57 من حديث (اللَّهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت اللَّه لا إله إلا أنت..)

1574- وَعَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: سَمِعَ النَّبِيُّ ﷺ رَجُلًا يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، الأَحَدُ الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ، وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ"، فَقَالَ: لَقَدْ سَأَلَ اللَّهَ بِاسْمِهِ الَّذِي إِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى، وَإِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ. أَخْرَجَهُ الْأَرْبَعَةُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.

1575- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا أَصْبَحَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ بِكَ أَصْبَحْنَا، وَبِكَ أَمْسَيْنَا، وَبِكَ نَحْيَا، وَبِكَ نَمُوتُ، وَإِلَيْكَ النُّشُورُ، وَإِذَا أَمْسَى قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ. أَخْرَجَهُ الْأَرْبَعَةُ.

1576- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

1577- وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَدْعُو: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي، وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي جِدِّي وَهَزْلِي، وَخَطَئِي وَعَمْدِي، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ، وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ، وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَالْمُؤَخِّرُ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

1578- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي إِلَيْهَا مَعَادِي، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.

الشيخ: هذا حديث بريدة: أنَّ النبي ﷺ سمع رجلًا يقول: "اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله، لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد"، فقال: لقد سأل باسمه الذي إذا سُئل به أعطى، وإذا دُعي به أجاب، وهكذا جاء معناه عند النَّسائي وغيره ..... قال: "اللهم إني أسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد"، قال: لقد سأل الله باسمه العظيم الذي إذا سُئل به أعطى، وإذا دُعي به أجاب.

هذه التَّوسلات من أفضل الأسباب في إجابة الدُّعاء، وهو التوسل إلى الله بصفاته العظيمة، وأسمائه الحسنى، ووحدانيته جلَّ وعلا، فذلك من أعظم الأسباب لإجابة الدعاء، فينبغي للمؤمن أن يتوسل إلى الله بأسمائه وصفاته وتوحيده الذي بعث به رسله، وأنزل به كتبه.

كذلك حديث اللهم إني أسألك بأنَّك أنت الله لا إله إلا أنت، المنان، بديع السَّماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي، يا قيوم.

فالتوسل إلى الله بتوحيده والإخلاص له وأسمائه الحسنى وصفاته العُلا مما يُحبه جلَّ وعلا، ومما يُجيب عليه .

هكذا ينبغي للمؤمن أن يتحرى أسباب الإجابة فيما يتعلق بالأسماء والصِّفات، وفيما يتعلق بالأوقات المناسبة: في آخر الليل، وفي جوف الليل، وبين الأذان والإقامة، وآخر الصلاة قبل السلام، كل هذا من أسباب الإجابة من جهة الزمان.

كذلك من جهة الإقبال على الله بالقلب: أن يُقبل على الله بقلبه، أن يجمع قلبَه على الله خاضعًا مُنكسرًا بين يدي ربه ، مُؤمنًا بأنه هو المجيب للدُّعاء، وهو الغني الحميد، وهو القادر على كل شيءٍ، كل هذا من أسباب الإجابة، وهكذا إذا كان على طهارةٍ كان أيضًا ذلك من أسباب الإجابة.

فينبغي للمؤمن أن يتحرى أسباب الإجابة، وأن يُكثر منها، ولا سيما في الطلبات المهمة، وهي التي يحتاجها العبدُ: ما يتعلق بسلامة دينه، وصلاح قلبه، ونجاته في الدنيا والآخرة.

كذلك حديث أبي هريرة: كان يقول ﷺ إذا أصبح: اللهم بك أصبحنا، وبك أمسينا، وبك نحيا، وبك نموت، وإليك النُّشور، وإذا أمسى قال كذلك، لكن يقول: وإليك المصير.

ويُستحب للمؤمن أن يقول في الصباح: اللهم بك أصبحنا، وبك أمسينا، وبك نحيا، وبك نموت، وإليك النُّشور، النُّشور هنا مناسب في الصباح؛ لأنه موضع النُّشور والعمل وطلب الرزق، وكل شيءٍ بيده ؛ فبه الصباح، وبه المساء، وبه المحيا، وبه الممات ، فهو المصرف لعباده، وبيده حياتهم وموتهم ..... المساء مثل ذلك، لكن يبدأ بالمساء يقول: اللهم بك أمسينا، وبك أصبحنا، وبك نحيا، وبك نموت، وإليك المصير، وفي الصباح يقول: اللهم بك أصبحنا، وبك أمسينا، وفي آخره يقول: وإليك النُّشور، وفي المساء يبدأ بالمساء: اللهم بك أمسينا، وبك أصبحنا، وبك نحيا، وبك نموت، وإليك المصير؛ لأنَّ الإنسان يأوي في الليل إلى فراشه وإلى أهله، هذا فيه إشارة إلى مصير الناس يوم القيامة إليه ، فكما أنَّ ..... يبيتون ويرتاحون ..... إليه يوم القيامة؛ ليُجازيهم بأعمالهم .

وهكذا حديث أنسٍ: كان أكثر دعاء النبيِّ ﷺ: ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، هذا دعاء عظيم، وهو من جوامع الدُّعاء.

يقول أنسٌ: كان أكثر دعاء النبيِّ هذا الدُّعاء: ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

فالحسنة في الدنيا ما ينفعه في الدنيا، وأعظمها حسنة الإسلام، حسنة التوحيد والإيمان والهدى، ثم ما ينفعه في الدنيا من ولدٍ صالحٍ، وزوجةٍ صالحةٍ، ورزقٍ حلالٍ، كله داخلٌ في حسنات الدنيا.

وفي الآخرة حسنة أعظمها دخول الجنة، والنَّجاة من النار، مع ما يحصل له من التيسير والتَّخفيف عند البعث والنُّشور، وفي موقف القيامة، إلى غير ذلك .....، تمام الحسنة في الآخرة أن يُنجيه الله من عذاب النار، وأن يُدخله الجنة من أول وهلةٍ.

كذا حديث أبي موسى، وأبو موسى هو عبدالله بن قيس الأشعري، اليماني، الصحابي الجليل المشهور رضي الله عنه وأرضاه، وكان من أفاضل الصحابة، ومن علمائهم، ومن كبارهم .

كان يقول ﷺ: اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي، وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي جدِّي وهزلي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدمتُ، وما أخَّرتُ، وما أسررتُ، وما أعلنتُ، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم، وأنت المؤخر، وأنت على كل شيءٍ قدير.

هذا فيه التواضع العظيم منه ﷺ، والانكسار بين يدي الله، مع أنه مغفور له عليه الصلاة والسلام، ومع هذا يدعو بهذه الدَّعوات: ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، مع أنه قد أعطاه ذلك، ووعده الجنة، وغفر له ذنبه، لكنه يُحب أن يكون عبدًا شكورًا عليه الصلاة والسلام؛ فيُكثر من الدعاء، ويُعلم أمته هذا الدعاء، ويقوله انكسارًا بين يدي الله، وضراعةً بين يديه، وإظهارًا للعبودية من هذا النبي العظيم عليه الصلاة والسلام.

فأنت يا عبدالله أولى بهذا، وأنت لست ممن شهد لهم بالجنة، وأنت الخطاء، وأنت أيضًا على خطر عظيم في المستقبل، فأنت جدير بأن تُعنى بهذا الدعاء: ربنا آتنا في الدنيا حسنة .. كما تقدم، وبهذا الدعاء الأخير: اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي، وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي جدِّي وهزلي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي. هذا التواضع العظيم: وكل ذلك عندي.

هكذا يقول عليه الصلاة والسلام: اللهم اغفر لي ما قدمتُ، وما أخرتُ، وما أسررتُ، وما أعلنتُ، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وهو من أسمائه : أنت المقدم، وأنت المؤخر، وأنت على كل شيءٍ قدير.

وعند مسلمٍ من حديث عليٍّ: اللهم اغفر لي ما قدمتُ، وما أخرتُ، وما أسررتُ، وما أعلنتُ، وما أسرفتُ، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم، وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت.

جاء في رواية مسلم أنه ربما قاله قبل السلام، وربما قاله بعد السلام.

وهذا كله دليل على انكساره بين يدي الله، وتواضعه عليه الصلاة والسلام، واعترافه بالعبودية والذل بين يدي ربه جلَّ وعلا، وأنه محل الخطأ، ومحل الذنوب، فيطلب ربه المغفرة والعفو ؛ ولهذا قال في سورة الفتح: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ [الفتح:2]، وقد غفر الله له ذنبه، وعفا عنه ، وأعطاه الجنة، ووعده ذلك، وأعانه على كل خيرٍ عليه الصلاة والسلام، وجعله عبدًا شكورًا عليه الصلاة والسلام.

فهكذا أنت عليك أن تتأسى بهذا النبي الكريم، وأن تسير على نهجه بالانكسار بين يدي الله، والضراعة بين يديه، والاعتراف بذنبك وتقصيرك، وسؤال الله المغفرة والعفو ، فأنت في أشد الحاجة إلى هذا، بل في أشد الضَّرورة إلى هذا الدعاء؛ إلى المغفرة من الله والعفو منه .

س: ................؟

ج: "جدي وهزلي" الجد ضد الهزل، الجد الذي يقوله جادًّا، والهزل ضد ذلك .....، قد يمزح معهم ولا يقول إلا حقًّا عليه الصلاة والسلام.

س: ..............؟

ج: هذا شيء آخر: لا ينفع ذا الجدّ، منك الجدّ يعني: الغنى والحظّ، أما هنا فهو ضد الهزل، جِدّ بكسر الجيم.

س: ...............؟

ج: الدعاء بعد ذلك، أولًا يبدأ بالاستغفار ثلاثًا، ويقول: "اللهم أنت السلام"، ثم يقول: "لا إله إلا الله"، ثم يدعو بما أحبَّ بعد ذلك بينه وبين ربِّه.

س: ...............؟

ج: بعدما يُسلم يستغفر ثلاثًا ويقول: "اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام"، ثم ينصرف إلى الناس إذا كان إمامًا، يُعطيهم وجهه ثم يقول: "لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدِّين ولو كره الكافرون، اللهم لا مانعَ لما أعطيتَ، ولا مُعطي لما منعتَ، ولا ينفع ذا الجدِّ، منك الجدّ"، ثم إذا دعا بعد هذا، ثم يأتي بالتَّسبيح والتَّحميد والتَّكبير ثلاثًا وثلاثين مرة.

س: رفع اليدين عند الدُّعاء هل لها حدٌّ معينٌ، أو كلما رفع يديه أكثر كلما كان أحسن؟

ج: لا أعلم فيه حدًّا إلا المنكبين، النهاية الأذن، والأدنى المنكب، وأكثر ما رفع في صلاة الاستسقاء عليه الصلاة والسلام.

س: الأحاديث التي فيها: "حين يُصبح وحين يُمسي" هل الصباح والمساء له حدٌّ؟

ج: ما تيسر بعد الصبح، وبعد صلاة الفجر، وبعد طلوع الشمس، كله صباح إلى الزوال، إلى أن تزول الشمسُ كله صباح.

1578- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي إِلَيْهَا مَعَادِي، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.

1579- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: اللَّهُمَّ انْفَعْنِي بِمَا عَلَّمْتَنِي، وَعَلِّمْنِي مَا يَنْفَعُنِي، وَارْزُقْنِي عِلْمًا يَنْفَعُنِي. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَالْحَاكِمُ.

1580- وَلِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوُهُ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: وَزِدْنِي عِلْمًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ حَالِ أَهْلِ النَّارِ. وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ.

1581- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ عَلَّمَهَا هَذَا الدُّعَاءَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ، عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ، عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا عَاذَ بِهِ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ مِنْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَأَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَ كُلَّ قَضَاءٍ قَضَيْتَهُ لِي خَيْرًا. أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ.

1582- وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: كَلِمَتَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ، خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ.

قال مُصنفه: فرغ منه ملخصه أحمد بن علي بن محمد بن حجر في حادي عشر شهر ربيع أول، سنة ثمانٍ وعشرين وثمانمئة، حامدًا لله تعالى، مُصليًا على رسوله ﷺ، ومكرمًا ومُبجلًا ومُعظِّمًا.

الشيخ: هذه الأحاديث الأربعة كلها تتعلق بالدعاء والثناء، تقدم أن الباب باب الذكر والدعاء، ومن الدعاء هذا الحديث الصحيح: حديث أبي هريرة : أن النبي كان يدعو بهذا الدعاء: اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح دنياي التي فيها معاشي، وأصلح آخرتي التي فيها معادي، واجعل الحياة زيادةً لي في كل خيرٍ، واجعل الموتَ راحةً لي من كل شرٍّ.

هذا الدعاء من أجمع الدعاء، ومن أهم الدعاء، وأنفع الدعاء، كان النبي يدعو به عليه الصلاة والسلام، فينبغي للمؤمن والمؤمنة الإكثار من هذا الدعاء؛ لما فيه من جوامع الكلم؛ لأنه دعاء جامع: اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح دنياي التي فيها معاشي، وأصلح آخرتي التي فيها معادي، واجعل الحياة زيادةً لي من كل خيرٍ، واجعل الموتَ راحةً لي من كل شرٍّ.

فهو دعاء جامع للخير كله، فينبغي للعبد أن يُلح في ذلك، وأن يتحرى في ذلك أوقات الإجابة، مع الإخلاص لله، والصدق في دعائه، والرغبة فيما عند الله، والإقبال عليه؛ فإنَّ هذا أقرب إلى الإجابة.

وهكذا حديث أبي هريرة: اللهم انفعني بما علَّمتني، وعلمني ما ينفعني، وارزقني علمًا ينفعني، وزدني علمًا، والحمد لله على كل حالٍ، وأعوذ بالله من حال أهل النار، دعوات عظيمة طيبة ينبغي للمؤمن أن يُكثر منها، وهكذا كل دعاءٍ ثبت عن النبيِّ ﷺ ينبغي الإكثار منه أكثر من غيره، وإن كان الدُّعاء بابه واسع والحمد لله، فالإنسان له أن يدعو بشيءٍ لم يُنقل في حاجاته، يسأل الله حاجاته كلها لا بأس بذلك، ولكن تحريه الدَّعوات المنقولة والمأثورة عن النبي ﷺ يكون ذلك أفضل وأجمع، وإذا دعا بدعواتٍ اختارها لنفسه في حاجاته فلا بأس به عليه، ولا حرج؛ لأنَّ الله قال: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186].

والنبي قال في حديث ابن مسعودٍ لما علَّمه التَّشهد قال: ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه ثم يدعو، وفي اللفظ الآخر: ثم ليختر من المسألة ما شاء، فدلَّ ذلك على أنَّ الإنسان مُخير: يدعو بما تدعو له الحاجة؛ كأن يكون محتاجًا للذرية فيسأل الله الذرية الطيبة، محتاجًا للرزق الحلال فيسأل الله الرزق الحلال، محتاجًا لزوجةٍ صالحةٍ فيسأل الله زوجةً صالحةً، محتاجًا لدارٍ مناسبةٍ فيسأل الله أن يُسهل له دارًا مناسبةً، إلى غير ذلك من حاجات الناس، فله أن يدعو بما تدعو له الحاجة من الدَّعوات التي ليس فيها محذور شرعًا؛ ولهذا يقول عليه الصلاة والسلام: ما من عبدٍ يدعو الله بدعوةٍ ليس فيها إثمٌ ولا قطيعة رحمٍ إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاثٍ: إما أن تُعجل له دعوته في الدنيا، وإما أن تُدخر له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من الشَّرِّ مثل ذلك، قالوا: يا رسول الله، إذًا نُكثر، قال: الله أكثر.

وهكذا حديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي ﷺ علَّمها أن تقول: اللهم إني أسألك من الخير كله، عاجله وآجله، ما علمتُ منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشَّر كله، عاجله وآجله، ما علمتُ منه وما لم أعلم، وأسألك من خير ما سألك منه عبدُك ونبيُّك ﷺ، وأعوذ بك من شرِّ ما عاذ به نبيُّك ﷺ، وأسألك الجنةَ وما قرَّب إليها من قولٍ وعملٍ، وأعوذ بك من النار وما قرَّب إليها من قولٍ وعملٍ، وأسألك أن تجعل كل قضاءٍ قضيتَه لي خيرًا، هذه دعوات عظيمة جامعة، فينبغي الإكثار منها، وهي دعوات عظيمة جامعة للخير كله: خيري الدنيا والآخرة.

ثم ختم المؤلفُ الكتابةَ بهذا الحديث العظيم الذي ختم به الإمامُ البخاري رحمه الله "صحيحه"، وهو ما رواه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، عن النبي ﷺ أنه قال: كلمتان خفيفتان على اللِّسان، حبيبتان إلى الرحمن، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم.

فينبغي للمؤمن أن يُكثر من هاتين الجملتين: "سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم"، فهما عظيمتان، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: "سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم".

وهكذا ما ثبت في حديث سمرة: أن النبي قال: أحبُّ الكلام إلى الله أربع، لا يضرُّك بأيِّهن بدأت: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر.

وهكذا الحديث الآخر: الباقيات الصَّالحات: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

كل هذه أذكار عظيمة، ولها الفائدة العظيمة في قلب العبد، وفيما يكتب الله له من الأجر.

وكذلك قوله ﷺ: مَن قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قدير، عشر مرات؛ كان كمَن أعتق أربعة أنفسٍ من ولد إسماعيل.

وفي الحديث الآخر: مَن قالها مئة مرةٍ في يومه كانت له عدل عشر رقابٍ، وكتب الله له مئة حسنةٍ، ومحا عنه مئة سيئةٍ، وكان في حرزٍ من الشيطان في يومه ذلك حتى يُمسي، ولم يأتِ أحدٌ بأفضل مما جاء به، إلا رجلٌ عمل أكثر من عمله.

فينبغي للمؤمن الإكثار من هذه الأذكار العظيمة، والدَّعوات العظيمة، يرجو ما عند الله، ويُحسن به الظنّ سبحانه، ويُخلص له في الدُّعاء، ويتحرى أوقات الإجابة، ويتحرى أيضًا خشوع قلبه، وحضور قلبه.

رزق الله الجميع التوفيقَ والهداية، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه.

س: ...............؟

ج: يعني الدَّعوة ليس فيها إثمٌ، ليس فيها معصيةٌ، وليس فيها دعوة على مَن لا يستحقّ قطيعة رحمٍ، فإذا كان فيها إثمٌ بأن يتوسل بما لا يجوز، مثل: بحقِّ فلان، أو بحق فلان، أو يسأل الله أن يُعينه على الزنا بفلانةٍ، أو شرب الخمر، أو الغيبة لفلان، أو كذا، فهذه تكون كلها فيها إثم أو قطيعة رحمٍ، يقول: أسأل الله أن الله يُعينه على عقوق أمه، أو على قطيعة أقاربه وإخوانه. هذه فيها قطيعة رحمٍ، هذه دعوات باطلة، فمن رحمة الله أنه لا يُجيبه إليها؛ لأنه آثم في ذلك، عاصٍ في ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله، نسأل الله السلامة والعافية.