تفسير قوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا..}

وَقَوْلُهُ: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286] أَيْ: لَا يُكَلِّفُ أَحَدًا فَوْقَ طَاقَتِهِ، وَهَذَا مِنْ لُطْفِهِ تَعَالَى بِخَلْقِهِ، وَرَأْفَتِهِ بِهِمْ، وَإِحْسَانِهِ إِلَيْهِمْ، وَهَذِهِ هِيَ النَّاسِخَةُ الرَّافِعَةُ لِمَا كَانَ أَشْفَقَ مِنْهُ الصَّحَابَةُ فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ [البقرة:284] أَيْ: هُوَ وَإِنْ حَاسَبَ وَسَأَلَ، لَكِنْ لَا يُعَذِّبُ إِلَّا بِمَا يَمْلِكُ الشَّخْصُ دفعه، فأمَّا ما لا يملك دَفْعهُ مِنْ وَسْوَسَةِ النَّفْسِ وَحَدِيثِهَا فَهَذَا لَا يُكَلَّفُ بِهِ الْإِنْسَان، وَكَرَاهِيَةُ الْوَسْوَسَةِ السَّيِّئَةِ مِنَ الْإِيمَانِ.

الشيخ: وتقدّم قوله ﷺ: إنَّ الله تجاوز عن أمّتي ما حدَّثت به أنفسها ما لم تعمل أو تكلّم، وقوله: وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ يعني: مما هو تحت القُدرة، تحت التَّكليف؛ ولهذا قال بعدها مُوضِّحًا: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ، أما الخطرات التي تقع في القلب والوساوس التي تقع في القلب ولا تستقرّ، ولا تكون عملًا للقلب؛ فإنه لا يُؤاخِذ بها ، بل هي معفوٌّ عنها: إنَّ الله تجاوز عن أمّتي ما حدَّثت به أنفسها ما لم تعمل أو تكلّم، فإذا صار إيمانًا أو تكلّمت به فهذا محل المؤاخذة: ما تنطوي عليه القلوبُ من البُخل والشحِّ والنِّفاق والرِّياء ونحو ذلك، هذا محل المؤاخذة، أمَّا ما يعرض ويذهب فليس محلًّا للمُؤاخذة، ما يعرض للنُّفوس من حديث النَّفس: من بخلٍ، أو رياءٍ، أو غير هذا، ثم يُجاهده العبدُ ويتَّقيه ويحذره ولا يستقرّ؛ فإنه لا يُؤاخذ به: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا، فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16].

وَقَوْلُهُ: لَهَا مَا كَسَبَتْ أَيْ: مِنْ خَيْرٍ، وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ أَيْ: مِنْ شَرٍّ، وَذَلِكَ فِي الْأَعْمَالِ الَّتِي تَدْخُلُ تَحْتَ التَّكْلِيفِ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُرْشِدًا عِبَادَهُ إِلَى سُؤَالِهِ، وقد تكفَّل لَهُمْ بِالْإِجَابَةِ، كَمَا أَرْشَدَهُمْ وَعَلَّمَهُمْ أَنْ يَقُولُوا: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286] أَيْ: إِنْ تَرَكْنَا فَرْضًا عَلَى جِهَةِ النِّسْيَانِ، أَوْ فَعَلْنَا حَرَامًا كَذَلِكَ، أَوْ أَخْطَأْنَا –أَيِ: الصَّوَابَ فِي الْعَمَلِ- جَهْلًا مِنَّا بِوَجْهِهِ الشَّرْعِيِّ.

وقد تقدّم في "صحيح مسلم" من حديث أبي هريرة قال: قَالَ اللَّهُ: نَعَمْ. وَلِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالَ اللَّهُ: قَدْ فَعَلْتُ.

وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ" وَابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَمْرٍو الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ عَطَاءٍ.

قَالَ ابْنُ مَاجَهْ فِي رِوَايَتِهِ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.

وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ: عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ.

وقد رُوِيَ من طرقٍ أُخَرَ، وَأَعَلَّهُ أَحْمَدُ وَأَبُو حَاتِمٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: حَدَّثَنَا بكر الْهُذَلِيُّ، عَنْ شَهْرٍ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَنْ ثَلَاثٍ: عَنِ الْخَطَأ، وَالنِّسْيَانِ، وَالِاسْتِكْرَاهِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلْحَسَنِ، فَقَالَ: أَجَلْ، أَمَا تَقْرَأُ بِذَلِكَ قُرْآنًا: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286]؟

الشيخ: والمعنى -وإن كان في سنده مقالٌ- إنَّ الله وضع عن أمّتي الخطأ، والنّسيان، وما استُكرهوا عليه. لكن معناه صحيحٌ؛ أبو حاتم لم يُثبته، وآخرون أثبتوا حديث ابن عباسٍ: إنَّ الله وضع عن أمّتي الخطأ، والنسيان، وما استُكرهوا عليه؛ لأنَّ إسناده لا بأسَ به من طريق عطاء، عن عبيد بن عمير، عن ابن عباسٍ .....، لكن شواهده كثيرة.

أما الخطأ والنّسيان من حديث أبي هريرة وابن عباسٍ: قال الله: قد فعلتُ، وأمَّا الإكراه فنصّ القرآن الكريم: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ [النحل:106]، نصّ القرآن أعظم، فما كان عن نسيانٍ أو خطأ أو إكراهٍ فالله جلَّ وعلا قد وضعه عن عباده وعفا عنه ، ما دام القلبُ مُطمئنًّا بالإيمان في مسألة الإكراه، نعم.

س: ............؟

ج: الذي عندك أيش: ورواه الطَّبراني؟

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: حَدَّثَنَا أَبُو بكرٍ الْهُذَلِيُّ.

الشيخ: كذا عندكم: الهذلي؟

الطالب: .........

الشيخ: أيش بعده؟

عَنْ شَهْرٍ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ.

الشيخ: حطّ عليه إشارة.

مداخلة: .......

الشيخ: راجع ترجمة الهذلي ..... من شيوخ شهر بن حوشب ..... عمَّن؟ الذي قبله أبو بكر؟

عن مسلم بن إبراهيم.

الشيخ: يُعرف من شيوخ مسلم، ومن تلاميذ ..... الهذلي، أو النّهشلي، تُراجع ترجمة شهر، وترجمة مسلم، وترجمة أبي بكر الهذلي، والنّهشلي، كلاهما.

وَقَوْلُهُ: رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا [البقرة:286] أَيْ: لَا تُكَلِّفْنَا مِنَ الْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ وَإِنْ أَطَقْنَاهَا، كَمَا شَرَعْتَهُ لِلْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ قَبْلَنَا مِنَ الْأَغْلَالِ وَالْآصَارِ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ، الَّتِي بَعَثْتَ نَبِيَّكَ مُحَمَّدًا ﷺ -نَبِيَّ الرَّحْمَةِ- بِوَضْعِهِ فِي شَرْعِهِ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ بِهِ مِنَ الدِّينِ الْحَنِيفِ السَّهْلِ السَّمْحِ.

الشيخ: يعني في قوله سبحانه: وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ [الأعراف:157]، هذا في وصفه إيَّاه عليه الصَّلاة والسلام.

وَقَدْ ثَبَتَ فِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: قَالَ اللَّهُ: نَعَمْ.

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: قَالَ اللَّهُ: قَدْ فَعَلْتُ.

وجاء الْحَدِيثُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ.

وَقَوْلُهُ: رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ [البقرة:286] أَيْ: مِنَ التَّكْلِيفِ وَالْمَصَائِبِ والبلاء، لا تبتلنا بِمَا لَا قِبَلَ لَنَا بِهِ.

وَقَدْ قَالَ مَكْحُولٌ فِي قَوْلِهِ: رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ قَالَ: العزبة وَالْغُلْمَةُ.

الشيخ: العزبة والغلمة.

مداخلة: في نسخة الشّعب قال: الغربة.

الشيخ: يُصلح؛ لأنها الغلمة ..... الغربة جيد، في نسخة الشعب: الغربة جيد؛ لأنَّ الغربة مُتعبة كثيرًا، فهي كالغلمة؛ لشدة الشّهوة، ولا يستطيع النِّكاح كذلك .....

مُداخلة: ...........

الشيخ: لا، الغربة أولى، في نسخة: الغربة أولى، يعني: الغربة عن البلاد والأوطان فيها من المشاقّ ما فيها.

قال: الغربة والغلمة.

الشيخ: معناه أنَّه من هذا، معناه أنه من جملة ما لا طاقةَ .....، وهذا الشَّيء الذي لا طاقةَ لهم به كثير، أنواعه كثيرة، لكن منها الغربة، ومنها الغلمة: الشهوة، ومنها الفقر الشديد، ومنها الحروب الكثيرة، ومنها المصائب الشَّديدة، نعم، نسأل الله السَّلامة.

رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: قَالَ اللَّهُ: نَعَمْ، وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: قَالَ اللَّهُ: قَدْ فَعَلْتُ.

وَقَوْلُهُ: وَاعْفُ عَنَّا [البقرة:286] أَيْ: فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مِمَّا تَعْلَمُهُ مِنْ تَقْصِيرِنَا وَزَلَلِنَا.

وَاغْفِرْ لَنَا [البقرة:286] أَيْ: فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ عِبَادِكَ، فَلَا تُظْهِرهُمْ عَلَى مُسَاوِينَا وَأَعْمَالِنَا الْقَبِيحَةِ.

وَارْحَمْنَا [البقرة:286] أَيْ: فِيمَا يُسْتَقْبَلُ، فَلَا تُوقِعنَا بِتَوْفِيقِكَ فِي ذَنْبٍ آخَرَ؛ وَلِهَذَا قَالُوا: إِنَّ الْمُذْنِبَ مُحْتَاجٌ إِلَى ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: أَنْ يَعْفُوَ اللَّهُ عَنْهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَأَنْ يَسْتُرَهُ عَنْ عِبَادِهِ فَلَا يَفْضَحُهُ بِهِ بَيْنَهُمْ، وَأَنْ يَعْصِمَهُ فَلَا يُوقِعُهُ فِي نَظِيرِهِ.

الشيخ: وهذا إشارة إلى قوله: وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا، فاعفُ عنا ما مضى من الزّلَّات، واغفر لنا: استر علينا فلا تفضحنا بين العباد، وارحمنا في المستقبل حتى تقينا شرَّ الذنوب. فجمع اللهُ بين الدَّعوات الثلاث: العفو والمغفرة والرحمة، والله جلَّ وعلا قد أجاب دعوةَ عباده المؤمنين؛ فوعدهم بالعفو والمغفرة والرحمة إذا لجؤوا إليه، واستغاثوا به، وتابوا إليه، وسألوه من فضله، فعليهم أن يرجعوا إليه، وأن يُنيبوا إليه، وأن يسألوه، وأن يتوبوا، وأن يُبادروا، فهو الرحمن الرحيم ، والله المستعان.

ثم تمامها الرابعة: فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [البقرة:286].

دعوات عظيمة أن ينصرهم على حزب الشيطان، وأن يقيهم الفتنة بالكفر بالله، فهي أربع دعوات عظيمة: إذا عفا الله عن العبد، وستره، ورحمه، ونصره على عدوه؛ تمَّت النعمة، ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله، والله أكبر.

وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ اللَّهَ قَالَ: نَعَمْ، وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: قَالَ اللَّهُ: قد فَعَلْتُ.

الشيخ: هذا الوعد على العباد أن يجتهدوا في أسبابه، فهو وعدهم، وأمرهم بالأسباب، وعدهم بالمغفرة والعفو والرحمة والنَّصر، لكن عليهم أن يأخذوا بالأسباب، كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ [محمد:7]، قال: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ۝ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ [الحج:40- 41]، فنصره لهم إذا نصروه وأخذوا بالأسباب التي أمرهم بها، وشرعها لهم: كالإيمان، والتَّقوى، والاستقامة، والأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر، وأخذوا بأسباب العفو: من التوبة إلى الله، وسؤاله المغفرة والعفو، وتوقّي الذنوب، وكذلك إذا ستروا أنفسَهم، جاهدوا أنفسهم بالسَّتر والبُعد عمَّا حرَّم الله، فعليهم أن يأتوا بالأسباب، وقد وعدهم سبحانه بأن يُوفِّقهم ويُجيب دعوتهم .

وَقَوْلُهُ: أَنْتَ مَوْلَانَا أَيْ: أَنْتَ وَلِيُّنَا وَنَاصِرُنَا، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَأَنْتَ الْمُسْتَعَانُ، وَعَلَيْكَ التُّكْلَانُ، وَلَا حولَ لنا ولا قوّة إِلَّا بِكَ، فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [البقرة:286] أَيِ: الَّذِينَ جَحَدُوا دِينَكَ، وَأَنْكَرُوا وَحْدَانِيَّتَكَ وَرِسَالَةَ نَبِيِّكَ، وَعَبَدُوا غَيْرَكَ، وَأَشْرَكُوا مَعَكَ مِنْ عِبَادِكَ، فَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ، وَاجْعَلْ لَنَا الْعَاقِبَةَ عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، قَالَ اللَّهُ: نَعَمْ.

وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالَ اللَّهُ: قَدْ فَعَلْتُ.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْنُ إِبْرَاهِيمَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: أَنَّ مُعَاذًا كَانَ إِذَا فَرَغَ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ: فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ قَالَ: "آمِينَ".

وَرَوَاهُ وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: أَنَّهُ كَانَ إذا ختم البقرةَ قال: "آمين".

الشيخ: الحديث ضعيفٌ، لكن المعنى صحيحٌ؛ فأبو إسحاق لم يسمع من معاذ، والواسطة مجهول، لكن معناه صحيحٌ، الدّعاء دعاء المؤمنين.

س: ............؟

ج: إذا قالها بينه وبين نفسه ماشٍ.

س: ............؟

ج: الإكراه على الشَّيء الذي هو كفرٌ أو معصيةٌ، إذا أُكره إكراهًا بالضَّرب أو بالتَّهديد بالقتل الذي يظنّ أو يعتقد إيقاعه به؛ هذا معنى الإكراه، مثلما فعلوا بالصَّحابة في مكة: آذوهم، وضربوهم، وجعلوهم في الشَّمس، وجعلوا فوقَهم الحجارة الحامية حتى يسبّوا محمدًا، وحتى يكفروا بدينه، فإذا قالوها بالألسنة والقلوب مُؤمنة لا يضرّهم إذا كان القلبُ مُؤمنًا، وإنما قال باللِّسان ليدفع الإكراه.

أمَّا أن يقتل غيرَه لا، ما هو بعذرٍ، يقتل غيره، أو يضرب غيره لا، ما يدفع عن نفسه بضرب غيره، أو ظلمه لغيره، لكن فيما يتعلّق بحقِّ الله فالإكراه معذورٌ فيه الإنسان؛ إذا أُكره على سبٍّ، أو على كفرٍ بالله بالاستغاثة، أو بسبِّ أحدٍ، أو نحو ذلك، نعم.

س: والسّجود للصَّنم؟

ج: يسجد وينويه لله، قلبه بيده، يسجد في الظَّاهر لأجل الإكراه وينويه لله، ما هو للصَّنم.

س: ............؟

ج: هذا بين أمرين: أحدهما: أنَّ الإكراه في شرعه غير عذرٍ. والثاني -وهو أصحّ- أنَّه ليس بمُكْرَهٍ، قالوا: ولو ..... ما اعتذر، ولا انتظر أن يُكره، تساهل؛ فليس بمُكرهٍ.

س: ............؟

ج: نعم، إذا همَّ بحسنةٍ ولم يعملها كتب اللهُ له حسنةً.

س: حديث النَّفس بالمعاصي في الحرم .....؟

ج: الحرم لا، مُستثنًى: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الحج:25]، الحرم مُستثنًى، إذا همَّ فيه بالسَّيئة يُعاقَب.

س: ............؟

ج: إذا ما فعل ما عليه شيء، وإن تركها من أجل الله كتب اللهُ له حسنةً، وإن تركها تساهلًا أو تكاسلًا أو إعراضًا.

س: ............؟

ج: لا، هذا همَّ، هذا من الهمِّ؛ يُعفا عنه، فإن تركها من أجل الله كتبها اللهُ له حسنةً، وإن تركها تساهلًا ليس عليه شيء، أمَّا إن عمل -مثل الذي قاتل صاحبه- يأثم، أو مثل الذي هتك الحرزَ يأثم، أو مجرد الهمّ والإرادة ثم هوّن وترك ما عليه شيء، وإن كان من أجل الله كتب اللهُ له حسنةً، لكن إذا كان فعل مثلما قال النبيُّ ﷺ: إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، قالوا: يا رسول الله، هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: لأنَّه كان حريصًا على قتل صاحبه.

فالهمّ بالسَّيئة له أحوال ثلاثة:

الأولى: أن يتركها من أجل الله، همَّ أن يضرب فلانًا، أو همَّ أن يزني، ثم ترك؛ خوفًا من الله، له حسنة؛ لأنَّه تركها من أجل الله.

القسم الثاني: همَّ بالسَّيئة: هم بالزنا، هم بسبِّ فلانٍ، همَّ بغير ذلك من المعاصي، ثم ترك؛ شُغِلَ عنها، أو خاف من تبعتها وترك؛ فما عليه شيء: لا له، ولا عليه.

الثالث: همَّ وعمل: همَّ بالسرقة وكسر الباب، حاول أن يأخذ المال، ولكن عجز، هذا يأثم؛ لأنَّه فعل أفعالًا مُنكرةً، همَّ بقتل أخيه وحمل عليه السلاح وحاول قتله، فلم ينجح، بل قتله صاحبُه، أو حِيل بينه وبينه، هذا عليه إثمُ ذلك؛ لأنَّه فعل.

س: .............؟

ج: لكن في مكّة مُستثنى، الهمّ في مكة يأثم به.

س: .............؟

ج: إذا كان ما قصد القراءة، قصد الدّعاء؛ ما يُخالف، كل دعاء القرآن إذا دعا به الإنسانُ في صلاته، وهو ما قصد القراءة، قصد الدّعاء: "ربنا لا تُزغ قلوبنا، ربنا آتنا في الدّنيا حسنةً"، ما قصد إلا الدّعاء؛ لا بأس عليه.

س: .............؟

ج: هذا حديثُ أبي كبشة الأنماري الذي أعطاه اللهُ مالًا، ولم يُعطِه علمًا، فهو يخبط فيه خبط عشواء: لا يتَّقي فيه ربَّه، ولا يصل فيه رحمه، فهو في شرِّ المنازل، ومَن لم يُعطه الله مالًا ولا علمًا، فيقول: لو كان لي مثل فلانٍ لعملتُ به مثل عمله. قال: فهما في الوزر سواء، هذا والله أعلم يمكن أن يُحمل على أنه قد صمم على العمل، ما هو بخواطر، ولكن صمم على العمل، فلو كان له هذا المال صار مثله في الوزر، فأشبه مَن عمل؛ لأنه عزم عزمًا صادقًا على هذا العمل السَّيئ، نسأل الله العافية.

س: .............؟

ج: الإثم على الصَّائل، ذاك ما سوّى شيئًا، أمَّا إذا كان كلٌّ منهما صائلًا على الآخر دخلا في الحديث، أمَّا إذا كان واحدٌ ما صال، وهذا صال، فالإثم على الصَّائل الذي قتل، وذاك ما عليه شيء؛ لأنَّه ما فعل شيئًا.

س: دافع عن نفسه بالقتل؟

ج: إذا دافع ما عليه شيء، مأجور، أمَّا إذا كان كل واحدٍ صال على الآخر، كل واحدٍ يريد قتل الآخر؛ كلاهما آثم، نسأل الله العافية.