَّاسِ عبداللَّهِ بْنِ عبَّاسِ بْنِ عبدالْمُطَّلب رَضِي اللهُ عنهما، عَنْ رَسُول الله ﷺ، فِيما يَرْوى عَنْ ربِّهِ، تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ: إِنَّ اللهَ كتَبَ الْحسناتِ والسَّيِّئاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذلِكَ: فمَنْ همَّ بِحَسَنةٍ فَلمْ يعْمَلْهَا كتبَهَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عِنْدَهُ حَسَنَةً كامِلةً، وَإِنْ همَّ بهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ عَشْر حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِمَائِةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كثيرةٍ، وَإِنْ هَمَّ بِسيِّئَةِ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كامِلَةً، وَإِنْ هَمَّ بِها فعَمِلهَا كَتَبَهَا اللَّهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً متفقٌ عليهِ.

12/12- وعن أبي عبدالرَّحْمَن عبداللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخطَّابِ، رضيَ اللهُ عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ الله ﷺ يَقُولُ: انْطَلَقَ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَتَّى آوَاهُمُ الْمبِيتُ إِلَى غَارٍ فَدَخَلُوهُ، فانْحَدَرَتْ صَخْرةٌ مِنَ الْجبلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمْ الْغَارَ، فَقَالُوا: إِنَّهُ لاَ يُنْجِيكُمْ مِنْ الصَّخْرَةِ إِلاَّ أَنْ تَدْعُوا الله تعالى بصالح أَعْمَالكُمْ، قَالَ رجلٌ مِنهُمْ: اللَّهُمَّ كَانَ لِي أَبَوانِ شَيْخَانِ كَبِيرانِ، وكُنْتُ لاَ أَغبِقُ قبْلهَما أَهْلًا وَلا مالًا فنأَى بِي طَلَبُ الشَّجرِ يَوْمًا فَلمْ أُرِحْ عَلَيْهمَا حَتَّى نَامَا فَحَلبْت لَهُمَا غبُوقَهمَا فَوَجَدْتُهُمَا نَائِميْنِ، فَكَرِهْت أَنْ أُوقظَهمَا وَأَنْ أَغْبِقَ قَبْلَهُمَا أَهْلًا أَوْ مَالًا، فَلَبِثْتُ وَالْقَدَحُ عَلَى يَدِى أَنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُما حَتَّى بَرَقَ الْفَجْرُ وَالصِّبْيَةُ يَتَضاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمي فَاسْتَيْقظَا فَشَربَا غَبُوقَهُمَا، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَة، فانْفَرَجَتْ شَيْئًا لا يَسْتَطيعُونَ الْخُرُوجَ مِنْهُ

قَالَ الآخر: اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانتْ لِيَ ابْنَةُ عمٍّ كانتْ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيَّ.

 وفي رواية: كُنْتُ أُحِبُّهَا كَأَشد مَا يُحبُّ الرِّجَالُ النِّسَاءِ، فَأَرَدْتُهَا عَلَى نَفْسهَا فَامْتَنَعَتْ مِنِّى حَتَّى أَلَمَّتْ بِهَا سَنَةٌ مِنَ السِّنِينَ فَجَاءَتْنِي فَأَعْطَيْتُهِا عِشْرينَ وَمِائَةَ دِينَارٍ عَلَى أَنْ تُخَلِّىَ بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِهَا ففَعَلَت، حَتَّى إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا 

وفي رواية: فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْليْهَا، قَالتْ: اتَّقِ اللهَ وَلاَ تَفُضَّ الْخاتَمَ إِلاَّ بِحَقِّهِ، فانْصَرَفْتُ عَنْهَا وَهِىَ أَحَبُّ النَّاسِ إِليَّ، وَتركْتُ الذَّهَبَ الَّذي أَعْطَيتُهَا، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعْلتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ، فانفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ غَيْرَ أَنَّهُمْ لا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ مِنْهَا

وقَالَ الثَّالِثُ: اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتَأْجَرْتُ أُجرَاءَ وَأَعْطَيْتُهمْ أَجْرَهُمْ غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ تَرَكَ الَّذي لَّه وَذَهبَ فثمَّرت أجْرَهُ حَتَّى كثرت منه الأموال فجائني بَعدَ حِينٍ فَقالَ: يَا عبد اللهِ أَدِّ إِلَيَّ أَجْرِي، فَقُلْتُ: كُلُّ مَا تَرَى منْ أَجْرِكَ: مِنَ الإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَم وَالرَّقِيق، فقالَ: يا عبد اللَّهِ لا تستهزئ بي، فَقُلْتُ: لاَ أستهزئ بِكَ، فَأَخَذَهُ كُلَّهُ فاسْتاقَهُ فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْه شَيْئًا، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتغَاءَ وَجْهِكَ فافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ، فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ فخرَجُوا يَمْشُونَ متفقٌ عليه.

الشيخ: هذان الحديثان العظيمان الصحيحان يدلان على عظم شأن النية في الأعمال، وأن لها شأنا عظيما في صلاح العمل وثمرته، والانتفاع به في الدنيا والآخرة ولاسيما عند الشدائد والكروب كما تقدم في الأحاديث الكثيرة، ولهذا سبق قوله ﷺ: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى فهذا الحديث العظيم الذي حصر الأعمال بالنيات، كل الأحاديث التي بعده تفسره، وأن العمل إنما ينفع صاحبه في الدنيا والآخرة إذا قارنته النية الصالحة، ويضره إذا كان عن نية سيئة.

ومن هذا حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال فيما يرويه عن ربه : أنه سبحانه كتب الحسنات والسيئات التي يفعلها العباد، سيئات العباد وحسناتهم كل مكتوب عمله وهو في بطن أمه، رزقه، وأجله، وعمله، وشقاوته، وسعادته، فإذا هم العبد بالحسنة ولم يعملها كتبها الله له حسنة فضلا منه ، هم أنه يزور مريضا، يعود مريضا، ما تيسر يكتب له هذه الزيارة حسنة، هم أنه يتصدق فلم يتيسر فهو يكتب له صدقة حسنة، هم أنه يأمر بمعروف فلم يتيسر يكتب له، هم أنه يترك معصية يكتب له، وهكذا يكتب له ما هم به حسنة، فإن فعل الحسنة كتبها الله له عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، هم أن يعود المريض فعاده كتب الله له عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، هم أن يتصدق فتصدق بريال بعشرة بمائة كتب الله له أجر ذلك مضاعفا عشر مرات إلى أضعاف كثيرة، قد يضاعف إلى سبعمائة ضعف، وقد يضاعف إلى آلاف الأضعاف حسب نيته وحسب إتقان عمله وكمال عمله من جهة الإخلاص والمتابعة.

وهكذا السيئة إذا هم بسيئة فلم يعملها خوفا من الله وتعظيما له كتبها الله له حسنة كما في الحديث: إنما تركها من جرائي يعني من أجلي، فإن تركها تشاغلا عنها لا عن نية عن تشاغل لم تكتب عليه لكونه لم يفعلها، فإن تركها عجزا بعدما عمل كتبت عليه، إذا كان ترك السيئة عجزا وإلا قد عمل تكتب عليه، فصار ترك السيئة على أقسام ثلاثة:

القسم الأول: يتركها خوفا من الله فهذا تكتب له حسنة لأنه تركها من أجل الله.

الثاني: يتركها تشاغلا لا عن نية تشاغلا أو نسيانا أو نحو ذلك فلا تكتب عليه ولا يكتب له شيء.

الثالث: أن يعمل ما يستطيع ولكن عجز فهذا تكتب عليه لقوله ﷺ: إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار، قيل: يا رسول الله هذا القاتل فما شأن المقتول؟ قال: لأنه كان حريصا على قتل صاحبه لكن ما تيسر عجز، وهكذا السارق مثلًا نقب البيت وهتك الحرز ولكن حيل بينه وبين السرقة، انتبه أهل البيت أو انتبه الحارس يكتب عليه ما فعل لأنه فعل مقدمات السيئة فيكتب عليه وزر ذلك، وهكذا لو عالج إنسانا لأخذ مال في يده من المال فعجز يكتب عليه هذه السيئة التي عجز عنها لأنه فعل، أما إذا هم بالسيئة وفعلها تكتب عليه هي نفسها إذا هم بها تكتب عليه وعليه إثمها.

والحديث الثاني حديث ابن عمر في قصة الثلاثة، وهو حديث عظيم خبّر به الرسول ﷺ عمن كان قبلنا لما فيه من العظة والفائدة العظيمة، الرسول يقص ذلك علينا من أخبار ممن مضى من الأمم قبله ﷺ، وفي أخبار الأمم الماضية الأعاجيب والعبر كما قال -جل وعلا: لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ [يوسف:111]، وقال: فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ [الحشر:2].

كان ثلاثة ممن قبلنا آواهم المبيت في رواية المطر إلى غار جاء الليل والمطر فآووا إلى غار، والغار معروف محله في الجبل يأوي إليه الناس عند البرد وعند المطر ونحو ذلك، فدخلوا فيه من أجل المطر والمبيت، فامتحنهم الله بصخرة نزلت من فوق، لله الحكمة جل وعلا ليري عباده العبر هم وغيرهم ممن جاء بعدهم فسدت عليهم الباب -باب الغار- ولم يستطيعوا زحزحتها ولا دفعها؛ عظيمة! فقالوا فيما بينهم: إنه لن يخلصكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم عرفوا أنه لن ينجيهم إلا اللجأ إلى الله الذي أنزلها عليهم، وهو القادر على كل شيء .

فقال أحدهم: اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغبق قبلهما أهلا ولا مالا الغبوق اللبن يشربونه البادية بعد العشاء يسمونه غبوق الحليب، وكان إذا جاء من المرعى حلب لهما وسقاهم بعد العشاء، فنأى به طلب الشجر في بعض الليالي حتى أبعد بعد فلم يرح، يعني فلم يرجع إليهما، أو فلم يرح يعني يرح بهائمه إلا متأخرا فجاءهما وقد ناما، يعني صيف عليهم، فوقف والقدح على يده كره أن يوقظهما، وكره أن يسقي أحدا قبلهما، لا من أهله ولا من أولاده، فوقف ينتظر والقدح على يديه والصبية حوله يتضاغون يبون الحليب وهو ينتظر، ما أحب أن يسقي أحدا من شدة بره لهما، وحرصه على إكرامهما حتى برق الفجر فاستيقظا فسقاهما، قال: اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك هذا الشاهد النية، نيته أنه ما فعل هذا إلا إخلاصا لله وتعظيما لوالديه، وحرصا على برهما فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة بعض الشيء ليريهم الله العبر حتى يتم أمر الله، لكن لا يستطيعون الخروج، رأوا السماء، لا شك أن هذا يسرهم ويفرحهم.

ثم دعا الثاني فقال: اللهم إنه كانت لي ابنة عم وكنت أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء فأردتها على نفسها أراد منها الفاحشة فأبت عليه، فألمت بها سنة يعني أصابها جدب وقحط وحاجة بعد ذلك، فجاءت إليها تطلبه الرفد وهو ابن عمها تقول: أنا محتاجة وأصابتني الحاجة أعطني، تصدق علي، قال: لا، حتى تمكنيني من نفسك يعني حتى تسمح له بالزنا، فمن شدة الحاجة وافقت وأعطاها مائة دينار وعشرين دينارا، مائة جنيه وعشرين جنيها في مقابل سماحها له بالفاحشة، فلما جلس بين رجليها يريد جماعها قالت: يا عبد الله، اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه يعني لا تجامعني إلا بنكاح شرعي، والخاتم الفرج، يعني لا تفض الخاتم إلا بحقه، فخاف من الله وارتعد حينئذ وقام وتركها، وترك لها الذهب خوفا من الله، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه يعني ترك الزنا والذهب ابتغاء ما عند الله لما خوفته من الله، فانفرجت الصخرة زيادة لكن لا يستطيعون الخروج حتى يتم أمر الله.

فقال الثالث: اللهم إني استأجرت أجراء –عمال- فأعطيت كل عامل أجره إلا واحد ترك أجره، فثمرته له ونميته له يعني باع فيه واشترى بنية صالحة، يقول: حتى يجي يأخذه، كان شيئا من الرز، أو من الدخن، أو من الذرة، آصع فنماه له وباع فيه واشترى ونماه له حتى اشترى منه إبلا وبقرا وغنما ورقيقا، بارك الله في هذا الآجر حتى اجتمع منه إبل وبقر وغنم ورقيق، ثم جاء بعد سنوات يقول له: يا عبد الله أعطني حقي، فقال له: هذا الذي ترى كله من حقك، الإبل والبقر والغنم والرقيق كلها من مالك، قال: يا عبد الله لا تستهزئ بي استبعد أن يكون هذا، قال: إني ما أستهزئ بك، هذا مالك نمته لك خذه، فأخذه كله واستاقه كله، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة وخرجوا انفرجت وخرجوا يمشون سالمين بعدما توسلوا إلى الله بهذه الأعمال الصالحة.

هذا يدلنا على عظم النية، شأن النية الصالحة، وأن لها شأنها عظيما، وأنها من أسباب تفريج الكروب وتيسير الأمور، ويدل أيضا على شرعية التوسل بالأعمال الصالحات كما قال جل وعلا في أولي الألباب إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ۝ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ۝ رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ۝ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا [آل عمران:190-193] توسلوا بإيمانهم، وعلمهم بأنه سبحانه لم يخلق شيئا باطلا بل لحكمة بالغة، توسلوا بإيمانهم، بعمل عظيم وهو الإيمان، فهؤلاء توسلوا بأعمال صالحة فدل ذلك على أن التوسل بالأعمال مما يحبه الله كالتوسل بالأسماء الحسنى، قال تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180] فكما نتوسل بأسمائه الحسنى وصفاته العلا هكذا بالأعمال الصالحة، تقول: اللهم إني أسألك بإيماني بك، بتوحيدي لك، بإخلاص عملي لك، اللهم إني أسألك ببر والدي، بصلة رحمي، بمحافظتي على الصلاة، بعفتي عن الزنا، إلى غير هذا، تسأل ربك من الأعمال الصالحة هذا من أسباب الإجابة كما أجاب الله أصحاب الغار لتوسلهم، الأول ببره لوالديه، والثاني بعفته عن الزنا، والثالث بأدائه الأمانة، فجميع الأعمال الصالحات وسيلة إذا توسل بها العبد إلى الله هي من الوسائل الشرعية، فالتوسل يكون بأسماء الله، ويكون بصفاته، ويكون بتوحيد وبالأعمال الصالحات.

وفق الله الجميع.