27 من حديث: (سمّ اللَّه وكل بيمينك وكل مما يليك)

كتاب أدب الطعام

100- باب التسمية في أوله والحمد في آخره

1/727- عن عُمَرَ بنِ أَبي سلَمَة رضي اللَّه عنهما قَالَ: قَالَ لي رسولُ اللَّه ﷺ: سَمِّ اللَّه، وكُلْ بِيَمِينكَ، وكُلْ مِمَّا يَلِيكَ متفقٌ عَلَيهِ.

2/728- وعن عَائشة رضي اللَّه عنها قالَتْ: قالَ رسولُ اللَّه ﷺ: إِذَا أكَلَ أَحَدُكُمْ فَليَذْكُر اسْمَ اللَّه تَعَالَى، فإنْ نَسِيَ أَنْ يَذْكُرَ اسْمَ اللَّه تَعَالَى في أَوَّلِهِ فَلْيَقُلْ: بِسْمِ اللَّه أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ رواه أَبُو داود، والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

3/729- وعن جابِرٍ قال: سَمِعتُ رسولَ اللَّه يقولُ: إِذا دَخَلَ الرَّجُل بيْتَهُ فَذَكَرَ اللَّه عِنْد دُخُولهِ وعِنْدَ طَعامِهِ قَالَ الشَّيْطانُ لأَصحَابِهِ: لا مبيتَ لَكُمْ وَلا عشَاءَ، وَإِذَا دخَل فَلَم يَذكُر اللَّه تَعَالى عِنْد دخُولِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ: أَدْركتمُ المَبِيتَ، وإِذا لَم يَذْكُرِ اللَّه تعَالى عِنْد طَعامِهِ قَالَ: أَدْركْتُمُ المبيتَ وَالعَشاءَ رواه مسلم.

4/730- وعن حُذَيْفَةَ قَالَ: كنَّا إِذا حضَرْنَا مَعَ رسولِ اللَّه ﷺ طَعَامًا لَم نَضَعْ أَيدِينَا حتَّى يَبْدأَ رسولُ اللَّه ﷺ فَيَضَع يدَه، وَإِنَّا حَضَرْنَا معهُ مَرَّةً طَعامًا، فجاءَت جارِيَةٌ كأَنَّهَا تُدْفَعُ، فَذَهَبتْ لتَضعَ يَدهَا في الطَّعامِ فَأَخَذَ رسولُ اللَّه ﷺ بِيَدِهَا، ثُمَّ جَاءَ أَعْرابِيٌّ كأَنَّمَا يُدْفَعُ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ، فَقَالَ رسولُ اللَّه ﷺ: إِنَّ الشَّيْطانَ يَسْتَحِلُّ الطَّعامَ أَنْ لا يُذْكَرَ اسمُ اللَّه تَعَالى عَلَيْهِ، وإِنَّهُ جاءَ بهذهِ الجارِيةِ لِيَسْتَحِلَّ بِها، فَأَخَذْتُ بِيَدِهَا، فَجَاءَ بهذا الأَعْرَابِيِّ لِيَسْتَحِلَّ بِهِ، فَأَخَذْتُ بِيدِهِ، والَّذِي نَفسي بِيَدِهِ، إِنَّ يدَهُ في يَدي مَعَ يَدَيْهِما، ثُمَّ ذَكَرَ اسم اللَّهِ وأَكَل. رواه مسلم.

الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد: فهذه الأحاديث فيها بيان آداب الطعام: أكلًا وشربًا وبدءًا ونهايةً، والشريعة الإسلامية جاءت بكل خيرٍ، جاءت بكل شيءٍ، ودعت إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، وفي آداب الطعام والشراب، والوضوء والغسل، والنوم واليقظة، والسفر والإقامة، وغير ذلك، كلها جاءت مبينة في الأحاديث الصحيحة، وفي بعض الآيات القرآنية، ومن ذلك: التسمية عند الطعام بدءًا، والحمد عند النهاية.

حديث عمر بن أبي سلمة ربيب النبي ﷺ، أمه أم سلمة، قال له النبي: يا غلام، سَمِّ الله، وكُلْ بيمينك، وكُلْ مما يليك، كانت تطيش يده في الصحفة، فأخذ النبي بيده وقال: سَمِّ الله، وكُلْ بيمينك، وكُلْ مما يليك، هذا من الآداب العظيمة: يُسمي الله، ويأكل بيمينه، ويأكل مما يليه، لا يذهب إلى ما يلي الناس.

كذلك التَّسمية عند الأكل مثلما في حديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي كان يأمر بالتسمية عند الطعام -عند بدء الطعام- كل ذلك مما يحفظ به الطعام من ..... الشيطان، ويتأدب به مع الله في البداءة باسمه، الذي مَنَّ بالطعام وتفضَّل به .

وهكذا حديث جابر: أن الشيطان إذا دخل الإنسانُ بيته ليلًا ولم يُسمِّ الله قال: "أدركتُم المبيت"، يقول لأصحابه الشياطين، وإذا لم يُسمِّ الله عند الأكل قال: "أدركتُم المبيت والعشاء جميعًا"، وإذا ذكر الله عند الدخول قال: "فاتكم المبيت"، وهكذا إذا ذكر الله عند طعامه وعند دخوله قال الشيطانُ لأصحابه الآخرين: "فاتكم المبيت والعشاء"، وإذا غفل قال: "أدركتم المبيت والعشاء".

فينبغي للمؤمن أن يكون حريصًا على ذكر الله ..... في دخوله وخروجه، وقيامه وقعوده، وسفره وإقامته، وأكله وشربه؛ لأنه يحصل له بذلك الخير والسلامة من الشرِّ، وعند الفراغ يحمد الله ويُثني عليه ، في الحديث الصحيح: إنَّ الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلةَ فيحمده عليها، ويشرب الشربة فيحمده عليها.

كذلك فيه من الآداب الشرعية: أنهم إذا كانوا مع النبي ﷺ عند الطعام لا يضعون أيديهم حتى يضع يده، لا يبدؤون حتى يبدأ عليه الصلاة والسلام، وهذا هو الأدب؛ إذا كان الناسُ مع رئيسٍ لهم لا يبدؤون حتى يبدأ، وهو عليه الصلاة والسلام إمامهم ورئيسهم ومقدمهم عليه الصلاة والسلام، فهم يتأدَّبون معه؛ لا يبدؤون حتى يبدأ، وفي بعض الأيام جاء الشيطانُ بجاريةٍ ليستحلَّ بها الطعام، وجاء بأعرابيٍّ ليستحلَّ به الطعام، فأمسكهما النبيُّ ﷺ وقال: إنَّ الشيطان يستحلّ الطعام إذا لم يُذكر اسم الله عليه، وإنه أتى بهذه الجارية ليستحلَّ بها الطعام، وجاء بهذا الأعرابي ليستحلَّ به الطعام، وإنَّ يده في يدي مع أيديهما هذا يُبين أنه يستحلّ الطعام بواسطة الشخص الذي لا يُسمي الله، وإن كان البعضُ قد سمّوا، لكن يستحلّ بواسطة الشخص الذي أراد أن يأكل ولم يسمِّ، فيُشاركه، يستحلّ به الطعام.

فالمؤمن مشروع له أن يعتني بهذه التسمية التي أرشد إليها النبيُّ ﷺ، التسمية عند الأكل والشرب، والحمدلة ..... في التسمية عند دخول المنزل صباحًا ومساءً، وعند أكله وشربه، وعند جماعه لأهله؛ في الحديث الصحيح: لو أنَّ أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنِّب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن يقدر بينهما ولد لم يضرّه الشيطان أبدًا، هذا فيه خير كثير.

فينبغي للمؤمن أن يكون حريصًا على ملازمة ذكر الله، واعتياد ذلك والحمد لله، والتعوذ بالله من الشيطان عند المناسبات التي يُشرع فيها ذلك، ويُسمي الله في محل التسمية، ويحمد الله في محل الحمد، ويستعيذ بالله في محل الاستعاذة ..... يستعيذ عن الغفلة والإعراض .....، ويكون حريصًا على التَّخلق بأخلاق الإيمان والاستقامة .....

وفَّق الله الجميع، وصلَّى الله وسلم على نبينا محمدٍ.

5/731- وعن أُميَّةَ بنِ مَخْشِيٍّ الصَّحابيِّ قَالَ: كَانَ رسُولُ اللَّه ﷺ جَالِسًا ورَجُلٌ يأْكُلُ، فَلَمْ يُسَمِّ اللَّه حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْ طَعَامِهِ إِلَّا لُقْمَةٌ، فَلَمَّا رَفَعها إِلى فِيهِ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ، فَضَحِكَ النَّبِيُّ ﷺ، ثُمَّ قَالَ: مَا زَالَ الشَّيْطَانُ يَأْكُلُ مَعَهُ، فَلمَّا ذَكَر اسمَ اللَّهِ استقَاءَ مَا فِي بَطنِهِ رواه أبو داود، والنَّسائي.

6/732- وعن عائشةَ رضيَ اللَّه عنها قالَتْ: كانَ رسولُ اللَّه ﷺ يَأْكُلُ طَعَامًا في سِتَّةٍ مِنْ أَصحَابِهِ، فَجَاءَ أَعْرابيٌ فَأَكَلَهُ بِلُقْمَتَيْنِ، فقال رسولُ الله ﷺ: أَما إِنَّهُ لوْ سَمَّى لَكَفَاكُمْ رواه الترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

7/733- وعن أَبي أُمامة : أنَّ النَّبيَّ ﷺ كانَ إِذا رَفَعَ مَائِدَتَهُ قال: الحَمْدُ للَّه كَثيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيه، غَيرَ مَكْفِيٍّ، وَلا مُودَّع، وَلا مُسْتَغْنًى عَنْهُ رَبَّنَا رواه البخاري.

8/734- وعن مُعَاذِ بنِ أَنسٍ قَالَ: قَالَ رسُولُ اللَّه ﷺ: مَنْ أَكَلَ طَعَامًا فَقال: الحَمْدُ للَّهِ الَّذِي أَطْعَمَني هَذَا وَرَزَقْنِيهِ مِنْ غيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلا قُوّةٍ؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ رواه أَبُو داود، والترمذي وقال: حدِيثٌ حسنٌ.

الشيخ: هذه الأحاديث تدل على ما تقدم من الترغيب في التسمية في أول الطعام، والحمدلة في آخره، تقدم حديث عائشة: أن النبي ﷺ أمر بالتسمية في أول الطعام، ومَن نسي في أوله فليقل: بسم الله أوله وآخره، وهكذا حديث أمية الباهلي يدل على شرعية التسمية في أوله، وإذا ذكر في أثنائه يقول: بسم الله أوله وآخره ..... إذا سمَّى الله كان هذا أبرك له في طعامه وشرابه، وفي بيته وجماعه، وغير ذلك، ينبغي للمؤمن أن يُلاحظ ذلك.

كذلك من أعظم أسباب البركة: التسمية عند الطعام، فإن ..... كان بعض الأعراب حضر مع النبي ﷺ وعنده طعام يأكله هو وأصحابه، فأكله في لقمتين، فقال النبي: لو سمَّى الله لكفاكم، المقصود أن التسمية من أسباب البركة .....، وقد قال ﷺ لعمر بن أبي سلمة لما كان صبيًّا تطيش يده في الصَّحفة قال: يا غلام، سمِّ الله، وكُلْ بيمينك، وكُلْ مما يليك، كذلك إذا فرغ من الطعام كان يقول: الحمد لله كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، غير مكفي، ولا مكفور، ولا مُودع، ولا مُستغنًى عنه ربنا .....

101- باب لا يعيب الطعام، واستحباب مدحه

1/735- عن أبي هُريرة قَالَ: "مَا عَابَ رسُولُ اللَّه ﷺ طَعَامًا قَطُّ، إِنِ اشْتَهَاه أَكَلَهُ، وإِنْ كَرِهَهُ تَرَكَهُ" متفقٌ عليه.

2/736- وعن جابرٍ : أَنَّ النبيَّ ﷺ سَأَلَ أَهْلَهُ الأُدْمَ، فقالوا: مَا عِنْدَنَا إِلَّا خَلٌّ، فَدَعَا بِهِ، فَجَعل يَأْكُلُ ويقول: نِعْمَ الأُدْمُ الخَلُّ، نِعْمَ الأُدْمُ الخَلُّ رواه مسلم.

102- باب ما يقوله مَن حضر الطعام وهو صائم إذا لم يُفطر

3/737- عن أبي هُريرة قَالَ: قالَ رسولُ اللَّه ﷺ: إِذا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ، فَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ، وَإنْ كانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ رواه مسلم.

الشيخ: هذه الأحاديث في استحباب أدب عيب الطعام، وأن المؤمن أفضل له ألا يعيب الطعام، إن ناسبه أكل، وإن لم يُناسبه ترك؛ تأسيًا به عليه الصلاة والسلام.

قال أبو هريرة : "ما عاب النبيُّ ﷺ طعامًا قط"، ما يقول: هذا مالح، أو هذا حامض، إن ناسبه أكل منه، وإن لم يُناسبه تركه، ولم يجرح شعور أهل الطعام، بل يسكت ويتركه إذا لم يُناسبه، هذا يدل على .....، وأنه يُستحب له ألا يعيبه، وهذا محمول على أنه إذا كان في نفسه، أما إذا كان للضيوف فينبغي له أن يُوصي الطباخين بالعناية بالطعام والإحسان فيه؛ حتى لا يكون فيه عيب، وإذا رأى فيه عيبًا أوصى لهم بالمستقبل أن يُلاحظوا؛ لئلا يضروه في أضيافه، بل يتسامح في حقِّ نفسه ويأكله، لكن الإنسان قد يُبتلى بالضيوف، فينبغي أن يُوصي مَن قربه بالطعام، بالعناية به ..... وألا يتساهل في ذلك.

كذلك حديث: مَن دُعي وهو صائم فإنه يُجيب، لكن إذا كان صائمًا دعا: فإن كان صائمًا فليُصَلِّ يعني: يدعو، الدعاء: بارك الله لكم، كثر الله خيركم، ونحو ذلك إذا كان صائمًا، وإذا أفطر فلا بأس: وإن كان مُفطرًا فليطعم، هذا هو الأفضل، وإن ..... واعتذر ولم يطعم فلا حرج، المهم أنه يُجيب، قال الرسول ﷺ: إذا دُعي أحدُكم فليُجب، فإن شاء طعم، وإن شاء ترك، وفي اللفظ الآخر: فإن كان مُفطرًا فليطعم، وإن كان صائمًا فليدع، وفي اللفظ الآخر: فليُصَلِّ، أوصاه بالدعاء، قال تعالى: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ [التوبة:103] أي: ادع لهم، والمؤمن يراعي الأفضل والأنسب وما هو الأقرب في جمع خاطر أخيه، فإن رأى أن المناسب الإفطار أفطر إذا كان الصوم نافلةً، وإذا رأى الاعتذار اعتذر، أجاب وحضر وقال: سامحوني؛ أنا صائم، وكثر الله خيركم، ونحو ذلك.

كذلك حديث جابر: أن النبي ﷺ طلب إدامًا، فقال أهله: ليس عندنا إلا الخلّ، فقال: نعم الإدام الخل، نعم الإدام الخل، الخل هو ما ..... من الفواكه العنب من غيره ......

103- باب مَا يقوله مَن دُعِيَ إِلَى طعامٍ فتبعه غيرُه

1/738- عن أَبي مسعودٍ البَدْرِيِّ قَالَ: دَعا رجُلٌ النَّبِيَّ ﷺ لِطعَامٍ صَنعَهُ لَهُ خَامِس خَمْسَةٍ، فَتَبِعَهُمْ رَجُلٌ، فَلمَّا بَلَغَ البَابَ قَالَ النبيُّ ﷺ: إِنَّ هَذَا تَبِعَنا، فإِنْ شِئْتَ أَنْ تَأْذَنَ لَهُ، وإِنْ شِئْتَ رَجَعَ، قَالَ: بل آذَنُ لهُ يَا رسولَ اللَّهِ. متفقٌ عَلَيْهِ.

104- باب الأكل مِمَّا يليه ووعظه وتأديبه مَن يُسيء أكله

1/739- عن عمر بن أَبي سَلَمَةَ رضي اللَّه عنهما قَالَ: كُنتُ غُلامًا في حِجْرِ رَسُول اللَّه ﷺ، وكَانتْ يَدِي تَطِيشُ في الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لي رسولُ اللَّه ﷺ: يَا غُلامُ، سَمِّ اللَّه تَعَالَى، وَكُلْ بيمينِكَ، وكُلْ مِمَّا يَلِيكَ متفقٌ عليه.

2/740- وعن سَلَمَةَ بنِ الأكوعِ : أَن رَجُلًا أَكلَ عِنْدَ رسولِ اللَّه ﷺ بشِماله، فَقَالَ: كُلْ بِيَمِينكَ، قَالَ: لا أَسْتَطِيعُ، قالَ: لا اسْتَطَعْتَ، مَا مَنَعَهُ إِلَّا الكِبْرُ، فَمَا رَفَعَهَا إِلى فِيهِ. رواه مسلم.

الشيخ: هذه الأحاديث الثلاثة: الأول منها يتعلق بمَن صحب محدودين، يعني: مدعوين بعددٍ معينٍ، فإنه يستأذن له، وفي الحديث الثاني والثالث شيء من آداب الأكل.

في الحديث الأول: أن النبي ﷺ دعاه بعضُ أصحابه خامس خمسة إلى طعامٍ، فتبعهم سادس، فلما وصلوا إلى بيت الداعي قال له النبيُّ ﷺ: إنَّ هذا تبعنا، فإن شئتَ أذنت له، وإن شئتَ منعته، فقال: بل آذن له يا رسول الله، هذا يدل على أنه إذا كان العددُ محصورًا فلا يُؤتى بالزيادة إلا بإذنٍ، فإذا قال الداعي: ندعوك واثنين معك أو ثلاثة معك يقتصر على هذا العدد المحدود إلا أن يأذن الداعي في الزيادة، أما إذا قال: أنت ومَن معك، أو أنت ومَن تريد، أو ما أشبه ذلك من العبارات، فإنَّ الرجل يأتي بمَن شاء من أصحابه وأولاده ونحو ذلك، ولا يحتاج للاستئذان لكل واحدٍ.

وفي الحديث الثاني: أن عمر بن أبي سلمة المخزومي كان يعيش في بيت النبي ﷺ، وكان ربيب النبي ﷺ؛ لأنَّ أمه أم سلمة، وهي زوج النبي عليه الصلاة والسلام، فكانت تطيش يده في الصحفة؛ لكونه صغيرًا، فقال له النبي ﷺ: يا غلام، سمِّ الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك هذه من الآداب الشرعية؛ أن المؤمن يأكل بيمينه، لا بشماله، ويُسمي الله عند الأكل، ويحمد الله عند الفراغ، ويأكل مما يليه؛ إن كان الطعام واحدًا يأكل مما يليه، أما إذا كان الطعام متنوعًا فقد جاءت السنةُ بأنه لا حرج عليه بأن يأكل من نوعٍ آخر غير الذي يليه، فإذا كان يليه نوع وهناك أنواع لا بأس أن يتناول منها، واليسار ليست محلًّا للأكل، بل للمفضول ولإزالة الأوساخ، لا للأكل والمصافحة ونحو ذلك، فاليمين للمُصافحة والأكل والشرب والأخذ والعطاء ونحو ذلك مما هو مقصود، واليسار لما سوى ذلك من الأشياء المفضولة: كالاستنجاء والتَّمسح من الخلاء، ونحو ذلك، وإزالة الأذى والامتخاط، ونحو ذلك.

والحديث الثالث حديث سلمة بن الأكوع : أن رجلًا أكل مع النبي ﷺ بيساره، فقال له النبيُّ: كل بيمينك، قال: لا أستطيع، وهو يكذب، متكبر، حمله الكبر، فقال له النبي: لا استطعتَ، دعا عليه، فدلَّ على أنَّ مَن تكبر عن الحقِّ يستحق التعزير والتأديب، والدعاء عليه من باب التعزير؛ ليمتنع، لأن السنة ينبغي أن ..... بذلك من وليه ..... ومن ولي الأمر أيضًا.

وهذا يدل على أن الأكل باليمين متعين، واجب، وأنه لا يأكل بالشمال، أما إذا كان يتعذر واليمين مقطوعة أو مريضة فلا بأس.

وفي هذا علم من أعلام النبوة، وأن الله استجاب له في الحال، قال: لا استطعتَ، فما رفعها إلى فيه، تعطلت، شُلَّت بسبب دعوته ﷺ عليه لما منعه الكبر، فدلَّ ذلك على أنه لا يجوز للمسلم أن يتكبر عن الأكل باليمين، كثير من الناس يتَّخذها قاعدةً الآن، توقعًا وتقليدًا لغيره يأكل باليسار، ويأخذ باليسار، وهذا يُخالف السنة .....، فمَن تكبر عن السنة وتعاظم في نفسه وازدرى سنة النبي ﷺ فهو متعرض للعقوبة..

رزق الله الجميع التوفيق والهداية.

105- باب النَّهي عن القران بين تمرتين ونحوهما إذا أكل جماعة إِلَّا بإذن رُفقته

1/741- عن جبَلَةَ بن سُحَيْم قَالَ: أَصابَنا عامُ سَنَةٍ معَ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فرُزقْنَا تَمْرًا، وَكانَ عَبْدُاللَّه بنُ عمر رضي اللَّه عنهما يمُرّ بنا ونحْنُ نأْكُلُ فيقولُ: لا تُقَارِنُوا، فإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهى عنِ الإقرانِ، ثُمَّ يقولُ: إِلَّا أَنْ يَسْتَأْذِنَ الرَّجُلُ أَخَاهُ. متفقٌ عليه.

106- باب مَا يقوله ويفعله مَن يأكل وَلا يشبع

1/742- عن وَحْشيِّ بنِ حربٍ : أَن أَصحابَ رسولِ اللَّه ﷺ قالُوا: يَا رسولَ اللَّهِ، إِنَّا نَأْكُلُ وَلا نَشْبَعُ؟! قَالَ: فَلَعَلَّكُمْ تَفْترِقُونَ؟ قالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَاجْتَمِعُوا عَلى طَعَامكُمْ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ رواه أَبُو داود.

107- باب الأمر بالأكل من جانب القصعة والنَّهي عن الأكل من وسطها

فِيهِ قَوْله ﷺ: وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ متفق عليه كما سبق.

1/743- وعن ابن عباسٍ رضيَ اللَّه عنهما، عن النبيِّ ﷺ قَالَ: الْبَرَكَةُ تَنْزِلُ وَسَطَ الطَّعَام، فَكُلُوا مِنْ حَافَّتَيْهِ، ولا تَأْكُلُوا مِن وَسَطِهِ  رواه أَبُو داود والترمذي، وقال: «حديث حسن صحيح».

الشيخ: وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.

أما بعد: فهذه الأحاديث الأربعة كلها تتعلق بآداب الأكل وما يُشرع فيه.

يقول عليه الصلاة والسلام فيما إذا أكل الناس من أشياء متعددة: كالتمر والفواكه ونحو ذلك، يقول ابن عمر: أن الرسول نهى أن يُقارن بين اثنتين فأكثر إلا بإذن أصحابه، وهذا من الآداب الشرعية ..... أنهم أصابتهم سنة مع ابن الزبير، يعني: شدة الجدب والحاجة، فزوَّدوهم التمر، فكانوا يأكلون ..... والتمر، وربما قرن بعضُهم ورآهم ابن عمر فنهاهم عن ذلك، وأخبر أن النبي نهى عن القران إلا بإذن أصحابه، إذا كان معه أصحاب يستأذنهم، وإلا فلا يُقارن؛ لأنه قد يأكل أكثر منهم إذا قارن وهم لم يُقارنوا، قد يأكل أكثر منهم، فليس من الآداب، بل يكون أكله متقاربًا، أما إذا كان يأكل وحده فلا بأس ..... تمرتين جميعًا وحبتين من العنب أو ثلاثة .....، لكن إذا كان معه جماعة فلا يقرن إلا إذا قرنوا، إذا تراضوا بالقران كلهم لا بأس.

وحديث وحشي بن حرب فيه الدلالة على أنَّ من أسباب البركة في الطعام: الاجتماع عليه، ولا بأس بالتفرق، كما قال الله تعالى: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا [النور:61]، لا بأس أن يأكلوا جميعًا، أو كل واحدٍ يُعطى غداءه وعشاءه وحده لا بأس، لكن إذا أحسوا بشيءٍ من عدم الشبع فإن الاجتماع أفضل، ففي حديث وحشي أرشدهم إلى أن يجتمعوا وأن يُسموا الله لما شكوا إليه عدم الشبع: لعلكم تفترقون؟ اجتمعوا واذكروا اسم الله يُبارك لكم فيه.

فالاجتماع على الطعام من أهل البيت، النساء وحدهم، والرجال وحدهم، لا يجتمعوا نساءً ورجالًا إذا كانوا ليسوا محارم، أما الزوجة مع زوجها، والزوجات مع أزواجهن لا بأس، أو مع المحارم: كأخواتهم لا بأس، أما إذا كان فيهم أجانب: زوجات الإخوة، وزوجات الأعمام، لا، النساء وحدهن، والرجال وحدهم، هذا من أسباب البركة، وإن جعلوا الطعام لكل واحدٍ وحده لأسبابٍ اقتضت ذلك فلا بأس.

وفي الحديث الثالث والرابع الدلالة على أن السنة أن يُؤكل من جوانب الصَّحفة، لا من وسطها؛ لأن البركة تنزل في وسطها؛ فلهذا أمر أن يُؤكل من الجانب .....، فإذا اجتمعوا على القصعة كلٌّ يأكل مما يليه كما قال النبي ﷺ لعمر بن أبي سلمة: كل مما يليك، هكذا ..... يأكل مما يليه، تكون الوسط هي النهاية، إذا أكلوه جميعًا فذاك، وإن تركوه -تركوا الوسط- سليمًا وإن احتاجوا إليه أكلوا جميعًا عندما ينتهون إليه.

وهكذا حديث القصعة .....، وهي قصعة كبيرة ..... كانت تُحمل، يحملها الأربعة من كبرها، إذا اجتمعوا عليها فإن السنة أن يأكلوا من جوانبها، ولو كانت عظيمةً كلٌّ يأكل مما يليه حتى ينتهوا إلى الوسط، إذا كثروا ينبغي أن يجتهدوا في اختصار الجلسة حتى يتَّسع المكان، ولا يتربع هذا ويتربع هذا ويضيق على أصحابه؛ ولهذا جلس النبيُّ جلسة العبد: جثا على ركبتيه؛ لأنَّ ذلك أطيب، وينضم بعضه إلى بعضٍ، ويتَّسع المكان، إذا جثا على ركبتيه اتسع المكان، بخلاف التربع ..... يضيق المكان، ينبغي أن يجلس جلسةً متحفزةً، يعني: يُوسع المكان، ولا يُضايق الأصحاب، كل واحدٍ يجتهد في الجلسة الخفيفة التي ليس فيها مضايقة، ولا يتوسع حتى يتسع المكان للعدد الكثير إذا دعت الحاجةُ إلى ذلك. وفَّق الله الجميع.

108- باب كراهية الأكل متكئًا

1/745- عن أَبي جُحَيْفَةَ وهبِ بنِ عبداللَّه قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه ﷺ: لا آكُلُ مُتَّكِئًا رواه البخاري.

1/746- وعن أَنسٍ قَالَ: رَأَيْتُ رسول اللَّه ﷺ جَالِسًا مُقْعِيًا يَأْكُلُ تمْرًا. رواه مسلم.

109- باب استحباب الأكل بثلاث أصابع واستحباب لعق الأصابع وكراهية مسحها قبل لعقها واستحباب لعق القصعة وأخذ اللقمة الَّتي تسقط منه وأكلها ومسحها بعد اللَّعق بالساعد والقدم وغيرها

1/747- عن ابنِ عباسٍ رضي اللَّه عنهما قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه ﷺ: إِذا أَكلَ أَحدُكُمْ طَعَامًا فَلا يَمْسَحْ أَصابِعَهُ حَتَّى يلعَقَهَا أَو يُلْعِقَها متفقٌ عَلَيْهِ.

2/748- وعن كَعْبِ بنِ مالك قَالَ: رَأَيْتُ رسولَ اللَّه ﷺ يَأْكُلُ بِثلاثِ أَصابِعَ، فَإِذا فَرغَ لَعِقَها. رواه مسلم.

3/749- وعن جابرٍ : أَنَّ رسولَ اللَّه ﷺ أَمَرَ بِلَعْقِ الأَصَابِعِ والصَّحْفَةِ وقال: إِنَّكُمْ لا تَدرُونَ في أَيِّ طعَامِكم البَركةُ رواه مسلم.

الشيخ: هذه الأحاديث الخمسة كلها تتعلق بآداب الطعام وما يُشرع للمؤمن عند الأكل.

يُشرع له عند الأكل أن يُسمي الله، وأن يأكل بيمينه، وأن يأكل مما يليه، كما تقدم، يقول ﷺ لعمر بن أبي سلمة: سمِّ الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك.

والسنة ألا يأكل متكئًا، بل مُستوفزًا، لا متكئًا، والمتكئ هو الذي يحيد على أحد جانبيه، يتكئ على يمينه أو يساره، لا يعتدل، يُكره أن يأكل وهو كذلك، بل السنة أن يكون معتدلًا في الجلوس، سواء كان على رجله اليسرى، أو مُقعيًا: كالجالس بين السجدتين، أو يُقيم فخذيه وساقيه حين جلوسه، كل ذلك جائز، وهكذا التربع، كله جائز، أما الاتكاء فهو أن يميل هاهنا أو هاهنا أو خلف ظهره، بل يكون معتدلًا؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: لا آكل متَّكئًا، فدلَّ ذلك على أن السنة ألا يتَّكئ، بل يعتدل في جلوسه عند الأكل، وأنواع الجلوس كثيرة للمقعي وغير المقعي، لكن لا يكون متكئًا، وعلى أي جلسةٍ جلس جاز: متربعًا، أو ناصبًا رجليه وساقيه، أو جالسًا على رجله اليسرى، أو غير ذلك من الجلوس، الكل جائز.

والسنة لعق الأصابع قبل أن تُغسل، وقبل أن تُمسح بالمنديل، قال ﷺ: إذا أكل أحدكم طعامًا لا يمسح يده حتى يَلعقها أو يُلعقها، هكذا السنة أن يلعقها بنفسه أو يُلعقها غيره قبل أن يغسلها، قبل أن يمسحها بالمنديل، إذا كان فيها بقية طعام.

وأمر بلعق الأصابع في القصعة وقال: إنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة، فما يدري: في أي طعامه البركة؟ السنة أن يلعق أصابعه، ويسلت الصحفة، يسلتها بأصابعه ..... من مكانه، فإنه لا يدري: في أي طعامه البركة؟

وكان يأكل بثلاثة أصابع عليه الصلاة والسلام، يعني الطعام الذي يُمسك بالأصابع: كالخبز والفاكهة وأشباه ذلك، أما الذي يحتاج الأصابع الخمسة فلا بأس: كالطعام اللَّين الذي يحتاج إلى خمسةٍ، يأكل بالخمسة، لكن إذا كان الغالب على طعامهم الخبز وأشباه ذلك مما يُؤكل بالأصابع الثلاثة، وإذا فرغ لعق أصابعه عليه الصلاة والسلام، هكذا السنة، لعق الأصابع، وتسلت القصعة وعدم تركها مبعثرةً.

وإذا سقطت اللقمةُ فالسنة أن يأخذها ويمسح ما فيها من الأذى ثم يأكلها، ولا يدعها للشيطان، فلما أكل مع النبي ﷺ رجلٌ بيساره قال له: كل بيمينك، قال: لا أستطيع، وهو يكذب، متكبر، فقال له النبيُّ ﷺ: لا استطعتَ، ما منعه إلا الكبر، فما رفعها إلى فيه بعد ذلك، يعني: عُوقب عقوبةً عاجلةً لما دعا عليه النبيُّ ﷺ بأنه لا يستطيع، وقال: ما منعه إلا الكبر.

فهكذا يجب على المؤمن أن يحذر غضب الله، ويتأدب بالآداب الشرعية في أكله وشربه ..... وسائر أحواله؛ حرصًا على ما شرع الله ..... للتَّخلق بالأخلاق التي يُحبها الله، وابتعادًا عن الأخلاق والأفعال التي يكرهها الله . وفَّق الله الجميع.

4/750- وعن جابرٍ: أنَّ رسول اللَّه ﷺ قَالَ: إِذا وَقَعَتْ لُقمَةُ أَحدِكُمْ فَلْيَأْخُذْهَا، فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أذًى وليَأْكُلْهَا، وَلا يدَعْها للشَّيطَانِ، وَلا يمسَحْ يَدهُ بِالمِنْدِيلِ حتَّى يَلعقَ أَصَابِعَهُ، فإِنه لا يَدرِي في أَيِّ طعامِهِ البركةُ رواه مسلم.

5/751- وعنه: أَن رسول اللَّه ﷺ قَالَ: إِن الشَّيْطَانَ يَحضرُ أَحدَكُم عِند كُلِّ شَيءٍ مِنْ شَأْنِهِ، حَتَّى يَحْضُرَهُ عِندَ طعَامِهِ، فَإِذا سَقَطَتْ لُقْمةُ أَحَدِكم فَليَأْخُذْهَا، فَلْيُمِطْ مَا كانَ بِهَا مِن أَذًى، ثُمَّ ليَأْكُلْهَا، وَلا يَدَعها للشَّيْطَانِ، فإذا فَرغَ فَلْيَلْعَقْ أَصابِعَهُ؛ فإِنَّه لا يَدْرِي في أَيِّ طعامِهِ تكون البرَكَةُ رواه مسلم.

6/752- وعن أَنسٍ قَالَ: كَانَ رسولُ اللَّه ﷺ إِذا أَكَلَ طعَامًا لعِقَ أَصَابِعَهُ الثَّلاثَ وقالَ: إِذا سقَطَتْ لُقْمَةُ أَحدِكم فَلْيَأْخُذْها، وليُمِطْ عنها الأذى، وليَأْكُلْهَا، وَلا يَدَعْهَا للشَّيطَانِ، وأَمَرنَا أَن نَسلتَ القَصعةَ وقال: إِنَّكم لا تَدْرُونَ في أَيِّ طَعَامِكم البَركةُ رواه مُسلمٌ.

7/753- وعن سعيد بنِ الحارث: أَنَّه سأَل جابرًا عنِ الوضوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ، فَقَالَ: لا، قَدْ كُنَّا زمنَ النبيِّ ﷺ لا نجدُ مثلَ ذلك من الطعامِ إِلَّا قلِيلًا، فإِذا نَحنُ وجدناهُ لَم يَكُنْ لَنَا مَنَادِيلُ إِلَّا أَكُفَّنَا وسَوَاعدنَا وأَقْدَامَنَا، ثُمَّ نُصَلِّي وَلا نَتَوَضَّأُ. رواه البخاري.

الشيخ: هذه الأحاديث الأربعة كلها تتعلق بآداب الطعام وما يُشرع للمؤمن في أكله وشربه، سبق بعض الأحاديث في الدلالة على شرعية تسمية الله عند أول الأكل والشرب، وأن يأكل بيمينه، ويشرب بيمينه، كل هذا من آداب الأكل: أن يُسمي الله عند البدء، وأن يأكل باليمين، وأن يأكل مما يليه، وهكذا في الشرب: يُسمِّي الله ويشرب بيمينه، سواء كان يشرب ماءً أو لبنًا أو شايًا أو قهوةً أو غير ذلك مما يشرب يكون باليمين، والأكل يكون باليمين.

وفي هذه الأحاديث الدلالة على أنه يُشرع له أيضًا أن يلعق أصابعه قبل أن يغسلها، وقبل أن يمسحها بالمنديل، يلعقها ثم يمسحها بالمنديل إذا شاء، أو يغسلها بالماء، كان النبي يلعق أصابعه إذا فرغ من طعامه عليه الصلاة والسلام ويقول: إنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة، قد تكون البركةُ في هذا الشيء اليسير.

وأمرهم أن يلعقوا الصَّحفة، أن يسلتوا ما فيها، كل واحدٍ يسلت ما حوله؛ حتى يكون محل أكله مضبوطًا، ليس فيه عبث ولا تساهل، بل يسلت ما حوله.

وتقدم أنَّ السنة أن يأكل من جوانب القصعة، ولا يأكل من وسطها، بل يأكل من الجوانب، ويدع الوسط للبركة؛ حتى ..... عند الحاجة إلى أكله يأكلون من الجوانب إلى أن يصلوا إلى وسطها فيأكلوا ما بقي.

وفيه من الفوائد: أنه إذا سقطت اللُّقمة السنة أنه يُميطها من الأذى ثم يأكلها، ولا يدعها للشيطان، فإذا سقطت اللُّقمة من يده أزال ما بها من الأذى: من ترابٍ أو أعوادٍ أو غير ذلك، ثم أكلها، ولا يدعها للشيطان، قال: إنَّ الشيطان يحضر أحدكم في كل شيءٍ من شأنه، حتى عند الطعام والشراب، حتى يُنسيه ما شرع الله، حتى يُوقعه فيما نهى الله عنه، السنة للمؤمن أن يُسمِّي الله في أكله وشربه وعند نومه، وأن يحذر وساوس الشيطان فيما نهى الله عنه.

وفي الحديث الأخير الدلالة على أنَّ ما مسته النار لا يتوضأ منه، لا يلزمه الوضوء منه، كانوا في أول الأمر يُؤمرون بالوضوء مما مسَّت النار من اللحوم وغيرها، ثم جاءت السنة بترك ذلك ونسخ، أو بيان أنه ليس بواجبٍ، إما منسوخ؛ لأن الرسول ﷺ أخيرًا كان يأكل مما مسَّت النار ولا يتوضأ، وقال للصحابة: توضؤوا من لحوم الإبل، ولا توضؤوا من لحوم الغنم، فدلَّ على أن الوضوء مما مسَّته النار قد نُسخ، ومَن فعل فلا حرج عليه، مَن توضأ فلا حرج عليه، وقد ثبت عنه ﷺ لما سُئل: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم، قال السائل: هل نتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئتَ، فجعل له الخيار، فدلَّ على أن جميع اللحوم لا تنقض ما عدا لحوم الإبل، ودلَّ ذلك على أن ما مسته النار لا ينقض الوضوء، وأن الأمر بذلك نُسخ، أو أنه للندب، لا للوجوب، وبيَّن أنهم كانوا يُصلون ولا يتوضؤون بعد أكل ما مسَّت النار من اللحوم، وأنه عليه الصلاة والسلام أكل من كتف شاةٍ ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ، وجيء إليهم بالسويق -الحبوب المغلية- في سفره إلى خيبر ..... وأكل الناس منها ولم يتوضؤوا لما حضرت الصلاة، فدلَّ ذلك على أنَّ ما مسته النار لا يجب الوضوء منه، ما عدا لحوم الإبل.

وفيه أنهم كانوا يمسحون أيديهم بأكفِّهم وسواعدهم وأقدامهم، هذا يدل على أنه إذا كان الشيء خفيفًا أن يمسح يده بالأخرى أو بساعده، ولا يجب أن تُغسل بالماء، والغالب على الأطعمة ذاك الوقت عدم الدسومة الكثيرة؛ لقلة اللحوم .....، فإذا مسح يده ..... بساعده أو بقدمه واكتفى بذلك فلا بأس إذا كان ذلك يحصل به المقصود، وإن كان يبقى الدسم وتبقى رائحة شُرع له الغسل والتَّنظيف؛ حتى لا يبقى للطعام أثر، والمؤمن أعلم بنفسه، هذه أمور عادية، الطعام من الأمور العادية، إذا رأى أن المقام لا يحتاج إلى غسلٍ لقلة الدسم فلا بأس، وإن رأى أن الغسل أفضل فالأولى أن يغسل يديه .....؛ لأنها أمور تختلف بحسب .....

وفَّق الله الجميع، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ.

110- باب تكثير الأيدي عَلَى الطعام

1/754- عن أَبي هريرة قالَ: قَالَ رسولُ اللَّه ﷺ: طَعَامُ الاثنين كَافِي الثَّلاثَةِ، وَطَعَامُ الثَّلاثَةِ كافي الأَربعَةِ متفقٌ عَلَيْهِ.

2/755- وعن جابرٍ قالَ: سمعتُ رسولَ اللَّه ﷺ يَقُولُ: طَعامُ الوَاحِدِ يَكْفي الاثنين، وطعامُ الاثنين يَكْفي الأربعةَ، وطعامُ الأربَعةِ يَكْفي الثَّمانِيَةَ رواه مسلم.

111- باب أدب الشرب واستحباب التنفس ثلاثًا خارج الإِناء وكراهة التَّنَفُّس في الإناء واستحباب إدارة الإناء عَلَى الأيمن فالأيمن بعد المُبتدئ

1/756- عن أَنسٍ : أنَّ رسول اللَّه ﷺ كانَ يتنَفَّسُ في الشرَابِ ثَلاثًا. متفقٌ عَلَيْهِ.

2/757- وعن ابن عباسٍ رضي اللَّه عنهما قال: قالَ رسولُ اللَّه ﷺ: لا تَشْرَبُوا واحِدًا كَشُرْبِ البَعِير، وَلكِن اشْرَبُوا مَثْنَى وثُلاثَ، وسَمُّوا إِذا أَنْتُمْ شَرِبْتُمْ، واحْمَدوا إِذا أَنْتُمْ رَفَعْتُمْ رواه الترمذي وقال: حديث حسن.

الشيخ: هذه الأحاديث الأربعة كالتي قبلها من الأحاديث في بيان آداب الأكل والشرب وما ينبغي للمؤمن في كيفية أكله وشربه، وقد تقدم لكم أحاديث تدل على شرعية التَّسمية عند الأكل والشرب، والأكل والشرب باليمين، والأكل مما يليه، والأكل من حافات القصعة، وعدم الأكل من وسطها، ولعق الأصابع قبل غسلها بالماء، أو قبل مسحها بالمنديل، وتسلت الصحفة، وعدم تركها مبعثرةً، تقدم أيضًا شرعية أخذ اللقمة إذا سقطت، وإماطة ما بها من الأذى وأكلها، وعدم تركها للشيطان.

وفي هذين الحديثين -حديث جابر والذي قبله- الدلالة على استحباب تكثير الأيدي في الطعام، وعدم الشح في ذلك، يقول ﷺ: طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الثلاثة، وطعام الثلاثة يكفي الأربعة.

والحديث الثاني: طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الأربعة، وطعام الأربعة يكفي الثمانية، المعنى: أن الاشتراك في الطعام المعدّ لاثنين يكفي الأربعة، والمعدّ لأربعةٍ يكفي الضعف –الثمانية- وأنَّ الله جلَّ وعلا يُبارك في ذلك.

فينبغي ألا يشحَّ المؤمن، وألا يبخل، وألا يُسيئ الظنّ، وقد ينزل بالإنسان من الضيوف ما لم يخطر على باله، وما لم يحصل له إعداد منازل لهم، فلا يجزع، بل يقدم ما حصل، والله يُنزل البركة.

وفي حديث وحشي بن حرب –تقدم- لما اشتكى بعضُ الصحابة إليه أنهم يأكلون ولا يشبعون، قال لهم ﷺ: لعلكم تفترقون؟ اجتمعوا على طعامكم يُبارك لكم.

وفي حديث أبي قتادة وغيره الحثّ على التنفس خارج الإناء .....، فلا يتنفس فيه، وأن يكون التنفس ثلاث مرات، هذا هو الأفضل، ولا يعبّه عبًّا إن كان في الثلاثة، ولكن يقطع، يشرب ويقطع، ويشرب ويقطع ثلاثًا، هذا هو الأفضل؛ أهنأ وأمرأ.

وفي حديث ابن عباس الدلالة على أنه يُسمي الله عند أكله وشربه، ويحمد الله عند النهاية، كل هذا من آداب الطعام والشراب.

وفي حديث أنسٍ يقول النبي ﷺ: إنَّ الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها، والله يقول جلَّ وعلا: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ [إبراهيم:7]، ومن الشكر: الثناء على الله في أكلك وشُربك، وحمده سبحانه، وذكر اسمه عند الابتداء، ومن الشكر: الاستعانة بالنعم على طاعة الله قولًا وعملًا، ومن الشكر: الاعتراف بالنعمة لله، وأنها من فضله وإحسانه، ومحبته على ذلك، ومن الشكر: أن تصرف النعم في طاعة المنعم، وترك معصيته ، فذلك من أسباب المزيد منها مع ..... وفَّق الله الجميع.

3/758- وعن أَبي قَتَادَةَ : أَنَّ النبيَّ ﷺ نَهَى أَنْ يُتَنَفَّسَ في الإِناءِ. متفقٌ عَلَيْهِ.

4/759- وعن أَنسٍ : أَن رسول الله ﷺ أُتِيَ بِلَبنٍ قَدْ شِيبَ بمَاءٍ، وعَنْ يَمِينِهِ أَعْرابي، وعَنْ يَسارِهِ أَبو بَكرٍ ، فَشَرِبَ، ثُمَّ أَعْطَى الأَعْرَابيَّ وقال: الأَيْمَنَ فالأَيْمَنَ متفقٌ عَلَيْهِ.

5/760- وعن سهلِ بن سَعدٍ : أَن رسول اللَّه ﷺ أُتِيَ بشرابٍ، فشرِبَ مِنْهُ، وعَنْ يَمِينِهِ غُلامٌ، وَعَنْ يَسَارِهِ أَشْيَاخٌ، فَقَالَ للغُلام: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ هُؤلاءِ؟، فَقَالَ الغُلامُ: لا واللَّهِ، لا أُوثِرُ بِنصِيبي مِنكَ أَحَدًا، فَتلَّهُ رسولُ اللَّه ﷺ في يدهِ. متفقٌ عَلَيْهِ.

الشيخ: هذه الأحاديث الثلاثة في آداب الشراب، وقد سبقت أحاديث كثيرة عن النبي عليه الصلاة والسلام في آداب الطعام وآداب الشراب وما ينبغي للمؤمن في أكله وشربه؛ أنه يُستحب له ويُشرع له أن يُسمي الله في أول الطعام، وأن يأكل بيمينه، وأن يحمد الله في آخره، وألا يتنفس في الإناء، وأن يكون التنفس ثلاث مرات، مع فصل الإناء، فكان يتنفس ثلاثًا في الشراب عليه الصلاة والسلام، يعني: يفصله عن فمه ويتنفس ثم يعود حتى يُكمل، ولا يشربه عبًّا كالبهيمة ..... أن يتنفس مرتين أو ثلاثًا، والأفضل ثلاثًا كما تقدم في الحديث، في هذا الحديث يقول: إن الرسول نهى أن يتنفس في الإناء، إذا تنفس لا يتنفس في الإناء، يفصله عن فمه؛ لأنه قد يخرج من فمه شيء ويُقذره التنفس في الإناء، قد ...... الماء أو في اللبن، إذا فضل منه شيء سواء كان لبنًا أو ماءً يُعطي مَن عن يمينه؛ ولهذا في الحديث الأول: أنه ﷺ كان عن يمينه أعرابي، وعن يساره أشياخ، فلما شرب ناوله الأعرابي الذي عن يمينه؛ لأنه عن يمينه: الكأس يُدار عن اليمين، إذا شرب الشارب وبقيت فضلة فإنه يبدأ بمن عن يمينه، وفي اللفظ الآخر: أنه كان عن يمينه غلامٌ، وهذا الغلام كما جاء في روايةٍ أخرى هو ابن عباس رضي الله عنهما، فلما شرب النبي ﷺ قال له: هل تأذن لي أن أُعطي الأشياخ؟ الذين عن يساره، فقال: لا أُؤثر بنفسي منك أحدًا، فتلَّه في يمينه، وأعطاه الكأس قبل الكبار الذين عن يساره، فدلَّ ذلك على أنَّ الكأس إذا فرغ الشاربُ وبقيت فيه بقية تكون عن يمينٍ، هذا هو السنة، وهذا هو الأدب الشرعي، إلا إذا سمح ..... فقال: أعطِ فلانًا، إذا سمح وقدم مَن على اليسار فلا بأس. وفَّق الله الجميع.