تفسير قوله تعالى: { قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ..}

وَكُلُّ هَذِهِ الْآثَارِ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الْمَائِدَةَ نَزَلَتْ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَيَّامَ عِيسَى ابن مريم؛ إجابةً من الله لدعوته، كما دَلَّ عَلَى ذَلِكَ ظَاهِرُ هَذَا السِّيَاقِ مِنَ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ: قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ الآية [المائدة:115].

وَقَدْ قَالَ قَائِلُونَ: إِنَّهَا لَمْ تَنْزِلْ. فَرَوَى لَيْثُ ابْنُ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ [المائدة:114]، قال: هو مثلٌ ضربه اللهُ، وَلَمْ يَنْزِلْ شَيْءٌ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ.

ثُمَّ قال ابنُ جريرٍ: حدَّثنا الْحَارِثُ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ -هُوَ ابْنُ سَلَّامٍ- حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: مَائِدَةٌ عَلَيْهَا طَعَامٌ، أَبَوْهَا حِينَ عُرِضَ عَلَيْهِمُ الْعَذَابُ إِنْ كَفَرُوا، فَأَبَوا أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ.

وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمَائِدَةِ: إنَّها لَمْ تَنْزِلْ.

وَحَدَّثَنَا بِشْرٌ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: لَمَّا قِيلَ لَهُمْ: فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ [المائدة:115]، قَالُوا: لَا حَاجَةَ لَنَا فِيهَا. فَلَمْ تَنْزِلْ.

وَهَذِهِ أَسَانِيدُ صَحِيحَةٌ إِلَى مُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ، وَقَدْ يَتَقَوَّى ذَلِكَ بِأَنَّ خَبَرَ الْمَائِدَةِ لَا يعرفه النَّصَارَى، وَلَيْسَ هُوَ فِي كِتَابِهِمْ، وَلَوْ كَانَتْ قد نزلت لكان ذلك مما تتوفر الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ، وَكَانَ يَكُونُ مَوْجُودًا فِي كِتَابِهِمْ، مُتَوَاتِرًا، وَلَا أَقَلَّ مِنَ الْآحَادِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَلَكِنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهَا نَزَلَتْ، وهو الذي اختاره ابنُ جريرٍ، قال: لأنَّ الله تعالى أخبر بنزولها في قوله تَعَالَى: إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ، قَالَ: وَوَعْدُ اللَّهِ وَوَعِيدُهُ حَقٌّ وَصِدْقٌ.

وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ -وَاللَّهُ أَعْلَمُ- الصَّوَابُ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَخْبَارُ وَالْآثَارُ عَنِ السَّلَفِ وَغَيْرِهِمْ.

وَقَدْ ذَكَرَ أَهْلُ التَّارِيخِ أَنَّ مُوسَى بْنَ نُصَيْرٍ نَائِبَ بَنِي أُمَيَّةَ فِي فُتُوحِ بِلَادِ الْمَغْرِبِ وَجَدَ الْمَائِدَةَ هُنَالِكَ مُرَصَّعَةً بِاللَّآلِئِ وَأَنْوَاعِ الْجَوَاهِرِ، فَبَعَثَ بِهَا إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الوليد بن عَبْدِالْمَلِكِ بَانِي جَامِعِ دِمَشْقَ، فَمَاتَ وَهِيَ فِي الطَّرِيقِ، فَحُمِلَتْ إِلَى أَخِيهِ سُلَيْمَانَ بْنِ عبدالملك الخليفة بعده، فرآها الناسُ فتعجَّبوا مِنْهَا كَثِيرًا؛ لِمَا فِيهَا مِنَ الْيَوَاقِيتِ النَّفِيسَةِ وَالْجَوَاهِرِ الْيَتِيمَةِ، وَيُقَالُ: إِنَّ هَذِهِ الْمَائِدَةَ كَانَتْ لِسُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الشيخ: والعُمدة في هذا على ظاهر القرآن، ظاهر القرآن الكريم أنها أنزلت، وأنَّ الله أخبر فيها خبرًا مُطلقًا لم يُقيد فقال: إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ، فهذا الوعد واضحٌ في أنها نزلت، والله لا يُخلف الوعد ، كل هذا ..... ما يُستغرب، قد تكون مما أنكروها وجحدوها، فهم جحدوا وغيَّروا وحرَّفوا.

وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحَكَمِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَتْ قُرَيْشٌ لِلنَّبِيِّ ﷺ: ادْعُ لَنَا رَبَّكَ أَنْ يَجْعَلَ لَنَا الصَّفَا ذَهَبًا وَنُؤْمِنُ بِكَ. قَالَ: وَتَفْعَلُونَ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَدَعَا، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: إِنَّ رَبَّكَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ، وَيَقُولُ لَكَ: إِنْ شِئْتَ أَصْبَحَ لَهُمُ الصَّفَا ذَهَبًا، فَمَنْ كَفَرَ مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ عَذَّبْتُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ، وَإِنْ شِئْتَ فَتَحْتُ لَهُمْ بَابَ التَّوْبَةِ وَالرَّحْمَةِ، قَالَ: بَلْ بَابُ التَّوْبَةِ وَالرَّحْمَةِ.

ثُمَّ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْحَاكِمُ فِي "مستدركه" من حديث سفيان الثّوري، به.

وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ۝ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ۝ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة:116- 118].

هذا أيضًا مما يُخاطب اللهُ بِهِ عَبْدَهُ وَرَسُولَهُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَائِلًا لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَضْرَةِ مَنِ اتَّخذه وأمّه إلهين من دون الله: يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَهَذَا تَهْدِيدٌ لِلنَّصَارَى وَتَوْبِيخٌ وَتَقْرِيعٌ عَلَى رُؤُوسِ الْأَشْهَادِ. هَكَذَا قَالَهُ قَتَادَةُ وَغَيْرُهُ، وَاسْتَدَلَّ قَتَادَةُ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ.

وَقَالَ السُّدِّيُّ: هَذَا الْخِطَابُ وَالْجَوَابُ في الدنيا.

وقال ابنُ جرير: هذا هو الصّواب، وكان ذلك حين رفعه إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا.

وَاحْتَجَّ ابْنُ جَرِيرٍ عَلَى ذلك بمعنيين:

أحدهما: أنَّ الكلام بلفظ المضي.

والثاني: قوله: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ ووَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ.

وَهَذَانِ الدَّلِيلَانِ فِيهِمَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ أُمُورِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ذُكِرَ بِلَفْظِ الْمُضِيِّ لِيَدُلَّ عَلَى الْوُقُوعِ وَالثُّبُوتِ.

وَمَعْنَى قَوْلِهِ: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ الْآيَةَ، التَّبَرِّي مِنْهُمْ، وَرَدُّ الْمَشِيئَةِ فِيهِمْ إِلَى اللَّهِ، وَتَعْلِيقُ ذَلِكَ عَلَى الشَّرْطِ لَا يَقْتَضِي وُقُوعَهُ، كَمَا فِي نَظَائِرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

وَالَّذِي قَالَهُ قَتَادَةُ وَغَيْرُهُ هُوَ الْأَظْهَرُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ: أَنَّ ذَلِكَ كَائِنٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِيَدُلَّ عَلَى تَهْدِيدِ النَّصَارَى وَتَقْرِيعِهِمْ وَتَوْبِيخِهِمْ عَلَى رُؤُوسِ الْأَشْهَادِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

وَقَدْ رُوِيَ بِذَلِكَ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ: رَوَاهُ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ أَبِي عَبْدِالله مولى عُمَرَ بْنِ عَبْدِالْعَزِيزِ، وَكَانَ ثِقَةً، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بُرْدَةَ يُحَدِّثُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِالْعَزِيزِ عَنْ أَبِيهِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ دُعِيَ بِالْأَنْبِيَاءِ وَأُمَمِهِمْ، ثُمَّ يُدْعَى بِعِيسَى فَيُذَكِّرُهُ اللَّهُ نِعْمَتَهُ عَلَيْهِ، فَيُقِرُّ بِهَا، فَيَقُولُ: يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ الآية [المائدة:110]، ثُمَّ يَقُولُ: أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ [المائدة:116]؟ فَيُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ قَالَ ذَلِكَ، فَيُؤْتَى بِالنَّصَارَى فَيُسْأَلُونَ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هُوَ أَمَرَنَا بِذَلِكَ، قَالَ: فَيُطَوَّلُ شَعْرُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَيَأْخُذُ كُلُّ مَلَكٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ بِشَعْرَةٍ مِنْ شَعْرِ رَأْسِهِ وَجَسَدِهِ، فَيُجَاثِيهِمْ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ مِقْدَارَ أَلْفِ عَامٍ حَتَّى تُرْفَعَ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةُ، وَيُرْفَعَ لَهُمُ الصَّلِيبُ، وَيُنْطَلَقَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ. وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ عَزِيزٌ.

الشيخ: الظاهر والله أعلم أنَّ هذا من موضوعات بني إسرائيل، ومن خُرافاتهم؛ لأنَّ هذا فيه مشقّة عسيرة، فيه مشقّة على عيسى، وشيء من التَّعب، وهو نبي الله البريء من قولهم ومن باطلهم ..... جدًّا أن يقع هذا من ربِّ العالمين مع عيسى عليه الصلاة والسلام الذي برَّأه الله ..... بلغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، وصبر على الأذى، المقصود أنَّ هذا والله أعلم من خُرافاتهم.

س: قوله: غريبٌ عزيزٌ؟

ج: لا، هذا غريبٌ باطلٌ.

س: معنى قوله: عزيز؟

ج: يعني: ما له طريقٌ آخر، ما له طرقٌ –يعني- لعله ما له إلا هذا الطريق الواحد، ما له طرقٌ أخرى يعني.

س: غريبٌ عزيزٌ؟

ج: يعني: لقلّة الطرق، القاعدة في الحديث العزيز أنَّه يُروى من طريقين، لكن لعلّ المراد هنا يعني العزيز، يعني: عزيز الوجود ..... يعني: ما له طرقٌ أخرى، ما له على اصطلاح المحدثين، لا، على اصطلاح عامَّة الناس، أو اللغة في بعض الأحيان، قد يكون مُشتركًا يُقال للشَّيء: إنَّ هذا لعزيز. يعني: قليل الوجود.

..............

وَقَوْلُهُ: سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ [المائدة:116] هَذَا تَوْفِيقٌ لِلتَّأَدُّبِ فِي الْجَوَابِ الْكَامِلِ، كَمَا قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: يُلَقَّى عِيسَى حُجَّتَهُ، ولقَّاه اللهُ تعالى فِي قَوْلِهِ: وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: فَلَقَّاهُ اللَّهُ: سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ.

وَقَدْ رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ طَاوُسٍ بِنَحْوِهِ.

وَقَوْلُهُ: إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ أَيْ: إِنْ كَانَ صَدَرَ مِنِّي هَذَا فَقَدْ عَلِمْتَهُ يَا رَبِّ، فَإِنَّهُ لا يخفى عليك شيء، فما قُلْتُهُ وَلَا أَرَدْتُهُ فِي نَفْسِي وَلَا أَضْمَرْتُهُ؛ وَلِهَذَا: تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ۝ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ بِإِبْلَاغِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ [المائدة:116- 117] أَيْ: مَا دَعَوْتُهُمْ إِلَّا إِلَى الَّذِي أَرْسَلْتَنِي بِهِ وَأَمَرْتَنِي بِإِبْلَاغِهِ: أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ أَيْ: هَذَا هُوَ الَّذِي قُلْتُ لَهُمْ.

وقوله: وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ أَيْ: كُنْتُ أَشْهَدُ عَلَى أَعْمَالِهِمْ حِينَ كُنْتُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [المائدة:117].

مداخلة: الحديث الذي تقدّم، قال ابنُ أبي حاتم: موجود عند الترمذي.

الشيخ: ما هو؟

الطالب: الحديث: "يلقى عيسى حجّته"، لفظه: "يلقى عيسى حجّته، فلقَّاه الله بقوله: وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ".

الشيخ: لمن نسبه؟ نسبه لابن جرير؟

الطالب: نسبه لابن أبي حاتم، ثم قال: رواه الثوري عن معمر، عن ابن طاوس، عن طاوس بنحوه. وهو عند الترمذي.

قال الترمذي: حدَّثنا ابنُ أبي عمر: أخبرنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن طاوس، عن أبي هريرة قال: يُلقَّى عيسى حُجَّته، فلقَّاه الله بقوله: وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ [المائدة:116]، قال أبو هريرة: عن النبي ﷺ: فلقَّاه الله: سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ الآية كلّها.

الشيخ: ..... نعم كمل.

الطالب: الآية كلها، هذا لفظ الترمذي، ثم قال: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

الشيخ: جيد، صدق، هذا الكلام جيد، حطّ حاشية: ورواه الترمذي أيضًا.

الطالب: والنَّسائي أيضًا ..... عند النَّسائي في "الكبرى".

الشيخ: فلقاه، بالفاء؟

الطالب: ما راجعت لفظه، لكن أخذتُ سنده ..... أمَّا اللَّفظ من الترمذي.

الشيخ: رواه الترمذي بسندٍ صحيحٍ، وفيه: "فلقاه" بالفاء.

.............