تفسير قوله تعالى: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ..} (1)

قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ يَحْيَى الْعَسْكَرِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَابِسٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَطَاءٍ الْمَكِّيِّ، عَنْ أَبِي حَرْبِ ابْنِ أَبِي الْأَسْوَدِ قَالَ: أَرْسَلَ الْحَجَّاجُ إِلَى يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ فَقَالَ: بَلَغَنِي أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ مِنْ ذُرِّيَّةِ النَّبِيِّ ﷺ، تَجِدُهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَقَدْ قَرَأْتُهُ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ فَلَمْ أَجِدْهُ؟ قَالَ: أَلَيْسَ تَقْرَأُ سُورَةَ الْأَنْعَامِ: وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ حَتَّى بَلَغَ وَيَحْيَى وَعِيسَى [الأنعام:84- 85]؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: أَلَيْسَ عِيسَى مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَلَيْسَ لَهُ أَبٌ؟ قَالَ: صَدَقْتَ.

فَلِهَذَا إِذَا أَوْصَى الرَّجُلُ لِذُرِّيَّتِهِ، أَوْ وَقَفَ عَلَى ذُرِّيَّتِهِ، أَوْ وَهَبَهُمْ؛ دَخَلَ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ فِيهِمْ، فَأَمَّا إِذَا أَعْطَى الرَّجُلُ بَنِيهِ، أَوْ وَقَفَ عَلَيْهِمْ؛ فَإِنَّهُ يَخْتَصُّ بِذَلِكَ بَنُوهُ لِصُلْبِهِ، وَبَنُو بَنِيهِ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ الشاعر العربي: [الطويل]

بَنُونَا بَنُو أَبْنَائِنَا وَبَنَاتُنَا بَنُوهُنَّ أَبْنَاءُ الرِّجَالِ الأجانب

وقال آخرون: ويدخل بنو البنات فيهم أَيْضًا؛ لِمَا ثَبَتَ فِي "صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ": أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قال لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ: إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَسَمَّاهُ ابْنًا، فَدَلَّ عَلَى دُخُولِهِ فِي الْأَبْنَاءِ.

وَقَالَ آخَرُونَ: هَذَا تَجَوُّزٌ، وَقَوْلُهُ: وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ [الأنعام:87]، ذَكَرَ أُصُولَهُمْ وَفُرُوعَهُمْ وَذَوِي طَبَقَتِهِمْ، وَأَنَّ الْهِدَايَةَ وَالِاجْتِبَاءَ شَمَلَهُمْ كُلَّهُمْ؛ وَلِهَذَا قَالَ: وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الأنعام:87].

ثم قال تعالى: ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَيْ: إِنَّمَا حَصَلَ لَهُمْ ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ وَهِدَايَتِهِ إِيَّاهُمْ، وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:88]، تَشْدِيدٌ لِأَمْرِ الشِّرْكِ، وتغليظٌ لشأنه، وتعظيمٌ لملابسته، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ الآية [الزمر:65]، وَهَذَا شَرْطٌ، وَالشَّرْطُ لَا يَقْتَضِي جَوَازَ الْوُقُوعِ، كَقَوْلِهِ: قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ [الزخرف:81]، وَكَقَوْلِهِ: لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ [الأنبياء:17]، وَكَقَوْلِهِ: لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ [الزمر:4].

وقوله تعالى: أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ [الأنعام:89] أَيْ: أنعمنا عليهم بِذَلِكَ رَحْمَةً لِلْعِبَادِ بِهِمْ.

الشيخ: والمقصود من هذا قوله جلَّ وعلا: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ، فخطابه ﷺ بهذا لا يلزم منه جواز وقوعه منه؛ لأنَّ الله قد عصمه من ذلك، وحفظه من ذلك، لكن لبيان عظم الأمر، فلو فُرض وقوع الشِّرك من النبي ﷺ لحبط عمله، فكيف بغيره؟

والمقصود الحذر من ذلك، المقصود التَّحذير والتَّخويف من الشِّرك بجميع أنواعه؛ لأنَّه ضد التوحيد، وضد الإيمان، وضد العبادة، فهو يُحبطها ولو كان من أكبر طبقةٍ، ومن أعظم شخصٍ؛ لأنَّه ..... في الربوبية، وتنقص في الألوهية، وسوء ظنٍّ بالله جلَّ وعلا، فالله سبحانه هو الواحد الأحد، المستحقّ للعبادة، فلا يجوز أن يُعبد معه سواه، فإذا أشرك بالعبادة غير الله فقد أتى أعظم الحوب، وأعظم الإثم؛ ولهذا لما قال ابنُ مسعودٍ للنبي ﷺ: يا رسول الله، أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندًّا وهو خلقك، فهو أعظم الذّنوب وأخطرها وأسوأها عاقبةً.

وهو أنواع كثيرة، وأصناف متعددة، ومن ذلك صرف بعض العبادة لغير الله: كالصلاة، والسجود، والذبح، والنذر، والدعاء، والاستغاثة بالأصنام والأموات والملائكة والجنّ والأشجار والنّجوم، إلى غير ذلك، فسُمِّي شركًا لأنَّه جعل بعض العبادة لغير الله، فالمشرك جعل بعضَها لغير الله، وسُمِّي بذلك مُشركًا، قد شرك بين الله وبين غيره في العبادة، ويُسمَّى: كفرًا لأنَّه جحد الحقَّ وستره، الحقّ توحيد الله وإخلاص العبادة له، والشِّرك جحدٌ لهذا الحقِّ وسترٌ له وتغطيةٌ، فسُمِّي كفرًا، وسُمِّي إلحادًا؛ لأنه ميلٌ بالحقِّ عن جهته، وعدولٌ بالحقِّ عن جهته؛ إذ الحقّ إفراد العبادة لله وحده، وتخصيصه بها، ووقوع الشرك إلحادٌ وميلٌ عن الحقِّ إلى الباطل، ويُسمّى: ظلمًا: وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة:254]، يُسمَّى: ظلمًا؛ لأنَّه وضع العبادة في غير محلِّها، والظالم يضع الأمورَ في غير محلِّها، والشِّرك أعظم الذنوب: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13].

وأمَّا ما يتعلق بالذّرية: فلا شكَّ أنَّ ذريةَ البنات ذرية للشّخص، كما أخبر اللهُ عن عيسى بأنَّه من ذرية إبراهيم، ومن ذرية نوح، وهو ولد مريم، وليس له أبٌ، والصواب أنَّه إذا أُطلقت الذّرية في الأوقاف والوصايا دخل فيها أولاد البنات، إلا أن يُخرجهم بنصٍّ، يقول: على ذُريتي من صلبي، أو من أبنائي. إن نصَّ على ذلك خرج أولادُ البنات، وإلا فهم داخلون: وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ [الأنعام:84] إلى أن ذكر عيسى.

ويلحق بالشّرك جميع أصناف الكفر، كل ما يُعتبر ناقضًا من نواقض الإسلام يُسمَّى: كفرًا، ويُسمَّى: شركًا، وإن لم يكن صرفًا للعبادة لغير الله، بل مجرد كونه إلحادًا في الدِّين، وإنكارًا للحقِّ الذي دلَّت عليه الأدلة، وأجمع عليه المسلمون، فهو كفرٌ أكبر، ويُسمَّى: شركًا، ويُسمَّى: صاحبُه مُشركًا، فلو أنَّ إنسانًا جحد وجوب الصلاة، أو جحد وجوب الزكاة، أو جحد وجوب صوم رمضان، أو جحد وجوب الحجِّ مع الاستطاعة؛ صار كافرًا، مُشركًا، وإن كان ما صرف العبادة لغير الله، لكن كونه جحد الحقَّ، وأنكر الحقَّ المعلوم بالإجماع، والمعلوم من الدِّين بالضَّرورة، مُكذِّبٌ بذلك؛ صار بهذا مُكذِّبًا لله، ومُكذِّبًا لرسوله، فصار كافرًا بجحده الحقّ، مُشركًا؛ لكونه أطاع هواه في هذا الباب، وشرَّك هواه وشيطانه في طاعته، بدلًا من طاعة الله ؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: بين الرجل وبين الكفر والشِّرك ترك الصَّلاة، وقال: العهد الذي بيننا وبينهم الصَّلاة، فمَن تركها فقد كفر، سمَّاه كافرًا، وسمَّاه مُشركًا، وسمَّى أنواع المشركين كفَّارًا، وسمَّاهم مشركين؛ لأنهم شركوا في العبادة غير الله، وكفرًا لأنهم جحدوا الحقَّ وتابعوا الهوى فصاروا كفَّارًا بذلك.

والشرك الأصغر لما كان دون الشّرك الأكبر، لكن فيه نوع تشريكٍ لغير الله لما يختصّ بالله: من الحلف بغير الله، أو قول "ما شاء الله وشاء فلان"، أو "لولا الله وفلان"، صار نوع شركٍ؛ لأنَّ فيه نوعًا من التَّشريك، لكنه أصغر، ليس من جنس الذبح لغير الله، والصلاة لغير الله، ونحو ذلك.

هكذا أنواع الكفر الأصغر فيه نوع جحدٍ وتغطية للحقِّ، فسُمّي كفرًا ..... يقول ﷺ: اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النَّسب، والنياحة على الميت، لا ترجعوا بعدي كفَّارًا يضرب بعضُكم رقابَ بعضٍ.

س: ...... إن أبناء البنات لا يدخلون في الذّرية؛ لأنَّ عيسى ليس كغيره من الناس .....؟

ج: هذا في إطلاق الابن، الظَّاهر إذا أُطلق الابن فالمراد أنه من الصلب، هذا الظاهر؛ ولهذا قال العلماء: إذا قال: "أبنائي" اختصّ بأبناء الصّلب، ويقول النبي ﷺ للحسن: إنَّ ابني هذا سيد، قاله ﷺ بيانًا لأنَّه من نسله، وأنَّه ابن ابنته فاطمة، وليس المقصود أنه .....، ولكن من باب التَّجوز في تسميته ابنًا، وهو ليس ابنه، وإنما هو ابن بنته، بخلاف الذّرية، الذّرية أوسع من الذّرء، وهو الخلق والإيجاد، العرب إذا أطلقت الأبناء أطلقتهم على أبناء الصّلب، والشّريعة جاءت بلغة العرب، بخلاف الذّرية فإنهم أوسع، الذّرية أوسع من إطلاق البنين.

س: حديث: ألا أُنبِّئكم بما هو أخوف عليكم من المسيح الدّجال ما صحّته؟

ج: رواه أحمد، ولا أتذكر حال سنده، رواه أحمد، ذكره الشيخ في كتاب "التوحيد"، يحتاج إلى مراجعة سنده.

س: الامتثال لبعض الأحكام القانونية في بعض البلدان، إذا كان طالبٌ يدرس هناك وحُكم عليه قانونيًّا بما يُخالف النَّص الشَّرعي، فهل له الامتثال لها؟

ج: ما هو بهواه، ما هو بهواه، لا يجوز له أن يرضى بذلك، وإذا استطاع التَّخلص من ذلك بالطّرق التي لا يترتب عليها شرٌّ: يتظلم ويُبدي ما عنده، ولا يرضى بحكم غير الله، لكن إذا أُلزم به ..... التَّخلص من ذلك الإثم على مَن ألزمه، والتَّفصيل في الحاكم: هل يكفر أو ما يكفر؟ هذا التَّفصيل، فالحاكم إذا حكم بغير ما أنزل الله يستحلّ ذلك كفر، أمَّا إذا حكم لا يستحلّه، بل لهوى أو لشبهةٍ أو نحو ذلك صار كفرًا دون كفرٍ.

س: وهل هذا يدخل في الإكراه: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ [النحل:106]؟

ج: محكومٌ عليه ..... ما في يده شيء، الإثم على مَن حكم عليه ..... أو بالضّرب، أو بأخذ المال.

س: حديث الذّباب؟

ج: لا بأس به: دخل رجلٌ النارَ في ذبابٍ، ودخل رجلٌ الجنةَ في ذبابٍ.

س: ألم يكره الرجلُ هذا الذي دخل النَّار؟

ج: هذا ما فيه إكراه، قال: "ما عندي شيء أُقرّب"، اعتذر فقط، ما امتنع، تساهل، ما عنده شيء يُقرّبه.

س: درجة الحديث؟

ج: لا بأس به، رواه الإمام أحمد في "الزهد".

وقوله تعالى: أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ أَيْ: أنعمنا عليهم بِذَلِكَ؛ رَحْمَةً لِلْعِبَادِ بِهِمْ، وَلُطْفًا مِنَّا بِالْخَلِيقَةِ، فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا [الأنعام:89] أَيْ: بِالنُّبُوَّةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ عَائِدًا عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ: الْكِتَابِ وَالْحُكْمِ وَالنُّبُوَّةِ.

وَقَوْلُهُ: هَؤُلَاءِ يَعْنِي: أَهْلَ مَكَّةَ. قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ والضَّحاك وقتادة والسّدي وغير واحدٍ، فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ [الأنعام:89] أَيْ: إِنْ يَكْفُرْ بِهَذِهِ النِّعَمِ مَنْ كَفَرَ بِهَا مِنْ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ مِنْ سَائِرِ أَهْلِ الْأَرْضِ مِنْ عَرَبٍ وَعَجَمٍ، وَمِلِّيينَ وَكِتَابِيِّينَ، فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا آخرين، أي: الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ وَأَتْبَاعَهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ أي: لا يجحدون منها شيئًا، وَلَا يَرُدُّونَ مِنْهَا حَرْفًا وَاحِدًا، بَلْ يُؤْمِنُونَ بِجَمِيعِهَا: مُحْكَمِهَا وَمُتَشَابِهِهَا، جَعَلَنَا اللَّهُ مِنْهُمْ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ وَإِحْسَانِهِ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُخَاطِبًا عَبْدَهُ وَرَسُولَهُ مُحَمَّدًا ﷺ: أُولَئِكَ يَعْنِي: الْأَنْبِيَاءَ الْمَذْكُورِينَ، مَعَ مَنْ أُضِيفَ إِلَيْهِمْ مِنَ الْآبَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ وَالْإِخْوَانِ، وَهُمُ الْأَشْبَاهُ، الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ أي: هم أهل الهدى لَا غَيْرُهُمْ، فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام:90] أَيِ: اقْتَدِ وَاتَّبِعْ.

الشيخ: يُقال: أشباه، ويُقال: أتباع، والمراد الذين شابهوهم في الحقِّ والخير، وإن كانوا ليسوا بأنبياء، لكن شابهوهم في اتِّباع الحقِّ، والانقياد له، والثَّبات عليه، والسَّير عليه، فصاروا أتباعًا لهم وأشباهًا لهم فيما فعلوا من الخير، فاستحقّوا النَّجاة والسَّلامة.

وَإِذَا كَانَ هَذَا أَمْرًا لِلرَّسُولِ ﷺ، فَأُمَّتُهُ تَبَعٌ لَهُ فِيمَا يُشَرِّعُهُ وَيَأْمُرُهُمْ بِهِ.

الشيخ: وهذه الآية القول الصَّحيح: أنَّ شرع مَن قبلنا شرعٌ لنا ما لم يرد شرعنا بخلافه. فما حكى الله عن الأنبياء الماضين وسكت عنه، ولم يأتِ بالشرع ما يُخالفه في الشرع المحمدي؛ يكون شرعًا لهذه الأمّة، مثل: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ [المائدة:45] إلى آخره، وأشباهها.

قَالَ الْبُخَارِيُّ عِنْدَ هَذِهِ الْآيَةِ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى: أَخْبَرَنَا هِشَامٌ: أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ الْأَحْوَلُ أَنَّ مُجَاهِدًا أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ: أَفِي (ص) سَجْدَةٌ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، ثُمَّ تَلَا: وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ إِلَى قَوْلِهِ: فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام:84- 90]، ثُمَّ قَالَ: هُوَ مِنْهُمْ.

زَادَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَسَهْلُ بْنُ يُوسُفَ، عَنِ الْعَوَّامِ، عَنْ مجاهدٍ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: نَبِيُّكُمْ ﷺ مِمَّنْ أُمِرَ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِمْ.

الشيخ: وقد سجد فيها ﷺ، قد سجد في (ص)، فصارت سنة، السجود فيها سنة في الصلاة وخارجها، وقول بعض الفقهاء أنه سجد ..... في الصّلاة ليس بجيدٍ، الصواب أنه سجد فيها كما سجد فيها النبيُّ ﷺ. رواه البخاري في "الصحيح" عن ابن عباسٍ: أنه سجد فيها، اللهم صلِّ عليه.

س: قوله: أنها ليست من عزائم السّجود؟

ج: ليست من عزائمه ..... من المؤكّدات، من اجتهاده ، يسجد فيها، سواء قيل: من العزائم، أو ما هي من العزائم، المقصود أنها سنة .....، أمَّا تسميتها أنها ليست من العزائم محل نظرٍ، وهذا من اجتهاده ، كونه سجد فيها ﷺ يكفي أنها من السّنن.

س: حديث: سجد فيها داودُ توبةً، وأنا أسجدها شكرًا صحيح؟

ج: لا أذكر حال سنده، ولا أذكر فيه شيئًا من المطعن، ما أتذكر في حال سنده شيئًا، وبكل حالٍ سجودها سنة؛ اتِّباعًا للأنبياء، وشكرًا لله ، حيث مَنَّ على داود بالتَّوبة.

وقوله تعالى: قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا أَيْ: لَا أَطْلُبُ مِنْكُمْ عَلَى إِبْلَاغِي إِيَّاكُمْ هَذَا الْقُرْآنَ أَجْرًا، أَيْ: أُجْرَةً، وَلَا أُرِيدُ مِنْكُمْ شَيْئًا، إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ [الأنعام:90] أَيْ: يَتَذَكَّرُونَ بِهِ، فَيُرْشَدُوا مِنَ الْعَمَى إِلَى الْهُدَى، وَمِنَ الْغَيِّ إِلَى الرَّشَادِ، وَمِنَ الْكُفْرِ إلى الإيمان.