فَإِذَا قِيلَ لَكَ: بِمَ عَرَفْتَ رَبَّكَ؟
فَقُلْ: بِآيَاتِهِ وَمَخْلُوقَاتِهِ، وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ، وَمِنْ مَخْلُوقَاتِهِ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرَضُونَ السَّبْعُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَمَا بَيْنَهُمَا، وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [فصلت:37]، وقوله تعالى: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [الأعراف:54].
وَالرَّبُ هُوَ الْمَعْبُودُ، وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:21- 22].
قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: الخَالِقُ لهذه الأشياء هو المستحق للعبادة.
الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله.
يقول المؤلفُ رحمه الله الشيخ محمد رحمه الله في كتابه "ثلاثة الأصول"، والشيخ محمد هو أبو عبدالله محمد بن عبدالوهاب بن سليمان بن علي التَّميمي الحنبلي رحمه الله، وهو الإمام المجدد لما اندرس من معالم الإسلام في هذه الجزيرة في القرن الثاني عشر من الهجرة النبوية، كانت وفاته سنة 1206 من الهجرة، يقول رحمه الله في هذا الكتاب، وهو كتاب عظيم مختصر مفيد.
يقول رحمه الله: فإذا قيل لك: بمَ عرفتَ ربَّك؟ يعني: إذا سألك سائلٌ: بم عرفتَ ربك؟ فقل: عرفته بآياته ومخلوقاته، آياته كثيرة، ومخلوقاته كثيرة، عرفته بأنه ربي، وبأنه خالقي وخالق الخلق كلهم، وهو الخلَّاق العليم : وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ [فصلت:37]، ومن مخلوقاته السَّماوات السبع والأرضون السبع، ومنها الأنهار والبحار والنجوم، وسائر الحيوانات كلها من مخلوقاته وآياته، قال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [فصلت:37]، هذه من آياته العظيمة، هذا من آياته العظيمة، هذا الليل بظلامه، والنهار بضيائه، والشمس بضيائها، والقمر بنوره، كله من آياته العظيمة؛ ولهذا قال: لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ يعني: اعبدوه وحده، هو المستحق لأن يُعبد جلَّ وعلا.
وقال تعالى: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ يعني: وخلق الشمر والقمر وَالنُّجُومَ يعني: وخلق النجوم مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ مُذللات بأمره، ثم قال سبحانه: أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [الأعراف:54]، هو الخلَّاق، وهو الآمر، هو الذي له الخلق، وله الأمر جلَّ وعلا، الأمر هو القول، فله الخلق لمن يشاء، وله الأمر في عباده؛ ولهذا أرسل الرسلَ، وأنزل الكتبَ، وأمر بعبادته : أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ.
فهو الخلَّاق العليم المستحق لأن يُعبد جلَّ وعلا، والرب هو المعبود، وهو المالك، وهو الخلَّاق، وهو الرزاق، ربنا يعني: خالقنا ومعبودنا، هو الخلَّاق، وهو الرزاق، وهو المعبود بالحقِّ : إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ يعني: معبودكم وخالقكم الله جلَّ وعلا، والدليل قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:21- 22].
والأنداد هم: الأشباه والنُّظراء، كما فعل المشركون والعالمون، كل المخلوقات عالمون؛ ولهذا قال: تَبَارَكَ اللَّهُ يعني: بلغ في البركة النِّهاية ، رَبُّ الْعَالَمِينَ هو ربُّ المخلوقات كلها، وأنت واحدٌ من العالمين، أنت أيها الإنسان واحدٌ من العالم، وهو ربك جلَّ وعلا؛ ولهذا قال: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ، وقال: تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، العالمون: جميع المخلوقات: من سماءٍ وأرضٍ وحيوانٍ وبحرٍ ونهرٍ ونجمٍ وغير ذلك، فهو ربُّ الجميع، قال تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:2- 3] يعني: ربّ المخلوقات كلها، وهو الرحمن لجميع خلقه، وهو الرحيم، برحمته خلق ما خلق لعباده من: السمع والبصر والعقل، وأجرى الأنهار، وأنزل الأمطار، وأنبت النبات، كل هذا من رحمته ؛ رزقًا لهم، وأمرهم ونهاهم، وأرسل الرسلَ، فمَن أطاع الرسلَ وتابع الشَّرع صار إلى الجنة، ومَن عصى الرسل وخالف أمر الله صار إلى النار، وصار ما أعطاه الله من النِّعَم حُجَّة عليه.
وفَّق الله الجميع.