تفسير قوله تعالى: {..لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا..}

وَقَالَ أَبُو عَبْدِالرَّحْمَنِ النَّسَائِيُّ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ: أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ -وَهُوَ ابْنُ أَبِي نَمِرٍ- عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، به، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي تَرُدُّهُ التَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ، وَاللُّقْمَةُ واللُّقمتان، إنما المسكينُ المتعفّف، اقرؤوا إن شئتُم: لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا [البقرة:273].

وَرَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عن محمد ابن أبي زياد.

الشيخ: لا، ما في أبي، محمد بن زياد ..... "أبو" غلط.

عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ نَحْوَهُ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِالْأَعْلَى: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قال: لَيْسَ الْمِسْكِينُ بِالطَّوَّافِ عَلَيْكُمْ فَتُطْعِمُونَهُ لُقْمَةً، لُقْمَةً، إِنَّمَا الْمِسْكِينُ الْمُتَعَفِّفُ الَّذِي لَا يَسْأَلُ النَّاسَ إِلْحَافًا.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي مُعْتَمِرٌ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَالك.

مُداخلة: وقال ابنُ جرير: حدَّثني مُعتمر، عن الحسن بن ماتك، في نسخة الشُّعَب.

الشيخ: حطّ عليه إشارة، يُراجع "التقريب" موجود؟ قد يكون ..... حدَّثنا أيش؟

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي مُعْتَمِرٌ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَالك.

الشيخ: حطّ على مالك إشارة.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي مُعْتَمِرٌ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَالك، عَنْ صَالِحِ بْنِ سُوَيْدٍ، عن أبي هريرة قال: ليس المسكينُ بالطّوّاف الَّذِي تَرُدُّهُ الْأُكْلَةُ وَالْأُكْلَتَانِ، وَلَكِنَّ الْمِسْكِينَ الْمُتَعَفِّفُ فِي بَيْتِهِ، لَا يَسْأَلُ النَّاسُ شَيْئًا، تُصِيبُهُ الحاجةُ، اقرؤوا إن شئتم: لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا.

الشيخ: تقدّم في الماضي أنَّ هذا من باب ..... الأولوية، يعني: ليس هو الأولى بهذا الاسم، وإلا فهو مسكين، يُعطى من الزكاة وإن كان يطوف، لكن أولى منه بهذا الاسم وأحقّ منه بهذا الاسم المتعفف، هو أولى بهذا الاسم وأحقّ، هو أحقّ بأن يُعطى ويتصدّق عليه كما تقدم في قوله ﷺ: ليس الشَّديد بالصّرعة، وإنما الشّديد الذي يملك نفسَه عند الغضب، والشديد الذي يصرع الناس يُسمّى: صرعة. ولكن أولى الناس بهذا الاسم وأحقّهم بهذا الاسم الذي يملك نفسَه عند الغضب ويقهرها حتى لا يقع منه ما لا ينبغي عند الغضب.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ الْحَنَفِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُالْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ مُزَيْنَةَ: أَنَّهُ قَالَتْ لَهُ أُمُّهُ: أَلَا تَنْطَلِقَ فَتَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَمَا يَسْأَلُهُ النَّاسُ؟ فَانْطَلَقْتُ أَسْأَلُهُ، فَوَجَدْتُهُ قَائِمًا يَخْطُبُ، وَهُوَ يَقُولُ: وَمَنِ اسْتَعَفَّ أَعَفَّهُ اللَّهُ، وَمَنِ اسْتَغْنَى أَغْنَاهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْأَلِ النَّاسَ وَلَهُ عَدْلُ خَمْسِ أَوَاقٍ فَقَدْ سَأَلَ النَّاسَ إِلْحَافًا، فَقُلْتُ بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِي: لَنَاقَةٌ لِي خَيْرٌ مِنْ خَمْسِ أَوَاقٍ، وَلغُلَامه نَاقَةٌ أُخْرَى، فَهِيَ خَيْرٌ مِنْ خَمْسِ أَوَاقٍ، فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَسْأَلْ.

الشيخ: الله المستعان، هذا على حسب أحوال الناس، الخمس أواقٍ ذاك الوقت كانت عظيمةً، وهي مئتا درهم، نصاب الفضّة، فلها شأنٌ ذاك الوقت ..... زمان في بعض البلاد ما تكون شيئًا ..... يومه وليلته: إما لغلاء، وإما لكثرة .....، أو نحو ذلك، والحكم يدور على وجود ما يسدّ الحاجة .....

...........

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ ابْنُ أَبِي الرِّجَالِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ ابْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَرَّحَتْنِي أُمِّي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَسْأَلُهُ، فَأَتَيْتُهُ، فَقَعَدْتُ، قَالَ: فَاسْتَقْبَلَنِي فَقَالَ: مَنِ اسْتَغْنَى أَغْنَاهُ اللَّهُ، وَمَنِ اسْتَعَفَّ أَعَفَّهُ اللَّهُ، وَمَنِ اسْتَكَفَّ كَفَاهُ اللَّهُ، وَمَنْ سَأَلَ وَلَهُ قِيمَةُ أُوقِيَّةٍ فَقَدْ أَلْحَفَ، قَالَ: فَقُلْتُ: نَاقَتِي الْيَاقُوتَةُ خَيْرٌ من أوقيةٍ، فرجعتُ، فلم أسأله.

وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، عَنْ قُتَيْبَةَ. زَادَ أَبُو دَاوُدَ: وَهِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ ابْنِ أَبِي الرِّجَالِ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ.

الشيخ: وفي حديث حكيم بن حزام في "الصَّحيحين": اليد العُليا خيرٌ من اليد السُّفلى، وابدأ بمَن تعول، وخير الصَّدقة ما كان عن ظهر غنًى، ومَن يستعفف يعفّه الله، ومَن يستغنِ يغنه الله.

وهذا يدل على أنه ينبغي للمؤمن مهما أمكن أن يستعفّ عن السؤال مهما قدر؛ لأنَّه ذلٌّ، مهما قدر فهو أولى به، إلا عند الضَّرورة، وقد بيَّن هذا النبيُّ ﷺ في ثلاث مسائل، قال: المسألة لا تحلّ إلا لأحد ثلاثةٍ: رجل تحمّل حمالةً، فحلّت له المسألةُ حتى يُصيبها ثم يُمسِك. ورجل أصابته جائحةٌ اجتاحت ماله، فحلّت له المسألة حتى يُصيب قوامًا من عيشٍ. ورجل أصابته فاقةٌ، حتى يقوم ثلاثةٌ من ذوي الحجا من قومه: لقد أصابت فلانًا فاقةٌ فحلَّت له المسألة حتى يُصيب قوامًا من عيشٍ رواه مسلمٌ.

فإذا حصل له ما يسدّ حاجته حرمت عليه المسألة، ثم ينظر ما المدّة التي ..... في هذا، فظاهر كلام ..... أنّه يوم وليلة، كما في بعض الأحاديث: يوم وليلة: مَن أصبح مُعافًى في بدنه، آمنًا في سربه، عنده قوت يومه وليلته؛ فكأنما حِيزت له الدّنيا بحذافيرها .....

............

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي: حَدَّثَنَا أبو الجماهر: حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ ابْنُ أَبِي الرِّجَالِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ ابْنِ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَن سأل وله قيمة أوقية فهو مُلْحِف. والأوقية أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا.

وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ومَن سأل وله أُوقِيَّةٌ أَوْ عَدْلُهَا فَقَدْ سَأَلَ إِلْحَافًا.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ سَأَلَ وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ جَاءَتْ مَسْأَلَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُدُوشًا أَوْ كُدُوحًا فِي وَجْهِهِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا غِنَاهُ؟ قَالَ: خَمْسُونَ دِرْهَمًا، أَوْ حِسَابُهَا مِنَ الذَّهَبِ.

وَقَدْ رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ حَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ الْأَسَدِيِّ الْكُوفِيِّ، وَقَدْ تَرَكَهُ شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ، وَضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ مِنْ جَرَّاءِ هَذَا الْحَدِيثِ.

وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ: حَدَّثَنَا أبو حصين عَبْدُاللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ: حَدَّثَنِي أَبِي: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ ابْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: بَلَغَ الْحَارِثَ -رَجُلًا كَانَ بِالشَّامِ مِنْ قُرَيْشٍ- أَنَّ أَبَا ذَرٍّ كَانَ بِهِ عَوَزٌ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ ثَلَاثَمِئَةِ دِينَارٍ، فَقَالَ: مَا وَجَدَ عبدُالله رجلًا أَهْوَن عَلَيْهِ مِنِّي؟! سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: مَنْ سَأَلَ وَلَهُ أَرْبَعُونَ فَقَدْ أَلْحَفَ، وَلِآلِ أَبِي ذَرٍّ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، وَأَرْبَعُونَ شَاةً، وَمَاهِنَانِ. قَالَ أَبُو بَكْرِ ابْنُ عَيَّاشٍ: يَعْنِي خَادِمَيْنِ.

............

وَقَالَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: أَنْبَأَنَا عَبْدُالْجَبَّارِ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ سَابُورَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قال: مَن سَأَلَ وَلَهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا فَهُوَ مُلْحِفٌ، وَهُوَ مثل سفّ الملّة يعني: الرمل.

............

ورواه النَّسائي عن أحمد بن سليمان، عن أحمد بْنِ آدَمَ، عَنْ سُفْيَانَ -وَهُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ- بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ.

قَوْلُهُ: وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ [البقرة:273] أَيْ: لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهُ، وَسَيَجْزِي عَلَيْهِ أَوْفَرَ الْجَزَاءِ وأتمّه يوم القيامة، أحوج ما يكون إِلَيْهِ.

وَقَوْلُهُ: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:274]، هَذَا مَدْحٌ مِنْهُ تَعَالَى لِلْمُنْفِقِينَ فِي سَبِيلِهِ وَابْتِغَاءِ مَرْضَاتِهِ في جميع الأوقات من ليلٍ ونهارٍ، والأحوال من سرٍّ وجهرٍ، حَتَّى إِنَّ النَّفَقَةَ عَلَى الْأَهْلِ تَدْخُلُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا، كَمَا ثَبَتَ فِي "الصَّحِيحَيْنِ": أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قال لِسَعْدِ ابْنِ أَبِي وَقَّاصٍ حِينَ عَادَهُ مَرِيضًا عَامَ الْفَتْحِ -وَفِي رِوَايَةٍ: عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ- وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِيَ بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا ازْدَدْتَ بِهَا دَرَجَةً وَرِفْعَةً، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِيِّ امْرَأَتِكَ.