تفسير قوله تعالى: {وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا..}

وَقَوْلُهُ: وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا [البقرة:282] قِيلَ: مَعْنَاهُ: إِذَا دُعُوا لِلتَّحَمُّلِ فَعَلَيْهِمُ الْإِجَابَةُ. وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ: وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ [البقرة:282]، وَمِنْ هَاهُنَا اسْتُفِيدَ أَنَّ تَحَمُّلَ الشَّهادة فرض كفايةٍ، وقيل: هو مذهب الجمهور.

والمراد بقوله: وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا لِلْأَدَاءِ؛ لِحَقِيقَةِ قَوْلِهِ: الشُّهَدَاءُ، وَالشَّاهِدُ حَقِيقَةً فِيمَنْ تَحَمَّلَ، فَإِذَا دُعِيَ لِأَدَائِهَا فَعَلَيْهِ الْإِجَابَةُ إِذَا تَعَيَّنَتْ، وَإِلَّا فَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الشيخ: الآية تعمّ الجميع، الآية تعمّ التَّحمّل والأداء جميعًا: وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا، الله جلَّ وعلا ينهاهم أن يأبوا إذا دُعوا إلى الشَّهادة ليتحمّلوها، أو إذا دعوا ليُؤدّوها، يأتي قوله جلَّ وعلا: وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ [البقرة:283].

وفي الحديث الصَّحيح: ألا أُخبركم بخير الشُّهداء؟ الذي يأتي بالشَّهادة قبل أن يُسألها، ومصالح العباد بالتَّعاون، الله يقول: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2]، ومن التَّعاون على التَّقوى: التعاون على حفظ الحقوق، وأداء الحقوق بين المسلمين، هم إخوة، إذا دعاك أخوك أن تشهد على هذا الدَّين أو هذا البيع فأي ضررٍ عليك في هذا؟! فإذا دعاك أن تؤدّي الشَّهادة فأي ضررٍ عليك في حفظ حقِّ أخيك؟! فأنت مأمورٌ بهذا، وهو فرضُ عينٍ عليك إذا لم يكن هناك أحدٌ غيرك، فإن كان هناك شهودٌ صار فرض كفايةٍ، فلو أنَّ جماعةً في البرّ -في البرية- ثلاثة، تمَّ بينهم بيعٌ، واستشهدوا اثنين منهم، أربعة استشهدوا اثنين منهم؛ وجبت الشَّهادة، وإن دُعوا إلى أدائها وجب عليهم الأداء؛ لأنه شيء تعيّن فيهم، وهكذا لو كانوا أربعةً في قريةٍ ما فيها إلا هم، تمَّ العقدُ بين اثنين، واستشهدوا اثنين؛ وجب عليهم أن يشهدوا، ووجب عليهم أن يُؤدّوا إذا طلبوا؛ لأنَّ الحقَّ انحصر فيهم، فإذا كانوا جماعةً صار فرض كفايةٍ، وهم من تعاون المسلمين فيما بينهم في أداء حقوقهم، وفي حفظ حقوقهم.

س: ..... العبارة بحقيقة قول الشّهداء؟

ج: ..... يعني في الأداء أظهر؛ لأنهم سمّوا شُهداء، والتَّسمية الحقيقية إنما تكون بعد التَّحمل، ولكن لا مانع بأن يسمّوا: شهداء، شهداء يعني: ليشهدوا: وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا يعني: ولا يأبَ الرجال إذا دعوا ليشهدوا، فسمّوا: شهداء بما يصير إليه الأمر يعني.

س: ..............؟

ج: الذي يظهر حقيقة في هذا، وفي هذا أنت شهيد عند التَّحمل، وشهيد عند الأداء.

س: يعني كأنّها مجاز في الأداء، وحقيقة في التَّحمل؟

ج: التّحمل يُراد به الشّهادة، يدعا للحمل، وفي الأداء ليُؤدِّي ما عليه، وهي ثابتة أيضًا، هو شهيدٌ في الأداء شهادة مُستقرّة حقيقة، وأمَّا عند التَّحمل فهو مدعو ليتحمّلها، فهو شهيدٌ بالقوة، وذاك شهيدٌ بالفعل.

س: الذي يأتي بالشّهادة قبل أن يُدعا؟

ج: إذا دعت الحاجةُ إلى ذلك أتى بها: إذا كان يخشى أنهم قد نسوها، أو ما لها إلا هو، فلم يُحوجهم إلى أن يتكلَّفوا، بل أتى، فهذا مما يُؤجر عليه إذا كان المقصودُ من ذلك التَّخفيف عليهم، وليس قصد التَّساهل، فمن علم أنَّ الخُصومة اليوم وهو لا يدري: هل يعلمون الشّهادة، أو ما يعلمونها؟ حضر ليُؤدّيها، أو يعلمونها إذا خشي أنهم نسوها، نعم.

س: العبارة حقيقة قوله: الشّهداء كذا؟

ج: العبارة؟

والمراد بقوله: وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا لِلْأَدَاءِ؛ لِحَقِيقَةِ قَوْلِهِ: الشُّهَدَاءُ. وَالشَّاهِدُ حَقِيقَةً فِيمَنْ تَحَمَّلَ، فَإِذَا دُعِيَ لِأَدَائِهَا فَعَلَيْهِ الْإِجَابَةُ إِذَا تَعَيَّنَتْ، وَإِلَّا فَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الشيخ: واضح ..... يكون شهيدًا إذا تحمّل الشّهادة حقيقةً، قد تحمّلها، لكن المدعو للتَّحمل شاهد بالقوة؛ لأنه صالح للشّهادة، وهو شهيد بالقوة ليتحمّل، كما أنَّ الناطق شهيدٌ بالقوة، ناطق بالقوة، فإذا نطق صار ناطقًا بالفعل، فأنت يُقال لك: ناطق، أنت ما تنطق، فإذا نطقت صرتَ ناطقًا بالفعل، وقبل ذلك أنت ناطقٌ بالقوة، أنت لستَ بأبكم، أنت ناطق بالقوة؛ ولهذا يُقال: ابن آدم حيوان ناطق، يعني: من صفته ومن خاصيّته أنه ينطق، فهو ناطقٌ بالقوة، وإذا تكلّم صار ناطقًا بالفعل.

س: ............؟

ج: هذه الآية: وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا [البقرة:282].

س: ............؟

ج: يجبر إذا كان ..... بالشّهادة يُجبر، وعليهم أن يتحمَّلوا، ينظر سيارة، ينظر دابَّة تحمله، الحاجة لهم إذا احتاجوا.

س: ............؟

ج: الله أعلم، نعم.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَأَبُو مِجْلَزٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: إِذَا دُعِيتَ لِتَشْهَدَ فَأَنْتَ بِالْخِيَارِ، وَإِذَا شَهِدْتَ فَدُعِيتَ فَأَجِبْ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ" وَالسُّنَنِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ أبيه عَبْدِاللَّهِ.

الشيخ: عن أبيه، عن عبدالله، أيش عندكم؟

الطالب: عن أبيه، عن عبدالله بن عمرو بن عثمان.

الشيخ: طيب، ساقط "عن"؛ لأنَّ أباه: أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم.

عن أبيه، عن عبدالله بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ ابْنِ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ؟ الَّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا.

فَأَمَّا الْحَدِيثُ الْآخَرُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ": أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشَرِّ الشُّهَدَاءِ؟ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدُوا، وَكَذَا قَوْلُهُ: ثُمَّ يَأْتِي قَوْمٌ تَسْبِقُ أَيْمَانُهُمْ شَهَادَتَهُمْ، وَتَسْبِقُ شَهَادَتُهُمْ أَيْمَانَهُمْ، وَفِي رِوَايَةٍ: ثُمَّ يَأْتِي قومٌ يشهدون ولا يُستشهدون، وهؤلاء شُهُودُ الزُّورِ.

الشيخ: بالواو: وهؤلاء؟

الطالب: وهؤلاء.

الشيخ: ما يُخالف.

الطالب: عندنا: فهؤلاء.

الشيخ: الفاء أحسن، وإلا ما يخالف، الفاء أحسن، جواب "أما" بالفاء أحسن؛ لأنَّ يشهدون ولا يُستشهدون هؤلاء المراد بهم شهود الزور المذمومون، وأما الذي يأتي بالشَّهادة قبل أن يُسألها فهذا الذي عنده شهادة حقٍّ، لكن أتى بها خوف أن يكونوا ذهلوها أو نسوها، فهو محسنٌ، وأمَّا الذين ذمَّهم الله .....: ثم يأتي قومٌ يشهدون ولا يُستشهدون، وتسبق شهادةُ أحدهم يمينَه هؤلاء المتساهلون الذين لا يُبالون بالشّهادة، ولا يهتمّون بها، بل يشهدون بالزور طمعًا في الدنيا، أو في إرضاء صديقهم وصاحبهم أو قريبهم، نسأل الله العافية.

وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهَا تَعُمُّ الْحَالَيْنِ: التَّحَمُّلَ، وَالْأَدَاءَ.

وقوله: وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ [البقرة:282] هَذَا مِنْ تَمَامِ الْإِرْشَادِ، وَهُوَ الْأَمْرُ بِكِتَابَةِ الْحَقِّ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا، فَقَالَ: وَلَا تَسْأَمُوا أَيْ: لَا تَمَلُّوا أَنْ تَكْتُبُوا الْحَقَّ عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ مِنَ الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ إِلَى أَجَلِهِ.

وَقَوْلُهُ: ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا [البقرة:282] أَيْ: هَذَا الَّذِي أَمَرْنَاكُمْ بِهِ مِنَ الْكِتَابَةِ لِلْحَقِّ إِذَا كَانَ مُؤَجَّلًا هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ أَيْ: أَعْدَلُ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ أَيْ: أَثْبَتُ لِلشَّاهِدِ إِذَا وَضَعَ خَطَّهُ، ثُمَّ رَآهُ تَذَكَّرَ بِهِ الشَّهَادَةَ؛ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكْتُبْهُ أَنْ يَنْسَاهُ، كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ غَالِبًا، وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا وَأَقْرَبُ إِلَى عَدَمِ الرِّيبَةِ، بَلْ تَرْجِعُونَ عِنْدَ التَّنَازُعِ إِلَى الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبْتُمُوهُ فَيَفْصِل بَيْنَكُمْ بِلَا رِيبَةٍ.

وَقَوْلُهُ: إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا [البقرة:282] أَيْ: إِذَا كَانَ الْبَيْعُ بِالْحَاضِرِ، يَدًا بِيَدٍ، فَلَا بَأْسَ بِعَدَمِ الْكِتَابَةِ؛ لِانْتِفَاءِ الْمَحْذُورِ فِي تَرْكِهَا.

فَأَمَّا الْإِشْهَادُ عَلَى الْبَيْعِ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ [البقرة:282].

قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بن عبدالله بن بكر.

الشيخ: ابن بُكير.

حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بن عبدالله بن بكير: حَدَّثَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ: حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ يَعْنِي: أَشْهِدُوا عَلَى حَقِّكُمْ إذا كان فيه أجل، أو لم يكن فيه أجلٌ، فَأَشْهِدُوا عَلَى حَقِّكُمْ عَلَى كُلِّ حَالٍ.

قَالَ: وَرُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَمُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ وَالضَّحَّاكِ نَحْو ذَلِكَ.

وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَالْحَسَنُ: هَذَا الْأَمْرُ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ [البقرة:283].

وَهَذَا الْأَمْرُ مَحْمُولٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ عَلَى الْإِرْشَادِ وَالنَّدْبِ، لَا عَلَى الْوُجُوبِ.

الشيخ: وليس بمنسوخٍ، ليس هذا بنسخٍ، إنما هذا لبيان عدم الوجوب، ليس نسخًا؛ لأنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا يدل على عدم وجوب الكتابة، وعدم وجوب الإشهاد، وإنما هما وثيقتان وإرشادٌ من الله، وهكذا ما جاء في بعض الأحاديث أنَّه ﷺ باع واشترى بدون إشهادٍ؛ لبيان الجواز، فالكتابة سنة مطلوبة، وفيها خيرٌ عظيمٌ، ومصالح في المداينات، وهكذا الإشهاد في البيع، لكن ذلك لا يجب؛ للآية: فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ.

وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ: حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: حَدَّثَنِي عُمَارَةُ بْنُ خُزَيْمَةَ الْأَنْصَارِيُّ: أَنَّ عَمَّهُ حَدَّثَهُ -وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ- أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ ابتاع فرسًا من أعرابيٍّ، فَاسْتَتْبَعَهُ النَّبِيُّ ﷺ لِيَقْضِيَهُ ثَمَنَ فَرَسِهِ، فَأَسْرَعَ النَّبِيُّ ﷺ وَأَبْطَأَ الْأَعْرَابِيُّ، فَطَفِقَ رِجَالٌ يَعْتَرِضُونَ الْأَعْرَابِيَّ فَيُسَاوِمُونَهُ بِالْفَرَسِ، وَلَا يَشْعُرُونَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ ابْتَاعَهُ، حَتَّى زَادَ بَعْضُهُمُ الْأَعْرَابِيَّ فِي السَّوْمِ عَلَى ثَمَنِ الْفَرَسِ الَّذِي ابْتَاعَهُ النَّبِيُّ ﷺ، فَنَادَى الْأَعْرَابِيُّ النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ مُبْتَاعًا هَذَا الْفَرَسَ فَابْتَعْهُ وَإِلَّا بعتُه. فقال النَّبِيُّ ﷺ حِينَ سَمِعَ نداء الأعرابي، قال: أوليس قَدِ ابْتَعْتُهُ مِنْكَ؟ قَالَ الْأَعْرَابِيُّ: لَا وَاللَّهِ مَا بِعْتُكَ. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: بَلْ قَدِ ابْتَعْتُهُ مِنْكَ، فَطَفِقَ النَّاسُ يَلُوذُونَ بِالنَّبِيِّ ﷺ وَالْأَعْرَابِيِّ، وَهُمَا يَتَرَاجَعَانِ، فَطَفِقَ الْأَعْرَابِيُّ يَقُولُ: هَلُمَّ شَهِيدًا يَشْهَدُ أَنِّي بَايَعْتُكَ، فَمَنْ جَاءَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَالَ لِلْأَعْرَابِيِّ: وَيْلَكَ! إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يَكُنْ يَقُولُ إِلَّا حَقًّا. حَتَّى جَاءَ خُزَيْمَةُ فَاسْتَمَعَ لِمُرَاجَعَةِ النَّبِيِّ ﷺ وَمُرَاجَعَةِ الْأَعْرَابِيِّ يَقُولُ: هَلُمَّ شَهِيدًا يَشْهَدُ أَنِّي بَايَعْتُكَ. قَالَ خُزَيْمَةُ: أَنَا أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَايَعْتَهُ. فَأَقْبَلَ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى خُزَيْمَةَ فَقَالَ: بِمَ تشهد؟ فقال: بتصديقك يا رسول الله ﷺ. فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ شَهَادَةَ خُزَيْمَةَ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ.

وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ شُعَيْبٍ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ محمد بن الوليد الزّبيدي.

مُداخلة: في نسخة الشُّعَب بالراء: الزبيري.

الشيخ: لا، بالدال: الزبيدي، محمد بن الوليد الزّبيدي.

س: صحيح الحديث؟

ج: نعم صحيح.

س: .............؟

ج: قد يكون ما بعد أسلم، قد يكون ذاك الوقت ما بعد أسلم، أقول: قد يكون الرجلُ كافرًا ما أسلم، ما في الحديث صراحة أنه مسلم، أو ما هو بمسلمٍ.

وكلاهما عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهِ نَحْوَهُ، وَلَكِنَّ الِاحْتِيَاطَ هُوَ الإرشاد.

الشيخ: يظهر من الحديث أنَّ الإشهادَ ليس بشرطٍ ولا واجبٍ، ولكنَّه مُستحبٌّ، وهو يدل على أنَّ النبي ﷺ يجوز أن يشهد له بعضُ الأمّة فيما يقول عليه الصلاة والسلام؛ لأنَّه الصَّادق فيما يُخبر به، وفيما يُخبر به عن الله، وفيما يُخبر عن نفسه، ليس بمتَّهمٍ بالكذب عليه الصلاة والسلام، وهذا من خصائصه عليه الصلاة والسّلام.

س: يعني الصَّحابي شهد بتصديق الرسول؟

ج: بتصديق الرسول، ما حضر البيع، لكن بتصديق الرسول.

س: هل يحتاج ﷺ إلى شهادةٍ؟

ج: يحتاج إذا كان صاحبُ الدّعوة كافرًا، المسلم ما هو مُطالبه ببينةٍ، فإذا صار ..... كفّار أو يهود يحتاج إلى بينةٍ.

س: يعني من خصائص الرسول .....؟

ج: هو الظَّاهر، هذه تُعتبر من الخصائص: الشَّهادة بما قال عليه الصلاة والسلام، تصديقه فيما قال، والشَّهادة له بذلك، أمَّا غيره فلا تجوز الشّهادة لأحدٍ أنه صادق، ولو أنه عنده صدوق، ما نشهد أنه باع أو اشترى بمجرد أنه عندنا صدوق، لا، هذه شهادة زورٍ.

س: والأعرابيّ هذا محمولٌ على أنه كافر؟

ج: الظاهر والله أعلم أنه لم يُسلم؛ لأنه لو كان مسلمًا ما توقّف.

س: شهادة خزيمة بشهادة اثنين عامَّةً، أو في هذا خاصَّة؟

ج: لا، ..... يعني: ما حلف النبي مع شهادته يعني. القاعدة: مع الشاهد يمين، ولكن لكونه ﷺ أصدق الناس ما احتاج إلى هذا كلِّه.

س: ما يحتمل العموم قوله: فجعل النبيُّ ﷺ شهادته شهادة رجلين؟

ج: لا، في هذه القضية هذا الظَّاهر.

س: في قصّة جمع القرآن يُقال أنَّه في آخر سورة التوبة بقيت آيةٌ ما وجدوها إلا مع خُزيمة؟

ج: وزيدٌ حفظها، وغيره من الحفّاظ، لكن لعله وجدها مكتوبةً عنده، التي يكتبونها هذا الأصل، وإلا فهم حفظوها وقرأوها على النبي ﷺ.

س: الشَّهادة بكل أحوال .....؟

ج: نعم.

وَلَكِنَّ الِاحْتِيَاطَ هُوَ الإرشاد.

الشيخ: هو الإشهاد، ولكن الاحتياط هو الإشهاد، وإن كان مُستحبًّا ينبغي الإشهادُ حتى يقطع النِّزاع.

لِمَا رَوَاهُ الْإِمَامَانِ: الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْحَاكِمُ فِي "مُسْتَدْرَكِهِ" مِنْ رِوَايَةِ مُعَاذِ بن معاذ العنبري، عن شُعبة، عَنْ فِرَاسٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ثَلَاثَةٌ يَدْعُونَ اللَّهَ فَلَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ: رَجُلٌ لَهُ امْرَأَةٌ سَيِّئَةُ الْخُلُقِ فَلَمْ يُطَلِّقْهَا، وَرَجُلٌ دَفَعَ مَالَ يَتِيمٍ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ، وَرَجُلٌ أَقْرَضَ رَجُلًا مَالًا فَلَمْ يُشْهِدْ.

ثُمَّ قَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. قَالَ: وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ؛ لِتَوْقِيفِ أَصْحَابِ شُعْبَةَ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى أَبِي مُوسَى، وَإِنَّمَا أَجْمَعُوا عَلَى سَنَدِ حَدِيثِ شُعْبَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ: ثلاثة يُؤتون أجرهم مرتين.

الشيخ: أيش عندك يا شيخ محمد؟ هذا غريب! متن غريب! عندك شيء عليه؟

الطالب: نعم: الحديث رواه الحاكم في "مستدركه" بسنده كما ذكره هنا، وذكر ما ذكره الحافظ، فقال الذهبي: ولم يُخرّجاه؛ لأنَّ الجمهور رووه عن شعبة موقوفًا، ورفعه معاذ بن معاذٍ عنه.

الشيخ: فقط؟

الطالب: فقط.

الشيخ: فيه غرابة! هذا أولًا من جهة الوعيد أنَّه لم يكتب القرض، وثانيًا في عدم طلاق المرأة سيئة الخلق، إلا أن يُحمل على شيءٍ أكثر من هذا؛ وهو أنَّ سُوء خلقها من جهة تعاطيها الفاحشة، وأنه إذا صبر عليها -سيئة الخلق- وأحسن إليها كيف يكون هذا سببًا لعدم قبول دعائه؟! ثلاثة؟

ثَلَاثَةٌ يَدْعُونَ اللَّهَ فَلَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ: رَجُلٌ لَهُ امْرَأَةٌ سَيِّئَةُ الْخُلُقِ فَلَمْ يُطَلِّقْهَا، وَرَجُلٌ دَفَعَ مَالَ يَتِيمٍ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ، وَرَجُلٌ أَقْرَضَ رَجُلًا مَالًا فَلَمْ يُشْهِدْ.

الشيخ: في صحّة هذا نظر، انظر الكلام على فراس حتى ولو كان موقوفًا؛ لأنَّ الموقوف الذي مثل هذا ما يُقال من جهة الرأي، في حكم الرفع، لو وقفه أبو موسى فهو في حكم الرفع، لا يُقال من جهة الرَّأي.

الطالب: فراس هو ابن يحيى الهمداني، الخارجي، أبو يحيى الكوفي المكتم، صدوق، ربما وهم، من السادسة، أخرج له الجماعةُ.

الشيخ: الله المستعان، يحتاج إلى تتبعٍ، سند الحاكم عندك؟

الطالب: نعم، قال الحاكم: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حَمْشَاذَ الْعَدْلُ: حدَّثنا أَبُو الْمُثَنَّى مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ: حدَّثنا أَبِي: حدَّثنا شُعْبَةُ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ ، مرفوعًا.

الشيخ: الحافظ ما ذكر: "عن أبيه"، عن معاذ بن معاذ، عن شعبة. سقط عندكم: عن أبيه؟

..........

الشيخ: المعروف روايته عن أبيه، ونسخة الشُّعب كذلك؟

الطالب: نعم.

الشيخ: ما فيها زيادة؟

الطالب: ما فيها زيادة.

الشيخ: من حديث ابن معاذ، عن شعبة، كذا عندك؟

الطالب: نعم، أحسن الله إليك.

الشيخ: وأنت عندك يا شيخ محمد: حدَّثنا أبي؟

الطالب: نعم، قال: حدَّثنا أبو المثنى معاذ بن معاذ، قال: حدَّثنا أبي.

الشيخ: هذا هو المعروف، ساقط في النُّسخة، يحتاج إلى تتبعٍ ومراجعةٍ، يحتاج إلى تتبعٍ في "الجامع الصغير"، وفي "كشف الخفاء"، وأشباهه، و"جامع الأصول"، في الثلاثة، تأمّلها.

............

س: الحديث لو صحَّ يدل على وجوب الكتابة، ما هو على الاحتياط؟

ج: نعم.

س: لو صحَّ يدل على الوجوب؟

ج: وعيدٌ: لا تُقبل دعوتهم، وعلى وجوب طلاق مَن ساء خلقها، هذا أمرٌ عجيبٌ يعني.

س: الحافظ رحمه الله يقول: يدل على الاحتياط؟

ج: لا، ما هو بظاهر، ظاهره الوجوب، نعم شيخ محمد، تأمّل هذا جمعه .....

الطالب: ..... قبل ذلك: أنا أظن أنه في "صحيح الجامع" أنَّ الشيخ ناصر صحَّحه .....

الشيخ: في متنه عندي نظر، في المتن عندي نظر.

س: المقصود بالمرأة سيئة الخلق هي التي تكثر اللّعان ولا تُطيع الزوج؟

ج: محتمل، أقول: محتمل؛ لأنه مُطلَق، لكن قاعدة الشرع في مثل هذا أنَّه لو صبر عليها وأحسن إليها، ولا سيّما أنها قد تكون ذات أولادٍ، قد تكون ضعيفة العقل تحتاج إلى صبرٍ، كونه لا تُقبل دعوته إذا صبر عليها هذا خلاف قاعدة الشرع المعروفة، قاعدة الشرع في مثل هذا أنَّه إذا صبر عليها وأحسن إليها ووجَّهها إلى الخير يُؤجر على هذا الشيء، ولا سيما أنها قد تكون أمّ أولادٍ، وقد يكون عندها بعض الضَّعف في العقل؛ ولهذا ساء خلقها: تكون سبَّابةً، قد يكون عندها حمقٌ، لا تتحمل المفاهمة، مع أنه يمكن حمله على سيئة الخلق من جهة الدِّين، من جهة عدم العفاف، لكن مثل هذا التَّعبير بسيئة الخلق ما هو بواضحٍ، لكن تبقى مسألة القرض: مَن لم يُشهد على القرض لا تُقبل دعوته، وهو محسنٌ، قد يكون سمحًا؛ لا يهمّه جاء قرض أو ما جاء قرض، ما يهمّه، الله يقول: فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ [البقرة:283]، والسّند ظاهره الصحّة، لم يكن وهمًا من الحاكم، أو من الشيخ، أو ابن مردويه رحمه الله.

الطالب: فراس له أوهام.

الشيخ: فقط ربما وهم سهل هذا، ربما وهم سهل.

الطالب: حتى له وهم في البخاري.

الشيخ: أقول: ربما وهم، يعني: سهل، وإلا فهو حديث عظيم هذا.

س: أقوال الحافظ في مثل هذا التَّعبير: صدوق له أوهام، صدوق يهم أحيانًا. وإن كانت الجملةُ تكون صوابًا، لكن أحيانًا توجد عليه مآخذ في هذا، ويكون الرجلُ له أوهام .....؟

ج: يُراجع، يراجع فراس، يراجع في "التهذيب" و"تهذيب التهذيب".

الطالب: له أوهام حفظكم الله، حتى الحديث في البخاري: فكانت أوّلهن موتًا سودة. هذا حديثه في البخاري.

الشيخ: هذا من أوهامه، قد يكون هذا من أوهامه، قد يكون، وإن كانت معه علّة أخرى، قد يكون هذا.

س: درجة الحديث هذا؟

ج: سنده جيد، لكن النَّظر في متنه فقط.

س: الإشهاد في جميع الحالات مُستحبٌّ؟

ج: نعم.

س: ما يكون في حالةٍ واجب؟

ج: المعروف أنه مُستحبٌّ الإشهاد، والكتابة كذلك، نعم.