عبرات وعبارات عن حياة ووفاة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله

عبرات وعبارات عن حياة فقيد الأمة الإسلامية سماحة الإمام عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، ورفع درجته في المهديين، وجمعنا وإياه في دار كرامته، فإلى فقرات الشَّريط:

الشيخ: استووا، أقيموا الصُّفوف، تراصُّوا، أتمُّوا الأول فالأول، وسدُّوا الفُرج، وساووا بين المناكب: الله أكبر، اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدتَ بين المشرق والمغرب، اللهم نقِّني من الخطايا كما يُنَقَّى الثَّوب الأبيض من الدَّنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثَّلج والبرد.

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۝ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ۝ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ۝ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ۝ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ۝ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ [الفاتحة:2- 7]، آمين.

بسم الله الرحمن الرحيم:

إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ ۝ وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ ۝ وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ ۝ وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ ۝ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ ۝ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ۝ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ ۝ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ ۝ كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ ۝ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ ۝ كِرَامًا كَاتِبِينَ ۝ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ۝ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ۝ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ۝ يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ ۝ وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ ۝ وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ۝ ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ۝ يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ [الانفطار:1- 19].

مع شرحٍ لدرسٍ من دروس سماحته:

عن عبدالرحمن بن يزيد، عن عبدالله قال: قال لنا رسولُ الله ﷺ: يا معشر الشَّباب، مَن استطاع منكم الباءةَ فليتزوج؛ فإنه أغضّ للبصر، وأحصن للفرج، ومَن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء.

الشيخ: أنتم من الشَّباب الآن، أنتم مُخاطبون بهذا الحديث، كلكم مُخاطبون بهذا الحديث، يا معشر الشباب، عليكم التَّزوج مع القُدرة، فمَن استطاع فليُبادر، والذي ما تكفيه الواحدة يأخذ ثنتين، والذي ما تكفيه الثِّنتين يأخذ الثلاث إذا كان قادرًا، والذي ما يكفيه الثلاث يأخذ الرابعة إذا كان قادرًا: مَن استطاع منكم الباءةَ فليتزوج؛ فإنه أغضّ للبصر، الرسول قال: مَن استطاع، الذي ما عنده فلوس يصوم.

س: ...............؟

ج: الذي ما عنده فلوس يصوم ويستعين بالله.

إسلام كافرٍ على يد سماحة الشيخ:

س: واحدٌ يُعلن إسلامه أحسن الله عملك؟

ج: لا بأس، حيَّاه الله، حيَّاك الله، بارك الله فيك، من أي البلاد؟

المعلن إسلامه: من النِّيبال.

الشيخ: النِّيبال، بارك الله فيك، طيب، الإسلام هو دين الله، هو الحقّ الذي لا ريبَ فيه، مَن استقام عليه فله الجنة، ومَن مات على غيره فله النار، هذه نعمة كبيرة، الهداية للإسلام أعظم نعمةٍ، وأكبر نعمةٍ الهداية للإسلام، قل: أشهد أن لا إله إلا الله.

المعلن إسلامه: أشهد أن لا إله إلا الله.

الشيخ: وأشهد أنَّ محمَّدًا رسول الله.

المعلن إسلامه: وأشهد أنَّ محمدًا رسول الله.

الشيخ: معنى ذلك: تشهد أنَّ الله هو المعبود الحقّ، هذا معناه، معناه: تشهد أنَّ الله فوق السَّماء، فوق العرش، تشهد أنه معبودك الحقّ، وأنه إلهك، وأنَّ ما عبده الناس من دون الله -من أصنامٍ، أو أشجارٍ، أو أحجارٍ، أو أنبياء- كله باطل، العبادة حقّ الله وحده الذي فوق السَّماء، فوق العرش ، ربنا له الصَّلاة والصوم والدُّعاء والخوف والرَّجاء، كله لله وحده، كما قال تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا [النساء:36]، وقال سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56].

وهذا هو معنى "أشهد أن لا إله إلا الله"، معناها: أشهد أنه لا إله ولا معبود حقّ إلا الله، وتشهد أنَّ محمدَ بن عبدالله بن عبدالمطلب الهاشمي العربي المكي هو رسول الله، وهو خاتم الأنبياء، فهمنا؟ هو رسول الله، وخاتم الأنبياء، ليس بعده نبيّ.

من نوادر الأحاديث والتَّسجيلات: أحاديث الاستجمام، نترككم مع هذا الحديث الودي قبيل تسجيل درس الفجر في منزله رحمه الله:

............. بيوت خراب، بيوت مهملة، سنة خمسين، ذهب بصري سنة خمسين، سبعين سنة الحين، إلا سنة ..... الرّطب ذاك الوقت؛ لأننا أخفّ من العصافير .......

س: وكم كان عمرك أحسن الله عملك في ذاك الوقت؟

ج: تسعة عشر، ذهب بصري في أول محرم سنة خمسين، وأول وجع للجهتان في 46، في السنة التي مات فيها الإمام عبدالرحمن، أول مرض جاءني في 46، في ربيع الآخر 46.

س: هذا قبل .....؟

ج: أول المرض في ثمانٍ بقيت من ربيع الآخر سنة 46، واستمر المرضُ والنَّقص إلى نهاية ذي الحجة سنة 49، ثلاث سنين والنَّقص يحصل، نقص، نقص، وفي مُستهل المحرم ذهب بالكلية، في مستهل المحرم سنة 50، أنا أعرف الشعب، وأعرف بيوت الشعب ذاك الوقت، مكة، جرول، وما جرول، أعرفها. وأول سنة حجّينا سنة 49.

فتوى لسماحته عن الرُّقية الشَّرعية:

س: السلام عليكم يا شيخ، عفا الله عنك، أريد أن أسألك: أنا طال عمرك لي بنت، والبنت أُصيبت بمرضٍ من مدة عمرها أربع سنوات.

ج: شفاها الله، شفاها الله.

س: وبعد ذلك طال عمرك الآن عمرها بلغ خمس عشرة سنة.

ج: شفاها الله، نسأل الله لها الشِّفاء والعافية.

س: جزاك الله خيرًا، ورحت ..... مع كل طبيبٍ وخطيبٍ.

ج: كل شيءٍ له أجل.

س: إنَّ الله أمر بشيء، ولكن المرض هذا الذي أصابها طال عمرك حضرة الأدراك وتجزينا.

ج: هي تعقل أو ما تعقل.

س: تعقل.

ج: والمرض أيش هو؟ في رجلها، أو في يدها.

س: المرض يتشكل: يوم في رجلها، ويوم في يدها، ويوم في قلبها، ويوم في رأسها.

ج: الله يشفيها.

س: والآن عمرها طال عمرك خمس عشرة سنة ..... واحترتُ.

ج: ..... نقرأ فيها إن شاء الله.

س: وذكر لي طال عمرك امرأة تُعالج؟

ج: لا، اتركوها.

س: وبعد ذلك طال عمرك حصلت رقمًا، واتَّصلت عليها، وطلبت طال عمرك اسمها واسم أمّها؟

ج: لا، اتركوها، معروفة، خرافية.

س: بعد ذلك طال عمرك.

ج: تُجيب ..... إن شاء الله أو عسل أو زيت نقرأ لك فيه، وإن شاء الله يُعافيها الله.

........

س: وبعد ذلك طال عمرك هي تقول على البرهان، وخفتُ أني أترك هذا السَّبب؛ لأنها مريضة، خفتُ أن أتركها يلحقني ذنبٌ وأنا تاركٌ علاجها؟

ج: وإلا أنت اقرأ عليها بنفسك: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص] والمعوذتين ثلاث مرات عند النوم كل ليلةٍ، انفث على رأسها ووجهها وصدرها: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ والمعوذتين ثلاث مرات: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق]، وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس] ثلاث مرات، كان النبيُّ إذا اشتكى فعل هذا عليه الصَّلاة والسلام.

س: يعني ما يجوز .....؟

ج: لا، لا، أوما تُدرك ما أقول لك؟! تقرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ والمعوذتين كل ليلةٍ وتدعو فيها الله، تبرأ إن شاء الله، أنت بنفسك أو أمها.

وأيش نقول لك؟ أيش تقرأ عليها؟

س: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ۝ اللَّهُ الصَّمَدُ ۝ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ۝ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:1- 4]، قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ۝ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ ۝ وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ ۝ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ ۝ وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ [الفلق:1- 5]، قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ۝ مَلِكِ النَّاسِ ۝ إِلَهِ النَّاسِ ۝ مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ ۝ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ ۝ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ [الناس:1- 6].

ج: اقرأها ثلاث مرات عليها، انفث عليها ثلاث مرات كل ليلةٍ، وإن شاء الله أيام قليلة ويُعافيها الله، وتدعو لها.

اهتمام سماحة الشيخ بالمسلمين في كل مكانٍ:

المتصل: السلام عليكم يا شيخ.

الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله.

المتصل: كيف حالُكم؟

الشيخ: بارك الله فيك.

المتصل: عساكم بخيرٍ إن شاء الله.

الشيخ: الحمد لله، مَن الأخ؟

المتصل: جمعان الغامدي، من مكتب الدَّعوة بلندن.

الشيخ: حيَّاكم الله، كيف حالكم؟ كيف حال الإخوان جميعًا؟ كيف حالكم جميعًا؟ كيف حال مُدير المكتب؟ طيب؟

المتصل: الله يبارك فيك، الحمد لله.

الشيخ: مَن مدير المكتب؟ أنت؟

المتصل: لا، لا، أنا نائبه.

الشيخ: نعم.

المتصل: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وبعد يا شيخ.

الشيخ: نعم.

المتصل: لحظة معي جزاك الله خيرًا.

السلام عليكم.

الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله.

المتصل: مسَّاك الله بالخير سماحة الشيخ.

الشيخ: حيَّاك الله، وبارك الله فيكَ.

المتصل: معكم جمال بن حبيب صلاح عضو مركز الدَّعوة والإرشاد في جدة، ولي دورة شرعية في لندن، فهذه مناسبة طيبة سماحة الشيخ بالتَّنسيق معكم في إقامة هذا الحوار وهذا اللِّقاء الذي نسأل الله تعالى أن ينفع به، وأن يكون في ميزان حسناتنا جميعًا، ونشكركم أولًا على ذلك التَّجاوب، ونسأل الله تعالى أن يُوفِّقنا لما يُحبّ ويرضى، وإذا كان لسماحتكم كلمة تبدأون بها جزاكم الله خيرًا فتتفضلون، جزاكم الله خيرًا.

الشيخ: نسأل الله أن يُوفق الجميع، نسأل الله لنا ولكم التَّوفيق.

بسم الله الرحمن الرَّحيم.

الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهُداه.

أما بعد: فقد قال الله في كتابه الكريم، وهو أصدق القائلين: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ۝ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ ۝ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات:56- 58]، أوضح سبحانه في هذه الآية الكريمة أنه خلق الثَّقلين: الجنّ والإنس ليعبدوه، وهذه العبادة هي توحيده وطاعته واتِّباع شريعته، وهي الإسلام، والإيمان، والهدى، وهي البرّ والتَّقوى.

المتصل: ألو.

الشيخ: نعم.

المتصل: تبدأون بالأسئلة يا شيخ؟

الشيخ: طيب، تسمعون الآن.

المتصل: نعم، الصوت واضح.

..........

السؤال الأول: الناس في هذه البلاد مُلزمون بحكم القانون بتأمين سيَّاراتهم، فإذا وقع لأحدهم حادثٌ فهل يجوز له أن يُصلح سيارته بمال التَّأمين؟

اهتمام سماحة الشيخ بالمسلمين في كل مكانٍ:

المتصل: السلام عليكم.

الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله.

المتصل: كيف حالك يا شيخ؟

الشيخ: حيَّاكم الله.

المتصل: معاكم ..... من الكويت.

الشيخ: بارك الله فيك، مَن الأخ؟

المتصل: داود .....

الشيخ: اجتمعوا وإلا ما اجتمعوا؟

المتصل: ..... في المحاضرة.

الشيخ: أقول: اجتمعوا وإلا بعدين؟

المتصل: .......

الشيخ: مجتمعون الحين؟

المتصل: ..... طارق حيدر؟

الشيخ: الشيخ طارق، كيف حالكم؟ شيخ طارق.

المتصل: .......

الشيخ: حيَّاكم الله، كيف حالكم؟ كيف الصحة؟ كيف حال الإخوان جميعًا بارك الله فيكم؟

المتصل: .......

الشيخ: الله يُوفق الجميع.

المتصل: أكثر من ألف شخصٍ الآن يستمعون إلى سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز.

الشيخ: نسأل الله للجميع التَّوفيق وصلاح النية والعمل، نبدأ وإلا بعد؟

المتصل: ابدأ الآن في النَّصيحة جزاك الله خيرًا.

الشيخ: طيب، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهُداه.

أما بعد: فقد قال الله في كتابه الكريم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ۝ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب: 70- 71]، ربنا جلَّ وعلا يأمر عباده المؤمنين في آيات كثيرات بالتَّقوى؛ لأنَّ التقوى جماع الدِّين، وهي العبادة التي خُلِقَ الناسُ لها، وأُمِرُوا بها.

ماذا قال العُلماء عن سماحته؟

وهذا هو فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان، عضو هيئة كبار العلماء، يقول في لقاءٍ معه:

بسم الله الرحمن الرحيم،

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: سماحة الشيخ العلامة الإمام الوالد الكريم الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، المفتي العام للمملكة العربية السعودية، ورئيس هيئة كبار العلماء بالمملكة، ورئيس اللَّجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، ورئيس رابطة العالم الإسلامي.

فقد تشرفتُ بمعرفته، واستفدتُ من سماحته مُدرسًا في كلية الشَّريعة في الرياض، حيث تلقيتُ عنه علمَ الفرائض في هذه الكلية، واستفدتُ من دروسه ومُحاضراته خارج الكلية منذ قدمتُ إلى الرياض لطلب العلم سنة 1378 للهجرة، فهو العالم الفذّ في علمه، وفي عمله، وفي أخلاقه، وفي حبِّه للخير وأهله، وفي سعيه الجاد في نشر العلم، يعرف ذلك القاصي والداني عنه، وفَّقه الله، وزاده من العلم النافع، والعمل الصالح، وأمدَّ في عمره على طاعته.

ولقد تشرفتُ بالمشاركة في العمل تحت رئاسته عضوًا في اللَّجنة الدائمة للإفتاء، وفي هيئة كبار العلماء، وفي المجمع الفقهي بمكة المكرمة، فاستفدتُ منه كثيرًا من توجيهاته العلمية وآرائه السَّديدة؛ لأنه وفَّقه الله آية في الإلمام بمسائل الفقه، وأقوال العلماء، ومعرفة الأدلة واستحضارها، وحفظ الأحاديث، ومعرفة متونها، وأسانيدها، ومخرجيها، ودرجاتها، فكان لا يأخذ من الأقوال إلا ما ترجَّح لديه بالدليل، ولا من الأدلة إلا ما صحَّ عنده.

كان لا يملّ من قراءة الكتب النافعة، والاستزادة من العلم، وكان رجَّاعًا إلى الحقِّ، لا يمنعه قولٌ قاله بالأمس أن يرجع عنه إلى الصَّواب إذا تبين له اليوم؛ عملًا بوصية عمر بن الخطاب لأبي موسى الأشعري .

وكان يحرص على البحث والمشورة حتى مع مَن هو أقلّ منه علمًا وخبرةً؛ بحثًا عن الحقِّ والأخذ به؛ لأنَّ الحقَّ ضالَّة المؤمن، أنَّى وجده أخذه.

كان يحرص حفظه الله على نفع المسلمين بماله، وجاهه، وشفاعته، يُحب المشاركة في المشاريع الخيرية، ويُساعد المحتاجين، ويُفتي السَّائلين شفهيًّا وهاتفيًّا وتحريريًّا، لا يقتصر عملُه على الدَّوام الرسمي، فعمله دائم في البيت، مع سعة صدرٍ، وسماحة بالٍ، وتيسر لقاء به حيث يجلس لاستقبال الناس السَّاعات الطويلة من كل يومٍ، ويفتح بابه لمن يريد الدخول عليه، واللِّقاء به دون مانعٍ أو حائلٍ، مع قيامه بالدَّعوة إلى الله من خلال الدُّروس اليومية التي يُلقيها في المسجد، ويحضرها المئات من الطلاب والمستفيدين، ومن خلال المحاضرات التي يُلقيها في المساجد والمنتديات واللِّقاءات، فكان لا يتوقف إذا طُلب منه إلقاء محاضرة في أي مكانٍ قريبٍ أو بعيدٍ، أو طُلب منه لقاء فقهي يُجيب من خلاله على أسئلة الحضور، حتى بواسطة المهاتفة من مكانٍ بعيدٍ.

وله مُشاركات كبيرة في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة في إلقاء الكلمات والنَّصائح، والإجابة على الأسئلة، وله مواقف عظيمة وكثيرة في الردّ على أهل الضَّلال، وكشف شُبهاتهم، وتعرية باطلهم، وبيان الحقّ، يظهر ذلك من ردوده المطبوعة والمسجلة على الأشرطة، ومن كتبه الكثيرة.

وفي جانب الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر كان له دوره الفعَّال في القيام بهذا الأمر، ومُساندة ومُساعدة القائمين عليه، ونصيحة ولاة الأمور، حفظهم الله، ونصيحة الرَّعية؛ عملًا بقوله ﷺ: الدِّين النَّصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامّتهم.

أطال الله في عمره، وبارك في جهوده، وزاده من العلم النَّافع، والعمل الصالح.

ومهما قلتُ فإنني أراني مُقصِّرًا في وصف ما لهذا العالم الجليل من جهودٍ عظيمةٍ، وما تحلَّى به من فضائل: ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الجمعة: 4].

ثم إني لا أُريد التَّوسع في القول عنه؛ لأنه حفظه الله لا يُحب المدح والثَّناء، ويريد أن يكون عمله خالصًا لوجه الله ، ولكن لما سُئلتُ عن ذلك فإنه لا يسعني إلا أن أقول وأُجيب بما أعلم؛ لأنَّ للسَّائل حقًّا؛ ولأنَّ ذلك من الوفاء لأهل الفضل بذكر شيءٍ من فضلهم؛ للاقتداء بهم، ودعاء المسلمين لهم.

والله ولي التوفيق، ونسأله أن يمدَّ عمر شيخنا، ويزيده من صالح القول والعلم والعمل، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

عند زيارة الشيخ لأحبابه وإخوانه تُرى كيف كان المجلس؟ تُرى كيف انقضى الوقت؟

الشيخ: مَن يُسمعنا بعض الآيات؟ الذي صوته جيد ورفيع جزاه الله خيرًا، مَن أراد الأجر، كل حرفٍ بحسنةٍ، وكل حسنةٍ بعشر أمثالها.

القارئ: أعوذ بالله من الشيطان الرَّجيم.

بسم الله الرحمن الرحيم:

لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ۝ وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ۝ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ ۝ بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ ۝ بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ ۝ يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ ۝ فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ ۝ وَخَسَفَ الْقَمَرُ ۝ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ۝ يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ ۝ كَلَّا لَا وَزَرَ ۝ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ ۝ يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ ۝ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ۝ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ۝ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ۝ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ [القيامة:1- 17].

لقد عرفنا كوسوفا من خلال مأساتها منذ وقتٍ قريبٍ، فمتى عرف الشيخُ تلك البقعة الإسلامية؟

مع الشيخ المحقق عبدالقادر الأرناؤوط ليروي لنا ذلك:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصَّلاة وأتم التَّسليم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

من هؤلاء العُلماء الذين هم في عصرنا الحاضر الذين كرَّسوا أوقاتهم وحياتهم في العلم: سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز حفظه الله، وعافاه الله، وقوَّاه الله على طاعته، ونفع به المسلمين في كل مكانٍ إن شاء الله.

يا إخواننا، الحقيقة لا أُريد أن أُبالغ في هذا الموضوع، أنا في أيام الشَّباب كنتُ اجتمعتُ بسماحة الشيخ من تقريبًا قريب من سبعة وثلاثين، ثمانية وثلاثين عامًا، سنة 1960 ميلادي، يعني: تسعة وثلاثين عامًا تقريبًا، في زماني ألقيتُ كلمةً في المسجد النبوي عندما تلوتُ هذا الحديث، ذكرتُه في مسجد رسول الله ﷺ، كان سماحةُ الشيخ عبدالعزيز بن باز هو في الجامعة الإسلامية، وهو الذي استلم الجامعة مع المشايخ الذين كانوا معه، وكان من جُملتهم شيخ عمر فلاتة، توفي رحمه الله، وشيخ حماد الأنصاري، توفي رحمه الله، وغيرهم من العُلماء.

والشيخ استمع لهذا الحديث مع بعض طلاب الجامعة، وكنتُ علَّقت حول هذا الحديث ربع ساعة تقريبًا، والشيخ الله يُجزاه الخير في ذاك الوقت كنتُ أنا ما أعرفه سابقًا، وتعرفتُ عليه، ودعاني إلى طعام الغداء كعادته في الكرم بارك الله فيه، فدائمًا داره مفتوحة، ومائدته ممدودة، فجزاه الله خيرًا.

فبالعلم والطَّعام والكرم والجود والخُلُق مشهور الشيخ في العالم الإسلامي والحمد لله، وكان لما سمع أنني أُتقن اللغة الألبانية طلب مني أن أذهب إلى كوسوفو أو كوسوفا؛ لأنَّ كوسوفا ممدودة باللغة الصربية، نحن باللغة الألبانية نقولها: كوسوفا، فكنتُ أذهب بناءً على رأي وأمر سماحة الشيخ عبدالعزيز بارك الله فيه إلى كوسوفا في كل عامٍ، وأجلس هناك، وانتقل من مسجدٍ إلى مسجدٍ، وأُلقي كلمات، وأتكلم باللغة الألبانية.

وكنتُ أحدث الشَّباب في كثير من المساجد، حتى أني أذكر أنني خطبتُ مرةً في أكبر مسجدٍ من مساجد كوسوفا، في منطقة تُسمَّى: بودويفا، والآن شبه أنَّ الصرب محو هذه المنطقة؛ لأنَّ فيها مسلمين كثيرين، وهم أقوياء في تلك المنطقة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

فسماحة الشيخ عنده غيرة على الإسلام شديدة جدًّا، ولذلك يهتم بالعالم الإسلامي.

الشيخ ابن باز: اللهم أنجي المستضعفين من المسلمين في كل مكانٍ، اللهم أنجي المستضعفين من المسلمين في كل مكانٍ، اللهم أنجي المستضعفين من المسلمين في كل مكانٍ، اللهم انصر إخواننا المسلمين في البوسنة والهرسك والشِّيشان، اللهم انصر إخواننا المسلمين في البوسنة والهرسك والشِّيشان، اللهم انصر إخواننا المسلمين في البوسنة والهرسك والشِّيشان، اللهم اجمع كلمتهم على الحقِّ، اللهم اجمع كلمتهم على الحقِّ، اللهم اجمع كلمتهم على الحقِّ، اللهم فقّههم في الدين، اللهم فقّههم في الدِّين، اللهم فقّههم في الدين، اللهم فقّههم في الدين، اللهم انصرهم على القوم الكافرين، اللهم انصرهم على القوم الكافرين، اللهم انصرهم على القوم الكافرين، اللهم عليك بالصرب من النَّصارى وأعوانهم، اللهم عليك بالصرب من النصارى وأعوانهم، اللهم عليك بالصرب من النصارى وأعوانهم، اللهم عليك بالصرب من النصارى وأعوانهم، فإنهم لا يُعجزونك، اللهم شتت شملهم، اللهم فرِّق جمعَهم، اللهم شتت شملهم، اللهم فرِّق جمعهم، اللهم أدر عليهم دائرة السّوء، اللهم أدر عليهم دائرة السّوء، اللهم أدر عليهم دائرة السّوء يا حي، يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، ربنا تقبل منا إنك أنت السَّميع العليم، ربنا تقبل منا إنك أنت السَّميع العليم، ربنا تقبل منا إنك أنت السَّميع العليم.

اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمدٍ وآله وصحبه.

الشيخ عبدالقادر الأرناؤوط: سواء كان في كوسوفا أو ألبانيا أو الهند أو باكستان أو في أي مكانٍ كان في البلاد الإسلامية يهتم بها كثيرًا، ويُرسل إليها طلاب العلم دُعاةً إلى الله بلسانهم الذي يفهمه أهلُ تلك المناطق؛ ولذلك قال تعالى في كتابه: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ [إبراهيم:4].

فكان هو السَّبب -جزاه الله عني وعن المسلمين خيرًا- أن أمرني وأرسلني إلى كوسوفا، وكان يطلب مني في كل عامٍ: ينبغي أن تذهب، وأن تتحدث باللغة الألبانية مع قومك، مع أهلك، مع أقربائك؛ لكي يفهموا الإسلام كما نزل في القرآن، وكما شرعه النبيُّ عليه الصلاة والسلام، وجزاه الله خيرًا، فله فضلٌ عليَّ وعلى الدُّعاة الذين أرسلهم إلى كثيرٍ من البلدان الإسلامية، وأكثر الله من أمثاله، وبارك الله في حياته، وجزاه الله خيرًا عن الإسلام والمسلمين في كل مكانٍ.

يا إخوة الآن أمثال هؤلاء أصبحوا قلائل في العالم الإسلامي، مثل سماحة الشيخ ابن باز وغيره من العلماء العاملين، الذين يعملون ليلًا ونهارًا لنشر الدَّعوة الإسلامية، قال تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33].

فجزى الله خيرًا سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز على غيرته على الإسلام والمسلمين، وعلى اهتمامه بطلاب العلم والعلماء، والدَّعوة إلى الله في العالم الإسلامي بجميع لغاتهم.

نسأل الله أن يُبارك في حياته، وأن يُعافيه، وأن يُقويه ويُقوينا جميعًا على الخير، والدَّعوة إلى الخير، والحمد لله ربِّ العالمين.

جرت هذه الكلمات في هذه الساعة المباركة إن شاء الله بحضور المشايخ وطلاب العلم، جزاهم الله خيرًا في يوم الاثنين ليلة الثلاثاء، في اليوم السابع عشر من شهر الله المحرم، عام 1420ه.

نسأل الله التوفيق لنا ولكم ولجميع المسلمين، وآخر دعوانا أنَّ الحمد لله ربِّ العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مع شرح درسٍ من دروس سماحته:

الطالب: قَالَتْ: فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَقَالَتَهُ قَلَصَ دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً، فَقُلْتُ لِأَبِي: أَجِبْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنِّي فِيمَا قَالَ. فَقَالَ أَبِي: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ. فَقُلْتُ لِأُمِّي: أَجِيبِي رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِيمَا قَالَ. قَالَتْ أُمِّي: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ. فَقُلْتُ وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ لا أَقْرَأُ مِنَ القُرْآنِ كَثِيرًا: إِنِّي وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُ: لَقَدْ سَمِعْتُمْ هَذَا الحَدِيثَ حَتَّى اسْتَقَرَّ فِي أَنْفُسِكُمْ وَصَدَّقْتُمْ بِهِ، فَلَئِنْ قُلْتُ لَكُمْ: إِنِّي بَرِيئَةٌ، لا تُصَدِّقُونِي، وَلَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي مِنْهُ بَرِيئَةٌ، لَتُصَدِّقُنِّي، فَوَاللَّهِ لا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلًا إِلَّا أَبَا يُوسُفَ حِينَ قَالَ: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ المُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ [يوسف:18].

ثُمَّ تَحَوَّلْتُ وَاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِي، وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي حِينَئِذٍ بَرِيئَةٌ، وَأَنَّ اللَّهَ مُبَرِّئِي بِبَرَاءَتِي، وَلَكِنْ وَاللَّهِ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ مُنْزِلٌ فِي شَأْنِي وَحْيًا يُتْلَى، لَشَأْنِي فِي نَفْسِي كَانَ أَحْقَرَ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ فِيَّ بِأَمْرٍ، وَلَكِنْ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ بِهَا، فَوَاللَّهِ مَا رَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَجْلِسَهُ، وَلا خَرَجَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ البَيْتِ حَتَّى أُنْزِلَ عَلَيْهِ، فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ البُرَحَاءِ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِنَ العَرَقِ مِثْلُ الجُمَانِ، وَهُوَ فِي يَوْمٍ شَاتٍ؛ مِنْ ثِقَلِ القَوْلِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ.

قَالَتْ: فَسُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ يَضْحَكُ، فَكَانَتْ أَوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا أَنْ قَالَ: يَا عَائِشَةُ، أَمَّا اللَّهُ فَقَدْ بَرَّأَكِ، قَالَتْ: فَقَالَتْ لِي أُمِّي: قُومِي إِلَيْهِ. فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لا أَقُومُ إِلَيْهِ، فَإِنِّي لا أَحْمَدُ إِلَّا اللَّهَ .

قَالَتْ: وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ [النور:11] العَشْر الآيَات.

الشيخ: وهكذا سُنته في أوليائه وأهل طاعته عند الشِّدة يجيء الفرج، سنته في أوليائه براءتهم وبيان صلاحهم ونجاتهم عند الشَّدائد: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ۝ إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا [الشرح: 5- 6]، سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا [الطلاق: 7]، فهو سبحانه يُبرئ أولياءه وينصرهم على مَن ناوأهم، عند الشّدة يجيء الفرج، وهكذا سنته في عباده جلَّ وعلا.

ماذا قال العلماء عن سماحته؟

وفي لقاءٍ أجراه فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن محمد السّدحان مع فضيلة الشيخ الدكتور عبدالله بن عبدالرحمن بن جبرين يحفظه الله، يذكر طرفًا من أخبار الشَّيخ.

الشيخ السّدحان: الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على رسول الله.

أما بعد: نقضي هذا الوقت اليسير مع شيخنا الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن بن جبرين حفظه الله تعالى في طرح بعض الأسئلة عن سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز أثابه الله تعالى.

شيخنا الفاضل الشيخ عبدالله، يسمعكم طلابكم وغيرهم في أثناء دروسكم تستشهدون باختيارات سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، مما يدل على أنه من مشايخكم، فهل لكم شيخنا أن تتفضَّلوا وتتكرَّموا بإخبارنا عن أول لقائكم بسماحة الشيخ عبدالعزيز؟

الشيخ الجبرين: بسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه.

الشيخ عبدالعزيز حفظه الله مشهور ومعروف منذ أن نشأ، كان أول لقائنا به في عام 74 عندما قدمنا إلى هذه البلاد –الرياض- في ذلك الوقت كان يُدرّس في المعهد العلمي بالرياض، لقاؤنا به في ذلك الوقت كان يتكرر في ذلك الزمان، فمنها اجتماع أسبوعي كانوا يجلسون فيه في كل أسبوعٍ ليلة عند فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن محمد الشّهري رحمه الله، وكنتُ أقرأ عليهم أحيانًا، ويقرأ عليهم غيري من المشايخ: إما في "صحيح البخاري"، وإما في بعض رسائل شيخ الإسلام ابن تيمية، وكان الشيخُ حفظه الله هو الذي يُصحح القراءة، ويُعلق عليها.

وكذلك أيضًا كان لقاؤنا به يتكرر في الاجتماعات عندما يزور أحد المشايخ، أو نزور معه أحد الإخوان، وكان يختار مَن يقرأ عليه في بعض الكتب، فكنتُ أحيانًا أو كثيرًا ما أقرأ عليه في بعض الكتب التي تُناسب: إما في كتاب تفسير، أو في كتاب حديث، أو نحو ذلك، فهو يُعلق على ذلك، ويذكر ما يتعلق بتلك القراءة، نرى منه وفَّقه الله ما يدل على الحفظ في الأحاديث، وكذلك في أسماء الرجال، وكذلك في الاستنباطات والمعاني، وتُلقى عليه أيضًا أسئلة في تلك الجلسات، فيُجيب عنها جوابًا واضحًا، مما يدل أيضًا على أنه مع اختصاصه بعلم الحديث وتوغله فيه، أنه قرأ كتب الفقه، وحفظ الكثير من نصوص الفقهاء.

وهكذا أيضًا عندما تُعرض مسألة تتعلق بالعقيدة أو بالتوحيد، نرى منه أيضًا الاشتغال بها، وهكذا حفظه لنصوص العلماء.

ففي مرة كنتُ عنده في منزله، فسُئل عن حكم التَّعاليق والتَّمائم، وأجاب بالمنع، ثم أمرني أن أكتب مقالةً، وجعل عنوانها حول تعليق التَّمائم والأوتار، وبدأ بذكر النصوص التي ذُكرت في كتاب "التوحيد" في البابين، وما يتعلق بها، ثم استمرَّ في التَّعليق عليها والشرح حتى كتب نحو صفحتين، مما يدل على حفظه لهذه النصوص.

وكنتُ أقرأ عليه في مثل هذه الحلقات، ولي قراءة عليه أيضًا في مواضع أخرى.

الشيخ السّدحان: هل لكم حضور في حلقات سماحة الشيخ؟ أو هل كان لسماحة الشيخ حلقات منتظمة في ذلك الوقت؟

الشيخ ابن جبرين: كان وفَّقه الله يجلس بعد العصر في المسجد الجامع عندما كان إمامًا مُرتَّبًا في المسجد الجامع الكبير، فكان يجلس فيه بعد العصر، وكذلك بعد المغرب، وغالبًا يكون بعد المغرب في درس الفرائض، وأما بعد العصر فيُقرأ عليه في كتب كثيرة متعددة.

وفي سنة من السّنين طلبنا من سماحة شيخنا الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله أن يأمره بأن نقرأ عليه درسًا نظاميًّا، فالتزم لنا وفَّقه الله بدرسين: درس في "بلوغ المرام"، ودرس في "نخبة الفكر"، وكملنا عليه "النخبة"، ونقرأ عليه المقرر الذي كنا اختبرنا فيه في سنة من السنين في "بلوغ المرام"، فكان يشرحه شرحًا موسَّعًا، ولم يكن في ذلك الوقت هناك أدوات تسجيل، فكان زميلنا الشيخ محمد بن قاسم يكتب كلامه، أي ما أدركه بسرعةٍ، ولعله محتفظ بما كتبه؛ لأنه يكتب كثيرًا عن المشايخ، فهذه قراءة رسمية.

وأما حضور الحلقات فإنها كثيرة، يمكن أنها استمرت من سنة 74 إلى حدود سنة 81 أو ما بعدها، ثم كذلك أيضًا بعد رجوعه من المدينة كان مُستمرًّا في دروسه هناك إلى أن كان في سنة 92 أو 93، حيث أنابني مكانه في الصَّلاة في حالة غيبته، ومع ذلك كنتُ أحضره إذا كان موجودًا، وأحضر دروسه، وأُقيم الدروس إذا لم يكن موجودًا، كما إذا كان مُسافرًا.

الشيخ السّدحان: نود أن تذكر لنا بعضَ مَن زاملكم أثناء دراستكم على سماحة الشيخ؟

الشيخ ابن جبرين: أما الزُّملاء الرسميون الذين يختبرون معنا فمنهم: محمد بن عبدالرحمن بن قاسم، وأخوه أحمد، والشيخ عبدالرحمن بن محمد بن مقرن رحمه الله، وهو من تلاميذ الشيخ ابن باز المختصين به، وتوفي في حدود سنة 94 أو قريبًا منها، والشيخ فهد بن حمين، والشيخ إبراهيم الهلالي، وإبراهيم بن حرقان، وكذلك إبراهيم بن خنيزان، وقد توفي أكثرهم رحمهم الله.

الشيخ السّدحان: ختامًا فضيلة الشيخ، للشيخ عبدالعزيز مواقف مُؤثرة من حيث الزهد، ومن حيث الشَّفقة، ومن حيث التربية، وما شاكلها، هل تتذكرون موقفًا نختم به هذا اللِّقاء مما أثَّر فيكم ولا زال عالقًا في أذهانكم؟

الشيخ ابن جبرين: لا شكَّ أنه وفَّقه الله معروفٌ بذلك، فمن ذلك ما اشتهر به من كرمٍ وجودٍ وبذلٍ لما لديه من المال، ففي مرة من المرات وقبل ذهابه إلى المدينة اشتكى بعضُ مَن جاء إليه كثرة الفقر وذوي الحاجة، والتمسوا منه أن يأمر بجمعيةٍ لأولئك الطلاب المنقطعين، فاقترح على الحاضرين أن يجمعوا لهم جمعية: إما شهرية، وإما سنوية، وإما مقطوعة.

وكان في ذلك الوقت يكثر المهاجرون من اليمن ومن الجنوب للدِّراسة في مدرسة تحفيظ القرآن، وكانت تمسّهم حاجة، فكان يتولى كفالاتهم الشيخ محمد بن سنان، فلما كثر الكلام حولهم رأى أن تُؤسس جمعية يُجمع فيها شيء من المال، فبدأ هو بالتَّبرع بخمسين ريالًا شهريًّا يُسلمها لابن سنان، مع قلّة ذات اليد، وقلة الرواتب في ذلك الوقت، واقترح على الحاضرين، فمنهم مَن تبرع شهريًّا ولو بخمسة أو بعشرة، ومنهم مَن تبرع سنويًّا، ومنهم مَن تبرع بشيءٍ مقطوعٍ لا يتكرر.

وتولى ذلك محمد بن سنان شفاه الله، واستمرَّ على هذا إلى أن سافرنا، ويمكن أيضًا أنه زادها بعدما زاد الدّخل، أو اقترح زيادتها.

أما بالنسبة إلى ما اشتُهر به من العطاء فمعروفٌ أنه لا يدَّخر شيئًا، وأنه يُنفق مما أعطاه الله نفقةَ مَن لا يخشى الفقر، ولا يدَّخر شيئًا؛ ولأجل ذلك لم يشتهر أنه تملك أملاكًا عقاريَّة .....، ولا أنه استغلَّ مكانه لجمع الدنيا، ولا للمُتاجرة فيها، بل كل ما حصل عليه من مرتباته يُفرِّقها في حينها كما هو معروفٌ.

وكم ذكر لنا أنه عُرضت عليه بعض المصالح أو بعض الأموال أو نحوها فزهد فيها واكتفى بما يُبذل له مما هو مرتّب له، فقال: يكفينا.

وكذلك أيضًا اشتهر أنه يستضيف كلّ مَن زاره من الزُّوار، ويلزمهم أن يكونوا أضيافًا له، وكذلك أيضًا كثرة الذين يبيتون عنده، أو يُقيمون حوله، والذين يقوم بكفايتهم، أو يقوم بمرتباتٍ لهم شهريَّة أو سنويَّة.

وقد وثق به الأثرياء وأهلُ الخير، ورأوا أنه أهلٌ أن يُبذل عنده، أو يُجعل عليه تفريق كثيرٍ من الأموال، فكان يصرفها في أماكنها.

كذلك أيضًا اشتهر بشفاعته للمُستضعفين، وكتابته للأثرياء ونحوهم حتى يجمع لهم ما يُخفف عنهم ما تحمَّلوه من الديون وما أشبهها.

وهكذا شفاعته في كل أمرٍ من الأمور يُعرض عليه: من بناء مساجد، أو تعيين إنسان في أمرٍ مهم، أو ملاحظة منكر، أو ما أشبه ذلك مما هو قائم بهم مما لا يُحصيه إلا الله، وهو يرجو بذلك الثَّواب عند الله، ولم نُلاحظ أنه اعتذر عن أمرٍ حتى من الأمور العامَّة التي لا صلةَ لها بعمله، بل يشفع مع كل مَن استشفع، ويكتب ما يُطلب منه، ولا يتوقف عن ذلك، مما يدل على سماحته وحُسن خلقه.

الشيخ السّدحان: جزى الله شيخنا سماحة الشيخ ابن باز خيرًا على ما قدَّم ويُقدم للإسلام والمسلمين، وجزى الله خيرًا شيخنا الشيخ عبدالله بن جبرين على ما قدَّم ويُقدم.

ونسأل الله أن يُعين طلاب مشايخنا على البرِّ بمشايخهم، وعلى ردِّ جميلهم، إنه تعالى سميع، مجيب، كريم، وصلى الله وسلم وبارك على رسول الله.

ماذا قال العلماءُ عن سماحته؟

وفي لقاءٍ آخر أجراه الشيخ عبدالعزيز بن محمد الوهيبي مع فضيلة العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين عضو هيئة كبار العلماء، وخطيب وإمام الجامع الكبير بعنيزة، نسمع طرفًا آخر من أخباره معه.

الشيخ: الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

نحمد الله جلَّ وعلا أن يسَّر هذا اللِّقاء الذي نسأل الله أن يكون لقاء خيرٍ وبرٍّ وبركةٍ مع فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، ونشكر له إجابة الدَّعوة، وكذلك مَن حضر من المشايخ، ومعالي الدكتور علي المرشد، والإخوان جزاهم الله خيرًا.

السؤال: فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، نود من فضيلتكم أن تُحدثونا عن بداية طلبكم العلم عامَّة، وكيف كان على يد سماحة مفتي عام المملكة؟ وما الكتب التي درستُموها عند سماحته؟ وهل تذكرون لنا أسماء مَن زاملكم في الطلب على يدي سماحته؟ وما أبرز الصِّفات والسَّجايا التي يتمتع بها سماحته؟ وهل تذكرون مواقف مُؤثرة من دروس سماحته؟ وما أهم الفوائد التي خرجتُ بها من تلك الدُّروس؟

الشيخ ابن عثيمين: كم من سؤالٍ هذا؟

الشيخ عبدالعزيز بن محمد الوهيبي: هذا الشيخ محمد جزاه الله خيرًا جمعها.

الشيخ ابن عثيمين: أجل، الأول فالأول.

الشيخ الوهيبي: طيب، الأول الله يرعاك يقول: الحديث عن بداية طلبكم العلم عامَّةً.

الشيخ ابن عثيمين: بسم الله الرحمن الرحيم، أشكر الله أن هيَّأ هذا اللِّقاء مع إخواننا، ومن بينهم معالي رئيس تعليم البنات الدكتور علي المرشد في هذا اليوم 24 من شهر شوال 1419، وأسأله أن يجعله لقاءً مباركًا.

ابتداء طلبي للعلم هو أنَّ والدي رحمه الله كان في الرياض من جملة التُّجار الذين يتكسبون، وبقيت في عُنيزة حفظتُ القرآن، ثم جاء خبرٌ من الملك عبدالعزيز رحمه الله باكتتاب شباب لطلب العلم في دار التوحيد، وقال لي بعضُ الأهل: لا تذهب، اطلب العلمَ هنا.

فبدأتُ في طلب العلم والحمد لله على يدي الشيخ الأول، شيخنا الأول الشيخ محمد بن عبدالعزيز المطوع رحمه الله، ثم على شيخنا عبدالرحمن بن سعدي رحمه الله، وهو أكثر مَن استفدتُ من فقهه، واكتسبتُ بعض الشيء من سيرته.

ولما فتحت المعاهد العلمية أشار عليَّ الشيخ علي الحمد ..... رحمه الله أن ألتحق بها، فشاورتُ شيخنا عبدالرحمن بن سعدي فأذن لي، فقدمتُ إلى الرياض وبدأتُ من السنة الثانية في المعاهد العلمية في القسم الخاص، ومن ذلك الوقت بدأت دراستي على الشيخ عبدالعزيز بن باز وفَّقه الله، قرأتُ عليه دروسًا خاصَّةً، ودروسًا في المسجد.

الدُّروس في المسجد هو بدأنا في "صحيح البخاري"، الدروس الخاصَّة هي مقدمة "التفسير" لشيخ الإسلام ابن تيمية، و"التوسل والوسيلة" أيضًا لشيخ الإسلام ابن تيمية، ورسالة اسمها: "تبيين"، نسيتُ الاسم، لكن تبحث في الأوراق النَّقدية: هل تُلحق بالذهب أو بالفضّة أو بالفلوس، أو أنها عروض تجارة؟ قرأتُها عليه.

ومن اتصالي بالشيخ عبدالعزيز وفَّقه الله بدأتُ أحرص على علم الحديث، وفي المعاهد أيضًا درستُ على الشيخ محمد الأمين الشَّنقيطي في التفسير، وعلى الشيخ ابن رشيد في الفقه والفرائض، وكذلك في علم المصطلح، وهذا أول بدئي للطَّلب.

س: وهل تذكرون لنا أسماء مَن زاملكم في الطَّلب على يدي سماحته؟

الشيخ ابن عثيمين: لا أذكر الآن.

س: ما أبرز الصِّفات والسَّجايا التي يتمتع بها سماحته؟

الشيخ ابن عثيمين: سماحة الشيخ عبدالعزيز وفَّقه الله من أبرز السَّجايا التي يتمتع بها: حُسن الخلق مع الناس، والتواضع، ومحبة الخير لهم، والكرم بماله وجاهه.

س: وهل تذكرون مواقف مُؤثرة من دروس سماحته؟

الشيخ ابن عثيمين: والله لا أذكر شيئًا الآن من هذا النوع، لكن من المعلوم أنَّ العالم قد يُؤثر في التلميذ من أخلاقه ومنهجه أكثر مما يُؤثر فيما إذا درس عليه.

س: وما أهم الفوائد التي خرجتُم بها من تلك الدُّروس؟

الشيخ ابن عثيمين: أهمها هو الميل إلى كتب الحديث والمصطلح.

ماذا يقول أحد المرافقين له باستمرار؟ ها هو يُعرف بنفسه ويقول:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمدٍ عليه أفضل الصلاة وأتم التَّسليم.

أما بعد: فهذه نبذة مختصرة عن حياة سماحة العلامة مجدد الدِّين وشيخ الإسلام في هذا العصر والدنا الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز بن عبدالرحمن بن باز رحمه الله رحمةً واسعةً، وأسكنه فسيح جناته.

فقد عملتُ معه لمدة عشر سنوات رئيسًا للحراسة على منزله، ومُرافقًا له في كل تحرُّكاته، فقد عرفتُه معرفةً جيدةً، ولمستُ فيه كل خلقٍ كريمٍ، وأدبٍ رفيعٍ، وكرمٍ سخي، وزهد، وورع، وصاحب سنة في كل شؤون حياته، فلا يدع سنةً تفوته: لا في سفره، وإقامته، لم أره يومًا مُتكلِّفًا في حديثٍ: لا في مُخاطبته للناس على حسب مستوياتهم، وأيضًا في مأكله ومشربه وملبسه، والشيخ أيضًا أراه كل يومٍ متجدد في العطاء.

أسأل الله أن يجعل الفردوس الأعلى منازله، والشيخ حريص أشدّ الحرص على استغلال الأوقات.

ماذا يدور في سيارة سماحته؟

المرافق: ما هو بعيد عليك المحلّ يا شيخ؟

الشيخ: نصف ساعة، أقول ..... المجلد السَّابع من الفتاوى هاتوه في السيارة.

فإذا ركب في سيارته ذاهبًا إلى محاضرةٍ أو مناسبةٍ، فيُقرأ عليه كثير من الكتب، فلا أُحصي الكتب التي قُرئت على الشيخ وعلَّق عليها، وقد قال لما سُئل عن ذلك قال: نقطع بها الطريق.

وأيضًا كان حريصًا على استماع إذاعة القرآن الكريم، واستماع نور على الدرب، وسماع الأخبار، وأحيانًا نصل إلى منزله فيجلس في سيارته حتى تنتهي الأخبار، فإذا سمع خبرًا سارًّا عن أحوال المسلمين تهلل وجهه وحمد الله، وإذا سمع أخبارًا سيئةً عن المسلمين وما يُصيبهم من جراء أعداء الإسلام تأثَّر، وربما بكى عليهم وتحسَّر وحوقل واسترجع، ودعا الله أن ينصرهم، وأحيانًا لا يشتهي تناول الطَّعام لما يجده من ألمٍ على أحوال المسلمين، فكم كان يحمل همَّ المسلمين وما يُصيبهم.

نسأل الله أن يرفع درجاته في المهديين، وأن يُنزله منازل الصّديقين، وأن يجمعنا به في مُستقرّ رحمته، إنه سميع مجيب.

أما ما يتعلق ببعض جوانب سماحة الشيخ قدَّس الله روحه:

مُداعبات سماحته:

فهو يُحب مُداعبة محبيه والناس.

......

الشيخ: كيف حال أبي هريرة؟ بارك الله في أبي هريرة، وأصلح أبا هريرة، ورضي عن أبي هريرة.

.......

فإذا سلَّم عليه أحدٌ سأل عن اسمه، فسلَّم عليه رجلٌ فسأله عن اسمه قال: مَن؟ قال: طارق. قال الشيخ: طارق يطرق طرقًا، طارق طرقنا بليلٍ. وآخر قال لما سأله عن اسمه فقال ذلك الرجل: اسمي مروع. فقال الشيخُ: مَن أنت مروع؟ وآخران لما سلَّما على الشيخ، وكانا رجلين من البادية قال الأول: اسمي ذيب. وقال الآخر: ذياب. قال الشيخُ: الله يكفينا شرّكم. وضحك، وآخر قال: اسمي غازي. قال الشيخ: غازي في سبيل الله.

ليلة لا تُنسى في المستشفى:

وأذكر من المواقف التي لا تُنسى حينما كنتُ مُرافقًا مع سماحة الشيخ حينما دخل المستشفى في الرياض -مستشفى الملك فيصل التَّخصصي- حينما شعر بألمٍ في معدته، واضطرّ إلى أن يتلقى العلاج والفحوصات الطبية إلى اليوم الثاني، فحينما كان نائمًا كنتُ أراقبه طوال الليل وهو نائم، فقام مُنتبهًا وبسرعة وهو يُسبح ويُهلل، ثم وضع يده وأخذ يرقي نفسه، وضع يده على بطنه، ثم أخذ يرقي نفسه بالقرآن، وكان ذلك ليلة السبت من يوم الثالث عشر 1419، وكانت تمام الساعة الثانية إلا ثلث.

استيقظ الساعة الثالثة والثلث بسرعة وجلس، فأخذ يقول: "لا إله إلا الله"، ويُرددها، ثم سبَّح وهلل وأكثر من الاستغفار وأطال قرابة عشر دقائق، ثم اضطجع على شقه الأيمن، فغطيتُه بلحافه، ثم نام.

وفي الساعة الرابعة انقلب على ظهره وهو يقول: "لا إله إلا الله"، ثم جلس وأخذ يلهج لسانه بالذكر، ثم وضع يده على بطنه وأخذ يرقي نفسه، ثم أخذ يذكر الله ولمدة عشر دقائق، ثم اضطجع على شقِّه الأيسر، ثم نام.

واستيقظ الساعة الرابعة والنصف، ثم قام فتوضأ وصلَّى، حتى قبيل الأذان بعشر دقائق أوتر، ولم يقنت، فاستأذنت سماحته بالأذان فأذن لي، فأذنتُ، ثم أقمتُ، وصلَّى بنا، وحدث علينا، وذكرنا بفوائد الذكر، وكان عددنا خمسة أشخاص.

يا رائد العلم في هذا الزمان ويا مجدد العصر في علمٍ وأعمال
في الجود مدرسة في البذل مملكة في العلم نابغة أستاذ أجيال
الحق مذهبه والنُّصح يُعجبه والذكر يُطربه يحيا به سالي
العلم مُؤنسه والله يحرسه ما كان مجلسه للقيل والقال

عشرون شيخًا يقرؤون على سماحته خلال أسبوع، وفيما يلي عرض لأسمائهم وأسماء الدروس التي تمكنا بفضلٍ من الله من تسجيلها؛ توثيقًا لهذا العلم من هذا العَلَم.

ويقرأ على سماحته فضيلة الشيخ فهد بن حمين الفهد، عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود سابقًا، ويقرأ في كتاب "إغاثة اللهفان".

ويقرأ على سماحته الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله الراجحي، المدرس في كلية أصول الدين، قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة، ويقرأ في كتاب "صحيح البخاري"، وكتاب "الروض المربع"، وكتاب "سنن النسائي"، وكتاب "فتاوى ابن تيمية"، وكتاب "المنتقى".

ويقرأ على سماحته الشيخ عبدالعزيز بن ناصر بن باز، المستشار والمشرف العام على مكتب سماحة المفتي، ويقرأ في كتاب "تفسير ابن كثير"، وكتاب "صحيح مسلم".

ويقرأ على سماحته فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن إبراهيم بن قاسم، القاضي بمحكمة الرياض الكبرى، ويقرأ في كتاب "صحيح البخاري"، وكتاب "الفوائد الجلية"، وكتاب "زاد المعاد".

ويقرأ على سماحته فضيلة الشيخ الدكتور عمر بن سعود العيد، المدرس في جامعة الإمام محمد بن سعود، كلية أصول الدين، قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة، ويقرأ في كتاب "تفسير ابن كثير"، وكتاب "سنن أبي داود".

ويقرا على سماحته فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن عبدالعزيز العقيل، المدرس بجامعة الإمام محمد بن سعود، كلية "الشريعة"، قسم الفقه، ويقرأ في كتاب "صحيح مسلم".

ويقرأ على سماحته فضيلة الشيخ سلطان بن عبدالمحسن الخميس، المحاضر بجامعة الملك سعود سابقًا، يقرأ في كتاب "مسند الإمام أحمد"، وكتاب "سنن ابن ماجه"، وكتاب "سنن الدارمي".

ويقرأ على سماحته فضيلة الشيخ عبدالمحسن بن عبدالله الزامل، المرشد الدِّيني في الأمن العام، ويقرأ في كتاب "سنن الترمذي".

ويقرأ على سماحته فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن محمد السّدحان، المدرس في الكلية التقنية، ويقرأ في كتاب "صحيح البخاري".

ويقرأ على سماحته فضيلة الشيخ سعد بن عبدالله البريك، المدرس في كلية إعداد المعلمين، ويقرأ في كتاب "فتح المجيد"، وكتاب "الموطأ".

ويقرأ على سماحته فضيلة الشيخ عبدالله بن صالح القصير، الموجه بمركز الدَّعوة والإرشاد التابع لوزارة الشؤون الإسلامية، ويقرأ في كتاب "شرح السنة" للبغوي.

ويقرأ على سماحته الشيخ أحمد بن راشد العرفج، مدير مدرسة عمرو بن العاص الابتدائية سابقًا، ويقرأ في كتاب "تفسير ابن كثير".

ويقرأ على سماحته ابنه فضيلة الشيخ أحمد بن عبدالعزيز بن باز، المعيد في جامعة الإمام محمد بن سعود، في كتاب "الدرر السنية".

ويقرأ على سماحته الشيخ فهد بن عبدالله الصّقعبي، ملازم قاضٍ في محكمة الرياض المستعجلة، ويقرأ في كتاب "نزهة النظر في نخبة الفكر"، وكتاب "مفتاح دار السعادة".

ويقرأ على سماحته الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله السند، إمام جامع السّويلم بالعلية، يقرأ في كتاب "مسند الإمام أحمد".

ويقرأ على سماحته الشيخ محمد بن إلياس عبدالقادر، المدرس بمعهد القرآن الكريم، ويقرأ في كتاب "رياض الصالحين"، وكتاب "الوابل الصيب"، وكتاب "كشف الشبهات"، وكتاب "العقيدة الواسطية"، وكتاب "وظائف رمضان"، وكتاب "شروط الصلاة"، وكتاب "القواعد الأربع"، وكتاب "بلوغ المرام"، وكتاب "الصيام" من "المنتقى"، وكتاب "الجواب الكافي".

ويقرأ على سماحته الشيخ تركي بن عبدالعزيز العقيل، الداعية بمركز الدَّعوة والإرشاد التابع لوزارة الشؤون الإسلامية، ويقرأ في مسائل كتاب "التوحيد" لشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى.

ويقرأ على سماحته الشيخ عبداللطيف بن عبدالمحسن البقما، المدرس بمدارس الأبناء بوزارة الدفاع والطيران، ويقرأ في كتاب "التوحيد" لشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى.

ويقرأ على سماحته الشيخ عبدالله عامر، ويقرأ في كتاب "صحيح مسلم".

ويقرأ على سماحته الشيخ محمد المهوس، ويقرأ في كتاب "ثلاثة الأصول".

نصيحة سماحته لمن خالف السُّنة:

في حين كنتُ في المدينة في الجامعة الإسلامية، جاءنا رجلٌ من الهند من العُبَّاد، وكان يصوم يومًا، ويُفطر يومًا، ثم غلب عليه حبُّ الصوم حتى صار يصوم الدهر كله ولا يُفطر، فقلتُ له: يا ابن الحلال، أفطر، لا تُخالف السُّنة. قال: يا أخي، ما أستطيع أن أُفطر، ما أشتهي شيئًا في النَّهار أبدًا، ما أستطيع أن أُفطر أبدًا. لما اعتاد هذا صامت نفسُه، ما عاد يشتهي أكلًا ولا شيئًا، صار دائمًا صائم، هذا من ثمرات التَّعنت، يقول لي: ما أستطيع أن آكل أبدًا. صائم دهره كلّه.

يا رائد العلم في هذا الزمان ويا مُجدد العصر في علمٍ وأعمال
في الجود مدرسة في البذل مملكة في العلم نابغة أستاذ أجيال
الحق مذهبه والنُّصح يُعجبه والذكر يُطربه يحيا به سال
العلم مُؤنسه والله يحرسه ما كان مجلسه للقيل والقال

فقد وصفه أحدُ الكُتَّاب يومًا فقال: إذا تكلَّم في الحديث قلت: لا يعرف إلا الحديث. وإن تكلم في الفقه قلت: هذا فقيه فقط. وإن فسَّر القرآنَ قلت: هذا ابن كثيرٍ. وإن قرر في العقيدة قلت: هذا ابن خُزيمة. وإن تكلم في الزُّهد والرّقائق قلت: ابن الجوزي، أو ابن القيم.

ليست الدّهشة من هذا كلّه، الدّهشة هي من أسلوب تعامل هذا الشيخ مع هذه الوجوه المتغايرة، وقُدرته على إعطاء كل ذي حقٍّ حقّه.

تذكرتُ كيف وصف شيخنا يومًا بأنه من العلماء العاملين الذين يطغا العملُ عندهم على القول، كيف لا وهو يمارس فعليًّا وظائف وأعمالًا رسمية تزيد على الاثني عشر عملًا، يا إلهي، رجل شارف عمره على التِّسعين ويُمارس كل هذه المهام، فضلًا عن المهام الأخرى غير الرسمية!

وقفة:

يا شيخنا، لست شاعرًا حتى أمدح شعرًا، ولست راجزًا حتى أمدح نظمًا، ولكن فحيَّاك الله يا شيخنا وبيَّاك، وجعل الجنة مثوانا ومثواك، فالجميع كلٌّ منهم لو تكلم لأطال الدُّعاء والثَّناء، يا والدنا، إنَّ من عاجل بُشرى المؤمن أن ينشر الله سمعته وذكره، ونحسبك -والله حسيبك ولا نُزكي على الله أحدًا- قد أعلى الله مقامك، ورفع ذكرك، فنسأل الله تعالى أن يحفظك للإسلام، وأن يحفظك للمسلمين، وأن يزيدك توفيقًا، وأن يكبت حاسديك، وأن يشنأ بمُبغضيك، فالألسنة تلهج بالدُّعاء لك، فاحمد الله يا شيخنا، فإنَّ هذا من نعمة الله العظيمة على عبده.

والله نسأل أن يجعلك خيرًا مما نظن، وفوق ما نظن، وأكثر مما نظن.

يا شيخنا، يجزيك مَن خلق الورى خيرًا ويغدقك أجره مدرارًا.

باز تصيد قلبي ثم طال به إلى سماء الهوى فلترحموا حالي
يا لائمي لا تلمني لم سماحته سبى فؤادي واستولى على بالي
يا ربي يا سامعًا صوتي ومسألتي أدعوك يا ربي في صدقٍ وإجلالِ
أدعوك يا مُبدع الأفلاك من عدم وخالق الناس من طينٍ وصلصالِ
أطل لنا عمر هذا الشيخ إنَّ لنا بمثله خير أمجاد وآمالِ
واحفظه من كل سوءٍ واحمه أبدًا من أي ضيمٍ وأسقام وأنكالِ
وزده علمًا ونورًا واحمِ طلعته يوم القيامة من حرٍّ وأهوالِ

 

منذ أن أشرقت شمس الهداية، ورفرفت راية الإسلام، وقامت دولة الإسلام على يد المؤسس الأول رسول الله ﷺ، وسفينة الخير لكل الناس تدعو وتُجاهد بالكلمة الطيبة، والنَّصيحة المحببة، وسارت هذه السَّفينة في عهد الصَّحابة بكل تُؤدةٍ وأمانٍ، تنخر عباب البحار، فتضرب فيها أمواج الجهل والظّلمات، وهي تسير بتوفيقٍ من الله ونورٍ منه، يُحافظ عليها السَّلف، ويرعاها جيلٌ بعد جيلٍ من سلف هذه الأمة.

ومرت أيام مُظلمة على هذه السَّفينة، عاش الناسُ فيها في جهلٍ وشركٍ وخُرافات ردحًا من الزمن، ولكن رحمة الله قريبٌ من المؤمنين، فقيَّض الله لهذه السَّفينة مَن يُعيد لها توحيدها وقوتها، متَّخذًا من سنة النبي الكريم ﷺ قدوةً ومنهاجًا.

فكان شيخُ الإسلام المجدد محمد بن عبدالوهاب رحمه الله، والإمام محمد بن سعود رحمه الله، اللَّذان قاما بتربية جيلٍ من الأمة ما زال خيرُه علينا حتى هذه الليلة، عندما أطلَّ علينا أحدُ تلاميذ شيخ الإسلام البارزين في مجالات الدَّعوة الصَّادقة، والنَّصيحة المخلصة، والجهاد الواضح، والعلم الصحيح، ألا وهو سماحة والدي وشيخنا عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، مفتي عام المملكة، ورئيس هيئة كبار العلماء، والذي ما فتئ على درب المجدد يسير؛ حرصًا على توحيد القلوب على الدين والخير؛ وحرصًا على تأليف قلوب المؤمنين، يبذل الوقت في الفتوى والتَّدريس والدفاع عن الدِّين، ويفرح بمُساعدة المحتاجين، ومدّ يده للمُعسرين في الداخل والخارج، جعل الله ذلك كله في ميزان حسناته.

 

أيها الأحبة، وجَّه سماحةُ الشيخ كلمةً في آخر ليلةٍ قضاها في مدينة الرياض قبيل رحيله من الطائف، تُرى ماذا قال سماحته؟

الشيخ ابن باز: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد: فيقول الله جلَّ وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ۝ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ۝ لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ [الحشر: 18- 20].

ربنا يأمر المؤمنين في هذه الآية بأن يتَّقوه، وفي آيات كثيرات يأمر عباده المؤمنين بالتَّقوى؛ لأنها جماع الخير، مَن اتَّقى الله تمَّت له السَّعادة، كما أمر الناس جميعًا بذلك، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ [النساء:1]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ [الحج:1].

فالواجب على كل مؤمنٍ أن يتَّقي الله، وأن يُراقب الله أينما كان في البرِّ والبحر، في البيت والسوق، في كل مكانٍ يُراقب ربَّه بأعماله وأقواله، فيأتي منها ما أباح الله، ويُؤدي ما أوجب الله، وينتهي عمَّا حرَّم الله، هذا هو الواجب على كل مؤمنٍ: أن يُحاسِب نفسه، وأن يُجاهدها، وأن ينظر ماذا قدَّم للآخرة قبل أن يحلّ به الأجل؛ ولهذا قال جلَّ وعلا: وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ يعني: انظروا ماذا قدّمت للآخرة؟ فإن كانت أعمالًا طيبةً فاثبتوا عليها، واحمدوا الله عليها، واسألوه الثَّبات، أما إن كانت أعمالًا سيئةً، فالواجب البدار بالتَّوبة منها، والحذر منها، والنَّدم على ما حصل منها.

هذا هو الواجب على الجميع: التوبة من سالف الذنوب، وإذا كانت تتعلق بالمخلوقين فلا بدَّ من تحللهم منها، أو إعطائهم حقوقهم، فالمؤمن لا بدَّ أن يُحاسِب نفسَه، لا بدَّ أن يُجاهدها دائمًا، وينظر ماذا قدَّم، لا يغفل.

ثم يقول جلَّ وعلا: وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ [الحشر:19] لا تشبَّهوا بأعداء الله الذين أعرضوا عن الله ونسوا حقَّه، فأنساهم الله أنفسهم، عاملهم بمثل ما فعلوا، ومَن أنساه الله نفسَه عمل في خرابه وهلاكه، نسأل الله العافية.

فالواجب الحذر، والواجب على كل مؤمنٍ أن يتَّقي الله، وأن يُراقب الله، وأن يُقدم لنفسه قبل أن يحلّ به الأجل، ولا سيَّما طلبة العلم، فإنَّ الواجب عليهم أعظم من تبليغ الدَّعوة والعمل بما علموا، هذا هو الواجب على طلبة العلم: أن يعملوا بما علموا، وأن يُبلِّغوا الدَّعوة، وأن يحذروا أن تكون أقوالُهم وأعمالُهم خلاف ما علموا.

نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من الهُداة المهتدين، ونسأل الله أن يُعيذنا وإياكم من مُضلات الفتن، ومن نزغات الشيطان، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسانٍ.

أيها المسلمون، إنَّ من أعظم المصائب وقعًا، وأشدّها خطبًا فقد العُلماء العاملين، وحملة الشرع البصيرين، فإنَّ فقدهم ثلمة في الإسلام لا تسدّ، وقد قال بعضُ المفسرين على قوله : أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا [الرعد:41]، قال: نقصّها من أطرافها، هو بموت العلماء والصُّلحاء.

وقد أُصيبت أمةُ الإسلام اليوم بوفاة عالم الأمة، وإمام أهل السنة والجماعة في هذا العصر، علامة زمانه، وفقيه أوانه، الدَّاعية إلى الله تعالى على علمٍ وبصيرةٍ، المجاهد في سبيل الحقِّ والهدى، سماحة العلامة الجليل الشيخ عبدالعزيز بن باز، فإنَّ فقده مُصاب أليم، وحادث جليل على أمة الإسلام، تغمَّده الله بواسع رحمته، وأسكنه فسيح جنته، وبوَّأه منازل الأبرار، مع النَّبيين والصّديقين والشُّهداء والصَّالحين، وحسن أولئك رفيقًا.

هي حقيقة الموت، هي نهاية المطاف، هي خاتمة الدنيا، كل البشرية تشهد وتعلم وتنطق أنَّ نهايتها هي الموت، وأن مُنتهى الطريق بالنسبة لها هو الانقطاع عن هذه الدنيا، إنها النِّهاية الأخيرة التي يُواجهها ويقف أمامها كل صغيرٍ وكبيرٍ، كل بعيدٍ وقريبٍ.

...........

ولقد علمتُم يا عباد الله أنه فجر يوم الخميس الماضي سنة 1420 للهجرة قضى الله قضاءه بالحقِّ، فألحق بالرفيق الأعلى الشيخ الإمام حسنة الأيام، شيخ الإسلام، العلامة الحبر البحر الفهَّامة، مفيد الطالبين المحفوظ بعناية ربِّ العالمين، ناصر السنة، قامع البدعة، العالم السَّلفي النَّقي الورع الزاهد، الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله، جاءه الأجلُ فشق إليه الطريق، وأماط عنه حياطة الشفيق، ولظى عنه طب كل طبيب، فقبض ملك الموت وديعته بالأرض، ثم استودع مسامعنا من ذكره اسماً باقياً، ومحا عن الأبصار من شخصه رسماً فانياً، فالحمد لله بارئ النسمات بما شاء، ومصرفها بما شاء، وقابضها حيث شاء.

اللهم هذا عبدك، وابن عبدك، نشأ في المأمور به من طاعتك، ومات على الحقِّ في عبادتك، وعاش ما بينهما مجاهدًا في سبيل دينك، ناطقًا بالحقِّ في مرضاتك، ذابًّا بقلمه ولسانه عن كتابك وسُنة رسولك، لقد مات القاضي، والمفتي، والداعية المصلح، والرئيس، والإمام، والمعلم، والمكرم للضيف، والحنون على الأرامل والأيتام، ومطعم المساكين، والواسطة في الأمور الخيرة.

مات الذي بذكره بعد ذكر الله ونبيه ﷺ تتعطر الأفواه، وبمُجالسته تطيب القلوب، وبالأخذ منه تستنير العقول.

يقول طلابه: والله إذا قست قلوبنا جلسنا بين يديه، فتجلَّت تلك القسوة، وزالت تلك الغشاوة، وأحسسنا بروح وإيمان وقوة في الطاعة والعبادة.

مات الذي أحبه الصغير قبل الكبير، وقد وهبه الله سبحانه القبول في الأرض، يُحبه ويُجله القاصي والدَّاني، والصغير والكبير، والمرأة والرجل، والعزيز والوضيع، وغيره.

أهكذا البر يخفي نوره الحفر ويذهب العلمُ لا عين ولا أثر
خبت مصابيح كنا نستضيء بها وطوحت للمغيب الأنجم الزهر

عُرف رحمه الله بأنه كان معطاءً، يستقبل الوفود، ويقضي حوائجهم ما استطاع، يُراجع مسائلهم، ذُكر له في بعض المجالس حالة من واقع المجاهدين الأفغان آن ذاك، وما يُصيبهم من بردٍ وجوعٍ، فأخذت عينه تدمع حتى قام من مجلسه وهو يبكي.

وقد عرض للشيخ رحمه الله مرةً في مجلسه أنَّ المسلمين في جنوب الفلبين قد أصابتهم مجزرة على يد السَّفاح النَّصراني ماركس، صرع فيها عدد من المسلمين على يد الطُّغاة هناك، فبكى الشيخُ بكاءً اهتزَّ من كثرته باكيًا كلّ مَن حضر مجلسه.

إمام يقول الحقَّ ويصدع به، تجلَّت شجاعته في كثيرٍ من المواقف، فبينما هو الرجل السَّمح، السَّهل، القريب، الحليم، المحبّ للفقراء، سرعان ما ينقلب أسدًا لا يردّه عن إقامة أمر الله شيء، أما كرمه فحدِّث ولا حرج.