37 من حديث (لا ينكِح الزانِي المجلود إلَّا مثله)

بَابُ الْكَفَاءَةِ وَالْخِيَارِ

1009- وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: الْعَرَبُ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءُ بَعْضٍ، وَالْمَوَالِي بَعْضُهُمْ أَكْفَاءُ بَعْضٍ، إِلَّا حَائِكٌ أَوْ حَجَّامٌ. رَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَفِي إِسْنَادِهِ رَاوٍ لَمْ يُسَمَّ، وَاسْتَنْكَرَهُ أَبُو حَاتِمٍ.

1010- وَلَهُ شَاهِدٌ عِنْدَ الْبَزَّارِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ بِسَنَدٍ مُنْقَطِعٍ.

1011- وَعَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لَهَا: انْكِحِي أُسَامَةَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

1012- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: يَا بَنِي بَيَاضَةَ، أَنْكِحُوا أَبَا هِنْدٍ، وَانْكِحُوا إِلَيْهِ، وَكَانَ حَجَّامًا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالْحَاكِمُ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ.

1013- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: خُيِّرَتْ بَرِيرَةُ عَلَى زَوْجِهَا حِينَ عَتَقَتْ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ.

وَلِمُسْلِمٍ عَنْهَا: أَنَّ زَوْجَهَا كَانَ عَبْدًا.

وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهَا: كَانَ حُرًّا. وَالْأَوَّلُ أَثْبَتُ.

وَصَحَّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا.

1014- وَعَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ فَيْرُوزَ الدَّيْلَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَسْلَمْتُ وَتَحْتِي أُخْتَانِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: طَلِّقْ أَيَّتَهُمَا شِئْتَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْأَرْبَعَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ، وَأَعَلَّهُ الْبُخَارِيُّ.

1015- وَعَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ غَيْلَانَ بْنَ سَلَمَةَ أَسْلَمَ وَلَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ، فَأَسْلَمْنَ مَعَهُ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يَتَخَيَّرَ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ، وَأَعَلَّهُ الْبُخَارِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ.

الشيخ: هذه الأحاديث الستة فيما يتعلق بالكفاءة والخيار، والكفاءة: المماثلة، كون الزوج والزوجة متماثلين فيما يتعلق بأنسابهم وصفاتهم وصنعاتهم، ونحو ذلك مما ذكره العلماء في هذا الباب.

والخيار: التَّخيير في النكاح، وفيما إذا أسلم وعنده أكثر من أربعٍ، وفيما إذا أسلم وعنده أختان، أو امرأة وعمّتها أو خالتها، فإنه يُخير.

الحديث الأول: حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، عن النبي ﷺ أنه قال: العرب بعضهم أكفاء بعضٍ، والموالي بعضهم أكفاء بعضٍ، إلا حائكًا أو حجَّامًا رواه الحاكم، وفي إسناده راوٍ لم يُسمَّ، واستنكره أبو حاتم، يعني: الرازي، وهو محمد بن إدريس الرازي رحمه الله، الإمام المشهور.

وله شاهد عن معاذ بن جبلٍ عند البزار بسندٍ منقطعٍ.

الحديث هذا ذكره الفقهاءُ، وذكره غيرُهم من أهل العلم، واحتجَّ به بعضُهم على أنَّ الموالي هم العُتقاء والعجم ليسوا موالي للعرب، وأن المرأة متى زُوِّجت بعتيقٍ أو بأعجميٍّ فلأوليائها أن يمتنعوا ويعترضوا، واعتمدوا على هذا الخبر وما جاء في معناه من بعض الآثار.

وذهب آخرون من أهل العلم إلى أنهم أكفاء، والعبرة بالدِّين فقط، لا بالنَّسب، وأنهم أكفاء: العرب والموالي والعجم، كلهم أكفاء إذا استقام الدِّين، واحتجوا بقوله جلَّ وعلا: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ما قال: لتفاخروا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13]، وقالوا: هذا الحديثُ لا يصحّ عن النبي ﷺ، بل هو حديث موضوع.

قال أبو حاتم: هذا الحديث كذب عن النبي ﷺ، لا يصحّ عن النبي ﷺ.

وقال الدَّارقطني: لا يصحّ عن النبي عليه الصلاة والسلام.

وقال ابن عبد البر: هو خبر موضوع عن النبي ﷺ لا يصحّ.

وبهذا يُعلم أنَّ هذه الحجَّة واهية، وأنَّ الحديث هذا لا يستقيم فيها، ولو صحَّ لم يكن معناه أنه يُفسخ النكاح، أو أنهم يعترضون، وإنما يدل على أنه ينبغي لهم أن يُلاحظوا هذا، وأن يعتنوا بهذا، لو صحَّ الخبر، وأن يُزوج بعضهم من بعضٍ؛ حفظًا لأنسابهم، وضبطًا لأنسابهم عن الاختلاط والتَّغيير، وهكذا الموالي والأعجام فيما بينهم؛ لئلا تختلط أنسابُهم، هذا لو صحَّ الخبر، لكن الخبر غير صحيحٍ عن النبي ﷺ، بل هو كما قال العلماء: موضوع، وليس بصحيحٍ.

ومما يدل على عدم صحته وعدم اعتباره الحديث الثاني: حديث فاطمة بنت قيس الفهرية القرشية رضي الله عنها: أن النبيَّ ﷺ قال لها: أنكحي أسامة، وهو ابن زيد بن حارثة، مولى النبي ﷺ وعتيقه، وهو أيضًا ابن عتيقه؛ فإن زيدًا كان مولًى للنبي ﷺ، وهكذا ابنه أسامة.

فخطب أسامةُ فاطمة، وخطبها معاوية بن أبي سفيان، وخطبها أيضًا أبو جهم، وهو أيضًا من قريش، فجاءت تستشير النبيَّ ﷺ، قالت له: إنه خطبني أبو جهم، وخطبني معاوية، وخطبني أسامة. وكانت مُطلَّقةً من أبي عمرو ابن حفص بن المغيرة المخزومي، فالمخزوم من بطون قريش المعروفة، فقال لها النبيُّ ﷺ: أما معاوية فصعلوك لا مالَ له فقير، وكان ذاك الوقت فقيرًا، وأما أبو جهمٍ فلا يضع عصاه عن عاتقه، وفي اللفظ الآخر: فضراب للنساء يعني: حار الطبع، يضرب النساء، أنكحي أسامة، فاختار لها أسامة مولاه، ونظر لها أن تصرف نظرها عن معاوية وعن أبي جهم، مع كونهما من قومها، ومن عشيرتها، ومن قريشٍ.

فدلَّ ذلك على أنَّ الكفاءة في النَّسب غير مُعتبرة، وأنه لا حرج في أن تتزوج القرشيةُ مَن ليس بقرشيٍّ، ومَن هو مولى أو أعجمي، فزيد وحارثة من قبيلة كلب، وكلب معروفون، لكنهم أتى عليهم العتقُ، مرَّ عليهم الرقُّ، فاستُرقَّ زيدٌ، وكان عتيقًا بعد ذلك، فالمقصود أنه مولى وعتيق ومع هذا لم يلتفت النبيُّ ﷺ إلى ذلك وزوَّجها، وقالت: فجعل الله فيه خيرًا واغتبطتُ به. وهذا من أدلة القائلين بأنَّ الكفاءة من جهة النَّسب ليست شرطًا .....

والحديث الثاني: حديث أبي هريرة أيضًا في أبي هند، حيث قال النبيُّ ﷺ لبني الأنصار: يا معشر الأنصار، أنكحوا أبا هندٍ، وانكحوا إليه، وكان حجَّامًا، رواه أبو داود ..... بسندٍ جيدٍ.

هذا يدل على أنَّ الحجَّام كفءٌ لقراباته غير الحجَّامين، فإذا كان في قرابته مَن يُناسبه من البنات فلا بأس أن يُزوج وإن كان حجَّامًا، أو دباغًا، أو صانعًا، أو حدادًا.

ومما يدل على بطلان الحديث الأول قوله: إلا حائكًا أو حجَّامًا، رُوي عن بعض رواته الضُّعفاء [أنهم] زادوا فيه "أو دبَّاغًا": إلا حائكًا أو حجَّامًا أو دبَّاغًا، قال الراوي: فاجتمع عليه الدَّباغون وهموا به. يعني: أن يقعوا به.

فالمقصود أنَّ هذا مما يدل على بطلان ذاك الحديث كما قال العلماء، فأوصى النبيُّ ﷺ الأنصار أن يُزوجوا أبا هندٍ، وهو منهم، من جُملتهم، ولم يرَ أن كونه حجَّامًا يمنع ذلك، ومعلوم أنَّ الحجامة والدِّباغة والحياكة والحدادة مصالح للمسلمين عظيمة، فالذي يقوم بها جدير بأن يُشكر، لا بأن يُهمل، فإهماله وعدم تزويجه معناه: تنفيره من هذه الصناعة النافعة للناس، فهو غلط في المعنى، كما أنه غلط في الحكم.

فهو غلط في المعنى؛ لأنَّ هذه الصناعات التي يحتقرها الكثيرُ من الناس إذا جُعل مَن يتعاطاها ليس بكفءٍ لمن لا يتعاطاها معناه: إهمالها والإعراض عنها وتضييعها؛ حتى يقول كل واحدٍ: أنا أخشى ألا يُزوجوني، أو يُضيعوني.

فالمقصود أنَّ هذا من مكارم الأخلاق، ومن محاسن الإسلام الذي جاء بهذا، وأنَّ صاحب الصنعة لا يقدح فيه بسبب صنعته، بل ينبغي أن يُجلّ ويُقدّر ويُزوج؛ لأنه محسنٌ للمجتمع في تعاطيه الصنعة التي تنفع المجتمع: من حياكةٍ، أو من خياطةٍ، أو نجارةٍ، أو حدادةٍ، أو حجمٍ لمن يحتاج إلى ذلك، أو ما أشبه ذلك من حاجات البلد، حاجات المسلمين.

والحديث الرابع: حديث عائشة رضي الله عنها في قصة بريرة، بريرة هذه امرأة كانت رقيقةً عند بعض العرب في المدينة، فكاتبوها على نفسها بتسع أواقٍ، في كل سنةٍ أوقية، يعني: اشترت نفسها منهم بتسع أواقٍ، كل عام تُعطيهم أوقية: أربعين درهمًا، الأوقية: أربعون درهمًا، يعني: بثلاثمئة وستين ريالًا، ستين درهمًا مُؤجلة أقساطًا.

فجاءت إلى عائشة تستعينها في المال وتقول لها: إني كاتبتُ سادتي على هذا، فأعينيني، فقالت رضي الله عنها: إن أحبَّ أهلُك أن أعدّها لهم وأُعطيهم إياها نقدًا ويكون ولاؤك لي فعلتُ. فأحبت أن تعتقها وتشتريها نقدًا، فذهبت الجاريةُ إلى أهلها فقالت لهم، فقالوا: لا، إلا أن يكون الولاءُ لنا. فعند ذلك خطب النبيُّ الناس عليه الصلاة والسلام وذكَّرهم وبيَّن لهم أنَّ الولاء لمن أعتق، وقال لعائشة: اشتريها وأعتقيها، فاشترتها وأعتقتها، فخُيرت في زوجها مغيث بعد عتقها، فاختارت نفسها وقالت: لا حاجةَ لي فيه.

هذا يدل على أنَّ المرأة إذا كانت تحت عبدٍ وأُعتقت فإنَّ لها الخيار: إن شاءت بقيت معه، وإن شاءت لم تبقَ معه، والسرُّ في هذا أنه مملوك، وليس له تصرفٌ في نفسه، فقد يضرّها بقاؤه في الملك، وقد لا يتيسر لها المطلوب منه، وقد يُسافر به سيده، وقد يمنعه سيده من قضاء حاجتها، فعليه مشقة؛ ولهذا خُيرت لما أعتقت تحت عبدٍ.

والصَّحيح أنه عبد مملوك كما روى البخاري عن ابن عباسٍ، وكما في رواية عائشة الصَّحيحة عنها.

وحديث بريرة هذا فيه فوائد كثيرة:

منها: أن المرأة إذا عتقت تحت عبدٍ تُخير: فإن شاءت بقيت معه، وإن شاءت تركت، ما لم يُجامعها وهي تعلم الحكم، فإذا جامعها وهي تعلم الحكم بطل خيارها كما نصَّ عليه أهلُ العلم، وكما جاء في بعض الروايات الأخرى.

ومن فوائد هذا الخبر: أن الكتابة حقٌّ وجائزة، كما قال الله: فَكَاتِبُوهُمْ [النور:33].

ومن فوائده أيضًا: أنه لا بأس أن يُشترى المكاتبُ بثمنٍ مُعجَّلٍ ويُنجز لأهل الكتابة حقّهم، وأنَّ الولاء لمن أعتق، فصار هذا هو أحد أسباب الميراث المجمع عليها.

ومنها: أنَّ الصدقة على الفقير صدقة، وإذا أهدى منها للأغنياء أو عزمهم أو دعاهم للوليمة تكون لهم هديةً، لا يحرم عليهم، فإذا كان الفقيرُ ماله من الزكاة، ثم دعا الأغنياء للوليمة، فلا بأس أن يأكلوا منها؛ لأنها صارت في حقِّه مالًا له، وهديةً منه للأغنياء وبني هاشم وأشباه ذلك، فلا حرج أن يأكلوا منها؛ ولهذا قال النبيُّ في قصة بريرة لما أخبروه أنَّ البُرمة فيها لحم أُهدي لبريرة قال: هو عليها صدقة، ولنا هدية.

وفيه فوائد أخرى كثيرة قد ذكرها جماعةٌ: ذكرها الشارح، ذكرها الألباني، وذكرها الشارح هنا، قال بعضهم: ..... إلى مئةٍ وعشرين.

فالمقصود أنَّ فيه فوائد جمَّة، وهو حديث عظيم جليل، والذي يخصنا منه التَّخيير، وكان مغيث يُحبها كثيرًا، هذا زوجها، وكان يبكي في الأسواق يُريدها، حتى إنَّ النبي ﷺ أشار عليها بذلك، وذهب إليها النبيُّ ﷺ وشفع إليها، قال: إني أشفع إليك أن تبقي مع مغيث، قالت: لا حاجةَ لي فيه إلا أن تأمرني. قال: لا آمرك، ولكني أشفع، قالت: ما دام تشفع لا حاجةَ لي فيه. وكان يبكي كثيرًا.

ويُروى عنه ﷺ أنه قال: إني لأعجب من حبِّ مغيث لبريرة وبغضها له والله المستعان.

والحديث الخامس: حديث الضحاك بن فيروز الدّيلمي، عن أبيه فيروز، هذا الدَّيلمي هو أحد أبناء اليمن، وهو من فارس الذين قدموا اليمن، أرسلهم كسرى إلى اليمن لافتتاح اليمن، واستقروا فيها مع ذي يزن مدةً طويلةً قبل الإسلام، وبقي فيها أولئك الفرس، وصاروا يمنيين، منهم فيروز هذا، وهذا هو الذي قام على الأسود العنسي لما ادَّعى النبوة، هو وجماعة معه فقتلوه، وجاء إلى النبي ﷺ في آخر حياة النبي ﷺ.

فالمقصود أنه قاتل الأسود العنسي، فأسلم وتحته أختان، فقال له النبيُّ: طلق إحداهما يعني: اختر إحداهما وطلِّق الأخرى، فاختار إحداهما وطلَّق الأخرى.

واحتجَّ به العلماء على أنَّ الإنسان إذا أسلم وعنده أختان، أو امرأة وأمها، أو امرأة وخالتها أو عمّتها، يختار إحداهما، ويُطلق الأخرى، ويمضي في نكاحه الأول ولا يبطل، بل يبقى على نكاحه الأول.

وهكذا جميع مَن أسلم من العرب لم يُغير النبيُّ نكاحهم، فأقرهم على نكاحهم، فدلَّ ذلك على أنَّ مَن أسلم يُقرُّ على نكاحه السابق، ولو فتش عنه، ولكن إذا أسلم وعنده مَن يمنع بقاؤها: كأخته أو عمته، يُفارقها، فإن كان عنده مَن يمنع الجمع بينهما فارق إحداهما: كالأختين، والمرأة وعمّتها، والمرأة وخالتها، وينظر فيما يقتضيه الشرع.

والحديث صحيح، وقد أعلَّه البخاري؛ لأنَّ الضحاك لم يُعرف أنه سمع من أبيه، والراوي عن الضحاك -وهو أبو وهب الجيشاني- لم يُعرف أنه سمع من الضَّحاك، لكن الدَّارقطني وابن حبان والبيهقي صحَّحوه؛ لأنهما مُتعاصران، وفي وقتٍ واحدٍ، وعلى طريقة مسلم وجماعة: المتعاصران تُحمل روايتهما على السماع؛ ولهذا صحَّحوا الحديثَ الذي هو حديث الضَّحاك، ولم يلتفتوا إلى ما أعلَّ به البخاري رحمه الله في هذا؛ لأنهما يمانيان مُتعاصران في زمنٍ واحدٍ، فالظاهر سماع هذا من هذا، وسماع هذا من أبيه.

والحديث السادس: حديث ابن عمر في قصة غيلان.

ثم هذا الذي دلَّ عليه حديث الضَّحاك هو محل إجماعٍ بين أهل العلم، فإن كان الحديثُ فيه مقال للبخاري رحمه الله، ولكنه محل إجماعٍ؛ أجمع العلماءُ على أن الإنسان إذا أسلم وعنده أختان، أو امرأة وعمّتها، أو خالتها، أو امرأة وأمها: أنه يُفرق بينهما بالنسبة إلى إحداهما، فلا تبقى معه إلا واحدة؛ لأنَّ الشرع يمنع الجمعَ بينهما.

والحديث السادس: حديث ابن عمر في قصة غيلان بن سلمة: أنه أسلم وله عشر نسوة، فأمر النبيُّ أن يختار منهن أربعًا.

هذا الحديث أيضًا رواه أحمد والترمذي والشافعي ومالك وجماعة، وصحَّحه جماعةٌ، وأعله البخاري بأن الزهري لم يسمعه من سالم، وإنما يُروى عنه أنه قال: حُدِّثْتُ عن محمد بن سويد الثَّقفي. فأعله البخاري رحمه الله بهذا، ولكن رواه أحمد عن معمر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه.

قال ابن كثير رحمه الله: وهذه الرواية على شرط الشَّيخين.

فالحديث صحيح من رواية أحمد ومَن روى روايته؛ ولهذا صحَّحه جماعةٌ.

وله شاهد من حديث قيس بن الحارث الأسدي، ويقال: الحارث بن قيس الأسدي، رواه جماعة أيضًا: ابن ماجه وجماعة، وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله: إنه حسن، فإنه أسلم عن ثمانٍ، فأمره النبيُّ أن يتخير منهن أربعًا ويُفارق أربعًا.

وكذلك له شاهد ثالث من حديث نوفل بن معاوية الديلي عند ابن ماجه وغيره، قال ابن كثير رحمه الله: إنه حسن بغيره، وأنه أسلم على خمسٍ، فأمره النبيُّ أن يُفارق منهن واحدةً، قال: فعمدتُ إلى امرأةٍ عجوز قديمة معي لها ستون عامًا فطلَّقتُها، وأبقيتُ الأربع.

فهذه الأحاديث وما جاء في معناها حُجَّة عند الأئمة على أنه ليس للمسلم أن يجمع أكثر من أربعٍ، وأما نكاح النبي ﷺ تسعًا فهذا من خصائصه ﷺ، وليست لغيره، أما الأمة فليس لهم أن يتزوَّجوا أكثر من أربعٍ.

قال ابن كثيرٍ رحمه الله: وهو إجماع أهل العلم. إجماع أهل العلم على ذلك، قال: إلا أنه يُروى عن طائفةٍ من الشيعة جواز التِّسع، وبعضهم أجاز أكثر، ولكن لا عبرةَ بخلافهم.

وكذلك قال صاحب الحاشية في "المقنع": أنه إجماع أهل العلم، إلا أنه يُروى عن القاسم بن إبراهيم خلاف ذلك، وأنه يُحتج بفعل النبي ﷺ، ولكن ليس هذا بشيءٍ، والقاسم بن إبراهيم لا أعرفه، ولا تتبعت مَن هو القاسم بن إبراهيم. ولكن لم يذكر خلاف الشيعة الذي ذكره ابنُ كثير رحمه الله.

فالحاصل أنَّ الذي عليه أهلُ العلم وأهل السنة والجماعة هو تحريم النكاح أكثر من أربعٍ، هذا الذي عليه أهل العلم، وهو شبه الإجماع منهم؛ لهذه الأحاديث التي جاءت في الباب، والله تعالى أعلم.

س: ............؟

ج: هذا ظاهره إلا أن يثبت اللقاء، حتى يثبت اللقاء ولو مرة، حتى في غير الصحيح.

س: .............؟

ج: هكذا حكم عليه الدَّارقطني وابن عبد البر وأبو حاتم، ابن عبد البر وأبو حاتم حكما عليه بالوضع، والدَّارقطني قال: لا يصح.

.............

1016- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهمَا قَالَ: رَدَّ النَّبِيُّ ﷺ ابْنَتَهُ زَيْنَبَ عَلَى أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ بَعْدَ سِتِّ سِنِينَ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ، وَلَمْ يُحْدِثْ نِكَاحًا. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْأَرْبَعَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ، وَصَحَّحَهُ أَحْمَدُ، وَالْحَاكِمُ.

1017- وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ رَدَّ ابْنَتَهُ زَيْنَبَ عَلَى أَبِي الْعَاصِ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ.

قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَجْوَدُ إِسْنَادًا، وَالْعَمَلُ عَلَى حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ.

1018- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهمَا قَالَ: أَسْلَمَتِ امْرَأَةٌ، فَتَزَوَّجَتْ، فَجَاءَ زَوْجُهَا فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي كُنْتُ أَسْلَمْتُ، وَعَلِمَتْ بِإِسْلَامِي. فَانْتَزَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ زَوْجِهَا الْآخَرِ، وَرَدَّهَا إِلَى زَوْجِهَا الْأَوَّلِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ. وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ.

1019- وَعَنْ زَيْدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْعَالِيَةَ مِنْ بَنِي غِفَارٍ، فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ وَوَضَعَتْ ثِيَابَهَا، رَأَى بِكَشْحِهَا بَيَاضًا، فَقَالَ: الْبَسِي ثِيَابَكِ، وَالْحَقِي بِأَهْلِكِ، وَأَمَرَ لَهَا بِالصَّدَاقِ. رَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَفِي إِسْنَادِهِ جَمِيلُ بْنُ زَيْدٍ، وَهُوَ مَجْهُولٌ، وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِي شَيْخِهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا.

1020- وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: أَيُّمَا رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَدَخَلَ بِهَا فَوَجَدَهَا بَرْصَاءَ، أَوْ مَجْنُونَةً، أَوْ مَجْذُومَةً، فَلَهَا الصَّدَاقُ بِمَسِيسِهِ إِيَّاهَا، وَهُوَ لَهُ عَلَى مَنْ غَرَّهُ مِنْهَا. أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَمَالِكٌ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ.

1021- وَرَوَى سَعِيدٌ أَيْضًا عَنْ عَلِيٍّ نَحْوَهُ، وَزَادَ: وَبِهَا قَرَنٌ، فَزَوْجُهَا بِالْخِيَارِ، فَإِنْ مَسَّهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا.

1022- وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَيْضًا قَالَ: قَضَى بِهِ عُمَرُ فِي الْعِنِّينِ أَنْ يُؤَجَّلَ سَنَةً. وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ.

الشيخ: هذه الأحاديث والآثار في بقية أحكام إسلام أحد الزوجين، وفي عيوب النكاح:

حديث ابن عباسٍ: أن النبي ﷺ ردَّ ابنته زينب على أبي العاص بن الربيع ولم يُعلن نكاحًا بعد ستِّ سنين. حديث جيد كما رواه أحمد وأهل السنن إلا النَّسائي، وصححه أحمد والحاكم، وهو معتمد عند أهل العلم، وردَّها عليه من دون تجديد نكاحٍ، وما ذاك إلا أنها انتظرته ولم تزل ترجو إسلامه حتى أسلم وهداه الله، وكان بين ذلك ستّ سنين: بين هجرتها وبين إسلامه، فإنها هاجرت سنة اثنتين من الهجرة، وهو أسلم عام الفتح، فصار بينهما ستّ سنين، وبين تحريم المسلمات على الكفار وبين إسلامه سنتان، فالتحريم وقع في سنة الحُديبية: لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ [الممتحنة:10].

فهذا يدل على أنَّ المرأة إذا انتظرت زوجَها فإنها تحلُّ له، ولا تحتاج إلى تجديد نكاحٍ ولو بعد خروجها من العدة، وهذا واقع في قصة زينب رضي الله عنها.

أما رواية عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، فهي رواية ضعيفة عند أهل العلم، وإن قال الترمذي رحمه الله: العمل بها. ولكن سندها ليس بجيدٍ، ولكن الحجَّة في هذا أنَّ النبي ﷺ ردَّ زوجات مَن أسلم عليهم، ولم يبحث عن العدة، ولم يُحفظ أنه سأل عن العدة، فدلَّ ذلك على أنَّ المرأة تُعاد لزوجها، والرجل يأخذ زوجته إذا أسلم أو أسلمت، من دون نظرٍ في العدة، ما داما اتَّفقا على هذا، وتراضيا على هذا، بالدليل على أنه ﷺ أقرَّ الناس على ذلك، ومعلوم أنَّ إسلامهم يوم الفتح وفي غير الفتح اختلف كثيرًا.

ومن ذلك عكرمة بن أبي جهل: فإنه تأخَّر إسلامه، ثم رجع وأقرَّه النبيُّ ﷺ على نكاح زوجته، ولم يسألهما عن العدة.

وهكذا أصرح شيءٍ قصة زينب، وهكذا قصة المرأة في حديث ابن عباس الثالث، فإنه أسلم وقال: يا رسول الله، إنها علمت بإسلامي، فتزوجت، فانتزعها من زوجها الآخر وردَّها إلى زوجها الأول.

فهذا كله يدل على أنَّ المرأة إلى زوجها إذا أسلم وهي لم تنكح، فإنها تُعاد إليه، قال الجمهور: يُشترط في ذلك العدة؛ أن تكون باقيةً في العدة، فإذا كانت قد خرجت من العدة لم تُعاد إليه إلا بنكاحٍ جديدٍ، وهو الذي ذكره الترمذي رحمه الله: أنَّ عليه العمل.

وقد ذكر ابنُ القيم رحمه الله في "زاد المعاد" بحثًا نفيسًا في هذا، وبيَّن أنَّ الواقع يدل على خلاف ذلك، وأن الزوج أولى بزوجته وإن خرجت من العدة، ما دامت تنتظره ولم تزوج، وأنه لا يُعرف أنه سأل عن العدة عليه الصلاة والسلام في هذا الباب. وهذا هو الأظهر من حيث الدليل، أما إن تزوجت بعد خروجها من العدة قبل إسلامه فهي حرة في ذلك عند جمهور أهل العلم، إذا اعتدت لها أن تزوج، وهو كالإجماع من أهل العلم، لكن لو بقيت تنتظره ولم تتزوج فهو أولى بها، وظاهر النصوص ولو لم تنتظره، ولكن قدر أنها بقيت ثم أسلم، فهو أولى بها، لكن لو تزوجت معناه أنها اختارت نفسها، واختارت فراقها، فتكون لزوجها الجديد إذا كان بعد العدة وقبل إسلام زوجها على ظاهر حديث زينب وحديث ابن عباسٍ هذا.

أما حديث زيد بن كعب بن عجرة في قصة العالية من بني غفار: أن الرسول تزوجها ووجد بها بياضًا، فأمرها أن تذهب إلى أهلها، فهو حديث ضعيف لا تقوم به حُجَّة ولا يُعتبر؛ لجهالة جميل؛ ولاضطراب في الحديث كما ذكر المؤلفُ رحمه الله.

المقصود أنه حديث ضعيف، وليس من أخلاقه ﷺ أنه يقع منه مثل هذا، فإنه ﷺ ستير حيي لطيف الأخلاق وجميل الأخلاق عليه الصلاة والسلام، فليس من الظاهر أنه يقول لها في الحال لما رآها: اذهبي إلى أهلك.

المقصود أنَّ هذا الحديث ضعيف ولا تقوم به حُجَّة في هذا الباب، وإنما الحجَّة في عموم قوله ﷺ: مَن غشَّنا فليس منا، وما جاءت به أخبار التَّدليس والغشّ أنه لا يجوز للمسلمين أن يغشّوا الزوج، ولا أن يغشوا الزوجة، بل الواجب البيان والنُّصح، النبي عليه الصلاة والسلام قال: الدِّين النَّصيحة، فليس للزوج أن يكتم عيوبه، وليس لها أن تكتم عيوبها، وليس لأوليائها أن يكتموا عيوبها من البرص والجذام ولا غيره.

وقد اختلف الناسُ في عدد العيوب على أقوالٍ، قال ابنُ القيم رحمه الله: وأجمع ما يُقال في هذا وأولى ما يُقال في هذا: أن كل عيبٍ يُنفر أحد الزوجين من الآخر فهو مُعتبر، ولا يتقيد بعددٍ معلومٍ، فالعلماء ذكروا عيوبًا كثيرةً، وبعضهم اقتصر على العيوب القليلة، وبعضهم قال: لا ترد بعيبٍ ولا يفسخ بعيبٍ.

وهذه أقوال غير ناهضةٍ، ولا سيما قول مَن قال: لا تُرد بعيبٍ. فهو قول ليس بناهضٍ، ومخالف لما جاء عن الصحابة، بل تُرد بالعيوب: كالجذام والبرص والجنون، كما جاء في أثر عمر وعلي هنا، ولكن هل يقتصر على هذا: على الجنون والجذام والبرص .....، قيل: لحمة تكون في الفرج تصده عن الجماع، وقيل: عظم يكون في الفرج، وضبطه في "النهاية" بإشكال الراء، قال: إنه عظم كالسن.

فهذه العيوب الأربعة وما جاء في معناها عيوب تسوغ للزوج الفسخ والرجوع على مَن غرَّه فيما بنى من الصَّداق، ولكن هناك عيوب أيضًا لم يرتضوها عيوبًا، وهي أشد من كثيرٍ من العيوب التي ذكروها: كأن لو زوَّجوه عمياء ولم يُخبروه، فإنَّ هذا عيب كبير، أو زوَّجوها مقطوعة اليدين، أو مقعدةً ما تمشي، أو مقطوعة أحد اليدين، أو الرِّجلين، فهذه عيوب ينبغي أن تكون مثل العيوب، أو أشدّ من بعض العيوب التي ذكروا.

فالحاصل أن كلام ابن القيم في هذا أولى وأظهر، وأنَّ مَن ..... على زوجها مثل هذه العيوب فقد غشَّ، وهكذا الزوج إذا كان أقطع، أو كفيفًا، أو مُقْعَدًا ولم يُخبر الزوجة، فلها الخيار، كما لها الخيار لو كان مجبوبًا أو عنِّينًا أو أبرص أو مجذومًا أو ما أشبه ذلك.

فالحاصل أنَّ هذا المقام مقام عظيم، فالواجب على القُضاة فيه أن يعتنوا به، وأن يُنصفوا الرجالَ والنساءَ في ذلك، ولا يتقيد بعيوبٍ معدودةٍ، فقد تكون هناك عيوب لا تخطر على البال تقع لم يذكرها الأولون، فمتى وُجد عيبٌ واضحٌ يؤذي المرأة، أو يؤذي الرجل، أو ينفر أحدهما من الآخر، فستروه ولم يُبَيِّنوه، فهو عذر لهم في الفسخ، ولهم المطالبة بالمهر، وعذر لها بالفسخ هي أيضًا، والله المستعان.

أما العِنين: فهو الذي لا يستطيع الجماعَ، عنده شهوة، قد تكون عنده شهوة، ولكن لا يقوم ذكره بالجماع، لا يقوى على الجماع؛ لضعفٍ في ذكره؛ لصغره وضعفه ونحو ذلك، فهذا يُمهل كما قال عمر سنةً، فإن جامع وإلا فلها الفسخ.

قال بعضهم: ولعلَّ السرَّ في ذلك أنها تمر عليه الفصول الأربعة: الشتاء، والصيف، والربيع، والخريف، فقد تكون علَّته من أجل عدم مناسبة بعض الفصول، فتزول في الفصل الآخر. وهذا قول وجيه.

وهو بكل حالٍ هو عذر، للحاكم إذا مرت سنةٌ على هذا الرجل ولم يُجامع فللقاضي العذر في هذا أن يفسخ، والمرأة لها العذر في ذلك.

وهذا كله ما لم يرضَ بالعيب، مَن رضي بالعيب بطل فسخه، أو وُجدت به الدلالة الواضحة على الرضا به فلا فسخَ له، ولكن هذا كله إذا كان لم يرضَ بالعيب، ولم يُوجد منه ما يدل على رضائه، فإنَّ له الخيار متى وُجدت به العيوب المنفرة التي لا يحصل معها الوئام والسكن والأنس والمتعة، والله المستعان.

س: ..............؟

ج: ما في إلا آثار وعموم الأدلة .....

س: ...............؟

ج: هذا بعدما طلَّقها ترجع إلى زوجها الأول، فأمرها النبيُّ ﷺ أن تبقى حتى تنكح زوجًا يذق عسيلتها وتذوق عسيلته.

س: ...............؟

ج: لأنه أسلم وقد علمت بإسلامه قبل أن تنكح.

س: ...............؟

ج: ولو، ولو، ظاهر النص ولو تمَّ النكاح.

س: ...............؟

ج: هو لا بدَّ أنها بعد العدة، النبي لم يستفصل، وعدم الاستفصال دلَّ على العموم، هذا مقصود ابن القيم رحمه الله.

س: ...............؟

ج: نعم بعد العدة، هذا محل البحث، أما قبل العدة باطل النِّكاح.

س: ...............؟

ج: ولو، ولو؛ لأنَّ الطبيب قد يُخطئ ويغلط، صبر سنةٍ هو الأولى والذي ينبغي.

س: ..............؟

ج: القاضي يجتهد.

س: ..............؟

ج: نعم، الحديثان يُؤيد أحدهما الآخر.

س: ...............؟

ج: ظاهره يعني: عمل أهل العلم، أما قول الشارح: أهل العراق، ليس بجيدٍ، مُراده عمل أهل العلم، يعني: أهل الحديث .....

بَابُ عِشْرَةِ النِّسَاءِ

1023- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَلَكِنْ أُعِلَّ بِالْإِرْسَالِ.

1024- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى رَجُلٍ أَتَى رَجُلًا أَو امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَأُعِلَّ بِالْوَقْفِ.

1025- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِي جَارَهُ، وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمَهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ.

وَلِمُسْلِمٍ: فَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ وَبِهَا عِوَجٌ، وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا كَسَرْتَهَا، وَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا.

1026- وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي غَزَاةٍ، فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ ذَهَبْنَا لِنَدْخُلَ، فَقَالَ: أَمْهِلُوا حَتَّى تَدْخُلُوا لَيْلًا يَعْنِي: عِشَاءً لِكَيْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ، وَتَسْتَحِدَّ الْمَغِيبَةُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: إِذَا أَطَالَ أَحَدُكُمُ الْغَيْبَةَ فَلَا يَطْرُقْ أَهْلَهُ لَيْلًا.

1027- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الرَّجُلُ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.

الشيخ: هذا الباب في عشرة النساء، يعني: في باب عشرة الرجال للنساء، للأزواج، وقد أمر الله بإحسان العشرة في كتابه الكريم حيث قال سبحانه: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19]، وقال: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة:228]، فالمعاشرة هي المصاحبة، فالواجب على الأزواج أن يُصاحبوا الزوجات بالمعروف، لا بالظلم والعنف والشدة والإيذاء والجهل والهجر بغير ذنبٍ، بل هذا مما كرهه الله لأوليائه وعباده، وهو أيضًا مما يُسبب سُوء الحال وانفصام العرى.

فالواجب على المؤمن أن يتَّقي الله في النساء، فإنهن كما قال الرسول: عوان عند الأزواج، أسرى، والغالب عليهن أنهن ضعيفات بالنسبة إلى الرجل، وهم أقوى على ظلمهن منهن، هذا هو الأغلب والأكثر، فالواجب عليه أن يتَّقي الله في ذلك، وأن يُحسِن العشرة، وأن يتلطَّف بهن ويُعلِّمهن ويُرشدهن إلى ما قد يقع من النَّقص؛ حتى يستقيم الحال.

ثم من إحسان العشرة: أن يُعاملها بما أباح الله، لا بما حرَّم الله، فالذي أباح الله وشرع أن يطأها في الفرج في حال الطَّهارة، لا في حال الحيض، ولا في حال النفاس، ولا في حال الإحرام، بل في الأوقات التي أباح الله، ويطأها في الفرج، لا في الدبر.

كل هذا من إحسان العشرة؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: ملعونٌ مَن أتى امرأةً في دبرها خرجه أبو داود والنَّسائي، ورجاله ثقات، لكن أُعلَّ بالإرسال.

هذا الحديث العظيم يدل على أنَّ وطء المرأة في الدُّبر من الكبائر، وأنه خلاف ما شرع الله؛ لأنه قال سبحانه: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ [البقرة:223]، والحرث محله القبل، محل الولد، فإتيانها في الدبر خلاف ما شرع الله، ومن اللواط المحرم؛ ولهذا قال: ملعونٌ مَن أتى امرأةً في دبرها، حديث صحيح، وإسناده جيد عند أبي داود والنسائي، وقد ذكر الشارحُ أنه رواه عدةٌ من الصحابة، كثير من الصحابة، عن النبي ﷺ.

أما تعليله بالإرسال فلا يضرّ؛ لأنَّ الحديث قد يُرسله بعض الرواة ويضعف عن وصله، وقد يصله الآخرون، فإذا وصله الثِّقةُ لم يضرّه إرسال غيره، ثم التابعي قد ينشط فيسوق الحديثَ ويذكر الصحابي، وقد يكسل ويضعف لأسبابٍ فيقتصر على ذكر المرفوع فقط، فيكون مرسلًا.

فإذا جاء الحديثُ من طريقين، أو من طرقٍ فيها إرسال، وفيها اتِّصال؛ وجب الأخذُ بالاتصال إذا كان عن ثقةٍ؛ لأنها زيادة فتُقبل على الأصح عند أهل الأصول.

وهكذا الحديث الثاني: حديث ابن عباس: لا ينظر اللهُ إلى رجلٍ أتى رجلًا أو امرأةً في دبرها أخرجه النسائي والترمذي وابن حبان، وهو أيضًا حديث صحيح جيد الإسناد، ولا يضرّه مَن وقفه؛ فإنَّ الصحابي قد ينشط ويرفع، وقد يضعف أو يستعجل فلا يرفع ويحتج ..... الموقوف، فالكلام الموقوف لا يُعارض المرفوع، بل يتأيد أحدهما بالآخر، وقد وصله الثقةُ ورفعه الثقة، فوجب الأخذُ بالرفع.

ثم هو أيضًا في معنى المرفوع، حتى الموقوف؛ لأنه لا يُقال من جهة الرأي، ليس للرأي مجال في هذا، فالموقوف في معنى المرفوع، فهو حديث مرفوع صحيح يدل على تحريم إتيان الرجل والمرأة في الدبر، وأنَّ الرجل لا يُؤتى، وإنما المرأة هي التي تُؤتى في القبل، لا في الدبر، فإتيان الرجال فيه معصية قوم لوط، المعصية الشنيعة التي ما سبقهم إليها أحد؛ ولهذا صار حدّ أهلها القتل بتاتًا، سواء كان ثيبًا أو بكرًا حدّه القتل من أجل اللوط، وقد خسف الله باللوطية بلادهم، نسأل الله العافية.

أما المرأة فلا يجوز إتيانها في الدبر أبدًا، بل يجب أن تُؤتى في القُبل دون الدُّبر، وهذا إذا لم يتب منه، ومما يسوغ لها الفسخ وطلب الفراق؛ لأنه جريمة شنيعة، وفيها مضارّ على المرأة، مع كونها محرمة وكبيرة.

وقوله: لا ينظر وعيد شديد، وأصرح منه في شدة العقوبة: ملعون مَن أتى امرأةً في دبرها كما تقدم، وفي بعض الروايات: لعن الله مَن عمل عمل قوم لوطٍ.

والحديث الثالث: حديث أبي هريرة، يقول ﷺ: مَن كان يُؤمن بالله واليوم الآخر فلا يُؤذِ جاره هذا يتعلق بالجار، وله بحث يأتي في آخر الكتاب في "الأدب".

فالجار له حقّ عظيم، والواجب الإحسان إليه، وكفّ الأذى عنه، والجيران كثيرون، ولكن أعظمهم حقًّا أقربهم فأقربهم بابًا، وقد جاء في بعض الروايات ما يدل على أنَّ الأربعين كلهم جيران، وقد جاء ما يدل على المئة كلهم جيران.

فالحاصل أنَّ الواجب على المؤمن أن يتَّقي الله في جاره، وكلما كان أقرب فهو أولى بالعناية، وأولى بالإحسان وكفّ الأذى.

وفي اللفظ الآخر في الصحيح: مَن كان يُؤمن بالله واليوم الآخر فليُكرم جاره، فليُحسِن إلى جاره، وقال في الحديث الصحيح: ما زال جبريلُ يُوصيني بالجار حتى ظننتُ أنه سيُورثه، فالجار له حقّ كبير، يجب إكرامه، وكفّ الأذى عنه.

والجار ثلاثة:

جار مسلم قريب، له ثلاثة حقوق: حق الجوار، وحق الإسلام، وحق القرابة.

وجار مسلم له حقَّان: حقّ الجوار، وحقّ الإسلام.

ومثله جار كافر قريب: له حق الجوار، وحق القرابة.

والثالث: جار ليس بمسلمٍ، وليس بقريبٍ، فله حقّ واحد، وهو حق الجوار.

فليتَّقِ الله المؤمنُ في جاره، وليكفَّ عنه الأذى، ومن الإكرام له والإحسان: النَّصيحة، وبذل المعروف، مع كفّ الأذى.

قال: واستوصوا بالنِّساء خيرًا، فإنهن خُلقن من ضلعٍ تُفتح اللام وتُسكن، والفتح أشهر، يقال: ضِلْع وضِلَع.

وإنَّ أعوج شيءٍ في الضِّلع أعلاه إشارة إلى أنها خُلقت من أعلى الضِّلع، من أعوجه، وهذا هو الغالب عليهن: العوج وعدم الاستقامة، ولكن الواجب على المؤمن ومُقتضى المعاشرة الطيبة أن يغضَّ النظر عن كثيرٍ من اعوجاجها الذي يمكن أن يتحمل، وأن يجتهد في إصلاحها وتوجيهها، مع الصبر على بعض الاعوجاج حتى تستقيم الحال، وتستمر العشرة، ويبقى النكاح؛ ولهذا قال: فإن ذهبتَ تُقيمها كسرتها، وإن تركتها لم تزل، فإن ذهبت تقيمه يعني: الضلع، كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج.

وفي اللفظ الآخر: فإن ذهبت تقيمها كسرتها، وكسرها طلاقها يعني المرأة.

فينبغي للمؤمن أن يتغاضى عن الأمور الكثيرة التي يمكن تحملها؛ حتى تبقى المودةُ والمحبةُ والمعاشرةُ، ولا مانع من المناصحة والتَّوجيه إذا أمكن من تلك الاعوجاجات، لعلها تزول، لكن لا يُدقق، بل يتحمل ويتبصر.

وفي اللفظ الآخر عند مسلم: لا يفرك مؤمنٌ مؤمنةً، إن سخط منها خلقًا رضي منها خلقًا آخر فالمؤمنة ستجد فيها أخلاقًا كريمةً، فلا يحملك ما قد ترى من عوجٍ على فراقها، بل اصبر؛ لأنَّ فيها من الأخلاق الطيبة ما يدعو إلى الصبر عليها، ومعلوم ما لدى النساء من الاعوجاج، فالكريم يتغاضى عن بعض الاعوجاج ويتحمل، ويعلم أنه أيضًا لا يخلو من عيبٍ هو أيضًا، فليتحمل، كما أنها تتحمله في بعض اعوجاجه فليتحملها هو أيضًا في بعض اعوجاجها، وليعلم أنه لا بدَّ من عوجٍ، لكن قد يقلّ وقد يكثر، هذه طبيعتها، وهذا خلقها الذي خلقها الله عليه.

ومن شأن الكُرماء والأخيار من الأزواج: غضّ النظر عن كثيرٍ من هذه الأشياء وتحملها، وكأنه ما رآها، ولا سمعها؛ حتى تبقى المودةُ والعشرةُ، ويستمر النكاح، ومَن دقَّق في العيوب وأراد منها أن تستقيم في كل شيءٍ فإنَّ هذا لا يتم له، بل يبقى معها في عذابٍ ونكدٍ، أو يصرم حبالها ويُفارقها.

والحديث الرابع حديث جابر: أنهم كانوا مع النبي في غزاةٍ، فلما قدموا ذهبوا ليدخلوا -يعني: قدموا نهارًا- فقال لهم النبيُّ ﷺ: أمهلوا حتى تدخلوا ليلًا يعني: عشاء كي تمتشط الشَّعثةُ، وتستحدّ المغيبة.

هذا يدل على رفقه ﷺ وعنايته بالزوجات والأزواج أيضًا: أنه ينبغي للمؤمن أن يكون عنده فطنة، وعنده عناية بالزوجة، فإذا قدم نهارًا فلا يعجل باتِّصاله بها، وإذا أمكن ألا يدخل وأن يتريث بعض الشَّيء؛ حتى يسمعوا بخبره، وتأتي الرسل أو المبشرون بوصوله؛ حتى يكون بعض الاستعداد منها لزوجها، وإن كان ليلًا فينبغي له ألا يطرق ليلًا، ولا سيما مع طول الغيبة، فإنه قد يطرقها وهي على حالٍ لا تُرضى من الشَّعاثة وعدم الاستعداد بالمباشرة، وقد يراها على حالٍ رديئةٍ من اتِّصالها بأحدٍ، أو اتصال أحد بها، فينبغي أن يُلاحظ هذا؛ ولهذا في رواية مسلم الأخرى: لا يطرق أحدُكم أهلَه ليلًا يتخوَّنهم ويلتمس عثراتهم، فمَن ذا الذي يسلم .....

والحكمة في ذلك ما بيَّنه الرسولُ ﷺ؛ لأنها قد تكون شعثةً، قد تكون على حالٍ لا يُناسب أن تُباشر عليها، فإذا طرقها ليلًا بعد طول الغيبة فقد يرى منها ما لا يُرضيه، قد يُسبب نفرةً أو وحشةً أو طلاقًا، قد يرى عندها شيئًا يريبه، فينبغي أن يتباعد عن هذه الأشياء، وأن يحرص أن يكون قدومه عن علمٍ منهم قبل قدومه مهما أمكن: من برقيةٍ، من كتابةٍ، من توصية بعض القادمين قبله أنه سيصل في يوم كذا؛ حتى يكون ذلك من أسباب الاستعداد.

وإذا كان النَّهي عن الطروق ليلًا واردًا لأنَّ الريبة فيه أكثر؛ ولأن الخطر فيه أكثر، فهكذا قد يقع في النهار؛ ولهذا لما قدموا نهارًا قال: أمهلوا؛ لأنَّها قد تقع أيضًا على حالةٍ غير مرضيةٍ في النهار، قد يحرص على المباشرة والعجلة، فالأولى أن يكون عندها خبرٌ قبل ذلك، أو يُمهل حتى ولو كان في النهار؛ لئلا يرى شيئًا يُكدره.

وهذا من محاسن الشريعة، ومن كمالها: أنها راعت هذه الأمور الدَّقيقة بين الزوجين، فلا خيرَ إلا جاءت به الشريعة وأرشدت إليه، ولا شرَّ إلا حذَّرت منه ونبَّهت عليه، فلله الحمد والمنة .

والحديث الخامس: حديث أبي سعيدٍ الخدري ، عن النبي ﷺ أنه قال: إنَّ شرَّ الناس عند الله منزلةً يوم القيامة: الرجل يُفضي إلى امرأته وتُفضي إليه، ثم ينشر سرَّها.

ولفظ مسلم: إنَّ أشرَّ الناس بالهمزة، يعني: إنَّ من أشرِّ الناس، بالهمزة، ومن هذا اللفظ غير ..... فإن من تأكيد أنه من شرِّ الناس، لا أنه شرّ الناس.

كان الأولى بالمؤلف أن يذكر هذه الرواية بلفظها، ولعلها سقطت من بعض النسخ التي نقل منها، أو كتبه من حفظها الرواية عند مسلم: إنَّ من أشر الناس عند الله منزلةً، وقد استنبط أئمةُ الحديث من هذا أنه يجوز استعمال "أشر" بالهمزة، كما جاء: "أخير"، كما في الرواية الصَّحيحة المشهورة عند أئمة اللغة، المعروف عندهم: "من شر" و"خير"، لا يأتي بالهمزة، ولكن ثبت في الأحاديث الصحيحة أنه يأتي بالهمزة، فصارت هذه الكلمة جاءت من لغتين: بإثبات الهمزة وبحذفها، والأكثر حذفها، ولكن إثباتها لغة صحيحة، كما جاءت بها الأحاديث الصحيحة أيضًا، ومنها هذا الحديث الصَّحيح: إنَّ من أشرِّ الناس عند الله منزلةً.

وفي هذا دلالة على تحريم الإخبار بما يقع بين الرجل وأهله من الكلمات عند الجماع، أو الأمور السرية، فإن المرأة قد تُفضي إلى زوجها، والرجل قد يُفضي إلى امرأته بأشياء، فلا يجوز له أن ُيفشيها وينقلها للناس، ولا يجوز أن تنقل ذلك إلى الناس، فالأشياء التي في العادة أنها سرية بين الزوجين، والعادة أنها لا تُذكر للناس، ولا يُخبر بها الناس، يحرم على كلٍّ منهما إشاعتها.

وفي سنده عمر بن حمزة بن عبدالله بن عمر بن الخطاب، قد ضعَّفه قومٌ، ومشَّاه آخرون، ومسلم رحمه الله خرَّجه عنه، ودرج في ذلك على مَن وثَّقه، وضعَّفه أحمد وجماعة، ودرج على هذا في "التقريب"، ووثَّقه ابن حبان، قال الحاكم: أحاديثه مستقيمة. وقال ابن عدي رحمه الله: يُكتب حديثه.

ومسلم رحمه الله روى عنه هذا الحديث مشيًا على مَن رأى فيه أنه صالح لذلك، وأنه لا مانعَ من الرواية عنه.

وهذا الحديثُ يشهد له من حيث المعنى أدلة كثيرة: من جهة حفظ الأمانة، وحفظ السر، وكراهة إفشاء السر، وإظهار ما قد يُسبب الوحشة بين الزوجين، والنَّفرة من الزوجين، فهذا من هذا الباب، والله أعلم.

س: .............؟

ج: هذا جاء في حديثٍ صحيحٍ عن ابن عباسٍ، يأتيكم إن شاء الله.

س: .............؟

ج: ما أذكر شيئًا.

1028- وَعَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا حَقُّ زَوْجِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ؟ قَالَ: تُطْعِمُهَا إِذَا أَكَلْتَ، وَتَكْسُوهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ، وَلَا تَضْرِبِ الْوَجْهَ، وَلَا تُقَبِّحْ، وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَعَلَّقَ الْبُخَارِيُّ بَعْضَهُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ.

1029- وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ رضي الله عنهمَا قَالَ: كَانَتِ الْيَهُودُ تَقُولُ: إِذَا أَتَى الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ مِنْ دُبُرِهَا فِي قُبُلِهَا كَانَ الْوَلَدُ أَحْوَلَ. فَنَزَلَتْ: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوْا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [الْبَقَرَة:223]. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ.

1030- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا؛ فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ أَبَدًا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

1031- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ أَنْ تَجِيءَ، فبات غضبان لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ.

وَلِمُسْلِمٍ: كَانَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ سَاخِطًا عَلَيْهَا حَتَّى يَرْضَى عَنْهَا.

الشيخ: هذه الأحاديث الأربعة كلها تتعلق بعشرة النساء.

الحديث الأول: حديث حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري عن أبيه: أنه سأل النبيَّ ﷺ: ما حقّ زوج أحدنا عليه؟ يُروى: "زوج" على القاعدة، وعلى اللغة الفصيحة، ويُروى: "زوجة"، وهي لغة تميم: زوجة، ويُؤتى بها عند الفقهاء لأجل الفصل بين الزوج والزوجة وعدم الاشتباه، وإلا فالأفصح أن يُقال لكلٍّ منهما: زوج، ومن هذا قوله تعالى: وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ [الأحزاب:6]، جمع زوج، فالزوج كلمة مشتركة، تُطلق على الرجل والأنثى جميعًا، كلٌّ منهما زوج، ويقال للأنثى: زوجة، بلغة تميم، لكن لغة قريش ولغة ..... التسوية بين الرجل والمرأة في هذا.

قال: تُطعمها إذا أكلت، وتكسوها إذا اكتسيتَ، ولا تضرب الوجهَ، ولا تُقبح، ولا تهجر إلا في البيت الحديث هذا حسن الإسناد جيد، وسند بهز بن حكيم عن أبيه عن جده لا بأس به عند أهل العلم، وهو من قسم الحسن، ولا بأس ببهز وحكيم.

وفيه دلالة على أنَّ الواجب عليه أن يُطعمها إذا طعم، ويكسوها إذا اكتسى، ولا يُكلف الله نفسًا إلا وسعها، إذا كان ما عنده شيء لا يلزمه شيء، وليس في هذا تعرض للفسخ، وإنما هو يُبين لنا أنَّ الواجب عليه أن يُطعمها من طعامه، ويكسوها من كسوته، وألا يقصر عنها.

في الحديث الصحيح يقول النبيُّ ﷺ: ولهنَّ عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، ويقول الله في كتابه العزيز: وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:233].

فالواجب على الزوج: الكسوة والنفقة بالمعروف، بالمتعارف في كل زمانٍ بحسبه، في زماننا هذا بحسبه، وفي زمان النبوة بحسبه، وهكذا في كل زمانٍ، قد يكون في بلادٍ العُرف أنه يُطعمها كذا، يُطعمها ذرة، يُطعمها دخنًا، يُطعمها كذا، وفي زمانٍ آخر وفي مكانٍ آخر يُطعمها أرزًا أو حنطةً، وفي مكانٍ آخر يُطعمها غير ذلك.

وهكذا الكسوة: قد تكون عند قومٍ وفي زمانٍ وفي قرنٍ من القرون كسوتها الحرير وأنواع رفيعة، وقد تكون في مكانٍ وفي زمانٍ كسوتها دون ذلك من الكتان وغيره، وقد تكون في مكانٍ وزمانٍ كسوتها شيء آخر عندهم، وأنواع أخرى.

وهكذا السكن يختلف بحسب أحوال الناس، فعليه أن يكسوها ويُطعمها حسب العُرف المتعارف في بلاده، ولا يُكلَّف أهلُ المغرب بأن يُطعموا ويكسوا كسوة أهل المشرق، ولا العكس، كلٌّ في زمانه ومكانه بحسبه؛ ولهذا قال: بالمعروف يعني: المتعارف المشتهر الموجود بين أهل ذلك المكان، وأهل ذلك الزمان.

وإذا عجز قد دلَّت الأدلةُ الأخرى على أنَّ لها الفسخ، كما يأتي في محله إن شاء الله في النَّفقات، فإذا عجز الزوجُ عن الكسوة والنَّفقة فلها أن تطلب الفراقَ؛ لأنها لا صبرَ لها على هذا، فلها أن تطلب، ولها أن تصبر كما صبر، ويأتي في مرسل سعيد الجيد: الرجل الذي لا يُنفق على أهله، قال: يُفرَّق بينهما.

فالحاصل أنَّ لها عذرًا إذا لم يجد ما يكسوها ولا ما يُطعهما، ولكن إن صبرت معه فهو خير وأفضل.

وقوله ﷺ: ولا تُقبح، ولا تضرب الوجه، ولا تهجر إلا في البيت هذا يُبين لنا وجوب الآداب الشَّرعية، وأنه ليس له أن يُؤذيها ويظلمها ويتعدَّى عليها، بل يجب عليه أن يُحسن إليها بالعشرة، ويرفق بها: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19]، تقدم قوله ﷺ: استوصوا بالنساء خيرًا.

لكن اليوم سيرة الناس مع النساء سيرة قبيحة إلا مَن عصم الله، وهذا ينشأ من قلة العلم وضعف الإيمان، كلما قلَّ العلم وضعف الإيمان ساءت عشرةُ الأزواج، وساءت سيرةُ الزوجات جميعًا، هؤلاء وهؤلاء: "كما تكونون يُولَّى عليكم"، تسوء سيرتها، وتسوء سيرته، وقد يتعدى عليها، وقد تتعدى عليه، فكله ينشأ عن ضعف الإيمان، وعن قلة العلم والبصيرة، فإذا قوي الإيمانُ أدَّى الحقَّ الذي عليه، وإذا قوي العلمُ أدَّى الحقَّ الذي عليه.

وهكذا هي: إذا قوي إيمانها وقوي علمها أدَّت ما عليها، وصارت امرأةً صالحةً: تعرف قدر الزوج، وتُؤدي حقَّه، وهو كذلك، فعلى حسب علمهما وقوة إيمانهما تصلح الأحوال، تستقيم السيرة، وعلى حسب ضعف علمهما وضعف إيمانهما تسوء الحال بينهما.

وقوله: ولا تُقبح أي: لا تقل: قبَّحك الله، يعني: لا تسبّها؛ لأنَّ هذا يُسبب سوء الحال وتغير الأحوال: قبَّحك الله، أو لعنك الله، أو قاتلك الله، أو ما أشبه ذلك من السَّب، فإنَّ هذا لا يليق ولا ينبغي من الزوج، ولا يجوز له، بل ينبغي له الخطاب بالتي هي أحسن، والكلام الطيب، والمخاطبة المناسبة التي تُسبب رقتها عليه، وطاعتها له، وميولها إليه، ومحبَّتها له، أما الألفاظ الشَّنيعة فهي تُسبب بغضها ونفرتها وسُوء سيرها معه.

كذلك ضرب الوجه: إذا ضربها لا بأس أن يضربها عند الحاجة ضربةً خفيفةً عند عدم استقامتها وعدم تأثرها بالنَّصيحة والهجر، يكون الضربُ آخر الطبِّ، آخر الكي: "آخر الطبّ الكي"، يعني: آخر الطب الضرب الخفيف الذي قد ينفع فيها، أما إذا كان الضربُ لا ينفع، بل يزيدها شرًّا، فلا ينبغي له أن يضربها، بل يُعالج بعلاجٍ آخر غير الضرب.

وإذا ضرب فليجتنب الوجه والمقاتل، يضربها في محلات خفيفة: بالألية، بالكتف، بالفخذ، شيء ما فيه خطر، أما ضربها بالرأس، ضربها بالوجه، ضربها في الشَّاكلة، هذا كله خطر.

الحاصل المقصود أنه يتجنب المواضع التي فيها الخطر، وأشدها وأخطرها الوجه؛ لأنَّ الرسول ﷺ نهى عن ذلك، فضرب الوجه محرَّم، لا في حقِّ المرأة، ولا في حقِّ الولد، ولا في حقِّ الدابة، ولا في حقِّ العبد، ولا في حقِّ الجارية، لا يجوز ضرب الوجه أبدًا.

ثبت في "الصحيحين" أنه نهى عن ضرب الوجه، فلا يجوز للمُؤدِّب أن يضرب الوجهَ: لا للتلميذ، ولا للزوجة، ولا للخادم، ولا للدابة، ولا يُوشم الوجه أيضًا، حتى الوشم لا يجوز في وجه الدَّابة، كل هذا ممنوع مُحرَّم؛ لأنه شين في الوجه، وربما أثر الضَّرب أثرًا قبيحًا قد يصعب زواله، والوجه رقيق، وهو جامع المحاسن للإنسان، ولا يجوز أن يتعدَّى عليه: لا في حدٍّ، ولا في تأديبٍ، ولا في حقِّ زوجةٍ، ولا في غير ذلك.

ولا تهجر إلا في البيت يعني: أنه إذا أراد الهجرَ لا يهجر خارجًا، يُخليها في البيت لحالها، لا، يهجرها في البيت، يُعطيها ظهره إذا نام، يكون في فراشٍ آخر، أما تركها في البيت وحدها هذا فيه أخطار قد تُفضي إلى شرٍّ وفسادٍ، لكن يهجرها في البيت عند الحاجة، إذا دعت الحاجةُ إلى هجرها لسُوء عشرتها يهجرها في البيت بالكلام، لا يُكلمها، يُعطيها ظهره، يُغير كلامه معها، يجعل فراشًا له آخر يومين، ثلاثًا، أربعًا، أقلّ، أكثر، لعلها تتعدل، يعني: يُعالج الأوضاع بالأمور المناسبة التي ليس فيها محذور شرعًا، لكن إن كن زوجات أسأن جميعًا وتمالأن فإنه يهجرهن خارج البيت؛ لأنَّ هجرها في البيت ما يمكن حينئذٍ، كيف يكون وهو عندهن جميعًا؟ .....، هذا يجوز عند الحاجة إليه، كما فعله النبيُّ ﷺ، أما إن كان مع واحدةٍ فيهجرها في البيت وحدها.

والحديث الثاني: عن جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله تعالى عنه وعن أبيه، قال: كانت اليهودُ تقول: إذا أتى الرجلُ زوجتَه من دُبرها في قُبلها جاء الولدُ أحول. يعني: يُصاب بحول العين، وهو تغير في العين يُسمَّى: حولًا، فأكذبهم الله بما قالوا، وأنزل قوله تعالى: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة:223]، والمعنى: أنَّ هذا القول باطل، فله أن يأتيها من خلفها بالفرج، وله أن يأتيها من وجهها بالفرج، لا حرجَ عليه في ذلك، إنما المحرم الدبر، ليس له وطأها في الدبر؛ لأنَّ هذا من اللواط المنكر كما تقدم في قوله ﷺ: ملعونٌ مَن أتى امرأةً في دبرها، لكن إذا صار من خلفها وأدخل ذكره في فرجها في قُبلها من الخلف فلا بأس بذلك، ولا حرج في ذلك، فقد يأتيها وهي على جنبٍ، وقد يأتيها وهي مُستلقية، أو من جنبها، كل هذا لا حرج فيه: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ يعني: كيف شئتم: مُقبلات، ومُدبرات، وعلى جنبٍ، كل هذا لا بأس به، لكن في الفرج، في القُبل الذي هو محل الحرث، أما الدُّبر فهو محل الغائط، محل الأذى، فلا تُؤتى فيه المرأة، بل ذلك محرم، ومن كبائر الذنوب كما تقدم.

والحديث الثالث: حديث ابن عباسٍ في شرعية التَّسمية والدُّعاء عند الجماع، يقول: إنَّ أحدكم إذا أتى أهلَه قال: بسم الله، اللهم جنِّبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن يُقدر بينهما ولدٌ لم يضره الشيطانُ أبدًا.

"لم يَضره" بالفتح على الأصل؛ لأنها مجزومة، وتُشدد مع الفتح، ويجوز "يضره" بالإشباع للهاء.

هذا فيه فضل التَّسمية والدعاء في هذه الحال، وأن السنة للرجل إذا أراد أن يُجامع أن يُسمِّي الله ويأتي بهذا الدعاء عند الجماع، إذا أراد أن يُجامع زوجته قال: "بسم الله، اللهم جنِّبْنَا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا".

فينبغي للمؤمن أن يُلاحظ هذا، وأن يستعمله ويكون عادةً له عند الجماع؛ عملًا بتوجيه النبيِّ ﷺ، وحرصًا على أن يكون الولدُ سليمًا من الشيطان ببركة هذا الدعاء، هذا الدعاء العظيم، هذه التسمية فيها خير عظيم، فهي من أسباب سلامة الولد وخروجه على الطريقة السَّليمة المحمدية الإيمانية، فإنه إذا سلم من الشيطان فهذه غنيمة عظيمة، وفائدة كبيرة.

أما كونه لا يضرّه الشيطانُ هذا أمر مجمل، والمعنى والله أعلم: إلا الضَّرر الذي سبق في علم الله، من تقدير الله أنه لا بدَّ من الوسوسة من الشيطان، والأشياء التي لا يعصم منها الشيطان، فهذا قد يقع، لكنه لا يضرّه ضررًا كبيرًا يُخرجه من الإسلام، أو يُوقعه في المعاصي، فهذه على كل حالٍ فائدة عظيمة يُرجى حصولها للمؤمن إذا استعمل هذا الخير العظيم.

والحديث الرابع حديث أبي هريرة: إذا دعا الرجلُ امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء لعنتها الملائكةُ حتى تُصبح متفق عليه.

وفي اللفظ الآخر: كان الذي في السَّماء ساخطًا عليها حتى يرضى عنها.

هذا وعيد شديد يدل على وجوب السمع والطاعة من الزوجة إذا دعاها زوجُها إلى فراشه لحاجته؛ أو لأن تنام معه ولو كان لغير الجماع، فإنه يجب عليها السمع والطاعة، وأن تنام معه في الفراش، وعليها أن تُجيب إذا أرادها في نفسها إلا من عذرٍ شرعيٍّ.

وفي هذا أنَّ الملائكة عليهم الصلاة والسلام عون للمؤمن، وهم يستغفرون للمؤمنين، ومع هذا يدعون على الزوجة التي تعصي زوجها، فدلَّ ذلك على أنَّ الملائكة مع المؤمنين في الحقِّ، وأنهم يدعون للمؤمنين والمؤمنات، ويستغفرون للمؤمنين والمؤمنات، ويدعون على الزوجة التي تُخالف زوجها وتعصيه بغير حقٍّ.

وقوله: كان الذي في السَّماء ساخطًا عليها ظاهره يعمّ الله، ويعمّ الملائكة؛ لأنه يسخط عليها الربُّ إذا أغضبت زوجها، فإنه في العلو ، في السَّماء، في العلو، والملائكة في السَّماء أيضًا، لكن الملائكة في السَّماء المبنية، والله في السَّماء فوق ذلك، والعلو فوق السَّماوات المبنية.

فهذا يدل على خطر عصيانها لزوجها، وأنَّ الواجب عليها أن تسمع وتُطيع، لكن هذا عند العلماء مقيد، هذا الإطلاق مقيد بما إذا أدَّى حقَّها، أما إذا ما أدَّى حقَّها فلا يلزمها السمع والطاعة، هذا الحقّ عليها إذا كان قد أدَّى حقها، أما إذا كان يظلمها ويتعدَّى عليها ويُريد منها أن تسمع له؛ هذا ظلم منه، وعذر لها في عدم الإجابة، إذا كان يظلمها أو يُقصر في حقِّها من جهة نفقتها وكسوتها فإنَّ عصيانها له حينئذٍ بسبب عصيانه لها وعدم قيامه بحقِّها عدل، وليس بظلمٍ منها.

فالحاصل أنَّ هذا واجب عليها إذا أدَّى حقَّها وعاشرها بالمعروف، أما إذا ظلمها وتعدَّى عليها فهي معذورة إذا عصته في بعض الأشياء التي سببها ظلمه لها وتقصيره في حقِّها وعدم قيامه بواجبها، وكما تدين تُدان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

1032- وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهمَا: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَعَنَ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ، وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

1033- وَعَنْ جُذَامَةَ بِنْتِ وَهْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: حَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِي أُنَاسٍ وَهُوَ يَقُولُ: لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَنْهَى عَنِ الْغِيلَةِ، فَنَظَرْتُ فِي الرُّومِ وَفَارِسَ، فَإِذَا هُمْ يُغِيلُونَ أَوْلَادَهُمْ فَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ أَوْلَادَهُمْ شَيْئًا.

ثُمَّ سَأَلُوهُ عَنِ الْعَزْلِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ذَلِكَ الْوَأْدُ الْخَفِيُّ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

1034- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ : أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي جَارِيَةً، وَأَنَا أَعْزِلُ عَنْهَا، وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ تَحْمِلَ، وَأَنَا أُرِيدُ مَا يُرِيدُ الرِّجَالُ، وَإِنَّ الْيَهُودَ تُحَدِّثُ: أَنَّ الْعَزْلَ المَوْؤُدَةُ الصُّغْرَى. قَالَ: كَذَبَتْ يَهُودُ، لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَخْلُقَهُ مَا اسْتَطَعْتَ أَنْ تَصْرِفَهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ وَاللَّفْظُ لَهُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالطَّحَاوِيُّ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ.

1035- وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ، وَلَوْ كَانَ شَيْئًا يُنْهَى عَنْهُ لَنَهَانَا عَنْهُ الْقُرْآنُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَلِمُسْلِمٍ: فَبَلَغَ ذَلِكَ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ فَلَمْ يَنْهَنَا.

1036- وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ. أَخْرَجَاهُ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ.

الشيخ: هذه الأحاديث الخمسة كلها تتعلق بعشرة النساء.

الحديث الأول حديث ابن عمر: لعن رسولُ الله الواصلةَ والمستوصلةَ، والواشمة والمستوشمة.

هذه الأشياء قد تفعلها المرأةُ للتَّحبب إلى زوجها، والتَّرغيب في إحسان عشرتها، والرغبة فيما يتعلق بها، فنهى النبيُّ ﷺ عن ذلك، ولعن مَن فعل ذلك.

وهذا يدل على أنه من الكبائر: الوصل والوشم من كبائر الذنوب؛ ولهذا جاء فيه اللَّعن.

والوصل: هو أن تصل شعرها بشيءٍ من الشعر أو غيره مما يُجمله ويُكثره ويُضخمه ويُطوله، والواصلة الفاعلة، والمستوصلة الطالبة لهذا الشيء، الراغبة فيه، وكلاهما حرام، ليس لها أن تفعل، وليس لها أن تطلب.

وفي مسلمٍ عن جابرٍ قال: زجر النبيُّ ﷺ أن تصل المرأةُ برأسها شيئًا. وهذا يعمّ الشعر وغير الشعر؛ لأنه قد يُوجد أشياء ليست من الشعر، ولكن تدخل فيه، ويحصل بها الالتباس والجمال والكثرة، فنهى النبيُّ عن هذا؛ لما فيه من التَّدليس والتَّزويد.

والوشم: غرس البشرة بشيءٍ من الإبرة أو نحوها حتى يخرج الدمُ، ثم يُحشى بشيءٍ من ..... أو كحلٍ أو نحو ذلك، فيبقى نقاط في الوجه، أو في اليد، أو في الذِّراع.

وهذا تفعله الجاهلية سابقًا، ويفعله الناس، فنهى النبيُّ عن هذا عليه الصلاة والسلام؛ لما فيه من تغيير خلق الله، ولا يزال عمل الناس بها في إفريقيا وغيرها.

وهذا الحديث يدل على أنه من كبائر الذنوب، وأنه لا يجوز، ولو زعمت أنها فعلت هذا .....، أو لترغيب زوجها فيها، أو لأسبابٍ أخرى، كل ذلك ممنوع؛ لأنَّ الحديث أطلق ولم يُفصل، فدلَّ على أنَّ هذا العمل ممنوع مطلقًا على أي حالٍ أرادت المرأةُ.

أما ربط الشعر بشيءٍ لئلا ينتشر -ولا سيما البنات الصغار- فليس من الوصل ..... إذا ربط أطرافه بشيءٍ لئلا ينتشر حتى يطول ويستقيم فليس داخلًا في هذا عند أهل العلم، ويُسمون هذا ..... يعني: ضبطه بشيءٍ من الخرق أو الأسلاك ونحو ذلك، شيء واضح لا يكون فيه وصل، ولا يكون فيه اشتباه، وإنما هو ضبط لأطرافه عند الحاجة إلى ذلك، وهو غير داخلٍ فيما جاء به النَّهي.

والحديث الثاني: حديث جذامة بنت وهب أخت ..... بن محصن من أمه الأسدية رضي الله عنها، ذكر العلماء أنها من السَّابقات اللاتي أسلمن سابقًا وهاجرن مع بني أسد إلى المدينة.

ذكرت عن النبي ﷺ، وهي بالدال المهملة، وبالذال المعجمة، يقال: جدامة، ويقال: جذامة، وأنكر بعضُهم الإعجام، قال الحافظ الدَّارقطني رحمه الله: مَن قال جذامة فقد صحَّف. لكن ذكر آخرون أنه يُقال فيها: جدامة وجذامة جميعًا، كما قال العسكري وجماعة، فهي مضبوطة بهذا وهذا، وإن أنكر الدَّارقطني الإعجام، لكنه المحفوظ عند الأئمة الآخرين.

ذكرت مسألتين:

إحداهما: الغيلة، تقول رضي الله عنها أنها سمعت النبيَّ يقول: كنت هممتُ أن أنهى عن الغيلة، فنظرتُ في روم وفارس فإذا هم يغيلون أولادهم، ولا يضرّ ذلك أولادهم شيئًا.

الغيلة بالكسر: وطء المرأة وهي تُرضع، أو وطؤها وهي حامل، فسر بهذا وهذا، قالوا: لأنَّ هذا قد يضرّ الولد، لكن النبيَّ ﷺ أخبر أنَّ هذا لا يضرّه، وأنَّ هذا مُجرب، فإن وطأها وهي تُرضع، ووطأها وهي حامل لا يضرّ في ذلك شيئًا، فقد فعل ذلك الروم وفارس فلم يضرّ أولادهم.

وهذا فيه الاستدلال بما فعله الأعداءُ من الأمور العادية والأمور الطبعية، وأنه لا بأس أن يُستفاد من تجارب الأمم الكافرة وغير الكافرة في معرفة ما ينفع الناس من دواءٍ أو علاجٍ من مرضٍ، أو تجنب أشياء ضارة، فإذا عرف من الأمم أنها تفعله ولا يضرّ فلا بأس باستعماله، وإذا ..... اشتهر وعرف هو إرضاعها وجماعها وهي حامل، ويقال لها: غالتها، يقال: الغيلة في هذا، وهو معروف أنه يضرّ الولد؛ كونها تُرضعه وهي حبلى هذا يضرّه ويضعف ..... عند النساء والرجال المجربين، وأما كونه يطأها وهي تُرضع، أو يطأها وهي حامل فلا يضرّ ذلك شيئًا، ويقال: ولد مغال، يعني: أُرضع وأمه تُوطأ.

والمسألة الثانية: مسألة الوأد، العزل، ذكرت أنه قال فيه أنه الوأد الخفي، قال بعضُ أهل العلم: إنَّ هذا يدل على تحريم العزل، وذهب إلى هذا ابن حزم وجماعة، وقالوا: إنه يدل على أنَّ الوأد ممنوع.

وقال الجمهور: لا يدل على التحريم؛ لأنَّ المحرم هو الوأد الظاهر، وهو القتل ..... بعدما تُنفخ فيه الروح، أو بعدما يُولد، هذا الوأد، كانت الجاهليةُ تأد أولادها بعد .....

فالحاصل أنَّ الوأد هو قتل الطفل الصغير، وإذا نُفخت فيه الروح وقُتل فكذلك هو وأد، أما كونه يعزل عنها ولا يُلقي المني في فرجها لمصلحةٍ، وإذا أراد الاستنزال أخرج ذكره وألقاه خارجًا، هذا هو العزل، ويفعله الرجل تارةً في الأسفار، وتارةً عند العدو، وتارةً لأنه يضرّها الحمل إذا كان معها أولاد كثيرون، تحمل هذا على هذا، فيخشى على أولاده وعليها من الضَّرر، وقد يفعله مع الجارية؛ لأنه يرغب في بيعها ويخشى أن تحمل.

فالحاصل أنَّ العزل على الصَّحيح لا بأس به للمصلحة، ولا حرج فيه؛ لهذا الحديث الآتي: حديث أبي سعيدٍ، وحديث جابر.

أما تسمية النبي ﷺ له: الوأد الخفي، يحتمل أنه أراد بذلك التَّنفير منه، لا تحريمه، ويحتمل أنَّ هذا كان أولًا ثم نُسخ، أما العكس أن يقال: أنه ناسخ لما فعله الصحابةُ، فليس بجيدٍ، كما قال ابن حزم، فالأقرب أنه يُراد منه أحد الأمرين: إما التنفير منه؛ لأنَّ المطلوب وجود النَّسل وتكثير الأولاد؛ لكثرة الأمة، فنفر عنه بهذا. أو المراد بذلك القتل والمنع من الوأد، ولكن كان هذا أولًا ثم نُسخ، كما دلَّ عليه حديثُ جابر وحديث أبي سعيدٍ في جواز العزل، وأن القرآن ينزل ولم ينههم الرسولُ عن ذلك، قد بلغه عنهم فلم ينههم، فدلَّ ذلك على أنَّ تسميته: أذًى لا يقتضي المنع منه، ولا يقتضي تحريمه.

ومثل هذا ما يُفعل من الأدوية من منع الحمل إذا كان لمصلحةٍ: كالحبوب، أو الإبر، أو أشياء تُؤكل، أو غير ذلك إذا كان للمصلحة والحاجة، مثل: امرأة مريضة يضرّها الحمل، أو رحمها يضرّه الحمل لعارضٍ عرضت له، أو تلد هذا على هذا، وتحمل بسرعةٍ، وتضرها التربية، أو في البدن، فلا مانع من تعاطيها هذا الشيء الذي يُؤجل الحملَ إلى سنةٍ أو سنتين وقت الرضاع؛ حتى تقوى على تربية الأولاد ..... ..... فهذا لا بأس به .....

ومن هذا قوله ﷺ: تزوَّجوا الودود الولود؛ فإني مُكاثر بكم الأمم يوم القيامة، وفي روايةٍ: الأنبياء يوم القيامة ..... من إملاقٍ، هذا لا يجوز، أما إذا كان لعلةٍ معروفةٍ: من مرض المرأة، أو مرض رحمها، أو عجزها عن قيامها عليهم؛ لكثرتهم وتتابع الحمل بسرعةٍ، هذا له وجهه في مدةٍ يسيرةٍ كمدة الرضاع: سنة أو سنتين.

والحديث الخامس حديث أنسٍ في طواف النبي ﷺ على نسائه بغسلٍ واحدٍ، وهذا من آيات الله، ومما منح الله نبيَّه القوة عليه الصلاة والسلام.

قال بعضُ الصحابة: كنا نحدث أنه أوتي قوة ثلاثين، وفي لفظٍ: أربعين رجلًا، كان يطوف عليهن بغسلٍ واحدٍ.

وهذا والله أعلم في ساعة ..... فيها أن يعمّهم أن يُطاف عليهم في هذا الأمر، ويدل على جواز مثل هذا إذا اتَّفق رجلٌ مع نسائه الأربع أن يطوف عليهن في ليلةٍ أو ساعةٍ من النَّهار، فليس في هذا حيف ولا ظلم؛ لأنه عمّهم جميعًا في أي ساعةٍ من ساعات النساء.

فإذا كان عنده أربع وأراد أن يعمّهم في ضحوةٍ أو في ليلةٍ فلا بأس بذلك؛ لهذا الحديث الصحيح، وكونه ﷺ عمَّهم بغسلٍ واحدٍ، يدل على أنه لا بأس أن يكون غسل الجنابة عن عدة من الوطء من المرأة نفسها، أو لها ولضرائرها، ويكتفي بغسلٍ واحدٍ.

لكن تقدم في حديث أبي سعيدٍ أنَّ السنة أن يكون ذلك بعد الوضوء، بعد أن يغسل فرجه، وبعد أن يتوضأ، فيكون بين كلِّ وطأين وضوء شرعي، مع غسل المذاكير وما حولها حتى لا يقع من هذه أو بهذه شيء؛ ولهذا ﷺ أمر بالوضوء بين الوطأين في نفس الزوجة، وإذا كان من زوجتين فمن باب أولى، ومما هو آكد، وقد يقال بالوجوب في هذه الحالة؛ لأنَّ كونه يطأ ولم يتوضأ ولم يغسل فرجَه قد يحصل بذلك ما يضرّ الجميع، المقصود أنَّ كونه يغسل ذكره ويتوضأ الوضوء الشرعي بين كل وطأين هذا هو السنة.

.............