المعاصي تضعِفُ سيرَ القلب إلى الله والدار الآخرة 03

وَمِنْ عُقُوبَتِهَا: أَنَّهَا تُضْعِفُ سَيْرَ الْقَلْبِ إِلَى اللَّهِ وَالدَّارِ الْآخِرَةِ، أَوْ تَعُوقُهُ أَوْ تُوقِفُهُ وَتَقْطَعُهُ عَنِ السَّيْرِ، فَلَا تَدَعُهُ يَخْطُو إِلَى اللَّهِ خُطْوَةً، هَذَا إِنْ لَمْ تَرُدَّهُ عَنْ وُجْهَتِهِ إِلَى وَرَائِهِ، فَالذَّنْبُ يَحْجِبُ الْوَاصِلَ، وَيَقْطَعُ السَّائِرَ، وَيُنَكِّسُ الطَّالِبَ، وَالْقَلْبُ إِنَّمَا يَسِيرُ إِلَى اللَّهِ بِقُوَّتِهِ، فَإِذَا مَرِضَ بِالذُّنُوبِ ضَعُفَتْ تِلْكَ الْقُوَّةُ الَّتِي تُسَيِّرُهُ، فَإِنْ زَالَتْ بِالْكُلِّيَّةِ انْقَطَعَ عَنِ اللَّهِ انْقِطَاعًا يَبْعُدُ تَدَارُكُهُ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.

فَالذَّنْبُ إِمَّا يُمِيتُ الْقَلْبَ، أَوْ يُمْرِضُهُ مَرَضًا مُخَوِّفًا، أَوْ يُضْعِفُ قُوَّتَهُ وَلَا بُدَّ حَتَّى يَنْتَهِيَ ضَعْفُهُ إِلَى الْأَشْيَاءِ الثَّمَانِيَةِ الَّتِي اسْتَعَاذَ مِنْهَا النَّبِيُّ ﷺ وَهِيَ: "الْهَمُّ، وَالْحَزَنُ، وَالْعَجْزُ، وَالْكَسَلُ، وَالْجُبْنُ، وَالْبُخْلُ، وَضَلَعُ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةُ الرِّجَالِ" وَكُلُّ اثْنَيْنِ مِنْهَا قَرِينَانِ.

فَالْهَمُّ وَالْحَزَنُ قَرِينَانِ: فَإِنَّ الْمَكْرُوهَ الْوَارِدَ عَلَى الْقَلْبِ إِنْ كَانَ مِنْ أَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ يَتَوَقَّعُهُ أَحْدَثَ الْهَمَّ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَمْرٍ مَاضٍ قَدْ وَقَعَ أَحْدَثَ الْحَزَنَ.

وَالْعَجْزُ وَالْكَسَلُ قَرِينَانِ: فَإِنْ تَخَلَّفَ الْعَبْدُ عَنْ أَسْبَابِ الْخَيْرِ وَالْفَلَاحِ، إِنْ كَانَ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ فَهُوَ الْعَجْزُ، وَإِنْ كَانَ لِعَدَمِ إِرَادَتِهِ فَهُوَ الْكَسَلُ.

وَالْجُبْنُ وَالْبُخْلُ قَرِينَانِ: فَإِنَّ عَدَمَ النَّفْعِ مِنْهُ إِنْ كَانَ بِبَدَنِهِ فَهُوَ الْجُبْنُ، وَإِنْ كَانَ بِمَالِهِ فَهُوَ الْبُخْلُ.

وَضَلَعُ الدَّيْنِ وَقَهْرُ الرِّجَالِ قَرِينَانِ: فَإِنَّ اسْتِعْلَاءَ الْغَيْرِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ بِحَقٍّ فَهُوَ مِنْ ضَلَعِ الدَّيْنِ، وَإِنْ كَانَ بِبَاطِلٍ فَهُوَ مِنْ قَهْرِ الرِّجَالِ.

وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الذُّنُوبَ مِنْ أَقْوَى الْأَسْبَابِ الْجَالِبَةِ لِهَذِهِ الثَّمَانِيَةِ، كَمَا أَنَّهَا مِنْ أَقْوَى الْأَسْبَابِ الْجَالِبَةِ لِجَهْدِ الْبَلَاءِ، وَدَرَكِ الشَّقَاءِ، وَسُوءِ الْقَضَاءِ، وَشَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ، وَمِنْ أَقْوَى الْأَسْبَابِ الْجَالِبَةِ لِزَوَالِ نِعَمِ اللَّهِ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِهِ إِلَى نِقْمَتِهِ وَتَجْلِبُ جَمِيعَ سُخْطِهِ.

وَمِنْ عُقُوبَاتِ الذُّنُوبِ: أَنَّهَا تُزِيلُ النِّعَمَ، وَتُحِلُّ النِّقَمَ، فَمَا زَالَتْ عَنِ الْعَبْدِ نِعْمَةٌ إِلَّا بِذَنْبٍ، وَلَا حَلَّتْ بِهِ نِقْمَةٌ إِلَّا بِذَنْبٍ، كَمَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ : "مَا نَزَلْ بَلَاءٌ إِلَّا بِذَنْبٍ، وَلَا رُفِعَ إِلَّا بِتَوْبَةٍ".

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30].

وَقَالَ تَعَالَى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الأنفال:53].

فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يُغَيِّرُ نِعَمَهُ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَى أَحَدٍ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يُغَيِّرُ مَا بِنَفْسِهِ، فَيُغَيِّرُ طَاعَةَ اللَّهِ بِمَعْصِيَتِهِ، وَشُكْرَهُ بِكُفْرِهِ، وَأَسْبَابَ رِضَاهُ بِأَسْبَابِ سُخْطِهِ، فَإِذَا غَيَّرَ غَيَّرَ عَلَيْهِ، جَزَاءً وِفَاقًا، وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ.

فَإِنْ غَيَّرَ الْمَعْصِيَةَ بِالطَّاعَةِ، غَيَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ بِالْعَافِيَةِ، وَالذُّلَّ بِالْعِزِّ.

وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ [الرعد:11].

وَفِي بَعْضِ الْآثَارِ الْإِلَهِيَّةِ، عَنِ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي، لَا يَكُونُ عَبْدٌ مِنْ عَبِيدِي عَلَى مَا أُحِبُّ، ثُمَّ يَنْتَقِلُ عَنْهُ إِلَى مَا أَكْرَهُ، إِلَّا انْتَقَلْتُ لَهُ مِمَّا يُحِبُّ إِلَى مَا يَكْرَهُ، وَلَا يَكُونُ عَبْدٌ مِنْ عَبِيدِي عَلَى مَا أَكْرَهُ، فَيَنْتَقِلُ عَنْهُ إِلَى مَا أُحِبُّ، إِلَّا انْتَقَلْتُ لَهُ مِمَّا يَكْرَهُ إِلَى مَا يُحِبُّ.

وَقَدْ أَحْسَنَ الْقَائِلُ:

إِذَا كُنْتَ فِي نِعْمَةٍ فَارْعَهَا فإِنَّ الذُّنُوبَ تُزِيلُ النِّعَمْ
وَحُطْهَا بِطَاعَةِ رَبِّ الْعِبَا د فَرَبُّ الْعِبَادِ سَرِيعُ النِّقَمْ
وَإِيَّاكَ وَالظُّلْمَ مَهْمَا اسْتَطَعْـ ـت فَظُلْمُ الْعِبَادِ شَدِيدُ الْوَخَمْ
وَسَافِرْ بِقَلْبِكَ بَيْنَ الْوَرَى لتَبْصُرَ آثَارَ مَنْ قَدْ ظَلَمْ
فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ بَعْدَهُمْ شُهُودٌ عَلَيْهِمْ وَلَا تَتَّهِمْ
وَمَا كَانَ شَيْءٌ عَلَيْهِمْ أَضَـ رّ مِنَ الظُّلْمِ وَهُوَ الَّذِي قَدْ قَصَمْ
فَكَمْ تَرَكُوا مِنْ جِنَانٍ وَمِنْ قصُورٍ وَأُخْرَى عَلَيْهِمْ أُطُمْ
صَلَوْا بِالْجَحِيمِ وَفَاتَ النَّعِيـ ـمُ وَكَانَ الَّذِي نَالَهُمْ كَالْحُلُمْ

الشيخ: الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

أما بعد:

فهذه الآثار في المعاصي كالتي قبلها آثار المعاصي خطيرة وكثيرة، وهي - والعياذ بالله - تضعف السير إلى الله أو تقطع السير إلى الله؛ فالمعاصي متى عظمت أقعدت القلب عن السير إلى الله وحجبته عن الله، وانقطع عن ربه بسبب ظلمتها واستلائها على قلبه، وقد يقسيه ولا ينقطع ولكن يضعف سيره بسبب كثرة الذنوب وقد تعوقه الطريق بعض العوق إذا قلّت؛ ولكن لا يسلم من شرها إلا بالتوبة والرجوع إلى الله والإنابة إليه، والمعاصي هي أسباب الهم والحزن والجبن والبخل وضلع الدين وقهر الرجال والعجز والكسل كلها نتيجة للمعاصي والشرور التي يتعاطاها العبد، ثم هي تسبب غضب الله تسبب ضعف اليقين تسبب التشاغل بالمعاصي فإن المعاصي يجر بعضها إلى بعض، كما أن الطاعات يجر بعضها إلى بعض. 

فالواجب على العاقل المكلف أن يحذر السيئة، وأن يبتعد عنها، وأن يبادر بالتوبة كلما زلت قدمه كلما فرط منه ذنب بادر بالتوبة، والله قص علينا أخبار الأمم وما جرى عليهم ففي ذلك العبرة كما قال تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا [الروم:41] وقال جل وعلا: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30] وقال جل وعلا: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ [النساء:79]

فالواجب عليك أن تحفظ جوارحك وتحفظ لسانك عما حرم الله، وأن تجتهد في استعمالها في طاعة الله حتى ينفعك ذلك وحتى تسلم من مغبة هذه الجوارح إذا أطلقتها في معاصي الله، رزق الله الجميع التوفيق والهداية.

السؤال: هل صحيح قول شيخ الإسلام ابن تيمية في الحموية: الله معنا حقيقة وهو على العرش حقيقة وما معنى قوله: الله معنا حقيقة؟

الشيخ: يعني بعلمه، يقول جل وعلا: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ [الحديد:4] أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [المجادلة:7] يقول أهل السنة والجماعة إنه معهم بعلمه واطلاعه على أحوالهم، وعلمه بما يصدر منهم، فهو سبحانه مطلع على كل شيء كما في قصة موسى: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه:46]

وهو سبحانه يسمع كلامهم ويرى مكانهم ولا تخفى عليه خافية فهو مدبر أمورهم ومصرف شوؤنهم وهو فوق عرشه، وهو معنا حقيقة بعلمه، وفوقنا حقيقة بذاته، وهو فوق جميع الخلق ذاتًا فوق العرش ، وهو مع أوليائه ومع عباده بعلمه ومع أوليائه بعلمه ونصره وتأييده كما قال جل وعلا في قصة نبينا في الغار: لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40] حين آوى والصديق إلى الغار يوم الهجرة: لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40] أي بكلاءته لنا وحفظه لنا وتعميته أبصار الأعداء، وقد قال تعالى في قصة موسى وهارون: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه:46] لما أرسلهما إلى فرعون: قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه:46] وقال تعالى: وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال:46] يعني بتأييده وتوفيقه.

السؤال: نرى بعض الناس يكتفي بصب الماء على قدميه في الوضوء من دون أن يدلكهما بيده، فهل هذا العمل صحيح؟

الشيخ: نعم، إذا عمها الماء كفى والفرك مستحب، لو أدخل يديه في الماء وغسل وجهه وغسل يده اليمنى ثم غسل يده اليسرى ثم مسح رأسه ثم أدخل رجليه كفى، لكن كونه يدلكها بيديه أفضل وأكمل.

السؤال: رجل له دين عند رجل آخر فهل على صاحب الدين أن يخرج عن هذا الدين زكاة المال؟

الشيخ: هذا يختلف إن كان المدين معسر أو مماطل فصاحب الدين ليس عليه زكاة حتى يقبضها، وإن كان الذي عليه الدين مليئًا متى طلبها أعطاها وجبت عليه الزكاة كأنه عنده كأنه في صندوق، أما إذا كان الذي عليه الدين معسر ما يقدر يوفي فليس على صحب الدين شيء حتى يقضيه، وهكذا إذا كان يماطله حتى يقضيه لأن الزكاة للمواساة فلا تجب الزكاة من مال غير محضور.

السؤال: ما هي قيمة المال التي تجب فيه الزكاة مع البيان بالأمثلة؟

الشيخ: المال يختلف، الحبوب والثمار لها نصاب، وهي خمسة أوسق، ثلاثمئة صاع من صاع النبي ﷺ والوسق ستون صاعًا، والغنم والإبل والبقر لها أنصبة، والدراهم لها نصاب، والذهب عشرون مثقالًا مقداره إحدى عشر جنيه ونصف، والفضة مائة وأربعون مثقالًا مقدار خمسة وستين ريال فضة سعودي.

السؤال: متى يكون دعاء الاستخارة، هل بعد التشهد قبل السلام، أو أثناء السجود، أو بعد السلام، فهل على من فعلها في جميع هذه المواضع الثلاثة حرج؟

الشيخ: السنة أن يصلي ركعتين صلاة الاستخارة ثم يستخير بعد السلام، يدعو الله بعد السلام كما أمر النبي ﷺ قال: إذا هم أحدكم بأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك السنة أن يصلي ركعتين ثم يسلم ويقول: "اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تعلم ولا أعلم وتقدر ولا أقدر وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر ويسميه باسمه - زواجي من فلانة أو شراء البيت الفلاني أو سفري إلى كذا - خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال في عاجل أمري وآجله فاقدره لي ثم بارك لي فيه، وإن كان شر في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاصرفه عني واصرفني عنه، وقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به" ..ويسأل ربه أن يقدم له ما في الخير، ويسأل ربه أن يبعد عنه الشر، فإذا دعا بهذا الدعاء النبوي يكون أفضل وإن كان ما يعرف الدعاء النبوي يدعو بما يناسبه ..............

وَمِنْ عُقُوبَاتِهَا: مَا يُلْقِيهِ اللَّهُ مِنَ الرُّعْبِ وَالْخَوْفِ فِي قَلْبِ الْعَاصِي، فَلَا تَرَاهُ إِلَّا خَائِفًا مَرْعُوبًا.

فَإِنَّ الطَّاعَةَ حِصْنُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ، مَنْ دَخَلَهُ كَانَ مِنَ الْآمِنِينَ مِنْ عُقُوبَاتِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ خَرَجَ عَنْهُ أَحَاطَتْ بِهِ الْمَخَاوِفُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، فَمَنْ أَطَاعَ اللَّهَ انْقَلَبَتِ الْمَخَاوِفُ فِي حَقِّهِ أَمَانًا، وَمَنْ عَصَاهُ انْقَلَبَتْ مَآمِنُهُ مَخَاوِفَ، فَلَا تَجِدُ الْعَاصِيَ إِلَّا وَقَلْبُهُ كَأَنَّهُ بَيْنَ جَنَاحَيْ طَائِرٍ، إِنْ حَرَّكَتِ الرِّيحُ الْبَابَ قَالَ: جَاءَ الطَّلَبُ، وَإِنْ سَمِعَ وَقْعَ قَدَمٍ خَافَ أَنْ يَكُونَ نَذِيرًا بِالْعَطَبِ، يَحْسَبُ أَنَّ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِ، وَكُلَّ مَكْرُوهٍ قَاصِدٌ إِلَيْهِ، فَمَنْ خَافَ اللَّهَ آمَنَهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَمَنْ لَمْ يَخَفِ اللَّهَ أَخَافَهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ:

بِذَا قَضَى اللَّهُ بَيْنَ الْخَلْقِ مُذْ خُلِقُوا أَنَّ الْمَخَاوِفَ وَالْأَجْرَامَ فِي قَرَنِ

وَمِنْ عُقُوبَاتِهَا: أَنَّهَا تُوقِعُ الْوَحْشَةَ الْعَظِيمَةَ فِي الْقَلْبِ فَيَجِدُ الْمُذْنِبُ نَفْسَهُ مُسْتَوْحِشًا، قَدْ وَقَعَتِ الْوَحْشَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ، وَبَيْنَ الْخَلْقِ وَبَيْنَ نَفْسِهِ، وَكُلَّمَا كَثُرَتِ الذُّنُوبُ اشْتَدَّتِ الْوَحْشَةُ، وَأَمَرُّ الْعَيْشِ عَيْشُ الْمُسْتَوْحِشِينَ الْخَائِفِينَ، وَأَطْيَبُ الْعَيْشِ عَيْشُ الْمُسْتَأْنِسِينَ، فَلَوْ نَظَرَ الْعَاقِلُ وَوَازَنَ لَذَّةَ الْمَعْصِيَةِ وَمَا تُوقِعُهُ مِنَ الْخَوْفِ وَالْوَحْشَةِ، لَعَلِمَ سُوءَ حَالِهِ، وَعَظِيمَ غَبْنِهِ، إِذْ بَاعَ أُنْسَ الطَّاعَةِ وَأَمْنَهَا وَحَلَاوَتَهَا بِوَحْشَةِ الْمَعْصِيَةِ وَمَا تُوجِبُهُ مِنَ الْخَوْفِ وَالضَّرَرِ الدَّاعِي لَهُ.

كَمَا قِيلَ:

فَإِنْ كُنْتَ قَدْ أَوْحَشَتْكَ الذُّنُوبُ فَدَعْهَا إِذَا شِئْتَ وَاسْتَأْنِسِ

وَسِرُّ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ الطَّاعَةَ تُوجِبُ الْقُرْبَ مِنَ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ، فَكُلَّمَا اشْتَدَّ الْقُرْبُ قَوِيَ الْأُنْسُ، وَالْمَعْصِيَةُ تُوجِبُ الْبُعْدَ مِنَ الرَّبِّ، وَكُلَّمَا زَادَ الْبُعْدُ قَوِيَتِ الْوَحْشَةُ.

وَلِهَذَا يَجِدُ الْعَبْدُ وَحْشَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدُوِّهِ لِلْبُعْدِ الَّذِي بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ مُلَابِسًا لَهُ، قَرِيبًا مِنْهُ، وَيَجِدُ أُنْسًا قَوِيًّا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ يُحِبُّ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا عَنْهُ.

وَالْوَحْشَةُ سَبَبُهَا الْحِجَابُ، وَكُلَّمَا غَلُظَ الْحِجَابُ زَادَتِ الْوَحْشَةُ، فَالْغَفْلَةُ تُوجِبُ الْوَحْشَةَ، وَأَشَدُّ مِنْهَا وَحْشَةُ الْمَعْصِيَةِ، وَأَشَدُّ مِنْهَا وَحْشَةُ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ، وَلَا تَجِدُ أَحَدًا مُلَابِسًا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ إِلَّا وَيَعْلُوهُ مِنَ الْوَحْشَةِ بِحَسْبِ مَا لَابَسَهُ مِنْهُ، فَتَعْلُو الْوَحْشَةُ وَجْهَهُ وَقَلْبَهُ فَيَسْتَوْحِشُ وَيُسْتَوْحَشُ مِنْهُ.

وَمِنْ عُقُوبَاتِهَا: أَنَّهَا تَصْرِفُ الْقَلْبَ عَنْ صِحَّتِهِ وَاسْتِقَامَتِهِ إِلَى مَرَضِهِ وَانْحِرَافِهِ، فَلَا يَزَالُ مَرِيضًا مَعْلُولًا لَا يَنْتَفِعُ بِالْأَغْذِيَةِ الَّتِي بِهَا حَيَاتُهُ وَصَلَاحُهُ، فَإِنَّ تَأْثِيرَ الذُّنُوبِ فِي الْقُلُوبِ كَتَأْثِيرِ الْأَمْرَاضِ فِي الْأَبْدَانِ، بَلِ الذُّنُوبُ أَمْرَاضُ الْقُلُوبِ وَدَاؤُهَا، وَلَا دَوَاءَ لَهَا إِلَّا تَرْكُهَا.

وَقَدْ أَجْمَعَ السَّائِرُونَ إِلَى اللَّهِ أَنَّ الْقُلُوبَ لَا تُعْطَى مُنَاهَا حَتَّى تَصِلَ إِلَى مَوْلَاهَا، وَلَا تَصِلُ إِلَى مَوْلَاهَا حَتَّى تَكُونَ صَحِيحَةً سَلِيمَةً، وَلَا تَكُونُ صَحِيحَةً سَلِيمَةً حَتَّى يَنْقَلِبَ دَاؤُهَا، فَيَصِيرَ نَفْسَ دَوَائِهَا، وَلَا يَصِحُّ لَهَا ذَلِكَ إِلَّا بِمُخَالَفَةِ هَوَاهَا، فَهَوَاهَا مَرَضُهَا، وَشِفَاؤُهَا مُخَالَفَتُهُ، فَإِنِ اسْتَحْكَمَ الْمَرَضُ قَتَلَ أَوْ كَادَ.

وَكَمَا أَنَّ مَنْ نَهَى نَفْسَهُ عَنِ الْهَوَى كَانَتِ الْجَنَّةُ مَأْوَاهُ، فَكَذَا يَكُونُ قَلْبُهُ فِي هَذِهِ الدَّارِ فِي جَنَّةٍ عَاجِلَةٍ، لَا يُشْبِهُ نَعِيمُ أَهْلِهَا نَعِيمًا الْبَتَّةَ، بَلِ التَّفَاوُتُ الَّذِي بَيْنَ النَّعِيمَيْنِ، كَالتَّفَاوُتِ الَّذِي بَيْنَ نَعِيمِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَهَذَا أَمْرٌ لَا يُصَدِّقُ بِهِ إِلَّا مَنْ بَاشَرَ قَلْبُهُ هَذَا وَهَذَا.

وَلَا تَحْسَبُ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ۝ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ [الانفطار:13-14] مَقْصُورٌ عَلَى نَعِيمِ الْآخِرَةِ وَجَحِيمِهَا فَقَطْ بَلْ فِي دُورِهِمُ الثَّلَاثَةِ كَذَلِكَ - أَعْنِي دَارَ الدُّنْيَا، وَدَارَ الْبَرْزَخِ، وَدَارَ الْقَرَارِ - فَهَؤُلَاءِ فِي نَعِيمٍ، وَهَؤُلَاءِ فِي جَحِيمٍ، وَهَلِ النَّعِيمُ إِلَّا نَعِيمُ الْقَلْبِ؟ وَهَلِ الْعَذَابُ إِلَّا عَذَابُ الْقَلْبِ؟ وَأَيُّ عَذَابٍ أَشَدُّ مِنَ الْخَوْفِ وَالْهَمِّ وَالْحُزْنِ، وَضِيقِ الصَّدْرِ، وَإِعْرَاضِهِ عَنِ اللَّهِ وَالدَّارِ الْآخِرَةِ، وَتَعَلُّقِهِ بِغَيْرِ اللَّهِ، وَانْقِطَاعِهِ عَنِ اللَّهِ، بِكُلِّ وَادٍ مِنْهُ شُعْبَةٌ؟ وَكُلُّ شَيْءٍ تَعَلَّقَ بِهِ وَأَحَبَّهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يَسُومُهُ سُوءَ الْعَذَابِ.

فَكُلُّ مَنْ أَحَبَّ شَيْئًا غَيْرَ اللَّهِ عُذِّبَ بِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي هَذِهِ الدَّارِ، فَهُوَ يُعَذَّبُ بِهِ قَبْلَ حُصُولِهِ حَتَّى يَحْصُلَ، فَإِذَا حَصَلَ عُذِّبَ بِهِ حَالَ حُصُولِهِ بِالْخَوْفِ مِنْ سَلْبِهِ وَفَوَاتِهِ، وَالتَّنْغِيصِ وَالتَّنْكِيدِ عَلَيْهِ، وَأَنْوَاعٍ مِنَ الْعَذَابِ فِي هَذِهِ الْمُعَارَضَاتِ، فَإِذَا سُلِبَهُ اشْتَدَّ عَلَيْهِ عَذَابُهُ، فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ مِنَ الْعَذَابِ فِي هَذِهِ الدَّارِ.

وَأَمَّا فِي الْبَرْزَخِ: فَعَذَابٌ يُقَارِنُهُ أَلَمُ الْفِرَاقِ الَّذِي لَا يَرْجُو عَوْدَةً وَأَلَمُ فَوَاتِ مَا فَاتَهُ مِنَ النَّعِيمِ الْعَظِيمِ بِاشْتِغَالِهِ بِضِدِّهِ، وَأَلَمُ الْحِجَابِ عَنِ اللَّهِ، وَأَلَمُ الْحَسْرَةِ الَّتِي تَقْطَعُ الْأَكْبَادَ، فَالْهَمُّ وَالْغَمُّ والحسرة وَالْحُزْنُ تَعْمَلُ فِي نُفُوسِهِمْ نَظِيرَ مَا يَعْمَلُ الْهَوَامُّ وَالدِّيدَانُ فِي أَبْدَانِهِمْ، بَلْ عَمَلُهَا فِي النُّفُوسِ دَائِمٌ مُسْتَمِرٌّ، حَتَّى يَرُدَّهَا اللَّهُ إِلَى أَجْسَادِهَا، فَحِينَئِذٍ يَنْتَقِلُ الْعَذَابُ إِلَى نَوْعٍ هُوَ أَدْهَى وَأَمَرُّ، فَأَيْنَ هَذَا مِنْ نَعِيمِ مَنْ يَرْقُصُ قَلْبُهُ طَرَبًا وَفَرَحًا وَأُنْسًا بِرَبِّهِ، وَاشْتِيَاقًا إِلَيْهِ، وَارْتِيَاحًا بِحُبِّهِ، وَطُمَأْنِينَةً بِذِكْرِهِ؟ حَتَّى يَقُولَ بَعْضُهُمْ فِي حَالِ نَزْعِهِ: وَاطَرَبَاهُ.

ويقول الآخر: إن كان أهل الجنة في مثل هذا الحال إنهم لفي عيش طيب.

وَيَقُولُ الْآخَرُ: مَسَاكِينُ أَهْلُ الدُّنْيَا، خَرَجُوا مِنْهَا وَمَا ذَاقُوا لَذِيذَ الْعَيْشِ فِيهَا، وَمَا ذَاقُوا أَطْيَبَ مَا فِيهَا.

وَيَقُولُ الْآخَرُ: لَوْ عَلِمَ الْمُلُوكُ وَأَبْنَاءُ الْمُلُوكِ مَا نَحْنُ فِيهِ لَجَالَدُونَا عَلَيْهِ بِالسُّيُوفِ.

وَيَقُولُ الْآخَرُ: إِنَّ فِي الدُّنْيَا جَنَّةً مَنْ لَمْ يَدْخُلْهَا لَمْ يَدْخُلْ جَنَّةَ الْآخِرَةِ.

فَيَا مَنْ بَاعَ حَظَّهُ الْغَالِي بِأَبْخَسِ الثَّمَنِ، وَغُبِنَ كُلَّ الْغَبْنِ فِي هَذَا الْعَقْدِ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ قَدْ غُبِنَ، إِذَا لَمْ يَكُنْ لَكَ خِبْرَةٌ بِقِيمَةِ السِّلْعَةِ فَسَلِ الْمُقَوِّمِينَ، فَيَا عَجَبًا مِنْ بِضَاعَةٍ مَعَكَ اللَّهُ مُشْتَرِيهَا وَثَمَنُهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى، وَالسَّفِيرُ الَّذِي جَرَى عَلَى يَدِهِ عَقْدُ التَّبَايُعِ وَضَمِنَ الثَّمَنَ عَنِ الْمُشْتَرِي هُوَ الرَّسُولُ ﷺ، وَقَدْ بِعْتَهَا بِغَايَةِ الْهَوَانِ، كَمَا قَالَ الْقَائِلُ:

إِذَا كَانَ هَذَا فِعْلُ عَبْدٍ بِنَفْسِهِ فَمَنْ ذَا لَهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ يُكْرِمُ

وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ [الحج:18].

الشيخ: الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه أما بعد:

فهذا شيء من عقوبات الذنوب تقدم الكثير منها وما فيها من الشر العظيم والفساد الكبير والقطع عن الله وعن الجنة والكرامة، وهي تسبب الوحشة العظيمة بين الله وبين عبده وبينه وبين أولياء الله وبينه وبين كل داع إلى الخير.

فجدير بالمؤمن أن يحذرها ويتباعد عنها ويتباعد عن أهلها، سواء كانت المعصية زنا أو شرب مسكر أو عقوق والدين أو قطيعة رحم أو كذب وغيبة ونميمة وغير ذلك، فجدير بالمؤمن أن يحاسب نفسه ويجاهدها حتى يبتعد عن المعاصي والشرور فإنها تسبب وحشة كبيرة بينه وبين الله وبينه وبين عباده وبينه وبين مجالس الذكر وحلقات العلم فلا يزال في وحشة وبعد من الله وبعد من الناس على قدر المعاصي التي عنده. 

كلما زادت المعاصي زادت الوحشة وزادت الرغبة بمشاغل الدنيا وهواها وصار في وحشة دائمة وقلق دائم وإن جلس مع الناس وإن سافر مع الناس فهو في قلق وفي وحشة، وكلما زادت الذنوب زادت الوحشة وزادت الغفلة حتى ينقطع عن الله، وربما جره ذلك إلى الكفر بالله والخروج من دائرة الإسلام لوحشته من الخير وأهله لكثرة المعاصي التي جرته إلى الكفر بالله والضلال ثم هو أيضًا من هذه الوحشة لا يزال في قلق وخوف قد فاته الأمن وضاع عليه الأمن؛ لأن الأمن في طاعة الله واتباع شريعته والوحشة والخوف والقلق في المعاصي والمخالفات قال تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:82]

فمن اتقى الله وآمن به فله الأمن والهدى، ومن تساهل أصابه القلق وأصابه الخوف وأصابته وحشة من نفسه ومن ربه ومن أهل الخير وصار يظن كل قارعة تحل به، فجدير بالمؤمن أن يبتعد عن الذنوب وأن يحاسب نفسه ويجاهدها لله أينما كان لعله يستقيم على الطاعة ولعله يبتعد عن المعصية ولعله ينجو من شرها وعاقبتها.

نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق.

السؤال: رجل يعمل في محل لبيع الدجاج سعر الدجاجة الواحدة 7 ريالات سواء الصغيرة أو الكبيرة فيأتيني الزبون ويطلب مني أن اختار له أو أحجز له عددًا معينًا من الدجاج الكبير فإذا فعل صاحب المحل ذلك قام الزبون بإعطائه 3 أو 4 ريالات مثلًا زيادة على الحساب مكافأة له على الحجز، فما حكم هذه الزيادة علمًا بأن صاحب المحل لم يطلبها وليست إلزامية؟

الشيخ: السؤال فيه إشكال لكن الواجب أنه يشتري من الوكيل مثل ما يبيع على الناس يشتري منه دجاج وغير الدجاج مثلا، ولا يحل للوكيل أنه يزيد في السلعة على ما قاله صاحبه، فلا يغش الناس ويخدع الناس فيبيع مثل ما قيل له ولا يزيد، فيبيع الصغيرة والكبيرة على حسب ما حدد له من جهة المالك الذي وكله وجعله يبيع.

السؤال: رجل ليس له أولاد وعند ذهابه إلى المستشفى للتحليل طلبوا منه إحضار منيه للتحليل، وقالوا له: ادخل إلى دورة المياه وأخرج المني بيدك، وأحضر زوجتك لتخرج المني بيدها، فهل هذا جائز علمًا بأنه للضرورة؟

الشيخ: ما في بأس، للحاجة ما في شيء، المحرم الاستمناء ... العادة السرية، لكن للدواء والعلاج لا بأس.

السؤال: امرأة تغسل أبناءها الصغار وتلمس عوراتهم وهي على طهارة، فهل يلزمها إعادة الوضوء فإذا كان الطفل صغيرًا عمره حوالي سنة فهل هو كذلك؟

الشيخ: إذا لمست عورات أولادها تتوضأ، سواء كان صغيرا أو كبيرا، إذا مست عورته وهي تغسله سواء بنت أو ذكر إذا لمست العورة بالمباشرة يمس اللحم اللحم ينتقض الوضوء.

السؤال: إذا كانت المرأة حائضًا هل يجوز للزوج أن يستمتع بها عن طريق الاستمناء بيد الزوجة؟

الشيخ: يقول النبي ﷺ: اصنعوا كل شيء إلا النكاح إلا الجماع، فله أن يستمتع بها بجميع بدنها إلا الجماع، فإذا كان جماعه بها يخرج المني ليستريح من الشهوة، بيدها أو عند فخذها أو بأي شكل يخرج منه فلا بأس لإطفاء الشهوة ومنع الفتنة، لكن لا يجامعها وعليه الغسل إذا خرج الماء.

السؤال: ما حكم من قال:(أكون يهوديًا أو نصرانيًا إن فعلت كذا) ثم فعل، أو الحلال عليّ حرام إن لم أفعل كذا ثم لم يفعل؟

الشيخ: لا يجوز، الرسول نهى عن هذا، الرسول قال: من حلف بملة غير الإسلام كاذبًا متعمدًا فهو كما قال ولا يجوز تحريم ما أحل الله يقول الله جل وعلا: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ [التحريم:1] فلا يجوز للإنسان أن يحرم ما أحل الله له، يجب الحذر من هذا، إذا قال عليّ الحرام ما أفعل هذا أو علي الحرام ما أتكلم كلام فعليه كفارة يمين. كما قال الله جل وعلا: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [التحريم:1] قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ [التحريم:2] إذا قال: عليه حرام ما يكلم فلان أو ما يأكل طعام فلان أو ما يزور فلان ثم نقض كلامه فعليه كفارة يمين، حكمه حكم اليمين.

السؤال: يقول أيضًا: وهل لو قال: أقسمت عليك لتفعلن كذا يكون قسما، وهل قوله: يمين الله أو لعمر الله أو ايم الله قسم؟

الشيخ: لعمري أو لعمرك ليست بقسم، وأقسمت عليك ليس بقسم حتى يصرح، أقسمت عليك بالله، أو يقول: والله أو تالله أو بالله، أما وايم الله قسم إذا قال وايم الله لأفعلن كذا هذا قسم كما قال ﷺ: وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها وايم الله هذه قسم.

وَمِنْ عُقُوبَاتِهَا: أَنَّهَا تُعْمِي بَصِيرَةَ الْقَلْبِ، وَتَطْمِسُ نُورَهُ، وَتَسُدُّ طُرُقَ الْعِلْمِ، وَتَحْجُبُ مَوَادَّ الْهِدَايَةِ، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لِلشَّافِعِيِّ لَمَّا اجْتَمَعَ بِهِ وَرَأَى تِلْكَ الْمَخَايِلَ: إِنِّي أَرَى اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَلْقَى عَلَى قَلْبِكَ نُورًا، فَلَا تُطْفِئْهُ بِظُلْمَةِ الْمَعْصِيَةِ.

وَلَا يَزَالُ هَذَا النُّورُ يَضْعُفُ وَيَضْمَحِلُّ، وَظَلَامُ الْمَعْصِيَةِ يَقْوَى حَتَّى يَصِيرَ الْقَلْبُ فِي مِثْلِ اللَّيْلِ الْبَهِيمِ، فَكَمْ مِنْ مُهْلَكٍ يَسْقُطُ فِيهِ وَلَا يُبْصِرُه، كَأَعْمَى خَرَجَ بِاللَّيْلِ فِي طَرِيقٍ ذَاتِ مَهَالِكَ وَمَعَاطِبَ، فَيَا عِزَّةَ السَّلَامَةِ وَيَا سُرْعَةَ الْعَطَبِ، ثُمَّ تَقْوَى تِلْكَ الظُّلُمَاتُ، وَتَفِيضُ مِنَ الْقَلْبِ إِلَى الْجَوَارِحِ، فَيَغْشَى الْوَجْهَ مِنْهَا سَوَادٌ، بِحَسَبِ قُوَّتِهَا وَتَزَايُدِهَا، فَإِذَا كَانَ عِنْدَ الْمَوْتِ ظَهَرَتْ فِي الْبَرْزَخِ، فَامْتَلَأَ الْقَبْرُ ظُلْمَةً، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: إِنَّ هَذِهِ الْقُبُورَ مُمْتَلِئَةٌ عَلَى أَهْلِهَا ظُلْمَةً، وَإِنَّ اللَّهَ يُنَوِّرُهَا بِصَلَاتِي عَلَيْهِمْ.

فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْمَعَادِ، وَحُشِرَ الْعِبَادُ، عَلَتِ الظُّلْمَةُ الْوُجُوهَ عُلُوًّا ظَاهِرًا يَرَاهُ كُلُّ أَحَدٍ، حَتَّى يَصِيرَ الْوَجْهُ أَسْوَدَ مِثْلَ الْحُمَمَةِ، فَيَالَهَا مِنْ عُقُوبَةٍ لَا تُوَازَنُ لَذَّاتِ الدُّنْيَا بِأَجْمَعِهَا مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا، فَكَيْفَ بِقِسْطِ الْعَبْدِ الْمُنَغَّصِ الْمُنَكَّدِ الْمُتْعَبِ فِي زَمَنٍ إِنَّمَا هُوَ سَاعَةٌ مِنْ حُلْمٍ؟ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.

وَمِنْ عُقُوبَاتِهَا: أَنَّهَا تُصَغِّرُ النَّفْسَ، وَتَقْمَعُهَا، وَتُدَسِّيهَا، وَتَحْقِرُهَا، حَتَّى تَكُونَ أَصْغَرَ كُلِّ شَيْءٍ وَأَحْقَرَهُ، كَمَا أَنَّ الطَّاعَةَ تُنَمِّيهَا وَتُزَكِّيهَا وَتُكَبِّرُهَا، قَالَ تَعَالَى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ۝ وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9، 10]، وَالْمَعْنَى قَدْ أَفْلَحَ مَنْ كَبَّرَهَا وَأَعْلَاهَا بِطَاعَةِ اللَّهِ وَأَظْهَرَهَا، وَقَدْ خَسِرَ مَنْ أَخْفَاهَا وَحَقَّرَهَا وَصَغَّرَهَا بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ.

وَأَصْلُ التَّدْسِيَةِ: الْإِخْفَاءُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ [النحل:59].

فَالْعَاصِي يَدُسُّ نَفْسَهُ فِي الْمَعْصِيَةِ، وَيُخْفِي مَكَانَهَا، يَتَوَارَى مِنَ الْخَلْقِ مِنْ سُوءِ مَا يَأْتِي بِهِ، وَقَدِ انْقَمَعَ عِنْدَ نَفْسِهِ، وَانْقَمَعَ عِنْدَ اللَّهِ، وَانْقَمَعَ عِنْدَ الْخَلْقِ، فَالطَّاعَةُ وَالْبِرُّ تُكَبِّرُ النَّفْسَ وَتُعِزُّهَا وَتُعْلِيهَا، حَتَّى تَصِيرَ أَشْرَفَ شَيْءٍ وَأَكْبَرَهُ، وَأَزْكَاهُ وَأَعْلَاهُ، وَمَعَ ذَلِكَ فَهِيَ أَذَلُّ شَيْءٍ وَأَحْقَرُهُ وَأَصْغَرُهُ لِلَّهِ تَعَالَى، وَبِهَذَا الذُّلِّ حَصَلَ لَهَا هَذَا الْعِزُّ وَالشَّرَفُ وَالنُّمُوُّ، فَمَا أَصْغَرَ النُّفُوسَ مِثْلُ مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَمَا كَبَّرَهَا وَشَرَّفَهَا وَرَفَعَهَا مِثْلُ طَاعَةِ اللَّهِ.

[فَصْلٌ الْمَعَاصِي فِي سِجْنِ الشَّيْطَانِ]

وَمِنْ عُقُوبَاتِهَا: أَنَّ الْعَاصِيَ دَائِمًا فِي أَسْرِ شَيْطَانِهِ، وَسِجْنِ شَهَوَاتِهِ، وَقُيُودِ هَوَاهُ، فَهُوَ أَسِيرٌ مَسْجُونٌ مُقَيَّدٌ، وَلَا أَسِيرَ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ أَسِيرٍ أَسَرَهُ أَعْدَى عَدُوٍّ لَهُ، وَلَا سِجْنَ أَضْيَقُ مِنْ سِجْنِ الْهَوَى، وَلَا قَيْدَ أَصْعَبُ مِنْ قَيْدِ الشَّهْوَةِ، فَكَيْفَ يَسِيرُ إِلَى اللَّهِ وَالدَّارِ الْآخِرَةِ قَلْبٌ مَأْسُورٌ مَسْجُونٌ مُقَيَّدٌ؟ وَكَيْفَ يَخْطُو خُطْوَةً وَاحِدَةً؟

إِذَا قُيِّدَ الْقَلْبُ طَرَقَتْهُ الْآفَاتُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ بِحَسَبِ قُيُودِهِ، وَمَثَلُ الْقَلْبِ مَثَلُ الطَّائِرِ، كُلَّمَا عَلَا بَعُدَ عَنِ الْآفَاتِ، وَكُلَّمَا نَزَلَ اسْتَوْحَشَتْهُ الْآفَاتُ.

وَفِي الْحَدِيثِ: الشَّيْطَانُ ذِئْبُ الْإِنْسَانِ.

وَكَمَا أَنَّ الشَّاةَ الَّتِي لَا حَافِظَ لَهَا وَهِيَ بَيْنَ الذِّئَابِ سَرِيعَةُ الْعَطَبِ، فَكَذَا الْعَبْدُ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَافِظٌ مِنَ اللَّهِ فَذِئْبُهُ مُفْتَرِسُهُ وَلَا بُدَّ، وَإِنَّمَا يَكُونُ عَلَيْهِ حَافِظٌ مِنَ اللَّهِ بِالتَّقْوَى، فَهِيَ وِقَايَةٌ وَجُنَّةٌ، حَصِينَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذِئْبِهِ، كَمَا هِيَ وِقَايَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عُقُوبَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَكُلَّمَا كَانَتِ الشَّاةُ أَقْرَبَ مِنَ الرَّاعِي كَانَتْ أَسْلَمَ مِنَ الذِّئْبِ، وَكُلَّمَا بَعُدَتْ عَنِ الرَّاعِي كَانَتْ أَقْرَبَ إِلَى الْهَلَاكِ، فَأَسْلَمُ مَا تَكُونُ الشَّاةُ إِذَا قَرُبَتْ مِنَ الرَّاعِي، وَإِنَّمَا يَأْخُذُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ مِنَ الْغَنَمِ، وَهِيَ أَبْعَدُ مِنَ الرَّاعِي.

وَأَصْلُ هَذَا كُلِّهِ: أَنَّ الْقَلْبَ كُلَّمَا كَانَ أَبْعَدَ مِنَ اللَّهِ كَانَتِ الْآفَاتُ إِلَيْهِ أَسْرَعَ، وَكُلَّمَا قَرُبَ مِنَ اللَّهِ بَعُدَتْ عَنْهُ الْآفَاتُ.

وَالْبُعْدُ مِنَ اللَّهِ مَرَاتِبٌ، بَعْضُهَا أَشَدُّ مِنْ بَعْضٍ، فَالْغَفْلَةُ تُبْعِدُ الْقَلْبَ عَنِ اللَّهِ، وَبُعْدُ الْمَعْصِيَةِ أَعْظَمُ مِنْ بُعْدِ الْغَفْلَةِ، وَبُعْدُ الْبِدْعَةِ أَعْظَمُ مِنْ بُعْدِ الْمَعْصِيَةِ، وَبُعْدُ النِّفَاقِ وَالشِّرْكِ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ.

الشيخ: الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

أما بعد:

فقد ذكر المؤلف رحمه الله في "الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي" أشياء كثيرة من عقوبات المعاصي وسبق من ذلك جملة، وذكر هنا من عقوباتها أنها تسبب ظلمة القلب كلما زادت المعاصي زادت الظلمة حتى يقع في المعاصي ولا يبالي، لما وقع عليه من ظلمة القلب وقسوته وإعراضه وغفلته كما قال جل وعلا: أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا [الفرقان:44] وفي الحديث الصحيح: إن الرجل إذا أذنب نكت في قلبه نكتة سوداء فإن هو تاب ورجع صقلت، وإن لم يتب ثم أذنب نكت في قلبه نكتة سوداء وهكذا حتى يظلم قلبه ويسود.

ومنها أن تصغر النفس وتحقرها لأنها تسبب للإنسان الصغار والذل والانكسار والانكماش لما تعاطاه من المعاصي فإنها تقمعه وتسبب انكساره وتسبب صغاره والظلمة عليه والاستوحاش من كل شيء فهذا من آفاتها ومن عقوباتها، فالواجب على العاقل أن يحذر المعاصي كلها وأن يبتعد عنها تعظيمًا لله وحذرًا من عقابه، ولأنها تجر إلى غيرها من المعاصي حتى يحصل الران: كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين:14] فالمؤمن يأخذ بالأسباب ويتعاطى أسباب النجاة ويبتعد عن أسباب الشر.

نسأل الله أن يمنحنا وإياكم الفقه في دينه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

السؤال: نحن في دولة الكويت تصرف لنا الدولة بدل سكن لكل أسرة لم تحصل على سكن، ومن شروط الحصول على هذا البدل أن لا يسكن رب الأسرة في بيت والده، وهذا مخالف للشرع ولكنه قانون، ونحن نضطر لأن نحتال على القانون فنأتي بعقد إيجار يثبت بأننا نسكن في الخارج ونحن في الحقيقة نسكن مع أهلنا في بيت الوالد لكي نحصل على هذا البدل؛ لأنه حق من حقوقنا، فما الحكم في ذلك؟

الشيخ: الحكم المنع، لأن هذا كذب وخيانة للدولة وإنما جعلت .... إذا صار خارجًا عن بيت والده، أما إذا كان عند والده فهو مستغن والحمد لله، أما إذا دعت الحاجة إلى أن ينفرد أعطوه بيتًا، ولا يجوز الخيانة ولا اللعب ولا الكذب، نسأل الله العافية.

السؤال: بعض النساء يشكل عليها الغسل من الجنابة والحيض نرجو من سماحتكم تفصيل كيفية الغسل، وهل تطهر المرأة من الجنابة إذا حثت على رأسها ثلاث حثيات، وهل يلزمها غسل جميع الرأس بالماء؟

الشيخ: الجنب والحائض والنفساء كلهم غسله متقارب تعم بدنها بالماء وتفيض على رأسها الماء، لكن السنة أن يبدأ بالوضوء، يستنجي أولًا الحائض تستنجي والنفساء والجنب تستنجي أولًا ثم يتوضأ وضوء الصلاة ثم يفيض الماء على رأسه ثلاث غرفات ثم على جنبه الأيمن ثم جنبه الأيسر ثم يكمل، هذا السنة ولا حاجة إلى نقض الرأس لكن الحائض يستحب لها النقض لأن مدتها تطول، والنفساء فإذا نقضت كان أفضل في الغسل فتغسله بالماء فإن مرت عليه الماء من غير نقض فكفى. 

فالحاصل أن المقصود هو إفاضة الماء على البدن فإذا أفاض الماء على بدنه بنية غسل الحيض أو غسل الجنابة أو غسل نفاس كفى، لكن الأفضل أنه بعد الاستنجاء يتوضأ وضوء الصلاة ثم يفيض الماء على رأسه ثلاث غرفات يعمها على الرأس ثم جنبه الأيمن ثم جنبه الأيسر ثم بقية بدنه حتى يكمل، الجنب والحائض والنفساء لكن النفساء والحائض يستحب لهما النقض في بعض الأحاديث النقض (انقضي رأسك) فإذا نقضت كان أفضل مع الماء والسدر، والجنب لا يحتاج إلى سدر الماء يكفي.

السؤال: يقول امرأة أفطرت ستة أيام من رمضان وتريد أن تصوم ستة أيام من شوال فهل إذا صامت ستة أيام من شوال يكفيها عن القضاء وصيام ست من شوال؟

الشيخ: تبدأ بالقضاء، الرسول قال: من صام رمضان ثم أتبعه ستًا من شوال تبدأ بالقضاء تنويها عن القضاء ويكفي إن صامت الست وإلا ما هو بلازم، صيام بعد قضاء رمضان وإلا ما هو بلازم، المهم القضاء تصوم بنية القضاء، وإن تيسر لها أن تصوم ستًا بعد ذلك من شوال فهذا خير إلى خير.

السؤال: بعض النساء تركب مع أصحاب سيارات صغيرة تسمى السوزوكي بمقعد واحد طوله متر تقريبًا وتكون ملاصقة للسائق وتركب بدون محرم فهل الأموال التي يكسبها هؤلاء السائقون حلال؟

الشيخ: إن كان سفر ما يجوز إلا بمحرم، وإن كان ما هو بسفر في البلد فلا بأس، لكن ما هناك خلوة ثنتين ثلاث ولا فيها شبهة .... وأما الملاصقة فلا تلاصقه تكون مستورة متحفظة، وإذا دعت إلى أن .... مع التستر والتحفظ فلا بأس...... لا يكون خلوة لأن الرسول قال: لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما وأما السفر فليس لها أن تسافر إلا مع محرم.

السؤال: شخص طلب من آخر أن يشري له مجموعًا من الأغنام لأنه لا يملك قيمتها فاشتراها له وأخذ عليه مكسب خمسين ريالًا على الواحدة فهل هذا جائز؟

الشيخ: هذا فيه تفصيل إن اشترى الغنم لنفسه وحفظها ثم باعها إليه لا بأس أما أن يشتريها له .... الدراهم ويأخذ من أكثرها هذا لا، لا يجوز أما إذا شراها لنفسه هو وملكها لنفسه ثم بعدين يبيع عليه أو على غيره بعدما يقبضها هذا جائز، أما يشتريها للذي وكله على حساب الذي وكله ويأخذ منه أكثر من الثمن هذا لا يجوز، لكن يشتريها لنفسه ويقبضها لنفسه ....... يبيع عليه أو على غيره.

وَمِنْ عُقُوبَاتِهَا: سُقُوطُ الْجَاهِ وَالْمَنْزِلَةِ وَالْكَرَامَةِ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ خَلْقِهِ، فَإِنَّ أَكْرَمَ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاهُمْ، وَأَقْرَبَهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَطْوَعُهُمْ لَهُ، وَعَلَى قَدْرِ طَاعَةِ الْعَبْدِ تَكُونُ لَهُ مَنْزِلَتُهُ عِنْدَهُ، فَإِذَا عَصَاهُ وَخَالَفَ أَمْرَهُ سَقَطَ مِنْ عَيْنِهِ، فَأَسْقَطَهُ مِنْ قُلُوبِ عِبَادِهِ، وَإِذَا لَمْ يَبْقَ لَهُ جَاهٌ عِنْدَ الْخَلْقِ وَهَانَ عَلَيْهِمْ عَامَلُوهُ عَلَى حَسْبِ ذَلِكَ، فَعَاشَ بَيْنَهُمْ أَسْوَأَ عَيْشٍ خَامِلَ الذِّكْرِ، سَاقِطَ الْقَدْرِ، زَرِيَّ الْحَالِ، لَا حُرْمَةَ لَهُ وَلَا فَرَحَ لَهُ وَلَا سُرُورَ، فَإِنَّ خُمُولَ الذِّكْرِ وَسُقُوطَ الْقَدْرِ وَالْجَاهِ جانب كُلُّ غَمٍّ وَهَمٍّ وَحَزَنٍ، وَلَا سُرُورَ مَعَهُ وَلَا فَرَحَ، وَأَيْنَ هَذَا الْأَلَمُ مِنْ لَذَّةِ الْمَعْصِيَةِ لَوْلَا سُكْرُ الشَّهْوَةِ؟

وَمِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ اللَّهِ عَلَى الْعَبْدِ: أَنْ يَرْفَعَ لَهُ بَيْنَ الْعَالَمِينَ ذِكْرَهُ، وَيُعْلِي قَدْرَهُ، وَلِهَذَا خَصَّ أَنْبِيَاءَهُ وَرُسُلَهُ مِنْ ذَلِكَ بِمَا لَيْسَ لِغَيْرِهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ ۝ إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ [ص:45، 46].

أَيْ: خَصَصْنَاهُمْ بِخِصِّيصَةٍ، وَهُوَ الذِّكْرُ الْجَمِيلُ الَّذِي يُذْكَرُونَ بِهِ فِي هَذِهِ الدَّارِ، وَهُوَ لِسَانُ الصِّدْقِ الَّذِي سَأَلَهُ إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حَيْثُ قَالَ: وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ [الشعراء:84].

وَقَالَ عَنْهُ وَعَنْ بَنِيهِ: وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا [مريم:50].

وَقَالَ لِنَبِيِّهِ ﷺ: وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ [الشرح:4].

فَأَتْبَاعُ الرُّسُلِ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنْ ذَلِكَ بِحَسَبِ مِيرَاثِهِمْ مِنْ طَاعَتِهِمْ وَمُتَابَعَتِهِمْ، وَكُلُّ مَنْ خَالَفَهُمْ فَإِنَّهُ بَعِيدٌ مِنْ ذَلِكَ بِحَسَبِ مُخَالَفَتِهِمْ وَمَعْصِيَتِهِمْ.

وَمِنْ عُقُوبَاتِهَا: أَنَّهَا تَسْلُبُ صَاحِبَهَا أَسْمَاءَ الْمَدْحِ وَالشَّرَفِ، وَتَكْسُوهُ أَسْمَاءَ الذَّمِّ وَالصَّغَارِ، فَتَسْلُبُهُ اسْمَ الْمُؤْمِنِ، وَالْبَرِّ، وَالْمُحْسِنِ، وَالْمُتَّقِي، وَالْمُطِيعِ، وَالْمُنِيبِ، وَالْوَلِيِّ، وَالْوَرِعِ، وَالصَّالِحِ، وَالْعَابِدِ، وَالْخَائِفِ، وَالْأَوَّابِ، وَالطَّيِّبِ، وَالْمَرَضِيِّ وَنَحْوِهَا.

وَتَكْسُوهُ اسْمَ الْفَاجِرِ، وَالْعَاصِي، وَالْمُخَالِفِ، وَالْمُسِيءِ، وَالْمُفْسِدِ، وَالْخَبِيثِ، وَالْمَسْخُوطِ، وَالزَّانِي، وَالسَّارِقِ، وَالْقَاتِلِ، وَالْكَاذِبِ، وَالْخَائِنِ، وَاللُّوطِيِّ، وَقَاطِعِ الرَّحِمِ، وَالْغَادِرِ وَأَمْثَالِهَا. فَهَذِهِ أَسْمَاءُ الْفُسُوقِ وَ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ [الحجرات:11] الَّذِي يُوجِبُ غَضَبَ الدَّيَّانِ، وَدُخُولَ النِّيرَانِ، وَعَيْشَ الْخِزْيِ وَالْهَوَانِ.

وَتِلْكَ أَسْمَاءٌ تُوجِبُ رِضَاءَ الرَّحْمَنِ، وَدُخُولَ الْجِنَانِ، وَتُوجِبُ شَرَفَ الْمُسَمَّى بِهَا عَلَى سَائِرِ أَنْوَاعِ الْإِنْسَانِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي عُقُوبَةِ الْمَعْصِيَةِ إِلَّا اسْتِحْقَاقُ تِلْكَ الْأَسْمَاءِ وَمُوجِبَاتِهَا لَكَانَ فِي الْعَقْلِ نَاهٍ عَنْهَا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي ثَوَابِ الطَّاعَةِ إِلَّا الْفَوْزُ بِتِلْكَ الْأَسْمَاءِ وَمُوجِبَاتِهَا لَكَانَ فِي الْعَقْلِ آمِرٌ بِهَا، وَلَكِنْ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَى اللَّهُ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعَ، وَلَا مُقَرِّبَ لِمَا بَاعَدَ، وَلَا مُبْعِدَ لِمَنْ قَرَّبَ، وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ [الحج:18]

وَمِنْ عُقُوبَاتِهَا: أَنَّهَا تُؤَثِّرُ بِالْخَاصَّةِ فِي نُقْصَانِ الْعَقْلِ، فَلَا تَجِدُ عَاقِلَيْنِ أَحَدُهُمَا مُطِيعٌ لِلَّهِ وَالْآخَرُ عَاصٍ، إِلَّا وَعَقْلُ الْمُطِيعِ مِنْهُمَا أَوْفَرُ وَأَكْمَلُ، وَفِكْرُهُ أَصَحُّ، وَرَأْيُهُ أَسَدُّ، وَالصَّوَابُ قَرِينُهُ.

وَلِهَذَا تَجِدُ خِطَابَ الْقُرْآنِ إِنَّمَا هُوَ مَعَ أُولِي الْعُقُولِ وَالْأَلْبَابِ، كَقَوْلِهِ: وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ [البقرة:197]، وَقَوْلِهِ: فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة:100]، وَقَوْلِهِ: وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ [البقرة:269]، وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ.

وَكَيْفَ يَكُونُ عَاقِلًا وَافِرَ الْعَقْلِ مَنْ يَعْصِي مَنْ هُوَ فِي قَبْضَتِهِ وَفِي دَارِهِ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَرَاهُ وَيُشَاهِدُهُ فَيَعْصِيهِ وَهُوَ بِعَيْنِهِ غَيْرُ مُتَوَارٍ عَنْهُ، وَيَسْتَعِينُ بِنِعَمِهِ عَلَى مَسَاخِطِهِ، وَيَسْتَدْعِي كُلَّ وَقْتٍ غَضَبَهُ عَلَيْهِ، وَلَعْنَتَهُ لَهُ، وَإِبْعَادَهُ مِنْ قُرْبِهِ، وَطَرْدَهُ عَنْ بَابِهِ، وَإِعْرَاضَهُ عَنْهُ، وَخِذْلَانَهُ لَهُ، وَالتَّخْلِيَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ وَعَدُوِّهِ، وَسُقُوطَهُ مِنْ عَيْنِهِ، وَحِرْمَانَهُ رُوحَ رِضَاهُ وَحُبَّهُ، وَقُرَّةَ الْعَيْنِ بِقُرْبِهِ، وَالْفَوْزَ بِجِوَارِهِ، وَالنَّظَرَ إِلَى وَجْهِهِ فِي زُمُرَةِ أَوْلِيَائِهِ.

الشيخ: الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

فبين المؤلف ابن القيم رحمه الله آفات المعاصي وما يترتب عليها من الشرور فالمعاصي شرها عظيم وعواقبها وخيمة فهي تسقط العبد من عين الله كلما .... معاصيه هان على الله وسقطت منزلته عنده وصار قريبًا من الشر بعيدًا من الخير إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13] فمن فارق التقوى سقط من عين الله وبعد من رحمته، وهكذا أيضًا يسقط من أعين الناس من أعين أهل الخير والإيمان وتضعف منزلته وكلما زاد في المعاصي سقط من عين الله ومن عين عباده المؤمنين وأكسبه ذلك ذلًا وهوانًا يلازمه ما دام بهذه الحالة، وربما أفضى ذلك إلى قسوة قلبه وانتكاسته حتى يختار الكفر على الإيمان والنفاق على الإسلام، ولا حول ولا قوة إلا بالله. 

فجميع البلاوي والمحن مترتبة على المعاصي والشرور كلما زاد في المعاصي زاد الشر، وزاد بعده من الخير وقربه من الشر وسقوطه من عين الله وسقوط من أعين المخلوقين من المؤمنين وكراهتهم له بسبب أعماله الخبيثة ويستبدل بعد الإيمان اسم الفسق والعصيان والكذب والفجور والبغي إلى غير هذا من الأسماء القبيحة، فجدير بالمؤمن أن يحذر هذه الأسماء يحذر هذه المعاصي ويبتعد عنها حتى لا يصاب بشرها وإثمها وعواقبها والوخيمة، فالله خلق عباده ليعبدوه وأمرهم بطاعته ورفع ذكرهم بذلك، وكلما زاد العبد في طاعة الله رفع الله ذكره وأعلا قدره وجعل له لسان صدق في العالمين، وكلما تباعد عن طاعة الله واستكثر من المعاصي صار ذلك بالضد وصار له لسان شر في العالمين وسمعة سيئة وبعد من الخير وقرب من أهل الشر وصار على خطر عظيم، نسأل الله العافية. 

فالطاعات والعبادات إنما يتذكر بها ويعتني بها أولو الألباب أولو العقول السليمة ذوو اللب الصحيح الذي يفهم ويعقل فكلما انتكس الإنسان في المعاصي ضعف عقله وضعف لبه وغلب عليه الهوى، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فالحزم والكيس، والجدير بالعاقل البعد عن معاصي الله والحذر منها، .... في طاعة الله والاستقامة على دينه والتواصي بالحق، هذا هو طريق النجاة وطريق العزة في الدنيا والآخرة، رزق الله الجميع التوفيق والهداية.

السؤال: أنا شخص أخبرني الطبيب بعد فحص أن لدي ضيقًا خلقيًا في فتحة المثانة وذلك يؤدي إلى عدم إفراغ المثانة كليًا من البول أثناء التبول، مع العلم أنه ليس كسلس البول، فما يحدث هو أنني أشعر بخروج نقط صغيرة من البول وذلك بعد الاستنجاء، وأحيانًا بعد الوضوء، وأحيانًا كثيرة في أثناء الصلاة في بدايتها حيث إنه مع الركوع والسجود يزيد الضغط على المثانة فيخرج البول، وحتى إذا لم يخرج البول فإن الأوهام تكثر ويختلط عليّ الأمر فلا أدري عن خروج البول من عدمه، فما حكم صلاتي، وهل حكمي كمن عنده سلس؟

الشيخ: الواجب عليك الحذر من الوسواس وأن .... الطهارة حتى تعلم يقينًا أنه خرج منك شيء لأنك متى وسوست زاد عليك الشر وحصل لك القلق ولم تستقر لك نفسك، فالواجب عليك مثل ما قال ﷺ: "حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا" تستمر في صلاتك، والاعتقاد بالطهارة حتى تعلم يقينًا أنه خرج منك شيء، فعند ذلك تعيد الاستنجاء والوضوء، وإلا فالأصل السلامة.

السؤال: خطبت ابنة عمتي ولكن أخاها الصغير راضع من والدتي، فهل يجوز أن أتزوجها أم لا؟ وهل يجوز لأخيها الكبير أن يتزوج من أخواتي أم لا؟

الشيخ: رضاع أخاها الصغير ما يمنعك من زواجها إذا كنت ما رضعت من أمها ولا من أخواتها ولا من إخوانها فهي حل لك، إرضاع أخيك الصغير من أمها ما يحرمها عليك يحرمها عليه هو إذا رضع رضاعًا تامًا خمس مرات أو أكثر في الحولين صارت أخته أما أنت لا.

السؤال: هل الدم نجس؟ وهل إذا جرح الإنسان جرحًا بسيطًا وخرج دم يسير هل ينقض وضوءه؟

الشيخ: الدم يعفا عن يسيره الجراحات اليسيرة .. ومثل الرعاف القليل يعفا عنه.

السؤال: هل هناك كراهة في النوم بعد العصر؟

الشيخ: لا ما فيها دليل، لا دليل عليها.

السؤال: ما معنى هذه العبارة: (إن الله بعث محمدًا هاديًا ولم يبعثه جابيًا)؟

الشيخ: يعني بعثه للدعوة ما بعثه لجلب المال، وأخذ المال...... فالزكاة ما هي له؛ للفقراء والمحاويج، الله بعثه هاديًا وداعيًا إلى الحق، ولم يبعثه ليجبي أموال الناس، عليه الصلاة والسلام.

.

الشيخ: الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

أما بعد:

فقد وضح المؤلف رحمه الله شيئًا مما يترتب على المعاصي مما يبعد العبد عن الله ويقربه من غضبه وعقابه ويكسب الوحشة بينه وبين ربه والوحشة بين الأخيار من عباد الله، وكلما زادت المعاصي زادت الوحشة والبعد من الله والبعد من رحمته والقرب من أولياء الشيطان، فالواجب على العبد أن يحذر ذلك، وأن يجتهد في التوبة إلى الله من سائر المعاصي، وأن يحذر الركون إلى الشيطان وموالاته في طاعته فيما حرم الله ، وأن يسأل ربه العون والتوفيق حتى يدع ما حرم الله عليه، وحتى يبتعد من ولاية الشيطان ومحبته إلى ولاية الله ومحبته والقيام بحقه .

فأنت إما ولي للشيطان وإما ولي للرحمن، وإما فيك خصال من هنا ومن هنا مبعض، فالواجب أن تجاهد نفسك حتى تكون من أولياء الرحمن بعيدًا عن ولاية الشيطان، وكلما زادت المعاصي زاد قربك من الشيطان وولايته، وكلما زادت الطاعات وقلت المعاصي زاد قربك من الله ومن ولايته، والله يقول سبحانه: أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62] الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63] وقال سبحانه: وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ [الأنفال:34]. 

فهؤلاء هم أولياء الله أهل الإيمان والتقوى والاستقامة على الحق، فاحذر أن تكون ضدهم، وجاهد نفسك في ترك المعاصي التي تقربك من الشيطان وتباعدك من أولياء الرحمن، فالعبد متى فكر عرف أنه غلطان، هذا الرب الذي خلقك وأوجدك وغذاك بالنعم وأعطاك العقل وأعطاك السمع والبصر وأعطاك القوة وأعطاك الأسباب وبعث لك الرسول وأنزل لك الكتاب فجدير بأن تعبده وتطيع أوامره وأن تنتهي عن نواهيه .. فكيف يرضى عاقل أن يوالي أعداء الله وأن يدع ولاية الذي خلقه وأوجده وغذاه بالنعم أين النور وأين العقل؟ ولهذا يقول جل وعلا: وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ [البقرة:269]

فالتذكر لأولي الألباب لأولي العقول، وأغلب الناس لا عقل له، عقله مع شهواته ودنياه، لا عقل له فيما ينفعه في الآخرة فيما يرضي الله عنه فيما يقربه إلى الله فيما خلق له: هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [إبراهيم:52] وقال سبحانه: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ [آل عمران:190] إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ [الرعد:19] فاللب العقل فاحرص أن تستعمل هذا العقل، وأن تستفيد منه فيما خلقت له، فيما أمرت به، واحذر أن تلغيه وترضي لنفسك مشابهة البهائم مع الشهوات والهوى، نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق.

السؤال: رجل حصل على شهادة علمية وقد كان غش في الامتحانات الخاصة بهذه الشهادة، كما أنه قدم شهادة مرضية مزورة كي يدخل الامتحان في إحدى سنوات هذه الشهادة، وهو الآن يعمل في إحدى الوظائف بهذه الشهادة، فما حكم راتبه أحلال أم حرام؟ علمًا بأن العمل بهذه الوظيفة قد تم بعد اختبار شفوي ونجح فيه، ولكن من شروط الوظيفة التقدم بهذه الشهادة العلمية؟

الشيخ: هذا منكر وغلط ويجب عليه التوبة إلى الله، وأن لا يقدم شهادته من الغش أو المزورة هذا منكر عليه التوبة إلى الله جل وعلا، وما دام قبل في الوظيفة وقام بواجبها واعتنى بها فلا حرج عليه في ذلك لا يفضح نفسه ويستمر ويقوم بالواجب إن أدى واجب الوظيفة فالحمد لله، وعليه التوبة إلى الله والندم والعزم على عدم العودة.

السؤال: إذا كان الرجل خادمًا في مسجد من قبل الأوقاف ويعطى راتبًا لتنظيف المسجد فهل يجوز أن يأتي بعامل لتنظيف دورات المياه بجزء من الراتب؟

الشيخ: يتفق مع الجهات المسؤولة فلا بأس، يتفق مع الجهة المسؤولة ويكفي إذا سمحت..

السؤال: هل يجوز أن تكون العصمة في يد المرأة إذا اشترطت ذلك ووافقها الرجل عليه، وما الدليل؟

الشيخ: في أول العقد لا، العصمة بيد الرجال، قوامون على النساء، أما بعد ذلك إن علق الطلاق على فعلها أو على اختيارها فلا بأس، لقول النبي ﷺ: المسلمون على شروطهم وقوله ﷺ: إن أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج لكن الطلاق بيد ... الزواج، فإذا وكلها بطلاق نفسها أو معلقة الطلاق على فعلها إن خرجتِ أو إن كلمت فلان وقت إذا أراد الطلاق.

السؤال: ما حكم قولي ربنا ولك الحمد والشكر بعد الرفع من الركوع وقول: رب اغفر لي ولوالدي بين السجدتين؟

الشيخ: يكفي ربنا ولك الحمد وزيادة الشكر ما جاءت في النصوص، لكن لا تضر إن زادها فهي بمعنى الحمد، لكن الأفضل الاقتصار على ما ورد ربنا ولك الحمد حمدًا كثيرًا.. وزيادة والشكر تركها أولى لأنها غير واردة في الأحاديث لكن معناها صحيح له الحمد وله الشكر جل وعلا، وإذا قال بين السجدتين: ربي اغفر لي ولوالدي وللمسلمين، اللهم اغفر لي ولجميع المسلمين، رب اغفر لي وارحمني كلها لا بأس بها، هذا دعاء.

وَمِنْ عُقُوبَاتِهَا: أَنَّهَا تَمْحَقُ بَرَكَةَ الْعُمُرِ، وَبَرَكَةَ الرِّزْقِ، وَبَرَكَةَ الْعِلْمِ، وَبَرَكَةَ الْعَمَلِ، وَبَرَكَةَ الطَّاعَةِ.

وَبِالْجُمْلَةِ أَنَّهَا تَمْحَقُ بَرَكَةَ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، فَلَا تَجِدُ أَقَلَّ بَرَكَةٍ فِي عُمُرِهِ وَدِينِهِ وَدُنْيَاهُ مِمَّنْ عَصَى اللَّهَ، وَمَا مُحِقَتِ الْبَرَكَةُ مِنَ الْأَرْضِ إِلَّا بِمَعَاصِي الْخَلْقِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ [الأعراف:96].

وَقَالَ تَعَالَى: وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا ۝ لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ [الجن:16، 17].

وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ.

وَفِي الْحَدِيثِ: إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رُوعِي أَنَّهُ لَنْ تَمُوتَ نَفْسٌ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، فَإِنَّهُ لَا يُنَالُ مَا عِنْدَ اللَّهِ إِلَّا بِطَاعَتِهِ، وَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الرَّوْحَ وَالْفَرَحَ فِي الرِّضَى وَالْيَقِينِ، وَجَعَلَ الْهَمَّ وَالْحُزْنَ فِي الشَّكِّ وَالسُّخْطِ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ الْأَثَرُ الَّذِي ذَكَرَهُ أَحْمَدُ فِي كِتَابِ الزُّهْدِ: "أَنَا اللَّهُ، إِذَا رَضِيتُ بَارَكْتُ، وَلَيْسَ لِبَرَكَتِي مُنْتَهًى، وَإِذَا غَضِبْتُ لَعَنْتُ، وَلَعْنَتِي تُدْرِكُ السَّابِعَ مِنَ الْوَلَدِ".

وَلَيْسَتْ سَعَةُ الرِّزْقِ وَالْعَمَلِ بِكَثْرَتِهِ، وَلَا طُولُ الْعُمُرِ بِكَثْرَةِ الشُّهُورِ وَالْأَعْوَامِ، وَلَكِنَّ سَعَةَ الرِّزْقِ وَطُولَ الْعُمُرِ بِالْبَرَكَةِ فِيهِ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ عُمْرَ الْعَبْدِ هُوَ مُدَّةُ حَيَاتِهِ، وَلَا حَيَاةَ لِمَنْ أَعْرَضَ عَنِ اللَّهِ وَاشْتَغَلَ بِغَيْرِهِ، بَلْ حَيَاةُ الْبَهَائِمِ خَيْرٌ مِنْ حَيَاتِهِ، فَإِنَّ حَيَاةَ الْإِنْسَانِ بِحَيَاةِ قَلْبِهِ وَرُوحِهِ، وَلَا حَيَاةَ لِقَلْبِهِ إِلَّا بِمَعْرِفَةِ فَاطِرِهِ، وَمَحَبَّتِهِ، وَعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ، وَالْإِنَابَةِ إِلَيْهِ، وَالطُّمَأْنِينَةِ بِذِكْرِهِ، وَالْأُنْسِ بِقُرْبِهِ، وَمَنْ فَقَدَ هَذِهِ الْحَيَاةَ فَقَدَ الْخَيْرَ كُلَّهُ، وَلَوْ تَعَوّضَ عَنْهَا بِمَا تَعَوَّضَ مِمَّا فِي الدُّنْيَا، بَلْ لَيْسَتِ الدُّنْيَا بِأَجْمَعِهَا عِوَضًا عَنْ هَذِهِ الْحَيَاةِ، فَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ يَفُوتُ الْعَبْدَ عِوَضٌ، وَإِذَا فَاتَهُ اللَّهُ لَمْ يُعَوِّضْ عَنْهُ شَيْءٌ الْبَتَّةَ.

وَكَيْفَ يُعَوَّضُ الْفَقِيرُ بِالذَّاتِ عَنِ الْغَنِيِّ بِالذَّاتِ، وَالْعَاجِزُ بِالذَّاتِ عَنِ الْقَادِرِ بِالذَّاتِ، وَالْمَيِّتُ عَنِ الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، وَالْمَخْلُوقُ عَنِ الْخَالِقِ، وَمَنْ لَا وُجُودَ لَهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ ذَاتِهِ الْبَتَّةَ عَمَّنْ غِنَاهُ وَحَيَاتُهُ وَكَمَالُهُ وَوُجُودُهُ وَرَحْمَتُهُ مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهِ؟ وَكَيْفَ يُعَوَّضُ مَنْ لَا يَمْلِكُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ عَمَّنْ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ.

وَإِنَّمَا كَانَتْ مَعْصِيَةُ اللَّهِ سَبَبًا لِمَحْقِ بَرَكَةِ الرِّزْقِ وَالْأَجَلِ، لِأَنَّ الشَّيْطَانَ مُوَكَّلٌ بِهَا وَبِأَصْحَابِهَا، فَسُلْطَانُهُ عَلَيْهِمْ، وَحَوَالَتُهُ عَلَى هَذَا الدِّيوَانِ وَأَهْلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَكُلُّ شَيْءٍ يَتَّصِلُ بِهِ الشَّيْطَانُ وَيُقَارِنُهُ، فَبَرَكَتُهُ مَمْحُوقَةٌ، وَلِهَذَا شُرِعَ ذِكْرُ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاللُّبْسِ وَالرُّكُوبِ وَالْجِمَاعِ لِمَا فِي مُقَارَنَةِ اسْمِ اللَّهِ مِنَ الْبَرَكَةِ، وَذِكْرُ اسْمِهِ يَطْرُدُ الشَّيْطَانَ فَتَحْصُلُ الْبَرَكَةُ وَلَا مُعَارِضَ لَهُ، وَكُلُّ شَيْءٍ لَا يَكُونُ لِلَّهِ فَبَرَكَتُهُ مَنْزُوعَةٌ، فَإِنَّ الرَّبَّ هُوَ الَّذِي يُبَارِكُ وَحْدَهُ، وَالْبَرَكَةُ كُلُّهَا مِنْهُ، وَكُلُّ مَا نُسِبَ إِلَيْهِ مُبَارَكٌ، فَكَلَامُهُ مُبَارَكٌ، وَرَسُولُهُ مُبَارَكٌ، وَعَبْدُهُ الْمُؤْمِنُ النَّافِعُ لِخَلْقِهِ مُبَارَكٌ، وَبَيْتُهُ الْحَرَامُ مُبَارَكٌ، وَكِنَانَتُهُ مِنْ أَرْضِهِ، وَهِيَ الشَّامُ أَرْضُ الْبَرَكَةِ، وَصَفَهَا بِالْبَرَكَةِ فِي سِتِّ آيَاتٍ مِنْ كِتَابِهِ، فَلَا مُبَارِكَ إِلَّا هُوَ وَحْدَهُ، وَلَا مُبَارَكَ إِلَّا مَا نُسِبَ إِلَيْهِ، أَعْنِي إِلَى أُلُوهِيَّتِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَرِضَاهُ، وَإِلَّا فَالْكَوْنُ كُلُّهُ مَنْسُوبٌ إِلَى رُبُوبِيَّتِهِ وَخَلْقِهِ، وَكُلُّ مَا بَاعَدَهُ مِنْ نَفْسِهِ مِنَ الْأَعْيَانِ وَالْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ فَلَا بَرَكَةَ فِيهِ، وَلَا خَيْرَ فِيهِ، وَكُلُّ مَا كَانَ مِنْهُ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ فَفِيهِ مِنَ الْبَرَكَةِ عَلَى حَسَبِ قُرْبِهِ مِنْهُ.

وَضِدُّ الْبَرَكَةِ اللَّعْنَةُ؛ فَأَرْضٌ لَعَنَهَا اللَّهُ أَوْ شَخْصٌ لَعَنَهُ اللَّهُ أَوْ عَمَلٌ لَعَنَهُ اللَّهُ أَبْعَدُ شَيْءٍ مِنَ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ، وَكُلَّمَا اتَّصَلَ بِذَلِكَ وَارْتَبَطَ بِهِ وَكَانَ مِنْهُ بِسَبِيلٍ فَلَا بَرَكَةَ فِيهِ الْبَتَّةَ.

وَقَدْ لَعَنَ عَدُوَّهُ إِبْلِيسَ وَجَعَلَهُ أَبْعَدَ خَلْقِهِ مِنْهُ، فَكُلُّ مَا كَانَ جِهَتَهُ فَلَهُ مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ بِقَدْرِ قُرْبِهِ وَاتِّصَالِهِ بِهِ، فَمِنْ هَاهُنَا كَانَ لِلْمَعَاصِي أَعْظَمُ تَأْثِيرٍ فِي مَحْقِ بَرَكَةِ الْعُمُرِ وَالرِّزْقِ وَالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَكُلُّ وَقْتٍ عَصَيْتَ اللَّهَ فِيهِ، أَوْ مَالٍ عُصِيَ اللَّهُ بِهِ، أَوْ بَدَنٍ أَوْ جَاهٍ أَوْ عِلْمٍ أَوْ عَمَلٍ فَهُوَ عَلَى صَاحِبِهِ لَيْسَ لَهُ، فَلَيْسَ لَهُ مِنْ عُمُرِهِ وَمَالِهِ وَقُوَّتِهِ وَجَاهِهِ وَعِلْمِهِ وَعَمَلِهِ إِلَّا مَا أَطَاعَ اللَّهَ بِهِ.

وَلِهَذَا مِنَ النَّاسِ مَنْ يَعِيشُ فِي هَذِهِ الدَّارِ مِائَةَ سَنَةٍ أَوْ نَحْوَهَا، وَيَكُونُ عُمُرُهُ لَا يَبْلُغُ عِشْرِينَ سَنَةً أَوْ نَحْوَهَا، كَمَا أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَمْلِكُ الْقَنَاطِيرَ الْمُقَنْطَرَةَ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَيَكُونُ مَالُهُ فِي الْحَقِيقَةِ لَا يَبْلُغُ أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ نَحْوَهَا، وَهَكَذَا الْجَاهُ وَالْعِلْمُ.

وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْهُ ﷺ: الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ، مَلْعُونٌ مَا فِيهَا، إِلَّا ذِكْرُ اللَّهِ وَمَا وَالَاهُ، أَوْ عَالِمٌ أَوْ مُتَعَلِّمٌ.

وَفِي أَثَرٍ آخَرَ: الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إِلَّا مَا كَانَ لِلَّهِ فَهَذَا هُوَ الَّذِي فِيهِ الْبَرَكَةُ خَاصَّةً، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.

الشيخ: الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

أما بعد:

فهذه النصوص والآثار كلها تدل على أن المعاصي في الجملة من أسباب محق البركة من الأعمار والأرزاق والعلم والعمل، فجدير بالعاقل أن يحذرها فإن الله جل وعلا جعل حياة العبد في طاعة ربه والقيام بحقه والأنس به والشوق إليه ومحبته، فإذا خلا القلب من ذلك وصار مع المعاصي والمخالفة لأمره محقت بركة العمر وبركة الحياة وبركة الأرزاق لأنها صرفت لغير ما رضي به ، وتصرف فيما يضر العبد ثم هو بسبب هذه المعاصي لا ينفك من التفريط والهم والحزن والغم فيتسلى عنه بالأشياء الباطلة مما حرم الله. 

فالواجب على المؤمن أن يأخذ حذره وأن يبتعد عن المعاصي كلها.. فلا يقول هذه أسهل من هذه بل يجب أن يحذر من جميع المعاصي: من الزنا، من شرب المسكر، من العقوق، من قطيعة الرحم، من أكل الربا، الغيبة، النميمة، من سائر المعاصي هكذا المؤمن يحاسب نفسه ويجاهدها حتى ينجو من هذه المعاصي وحتى يتم إيمانه ويقوى إيمانه وحتى يأنس بالله ويؤدي حقه، فهذه الحياة هي دار العمل وأنت مخلوق للعمل: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] فالعبادة هي طاعة الله ورسوله هي توحيد الله والإخلاص له، هي فعل أوامره وترك نواهيه، أنت مخلوق له، والرسل بعثوا لهذا قال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36] يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة:21]. 

فالمؤمن يأخذ حذره لنفسه ويأخذ حذره من جهة عدم كتمان العلم، عليه أن يبلغ الناس، يبلغ أهل بيته، يبلغ جيرانه، يبلغ جلساءه حسب ما عنده من العلم حتى يأخذوا حذرهم من كسب السيئات أو الإصرار عليها فإن عاقبتها وخيمة، ثم إذا حاسب نفسه وجاهدها استمر في الطاعات وحذر من المعاصي وصارت أعماله كلها.... وتصرفاته كلها مفيدة، ويبارك الله تعالى في العمر وفي الحياة وفي الرأي وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا [الطلاق:2] وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ [الطلاق:3] وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق:4] وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا [الطلاق:5] إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا [الأنفال:29] يعني نورًا وبصيرة.

فجدير بالمؤمن أن يحاسب نفسه وأن يجاهدها وهكذا المؤمنة بترك ما نهى الله عنه وفعل ما أمر الله به ولا يقول هذا كذا أو كذا لا، يجاهد نفسه .... لا يقول أنا ما أستطيع هذا هذا كذا لا، يجاهد نفسه .. يجاهدها جهادًا كبيرًا قال تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت:69] فإذا رأى من الكسل في الذهاب إلى الصلاة في جماعة فيجاهد نفسه، إذا رأى منه وجود الغيبة والنميمة والكلام في أعراض الناس جاهدها إذا رأى منها ميلًا للتعاملات الربوية أو المعاملات الباطلة جاهدها حتى تدعه..... وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [الرحمن:46] إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ [الملك:12] فالذي يخشى الله صادقًا يعينه الله على جهاد نفسه، وفق الله الجميع.

السؤال: أنا أكثر من قولي: بسم الله والصلاة والسلام على الحبيب على كل شيء فهل في ذلك حرج؟

الشيخ: يقول: اللهم صلى على عبد الله وعلى رسوله، على محمد عبد الله ورسوله في أي وقت، تصلي على نبيك عند سماع ذكره في بيتك في الطريق في صلاتك في التحيات في دعائك في السجود ..... مع ذكر الله وتسبيحه وتحميده إلا مواضع قضاء الحاجة .....

السؤال: يقول: ثبت عن النبي ﷺ أن الراعي أخذ شاته من الذئب فقال الذئب له: عمدت إلى رزق رزقنيه الله أخذته فأخذته مني، فمن لها يوم السبع يوم لا راعي لها غيري، فما معنى هذا الكلام؟

الشيخ: هذا يخبر النبي ﷺ عن حادثة أن الذئب أخذ شاة فأدركه الراعي فأخذها منه وجعل يتكلم إلى الرجل: أخذتها مني من لها يوم السبع يوم لا راعي لها غيري، فهذا يشير به إلى ..... وقت سوق الناس إلى محشرهم وتعطيل المواشي فلا يبق حولها إلا الذئاب، يعني أن الله قد ينطق الذئب كما أنطق البقرة لما قالت إني لم أخلق لهذا، المقصود أن الله أنطقه وقال هذا الكلام، وسوف يكون له أوقات يتولاها يتولى الغنم وليس عندها رعاة بسبب سوق الناس إلى محشرهم، وقد يقع هذا أيضًا في أوقات تكون الغنم ليس معها رعاة .. الراعي عرض له عارض أو نام وتركها وراحت في البر أو لأسباب أخرى، المقصود أنه توعده.

السؤال: رجل أكل لحم بعير ولم يتوضأ مع علمه بالحكم وتوفر الماء فهل تبطل صلاته؟

الشيخ: نعم، النبي ﷺ أمر بالوضوء من لحوم الإبل، وقال: توضؤوا من لحوم الإبل ولا توضؤوا من لحوم الغنم .. فالذي يصلي وقد أكل لحم الإبل يعيد الصلاة إذا كان ما توضأ هذا هو المشروع.

السؤال: قرأت في أحد الكتب في شرح الأربعين النووية كلامًا هذا نصه: اللهم إني كتبتني شقيًا فامحني واكتبني سعيدًا، فما صحة هذا الدعاء؟

الشيخ: هذا يروى عن ابن عمر ولكن ليس له أصل في الأحاديث الصحيحة فإن من كتب شقاؤه مات شقيًا ومن كتبت سعادته مات سعيدًا، فالله جل وعلا يوفق من كتب سعيدًا بعمله ومن كتب شقيًّا .... بعمل الشر قال تعالى: إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ۝ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ۝ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ۝ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ۝ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى ۝ وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ۝ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى [الليل:10] ويقول النبي ﷺ: اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما أهل السعادة فسييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فسييسرون لعمل أهل الشقاوة. رفع القلم.......

السؤال: إذا صلى رجل ثم تبين له أن صلاته إلى غير القبلة فهل يعيد تلك الصلاة مع الدليل والتفصيل؟

الشيخ: إن كان في البلد يعيد، وإن كان في البر واجتهد فلا يعيد الصلاة، إن كان في البر واجتهد إلى جهة القبلة .... ثم صلى باجتهاده ثم تبين له أنه مخطي ما عليه إعادة، فاتقوا الله ما استطعتم، أما إن كان في البلد لا يتساهل يسأل عن القبلة .....