تفسير قوله تعالى: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} (2)

وَقَالَ عَبْدُالرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قال: قَالَ اللَّهُ: إِذَا تَحَدَّثَ عَبْدِي بِأَنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً فَأَنَا أَكْتُبُهَا لَهُ حَسَنَةً مَا لَمْ يَعْمَلْ، فَإِذَا عَمِلَهَا فَأَنَا أَكْتُبُهَا بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَإِذَا تَحَدَّثَ بِأَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً فَأَنَا أَغْفِرُهَا لَهُ مَا لَمْ يَعْمَلْهَا، فَإِنْ عَمِلَهَا فَأَنَا أَكْتُبُهَا لَهُ بِمِثْلِهَا.

الشيخ: ومعنى "تحدّث" يعني في نفسه، من تحدّث ..... بشيءٍ، يعني: في نفسه، يعني: هواجس، وهمَّ أن يعمل سيئةً، ثم ترك لا تُكتب عليه، هذا من فضل الله جلَّ وعلا، فإن تركها من أجل الله -خوفًا من الله- كتبها الله له حسنةً، فإن عملها كتبها سيئةً واحدةً.

وإذا تحدَّث في نفسه أن يعمل حسنةً فلم يعمل؛ كتبها الله له حسنةً بمجرد الهمِّ والحديث كما في الحديث، يعني: همَّ أنه يعود مريضًا؛ كتب الله له الأجر حسنةً، همَّ أنه يُسبِّح أو يحمد أو يذكر الله ولم يفعل؛ كتب اللهُ له حسنةً، همَّ أنَّه يتصدَّق؛ كتب اللهُ له، فإن فعل كتب اللهُ له أجرَ ذلك ، وهذا من فضله جلَّ وعلا، وتقدّم أنَّ الهمَّ بالسَّيئة على ثلاثة أقسام كما دلَّت عليه الأحاديث:

القسم الأول: أن يهمّ بها ويتحدّث بها، ولكن لا يعمل، تشاغل عنها، شُغل عنها؛ هذا لا تُكتب عليه، لا له، ولا عليه.

الثاني: أن يهمّ بها ثم يتركها من أجل الله؛ خوفًا من الله، تُكتب له حسنةً.

الحال الثالثة: أن يهمّ بها ويعمل، يجتهد في أن يعمل، ولكن يعجز عن ذلك؛ فهذا مُؤاخذ بذلك للحديث: إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، قيل: يا رسول الله، هذا القاتل، فما شأن المقتول؟ قال: لأنَّه كان حريصًا على قتل صاحبه؛ لأنه عمل لكن عجز، وهكذا لو حاول قطع الطريق، وتعرّض للناس وقاتلهم، لكن ما تمكّن من أخذ أموالهم، فعليه عقوبة ذلك؛ لأنه فعل ما استطاع، وهكذا لو جمح في البيت وأراد أخذ السَّرقة، ولكن عجز عن ذلك؛ يُؤاخذ بذلك؛ لأنَّه عمل، ليس مجرد همٍّ.

س: الهمّ بالسَّيئة في مكّة؟

ج: هذا مُستثنى كما تقدم، الهمّ بالسَّيئة في الحرم يُؤاخذ به؛ لقوله تعالى: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الحج:25]، هذا من خصائص الحرم المكي، وهكذا المدني؛ لأنَّ الرسول قال: إني حرَّمتُ المدينةَ كما حرَّم إبراهيمُ مكّة متَّفقٌ على صحّته، فإذا همَّ بالسَّيئة في الحرمين أُخِذَ بذلك وعمَّه الوعيد: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ، الإلحاد: الميل عن الحقِّ والظلم، خلاف الحقّ، خلاف العدل، فإذا همَّ بذلك في الحرمين فقد توعد بالعذاب الأليم، نعوذ بالله.

س: الحسنة تُضاعف في مكّة بمئة ألفٍ؟

ج: تُضاعف مُضاعفةً كثيرةً الله أعلم بها، إلا الصَّلاة تُضاعف مئة ألف، الصَّلاة خاصّة تُضاعف مئة ألف، أما غيرها فلم يرد فيه تحديدٌ، تُضاعف والله أعلم، جاء في الصّوم حديثٌ ضعيفٌ: رمضان يُضاعف مئة ألف رمضان، لكنه ضعيفٌ، إنما الثَّابت في الصَّلاة خاصةً في المسجد الحرام بمئة ألفٍ، وفي مسجد المدينة -مسجد النبي ﷺ- خيرٌ من ألف صلاةٍ فيما سواه.

س: .............؟

ج: تضاعف من جهة الصِّفة والكيفية، السَّيئة بواحدةٍ بكل حالٍ، لكن تُضاعف من جهة العظم والكيفية، فسيئة في الطَّائف ما هي مثل سيئة في الحرم، سيئة الحرم أعظم، وإن كانت واحدةً، وسيئة في المدينة أعظم من سيئة في ينبع، أو في رابغ، وما أشبه ذلك، وسيئة في رمضان أعظم من سيئة في شعبان، وفي شوال، لكن من جهة الكيفية، من جهة العظم وشدّة الإثم، لكن من جهة العدد.

س: الحرم المدني -يعني- بالقياس على الحرم المكّي؟

ج: لا، بالنَّص.

س: الآية وردت في الحرم المكّي: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ؟

ج: يعني الرسول قال: إني حرمتُ المدينة كما حرَّم إبراهيمُ مكَّة يعني: هو تحريمه ما هو من كيسه، عن وحيٍ من الله.

س: هل يُقال: المسجد النَّبوي أفضل أم الحرم النَّبوي؟

ج: مكّة أفضل، ثم المدينة، ثم المسجد الأقصى، هذا ترتيبها: المسجد الحرام، ثم المسجد النبوي، ثم المسجد الأقصى.

س: أقصد في التَّسمية: المسجد النبوي، أو الحرم النَّبوي؟

ج: لا، المسجد النبوي، المضاعفة في المسجد النَّبوي، في المسجد.

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: قالت الملائكةُ: ربِّ، وذاك أنَّ عَبْدَكَ يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً -وَهُوَ أَبْصَرُ بِهِ- فَقَالَ: ارْقُبُوهُ، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِمِثْلِهَا، وَإِنْ تَرَكَهَا.

الشيخ: التَّحريم يعمّ المدينة كلها: ما بين لابتيها، لكن من جهة فضل المسجد يكون خاصًّا بالمسجد، فهمنا؟ الفضل يتعلق بالمسجد، وأما المضاعفة والتَّحريم من جهة المسجد الحرام؛ هذا عامٌّ للحرم كلّه، لكن المضاعفة الله أعلم بها في الحرم، وهكذا السَّيئات في الحرم، لكن من جهة الصلاة المقصود في مسجد النبي ﷺ خيرٌ من ألف صلاةٍ فيما سواه؛ لأنَّه قال: صلاةٌ في مسجدي هذا، ما قال: في حرمي. فدلّ على أنَّ الذي يُضاعف في الصّلاة إنما هي في المسجد.

س: تسميته بالحرم؟ هل الأفضل أن نُسمّيه الحرم أو المسجد؟

ج: المسجد له اسم، والحرم له اسم، سبحان الله! حرم المدينة والمسجد له اسم، مسجد النبي محل الصلاة، والحرم ما بين لابتيها، ما بين عير إلى ثور، هذا له شأن، وهذا له شأن، بخلاف المسجد الحرام فإنَّه يعمّ الحرمَ كلّه، كله مسجد حرام، كل الحرم في مكّة يُسمَّى: المسجد الحرام، كله، مكة تُسمّى: المسجد الحرام: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ [الحج:25]، يعني: في الحرم كلّه.

س: إذا صلَّى واحدٌ في أي مسجدٍ من مساجد مكّة؟

ج: يعمّه الفضل، لكن ما حول الكعبة يكون أفضل ومحل الإجماع، أمَّا ما خرج عن المسجد الذي حول مكّة فيه خلاف، لكن الصَّحيح أنه يعمّه الفضل والمضاعفة، جميع مساجد مكة؛ لأنها كلها تُسمّى: المسجد الحرام.

س: ما ورد النَّص عن مسجد الكعبة؟

ج: ما أخبر بشيءٍ.

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: قالت الملائكةُ: ربِّ، وذاك أنَّ عَبْدَكَ يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً -وَهُوَ أَبْصَرُ بِهِ- فَقَالَ: ارْقُبُوهُ، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِمِثْلِهَا، وَإِنْ تَرَكَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً، وَإِنَّمَا تَرَكَهَا مِنْ جَرَّائي.

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِذَا أَحْسَنَ أَحَدٌ إِسْلَامَهُ، فإنَّ له بكل حسنةٍ يعملها تُكتب له بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِئَةِ ضِعْفٍ، وَكُلُّ سَيِّئَةٍ تُكْتَبُ بِمِثْلِهَا حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ  تَفَرَّدَ بِهِ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِع،ٍ عَنْ عَبْدِالرَّزَّاقِ بِهَذَا السِّيَاقِ وَاللَّفْظِ، وَبَعْضُهُ فِي "صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ".

وَقَالَ مُسْلِمٌ أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ: حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، عَنْ هشام، عن ابن سيرين، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً، وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَعَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا إِلَى سَبْعِمِئَةِ ضِعْفٍ، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكتَب له، وَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ تَفَرَّدَ بِهِ مُسْلِمٌ دُونَ غيره من أصحاب الكُتب.

س: ..............؟

ج: الاستقامة على الدِّين.

س: النّووي ........؟

ج: هذاك المنافق، وليس ..... المقصود حُسن إسلامه، يعني: استقام، يعني: لا، لا، هذاك ما هو بإسلام، إسلام المنافقين ليس بإسلامٍ.

س: ..............؟

ج: ما هو بالظَّاهر، ما هو بالظَّاهر، يُفسّر هذا قوله في الحديث الآخر: مَن أسلم فحسن إسلامه مُحيت سيئاته كلها، ومَن لم يتب مما كان عليه في الجاهلية أُخِذَ بالأول والآخر، فهذه فيمَن أسلم ولكن بقيت بعض أعماله في الجاهلية: من خمرٍ أو غيره؛ أُخِذَ بالأول والآخر؛ لأنَّه ما أحسن إسلامه.

وقال مسلم أيضًا: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُالْوَارِثِ، عَنِ الْجَعْدِ أَبِي عُثْمَانَ: حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ تَعَالَى قَالَ: إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ، فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِمِئَةِ ضِعْفٍ، إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ، وَإِنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ عنده حسنةً، وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ عِنْدَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً.

ثُمَّ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنِ الْجَعْدِ أَبِي عُثْمَانَ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ بِمَعْنَى حديث عبدالرّزاق.

مداخلة: عندنا "عبدالوارث" في الأصل، وفي الحاشية: في المخطوطة "عبدالرزاق"، وينظر المرجع السابق .....

الشيخ: عندكم عبدالرزاق.

الطالب: في مسلم: عبدالوارث.

الشيخ: كلاهما إمام.

مداخلة: أحال على الطريق التي قبلها، والتي قبلها عبدالوارث، وهكذا هو في "صحيح مسلم" بين أيدينا.

الشيخ: يُصحح: عبدالوارث، نعم.

بِمَعْنَى حديث عبدالوارث، زاد: وَمَحَاهَا اللَّهُ، وَلَا يَهْلَكُ عَلَى اللَّهِ إِلَّا هَالِكٌ.

وَفِي حَدِيثِ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَسَأَلُوهُ فقالوا: إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ، قَالَ: وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: ذَاكَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ لَفْظُ مُسْلِمٍ.

الشيخ: تقدّم معنى "صريح الإيمان"، يعني: استنكار ذلك واستعظامه، فهذا يدل على قوة الإيمان وصراحة الإيمان حتى استنكر هذه الوساوس الخبيثة، وفي الرِّواية الأخرى: لأن يخرّ أحدُنا من السَّماء أهون عليه من أن ينطق به. وذلك كالشَّك في الله، وفي الآخرة، والجنة، والنار، وأشباه ذلك مما يُلقيه الشَّيطان على قلب الإنسان، فإذا وجد ذلك فليقل: آمنتُ بالله ورسله، أعوذ بالله من الشَّيطان الرَّجيم.

مداخلة: قوله ذاك صريح الإيمان المحشِّي وضع حاشيةً قال: الذي في "صحيح مسلم": ذاك محض الإيمان؟

الشيخ: المحض والصَّريح واحد.

وَهُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِهِ.

وَرَوَى مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ مُغِيرَةَ، عَنْ إبراهيم، عن علقمة، عن عَبْدِاللَّهِ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنِ الْوَسْوَسَةِ، قَالَ: تِلْكَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ.

الشيخ: كذا عندكم: تلك؟

الطالب: مُصحّفة، صوابها: تلك محض الإيمان. وفي هذا الموضع: تلك محض الإيمان.

الشيخ: وروى أيش؟

الطالب: وَرَوَى مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ مُغِيرَةَ، عَنْ إبراهيم، عن علقمة، عن عَبْدِاللَّهِ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنِ الْوَسْوَسَةِ، قَالَ: تِلْكَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ.

الشيخ: حطّ نسخة: محض الإيمان.

الطالب: هي في مسلم؟

الشيخ: ما في بأس، قد تكون من النّسخ التي عنده، قد تكون نسخةً عند ابن كثير، المعنى واحد.

الطالب: حديث أبي هريرة: "صريح"، وحديث أبي مسعودٍ: "محض الإيمان".

الشيخ: حطّ نسخة: محض.

س: ............؟

ج: الحسنات كثيرة: الصلاة حسنة في طيِّها حسنات كثيرة، والحجّ في طيِّه حسنات كثيرة، والصوم كذلك، والزكاة كذلك، جنس العبادات كلها حسنات، لكن بعض العبادات فردة، مثل: "سبحان الله" حسنة، ويُعطى عشر أمثالها، أمَّا الصَّلاة فتشتمل على حسنات كثيرة: ركوع، وسجود، وقراءة، وتسبيح، ودعاء، في ضمنها حسنات كثيرة جدًّا.

س: القتل في سبيل الله هل يُعتبر من الحسنات؟

ج: نعم من الحسنات العظمى، وقد يُضاعفها الله إلى أضعافٍ لا يُحصيها إلا هو ، وبها الجنة -دخول الجنة- والنَّجاة من النَّار.

وَقَالَ عَلِيُّ ابْنُ أَبِي طَلْحَةَ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ [البقرة:284]، فَإِنَّهَا لَمْ تُنْسَخْ، وَلَكِنَّ اللَّهَ إِذَا جَمَعَ الْخَلَائِقَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ: إِنِّي أُخْبِرُكُمْ بِمَا أَخْفَيْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ مِمَّا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ مَلَائِكَتِي، فَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ فَيُخْبِرُهُمْ وَيَغْفِرُ لَهُمْ مَا حَدَّثُوا بِهِ أَنْفُسَهُمْ، وَهُوَ قَوْلُهُ: يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ، يَقُولُ: يُخْبِرُكُمْ. وَأَمَّا أَهْلُ الشَّكِّ وَالرَّيْبِ فَيُخْبِرُهُمْ بِمَا أَخْفَوْا مِنَ التَّكْذِيبِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ [البقرة:284]، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ [البقرة:225] أَيْ: مِنَ الشَّكِّ وَالنِّفَاقِ.

الشيخ: "علي ابن أبي طلحة، عن ابن عباسٍ" سند ضعيف؛ لأنَّ علي ابن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباسٍ، فهو مُنقطع، والصواب الأول، وأنَّ المراد إيضاح معنى المحاسبة، وليس بنسخ المعنى الذي عند الفقهاء المتأخّرين، ولكنه إيضاحٌ يُسميه بعض السَّلف: نسخًا، يعني: إيضاح أنَّ المحاسبة على ما يستقرّ في القلوب، أمَّا ما يخطر في النُّفوس ويتحدث به الإنسانُ ولا يقع ولا يستقرّ؛ هذا ليس بمحل المحاسبة، فقوله: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286] كل هذه إيضاح أنَّ المحاسبةَ فيما أسرّوا على ما يستقرّ في القلوب من نفاقٍ وكبرٍ ورياءٍ ونحو ذلك، أمَّا ما تحدث به الإنسانُ في نفسه من الهمِّ الذي لا يستقرّ، فهذا الله جلَّ وعلا بيَّن لنا أنَّه لا يُؤاخذ؛ لأنَّ هذا شيء لا يُطيقه الإنسان، والله لا يُكلِّف نفسًا إلا وسعها .

س: حديث النَّفس لا يعلم به الملك؟

ج: الظَّاهر أنَّه يعلم به؛ لأنَّ الله جعل للملك اتِّصالًا بالقلب، لكنه لا يُؤاخذ به الإنسان إذا لم يفعل.

س: ............؟

ج: العمل المشتمل على حسنات تكفيه النية العامّة، إذا نوى الصّلاة عمَّها كلها، وإذا نوى الصّوم: صوم رمضان، أو صوم اليوم؛ عمّ جميع أجزاء اليوم، لكن ما يحدث فيه من الحسنات يحتاج إلى نيةٍ أخرى.

س: مثل صرفه على أهله؟

ج: إذا احتسبه لله وأداء الواجب تُكتب له صدقة.

وَقَدْ رَوَى الْعَوْفِيُّ وَالضَّحَّاكُ عَنْهُ قَرِيبًا مِنْ هَذَا.

الشيخ: والضَّحاك مُنقطع، والعوفي ضعيف أيضًا.

وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وَالضَّحَّاكِ نَحْوَهُ، وَعَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: هِيَ مُحْكَمَةٌ لَمْ تُنْسَخْ. وَاخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ ذَلِكَ، وَاحْتَجَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنَ الْمُحَاسَبَةِ الْمُعَاقَبَةُ، وَأَنَّهُ تَعَالَى قَدْ يُحَاسِبُ وَيَغْفِرُ، وَقَدْ يُحَاسِبُ وَيُعَاقِبُ؛ بِالْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ عِنْدَ هَذِهِ الْآيَةِ قَائِلًا: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ وَهِشَامٍ، (ح) وَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ.

مداخلة: قال في المخطوطة: عن سعيد بن هشام. والتَّصحيح من تفسير الطبري، المجلد السادس (119).

الشيخ: أيش بعد سعيد وهشام.

الطالب: (ح) وَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ: حدَّثنا ابنُ هِشَامٍ، قَالَا جَمِيعًا فِي حَدِيثِهِمَا: عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ.

الشيخ: أيش عندك؟ عندك شيء يا شيخ محمد؟

الطالب: نعم، هو عند ابن جرير، عن سعيد وهشام، وسعيد هو ابن أبي عروبة.

الشيخ: طيب، وهشام الدّستوائي، طيب، ماشٍ، هذا الصّواب، ابن هشام ذاك شخصٌ آخر يروي عن عائشة، غير هذا، سعيد ابن أبي عروبة، وهشام الدّستوائي، ابن أبي عبدالله الدّستوائي عن قتادة، نعم، طيب، حدَّثنا أيش؟ أعد.

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ وَهِشَامٍ، (ح) وَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قال: حدَّثنا هشام.

الشيخ: يعني: ابن أبي عبدالله الدّستوائي.

قَالَا جَمِيعًا فِي حَدِيثِهِمَا: عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ نَطُوفُ بِالْبَيْتِ مَعَ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَهُوَ يَطُوفُ، إِذْ عَرَضَ لَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا ابْنَ عُمَرَ، مَا سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ فِي النَّجْوَى؟ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: يَدْنُو الْمُؤْمِنُ مِنْ رَبِّهِ حَتَّى يَضَعَ عَلَيْهِ كَنَفَهُ، فَيُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ، فيقول له: هل تعرف كذا؟ فيقول: ربِّ، أعرف –مَرَّتَيْنِ- حَتَّى إِذَا بَلَغَ بِهِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَبْلُغَ.

مُداخلة: أحسن الله إليك، وضع حاشيةً على "ربِّ، أعرف"، قال في الطَّبري: "ربِّ، اغفر".

الشيخ: هل تعرف؟

الطالب: هل تعرف كذا؟ فيقول: ربِّ، أعرف. مرتين.

الشيخ: هذا جواب مُناسب للسّؤال.

مداخلة: الأصل في الطَّبري: ربِّ، اغفر. مرتين.

الشيخ: كأنَّه –يعني- وُفِّق لهذا الكلام، بدل ما يقول: أعترف، ربِّ اغفر لي. يعني: في ضمنه الاعتراف، مثلما في الطَّبري، الأصل: ربِّ، اغفر.

فيقول: ربِّ، اغفر –مَرَّتَيْنِ- حَتَّى إِذَا بَلَغَ بِهِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَبْلُغَ قَالَ: فَإِنِّي قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وإني أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ، قَالَ: فَيُعْطَى صَحِيفَةَ حَسَنَاتِهِ -أَوْ كِتَابَهُ- بِيَمِينِهِ، وَأَمَّا الْكُفَّارُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيُنَادَى بِهِمْ عَلَى رُؤُوسِ الْأَشْهَادِ: هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [هود:18].

وَهَذَا الْحَدِيثُ مُخَرَّجٌ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" وَغَيْرِهِمَا مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ عَنْ قَتَادَةَ، بِهِ.

الشيخ: لا منافاةَ، المحاسبة حاصلة، ولكن للمُنافقين والكافرين محاسبة، أمَّا المؤمن وما يقع له من الخطرات فإنَّه لا يُحاسَب، لا يُكلِّف الله نفسًا إلا وسعها كما تقدم في الحديث، فلا منافاةَ، المحاسبة واقعة، لكن الصَّحابة خافوا من الشَّيء الذي لا يستطيعونه من الخطرات والهمِّ الذي يقع للإنسان، فالله جلَّ وعلا رفعه عنهم، وعفا عنه كما تقدّم.

س: ما المقصود بالكنف؟

ج: الله أعلم.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عن أبيه.

مداخلة: عن عليّ بن زيدٍ، عن أُمية قال: سألتُ عائشة.

الشيخ: أيش عندك يا شيخ محمد؟

الطالب: هو ذكره عن ابن أبي حاتم، ولكنه عند الترمذي، وعنده طرق سيذكرها بعد ذلك، وقفتُ عليها عن أمية، وعند الطّيالسي وغيره اختلافٌ فيها: هل هي أمية أو أمينة؟ وهي امرأة زيد بن جدعان، امرأة أبي علي ابن زيد، زوجة أبيه.

الشيخ: طيب.

الطالب: بعد سطر ذكر أمينة أم أمية، بعد سطر يأتي.

الشيخ: عن أمية، وأيش بعدها؟

قالت: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ [البقرة:284]، قالت: مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ مُنْذُ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عنها. فقالت: هَذِهِ مُبَايَعَةُ اللَّهِ الْعَبْدَ وَمَا يُصِيبُهُ مِنَ الْحُمَّى وَالنَّكْبَةِ، وَالْبِضَاعَةُ يَضَعُهَا فِي يَدِ كُمِّهِ فيفقدها؛ فيفزع لها، ثم يجدها في ضبنته، حَتَّى إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيَخْرُجُ مِنْ ذُنُوبِهِ كَمَا يخرج التِّبر الأحمر.

وَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِهِ.

قُلْتُ: وَشَيْخُهُ علي بْنِ جُدْعَانَ ضَعِيفٌ يُغْرِبُ فِي رِوَايَاتِهِ، وَهُوَ يَرْوِي هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ امْرَأَةِ أَبِيهِ أُمِّ مُحَمَّدٍ أُمَيَّةَ بِنْتِ عَبْدِاللَّهِ، عَنْ عَائِشَةَ، وليس لها عنها في الكتب سواه.

الشيخ: هذا أوضح أنها أمية، ولعلّ السَّاقط "زوجة": عن عليِّ بن زيدٍ، عن زوجة أبيه. سقطت "زوجة"، فقال الراوي غلطًا: عن أبيه. لعل السَّاقط: عن زوجة أبيه أمية. المقصود أنها أُمية.

س: ما بين الكشح والإبط، وأيش الكشح؟

ج: راجع كتب اللغة.

مُداخلة: قول ابن كثير رحمه الله: ليس لها في الكتب عن عائشةَ غيره. لها ثلاثة أحاديث عن عائشة.