20 من قوله: ( وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا..)

فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا ۝ مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا ۝ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا ۝ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا[النساء:84-87].
يأمر تعالى عبده ورسوله محمدًا ﷺ بأن يباشر القتال بنفسه، ومن نكل عنه فلا عليه منه، ولهذا قال: لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ، قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا محمد بن عمرو بن نبيح، حدثنا حكام، حدثنا الجراح الكندي عن أبي إسحاق، قال: سألت البراء بن عازب عن الرجل يلقى المائة من العدو فيقاتل فيكون ممن قال الله فيه: وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:195]، قال: قد قال الله تعالى لنبيه: فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ.
ورواه الإمام أحمد عن سليمان بن داود، عن أبي بكر بن عياش، عن أبي إسحاق، قال: قلت للبراء: الرجل يحمل على المشركين، أهو ممن ألقى بيده إلى التهلكة؟ قال: لا، إن الله بعث رسول الله ﷺ، وقال: فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ، إنما ذلك في النفقة.
وكذا رواه ابن مردويه من طريق أبي بكر بن عياش، وعلي بن صالح، عن أبي إسحاق، عن البراء به، ثم قال ابن مردويه: حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا أحمد بن النضر العسكري، حدثنا مسلم بن عبدالرحمن الحرمي.
الشيخ: الحرمي بالميم أو الحركي؟
الطالب: عندنا الجرمي.
الشيخ: الجرمي؟
الطالب: الحرثي.
الشيخ: شف هذا مسلم بن عبدالرحمن.
........
 حدثنا محمد بن حمير، حدثنا سفيان الثوري، عن أبي إسحاق، عن البراء، قال: لما نزلت على النبي ﷺ فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ الآية، قال لأصحابه: وقد أمرني ربي بالقتال فقاتلوا حديث غريب.
وقوله: وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ، أي: على القتال ورغبهم فيه، وشجعهم عليه.
الشيخ: والمعنى أن قتال الرجل للجماعة لا يسمى إلقاء باليد إلى التهلكة، وليس انتحارًا كون المؤمن يحيا على الجماعة في سبيل الله، وإن كان وحده في أي جهة من الجهات، أو في قسم من الأقسام، ليس بإلقاء إلى التهلكة، ولكن ينبغي أن ينظر في المصلحة، فإن كانت المصلحة تقتضي ذلك، وإلا فليقف، ولا يغرر بالمسلمين، ويفوتهم نفسه ومصلحته، فإذا رأى المكان مناسبًا للهجوم ورأى أن حمله عليهم أصلح للمسلمين حمل عليهم، وكم من شخص واحد حمل على أمة فهزمها، وأيده بنصر الله ، فقد يؤيد الإنسان بالذعر من المقابل، فلا يثبت، وينهزم، وقد وقع في جيوش المسلمين من هذا عجائب وغرائب للشجعان، وغالبًا الشجاع لا يقف في طريقه أحد، وإن كانوا كثيرين؛ لأن الناس يعرفون أنه يقدم، ويضرب، ولهذا ينهزمون أمامه، ويذهبون أمامه، ويتفرقون، فالحاصل أن حمله على الجماعة لا يسمى انتحارًا، ولا يسمى إلقاء إلى التهلكة، وإنما التهلكة التأخر، والجبن.
........
وقوله: وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ، أي: على القتال، ورغبهم فيه، وشجعهم عليه، كما قال لهم ﷺ يوم بدر، وهو يسوي الصفوف: قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض، وقد وردت أحاديث كثيرة في الترغيب في ذلك، فمن ذلك ما رواه البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: من آمن بالله ورسوله، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة، وصام رمضان، كان حقا على الله أن يدخله الجنة، هاجر في سبيل الله، أو جلس في أرضه التي ولد فيها. قالوا: يا رسول الله أفلا نبشر الناس بذلك؟ فقال: إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنه وسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة، وروي من حديث عبادة، ومعاذ، وأبي الدرداء، نحو ذلك.الشيخ: هذه معدة للمجاهدين، في الجنة مائة درجة معدة للمجاهدين وحدهم، غير الدرجات التي للناس الآخرين في الجنة، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، ارتفاع عظيم، وسعة عظيمة، والله المستعان.
وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله ﷺ قال: يا أبا سعيد، من رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد ﷺ رسولًا ونبيًا، وجبت له الجنة، قال: فعجب لها أبو سعيد، فقال: أعدها علي يا رسول الله، ففعل، ثم قال رسول الله ﷺ: وأخرى يرفع الله العبد بها مائة درجة في الجنة، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض. قال: وما هي يا رسول الله؟ قال: الجهاد في سبيل الله رواه مسلم.
وقوله: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا أي: بتحريضك إياهم على القتال، تنبعث هممهم على مناجزة الأعداء، ومدافعتهم عن حوزة الإسلام وأهله، ومقاومتهم، ومصابرتهم.
وقوله تعالى: وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا أي: هو قادر عليهم في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى ذلك: وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ [محمد:4].
الشيخ: وهذه دار الابتلاء، هذه الدار هي دار الابتلاء والامتحان، ليميز الله الخبيث من الطيب، ويميز الصادقين من غيرهم، والصابرين من غيرهم، ولهذا قال سبحانه: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ۝ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت:2، 3]، بالامتحان يتبين الناس، يتبين الصادقون من الكاذبين، ويكرم الصادقون، ويهان غيرهم، يتبين أهل الرغبة فيما عند الله بالصدق عن غيرهم، ولهذا قال جل وعلا في كتابه العظيم في آيات أخرى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ [محمد:31]، أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وهُمْ لَا يُفْتَنُونَ [العنكبوت:2]، أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [التوبة:16]، فالأمر أمر جهاد، وأمر ابتلاء وامتحان، قال سبحانه: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ [البقرة:155]، وقال سبحانه: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [الأنبياء:35]، وقال : وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [هود:7]، إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [الكهف:7]، الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [الملك:2]، فالأمر عظيم، والعبد مبتلى ليتبين صدقه وكذبه، ليتبين حسن عمله أو عدم ذلك، فمن جاهد هذه النفس وصابرها ورغب فيما عند الله ظهر صدقه، وصار قدوة صالحة للآخرين، ورفع الله درجاته، وذكره.
وقوله: مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا أي: من يسعى في أمر فيترتب عليه خير كان له نصيب من ذلك، وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ أي: يكون عليه وزر من ذلك الأمر الذي ترتب على سعيه، ونيته، كما ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ، أنه قال: اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء، وقال مجاهد بن جبر: نزلت هذه الآية في شفاعات الناس بعضهم لبعض.الشيخ: وينبغي للمؤمن أن لا يحزن إذا لم تقبل شفاعته، وأن لا يتكدر، يشفع ويبذل المعروف إذا رأى الشفاعة مناسبة، ولا يضره كونه يرد، لو شفع ثم رد ولم تقبل شفاعته لا يضره، اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء، أنت مأجور قبلت شفاعتك أم ردت لا يضرك!، وقد ثبت عنه ﷺ أنه شفع إلى خادمة عنده، إلى بريرة، خادمة عنده شفع إليها فلم تقبل، قالت: يا رسول الله، تأمرني أو تشفع؟ قال: لا، ما آمرك، ولكن أشفع قالت: مالي حاجة في زوجها الذي عتقت تحته، امرأة جارية خادمة عندهم أعتقت فخيرها النبي ﷺ بين نفسها، وبين زوجها عبد يقال له: مغيث، فأبت، واختارت نفسها، وأبت أن ترجع إليه، وكان يبكي عليها كثيرًا، ويمشي في الأسواق يبكي يريدها، فأبت فرحمه النبي ﷺ، وقال: يا بريرة لعلك ترجعين إليه قالت: تأمرني؟ قال: لا، بل أشفع، قالت: لا حاجة لي فيه. فلم يقل لها شيئًا ﷺ، ولم يتكدر، ولم يعنفها، فإذا شفع إلى شخص في إمهال معسر لقضاء دين، في عفو عن حق، فلم يقبل فلا حرج.
وقال الحسن البصري: قال الله تعالى: مَنْ يَشْفَعْ، ولم يقل من يُشفِّع.الشيخ: يعني هذه نعمة من الله يشفع، الحمد لله جعل الوعد والخير لمن يشفع، أما من يشفع فهذا محل نظر إذا شفعه لله، وطلب الأجر فله أجر وخير، وإذا لم يشفعه أو نهره أو تكلم عليه فلا يضره، الضرر على المانع.
وقوله: وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا، قال ابن عباس، وعطاء، وعطية، وقتادة، ومطر الوراق: مُقِيتًا أي: حفيظًا. وقال مجاهد: شهيدًا، وفي رواية عنه: حسيبًا. وقال سعيد بن جبير، والسدي، وابن زيد: قديرًا. وقال عبدالله بن كثير: المقيت المواضب، وقال الضحاك: المقيت الرزاق، وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عبدالرحيم بن مطرف، حدثنا عيسى بن يونس عن إسماعيل عن رجل، عن عبدالله بن رواحة، وسأله رجل عن قول الله تعالى: وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا قال: مقيت لكل إنسان بقدر عمله.
وقوله: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا أي: إذا سلم عليكم المسلم فردوا عليه أفضل مما سلم، أو ردوا عليه بمثل ما سلم، فالزيادة مندوبة، والمماثلة مفروضة.
قال ابن جرير: حدثنا موسى بن سهل الرملي، حدثنا عبدالله بن السري الأنطاكي، حدثنا هشام بن لاحق، عن عاصم الأحول، عن أبي عثمان النهدي، عن سلمان الفارسي، قال: جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: السلام عليك يا رسول الله، فقال: وعليك السلام، ورحمة الله، ثم جاء آخر فقال: السلام عليك يا رسول الله، ورحمة الله، فقال له رسول الله ﷺ: وعليك السلام، ورحمة الله، وبركاته، ثم جاء آخر فقال: السلام عليك يا رسول الله، ورحمة الله، وبركاته، فقال له: وعليك، فقال له الرجل: يا نبي الله، بأبي أنت، وأمي، أتاك فلان وفلان فسلما عليك فرددت عليهما أكثر مما رددت علي فقال: إنك لم تدع لنا شيئًا، قال الله تعالى: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا، فرددناها عليك، وهكذا رواه ابن أبي حاتم معلقًا، فقال: ذكر عن أحمد بن الحسن والترمذي، حدثنا عبدالله بن السري أبو محمد الأنطاكي، قال أبو الحسن، وكان رجلًا صالحا: حدثنا هشام بن لاحق فذكره بإسناده مثله، ورواه أبو بكر بن مردويه: حدثنا عبدالباقي بن قانع، حدثنا عبدالله بن أحمد بن حنبل، حدثنا أبي، حدثنا هشام بن لاحق أبو عثمان فذكره مثله، ولم أره في المسند، والله أعلم.
وفي هذا الحديث دلالة على أنه لا زيادة في السلام على هذه الصفة، السلام عليكم، ورحمة الله، وبركاته، إذ لو شرع أكثر من ذلك لزاده رسول الله ﷺ.
الشيخ: وهذا يدل على شرعية الرد بأحسن، وأن الأفضل أن يرد بأحسن، فإن رد بالمثل فهذا هو الواجب، ولهذا قال سبحانه: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا، فالرد بالأحسن، وهو الأفضل، وقال: أَوْ رُدُّوهَا يعني: قولوا مثل ما قال، فإذ قال: السلام عليكم، فالجواب: وعليكم السلام، هذا واجب، فإن زاده ورحمة الله كان أفضل، فإن زاده وبركاته كان أفضل؛ لأنه حيا بأحسن، فإذا قال: السلام عليكم ورحمة الله، فقال له: وعليكم السلام ورحمة الله، فهذا هو الواجب، وإن زاده وبركاته فهذا هو الأفضل، وإذا قال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فقد جمع السلام كله، فيقال له: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته مثل ما قال؛ لأنه استوفى السلام فيرد عليه مثل ما قال، وإذا زاده بعد ذلك: كيف حالك؟ كيف أولادك؟ أو كيف أصبحت؟ كل هذا خير.
س: إذا نقص الرد، إذا قال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فقال: وعليك السلام، هل يأثم؟
الشيخ: الظاهر من هذا الحديث أنه لا يأثم، وعليك السلام الذي قلت، يعني مثلما قلت، لكن السنة أن يقول، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
لكن إن صح هذا يقتضي أنه إذا قال: وعليكم، يعني: وعليكم ما قلتم.
س: ما ورد فيه الزيادات، ومغفرته؟
الشيخ: في صحتها نظر.
وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن كثير أخو سليمان، عن كثير، حدثنا جعفر بن سليمان، عن عوف، عن أبي رجاء العطاردي، عن عمران بن حصين أن رجلا جاء إلى رسول الله ﷺ، فقال: السلام عليكم يا رسول الله، فرد عليه، ثم جلس، فقال: عشر، ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله يا رسول الله، فرد عليه ثم جلس، فقال: عشرون، ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد عليه، ثم جلس فقال: ثلاثون، وكذا رواه أبو داود، عن محمد بن كثير، وأخرجه الترمذي، والنسائي، والبزار من حديثه، ثم قال الترمذي: حسن غريب من هذا الوجه. وفي الباب عن أبي سعيد، وعلي، وسهل بن حنيف، وقال البزار: قد روي هذا عن النبي ﷺ من وجوه، هذا أحسنها إسنادًا.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا ابن حرب الموصلي، حدثنا حميد بن عبدالرحمن الرواسي، عن الحسن بن صالح، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: من سلم عليك من خلق الله فاردد عليه، وإن كان مجوسيًا، ذلك بأن الله يقول: فحيوا بأحسن منها أو ردوها، وقال قتادة: فحيوا بأحسن منها، يعني: للمسلمين، أو ردوها يعني: لأهل الذمة.
وهذا التنزيل فيه نظر كما تقدم في الحديث من أن المراد أن يرد بأحسن مما حياه به، فإن بلغ المسلم غاية ما شرع في السلام، رد عليه مثل ما قال، فأما أهل الذمة فلا يبدؤون بالسلام، ولا يزادون، بل يرد عليهم بما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر، أن رسول الله ﷺ قال: إذا سلم عليكم اليهود، فإنما يقول أحدهم: السام عليكم، فقل: وعليك في صحيح مسلم عن أبي هريرة، أن رسول الله ﷺ قال: لا تبدأوا اليهود، والنصارى بالسلام، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه.
وقال سفيان الثوري، عن رجل، عن الحسن البصري، قال: السلام تطوع، والرد فريضة، وهذا الذي قال هو قول العلماء قاطبة، أن الرد واجب على من سلم عليه، فيأثم إن لم يفعل؛ لأنه خالف أمر الله في قوله: فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا، وقد جاء في الحديث الذي رواه أبو داود بسنده إلى أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ والذي نفسي بيده، لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أدلكم على أمر إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم.
وقوله: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إخبار بتوحيده، وتفرده بالإلهية لجميع المخلوقات، وتضمن قسمًا لقوله: لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ، وهذه اللام موطئة للقسم، فقوله: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خبر وقسم أنه سيجمع الأولين والآخرين في صعيد واحد، فيجازي كل عامل بعمله، وقوله تعالى: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا أي: لا أحد أصدق منه في حديثه، وخبره، ووعده، ووعيده، فلا إله إلا هو، ولا رب سواه.
س: الحديث هذا في أبي داود فقط، أو في الصحيحين: قال: الحديث الذي رواه أبو داود بسنده إلى أبي هريرة: قال: قال رسول الله ﷺ: والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أدلكم على أمر إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم.
الشيخ: هذا في الصحيح، صحيح مسلم عن أبي هريرة، وجاء مثله عن ابن الزبير أيضًا، وكأنه غاب عن المؤلف.
س: التحية بصباح الخير، ومساء الخير بعد السلام.
الشيخ:. .......
في أن هذا كان قبل النسخ كان النبي ﷺ أولاً ممنوعًا من القتال حين كان في مكة، والحكمة في ذلك، والله أعلم عدم القدرة، لأن المسلمين مستضعفين في مكة، والأمر لغيرهم، فأمرهم الله بالصفح، والعفو، والدعوة من دون قتال، فلما هاجر المسلمون إلى المدينة، وهاجر النبي ﷺ المدينة أذن لهم في القتال، وكان ذلك في حق الدفاع، يقاتلون من قاتلهم، ويكفون عمن كف عنهم، ثم لما أعز الله الإسلام، وظهر الدين، وصار للمسلمين كلمة، ودولة، وقوة، شرع الله لهم القتال بدءًا ودفاعًا جميعًا، فيقاتلون أعداء الله دفاعًا إذا قاتلوهم، ويتقدمون أيضاً بالجهاد والقتال لهم، وإن لم يقاتلوا حتى يدخلوا في الإسلام أو يؤدوا الجزية عن يد وهم صاغرون، كما قال الله جل وعلا: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ [التوبة:5]، ولم يقل: أو كفوا عنكم، قال: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ، فدل على أنه لا يخلى سبيلهم الكف، فلا يخلى سبيلهم إلا بالدخول في الإسلام، أو ببذل الجزية إن كانوا من أهلها كاليهود، والنصارى، والمجوس، كما في آية براءة: حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [التوبة:29]، هذا هو الذي استقر عليه الأمر في الشريعة الإسلامية، يعني إذا كان المسلمون أقوياء فهم مأمورون بالقتال والجهاد بدءًا، ودفاعا، وإذا ضعفوا صاروا مأمورين بالقتال دفعًا، وإذا كان في محل يعجزون عن القتال صار المشروع لهم الدعوة فقط، والكلام والإعراض عمن خالفهم، وهذا قد سماه بعضهم نسخًا، وآخرون لم يسموه نسخًا، ولكنه مراعاة للأوضاع، وتمشيًا مع قوة المسلمين، وضعفهم.
والأقرب هنا هو قول من قال بعدم النسخ، ولكنها أمور تدبيرية، فعند قوة المسلمين وعند استطاعتهم مهاجمة الكفار وقتالهم يشرع لهم ذلك، وعند الضعف والعجز إنما يجب عليهم الدفاع.
س: أحسن الله إليك، أليس الله قادر أن ينصرهم، وإن كانوا قلة؟
الشيخ: هو يستطيع ينصرهم، ولو كان واحدًا، يستطيع أن يميت الكفار في ساعة واحدة، لكنه يبتلي عباده بهؤلاء وهؤلاء، قال تعالى: ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ [محمد:4] فهو ابتلاء وامتحان، وإلا كان قتل الكفار مرة واحدة، لكنها حكمة بالغة يبتلي هؤلاء بهؤلاء، فعند ضعف المسلمين لا يجب عليهم القتال والبدء، وإذا قواهم الله وصاروا في محل يستطيعون فيه المهاجمة والقتال شرع لهم ذلك.
...........