الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهُداه.
ومن أهم الأمور فيما يتعلق بالإيمان كون المؤمن يُحاسب نفسه، وهكذا المؤمنة، كلٌّ يُحاسِب نفسه في أيامه ولياليه، ينظر ماذا قدَّم؟ وماذا أخَّر؟ لا يغفل، فالغفلة داء عضال، ومن أعظم أسباب نقص الإيمان وضعفه.
فالواجب على المؤمن أن يعتني بنفسه ويُحاسبها حتى يعرف ما له وما عليه، كما قال : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر:18].
أمر أن ينظر قال: وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ المعنى: انظروا ماذا قدّمتم للآخرة؟ ماذا عملتم؟ فمَن وجد خيرًا فليحمد الله، ويسأل ربَّه الثَّبات، ومَن وجد تقصيرًا وإضاعةً لأمر الله بادر بالتوبة والإصلاح.
وكان عمر أمير المؤمنين في خطبته يقول: "أيها الناس، حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وزنوها قبل أن تُوزنوا، وتأهَّبوا للعرض الأكبر على الله".
فالمؤمن يتأهَّب وينظر، والمعنى: المحاسبة، يعني: النظر، كما قال النبي ﷺ لابن عمر: كن في الدنيا كأنَّك غريب أو عابر سبيل، وكان ابنُ عمر يقول: "إذا أصبحتَ فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيتَ فلا تنتظر الصباح، وخذ من صحَّتك لمرضك، ومن حياتك لموتك".
فالمؤمن يُحاسب نفسه ويُجاهدها، وهكذا المؤمنة، فينظر ماذا قدَّم؟ وماذا أخَّر؟ كيف عنايته بالصَّلاة؟ كيف المحافظة عليها؟ هل برَّ والديه؟ هل وصل أرحامه؟ هل أتى شيئًا من المنكرات؟ حتى يتوب إلى الله، حتى يُسارع، حتى يُبادر بالتَّوبة.
ولا بدَّ مع المعاتبة أن يرى ويجد أشياء تُوجب عليه التوبة والإقلاع، توجب عليه العناية، فالصَّلاة يُحاسِب نفسه فيها: هل أدَّاها في الوقت؟ هل حافظ عليها؟ هل خشع فيها؟ هل اطمأنَّ؟ هل كمَّلها؟
وهكذا زكاته: هل أدَّاها كما ينبغي؟ هل تخلص منها أو بخل بشيءٍ منها؟
وهكذا صومه في رمضان: هل صانه؟ هل حفظه من الغيبة والنَّميمة والمعاصي الأخرى؟
وهكذا حجّه يحاسِب نفسه، وهكذا بقية أعماله، وهكذا برّه لوالديه: هل هو قائم به، أو هناك شيء من العقوق؟ وهكذا حقّ الجيران، وهكذا حقّ الرَّحم، وهكذا الأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر، وهكذا الدَّعوة إلى الله، وهكذا لسانه: هل حفظه من الكذب والغيبة والنَّميمة؟ وهكذا سمعه: هل حفظه ولم يستمع لما حرَّم الله عليه؟ وهكذا لسانه يشغله بذكر الله، ويعتني به.
فمَن حافظ على جوارحه وحاسبها وحفظ وقته حمد العاقبة وأفلح، ومَن أهمل وتساهل وغفل ندم حين لا تنفع النَّدامة.
نسأل الله للجميع التَّوفيق والهداية.