تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ..} (2)

حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ زَيْدٍ الْعَمِّيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ أَرَادَ أَنْ تُسْتَجَابَ دَعْوَتُهُ، وَأَنْ تُكْشَفَ كُرْبَتُهُ، فَلْيُفَرِّجْ عَنْ مُعْسِرٍ. انْفَرَدَ بِهِ أَحْمَدُ.

الشيخ: وهذا شواهده كثيرة من كتاب الله جلَّ وعلا، التَّفريج عن المعسرين والتَّيسير عليهم من أسباب تيسير حاجات العبد، وقضاء حاجته، وإزالة شدّته، وتفريج كُربته، الجزاء من جنس العمل: هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ [الرحمن:60]، فمَن فرَّج فُرِّج له، ومَن يسَّر يُسِّر عليه، ومَن أَحْسَن أُحْسِنَ إليه، فإنظار المعسرين والتَّفريج عنهم من أسباب التَّفريج عن الآخرين الذين فعلوا هذا المعروف والتيسير عليهم: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ۝ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2- 3]، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق:4].

أيش عندك عن يوسف بن صهيب؟

الطالب: يوسف بن صهيب الكندي الكوفي، ثقة، من السادسة، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي. وفيه زيد العمّي.

الشيخ: زيد العمّي ضعيف، نعم.

 

حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ.

الشيخ: والأحاديث الصَّحيحة في هذا كافية، تقدمت جملة منها: مَن سرَّه أن يُنفّس اللهُ عنه كربةً من كُرَب يوم القيامة فليُنَفِّس عن مُعْسِرٍ أو يضع عنه، مَن أنظر مُعسرًا أو وضع عنه أظلّه الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظلّه، التَّفريج عن المعسرين والوضع عنهم فيه الأحاديث الصَّحيحة الدالة على فضله، وأنه من أسباب تفريج الكُرَب يوم القيامة، وهي أعظم الكُرب وأشدّها، مع أنَّه من أسباب التَّفريج عنه في الدنيا، والتيسير له في الدّنيا.

حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مَالِكٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ: أَنَّ رَجُلًا أَتَى بِهِ اللَّهُ ، فَقَالَ: مَاذَا عَمِلْتَ فِي الدُّنْيَا؟ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: ما عملتُ مثقالَ ذرَّةٍ من خيرٍ. فقال ثلاثًا، وقال في الثَّالثة: إن كُنْتَ أَعْطَيْتَنِي فَضْلًا مِنَ الْمَالِ فِي الدُّنْيَا، فكنتُ أُبايع الناس، فكنتُ أُيَسِّر عَلَى الْمُوسِرِ، وَأُنْظِرُ الْمُعْسِرَ. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: نَحْنُ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْكَ، تَجَاوَزُوا عَنْ عَبْدِي. فَغَفَرَ لَهُ.

قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ: هَكَذَا سَمِعْتُ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ.

وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مَالِكٍ سَعْدِ بْنِ طَارِقٍ بِهِ.

س: أحسن الله إليك، أتى اللهُ أو أُتِيَ الله؟

ج: يصلح هذا وهذا: جاء به الله، وأُتي اللهُ به.

س: الحديث هذا صحيحٌ؟

ج: نعم.

حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ.

الشيخ: وهذا فيه حثّ الباعة على التَّجاوز والتَّيسير وعدم التَّشديد، ينبغي لصاحب البيع والشِّراء أن يكون سمحًا في بيعه، سمحًا في شرائه، سمحًا في مُعاملاته، إذا رأى الفقير أو المعسر يسَّر عليه، وإذا ادَّعى صاحبُه أنه لا يستطيع أداءه الآن فرَّج له حيث أمكن، ولو بالوثيقة، ولو بالرهن، ولو بالضّمين، يحرص على التَّيسير مهما أمكن؛ لأنَّه قد يأتي إنسانٌ ذو حاجةٍ شديدةٍ وهو لا يدري عنه، لا يعرفه، فإذا تسامح ويسَّر فله في هذا الخير العظيم، ولو قُدِّر أنَّ الذي قال ذلك كاذب، هو على نيّته، وعلى قصده للإحسان والجود، ولو كذب عليه كاذبٌ فهو على نيّةٍ صالحةٍ، وعلى عملٍ صالحٍ، قد يكذب هذا، ويصدق الآخر، فإذا يسَّر عليه وسامحه بشيءٍ ينفعه عند الله ولا يضرّه، أو بواسطة وثيقةٍ من رهنٍ، أو ضمين؛ حتى يُفرج عنه، يكون ما عنده ثمن يطلب التَّأجيل.

عَنِ الْأَعْمَشِ، عن أبي داود، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ فَأَخَّرَهُ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ، غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ بُرَيْدَةَ نَحْوُهُ.

الشيخ: وهو صحيحٌ كما تقدم، وهذا له بمثله صدقة قبل أن يحلّ، فإذا حلَّ له كان له بمثليه صدقة كما تقدّم في حديث بُريدة، أمَّا هذا فيُنظر فيه: إن كان أبو داود هذا هو الأعمى فهو ليس بشيءٍ، أيش عندك على أبي داود هذا؟ هو الأعمى؟

الطالب: نعم، أبو داود هو الأعمى، واسمه: نفيع بن الحارث، وهو الذي يروي عن عمران بن حصين، وعنه الأعمش.

الشيخ: ليس بشيءٍ، لكن حديث بُريدة كافٍ، وما جاء في معناه، يعني: أنواع في إنظار المعسرين، أنواع من الأجر: أوَّلًا له بمثله صدقة كل يوم، وبعد الحلِّ إنظاره له مثلاه، ومع ذلك هو من أسباب تفريج كُربته يوم القيامة، ومن أسباب أن يُظلّه الله في ظلِّه يومَ لا ظلَّ إلا ظلّه، ومن أسباب التَّفريج في الدنيا، والتيسير عليه في الدنيا، ففيه مصالح كثيرة.

س: .............؟

ج: هذا محمولٌ على أنه غير التوحيد والإيمان، معه أصل الإيمان والتوحيد، إن صحَّت الزيادة، نعم، ما في الحديث الصَّحيح: لا يدخل الجنةَ مَن كان في قلبه مثقالُ حبَّة خردلٍ من كبرٍ، لا يدخل النارَ مَن كان في قلبه مثقال حبَّة خردلٍ من إيمانٍ، كلها يُفسّر بعضُها بعضًا.

القاعدة: أنَّ الآيات تُفسّر بعضُها بعضًا، والأحاديث يُفسّر بعضُها بعضًا، فأحاديث الرَّجاء وتعليق الأجر العظيم والمغفرة على بعض الأعمال تُفسَّر بالأحاديث الأخرى والآيات الأخرى الدَّالة على أنَّه لا بد من الاستقامة، ولا بدَّ من ترك المعاصي، وما جاء من الأحاديث التي فيها الوعد بالجنّة على بعض الأعمال، يعني: مع مراعاة الأمور الأخرى، مع سلامته من المعاصي، والإصرار عليها، ومع سلامته من الشِّرك، لا بدَّ أن يفسر الأحاديث بعضُها بعضًا، الأحاديث المحكمات تفسّر المشتبهات، كما أنَّ الآيات المحكمات تفسّر بها المشتبهات، فالمشتبه من الأحاديث يفسّر بالمحكم، والمشتبه من الآيات يفسّر بالمحكم، وبذلك يُؤخذ كتابُ الله جميعًا، وسنةُ نبيه جميعًا، ولا يُضرب بعضُه ببعضٍ.

س: حديث عمران غريبٌ من هذا الوجه؟

ج: لأجل أبي داود الأعمى، هذا رجل متروكٌ.

س: صحيح؟

ج: ليس بصحيحٍ.

حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ أَبِي الْيَسَرِ كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو.

الشيخ: المؤلف رحمه الله ينبغي أن يُعلم -الحافظ ابن كثير رحمه الله- وإن كان إمامًا حافظًا في الحديث ومعرفة الخلاف، لكنه قد يتساهل في بعض الأسانيد: يذكرها ولا يُنبّه على ضعفها؛ لأنَّ الكتابَ طويلٌ؛ ولأنَّه يرغب في عدم التَّطويل أيضًا، فقد يتساهل في عدم التَّنبيه على بعض الأحاديث الضَّعيفة؛ اعتمادًا على غيرها من الصَّحيح، وأنها شواهد لا يضرّ ضعفها؛ لأنها شواهد، بخلاف ما إذا كانت عمدةً في الباب، فإنه يُنبّه عليها رحمه الله، لكن إذا كانت شواهد، وفي الباب غيرها أصحّ منها؛ تساهل في ذكرها، من باب شواهد الأحاديث الصَّحيحة والمتابعة لها.

حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ عَبْدِالْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ قال: حدَّثنا أَبُو الْيَسَرِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ عَنْهُ، أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ.

وَقَدْ أخرجه مسلمٌ في "صحيحه" من وجهٍ آخر من حديث عُبادة بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي نَطْلُبُ الْعِلْمَ فِي هَذَا الْحَيِّ مِنَ الْأَنْصَارِ قَبْلَ أَنْ يَهْلَكُوا، فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ لَقِيَنَا أَبَا الْيَسَرِ -صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ- وَمَعَهُ غُلَامٌ لَهُ، مَعَهُ ضِمَامَةٌ مِنْ صُحُفٍ، وَعَلَى أَبِي الْيَسَرِ بُرْدَةٌ وَمَعَافِرِيٌّ، وَعَلَى غُلَامِهِ بُرْدَةٌ وَمَعَافِرِيٌّ، فَقَالَ لَهُ أَبِي: يَا عَمِّ، إِنِّي أَرَى فِي وَجْهِكَ سَفْعَةً مِنْ غَضَبٍ، قَالَ: أَجَلْ، كَانَ لِي عَلَى فُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ الرَّامِيِّ.

مداخلة: في نسخة الشُّعَب يقول: كان لي على فلان ابن فلان الحرامي.

الشيخ: لعله: الحرامي، من بني حرام، الأنصار يُقال فيهم: حرام، وقريش يُقال فيهم: حزام، ومنهم الصَّحابي الكريم: عبدالله بن حرام. أيش عندك؟

الطالب: يقول في أسفل الحاشية: وفي المخطوطة: الرّامي. وفي مسلم بشرح النَّووي: الهرامي. بالهاء، وفي التَّعليق قال القاضي: رواه الأكثرون: الحرامي -بفتح الحاء والرّاء- نسبةً إلى بني حرام. ورواه الطَّبري وغيره بالزاي المعجمة، مع كسر الحاء، ورواه ابنُ ماهان: الجذامي -بجيم مضمومة .....

الشيخ: لا حول ولا قوة إلا بالله، كل هذا الاختلاف؟! أيش عندك يا محمد؟

الطالب: نفس كلام النّووي.

الشيخ: الأقرب فيه أنَّه الحرامي، من بني حرام، من الأنصار. الحرامي أحسن، هو أقرب.

كان لي على فلان ابن فلان الحرامي مَالٌ، فَأَتَيْتُ أَهْلَهُ، فَسَلَّمْتُ فَقُلْتُ: أَثَمَّ هُوَ؟ قَالُوا: لَا، فَخَرَجَ عَلَيَّ ابْنٌ لَهُ جَفْرٌ، فَقُلْتُ: أَيْنَ أَبُوكَ؟ فَقَالَ: سَمِعَ صَوْتَكَ فَدَخَلَ أَرِيكَةَ أُمِّي، فَقُلْتُ: اخْرُجْ إِلَيَّ فَقَدْ عَلِمْتُ أَيْنَ أَنْتَ. فَخَرَجَ، فَقُلْتُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنِ اخْتَبَأْتَ مِنِّي؟ قَالَ: أَنَا وَاللَّهِ أُحَدِّثُكَ ثُمَّ لَا أَكْذِبُكَ، خَشِيْتُ وَاللَّهِ أَنْ أُحَدِّثَكَ فأكذبك، أو أَعِدَكَ فَأُخْلِفَكَ، وَكُنْتَ صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَكُنْتُ وَاللَّهِ مُعْسِرًا. قَالَ: قُلْتُ: آللَّهِ؟ قَالَ: قُلْتُ: آللَّهِ؟ قَالَ: اللَّه. قلت: الله. ثم قَالَ: فَأَتَى بِصَحِيفَتِهِ فَمَحَاهَا بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ وَجَدْتَ قَضَاءً فَاقْضِنِي، وَإِلَّا فَأَنْتَ فِي حلٍّ، فأشهد بصر عينيّ هاتين -وَوَضَعَ أُصْبُعَيْهِ عَلَى عَيْنَيْهِ- وَسَمِعَ أُذُنَيَّ هَاتَيْنِ، وَوَعَاهُ قَلْبِي -وَأَشَارَ إِلَى مَنَاطِ قَلْبِهِ- رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ يَقُولُ: مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ عَنْهُ؛ أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ. وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ.

مداخلة: في نسخة الشُّعب يقول: "فأشهد بصري عيني" في أول الحديث.

الشيخ: يُصلح: بصر عيني، يعني: بصرت عيني، بصر عيني، يُصلح: فأشهد بصر عيني. لكن الظاهر بصر عيني، يعني: بصره على ما عنده، الذي عندك: أبصر، أحسن.

مُداخلة: عندي في النّسخة: مَن أنظر مُعْسِرًا أو وضع عنه؟

الطالب: كله طيب.

حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ: قَالَ عَبْدُاللَّهِ ابْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: حَدَّثَنِي أَبُو يَحْيَى الْبَزَّازُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِالرَّحيم: حدَّثنا الحسنُ بن بشر بن سلم الْكُوفِيُّ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زِيَادٍ الْقُرَشِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مِحْجَنٍ -مَوْلَى عُثْمَانَ- عَنْ عُثْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يقول: أَظَلَّ اللَّهُ عَيْنًا فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ، مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا، أَوْ تَرَكَ لِغَارِمٍ.

............