ذِكْرُ أَخْبَارٍ رُوِيَتْ عَنِ السَّلَفِ فِي نُزُولِ الْمَائِدَةِ عَلَى الْحَوَارِيِّينَ
قَالَ أَبُو جَعْفَرِ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أنَّه كان يُحدِّث عن عيسى أَنَّهُ قَالَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: "هَلْ لَكُمْ أَنْ تَصُومُوا لِلَّهِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، ثُمَّ تَسْأَلُوهُ فَيُعْطِيكُمْ مَا سَأَلْتُمْ؛ فَإِنَّ أَجْرَ الْعَامِلِ عَلَى مَنْ عَمِلَ لَهُ"، فَفَعَلُوا، ثُمَّ قَالُوا: يَا مُعَلِّمَ الْخَيْرِ، قُلْتَ لَنَا: إِنَّ أَجْرَ الْعَامِلِ عَلَى مَنْ عَمِلَ لَهُ، وَأَمَرْتَنَا أَنْ نَصُومَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَفَعَلْنَا، وَلَمْ نَكُنْ نَعْمَلُ لِأَحَدٍ ثَلَاثِينَ يَوْمًا إِلَّا أَطْعَمَنَا حِينَ نَفْرُغُ طَعَامًا، فَهَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ؟ قَالَ عيسى: اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ [المائدة:112- 115]، قَالَ: فَأَقْبَلَتِ الْمَلَائِكَةُ تَطِيرُ بِمَائِدَةٍ مِنَ السَّمَاءِ، عَلَيْهَا سَبْعَةُ أَحْوَاتٍ، وَسَبْعَةُ أَرْغِفَةٍ، حَتَّى وَضَعَتْهَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، فَأَكَلَ مِنْهَا آخِرُ النَّاسِ كَمَا أَكَلَ مِنْهَا أَوَّلُهُمْ. كَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ.
وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِالْأَعْلَى، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُحَدِّثُ. فَذَكَرَ نَحْوَهُ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ أَيْضًا: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَبْدِالْحَكَمِ: حَدَّثَنَا أبو زُرعة وهبةُ اللَّهِ بْنُ رَاشِدٍ.
مُداخلة: قوله: "سعيد بن عبدالله بن عبدالحكم" مُصحَّف، وصوابه: سعد بن عبدالله بن عبدالحكم.
الشيخ: وأيش عندكم؟
الطالب: سعد بن عبدالله، وأبو زُرعة هو وهب الله بن راشد.
الطالب: في نسخة بدل: عبدالحكم، ابن الحكم.
الشيخ: ابن عبدالحكم ..... راجعته؟
الطالب: إيه نعم، هو شيخ ابن أبي حاتم.
الشيخ: طيّب، صلّحها: سعد بن عبدالله.
حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَبْدِالْحَكَمِ: حَدَّثَنَا أبو زُرعة وهبة اللَّهِ بْنُ رَاشِدٍ: حَدَّثَنَا عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ: أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ قَالُوا لَهُ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ. قال: فنزلت الملائكةُ بالمائدة يحملونها، عَلَيْهَا سَبْعَةُ أَحْوَاتٍ، وَسَبْعَةُ أَرْغِفَةٍ، حَتَّى وَضَعَتْهَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، فَأَكَلَ مِنْهَا آخِرُ النَّاسِ كَمَا أَكَلَ مِنْهَا أَوَّلُهُمْ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ قَزَعَةَ الباهلي: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ حَبِيبٍ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ خِلَاسٍ.
........
الطالب: ..... هذا حديثٌ غريبٌ، رواه أبو عاصم وغير واحدٍ عن سعيد ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن خلاسٍ، عن عمَّار بن ياسر موقوفًا. ولا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث الحسن بن قزعة: حدَّثنا حميد بن مسعدة: حدَّثنا سفيان بن حبيبٍ، عن سعيد ابن أبي عروبة نحوه، ولم يرفعه، وهذا أصحّ من حديث الحسن بن قزعة، ولا نعلم للحديث المرفوع أصلًا.
..........
الشيخ: وأيش قال عندك على الحسن بن قزعة؟
الطالب: الحسن بن قزعة الهاشمي مولاهم، البصري، صدوق، من العاشرة، مات سنة خمسين تقريبًا، أخرج له الترمذي والنَّسائي وابن ماجه.
الشيخ: وسفيان بن حبيب؟
الطالب: وسفيان بن حبيب البصري، البزّاز، أبو محمد. وقيل غير ذلك، ثقة، من التاسعة، مات سنة ثنتين، وقيل: ستّ وثمانين، وله ثمانٍ وخمسون سنةً، أخرج له البخاريُّ في "الأدب المفرد" والأربعة.
الشيخ: أعد السَّند.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ قَزَعَةَ الهاشمي: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ حَبِيبٍ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ خِلَاسٍ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: نَزَلَتِ الْمَائِدَةُ مِنَ السَّمَاءِ عَلَيْهَا خُبْزٌ وَلَحْمٌ، وَأُمِرُوا أَلَّا يَخُونُوا، وَلَا يَرْفَعُوا لِغَدٍ، فَخَانُوا وَادَّخَرُوا وَرَفَعُوا، فَمُسِخُوا قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ. وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ قَزَعَةَ.
ثُمَّ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ بَشَّارٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي عديٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عن خلاسٍ، عَنْ عَمَّارٍ قَالَ: نَزَلَتِ الْمَائِدَةُ وَعَلَيْهَا ثَمَرٌ من ثمار الجنّة، فأُمِرُوا ألَّا يخونوا، ولا يُخبّئوا، ولا يدَّخروا. قال: فخان القومُ وخبَّأوا وَادَّخَرُوا، فَمَسَخَهُمُ اللَّهُ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ.
الشيخ: وهذا معناه من أخبار بني إسرائيل، موقوف على عمَّار، وقتادة مُدلّس، قد يكون دلَّس في الأولى عن أحد الضُّعفاء فرفعه.
مُداخلة: قال هنا شيخُ ابن جرير: المثنى. وليس: ابن المثنى.
الشيخ: راجعت الأصل؟
الطالب: إيه نعم.
الشيخ: ..... وإلا المثنى؟
الطالب: المثنى، حدَّثنا المثنَّى: حدَّثنا عبدالأعلى، وهو الذي يروي عن .....
الشيخ: محمد بن المثنى ما يروي عن عبدالأعلى، أخشى أنَّ ابن كثيرٍ وجد نسخةً أخرى: محمد بن المثنى، شيخ ابن جرير.
الطالب: .........
الشيخ: محمد بن المثنى ما راجعتُ شيوخه، ما ورد من شيوخ عبدالأعلى؟
الطالب: راجعته .....
الشيخ: ما ذكره؟
الطالب: لا.
الشيخ: طيب.
الطالب: .........
الشيخ: نعم، وقال ابن جرير؟
الطالب: وقال ابنُ جرير: حدَّثنا ابن المثنى.
الشيخ: المثنى، يعني: المثنى بن سعيدٍ.
الطالب: .........
الشيخ: والمراد بهذا كنز الذَّهب والفضّة بدون إخراج الزكاة، أمَّا إذا أخرج الزكاةَ لا يضرّه كونها عنده في صندوقٍ، أو في أيّ مكانٍ؛ لأنَّ الله قال في كتابه العظيم: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [التوبة:34]، فإذا أنفقوا وأدّوا الحقوقَ لم يُعذَّبوا، فالمراد -يعني- هنا ما كنزه العبدُ ولم يُؤدِّ حقَّه، وبنو إسرائيل وقع فيهم عذابان: عذابٌ بالمسخ بالقردة، وعذابٌ بالمسخ بالخنازير، نعوذ بالله، أصحاب السَّبت الذين احتالوا على الصَّيد مُسخوا قردةً، وهؤلاء مُسخوا خنازير، نعوذ بالله، كفّار المائدة، نسأل الله العافية.
وكما في الآية الأخرى: قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ [المائدة:60].
وَقَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ: حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِاللَّهِ: أَنَّ الْمَائِدَةَ نَزَلَتْ عَلَى عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، عَلَيْهَا سَبْعَةُ أَرْغِفَةٍ، وَسَبْعَةُ أَحْوَاتٍ، يَأْكُلُونَ مِنْهَا مَا شَاءُوا. قَالَ: فَسَرَقَ بَعْضُهُمْ مِنْهَا وَقَالَ: لَعَلَّهَا لَا تَنْزِلُ غَدًا؛ فَرُفِعَتْ.
وَقَالَ الْعَوْفِيُّ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ عَلَى عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَالْحَوَارِيِّينَ خوَانٌ عَلَيْهِ خُبْزٌ وَسَمَكٌ، يَأْكُلُونَ مِنْهُ أَيْنَمَا نَزَلُوا إِذَا شَاءُوا.
وَقَالَ خُصَيْفٌ: عَنْ عِكْرِمَةَ ومِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانَتِ الْمَائِدَةُ سَمَكَةً وَأَرْغِفَةً.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ طَعَامٌ كَانَ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ حَيْثُ نَزَلُوا.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِالرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ: نَزَلَتِ الْمَائِدَةُ خُبْزًا وَسَمَكًا.
وَقَالَ عَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ: الْمَائِدَةُ سَمَكٌ فِيهِ طَعْمُ كُلِّ شَيْءٍ.
وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: أنزلها اللهُ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَكَانَ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ فِي تِلْكَ الْمَائِدَةِ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ، فَأَكَلُوا مَا شَاءُوا مِنْ ضُرُوبٍ شَتَّى، فَكَانَ يَقْعُدُ عَلَيْهَا أَرْبَعَةُ آلَافٍ، وإذا أكلوا أنزل اللَّهُ مَكَانَ ذَلِكَ لِمِثْلِهِمْ، فَلَبِثُوا عَلَى ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ .
وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: نَزَّلَ عَلَيْهِمْ قُرْصَةً مِنْ شَعِيرٍ وَأَحْوَاتٍ، وَحَشَا اللَّهُ بَيْنَ أَضْعَافِهِنَّ الْبَرَكَةَ، فَكَانَ قَوْمٌ يَأْكُلُونَ ثُمَّ يَخْرُجُونَ، ثُمَّ يَجِيءُ آخَرُونَ فَيَأْكُلُونَ ثُمَّ يَخْرُجُونَ، حَتَّى أَكَلَ جَمِيعُهُمْ وَأَفْضَلُوا.
وَقَالَ الْأَعْمَشُ: عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أُنْزِلَ عَلَيْهَا كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا اللَّحْمُ.
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ زَاذَانَ وَمَيْسَرَةَ وَجَرِيرٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ مَيْسَرَةَ قَالَ: كَانَتِ الْمَائِدَةُ إِذَا وُضِعَتْ لِبَنِي إسرائيل اختلفت عليهم الْأَيْدِي بِكُلِّ طَعَامٍ إِلَّا اللَّحْمَ. وَعَنْ عِكْرِمَةَ: كَانَ خُبْزُ الْمَائِدَةِ مِنَ الْأُرْزِ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
الشيخ: كلها أخبار إسرائيلية .....، ومثلما قال ﷺ: حدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، والله أعلم بحقيقة ذلك، لا يُجزم بحقيقتها إلا بنصٍّ عن الله وعن رسوله عليه الصلاة والسلام، أما أخبار بني إسرائيل فيها الزِّيادة، وفيها النَّقص.
والحاصل أنَّ المائدة عظيمةٌ من السَّماء، طعامٌ قد جعله اللهُ آيةً؛ حتى يُصدِّقوا عيسى وينقادوا للحقِّ، فمنهم مَن اهتدى، ومنهم مَن ضلَّ.
..............