تفسير قوله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ.. } (2)

وَحُبُّ الْخَيْلِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

تَارَةً يَكُونُ ربطها أصحابُها مُعدّة لسبيل الله، مَتَى احْتَاجُوا إِلَيْهَا غَزَوْا عَلَيْهَا، فَهَؤُلَاءِ يُثَابُونَ.

وَتَارَةً تُرْبَطُ فَخْرًا وَنِوَاءً لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ، فَهَذِهِ عَلَى صَاحِبِهَا وِزْرٌ.

وَتَارَةً لِلتَّعَفُّفِ وَاقْتِنَاءِ نَسْلِهَا، وَلَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي رِقَابِهَا، فَهَذِهِ لِصَاحِبِهَا سِتْرٌ، كَمَا سَيَأْتِي الْحَدِيثُ بِذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ[الأنفال:60].

وَأَمَّا الْمُسَوَّمَة: فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: الْمُسَوَّمَةُ الرَّاعِيَةُ، وَالْمُطَهَّمَةُ الْحِسَانُ.

وَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ أَبْزَى، وَالسُّدِّيِّ، وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، وَأَبِي سِنَانٍ، وَغَيْرِهِمْ.

وَقَالَ مَكْحُولٌ: الْمُسَوَّمَةُ: الْغُرَّةُ وَالتَّحْجِيلُ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ.

وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عن عبدالحميد بن جَعْفَرٍ، عَنْ يَزِيدَ ابْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُدَيْجٍ.

الشيخ: صحابيٌّ صغيرٌ.

عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَيْسَ مِنْ فَرَسٍ عَرَبِيٍّ إِلَّا يُؤْذَنُ لَهُ مَعَ كُلِّ فَجْرٍ يَدْعُو بِدَعْوَتَيْنِ، يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ خَوَّلْتَنِي مَنْ خَوَّلْتَنِي مِنْ بَنِي آدَمَ، فَاجْعَلْنِي مِنْ أَحَبِّ مَالِهِ وَأَهْلِهِ إِلَيْهِ، أَوْ أحبّ أهله وماله إليه.

الشيخ: هذا متنٌ عجيبٌ، ظاهر السَّند الصحّة، وهذا من آيات الله جلَّ وعلا، يدعو بهذا الدّعاء من آيات الله، انظر: سُويد بن قيس في "التقريب"، ظاهر السّند الصحّة.

اللَّهُمَّ إِنَّكَ خَوَّلْتَنِي مَنْ خَوَّلْتَنِي مِنْ بَنِي آدَمَ، فَاجْعَلْنِي مِنْ أَحَبِّ مَالِهِ وَأَهْلِهِ إِلَيْهِ، أَوْ أحبّ أهله وماله إليه.

الشيخ: "أو أحبّ" يعني: شكَّ الراوي هل قال: "من أحبّ ماله وأهله إليه"، أو قال: "اجعلني أحبّ أهله وماله إليه".

مُداخلة: سويد بن قيس التُّجِيبي -بضم المثناة، وكسر الجيم، ثم تحتانية، ثم مُوحّدة- مصري، ثقة، من الثالثة. (د، س، ق).

الشيخ: غيره أحد؟

الطالب: في غيره: سويد بن قيس، أبو مرحب. في مرحب، في الميم.

سويد بن قيس صحابي، له حديث السَّراويل، نزل الكوفة.

الشيخ: انظر مرحب، هذا هو .....، هو الأول، هو الراوي عن معاوية بن حديج.

س: ............؟

ج: الظاهر والله أعلم كلمتان، دعوتان: كلمتان؛ "من أحبّ أهله وماله إليه" هذه كلمتان، أو أحبّ ماله وأهله إليه؛ لأنَّ هذه دعوة واحدة مُشتملة على أمرين.

مُداخلة: مرحب، أو أبو مرحب، مُختلفٌ في صُحبته. أبو داود.

...........

الشيخ: ما في، يعني: أنه يُكررها، محتمل، ولكن والله أعلم المراد أنَّهما كلمتان، دعوتان يعني: شيئين مدعويين مطلوبين: كونه من أحبّ أهله وماله، أو أحبّ أهله وماله.

س: قوله: "من أحبّ ماله إليه، أو أحبّ أهله وماله إليه" هذا فيه اشتراطٌ في الدُّعاء؟

ج: هذا شكٌّ من الراوي: هل قال النبيُّ ﷺ: من أحبّ أهله وماله، أو قال: أحبّ أهله وماله؟ "أو" للشَّك، نعم.

وقوله تعالى: وَالْأَنْعَامِ [آل عمران:14] يَعْنِي: الْإِبِلَ وَالْبَقَرَ وَالْغَنَمَ، وَالْحَرْثِ [آل عمران:14] يَعْنِي: الأرض المتّخذة للغراس والزِّراعة.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ: حَدَّثَنَا أَبُو نَعَامَةَ الْعَدَوِيُّ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ بُدَيْلٍ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ زُهَيْرٍ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ هُبَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: خَيْرُ مَالِ امْرِئٍ لَهُ مُهْرَةٌ مَأْمُورَةٌ، أَوْ سِكَّةٌ مَأْبُورَةٌ، الْمَأْمُورَةُ: الْكَثِيرَةُ النَّسْلِ، وَالسِّكَّةُ: النَّخْلُ الْمُصْطَفُّ، وَالْمَأْبُورَةُ: الْمُلَقَّحَةُ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [آل عمران:14] أَيْ: إِنَّمَا هَذَا زَهْرَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا.

الشيخ: والحرث في أحاديث صحيحة غير ما ذكر المؤلف، في الحديث الصَّحيح: ما من مسلمٍ يغرس غرسًا، أو يزرع زرعًا، فيأكل منه دابَّةٌ أو طيرٌ أو إنسانٌ إلا كان له صدقةً، وحديث ثابت في الصَّحيح من حديث أنسٍ.

فالحرث له شأنٌ عظيمٌ، ومصالح كثيرة، وهو مما حُبّب للناس، وفيه خيرٌ لهم في العاجل والآجل لمن صلحت نيّته، وخيرٌ لهم في الدنيا لجميع الناس؛ لأنَّه ينفعهم في الدنيا، وإذا أصلح الله نيّةَ العبد وعمل فيه بالشّرع، أو كان مُسلمًا؛ جمع له خيري الدنيا والآخرة: ما من مسلمٍ يغرس غرسًا، أو يزرع زرعًا، فيأكل منه دابَّةٌ أو طيرٌ أو إنسانٌ إلا كان له صدقةً، وفي اللَّفظ الآخر: فما رُزِئَ منه كان له صدقة يعني: ما نقص منه وأُصيب منه.

فالحرث له شأنٌ، والأنعام كذلك إذا أحسن فيها، ومنح منها، وأحسن منها: إبل، أو بقر، أو غنم، إذا أحسن منها، ورفد منها المحتاج، وأطلق فحلَها، وسقى منها على الماء، وأعار دلوها؛ في هذا مصالح كثيرة.

المقصود أنَّ هذه الأموال زيّنت للناس: وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ [آل عمران:14]، كلها مُزيّنة للناس، لكن مَن عمل فيها بالخير، واتَّقى فيها ربَّه؛ حصل له بذلك الخير الكثير من الذَّهب والفضّة وبقية الأموال: في الخيل، وفي الأنعام، وفي الحرث، كل ذلك فيه خيرٌ عظيمٌ.

وهكذا النِّساء والبنون والبنات، إذا أصلح في ذلك، وأحسن في ذلك، وعلّم النِّساء، ووجَّه النِّساء إلى الخير، ووجَّه البنين والبنات إلى الخير، وأحسن في أهله، وراقب فيهم أمر الله؛ فهو خيرٌ عظيمٌ أيضًا، فهي مُزيّنة للناس جميعًا: كافرهم ومسلمهم، لكن المسلم إذا اتَّقى فيها ربَّه جمع اللهُ له الخيرين: مصلحة الدنيا، ومصلحة الآخرة، والله المستعان.

ولهذا قال: ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا هذا عامّ، متاع الحياة عامّ: للمسلم والكافر، وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ [آل عمران:14] لمن اتَّقى في هذه الأمور ربَّه، وأدَّى فيها الحقَّ، فله عند الله مع ما حصل في الدنيا من الخير له عند الله حسن المآب: من الجزاء الأوفى، والنعيم المقيم، والخير الكثير على ما قام به من العمل الصَّالح في نسائه وبنيه وذهبه وفضّته وأمواله، وفي خيله وأنعامه، وفي حرثه، وفي سائر ما أعطاه الله؛ له عند الله حُسن المآب على ما قدّم من عملٍ صالحٍ وتقوى في هذه الأمور.

وَزِينَتُهَا الْفَانِيَةُ الزَّائِلَةُ: وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ أَيْ: حُسْنُ الْمَرْجِعِ وَالثَّوَابِ.

وَقَدْ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ ابْنِ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قال عمرُ بن الخطّاب لما نزلت: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ [آل عمران:14] قُلْتُ: الْآنَ يَا ربّ حين زيّنتها لنا، فنزلت: قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا [آل عمران:15].

الشيخ: يظهر من هذا أنه مُنقطع؛ فأبو بكر ابن حفص بعيدٌ عن عمر، وعمر بن سعد بن وقاص كذلك، الظاهر أنه عن عمر، عن سعد، بدل "ابن"، الحاصل أنه مُنقطع.

ولهذا قال تعالى: قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ أَيْ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِلنَّاسِ: أَأُخْبِرُكُمْ بِخَيْرٍ مِمَّا زُيِّنَ لِلنَّاسِ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ زَهْرَتِهَا وَنَعِيمِهَا الَّذِي هُوَ زَائِلٌ لَا مَحَالَةَ؟ ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أَيْ: تَنْخَرِقُ بَيْنَ جَوَانِبِهَا وَأَرْجَائِهَا الْأَنْهَارُ مِنْ أَنْوَاعِ الْأَشْرِبَةِ مِنَ الْعَسَلِ وَاللَّبَنِ وَالْخَمْرِ وَالْمَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ: خَالِدِينَ فِيهَا أَيْ: مَاكِثِينَ فِيهَا أَبَدَ الْآبَادِ، لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا، وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ أَيْ: مِنَ الدَّنَسِ وَالْخَبَثِ وَالْأَذَى وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَعْتَرِي نِسَاءَ الدُّنْيَا، وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ [آل عمران:15] أَيْ: يَحِلُّ عَلَيْهِمْ رِضْوَانُهُ، فَلَا يَسْخَطُ عَلَيْهِمْ بَعْدَهُ أَبَدًا.

الشيخ: وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ [التوبة:109].

وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى الَّتِي فِي بَرَاءَة: وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ أَيْ: أَعْظَمُ مِمَّا أَعْطَاهُمْ مِنَ النَّعِيمِ الْمُقِيمِ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران:15] أَيْ: يُعْطِي كُلًّا بِحَسْبِ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنَ الْعَطَاءِ.

الشيخ: انظر كلامه .....

الطالب: قال الشيخُ ناصر في "السلسلة الصحيحة": قال رسولُ الله ﷺ: مَن قام بعشر آياتٍ لم يُكتب من الغافلين، ومَن قام بمئة آيةٍ كُتِبَ من القانتين، ومَن قرأ بألف آيةٍ كُتِبَ من المقَنْطَرِين.

أخرجه أبو داود (1/221- التازية)، وابن خُزيمة في "صحيحه" (1/125)، وابن حبان (662)، وابن السّني (697) عن أبي سوية: أنه سمع ابنَ حُجيرة يُخبر عن عبدالله بن عمرو بن العاص، عن رسول الله ﷺ أنَّه قال .. فذكره. وقال: إن صحَّ الخبرُ فإني لا أعرف أبا سوية بعدالةٍ ولا جرحٍ.

قلتُ: هو صدوقٌ كما في "التقريب"، واسمه: عبيد بن سوية، وقال ابنُ يونس وابنُ ماكولا: كان فاضلًا. وذكره ابن حبان في "الثقات"، وروى عنه جماعةٌ.

وابن حُجيرة اسمه: عبدالرحمن، ثقة، من رجال مسلم؛ فالإسناد جيد.

وله شاهدٌ عن ابن عمر قال .. فذكره مثله، إلا أنه قال في الجملة الأخيرة: "ومَن قرأ بمئتي آيةٍ كُتِبَ من الفائزين". أخرجه الدَّارمي (2/465) من طريق أبي إسحاق، عن المغيرة بن عبدالله الجدلي، عنه. ورجاله ثقات غير المغيرة بن عبدالله الجدلي؛ فلم أعرفه، وفي طبقته: المغيرة بن عبدالله اليشكري، الكوفي، روى عنه جماعةٌ منهم: أبو إسحاق السّبيعي، فلعله هذا.

وهذه الجملة وإن كانت موقوفةً، فلها حكم المرفوع. والله أعلم.

وقد رُوي الحديثُ عن أبي هريرة مرفوعًا بالجملة الأولى منه، بلفظ: مَن قرأ عشر آياتٍ في ليلةٍ لم يُكتب من الغافلين.

رواه الحاكم (1/555): أخبرنا عبدُالرحمن بن حمدان الجلاب بهمدان: حدثنا محمد بن إبراهيم بن كثير الصّوري: حدثنا موسى بن إسماعيل، عن حماد بن سلمة، عن سهيل ابن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعًا، به.

ورواه ابنُ السّني في "عمل اليوم والليلة" (696): حدَّثني محمد بن حفص البعلبكي: حدَّثنا محمد بن إبراهيم الصّوري: حدثنا مُؤمل بن إسماعيل: حدثنا حماد بن سلمة، به.

وقال الحاكم: "صحيحٌ على شرط مسلمٍ"، ووافقه الذَّهبي.

وأقول: هو كما قالا إن صحَّ السَّند به إلى ابن إسماعيل، وكان هو موسى، لا مُؤمّل، وفي كلٍّ من الأمرين نظر:

أما الأول: فإنَّ مدار السَّند كما رأيت على محمد بن إبراهيم بن كثير الصّوري، وقد أورده الذَّهبي في "الميزان"، وكنَّاه أبا الحسن، وقال: "روى عن الفريابي ومُؤمل بن إسماعيل، روى عن رواد بن الجراح خبرًا باطلًا أو مُنكرًا في ذكر المهدي، وكان غاليًا في التَّشيع"، وأمَّا ابن حبان فذكره في "الثقات"، وترجم له ابنُ عساكر في "تاريخ دمشق" (14/381/2) ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا، فهو في عداد المجهولين إن لم يكن من المجروحين.

وأمَّا الآخر: فلا تطمئنّ النفس إلى أنَّ ابن إسماعيل هو موسى، وذلك لأمرين:

أولًا: أنَّ كتاب الحاكم فيه كثير من التَّصحيفات في رجال كتابه، كما هو معروفٌ عند الخبيرين به، فخلافه مرجوحٌ عند التَّعارض، كما هو الواقع هنا، ففي رواية ابن السُّني أنه مُؤمل بن إسماعيل، لا موسى بن إسماعيل.

ثانيًا: أنهم لم يذكروا في شيوخ الصّوري هذا موسى بن إسماعيل، بل مُؤمل بن إسماعيل، كما رأيت في كلام الذّهبي، ومثله في "لسان العسقلاني".

ومما سبق يتبين أنَّ السند ليس على شرط مسلمٍ؛ لأنَّ مؤمل بن إسماعيل ليس من رجاله، ولا هو صحيح؛ لأنَّ مُؤملًا سيّئ الحفظ كما في "التقريب"، وأيضًا فقد عرفت حال الصّوري.

وقد رُوِيَ الحديثُ من طريقٍ أخرى عن أبي هريرة بلفظ: مَن صلَّى في ليلةٍ بمئة آيةٍ لم يُكتب من الغافلين، ومَن صلَّى في ليلةٍ بمئتي آيةٍ فإنه يُكتب من القانتين المخلصين.

أخرجه الحاكم (1/ 308- 309) عن سعد بن عبدالحميد بن جعفر: حدَّثنا عبدالرحمن ابن أبي الزناد، عن موسى بن عقبة، عن عبيدالله بن سلمان، عن أبيه أبي عبدالله سلمان الأغرّ، عن أبي هريرة قال: قال رسولُ الله ﷺ .. فذكره، وقال: "صحيحٌ على شرط مسلمٍ"، ووافقه الذَّهبي.

وأقول: وقد وهما؛ فإنَّ ابن أبي الزناد لم يحتجّ به مسلم، وإنما روى له شيئًا في المقدمة، ثم هو إلى ذلك فيه ضعف؛ قال الحافظ: "صدوقٌ، تغيّر حفظه لما قدم بغداد، وكان فقيهًا"، والراوي عنه سعد، لم يُخرج له مسلمٌ أصلًا، وفيه ضعفٌ أيضًا، أورده الذَّهبي نفسه في "الضُّعفاء" وقال: قال ابنُ حبان: كان ممن فحش خطؤه. وقال ابنُ معين: لا بأس به. وقال الحافظ: صدوق له أغاليط.

قلتُ: فمثل هذا الإسناد مما لا يطمئن القلبُ لثبوته، لا سيما والمحفوظ في الحديث: "عشر آيات" بدل "مئة" كما سبق، والله أعلم.

الشيخ: جزاه الله خيرًا، كلام طيب، المقصود العُمدة على السَّند الأول، والباقي شواهد: مَن قرأ عشر آيات لم يُكتب من الغافلين، ومَن قرأ مئة آيةٍ كُتِبَ من القانتين، ومَن قرأ آلف آيةٍ كُتِبَ من المقَنْطَرين هذا هو الأصل، السَّند الأول جيد والحمد لله.

كلما أكثر من القراءة فهو على خيرٍ عظيمٍ، كلما أكثر من قراءة القرآن في الليل والنَّهار فهو على خيرٍ عظيمٍ.

الذي عندك السّند الأول مَن قام؟

الطالب: مَن قام بعشر آيات.

الشيخ: هذا إشارة إلى قيام اللَّيل.

مُداخلة: وبقي حديثٌ آخر: مَن قرأ في ليلةٍ مئةَ آيةٍ لم يُكتب من الغافلين، أو كُتِبَ من القانتين، هذا صحّحه الشيخ نفسه.

الشيخ: اقرأه.

الطالب: وقال حفظه الله: حديث مَن قرأ في ليلةٍ مئة آيةٍ لم يُكتب من الغافلين، أو كُتِبَ من القانتين.

أخرجه ابنُ نصر في "قيام الليل" (ص66)، وابن خُزيمة في "صحيحه" (1/124/2)، كلاهما بإسنادٍ واحدٍ، فقال: حدَّثنا أحمد بن سعيد الدَّارمي: حدَّثنا علي بن الحسن بن شقيق: أخبرنا أبو حمزة السّكري، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرةَ قال: قال رسولُ الله ﷺ .. وهذا إسنادٌ صحيحٌ على شرط الشَّيخين.

الشيخ: هذا يرد على المؤلف؛ لأنَّ الأعمش مُدلّس، وهنا عنعن، والإسناد صحيحٌ ..... من أجل التَّدليس، لكن العمدة على السَّند الأول: مَن قام بعشر آياتٍ لم يُكتب من الغافلين .. إلى آخره، أمَّا هذا فقطعة مُختصرة فيها شكٌّ أيضًا، وهي عنعنة الأعمش؛ فقد يكون روى عن غيره، ثقة، خلط فيه هذا الرَّاوي الذي لم ..... الأعمش.

الطالب: وقوله: "أو كُتِبَ من القانتين" شكّ من بعض رواته، وهو مما لا ينبغي الشَّك فيه عندي؛ وذلك لأمرين:

الأول: أنَّ قوله: "لم يُكتب من الغافلين" قد ثبت فيمَن قام بعشر آياتٍ، كما تقدم في الحديث الآنف الذكر.

والآخر: أنَّ قوله: "كُتِبَ من القانتين" ثبت فيمَن قام بمئة آيةٍ.

فقد روى عبدالله بن زياد، عن محمد بن كعب القرظي، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن رسول الله ﷺ قال: مَن قرأ عشر آياتٍ في ليلةٍ لم يُكتب من الغافلين، ومَن قرأ مئةَ آيةٍ كُتِبَ من القانتين. أخرجه الحاكمُ (1/555- 556) شاهدًا، وقال الذَّهبي: "قلتُ: إسناده واهٍ".

وأقول: عبدالله هذا الظاهر أنَّه ابن سمعان المخزومي المدني، وهو متَّهم، ولكن قد جاء معناه في أحاديث أخرى؛ فشطره الأول ثبت من حديث ابن عمرو كما تقدم، وشطره الآخر ثبت نحوه من حديث تميم الدَّاري، وهو الآتي بعده، بل صحَّ ذلك من طريقٍ أخرى عن أبي حمزة، كما يأتي برقم (757).

الحديث الذي بعده: مَن قرأ بمئة آيةٍ في ليلةٍ كُتِبَ له قنوتُ ليلةٍ. أخرجه الدَّارمي (2/464): حدَّثنا يحيى بن بسطام: حدَّثنا يحيى بن حمزة: حدَّثني زيد بن واقد، عن سليمان بن موسى، عن كثير بن مُرّة، عن تميم الدّاري: أنَّ رسول الله ﷺ قال .. فذكره.

قلتُ: وهذا إسنادٌ حسنٌ، رجاله ثقات معروفون، غير يحيى بن بسطام. قال ابنُ أبي حاتم (4/2/132): "سألتُ أبي عنه فقال: شيخٌ صدوقٌ، ما بحديثه بأسٌ، قدري، أدخله البخاريُّ في كتاب "الضُّعفاء"، فيحول من هناك".

ثم رأيتُه في "المسند" (4/103) من طريق الهيثم بن حميد، عن زيد بن واقد، به، فصحّ الحديثُ والحمد لله.

الشيخ: لفظه؟

الطالب: مَن قرأ بمئة آيةٍ في ليلةٍ كُتِبَ له قنوت ليلةٍ.

..........

الطالب: يقول: أعمار أُمَّتي ما بين السّتين إلى السّبعين، وأقلّهم مَن يجوز ذلك.

الشيخ: إيه، اقرأه.

الطالب: رواه الترمذي (2/272)، وابن ماجه (4236)، وابن حبان في "صحيحه" (96/2) في النوع السّبعين من قطعةٍ منه محفوظة في الظَّاهرية، والثّعلبي (3/158/2)، والقُضاعي (5/2)، والحاكم (2/427)، والخطيب (6/397، 12/42) عن الحسن بن عرفة: أنبأنا المحاربي، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة مرفوعًا، قال ابنُ عرفة: "وأنا من الأقلّ".

الشيخ: يعني جاوز السَّبعين: وأقلّهم مَن يجوز ذلك يعني: جاوزت السَّبعين، فأنا من الأقلّين.

الطالب: ورواه ابنُ منده في "التوحيد" (38/2) عن يوسف بن موسى: حدَّثنا عبدالرحمن بن محمد المحاربي، وقال: "هذا إسنادٌ حسنٌ مشهورٌ عن المحاربي"، وقال الترمذي: "حديثٌ حسنٌ غريبٌ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وقد رُوِيَ عن أبي هريرة من غير هذا الوجه"، وقال الحاكم: "صحيحٌ على شرط مسلمٍ"، ووافقه الذَّهبي.

قلتُ: والصَّواب أنه حسنٌ لذاته، صحيحٌ لغيره؛ فقد أخرجه أبو يعلى (311/1، وص1571 -مصورة المكتب) عن محمد بن ربيعة، عن كامل أبي العلاء، عن أبي صالح، عن أبي هريرة بلفظ: عمر أمّتي ما بين السّتين سنة إلى السّبعين.

قلتُ: وهذا إسنادٌ حسنٌ أيضًا، رجاله مُوثّقون، رجال مسلم، غير محمد بن ربيعة، وهو الكلابي، وهو صدوقٌ كما في "التقريب".

الشيخ: صار .....، والحديث صحيحٌ: أعمار أُمَّتي ما بين السّتين إلى السّبعين، وأقلّهم مَن يجوز ذلك، فهو صحيحٌ من جهة السَّند، وهو صحيحٌ من جهة الواقع، فالغالب على الأُمّة عدم مجاوزة السّبعين، قلَّ مَن يجوز السَّبعين، ومَن تأمّل الرُّواة والأئمّة الماضين رأى أكثرَهم دون السّبعين، والله المستعان.

س: درجة الحديث الأوّل؟

ج: الحديث ثابتٌ: مَن قام بعشر آياتٍ لم يُكتب من الغافلين، ومَن قام بمئة آيةٍ كُتِبَ من القانتين، ومَن قام بألف آيةٍ كُتِبَ من المقنطَرين، هذا فضلٌ كبيرٌ، والبقية شواهد.