تفسير قوله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ..} (1)

زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ۝ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران:14- 15].

يُخْبِرُ تَعَالَى عَمَّا زُيِّنَ لِلنَّاسِ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ أَنْوَاعِ الْمَلَاذِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينِ، فَبَدَأَ بِالنِّسَاءِ؛ لِأَنَّ الْفِتْنَةَ بِهِنَّ أشدّ، كما ثبت في الصَّحيح: أنه ﷺ قَالَ: مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ الْقَصْدُ بهنَّ الإعفاف وكثرة الأولاد، فهذا مطلوبٌ، مَرْغُوبٌ فِيهِ، مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ، كَمَا وَرَدَتِ الْأَحَادِيثُ بِالتَّرْغِيبِ فِي التَّزْوِيجِ وَالِاسْتِكْثَارِ مِنْهُ، وَأَنَّ خَيْرَ هذه الأمّة مَن كان أكثرها نساءً، وقوله ﷺ: الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِهَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ، إِنْ نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ، وَإِنْ أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ، وَإِنْ غَابَ عَنْهَا حَفِظَتْهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ، وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: حُبِّبَ إِلَيَّ النِّسَاءُ وَالطِّيبُ، وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ.

وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا الْخَيْلُ. وَفِي رِوَايَةٍ: مِنَ الْخَيْلِ إِلَّا النِّسَاءُ.

وَحُبُّ الْبَنِينَ تَارَةً يَكُونُ لِلتَّفَاخُرِ وَالزِّينَةِ، فَهُوَ دَاخِلٌ فِي هَذَا.

الشيخ: وفي هذا بيان أنَّ تزيين النِّساء للناس مثلما قال المؤلف أمران: أحدهما أنَّ تزيين النِّساء للناس تقع به فتنة وشرور كثيرة لمن لم يتقيّد بالشَّريعة، وتقع بذلك مصالح عظيمة لمن تقيّد بالشريعة والتزم بها، فلما في النساء من الأمرين العظيمين بُدِئ بهن قبل البنين وقبل الأموال؛ لأنهن مع عدم التَّقيد بالشرع أعظم فتنةً، ومع التَّقيد بالشرع فيهن المصالح العظيمة من العفّة، ووجود النَّسل، وتكثير الأمّة، والتَّعاون على الخير، ولا سيما إذا كانت المرأةُ صالحةً، كما قال ﷺ أنَّ خير متاعها الزوجة الصَّالحة: الدنيا متاع، وخير متاعها الزوجة الصَّالحة التي إن نظر إليها سرّته، وإن أمرها أطاعته، وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله.

وفي الحديث الصَّحيح يقول ﷺ: ما تركتُ بعدي فتنةً أضرّ على الرجال من النِّساء متَّفقٌ عليه من حديث أسامة بن زيد، وهو أيضًا في الصَّحيح من حديث سعيد بن زيد بن عمرو بن نُفيل، والأمر واضحٌ في تقديم النِّساء.

فجديرٌ بالمؤمن أن يكون حظّه منهن المرأة الصَّالحة، وأن يحرص عليها، كما في الحديث الصَّحيح: تُنكح المرأةُ لأربعٍ: لمالها، ولجمالها، ولحسبها، ولدينها، فاظفر بذات الدِّين تربت يداك، وليُكثِر من النِّساء إذا استطاع ذلك؛ لقوله جلَّ وعلا: فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ [النساء:3]، دلَّ على أنَّ الأصل هو التَّعدد، هو الأمر الأول؛ لما فيه من العفّة وكثرة النَّسل والإحسان إلى النِّساء: يعولهن، ويُنفق عليهن، ويصونهنَّ، فالأصل هو التَّعدد، ثم قال بعدها: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً [النساء:3]، هذا أمرٌ ثانٍ: عند الخوف تكون واحدة.

ولا يخفى ما في تعدد النِّساء من الفوائد للرجل من جهة العفّة، وغضّ البصر، والبُعد عن أسباب الشَّر، ومن جهة كثرة النَّسل، فهو من أسباب كثرة النَّسل؛ فإنَّ مَن له زوجتان أو ثلاث أو أربع في الأغلب يكون أكثر نسلًا ممن ليس كذلك، إذا يسَّر اللهُ أمره، وكتب له ولهنّ المزيد من النَّسل، وهذا مُشاهد، واقع.

ثم فيه مصالح أخرى من جهة إعفاف النِّساء، والتَّسبب في وجود الأولاد لهنّ، واستغنائهنَّ عن آبائهنَّ وأُمّهاتهنَّ، استغنائهنّ بأولادهن، فإنَّ عدم التَّعدد في بعض الأحيان، بل في جميع الأوقات عدم التَّعدد يُفضي إلى تعطيل جملة من النِّساء من دون أزواجٍ، فإذا جاء التَّعدد كان هذا من أسباب استيعاب النِّساء، وعدم تعطّلهن، وكثرة النَّسل، والإنفاق عليهن، وصيانتهن، والتَّخفيف عن آبائهن وأمّهاتهن، فالمصالح جمَّة، وإن كانت النِّساء لا يرضين بذلك، من طبيعة النِّساء عدم محبّة الضَّرائر إلا النّادر منهن، والقليل منهن، ولكن ما في ذلك من المصالح مُقدّم على رغبة المرأة، فالرجل ينظر في المصلحة إذا استطاع، ويحرص على العدل، وإذا كان يتَّقي الله فيهنَّ، ويحرص على العدل استقامت الأحوالُ في الأغلب، ولم يضرّه التَّعدد، لكن يضرّه التَّعدد إذا كان لا يعدل، أو عجز عن القيام بحاجاتهنَّ، فإذا كان عاجزًا فالله يقول: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً [النساء:3]، لا بدَّ أن يُراعي قُدرته على العدل، وعلى الحاجات التي لهنَّ من النَّفقة.

وكثيرٌ من الناس اليوم لا ينتبه لهذا، ويرى أنَّ الأصل هو الوحدة وعدم التَّعدد، وهذا غلطٌ، خلاف النَّص، وخلاف المصلحة -مصلحة الأمّة- ولو كان الأفضلُ واحدةً لكان أولى الناس بهذا النبي ﷺ اختار واحدةً، وهو سيد المتقين، وإمام المتقين، وسيد الورعين، ومع هذا عنده تسعٌ، مات عن تسعٍ وجاريتين.

وكان سليمان وداود لهما جمٌّ غفيرٌ من النِّساء، كان في شريعة التّوراة إباحة الجمّ الغفير أكثر من الأربع، جاء في قصة سليمان، في ترجمة سليمان، في أحاديث سليمان: أنه كان له تسعون امرأةً، وفي بعضها سبعون امرأةً، وجاء في ترجمة داود عليه الصّلاة والسلام أنه كان عنده مئة امرأة، فهذا يدل على أنَّ التوراة وسعت في تعدد النِّساء، مع أنَّ التوراة شديدة، فيها آصار وأغلال على بني إسرائيل، ومع هذا وسّع لهم في تعدد النِّساء؛ لما في التَّعدد من المصالح للأمّة، وتكثير النَّسل، وتسهيل العفّة، والعناية بالنِّساء، والقيام عليهنَّ، والإنفاق عليهنَّ، إلى غير هذا من المصالح لمن تأمّلها، والله المستعان.

س: الذي يقول أنَّ الزوج المثالي هو الذي يتزوج بواحدةٍ؟

ج: لا، غلط، هذا غلط، هذا غلط، ينبغي أن يتوب إلى الله من هذا الشَّيء.

س: يقول: خيرُ هذه الأمّة أكثرها نساءً، ثبت مرفوعًا عن النبي ﷺ؟

ج: ما أتذكر، أقول: ما أتذكر، مشهور، ولكن ما أتذكر، ابحثه جزاك الله خيرًا واقرأه علينا، اجمع أسانيده.

س: القُدرة التي يجب أن تكون في الرجل الذي يُريد التَّعدد هي القُدرة الجنسية أو الماليّة؟

ج: الأمران: الجنسية والمالية جميعًا.

س: متى يكون التَّعدد واجبًا؟

ج: الذي يظهر عليه أنه يجب عليه، إذا كانت لم تعفّه الواحدة، وهو يقدر، يجب عليه، وإذا لم تعفّه الثِّنتان وجبت الثالثة إذا قدر بالمال، وإذا لم تعفّه الثلاث وجبت الرابعة إذا قدر؛ لأنَّ بعض الناس عنده من الشّهوة ما لا تتحمّلها المرأة الواحدة.

س: .............؟

ج: لا، ما له أن يجبرها، الحاجة لها، لا يجبرها على الزوج، حتى ولو ما معه نساء لا يجبرها، لا على مَن معه زوجة، ولا على مَن ليس معه زوجة، النبي ﷺ نهى عن هذا وقال: لا تُنكح البكر حتى تُستأذن، ولا تُنكح الأيّم حتى تُستأمر، قالوا: يا رسول الله، البكر إنها تستحي، قال: إذنها سكوتها.

ومن المصائب التي ينبغي التَّنبيه عليها: عزوف كثيرٍ من الشَّباب عن الزواج: تارةً يعتذر بالدِّراسة، وتارةً بأعذارٍ أخرى تافهة، منهم مَن يريد أن يبني له فلّة أو كذا، أو يشتري أو كذا، أعذار لا وجهَ لها، الواجب البدار بالزواج، والحرص عليه إذا تيسر، ولو كنت دارسًا، ولو كان ما عندك فلّة، ولو كان ما عندك تستأجر، النبي عليه الصلاة والسلام قال: يا معشر الشَّباب، مَن استطاع منكم الباءة فليتزوّج، استطاع الباءة، ما هو بشرط الاستطاعة أن يكون عنده ملك بيتٍ، أو شرط أنه ما يدرس، لا، ولو كان يدرس، يتزوج ولو كان يدرس، ولو كان ما عنده بيت يستأجر، أمَّا الاعتذار بعللٍ باطلةٍ أو تافهة فلا ينبغي لطالب العلم، ولا ينبغي للرجل المؤمن.

وهكذا عزوف بعض النِّساء عن الزَّواج: إمَّا من أجل الوظائف، أو من أجل الدِّراسة، هذا غلطٌ وخطرٌ كبيرٌ، فالواجب الحرص على الزواج، والأخذ بالعموم: يا معشر الشباب، والحديث الآخر: تزوَّجوا الودود الولود.

س: كثيرٌ من النساء تكره مسألة التَّعدد؟

ج: ولو، الواجب تبصيرهن، وتعليمهن، وحثّهن على الصَّبر والتَّحمل، كما يجب تعليم الرجال، وحثّهم على الصبر، وعلى العدل بين النساء، والصبر على الأذى، فالرسول ﷺ هو خير الخلق، حصل عليه من النِّساء ما حصل، لا بدَّ من صبرٍ.

س: إذا أراد التَّعدد، ولكن رفض أحدُ والديه ذلك؟

ج: يحاول معه بالشَّيء الطّيب، يحاول معه بالأساليب الحسنة حتى يسمح، والذي يظهر لي أنَّه إذا كان محتاجًا ما تلزمه الطاعة: إنما الطاعة في المعروف، إذا كان على خطرٍ جاز له التَّعدد ولو لم يرضَ الوالدان، إذا كان على خطرٍ، لكن ينبغي له أن يحرص على الأساليب الطّيبة، وتوسيط مَن يُصلح بينه وبين والديه؛ حتى يكون ذلك عن رضا، هذا خير وأنفع.

س: بعض البنات يشترطن عند عقد النِّكاح ألا يتزوّج غيرهنّ؟

ج: لها شرطها، إذا شرطت لها شرطها، وبعد ذلك إذا تزوج ربما أصلح اللهُ الحالَ بينهما وسمحت بعد ذلك.

س: قوله في الحديث: تزوَّجوا الودود الولود كيف للمرء أن يعرف ذلك؟

ج: قد تكون لها أولاد، وقد تكون من أسرة يلدن، معروفات بالولادة، الولود تُعرف بكثرة أولادها وهي مُطلّقة، وتُعرف بأسرتها؛ لأنَّ بعض الأُسَر معروفات بالولادة، وبعض الأُسَر معروفات بقلّة الولادة وبالعقم.

س: إعراض بعض الناس عن المطلّقات والأرامل؟

ج: هذا ما يضرّ، هذا إليه، ينظر مصلحته، كلٌّ ينظر مصلحته، فبعض الناس ما يريد المطلّقة، يريد البكر، كلٌّ ينظر إلى مصلحته.

س: .............؟

ج: لأنَّ هذا هو المستطاع الآن، ولم يستطع بعد، فمن أجل تزويج الأولى لعله يتيسّر، ولعله يُطلق أيضًا.

وَتَارَةً يَكُونُ لِتَكْثِيرِ النَّسْلِ، وَتَكْثِيرِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ مِمَّنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، فَهَذَا مَحْمُودٌ، مَمْدُوحٌ، كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ: تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ؛ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

وَحُبُّ الْمَالِ كَذَلِكَ: تَارَةً يَكُونُ لِلْفَخْرِ وَالْخُيَلَاءِ، وَالتَّكَبُّرِ عَلَى الضُّعَفَاءِ، وَالتَّجَبُّرِ عَلَى الْفُقَرَاءِ، فَهَذَا مَذْمُومٌ. وَتَارَةً يَكُونُ لِلنَّفَقَةِ فِي الْقُرُبَاتِ، وَصِلَةِ الْأَرْحَامِ وَالْقَرَابَاتِ، ووجوه البرّ والطَّاعات، فهذا ممدوحٌ، محمودٌ شَرْعًا.

الشيخ: والأمر مثلما قال المؤلفُ: حب المال يختلف، فإذا أحبَّ المال ليُنفق منه في وجوه البرّ، وليُواسي الفقير والمسكين، وليتزوّج ويفعل ما شرع الله، هذا مطلوبٌ، وإذا أحبَّه للفخر والخُيلاء والسَّفه والفساد فمذمومٌ لغايته؛ للغاية المقصودة، لكن طبيعةَ الإنسان أنَّ المال مُحبَّبٌ إليه، من طبيعة الإنسان التي جبله اللهُ عليها: حبّ النساء، والبنين، والأموال، والخيل المسومة، والأنعام، والحرث، كل هذا من طبيعته، من طبيعة ابن آدم التي جبله الله عليها.

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مِقْدَارِ الْقِنْطَارِ عَلَى أَقْوَالٍ، وَحَاصِلُهَا أَنَّهُ الْمَالُ الْجَزِيلُ، كَمَا قَالَهُ الضَّحَّاكُ وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ: أَلْفُ دِينَارٍ. وَقِيلَ: أَلْفٌ وَمِئَتَا دِينَارٍ. وَقِيلَ: اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا. وَقِيلَ: أَرْبَعُونَ أَلْفًا. وَقِيلَ: سِتُّونَ أَلْفًا. وَقِيلَ: سَبْعُونَ أَلْفًا. وَقِيلَ: ثَمَانُونَ أَلْفًا. وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ.

وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُالصَّمَدِ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: الْقِنْطَارُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ أُوقِيَّةٍ، كُلُّ أُوقِيَّةٍ خَيْرٌ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ.

وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَن أَبِي بَكْرِ ابْنِ أبي شيبة، عن عَبْدِالصَّمَدِ بْنِ عَبْدِالْوَارِثِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، بِهِ.

وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ بُنْدَارٍ، عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زيدٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ ذكوان أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا، وَهَذَا أَصَحُّ.

الشيخ: يعني الموقوف، وهو غريب ..... المتن فيه غرابة، المقصود تعريف القنطار، كونه أفضل من كذا وكذا محلّ نظرٍ.

س: وجهة الخيريّة؟

ج: أقول: فيه نظر، هذا نكارة في المتن؛ لأنَّ المقصود تعريف القنطار: أربعون، اثنا عشر ألف أوقية، والأوقية معروفة: أربعون درهمًا، سواء طيبة، أو غير طيبة، سواء خير من الدنيا، أو ما هي خيرًا من الدنيا، هذا القنطار، وأمَّا ذكر أنَّه خيرٌ من الدنيا فهذا من أخبار بني إسرائيل التي فيها العجائب والغرائب والنَّكارة.

س: .............؟

ج: يكون ما هو بواضحٍ، يعني: قد يكون دلَّسه عاصم، عاصم يُرمى بالتَّدليس أيضًا، قد يكون دلَّسه عن مجهولٍ أو ضعيفٍ، انظر الكلام في "التقريب" عن عاصم بن بهدلة أبي النّجود، هو أحد القُرَّاء السَّبعة.

..............

وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ بُنْدَارٍ، عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زيد.

الشيخ: حطّه: ابن زيد، الذي عنده "ابن سلمة" يحطّه: ابن زيد.

عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ أبي صالحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا، كرواية وكيعٍ.

الشيخ: والمقصود أنَّ القنطار هو المال الكثير، أمَّا تحديده بكذا وكذا، فهو محلّ نظرٍ، ليس عليه دليلٌ واضحٌ التَّحديد، فالقنطار والقناطير: الأموال الكثيرة: وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا يعني: مالًا كثيرًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا [النساء:20].

مداخلة: عاصم بن بهدلة، وهو ابن أبي النّجود -بنون وجيم- الأسدي مولاهم، الكوفي، أبو بكر المقرئ، صدوق له أوهام، حُجَّة في القراءة، وحديثه في "الصحيحين" مقرون، من السادسة، مات سنة ثمانٍ وعشرين. (ع).

الشيخ: روى عن الجماعة، مقرون، روى في "الصَّحيحين"، مقرون أي: مقرون بغيره من الثِّقات، وله أوهام، يغلب على ظني أنه رُمي بالتَّدليس أيضًا، يُراجع "التهذيب"، الحاصل أنَّه قد يكون هذا من أوهامه ..... إلى النبي ﷺ، كما قال المؤلفُ، وهو أصحّ.

وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَابْنِ عُمَرَ، وَحَكَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُمْ قَالُوا: الْقِنْطَارُ أَلْفٌ وَمِئَتَا أُوقِيَّةٍ.

الشيخ: ألف ومئتا أوقية، والحديث الذي تقدّم: اثنا عشر ألف أوقيّة، فرقٌ بينهما: اثنا عشر ألف أوقية، غير ألف ومئتا أوقية، فرقٌ بعيدٌ.

ثُمَّ قَالَ ابنُ جريرٍ رحمه الله: حدَّثنا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الضَّرِيرُ: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ: حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ عَبْدِالْوَاحِدِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَطَاءِ ابْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: الْقِنْطَارُ أَلْفُ أُوقِيَّةٍ وَمِئَتَا أُوقِيَّةٍ، وَهَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ أَيْضًا، وَالْأَقْرَبُ أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ كَغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ.

وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عن موسى.

الشيخ: كذا عندكم؟

الطالب: في نسخة .....، وقد روى ابن مردويه من طريق موسى بن عبيدة الرّبذي، عن محمد بن إبراهيم، عن يحنش أبي موسى.

ذكر حاشية ..... يحنس بالسين.

الشيخ: حطّ: في نسخة يحنس.

عن أمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ قَرَأَ مِئَةَ آيَةٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ، وَمَنْ قَرَأَ مِئَةَ آيَةٍ إِلَى أَلْفٍ أَصْبَحَ لَهُ قِنْطَارٌ مِنْ أَجْرٍ عِنْدَ اللَّهِ، الْقِنْطَارُ مِنْهُ مثل الجبل الْعَظِيمِ، وَرَوَاهُ وَكِيعٌ عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ بِمَعْنَاهُ.

الشيخ: الظَّاهر أنَّ هذا من الأحاديث الموضوعة.

وَقَالَ الْحَاكِمُ فِي "مُسْتَدْرَكِهِ": حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عيسى بن زيد اللّخمي: حدَّثنا محمد بن عَمْرو ابْن أَبِي سَلَمَةَ.

الطالب: عندنا في نسخة ..... قال: حدَّثنا أحمد بن عيسى بن زيد اللّخمي بتنيس: حدَّثنا عمرو ابن أبي سلمة.

مداخلة: في حاشية -أحسن الله إليك- قال في المخطوطة: محمد بن عمرو ابن أبي سلمة. وهو خطأ، والحديث في "المستدرك"، وذكر الجزء والصَّفحة، قال: وعمرو ابن أبي سلمة هو الهاشمي مولاهم، أبو حفص، الدّمشقي، نزيل تنيس.

الشيخ: حدَّثنا؟ وقال الحاكم؟

وَقَالَ الْحَاكِمُ فِي "مُسْتَدْرَكِهِ": حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عيسى بن زيد اللّخمي: حدَّثنا محمد بن عَمْرو ابْن أَبِي سَلَمَةَ.

الشيخ: كذا عندكم: محمد بن عمرو؟ وأنت ما عندك: محمد؟

الطالب: في نسخة الشّعب: عمرو ابن أبي سلمة، بدون محمد، قال في المخطوطة: محمد، قال: ولكنه خطأ.

الشيخ: يُراجع "مستدرك الحاكم"، حطّ عليه إشارة.

حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ وَرَجُلٌ آخَرُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تعالى: وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ، قَالَ: الْقِنْطَارُ أَلْفَا أُوقِيَّةٍ. صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. هَكَذَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ.

وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِلَفْظٍ آخر فقال: أنبأنا أحمد بن عبدالرحمن الرّقي: أنبأنا عمرو ابن أبي سلمة: أنبأنا زهير -يعني ابن محمد- أنبأنا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ وَرَجُلٌ آخَرُ قَدْ سَمَّاهُ -يَعْنِي يَزِيدَ الرَّقَاشِيَّ- عَنْ أَنَسٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي قَوْلِهِ: قِنْطَارٌ يَعْنِي: أَلْفَ دينارٍ. وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ والطّبراني عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ ابْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ عَمْرِو ابْنِ أَبِي سَلَمَةَ. فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ سَوَاءً.

وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الحسن البصري، عنه مُرسلًا وموقوفًا عليه: "القنطار ألف ومئتا دينارٍ"، وهو رواية الْعَوْفِيّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.

وَقَالَ الضَّحَّاكُ: مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ: الْقِنْطَارُ أَلْفٌ ومئتا دِينَارٍ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا.

مداخلة: قال الضَّحاك: من العرب مَن يقول: القنطار ألف دينار، بدون ألف ومئتي.

الشيخ: الأمر سهلٌ ما دام أنَّه المال الكثير، قد يكون بعضُهم أراد أن يقول هذا القنطار للألف، والآخر يقول ..... قنطار، والآخر يقول: الخمسين قنطار، والآخر يقول: العشرة قنطار، ما دام المال الكثير لا بدَّ أن تختلف عادات الناس فيه، هذا يرى هذا كثيرًا، وهذا يرى هذا كثيرًا يُسمّيه: قنطارًا.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي: حَدَّثَنَا عَارِمٌ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِي، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: الْقِنْطَارُ مِلْءُ مَسْكِ الثَّوْرِ ذَهَبًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْحَرَشيُّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ مَرْفُوعًا، وَالْمَوْقُوفُ أَصَحُّ.

الطالب: إسناد ابن أبي حاتم الأول ذكر .....؟

الشيخ: إيه، هذا يراجع الأصل: الحاكم، يراجع "مُستدرك الحاكم".

الطالب: في الحاكم ذكر محمد بن عمرو ابن أبي سلمة؟

الشيخ: عندك الحاكم؟

الطالب: لا، لا، في التَّفسير.

الشيخ: يُراجع أصله، "المستدرك" يعني.

الطالب: والذي بعده ذكر عمرو ابن أبي سلمة.

الشيخ: يُراجع الأصل، نعم.

الطالب: .............؟

الشيخ: ..... الربّ جلَّ وعلا، لكن حذف الفاعل للعلم به.

الطالب: الغرابة في الحديث .....؟

الشيخ: سياق مثل هذا يقول: بآلاف، كل ألفٍ بكذا، ما يقال: كل ألفٍ هو ألف واحدٌ.

الطالب: .............؟

الشيخ: كأنَّه مُصحّف، المعروف في الرِّواية: "مَن قرأ مئة آيةٍ لم يكن من الغافلين، ومَن قرأ ..... كُتب من المقنطرين"، لكن يُراجع إن كان فيه شيء من تحريفٍ.