وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة:260].
ذَكَرُوا لِسُؤَالِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أسبابًا: منها أنَّه لما قال للنّمرود: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ [البقرة:258]، أَحَبَّ أَنْ يَتَرَقَّى من علم اليقين بذلك إِلَى عَيْنِ الْيَقِينِ، وَأَنْ يَرَى ذَلِكَ مُشَاهَدَةً، فَقَالَ: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي.
فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عِنْدَ هَذِهِ الْآيَةِ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَسَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي. وَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنِ وَهْبٍ بِهِ.
الشيخ: عن ابن وهبٍ.
..........
عن ابن وهبٍ به.
فَلَيْسَ الْمُرَادُ هَاهُنَا بِالشَّكِّ مَا قَدْ يَفْهَمُهُ مَنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ بِلَا خِلَافٍ، وَقَدْ أُجِيبَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَجْوِبَةٍ، أَحَدُهَا.
القارئ: ذكر تعليقًا هنا، يقول: هنا بياضٌ في النُّسَخ التي بأيدينا.
الشيخ: فقط! انتهى الكلام؟!
القارئ: نعم يا شيخ.
الشيخ: ..... أحدكم عنده شيء؟
طالب: ومما قاله العلماءُ في ذلك: أنَّ النبي ﷺ وجدَّه إبراهيم الخليل لم يشكَّا في أنَّ الله قادرٌ على أن يُحيي الموتى، وإنما شكَّا في إجابتهما إلى سُؤالهما.
وقال أبو سليمان الخطَّابي: ليس في قوله: نحن أحقُّ بالشَّك من إبراهيم اعترافٌ بالشَّك على نفسه، ولا على إبراهيم، لكن فيه نفي الشَّك عنهما، يقول: إذا لم أشكّ أنا بقُدرة الله تعالى على إحياء الموتى، فإبراهيم أولى بألا يشكّ. قال ذلك على سبيل التَّواضع والهضم للنَّفس.
وفيه الإعلام بأنَّ المسألة من إبراهيم عليه السَّلام لم تعرض من جهة الشَّك، ولكن من قبل زيادة العلم بالعيان، فإنَّ العيان يُفيد من المعرفة والطُّمأنينة ما لا يُفيده الاستدلال.
الشيخ: فقط! عندك شيء غير هذا؟
القارئ: تعليق أطول مما ذكر، يقول: ونذكر ما قاله البغوي إتمامًا للفائدة، قال: حكاه ابنُ إسحاق بن خُزيمة، عن أبي إبراهيم إسماعيل بن يحيى ..... أنَّه قال على هذا الحديث: لم يشكّ النبيّ ﷺ ولا إبراهيم في أنَّ الله قادرٌ على أن يُحيي الموتى، وإنما شكَّا في أنَّه يُجيبهما إلى ما سألاه.
وقال أبو سليمان الخطَّابي: ليس في قوله: نحن أحقُّ بالشَّك من إبراهيم اعترافٌ بالشَّك على نفسه، ولا على إبراهيم، لكن فيه نفي الشَّك عنهما، يقول: إذا لم أشكّ أنا في قُدرة الله تعالى على إحياء الموتى، فإبراهيم أولى بألا يشكّ. وقال ذلك على سبيل التَّواضع والهضم للنَّفس.
وكذلك قوله: لو لبثتُ في السّجن طول ما لبث يوسف لأجبتُ الدَّاعي.
وفيه الإعلام أنَّ المسألة من إبراهيم لم تعرض من جهة الشَّك، ولكن من قبل زيادة العلم بالعيان، فإنَّ العيان يُفيد من المعرفة والطُّمأنينة ما لا يُفيده الاستدلال.
وقيل: لما نزلت هذه الآيةُ قال قومٌ: شكَّ إبراهيمُ، ولم يشكّ نبيّنا، فقال رسولُ الله ﷺ هذا القول تواضعًا منه، وتقديمًا لإبراهيم على نفسه عليه الصَّلاة والسلام. اهـ.
الشيخ: ذكر بعضُ أهل العلم -كشيخ الإسلام ابن تيمية وغيره- أنَّ المراد هنا ما بين مرتبتي العلم ومرتبتي العيان مرتبة سمَّاها: شكّ، وليس بشكٍّ في الحقيقة، لكنَّها عند ذوي البصائر والكمال تُشبه الشَّك؛ لأنَّ مراتبَ العلم ثلاثة: علم اليقين، وعين اليقين، وحقّ اليقين، فأراد أن يرتقي إبراهيمُ من علم اليقين إلى عين اليقين، إلى المشاهدة، وهذا انتقالٌ من علمٍ إلى علمٍ، من يقينٍ إلى يقينٍ، من إيمانٍ إلى إيمانٍ؛ ولهذا قال: أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى، فإبراهيم كان مؤمنًا بأنَّ الله يُحيي الموتى، ومُصدِّقًا بذلك، وعالـمًا بهذا الشَّيء، ولكن أراد مزيدَ العلم بالعيان –بالمشاهدة- فسُمِّي شكًّا، من باب تسمية الشَّيء بما هو دون ما فوقه، يُشبه الشَّك؛ لأنَّ علمَ اليقين دون عين اليقين، فأشبه الشَّك، فسمَّاه شكًّا نسبيًّا، بالنسبة إلى مَن شاهد الشَّيء ورآه وأبصره.
وليس المراد بالشَّك الذي هو التَّردد بين الشَّيئين ..... بأحدهما، هذا ليس المرادُ هنا؛ ولهذا قال إبراهيمُ: بلى، قال: أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى، فهو مؤمنٌ بهذا، مُصدِّقٌ .....
فمثلًا: قال لك ثقةٌ أو ثقات: قدم زيدٌ، أو سال الوادي. هذا علمٌ، تكون مُصدِّقًا بذلك، ثم رأيتَه أنت بنفسك، قابلك في الطريق ورأيتَه، فهذا عين اليقين، زيادة على العلم، فرقٌ بينهما: الأول خبرٌ أفاد العلمَ من الثِّقات، والثاني أنت رأيتَه بنفسك، هذا عين اليقين، كما قال الله جلَّ وعلا: كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ [التكاثر:5- 7] المشاهدة، وفيه: وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ [الحاقة:51]، قال بعضُ أهل العلم: حقّ اليقين فوق المعاينة، أزيد، أكثر، وهو دخولهم الجنّة، ودخولهم الجنّة هذا حقّ اليقين، زيادة على العلم ..... إذا شاهدوها، وشاهدوا أبوابها، وشاهدوا ما فيها من النَّعيم هذا عين اليقين، فإذا دخلوها وأكلوا من ثمارها وتلذَّذوا بنعيمها وحورها فهذا حقّ اليقين.
قال بعضُ مَن ضرب لهذا مثلًا: مثل: سال الوادي، أخبرك بهذا جماعةٌ، فأنت عندك علم اليقين، ثم شاهدته بنفسك ووقفتَ عليه، فهذا عين اليقين، ثم خضتَه بيديك أو برجلك، خضت الماء، هذا حقّ اليقين.
فالمراتب ثلاثٌ: علمٌ، ومُعاينة، ومُباشرة.
الشيخ: ما في حاجة إلى العلم بهذا؛ ولهذا ترك اللهُ بيانَ هذا، معرفة الطَّير ما يجب ..... سواء كان من الدَّجاج، أو من الحمام، أو من الوزّ، أو من غير ذلك، كلّه واحد، المهم أنها أربعةٌ من الطَّير قُطعت رؤوسها، ثم عادت إليها رؤوسها، وعادت إليها الحياةُ؛ ولهذا ضرب اللهُ صفحًا عن ذلك، ولم يُبين ..... هل هي الدّجاج، أو الحمام، أو الوزّ، أو الغراب، أو غير ذلك، لا فرقَ في ذلك.
الشيخ: معنى: فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ أي: وصيرهنَّ إليك، ضمّهنَّ إليك، وقطّعهنَّ، الواو عطفٌ على ..... صرهنَّ، الواو ليست تفسيرًا لـفَصُرْهُنَّ، وإنما معناه أي: ضمّهنَّ إليك وقطّعهنَّ.
وَقَالَ الْعَوْفِيُّ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ أَوْثِقْهُنَّ، فَلَمَّا أَوْثَقَهُنَّ ذَبَحَهُنَّ، ثُمَّ جَعَلَ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا. فَذَكَرُوا أَنَّهُ عَمَدَ إِلَى أَرْبَعَةٍ مِنَ الطَّيْرِ فَذَبَحَهُنَّ، ثُمَّ قَطَّعَهُنَّ ونتف ريشَهنَّ ومزَّقهنَّ، وخلط بعضَهن ببعضٍ، ثُمَّ جَزَّأَهُنَّ أَجْزَاءً، وَجَعَلَ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا، قِيلَ: أَرْبَعَةُ أَجْبُلٍ. وَقِيلَ: سَبْعَةٌ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَأَخَذَ رُؤُوسَهُنَّ بِيَدِهِ، ثُمَّ أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَدْعُوهُنَّ، فَدَعَاهُنَّ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ ، فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى الرِّيشِ يَطِيرُ إِلَى الرِّيشِ، وَالدَّمِ إِلَى الدَّمِ، وَاللَّحْمِ إِلَى اللَّحْمِ، وَالْأَجْزَاءِ مِنْ كُلِّ طائرٍ يتَّصل بعضُها إلى بَعْضٍ، حَتَّى قَامَ كُلُّ طَائِرٍ عَلَى حِدَتِهِ، وَأَتَيْنَهُ يَمْشِينَ سَعْيًا؛ لِيَكُونَ أَبْلَغَ لَهُ فِي الرُّؤْيَةِ الَّتِي سَأَلَهَا، وَجَعَلَ كُلُّ طَائِرٍ يَجِيءُ لِيَأْخُذَ رَأْسَهُ الَّذِي فِي يَدِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَإِذَا قَدَّمَ لَهُ غَيْرَ رَأْسِهِ يَأْبَاهُ، فَإِذَا قَدَّمَ إِلَيْهِ رَأْسَهُ تَرْكَبُ مَعَ بَقِيَّةِ جسده بِحَوْلِ اللَّهِ وَقُوَّتِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة:260] أَيْ: عَزِيزٌ لَا يَغْلِبُهُ شيءٌ، ولا يمتنع من شَيْءٍ.
الشيخ: قوله: (أمسك الرُّؤوس) هذا يحتاج إلى دليلٍ؛ فإنَّ ظاهر القرآن أنَّه وزَّعهنَّ على الجبال عظامًا ولحمًا .....؛ لأنَّه قال: ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ [البقرة:260]، ولم يقل: إنَّ الرؤوس بيده. وإن كان محتملًا، لكن ظاهر القرآن أنَّه وزَّع رؤوسَها وأبدانها، ثم جاءت إليه، طار كلُّ شيءٍ إلى رأسه، تجمّعت وصار كل حيوانٍ حيوانًا مُستقلًّا، رجع إلى حاله الأولى التي خلقه الله عليها ، هذه من آيات الله العظيمة في الدّنيا.
هكذا يوم القيامة تجمع هذه ..... من الرّفات، ويقوم الإنسانُ كاملًا، وهكذا ما في بطون الحيوان من السِّباع، وهكذا ..... البحار، كلها يتجمّع ويكون حيوانًا كاملًا، والله على كلِّ شيءٍ قديرٌ جلَّ وعلا، الذي خلقها وبدأ خلقها هو قادرٌ على إعادتها : وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [الروم:27].
وَمَا شَاءَ كَانَ بِلَا مُمَانِعٍ؛ لِأَنَّهُ الْقَاهِرُ لِكُلِّ شَيْءٍ، حَكِيمٌ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَشَرْعِهِ وَقَدَرِهِ.
قَالَ عَبْدُالرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ فِي قَوْلِهِ: وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي [البقرة:260] قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا فِي الْقُرْآنِ آيَةٌ أَرْجَى عِنْدِي مِنْهَا.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ عَلِيٍّ يُحَدِّثُ عَنْ رَجُلٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قال: اتَّفق عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَعَبْدُاللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنْ يَجْتَمِعَا، قَالَ: وَنَحْنُ شَبَبَةٌ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: أَيُّ آيَةٍ فِي كتاب الله أرجى عندك لِهَذِهِ الْأُمَّةِ؟ فَقَالَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: قول الله تَعَالَى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53]. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَّا إِنْ كُنْتَ تقول هذا، فأنا أقول: أَرْجَى مِنْهَا لِهَذِهِ الْأُمَّةِ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي.
الشيخ: هذا له وجهٌ، وهذا له وجهٌ؛ الآية الأولى في الزمر في التَّائبين: أنَّ الله يغفر ذنوبَهم مهما كانت، ولا يجوز لهم أن يقنطوا، مَن تاب إليه تاب عليه .....، وهذا من رحمته جلَّ وعلا أنَّه يغفر الذّنوبَ جميعًا، مَن تاب إليه وأناب، وإن عظمت الذّنوب، وإن كانت كفرًا وشركًا، مَن تاب إليه وهو صادقٌ تاب عليه .
وهذه لها وجه: وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي، فالإنسان قد تعتريه أشياء من الهواجس، فإذا كان مُؤمنًا مُتيقنًا، ولكنَّه يودّ مزيدَ علمٍ ومزيدَ بصيرةٍ لا يضرّه ذلك؛ ولهذا قال: وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي.
الشيخ: كذا عندك: محمد ابن أبي سلمة؟
الطالب: قوله: (حدَّثني محمد ابن أبي سلمة، عن عمرو: حدَّثني ابنُ المنكدر) هذا مُصحَّفٌ، ولا أدري كيف وقع ذلك؟! وهكذا هو عند الحاكم في "المستدرك"، فهو عن عبدالعزيز ابن أبي سلمة، عن ابن المنكدر، وهو محمد، ولا يوجد فيه لعمرو أو محمد ابن أبي سلمة.
الشيخ: أعد السَّند.
وَقَالَ ابْنُ أبي حاتم: أخبرنا أَبِي: حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ صَالِحٍ -كَاتِبُ اللَّيْثِ- حَدَّثَنِي محمد ابن أبي سلمة، عن عمرو: حدَّثني ابنُ الْمُنْكَدِرِ أَنَّهُ قَالَ: الْتَقَى عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَعَبْدُاللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: أَيُّ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ أَرْجَى عِنْدَكَ؟ فَقَالَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: قَوْلُ اللَّهِ : قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ الْآيَةَ [الزمر:53]، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَكِن أَنَا أَقُولُ: قول الله : وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى [البقرة:260]، فَرَضِيَ مِنْ إِبْرَاهِيمَ قَوْلَهُ: بَلى، قَالَ: فَهَذَا لِمَا يَعْتَرِضُ فِي النُّفُوسِ، وَيُوَسْوِسُ بِهِ الشَّيْطَانُ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ مُحَمَّدِ بن يعقوب بن الأخرم، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِاللَّهِ السَّعْدِيِّ، عَنْ بِشْرِ بْنِ عُمَرَ الزَّهْرَانِيِّ، عَنْ عَبْدِالْعَزِيزِ ابْنِ أَبِي سَلَمَةَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ، ثُمَّ قَالَ: صحيح الإسناد، ولم يُخرجاه.
.........
الطالب: راجعتُ: عبدالله بن صالح -كاتب اللَّيث- يروي عن عبدالعزيز ابن أبي سلمة.
الشيخ: ومحمد هذا مُستنكر.
الطالب: نعم، ما وجدتُه ..... تصحّف عن هذا، من شيوخ عبدالله بن صالح.
الشيخ: كأنَّها والله أعلم سقطة قلمٍ من بعض الكُتَّاب.
الطالب: وكذلك ابن أبي سلمة الماجشون يروي عن ابن المنكدر.
الشيخ: ما بينهما عمرو؟
الطالب: ما بينهما عمرو، لكني وجدتُ في الرُّواة عن عبدالعزيز الماجشون: عمرو بن يحيى المازني، ولكن لا تُعرف له رواية عن ابن المنكدر.
الشيخ: يُراجع إن كان موجودًا في شيءٍ مخطوطٍ، يوجد مجلد مخطوط في المدينة، لكن ما أدري هل نُقل إلى .....
سؤال: وجه الرَّجاء في الآية في قوله تعالى: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى [البقرة:260]؟
الشيخ: الرَّجاء: وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي أنَّ الإيمان التَّصديق، لا يضرّه ما قد يقع من وساوس ومحبّة؛ لأنَّ مشاهدة الشَّيء هذه ما تقدح في الإيمان، ولو أحبَّ زيادة العلم، ولو كان في قلبه شيءٌ مما آمن به يُحبّ أن ..... أكثر ما يضرّ، نعم؛ لأنَّ العلم يختلف، والإيمان يختلف، فإيمانك بهذا قد يكون أكمل من هذا، وقد يكون دون هذا، إيمانك مثلًا بالجنَّة والنَّار ونحو ذلك غير إيمانك بالمسائل الأخرى التي تقع يوم القيامة دون ذلك، نعم.
مُداخلة: في تعليق: .......
الطالب: ابن المنكدر روى عن عائشة، وعن أبي هريرة، وابن عمرو، وابن عباس بعد ذلك بكثيرٍ، فأين الانقطاع؟ لأنَّ الذَّهبي فعلًا أعلَّه بالانقطاع، وذكره في موضعٍ آخر من "المستدرك"، وقال نفس الكلام: صحيحٌ على شرط الشَّيخين ولم يُخرجاه. قال الذَّهبي: قلتُ: فيه انقطاع.
الشيخ: يُتأمّل؛ لأنَّ المشهور أنَّ عبدالله بن عمرو مات سنة الحرة، في أيام الحرّة سنة 63، وهذا بعد هذه الوقعة.
س: وعائشة؟
ج: بعد عائشة، فإذا سمع منهما فهو حريٌّ بأن يسمع من عبدالله من باب أولى، وعبدالله بن عمرو فيما ذكروا سكن الطَّائف، محلّه في الطائف .....، وابن المنكدر مدني ..... الله أعلم، الأصل السَّماع، مُتعاصران على رأي مسلمٍ وجماعةٍ، متعاصران، يمكن السَّماع، فالحكم بالانقطاع محل نظرٍ.
س: كذلك الشيخ أحمد شاكر رحمه الله ..... قال: وكأنَّ علَّة انقطاعه أنَّ عبدالعزيز ابن أبي سلمة لم يُدرك محمد بن المنكدر، حتى هذا بعيدٌ أيضًا، يعني هو .....؟
ج: نعم.