17 من قوله: ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ..)

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عمرو بن عثمان، حدثنا أبو حيوة، حدثنا سعيد بن عبدالعزيز، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب في قوله: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ قال: نزلت في الزبير بن العوام، وحاطب بن أبي بلتعة، اختصما في ماء، فقضى النبي ﷺ أن يسقي الأعلى، ثم الأسفل، هذا مرسل، ولكن فيه فائدة تسمية الأنصاري.
ذكر سبب آخر غريب جدًا: قال ابن أبي حاتم: حدثنا يونس بن عبدالأعلى قراءة، أخبرنا ابن وهب، وأخبرني عبدالله بن لهيعة عن أبي الأسود، قال: اختصم رجلان إلى رسول الله ﷺ فقضى بينهما، فقال المقضي عليه: ردنا إلى عمر بن الخطاب، فقال رسول الله ﷺ: نعم، انطلقا إليه، فلما أتيا إليه، فقال الرجل: يا ابن الخطاب قضى لي رسول الله ﷺ على هذا.
فقال: ردنا إلى عمر بن الخطاب، فردنا إليك: فقال: أكذاك؟ قال: نعم. فقال عمر: مكانكما حتى أخرج إليكما فأقضي بينكما، فخرج إليها مشتملا على سيفه، فضرب الذي قال: ردنا إلى عمر فقتله، وأدبر الآخر فأتى إلى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله، قتل عمر والله صاحبي، ولولا أني أعجزته لقتلني، فقال رسول الله ﷺ: ما كنت أظن أن يجترئ عمر على قتل مؤمن فأنزل الله: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ الآية، فهدر دم ذلك الرجل، وبرىء عمر من قتله، فكره الله أن يسن ذلك بعد، فأنزل: وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [النساء:66]، وكذا رواه ابن مردويه من طريق ابن لهيعة عن أبي الأسود به، وهو أثر غريب مرسل، وابن لهيعة ضعيف، والله أعلم.
الشيخ: الكلام هذا غير صحيح كما قال المؤلف: حدثنا بها فهو مرسل، والمرسل لا حجة فيه. .. فلا يستقيم هذا الإسناد.
طريق أخرى: قال الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن عبدالرحمن بن إبراهيم دحيم في تفسيره: حدثنا شعيب بن شعيب، حدثنا أبو المغيرة، حدثنا عتبة بن ضمرة، حدثني أبي أن رجلين اختصما إلى النبي ﷺ فقضى للمحق على المبطل، فقال المقضي عليه: لا أرضى، فقال صاحبه: فما تريد؟ قال: أن نذهب إلى أبي بكر الصديق، فذهبا إليه، فقال الذي قضي له: قد اختصمنا إلى النبي ﷺ، فقضى لي، فقال أبو بكر: أنتما على ما قضى به رسول الله ﷺ، فأبى صاحبه أن يرضى، فقال: نأتي عمر بن الخطاب.الشيخ: ما عندك فأتياه؟
الطالب: موجودة.
الشيخ: ساقطة عندك صلحها فأتياه.
فقال: نأتي عمر بن الخطاب، فأتياه فقال المقضي له: قد اختصمنا إلى النبي ﷺ، فقضى لي عليه، فأبى أن يرضى، فسأله عمر بن الخطاب فقال كذلك، فدخل عمر منزله، وخرج والسيف في يده قد سله، فضرب به رأس الذي أبى أن يرضى فقتله، فأنزل الله تعالى: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ الآية.

الشيخ: السند الأخير.
الطالب: حدثنا شعيب بن شعيب، حدثنا ابن المغيرة، حدثنا عتبة بن ضمرة، حدثني أبي أن رجلين..
الطالب: عبدالرحمن بن إبراهيم بن عمرو العثماني مولاهم الدمشقي أبو سعيد لقبه دحيم بمهملتين مصغر ابن اليتيم... ثقة حافظ متقن من العاشرة، مات سنة 45، وله خمس وسبعون، البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
الشيخ: انظر شعيب.
الطالب: شعيب بن شعيب بن إسحاق الدمشقي توفي أبوه المقدم ذكره، وهو حمل فسمي باسمه، صدوق من الحادية عشرة، مات سنة أربع وستين، وله أربع وسبعون، النسائي
الشيخ.. نعم.
وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا ۝ وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا ۝ وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ۝ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ۝ ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا [النساء:66-70].
يخبر تعالى عن أكثر الناس أنهم لو أمروا بما هم مرتكبونه من المناهي لما فعلوه؛ لأن طباعهم الرديئة مجبولة على مخالفة الأمر، وهذا من علمه تبارك وتعالى بما لم يكن لو كان، فكيف كان يكون، ولهذا قال تعالى: وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ الآية، قال ابن جرير: حدثني المثنى، حدثني إسحاق، حدثنا الأزهر، عن إسماعيل، عن أبي إسحاق السبيعي، قال: لما نزلت وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ الآية، قال رجل: لو أمرنا لفعلنا.
الطالب: أبو زهير في نسخة أبو زهير ما في الأزهر.
الشيخ: حط عليه إشارة
الطالب: عتبة ابن ضمرة بن حبيب ابن صهيب الزبيدي بضم الزاي الحمصي، صدوق من السابعة، (أبو داود في القدر).
حدثنا الأزهر عن إسماعيل، عن أبي إسحاق السبيعي، قال: لما نزلت: وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ الآية، قال رجل: لو أمرنا لفعلنا، والحمد لله الذي عافانا، فبلغ ذلك النبي ﷺ، فقال: إن من أمتي لرجالًا الإيمان أثبت في قلوبهم من الجبال الرواسي.الشيخ: ولهذا استثناهم سبحانه قال: مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ، وهم أهل الإيمان الكامل، وأهل البصيرة الكاملة، يؤثرون أوامر الله على أهواء أنفسهم، ولهذا قال بعضهم: لو كتب عليَّ لفعلت، وما ذاك إلا لعظم الإيمان والثبات، وكماله في قلوبهم، ولكن أكثر الخلق ليس كذلك، أكثر الخلق ليسوا كذلك ما بين كافر، وبين ........، وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف:103] والله المستعان.
 ورواه ابن أبي حاتم: حدثنا جعفر بن منير، حدثنا روح، حدثنا هشام، عن الحسن بإسناده عن الأعمش، قال: لما نزلت: وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ الآية، قال أناس من أصحاب النبي ﷺ: لو فعل ربنا لفعلنا، فبلغ النبي ﷺ، فقال: للإيمان أثبت في قلوب أهله من الجبال الرواسي.الشيخ: .........
الطالب: ضمرة بن حبيب بن صهيب الزبيدي بضم الزاي أبو عتبة الحمصي، ثقة من الرابعة، مات سنة ثلاثين، (الأربعة).
وقال السدي: افتخر ثابت بن قيس بن شماس، ورجل من اليهود، فقال اليهودي: والله لقد كتب الله علينا القتل فقتلنا أنفسنا، فقال ثابت: والله لو كتب علينا أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ لفعلنا فأنزل الله هذه الآية.
ورواه ابن أبي حاتم حدثنا أبي، حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا بشر بن السري، حدثنا مصعب بن ثابت عن عمه عامر بن عبدالله بن الزبير قال: لما نزلت: وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ قال رسول الله ﷺ: لو نزلت لكان ابن أم عبد منهم.
الشيخ: يعني ابن مسعود ........
وحدثنا أبي، حدثنا أبو اليمان، حدثنا إسماعيل بن عياش، عن صفوان بن عمرو، عن شريح بن عبيد، قال: لما تلا رسول الله ﷺ هذه الآية: وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ الآية، أشار رسول الله ﷺ بيده إلى عبدالله بن رواحة، فقال: لو أن الله كتب ذلك لكان هذا من أولئك القليل يعني ابن رواحة.
ولهذا قال تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ أي: ولو أنهم فعلوا ما يؤمرون به، وتركوا ما ينهون عنه لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ أي: من مخالفة الأمر، وارتكاب النهي، وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا، قال السدي: أي: وأشد تصديقًا، وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أي: من عندنا أَجْرًا عَظِيمًا يعني الجنة، وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا أي: في الدنيا والآخرة، ثم قال تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا أي: من عمل بما أمره الله به ورسوله وترك ما نهاه الله عنه ورسوله فإن الله يسكنه دار كرامته، ويجعله مرافقًا للأنبياء، ثم لمن بعدهم في الرتبة، وهم الصديقون، ثم الشهداء، ثم عموم المؤمنين، وهم الصالحون الذين صلحت سرائرهم، وعلانيتهم ثم أثنى عليهم تعالى فقال: وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا.
وقال البخاري: حدثنا محمد بن عبدالله بن حوشب، حدثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه، عن عروة، عن عائشة، قالت: سمعت رسول الله ﷺ يقول: ما من نبي يمرض إلا خير بين الدنيا، والآخرة، وكان في شكواه التي قبض فيها أخذته بحة شديدة فسمعته يقول: مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ فعلمت أنه خير. وكذا رواه مسلم من حديث شعبة عن سعد بن إبراهيم به.  وهذا معنى قوله ﷺ في الحديث الآخر: اللهم في الرفيق الأعلى ثلاثا ثم قضى، عليه أفضل الصلاة والتسليم.
..........
ذكر سبب نزول هذه الآية الكريمة:
قال ابن جرير: حدثنا ابن حميد، حدثنا يعقوب القمي، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، قال: جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله ﷺ، وهو محزون، فقال له النبي ﷺ: يا فلان ما لي أراك محزونا؟ فقال: يا نبي الله شيء فكرت فيه، فقال: ما هو؟
قال: نحن نغدو عليك ونروح، ننظر إلى وجهك ونجالسك، وغدا ترفع مع النبيين فلا نصل إليك، فلم يرد النبي ﷺ شيئًا، فأتاه جبريل بهذه الآية: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ الآية، فبعث النبي ﷺ فبشره.
وقد روي هذا الأثر مرسلًا عن مسروق، وعن عكرمة، وعامر الشعبي، وقتادة، وعن الربيع بن أنس، وهو من أحسنها سندًا.
قال ابن جرير: حدثنا المثنى، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ الآية، قال: إن أصحاب النبي ﷺ قالوا: قد علمنا أن النبي ﷺ له فضل على من آمن به في درجات الجنة ممن اتبعه، وصدقه، وكيف لهم إذا اجتمعوا في الجنة أن يرى بعضهم بعضًا، فأنزل الله في ذلك، يعني هذه الآية، فقال: يعني رسول الله: إن الأعلين ينحدرون إلى من هو أسفل منهم، فيجتمعون في رياض فيذكرون ما أنعم الله عليهم، ويثنون عليه، وينزل لهم أهل الدرجات فيسعون عليهم بما يشتهون، وما يدعون به، فهم في روضة يحبرون، ويتنعمون فيه.
وقد روي مرفوعًا من وجه آخر، فقال أبو بكر بن مردويه: حدثنا عبدالرحيم بن محمد بن مسلم، حدثنا إسماعيل بن أحمد بن أسيد، حدثنا عبدالله بن عمران، حدثنا فضيل بن عياض، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، قالت: جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله، إنك لأحب إلي من نفسي، وأحب إلي من أهلي، وأحب إلي من ولدي، وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك فأنظر إليك، وإذا ذكرت موتي، وموتك، عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وإن دخلت الجنة خشيت أن لا أراك، فلم يرد عليه النبي ﷺ حتى نزلت عليه: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا. وهكذا رواه الحافظ أبو عبدالله المقدسي في كتابه في صفة الجنة من طريق الطبراني عن أحمد بن عمرو بن مسلم الخلال، عن عبدالله بن عمران العابدي به، ثم قال: لا أرى بإسناده بأسا، والله أعلم.
وقال ابن مردويه أيضًا: حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا العباس بن الفضل الأسفاطي، حدثنا أبو بكر بن ثابت عن ابن عباس البصري، حدثنا خالد بن عبدالله عن عطاء بن السائب، عن عامر الشعبي، عن ابن عباس: أن رجلًا أتى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله إني لأحبك حتى إني لأذكرك في المنزل فيشق ذلك علي، وأحب أن أكون معك في الدرجة، فلم يرد عليه النبي ﷺ شيئًا، فأنزل الله هذه الآية. وقد رواه ابن جرير عن ابن حميد عن جرير عن عطاء، عن الشعبي مرسلًا.
وثبت في صحيح مسلم من حديث هقل بن زياد عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبدالرحمن، عن ربيعة بن كعب الأسلمي أنه قال: كنت أبيت عند النبي ﷺ فأتيته بوضوئه، وحاجته، فقال لي: «سل»، فقلت: يا رسول الله أسألك مرافقتك في الجنة، فقال: أو غير ذلك؟ قلت: هو ذاك. قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود.
وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن إسحاق، أخبرنا ابن لهيعة، عن عبيد الله بن أبي جعفر، عن عيسى بن طلحة، عن عمرو بن مرة الجهني، قال: جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله، شهدت أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، وصليت الخمس، وأديت زكاة مالي. وصمت شهر رمضان، فقال رسول الله ﷺ: من مات على ذلك كان مع النبيين، والصديقين، والشهداء يوم القيامة، وهكذا -ونصب أصبعيه- ما لم يعق والديه تفرد به أحمد. قال الإمام أحمد أيضًا: حدثنا أبو سعيد مولى أبي هاشم.

الشيخ: مولى بني هاشم، غلط أبي.
مولى بني هاشم حدثنا ابن لهيعة عن زبان بن قائد.
الشيخ: كذا عندكم قاف؟
الطالب: زيان بن فائد.
الشيخ: زبان بن فائد نعم.
عن زبان بن فائد، عن سهل بن معاذ بن أنس، عن أبيه، أن رسول الله ﷺ قال: من قرأ ألف آية في سبيل الله كتب يوم القيامة مع النبيين، والصديقين، والشهداء الصالحين، وحسن أولئك رفيقًا إن شاء الله.

الشيخ: زبان هذا ضعيف، روايته ضعيفة.
س: ابن لهيعة في السندين يؤثر في السند؟
الشيخ: نعم ضعيف، لكن هذه الأحاديث يشهد بعضها لبعض، وتدل على ما دلت عليه الآية الكريمة، وأن أهل الإيمان يتراءون، ويجتمعون مع الأنبياء، والصديقين، والشهداء، والصالحين لهم مجال، ويرى بعضهم بعضًا في غرفات الجنات، في زيارات الجنات، وفي زيارة الرب ، فإنهم يزورونه سبحانه يوم المزيد، فأهل الجنة لهم أوقات يرى بعضهم بعضًا عند ربهم ، وفي أوقات تزاورهم.
وروى الترمذي من طريق سفيان الثوري، عن أبي حمزة، عن الحسن البصري، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله ﷺ: التاجر الصدوق الأمين مع النبيين، والصديقين، والشهداء ثم قال: هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وأبو حمزة اسمه عبدالله بن جابر شيخ بصري.
الشيخ: التاجر الصدوق الأمين يعني الذي يتعاطى التجارة مع الصدق، والأمانة، والنصح، وعدم الغش، والخيانة، مع النبيين، والصديقين، والشهداء، وهذا فيه الحث على الصدق في المعاملات، وأداء الأمانات في المعاملات.
وأعظم من هذا كله بشارة ما ثبت في الصحيح، والمسانيد، وغيرهما من طرق متواترة عن جماعة من الصحابة، أن رسول الله ﷺ سئل عن الرجل يحب القوم، ولما يلحق بهم، فقال: المرء مع من أحب، قال أنس: فما فرح المسلمون فرحهم بهذا الحديث. وفي رواية عن أنس أنه قال: إني لأحب رسول الله ﷺ، وأحب أبا بكر، وعمر رضي الله عنهما، وأرجو أن الله يبعثني معهم، وإن لم أعمل كعملهم، قال الإمام مالك بن أنس، عن صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله ﷺ: إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم، كما تراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب، لتفاضل ما بينهم قالوا: يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم، قال: بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله، وصدقوا المرسلين، أخرجاه في الصحيحين من حديث مالك، واللفظ لمسلم. ورواه الإمام أحمد، حدثنا فزارة، أخبرني فليح عن هلال يعني ابن علي، عن عطاء، عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: إن أهل الجنة ليتراءون في الجنة كما تراءون -أو ترون- الكوكب الدري الغابر في الأفق الطالع في تفاضل الدرجات. قالوا: يا رسول الله أولئك النبيون؟ قال: بلى والذي نفسي بيده، رجال آمنوا بالله، وصدقوا المرسلين قال الحافظ الضياء المقدسي: هذا الحديث على شرط البخاري، والله أعلم.
الشيخ: وهذا يدل على التفاضل العظيم، وأنهم يتراءون أهل الغرف من فوقهم كما يتراءى الناس الكوكب الدري الغابر في الأفق الشرقي أو الغربي؛ لتفاضل ما بينهم من المنازل، والأعمال الصالحات، والتقوى لله ، فقال الصحابة: يا رسول الله، أولئك النبيين! قال: بلى، والله رجال آمنوا بالله، وصدقوا المرسلين! فهذه المنازل تكون للأنبياء، ولغيرهم من الأخيار، والأتقياء، والمؤمنين الذين صدقوا الله، وتابعوا رسله، فلهم هذه المنازل المتفاوتة في الدرجات، ومع ذلك كل واحد منهم في نعمة لا يرى ما يراه فيها، ليس هناك حرز، ولا مشقة، ولا كدر، كل نعيم في نعيمه قد قرت عينه، واستقام أمره، ولا يرى أن هناك من هو أفضل منه من النعيم، ولهذا قال جل وعلا: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ۝ ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ ۝ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ۝ لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ [الحجر:45-48]، وفي الآية الأخرى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ ۝ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ۝ يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ ۝ كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ ۝ يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ ۝ لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ۝ فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [الدخان:51-57] ... ليس فيها أكدار، ولا أحزان، ولا مشقة، ولا كدر، ولا مرض، ولا غير ذلك، فالكل في نعيم دائم، وفي خير دائم، وفي سرور دائم، وفي حبرة دائمة.
..........
وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني في معجمه الكبير: حدثنا علي بن عبدالعزيز، حدثنا محمد بن عمار الموصلي، حدثنا علي بن عفيف بن سالم عن أيوب، عن عتبة، عن عطاء، عن ابن عمر، قال: أتى رجل من الحبشة إلى رسول الله ﷺ يسأله فقال له رسول الله ﷺ: سل، واستفهم فقال: يا رسول الله فضلتم علينا بالصور، والألوان، والنبوة، ثم قال: أفرأيت إن آمنت بما آمنت به، وعملت بما عملت به، إني لكائن معك في الجنة، قال رسول الله ﷺ: نعم، والذي نفسي بيده، إنه ليضيء بياض الأسود في الجنة من مسيرة ألف عام، ثم قال رسول الله ﷺ: من قال: لا إله إلا الله، كان له بها عهد عند الله، ومن قال: سبحان الله وبحمده، كتب له بها مائة ألف حسنة، وأربعة وعشرون ألف حسنة فقال رجل: كيف نهلك بعد هذا يا رسول الله؟ فقال رسول الله ﷺ: إن الرجل ليأتي يوم القيامة بالعمل لو وضع على جبل لأثقله فتقوم النعمة من نعم الله، فتكاد أن تستنفد ذلك كله إلا أن يتغمده الله برحمته، ونزلت هذه الآيات هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا [الإنسان:1] إلى قوله: نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا [الإنسان:20]، فقال الحبشي: وإن عيني لتريان ما ترى عيناك في الجنة؟ فقال رسول الله ﷺ: نعم، فاستبكى حتى فاضت نفسه، قال ابن عمر: فلقد رأيت رسول الله ﷺ يدليه في حفرته بيديه.
فيه غرابة، ونكارة، وسنده ضعيف.

الشيخ: ضعيف، وهو في نفسه منكر مخالف للأحاديث الصحيحة.
.........
ولهذا قال تعالى: ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ [النساء:70] أي: من عند الله برحمته، وهو الذي أهلهم لذلك لا بأعمالهم، وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا أي: هو عليم بمن يستحق الهداية، والتوفيق.
........
س: الحديث المرفوع الذي مر معنا عن عائشة يقول: جاء رجل، من هو الرجل هل هو عمر؟
الشيخ: الله أعلم.