تفسير قوله تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ..}

وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [البقرة:265].

وَهَذَا مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ الْمُنْفِقِينَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ، وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ، أي: وهم مُتحقّقون مُتثبّتون أَنَّ اللَّهَ سَيَجْزِيهِمْ عَلَى ذَلِكَ أَوْفَرَ الْجَزَاءِ، ونظير هذا في معنى قوله في الحديث الصَّحيح الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ: مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا أَيْ: يُؤْمِنُ أَنَّ اللَّهَ شَرَعَهُ، وَيَحْتَسِبُ عِنْدَ اللَّهِ ثَوَابَهُ.

قَالَ الشَّعْبِيُّ: وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ أَيْ: تَصْدِيقًا وَيَقِينًا. وَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ وَأَبُو صَالِحٍ وَابْنُ زَيْدٍ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ: أَيْ: يَتَثَبَّتُونَ أَيْنَ يَضَعُونَ صدقاتهم.

وقوله: كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ، أي: كمثل بستان بربوة. وهو عند الجمهور: المكان المرتفع مِنَ الْأَرْضِ.

الشيخ: وهذا يدل على فضل النَّفقة في سبيل الله، وأن النَّفقة لها الأجر العظيم، كالتي تصدر عن إيمانٍ واحتسابٍ، وعن رغبةٍ فيما عند الله كما تقدم في قوله جلَّ وعلا:  الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:274]، أنفقوها لله، وابتغوا مرضاته ، وهنا قال: وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ، ما أنفقوها رياءً، ولا لمقاصد أخرى دنيويّة، ولكن أنفقوها ابتغاء وجه الله، وتثبيتًا من أنفسهم، عن إيمانٍ، وعن يقينٍ بما شرع سبحانه ووعد به على طاعته .....

أمَّا كونهم يعرفون أين يضعونها فهذا شيءٌ مطلوبٌ، المنفق يضع النَّفقة في محلِّها، هذا أمرٌ مفروغٌ منه، إذا أنفق في سبيل الله ..... أن يُنفق في الجهاد، يُنفق في أهله وأولاده، ويُنفق في الفُقراء والمحاويج، يُنفق في المشاريع الخيرية التي تنفع الناس: في تعمير المساجد والربط ومساكن للفُقراء، إلى غير هذا من أمور الخير، هم يضعون النَّفقة في محلِّها عن إيمانٍ، وعن تصديقٍ، وعن رغبةٍ فيما عند الله، لا عن رياء، ولا عن قصدٍ آخر من المقاصد الأخرى، بخلاف أولئك الذين يُنفقون لمقاصد أخرى، قد قال فيهم ﷺ: تعس عبدُ الدِّينار، تعس عبد الدِّرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة.

وَزَادَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكُ: وَتَجْرِي فِيهِ الْأَنْهَارُ.

قَالَ ابْنُ جريرٍ رحمه الله: وَفِي الرَّبْوَةِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ، هُنَّ ثَلَاثُ قِرَاءَاتٍ: بِضَمِّ الرَّاءِ، وَبِهَا قَرَأَ عَامَّةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ. وَفَتْحِهَا، وَهِيَ قِرَاءَةُ بَعْضِ أَهْلِ الشَّامِ وَالْكُوفَةِ، وَيُقَالُ: إِنَّهَا لُغَةُ تَمِيمٍ. وَكَسْرِ الرَّاءِ، وَيُذْكَرُ أَنَّهَا قِرَاءَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما.

...........

وَقَوْلُهُ: أَصَابَهَا وَابِلٌ وَهُوَ الْمَطَرُ الشَّدِيدُ كَمَا تَقَدَّمَ.

فَآتَتْ أُكُلَها أَيْ: ثَمَرَتَهَا.

ضِعْفَيْنِ أَيْ: بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيْرِهَا مِنَ الْجِنَانِ.

فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وابِلٌ فَطَلٌّ قَالَ الضَّحَّاكُ: هُوَ الرَّذَاذُ، وَهُوَ اللَّيِّنُ مِنَ الْمَطَرِ، أَيْ: هَذِهِ الْجَنَّةُ بِهَذِهِ الرَّبْوَةِ لَا تَمْحُلُ أَبَدًا؛ لِأَنَّهَا إِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ، وَأَيًّا مَا كَانَ فَهُوَ كِفَايَتُهَا.

...........

وَكَذَلِكَ عَمَلُ الْمُؤْمِنُ لَا يَبُورُ أَبَدًا، بَلْ يَتَقَبَّلُهُ اللَّهُ وَيُكَثِّرُهُ وَيُنَمِّيهِ، كُلُّ عَامِلٍ بِحَسْبِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [البقرة:265] أَيْ: لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ أَعْمَالِ عِبَادِهِ شيءٌ.

الشيخ: هكذا المؤمنون أعمالهم في دنوها وبركتها وعظمها ..... ذلك تُشبه الجنّة التي في الرّبوة التي تارةً ينزل عليها المطر ..... وتارةً وابل، فهي تُؤتي أكلها ضعفين، يعني: تُثمر ثمرةً عظيمةً في مكانها؛ لأنَّ الهواء يمرها كثيرًا، فهي بادية للشَّمس والهواء، فيأتيها من .....

فالمؤمن هكذا؛ أعماله كلها طيبة وإن تفاوتت، لكن أعماله عظيمة؛ لأنَّه يعمل لله، ويُخلص لله، ويعمل ..... مضاعفًا، فإن نشط وقوي صارت أعمالُه أعظم وأكثر، وإن صار له شيءٌ من الضَّعف فإنَّ أعماله لا تزال في الخير، وإن صار له ضعف في بعض الأحيان بسبب اجتهاده ومُسابقته للخيرات فهو في ..... للخير والعمل الصَّالح.

أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ [البقرة:266].

قَالَ الْبُخَارِيُّ عِنْدَ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى: حَدَّثَنَا هِشَامٌ -هُوَ ابْنُ يُوسُفَ- عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: سَمِعْتُ عَبْدَاللَّهِ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال: وَسَمِعْتُ أَخَاهُ أَبَا بَكْرِ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ يُحَدِّثُ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَوْمًا لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ: فيمَ تَرَوْنَ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ: أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ؟ قَالُوا: اللَّهُ أَعْلَمُ. فَغَضِبَ عُمَرُ، فَقَالَ: قُولُوا: نَعْلَمُ، أَوْ: لَا نَعْلَمُ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فِي نَفْسِي مِنْهَا شَيْءٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ عُمَرُ: يَا ابْنَ أَخِي، قُلْ وَلَا تُحَقِّرْ نفسَك.

الشيخ: كان ابنُ عباسٍ ذاك الوقت صغيرًا، والغالب على مجلس عمر الكبار من المهاجرين والأنصار؛ ولهذا كان يُدخله ..... لما أعطاه اللهُ من الفهم والفقه ؛ ولهذا قال: قل ولا تحقر نفسك. فالإنسان إذا كان عنده علمٌ يقول به، ولو كان بين الشيوخ والكبار ..... بيان العلم بالمذاكرة والفائدة، إن كان عنده علمٌ لا يحقر نفسه ولو كان أصغر القوم، ولو كان بينهم مَن هو أكبر منه، يُبدي ما عنده من العلم.

فقال ابنُ عباسٍ رضي الله عنهما: ضُرِبَتْ مَثَلًا لِعَمَلٍ، قَالَ عُمَرُ: أَيُّ عَمَلٍ؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لِعَمَلٍ. قال عمرُ: لِرَجُلٍ غَنِيٍّ يَعْمَلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ، ثُمَّ بَعَثَ اللَّهُ لَهُ الشَّيْطَانَ فَعَمِلَ بِالْمَعَاصِي حَتَّى أَغْرَقَ أَعْمَالَهُ.

ثُمَّ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيِّ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَعْوَرِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. فَذَكَرَهُ، وَهُوَ مِنْ أَفْرَادِ الْبُخَارِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ.

الشيخ: من أفراده عن بقية السّتة، معناه: أنَّه لم يروه مسلمٌ ولا أهل السّنن الأربعة، وإن كان قد يرويه غيرُهم: كالدَّارقطنيّ، وابن خُزيمة، و"المسند"، وغير ذلك، إذا قال: "مَن أفراد البُخاري" يعني: عن السّتة.

..........

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ كِفَايَةٌ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ وَتَبْيِينِ مَا فِيهَا مِنَ الْمَثَلِ بِعَمَلِ مَنْ أَحْسَنَ الْعَمَلَ أَوَّلًا، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ انْعَكَسَ سَيْرُهُ؛ فَبَدَّلَ الْحَسَنَاتِ بِالسَّيِّئَاتِ، عِيَاذًا بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ، فَأَبْطَلَ بِعَمَلِهِ الثَّانِي مَا أَسْلَفَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَ الصَّالِحِ، وَاحْتَاجَ إلى شيءٍ من الأول في أضيق الأحوال، فلم يحصل مِنْهُ شَيْءٌ، وَخَانَهُ أَحْوَجَ مَا كَانَ إِلَيْهِ؛ ولهذا قال تعالى: وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ [البقرة:266]، وَهُوَ الرِّيحُ الشَّدِيدُ.

............

فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ [البقرة:266] أَيْ: أَحْرَقَ ثِمَارَهَا، وَأَبَادَ أَشْجَارَهَا، فَأَيُّ حَالٍ يَكُونُ حَالُهُ؟

وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا حَسَنًا، وَكُلُّ أَمْثَالِهِ حَسَنٌ، قَالَ: أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ يقول: صنعه فِي شَيْبَتِهِ.

الشيخ: صنعه في شبيبته، صنعها يعني ..... وتعب فيها في شبيبته، من الشَّباب يعني.

الطالب: شيبته.

الشيخ: عندكم: شيبته؟

الطالب: ضيّعه في شيبته وأصابه الكِبَر.

الشيخ: ضيَّعه، تعب فيها.

..........

الشيخ: إمَّا: ضيّعه في شيبته، وإمَّا: صنعه في شبيبته، يعني: عمل هذا، تعب عليها في الشَّبيبة، ثم ارتدَّ عن الإسلام، نعوذ بالله، مثل الذي أصابه الرِّيح، يعني: عملًا كثيرًا، فلمَّا كان في آخر حياته ارتدَّ عن الإسلام، وأضاع تلك الأعمال، خسرها كلها، وهكذا مَن كان عنده بستان عظيم، والخير الكثير، والنَّخيل والأعناب، وتجري من تحته الأنهار، ثم عند كبر سنِّه وقُرب أجله أصابتها ريحٌ وهلكت، أي مُصيبةٍ هذه؟ مصيبة عظيمة، ولا سيما وهو له ذُرية ضُعفاء.

.............

وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ، وَوَلَدُهُ وَذُرِّيَّتُهُ ضِعَافٌ عِنْدَ آخرِ عُمُرِهِ، فَجَاءَهُ إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فاحترق بُسْتَانُهُ، فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ قُوَّةٌ أَنْ يَغْرِسَ مِثْلَهُ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ نَسْلِهِ خَيْرٌ يَعُودُونَ به عليه.

وكذلك الكافرُ يكون يوم القيامة إذا رُدَّ إِلَى اللَّهِ : لَيْسَ لَهُ خَيْرٌ فَيُسْتَعْتَبُ، كَمَا لَيْسَ لِهَذَا قُوَّةٌ فَيَغْرِس مِثْلَ بُسْتَانِهِ، وَلَا يَجِدُهُ قَدَّمَ لِنَفْسِهِ خَيْرًا يَعُودُ عَلَيْهِ، كَمَا لَمْ يُغْنِ عَنْ هَذَا وَلَدُهُ، وَحُرِمَ أَجْرَهُ عِنْدَ أَفْقَرِ مَا كَانَ إليه، كما حُرم هذا جنّته عندما كان أَفْقَر مَا كَانَ إِلَيْهَا عِنْدَ كِبَرِهِ وَضَعْفِ ذُرِّيَّتِهِ.

وَهَكَذَا رَوَى الْحَاكِمُ فِي "مُسْتَدْرَكِهِ": أَنَّ رسولَ الله ﷺ كان يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ أَوْسَعَ رِزْقِكَ عَلَيَّ عِنْدَ كِبَرِ سِنِّي وَانْقِضَاءِ عُمُرِي.

الشيخ: راجعت الحاكم؟

الطالب: إيه نعم، هو عند الحاكم في "مُستدركه" ذكره بإسناده وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنُ الْإِسْنَادِ، وَالْمَتْن غَرِيبٌ فِي الدُّعَاءِ، مُسْتَحَبٌّ لِلْمَشَايِخِ إِلَّا أَنَّ عِيسَى بْنَ مَيْمُونٍ لَمْ يَحْتَجَّ بِهِ الشَّيْخَانِ.

وقال الذَّهبي: قلتُ: عيسى متّهم، وفيه عيسى بن ميمون المدني، قال الحافظ في "التقريب": عيسى بن ميمون المدني مولى القاسم بن محمد، يُعرف بالواسطي، ويقال له .....، وفرق بينهما ابن معين، وابن حبان، وابن ميمون ضعيفٌ من السَّادسة، أخرج له الترمذي وابن ماجه، وقال البخاري: منكر الحديث.

الشيخ: نعم.

س: .............؟

ج: ضعيف ..... الإنسان يدعو بما أحبَّ من الدَّعوات التي ليس فيها إثمٌ ولا قطيعة رحمٍ بدعاءٍ طيبٍ، لا بأس

وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ [البقرة:266] أَيْ: تَعْتَبِرُونَ وَتَفْهَمُونَ الْأَمْثَالَ وَالْمَعَانِي، وَتُنْزِلُونَهَا عَلَى الْمُرَادِ مِنْهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ [العنكبوت:43].

الشيخ: الأمثال فيها عبر وعظات يعقلها أهلُ العلم والبصيرة، هكذا هذا المثل، ينبغي للعاقل أن يعقله، وأن يحرص أن يكون في عملٍ صالحٍ واستمرارٍ في الخير، ولا سيما في آخر حياته يحرص على الثَّبات على الحقِّ، وسؤال الله الثبات وحُسن الختام؛ حتى لا يهلك مع مَن هلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ [البقرة:267].

الشيخ: كتاب الله العظيم فيه الهدى والنور، جديرٌ بأهل العلم والإيمان من طلبة العلم أن يكون لهم حظٌّ وافرٌ من تدبر كتاب الله، والإكثار من تلاوته، وهذا مشروعٌ لكل مسلمٍ، ولكن ..... أهل العلم وطلبة العلم يكون التَّأكيد أكثر؛ لأنهم ..... الناس، والناس يقتدون بهم، فهم في أشدّ الحاجة إلى المزيد من العلم كل ساعةٍ، وكل يومٍ، وكل ليلةٍ، هم بحاجةٍ إلى مزيدٍ من العلم؛ حتى يعملوا، وحتى يُعلّموا الناس أيضًا.

وفي تدبر كتاب الله المزيد من العلم، ومع ذلك المزيد من الخشوع لله، والتَّعظيم لله، والخشية له، والشوق إليه، فجديرٌ بأهل العلم وبطلبة العلم وبكل مؤمنٍ أن يُكثر من تلاوة كتاب الله بالتَّعقل والتَّدبر، وإذا لم يتيسّر له ذلك فليستمع من إخوانه الذين ..... قراءة كتاب الله حتى يستفيد: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9]، قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ [فصلت:44]، كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص:29]، وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأنعام:155]، أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24].

فالقرآن العظيم فيه الدَّعوة إلى الخير، وتحريك القلوب إلى الله، وإلى الآخرة، وطرد الشَّيطان عنها، والوساوس الخبيثة، وفي القراءة تليين القلوب، وإبعاد القسوة عنها.

وفي تدبر القرآن مزيد من العلم والبصيرة فيما شرع الله لعباده .....، وفي تلاوة القرآن المزيد أيضًا من العلم في أحوال السَّلف الصَّالح، وأحوال أهل الخير .....، وما أعدّ الله للمؤمنين من الخيرات، وما أعدّ لأعدائه من العواقب الوخيمة.

وفي تلاوة كتاب الله والتَّدبر أيضًا معرفة الأشياء التي يرضاها سبحانه ويُحبّها، والأشياء التي يكرهها ويبغضها.

فالفوائد لا تُحصى، فوائد التَّدبر لكتاب الله والإكثار من تلاوته شيءٌ لا يُحصى.

وينبغي أيضًا تحري الأوقات المناسبة التي فيها القلب أقلّ شواغل: في وسط الليل، وآخر الليل، والأوقات التي يعرفها من نفسه أنها أحسن له من غيرها، التي يلين فيها القلبُ، ويتلذّذ بالتّلاوة، ثم ينظر ما هو الأكثر خشوعًا: هل القراءة من المصحف، أو القراءة عن ظهر قلبٍ؟ فيتحرى ما هو أنفع له، وإذا رغب أن يكون له شريكٌ يُشاركه في ذلك: تارةً يقرأ هذا ويستمع هذا، وتارةً يقرأ هذا ويستمع هذا، فيتعاونان في ضبط الآيات وضبط الحروف؛ هذا شيءٌ عظيمٌ.

وقد كان النبيُّ يُدارس جبرائيل القرآن كل سنةٍ مرة في رمضان، وفي السنة الأخيرة مرتين، هذا أضبط في المدارسة، فالمدارسة فيها فوائد جمّة، فقد يكون الإنسانُ نسي كلمةً، أو نسي حرفًا، فيستفيد من زميله، ويستمع له، ويُنبّهه، والآخر كذلك.

ثم في استماعه تارةً وقراءته تارةً تنوع الاستفادة من القرآن: تارةً يستفيد حال كونه قارئًا، وتارةً يستفيد حال كونه مُستمعًا، وقد يستفيد من الاستماع أكثر مما يستفيد من القراءة، والعكس.

نسأل الله للجميع التَّوفيق.