تفسير قوله تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} (1)

وَقَوْلُهُ: وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ [البقرة:276] قُرِئَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَالتَّخْفِيفِ، من ربا الشَّيء يربو، وأرباه يُربيه، أي: كثره ونمَّاه يُنمّيه.

وقُرئ: (يُربّي) بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيدِ مِنَ التَّرْبِيَةِ.

الشيخ: والمعنى واحد: ربا وأربا، يعني: يُنمّي الصَّدقات ويُكثرها ويُضاعفها: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ، يمحق اللهُ الرِّبا: يقضي عليه بالإتلاف، أو بنزع البركة، أو بصرفه فيما يضرّه في الحرام.

وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ يُنمّيها ويزيدها ويُكثرها، وقُرِئَ: يُربي، أو يُرابي، المعنى واحد، فهو سبحانه يُبارك في الصَّدقات ويُنميها لأهلها، كما في الحديث الصَّحيح: ما من عبدٍ يتصدَّق بعدل تمرةٍ من كسبٍ طيبٍ -ولا يقبل اللهُ إلا الطَّيب- إلا تقبَّلها اللهُ بيمينه ويُربِّيها لصاحبها حتى تكون مثل الجبل، وفي روايةٍ: أعظم من الجبل.

كَمَا قَالَ الْبُخَارِيُّ: حدَّثنا عبدالله بن كثير.

..........

قال البخاري: حدَّثنا عبدالله بن منير: أخبرنا كثير، سمع أبا النَّصر: حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَن تصدَّق بعدل تمرةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ -وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الطَّيب- فإنَّ الله يتقبَّلها بيمينه، ثم يُربّيها لصاحبها كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ، حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ.

الشيخ: يعني يكون ما يُعادل التّمرة مثل الجبل.

كَذَا رَوَاهُ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ.

وَقَالَ فِي كِتَابِ "التَّوْحِيدِ": وَقَالَ خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ: عن سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ دينارٍ. فذكره بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ.

..........

وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي "الزَّكَاةِ" عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَخْلَدٍ، فَذَكَرَهُ.

قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَرَوَاهُ مُسْلِمُ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، وَسُهَيْلٌ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ.

قُلْتُ: أَمَّا رِوَايَةُ مُسْلِمِ ابْنِ أَبِي مَرْيَمَ فَقَدْ تَفَرَّدَ الْبُخَارِيُّ بِذِكْرِهَا، وَأَمَّا طَرِيقُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فَرَوَاهَا مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" عَنْ أَبِي الطَّاهر ابن السرح، عن ابن وَهْبٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ.

الطالب: هشام بن سعيد، مُصحَّفًا، وهو هشام بن سعد المدني، أبو عباد ..... قال في "التقريب": صدوق، له أوهام، ورُمِيَ بالتَّشيع، من كبار السَّابعة، مات سنة ستين .....، روى له البخاري تعليقًا، ومسلم، والأربعة.

وأمَّا هشام بن سعيد، وهو الطّلقاني، وهو أكبر من ذلك، ولم يروِ مسلمٌ له قطّ، بل روى له البخاري في "الأدب المفرد"، وأبو داود والنَّسائي، وليس من رواة الكتب السّتة من اسمه: هشام بن سعد، أو ابن سعيد سواهما.

عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ بِهِ.

وَأَمَّا حَدِيثُ سُهَيْلٍ: فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ، عَنْ سُهَيْلٍ بِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الشيخ: .......

قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ وَرْقَاءُ: عَنِ ابْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ.

وَقَدْ أَسْنَدَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ الْحَاكِمِ وَغَيْرِهِ، عَنِ الْأَصَمِّ، عَنِ الْعَبَّاسِ الْمَرْوَزِيِّ، عَنْ أَبِي الزِّناد هَاشِمِ بْنِ الْقَاسِمِ.

الشيخ: كذا عندكم؟

الطالب: في المخطوطة: عن أبي النَّضر .....

الشيخ: بدل "أبي الزناد": أبي النضر.

الطالب: عند البيهقي (4/195).

عَنْ وَرْقَاءَ -وَهُوَ ابْنُ عُمَرَ الْيَشْكُرِيُّ- عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَن تصدَّق بعدل تمرةٍ من كسبٍ طيبٍ -وَلَا يَصْعَدُ إِلَى اللَّهِ إِلَّا الطَّيِّبُ- فَإِنَّ الله يقبلها بيمينه، فيُربِّيها لصاحبها كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ، حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ أُحُدٍ.

الشيخ: يُقال: فَلوّه، ويُقال: فِلوه -بكسر الفاء- يُقال: فلو، ويقال: فلو .....

وَهَكَذَا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ –جَمِيعًا- عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ سعدٍ الْمَقْبُرِيِّ.

وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ. وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى الْقَطَّانِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ.

ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ أَبِي الْحُبَابِ الْمَدَنِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، فَذَكَرَهُ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، فَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِاللَّهِ الْأَوْدِيُّ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ الصَّدَقَةَ، وَيَأْخُذُهَا بِيَمِينِهِ فَيُرَبِّيهَا لِأَحَدِكُمْ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ مُهْرَهُ أَوْ فَلُوَّهُ، حَتَّى إِنَّ اللُّقْمَةَ لَتَصِيرُ مِثْلَ أُحُدٍ، وَتَصْدِيقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ.

وَكَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ وَكِيعٍ، وَهُوَ فِي تَفْسِيرِ وَكِيعٍ.

وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ وَكِيعٍ بِهِ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.

الشيخ: وكل هذا يحثّ المؤمن على الصَّدقة، فلا يحتقرها ولو قليلة، فإنَّ القليلة مع القليلة تنفع الفقير؛ ولهذا في الحديث الصَّحيح عن عدي بن حاتم: اتَّقوا النارَ ولو بشقِّ تمرةٍ، فالقليل مع القليل يكون كثيرًا عند المحتاج.

فينبغي للمؤمن ألا يحتقر الصَّدقة ولو قليلة، يتصدّق ويُعوِّد نفسَه الصَّدقة ولو بقليلٍ حتى يتيسر له الكثير، فالله جلَّ وعلا غنيٌّ عن عباده، ولكنَّهم هم الفقراء إليه، هم المحتاجون إلى فضله وإحسانه، وقد ذكرتُ لكم سابقًا حديث عائشة في قصّة المرأة مع بنتيها .....: جاءت إليها امرأةٌ مع ابنتان -كما في البخاري- تشحذ، قالت عائشةُ: فلم أجد إلا تمرتين. وفي روايةٍ: ثلاث تمرات. فأعطت كلَّ واحدةٍ من ابنتيها تمرةً، وأخذت الثالثةَ لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها التَّمرة الثالثة، فشقَّتها بينهما نصفين، ولم تأكل شيئًا، قالت: فأعجبني شأنُها، فلما جاء النبيُّ ﷺ فأخبرته فقال: إنَّ الله أوجب لها بذلك الجنّة، المقصود أنَّ الصَّدقة ولو قليلة فيها الخير الكثير، ولا سيما مع الإخلاص والرحمة.

وَكَذَا رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ بِهِ.

الطالب: قوله فيه: (وكذا رواه الترمذي عن عباد بن منصورٍ به)، قلتُ: لعله .....

وَرَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا عَنْ خَلَفِ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ عَبْدِالْوَاحِدِ بْنِ ضَمْرَةَ وَعَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ –كِلَاهُمَا- عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنِ الْقَاسِمِ بِهِ.

الطالب: قوله: (ورواه أحمدُ أيضًا عن خلف بن الوليد، عن ابن المبارك، عن عبدالواحد بن ضمرة وعبّاد بن منصور –كلاهما- عن أبي نضرة، عن القاسم، به) فيه تصحيفات جمّة:

أوَّلها قوله: (عن ابن المبارك) صوابه: عن المبارك .....، وهو ابن فضالة.

(عن عبدالواحد بن ضمرة) صوابه: عبدالواحد بن سبرة.

ثم قوله: (عن رجلٍ .....، عن أبي نضرة، عن القاسم، به) لا أدري ما الذي وضع أبو نضرة هنا؟! فعبَّاد بن منصور وعبدالواحد بن سبرة كلاهما يروي عن القاسم -وهو ابن محمد- دون واسطةٍ، وهكذا هو في "مسند أحمد".

الشيخ: .......

الطالب: ........

وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِالْمَلِكِ بْنِ إِسْحَاقَ.

الطالب: قوله: (رواه ابن جريرٍ عن محمد بن عبدالملك بن إسحاق) رواه ابنُ جريرٍ، ولكن لا يوجد ذكرٌ لابن إسحاق.

.........

عَنْ عَبْدِالرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا تصدَّق من طيِّبٍ تقبَّلها اللَّهُ مِنْهُ، فَيَأْخُذُهَا بِيَمِينِهِ وَيُرَبِّيهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ مُهْرَهُ أَوْ فَصِيلَهُ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَصَدَّقُ بِاللُّقْمَةِ فَتَرْبُو فِي يَدِ اللَّهِ -أَوْ قَالَ: فِي كَفِّ اللَّهِ- حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ أُحُدٍ، فَتَصَدَّقُوا.

وَهَكَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِالرَّزَّاقِ، وَهَذَا طَرِيقٌ غَرِيبٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَكِنَّ لَفْظَهُ عَجِيبٌ، وَالْمَحْفُوظُ مَا تَقَدَّمَ.

الشيخ: ...........

الطالب: الشيخ أحمد شاكر تكلّم قال: محمد بن عبدالملك الراجح عندي أنَّه محمد بن عبدالملك بن زنجويه البغدادي، فإنه يروي عن عبدالرزاق، وهو من طرقٍ من شيوخ الطّبري، وإن لم أجد مصدرًا يدل على روايته عنه، ولكنه بغدادي، فمن المحتمل جدًّا أن يروي عنه .....، وهو ثقةٌ، وثَّقه النَّسائي وغيره .....