تفسير قوله تعالى: {وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ}

وقوله: وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ [البقرة:282] أَيْ: بِالْقِسْطِ وَالْحَقِّ، وَلَا يَجُرْ فِي كِتَابَتِهِ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَكْتُبْ إِلَّا مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ.

وَقَوْلُهُ: وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ [البقرة:282] أَيْ: وَلَا يَمْتَنِعْ مَنْ يَعْرِفُ الْكِتَابَةَ إِذَا سُئِلَ أَنْ يَكْتُبَ لِلنَّاسِ، وَلَا ضَرُورَةَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، فَكَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ، فَلْيَتَصَدَّقْ عَلَى غَيْرِهِ مِمَّنْ لَا يُحْسِنُ الْكِتَابَةَ وَلْيَكْتُبْ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: إِنَّ مِنَ الصَّدَقَةِ أَنْ تُعِينَ صَانِعًا، أَوْ تَصْنَعَ لِأَخْرَقَ، وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: مَنْ كَتَمَ عِلْمًا يَعْلَمُهُ أُلْجِمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ: وَاجِبٌ عَلَى الْكَاتِبِ أَنْ يَكْتُبَ.

الشيخ: هذا فيه حثٌّ على التَّعاون بين المسلمين في حفظ حقوقهم، وأنَّ حفظ الحقوق مثل الدّيون والأمانات وغيرها، من أسباب سلامة القلوب وصفائها وعدم الشَّحناء، وإذا لم تُحفظ الحقوق تغيّرت الأحوال، وساءت الظّنون، وحصلت الشَّحناء والتُّهم، فمن رحمة الله جلَّ وعلا أن أمر بالكتابة والشُّهود حتى تُحفظ القلوب، وحتى تبقى القلوب على صفائها ومحبَّتها وإخائها؛ ولهذا قال : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ [البقرة:282]، هذا لحفظ حقوقهم؛ ليسلم الحقّ، ولتبقى القلوب على حالها.

وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ [البقرة:282] يعني: بالقسط، والإنصاف، وتحرّي الواقع، وعدم الزِّيادة، وعدم النَّقص، يكتب الواقع، لا يزيد، ولا ينقص، وهذا الكاتبُ يكون كاتبًا وشاهدًا عليهم، ما يكون معك شاهدٌ آخر، كما قال تعالى: وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ [البقرة:282]، يكتب: شهد الكاتب فلان. ففي هذا حفظ الحقوق، وفيه أيضًا بقاء القلوب على محبَّتها وصفائها وسلامتها.

وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ [البقرة:282] إذا احتيج إليه فليكتب، وظاهره مجانًا، لا يحتاج إلى أجرةٍ، بل يكتب كما علَّمه الله، صدقة كما علَّمه الله، الكتاب يكتب لإخوانه، يتصدّق عليهم بما يحتاجون إليه من كتابة الحقوق، لكن من غير ضرورةٍ، كما قال في آخر الآية: وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ [البقرة:282] يعني: في الأوقات المناسبة، لا يُضارّون في أوقات غير مناسبةٍ، بل في الأوقات المناسبة التي لا تضرّهم، وهكذا الشَّاهد لا يُضارّ، فيطلبون الكاتب في الوقت الذي يُناسبه، وفي الوقت الذي يراه لا حرجَ عليه فيه، ولا مشقّة عليه فيه.

وهذا كلّه داخلٌ في قوله جلَّ وعلا: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2]، فمن البرِّ ومن التَّقوى التَّعاون على الخير، وعلى حفظ الحقوق، وعلى أسباب صفاء القلوب، وسلامتها من الشَّحناء، والإسلام يدعو إلى صفاء القلوب، وبقاء المودّة، كما قال النبيُّ ﷺ في الحديث الصَّحيح: والذي نفسي بيده، لا تدخلون الجنةَ حتى تُؤمنوا، ولا تُؤمنوا حتى تحابُّوا، أفلا أدلّكم على شيءٍ إذا فعلتُموه تحاببتُم؟ أفشوا السَّلام بينكم، فإفشاء السَّلام من أسباب التَّحابِّ.

وفي الحديث الصَّحيح يقول ﷺ لما سُئل: أي الإسلام أفضل؟ قال: أن تُطعم الطعام، وتقرأ السلام على مَن عرفتَ ومَن لم تعرف، فإطعام الطَّعام للمحاويج والضّيفان والإخوان من أسباب المحبَّة، وكذلك قراءة السلام من أسباب المحبَّة والتَّعارف.

س: مَن امتهن الكتابةَ -جعلها مهنةً- يأخذ أجرًا عليها؟

ج: إن ترك فهو أفضل، وإلا فالظَّاهر لا حرجَ، إذا أعطوه لا حرجَ إن شاء الله؛ لأنَّه عمل، وقد يشغله عن مُهماته، وعن حاجاته، وعن كسبه، لكن إذا تصدّق عليهم، ولا سيما بالأوقات القليلة، والناس محتاجون، فكونه يتصدّق عليهم ولا يقبل شيئًا هذا أفضل له، وخيرٌ له، أمَّا إذا كانت الكتابةُ تحتاج إلى أوقاتٍ، وتحتاج إلى تعبٍ، مثل: الكتابات الرسمية، وكتابات المكاتب، هذه يحتاج صاحبُها إلى معاشٍ، وإلى راتبٍ يقوم بأَوَدِه، ويسدّه عن الحاجة إلى النَّاس.

س: "مَن كتم علمًا يعلمه" يشمل العلوم الدِّينية والدّنيوية؟

ج: الشَّيء الذي يُحتاج إليه، "مَن سُئل عن علمٍ فكتمه" يعني: ينفع الناس، مثل: العلم الذي ينفع الناس في الطبّ ..... ينفع الناس في الصَّنائع النَّافعة، وإذا كان في العلم الشَّرعي يكون أكبر وأشدّ إثمًا إذا كان فيما يتعلق بالتَّوحيد والصَّلاة والزكاة ونحو ذلك، وهكذا في العلوم التي يحتاجها الناس يعمّها الحديث.

س: وإذا سألني وقلتُ: ما أنا من أهل الفتوى، ولا أقدر أن أُفتيك، وأنا ما أدري أيش العلم الذي ستسألني عنه، قد يكون بسيطًا، وقد يكون صعبًا، فما أدري عن هذا الشَّيء؟

ج: تسأله عمَّا يريد أن يسأل عنه، يُبين لك ما هو سؤاله، إن كان عندك علمٌ فقل، وإلا قل: لا أدري والحمد لله.

وَقَوْلُهُ: وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ أَيْ: وَلْيُمْلِلِ الْمَدِينُ عَلَى الْكَاتِبِ مَا فِي ذِمَّتِهِ مِنَ الدَّيْنِ، وَلْيَتَّقِ اللَّهَ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا أَيْ: لَا يَكْتُمُ مِنْهُ شَيْئًا، فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِتَبْذِيره وَنَحْوِهِ، أَوْ ضَعِيفًا أَيْ: صَغِيرًا، أَوْ مَجْنُونًا، أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ إِمَّا لِعيٍّ، أَوْ جَهْلٍ بِمَوْضِعِ صَوَابِ ذَلِكَ مِنْ خَطَئِهِ، فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ [البقرة:282].

وَقَوْلُهُ: وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ أَمْرٌ بِالْإِشْهَادِ مَعَ الْكِتَابَةِ؛ لِزِيَادَةِ التَّوْثِقَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ [البقرة:282]، وَهَذَا إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْأَمْوَالِ، وَمَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ، وَإِنَّمَا أُقِيمَتِ الْمَرْأَتَانِ مَقَامَ الرَّجُلِ لِنُقْصَانِ عَقْلِ الْمَرْأَةِ، كَمَا قَالَ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ": حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَمْرِو ابْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، تَصَدَّقْنَ، وَأَكْثِرْنَ الِاسْتِغْفَارَ، فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ جَزْلَةٌ: وَمَا لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكْثَرُ أَهْلِ النَّارِ؟ قَالَ: تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَغْلَبَ لِذِي لُبٍّ مِنْكُنَّ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا نُقْصَانُ الْعَقْلِ وَالدِّينِ؟ قَالَ: أَمَّا نُقْصَانُ عَقْلِهَا فَشَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ تَعْدِلُ شَهَادَةَ رَجُلٍ، فَهَذَا نُقْصَانُ الْعَقْلِ، وَتَمْكُثُ اللَّيَالِي لَا تُصَلِّي، وَتُفْطِرُ فِي رَمَضَانَ، فَهَذَا نُقْصَانُ الدِّينِ.

الشيخ: وهذا الذي قاله النبيُّ ﷺ واقعٌ؛ فإنَّ عقلَها ليس كعقل الرَّجل في الأغلب، وليس حفظُها كحفظه، فمن رحمة الله أن جعل الثِّنتين تقومان مقام الواحد؛ لتُذكّر إحداهما الأخرى، وحتى يثبت الحقّ بمجموعهما مع الرَّجل.

وأمَّا نُقصان الدِّين فهو شيءٌ كُتِبَ على بنات آدم، ليس عليهنَّ فيه إثمٌ، لكنَّه نقصٌ في الدِّين بترك الصَّلاة أيام الحيض والنِّفاس، وترك الصّوم كذلك، لكنها تقضيه، هذا من النَّقص الذي كُتب عليها، وليس عليها في هذا إثمٌ، ولكنَّه نقصٌ حاصلٌ في دينها من جهة ما سقط عنها من الصَّلوات.

وفي هذا الحثّ والتَّحريض على الصَّدقة والاستغفار، وأنَّه ينبغي لهنَّ أن يُكثرن من الصَّدقة والاستغفار، وأنَّ صدقتهن لا تحتاج إلى مُوافقة الزوج، ولا الأب، ولا غيرهما، إذا كنَّ راشدات يتصدّقن؛ ولهذا ما قال لهن: بإذن أوليائكنَّ، ولا بإذن أزواجكنَّ، بل قال: تصدّقن، وهكذا صدقاتهن بنفسه ﷺ بواسطة بلالٍ، ولم يقل لهن: استأذنَّ أزواجكن أو أولياؤكنّ، فدلَّ على أنَّها تتصدّق، وليست في حاجةٍ إلى أن تستأذن زوجها أو أباها إذا كانت رشيدةً من مالها.

وفي هذا أنَّ الصَّدقة من أسباب الوقاية من النار: اتَّقوا النَّار ولو بشقِّ تمرةٍ، وهكذا الاستغفار من أسباب الوقاية من النار؛ لأنَّ الاستغفار طلب المغفرة، وإذا كان مع النَّدم والتّوبة الصَّادقة فهو من أسباب محو الذّنوب وحطّ الخطايا.

وفي هذا أنَّ المرأة تسأل الرجلَ عمَّا يهمّها، تسأل عن دينها، تسأل العُلماء مباشرةً، أو بالكتابة، تسأل عن دينها، لا تغفل؛ ولهذا سألت هذه المرأةُ فأجابها عليه الصَّلاة والسَّلام.

وفي هذا أيضًا من الفوائد: أنه يجب على الرجل والمرأة الحذر من اللَّعن والشَّتم، وحفظ اللِّسان، وأنَّ كثرةَ اللعن والشَّتم والكلام السَّيئ من نقص الدِّين، ومن أسباب النَّار، فيجب حفظ اللِّسان عن الشَّتم والكلام البذيء من الرجل والمرأة جميعًا.

وفي هذا أيضًا أنَّ النساء يغلبن أصحابَ اللُّبِّ من الرجال؛ ولهذا قال: ما رأيتُ من ناقصات عقلٍ أغلب لذي لُبٍّ منكنَّ، وفي لفظٍ: إحداكنَّ، وفي اللَّفظ الآخر: للُبِّ الرجل الحازم من إحداكنَّ.

فهذا يُوجب الحذر، وأنَّ الإنسان يكون على بصيرةٍ، وعلى حذرٍ من مطالب زوجته أو قريباته؛ فإنهنَّ قد يُوقعنه فيما لا ينبغي، بل يتثبّت، ولا يجب إلا للشَّيء الذي تظهر مصلحته، فلا يغلبنَّه، وليحذر أن يقع في مصائبهنَّ وحبائلهنَّ بغير أن يشعر؛ لأنهنَّ بمعسول قولهنَّ وبأسباب ميل الرجل إليهنَّ قد يخضع لقولهنَّ، ويُجيبهنَّ إلى طلبتهنَّ من غير نظرٍ ولا تمحيصٍ ولا تدبرٍ.

س: قول المؤلف رحمه الله: وهذا إنما يكون في الأموال .....؟

ج: هذا الذي عند أهل العلم، أمَّا إذا كان مثل الزنا والقتل والأمور الأخرى؛ فلا بدَّ من الرجال، لا يقبل في الزنا إلا أربعة رجال، وهكذا اللّواط، وهكذا السَّرقة: رجلان في قطع السَّرقة، ولا في الطّلاق إلا رجلان، وهكذا –يعني- أمور الدّنيا التي ساقها الله، التي في آية المداينة وأشباهها.

س: كثير من دُعاة إفساد المرأة يُلبِّسون على الناس مثل هذا النَّص؟

ج: يُجاب مثلما أجاب النبيُّ ﷺ، سدّ أفواه الناس، ما هو بممكنٍ، مَن أراد الحقَّ يُبين له الحقّ، ومَن أراد خلافَ الحقِّ فلا يضرّ إلا نفسه، وإذا كان في مكانٍ فيه سلطان يُؤدّب بما يردعه إذا تعدَّى عليك.

س: ..............؟

ج: في أمور النِّساء خاصةً، في أمور النِّساء: في أمور الحيض، والنِّفاس، والرّضاع، تُقبل فيه المرأة الواحدة، كما قبل النبيُّ ﷺ قولَ المرأة في الرّضاع في حديث عقبة بن الحارث، في أمور النِّساء تُقبل الواحدة، جاء بها حديثُ عُقبة بن الحارث وما في معناه.

وَقَوْلُهُ: مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ [البقرة:282] فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فِي الشُّهُودِ، وَهَذَا مُقَيَّدٌ حَكَمَ بِهِ الشَّافِعِيُّ عَلَى كُلِّ مُطْلَقٍ فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْأَمْرِ بِالْإِشْهَادِ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطٍ.

الشيخ: وهذا ينتظم الشّهداء، والآية الأخرى آية الطّلاق: وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ [الطلاق:2] نصٌّ على العدالة، فالمطلق يُحمل على المقيد، فالمراد بالشّهود مَن نرضاه من الشّهود، وهم العدول، ما كل مَن شهد يُقبل، لا بدَّ أن يكون الشَّاهدُ عدلًا مرضيًّا، وإلا فلا تُقبل شهادته، وإذا جاءت النّصوصُ الأخرى مُطلقةً فإنها تُقيد بقوله تعالى: مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ، وبقوله في آية الطّلاق: وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ.

وَقَدِ اسْتَدَلَّ مَنْ رَدَّ الْمَسْتُورَ بِهَذِهِ الْآيَةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ عَدْلًا مَرْضِيًّا.

الشيخ: وهكذا الرّواة لا بدَّ أن يكونوا مرضيّين، عدولًا؛ لأنَّهم يشهدون على النبي ﷺ؛ لأنهم شهود على النبي ﷺ؛ لهذا ألَّف الأئمّةُ كتبًا كثيرةً في بيان صفات الرّواة، وأنَّ من صفاتهم العدالة، والمجهول لا تُقبل روايته، والمستور كذلك، لا بدَّ أن يكون عدلًا في الرِّواية؛ لأنَّه يشهد على النبي ﷺ؛ ولأنَّه تثبت فيه أحكام، فلا بدَّ أن تستند إلى عدلٍ.

س: ما المقصود بمستور الحال؟

ج: يعني: ما وثّق، يُروى عنه لكن ما وثّق.

س: طيب، الأصل في المسلمين؟

ج: الأصل في المسلمين العدالة، المستقيمين، الأصل في المستقيمين العدالة، المسلم المستقيم الذي يُصلي ويُحافظ على كل شيءٍ هذا أصلٌ في العدالة، لكن إذا كنت لا تعرف حاله: هو يُصلي، أو ما يُصلي؟ هو كذا أو كذا؟ ما تكفي مجرد شهادة أنَّه مسلم حتى تُعرف حاله.

س: .............؟

ج: الأصل فيهم الإسلام، إذا كان معروفًا بالإسلام، مُستقيمًا على أحكام الإسلام، أمَّا إذا كانت ما تُعرف ..... مستقيم، فهو مستورٌ عندك، ما تُعرف حاله.

س: يعني يُردّ حديث المجهول؟

ج: نعم يُردّ حديثه حتى يُعرف ويُوثّق، حتى تجد مَن عدَّله.

س: طيب، إذا ما وجدنا؟

ج: ما يُقبل، تكون روايتُه ضعيفةً.

س: ما يتتبّع حديثه؟

ج: إن وُجد له شاهد، وإلا ما يُقبل حتى يُوجد ما يدل على عدالته، أو تكون هناك طرقٌ أخرى تُرقّيه إلى درجة الحسن لغيره.

س: لو كانت أحاديث صحيحة؟

ج: يكون العُمدة على غيره، إن كان الحديثُ صحيحًا يكون العُمدة على غيره، ما هو على المجهول، العُمدة على غيره.

س: الشَّهادة كالرِّواية؟

ج: الشَّهادة أشدّ؛ لأنَّ فيها حقَّ الآدمي.

س: ...........؟

ج: قد يقوم مقامهنّ عند بعض أهل العلم في الأموال وأشباهها، قد يقال أنهنّ يقمن مقام الشَّاهدين إذا لم يتيسّر شاهدٌ، ينبغي ألا يُضاع الحقّ، وأن يقمن مقام الشَّاهدين، إذا شهدن بأنَّه باعه أو أقرضه يُقبلن إذا كنَّ ممن يُرضين.

س: جرى في عادة كتابة المداينة أن يكتب في آخر الكتابة: أذنت لمن يشهد، والله خير الشَّاهدين. قد لا يكون حاضر الكتابة شهودٌ، ويختم: أذنت لمن يشهد، والله خير الشَّاهدين. هل تُقبل هذه؟

ج: ما تنفع هذه حتى يشهد، أو ما تنفع هذه الكلمة حتى يُوجد مَن يشهد، هذه حبرٌ على ورقٍ.

وَقَوْلُهُ: أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا يَعْنِي: الْمَرْأَتَيْنِ، إِذَا نَسِيَتِ الشَّهَادَةَ فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى أَيْ: يَحْصُلُ لها ذكرٌ بما وقع به من الإشهاد، وبهذا قَرَأَ آخَرُونَ: فَتُذَكِّرَ بِالتَّشْدِيدِ مِنَ التّذكار.

الشيخ: من التّذكار، قاعدة: بالفتح تَذكار إلا كلمتين: تِلقاء وتِبيان بالكسر، أمَّا المصادر المبدوءة بالتَّاء بالفتح: تَذكار، وأشباهها إلا تِبيان وتِلقاء.

س: الكتابة لا بدَّ أن تُقرن بالشَّهادة؟

ج: لا بدَّ من شهادةٍ: إما في حال الكتابة أو بعدها، يحضرون بعد ذلك ويكتبون الشَّهادة، يُقرّون عنده ويكتبون.

س: .............؟

ج: يصير شاهدًا واحدًا، إذا شهد له الكاتبُ يصير شاهدًا واحدًا، ويحتاج إلى شاهدٍ ثانٍ.

س: .............؟

ج: بخطِّه هو؟ إذا عُرف خطّه يُقبل، إذا عُرف خطّه يُحتجّ عليه، إذا عرف القاضي خطَّه، أو عرف شاهدان عدلان خطّه يُحكم عليه.

وَمَنْ قَالَ: "إِنَّ شَهَادَتَهَا مَعَهَا تَجْعَلُهَا كَشَهَادَةِ ذَكَرٍ" فَقَدْ أَبْعَدَ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَوْلُهُ: وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا [البقرة:282] إِذا مَا دُعُوا قِيلَ: مَعْنَاهُ: إِذَا دُعُوا لِلتَّحَمُّلِ فَعَلَيْهِمُ الْإِجَابَةُ، وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ: وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ [البقرة:282]، وَمِنْ هَاهُنَا اسْتُفِيدَ أَنَّ تَحَمُّلَ الشَّهادة فرض كفايةٍ، قيل: هو مذهب الجمهور.

...........