تفسير قوله تعالى: {..إِلا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ}

وَقَالَ عَبْدُاللَّهِ ابْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي "مُسْنَدِ أَبِيهِ": حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَأَبُو يَحْيَى الْبَزَّارُ، قَالَا: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ نُصَيْرٍ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ مراجم -من بني قيس بن ثَعْلَبَةَ- عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ عُثْمَانَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِنَّ الْجَمَّاءَ لَتَقْتَصُّ مِنَ الْقُرَنَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

وَقَالَ عَبْدُالرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قَوْلِهِ: إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ [الأنعام:38]، قَالَ: يُحْشَرُ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الْبَهَائِمُ وَالدَّوَابُّ وَالطَّيْرُ وَكُلُّ شَيْءٍ، فَيَبْلُغُ مِنْ عَدْلِ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ أَنْ يَأْخُذَ لِلْجَمَّاءِ مِنَ الْقُرَنَاءِ، ثم يقول: كوني ترابًا؛ فلذلك يقول الكافرُ: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا [النبأ:40]. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا مَرْفُوعًا فِي حَدِيثِ الصُّوَرِ.

الشيخ: وهذا من كمال عدله جلَّ وعلا بين خلقه : أنه يجمع الجميع من المكلَّفين وغير المكلَّفين من الحيوانات، فيقتصّ للمظلوم من الظالم، ويُعطي المعتدى عليه حقّه، ثم تكون ترابًا، ويبقى المكلَّفون من الجنِّ والإنس هم الذين في الجنة والنَّار؛ ولهذا قال جلَّ وعلا: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ يعني: يُجمعون، فالدَّواب، دابَّة نكرة في سياق النَّفي: يعمّ كلَّ دابَّةٍ، وهكذا الطائر، والطيور دوابّ؛ لأنها أيضًا تدبّ على الأرض، لكن بيَّن نوعها فقال: وَلَا طَائِرٍ، لما كان الطائر له دبيب في الأرض، وله طيران في الهواء؛ نبَّه عليه، يُبين دخوله في الدابة، وأنه داخلٌ في الدَّواب، ومن ذلك أنه يقتصّ للشَّاة الجمّاء من الشَّاة القرناء، فإذا كان يقتصّ للبهائم فكيف بحال المكلَّفين؟ المكلَّفون أمرهم أعظم؛ ولهذا يقتصّ للمظلوم من الظالم، ويُجازي الظالم بما يستحقّ من العقاب مع القصاص.

وَقَوْلُهُ: وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ [الأنعام:39] أَيْ: مَثَلُهُمْ فِي جَهْلِهِمْ، وَقِلَّةِ عِلْمِهِمْ، وَعَدَمِ فَهْمِهِمْ، كَمَثَلِ أَصَمَّ -وَهُوَ الَّذِي لَا يَسْمَعُ- أَبْكَمَ -وَهُوَ الَّذِي لَا يَتَكَلَّمُ- وَهُوَ مَعَ هَذَا فِي ظلماتٍ لَا يُبْصِرُ، فَكَيْفَ يَهْتَدِي مِثْلُ هَذَا إِلَى الطَّريق، أو يخرج مما هو فيه؟! كقوله: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ ۝ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ [البقرة:17- 18].

الشيخ: وهذا بسبب إعراضهم عن الحقِّ وغفلتهم، وعدم رفع الرأس لما جاءت به الرسل؛ صاروا كالصّمِّ البُكم بإعراضهم وغفلتهم، وعدم رغبتهم في الحقِّ، وعدم طلبهم له، فلما كذَّبوا به وأنكروه صاروا كالصّم البُكم في الظلمات، يقول جلَّ وعلا: وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الأنعام:39]، وهكذا قال هنا عن المنافقين: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ، وما ذاك إلا لعظم غفلتهم وإعراضهم، وعنادهم للحقِّ، وتكذيبهم له، واستكبارهم عن اتِّباعه، نسأل الله العافية.

وَكَمَا قَالَ تَعَالَى: أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ [النور:40]؛ وَلِهَذَا قَالَ: مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ أَيْ: هُوَ الْمُتَصَرِّفُ فِي خلقه بما يشاء.

الشيخ: وهذا لا يُنافي الأسباب، فالله سبحانه يشاء هذا وهذا، ولكن لهذا أسباب، ولهذا أسباب، فمَن أقبل على الله وطلب منه الهداية ورغب إليه وصدق في ذلك؛ فهو حريٌّ بالتوفيق، وحريٌّ بالإجابة، وحريٌّ بالهداية، ومَن أعرض واستكبر ولم يُرد الحقَّ ولم يطلبه؛ فهو حريٌّ بالإبعاد والطّرد والإضلال، نسأل الله العافية.

قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ۝ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ ۝ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ ۝ فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ۝ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ۝ فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:40- 45].

يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ الْفَعَّالُ لِمَا يُرِيدُ، الْمُتَصَرِّفُ فِي خَلْقِهِ بِمَا يَشَاءُ، وَأَنَّهُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، وَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى صَرْفِ حُكْمِهِ عَنْ خَلْقِهِ، بَلْ هُوَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الَّذِي إِذَا سُئِلَ يُجِيبُ لِمَنْ يَشَاءُ؛ وَلِهَذَا قَالَ: قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَيْ: أَتَاكُمْ هَذَا أَوْ هَذَا أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ أَيْ: لَا تَدْعُونَ غَيْرَهُ؛ لِعِلْمِكُمْ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ على رفع ذَلِكَ سِوَاهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ: إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أَيْ: فِي اتِّخَاذِكُمْ آلِهَةً مَعَهُ، بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ أَيْ: فِي وَقْتِ الضَّرُورَةِ لَا تَدْعُونَ أَحَدًا سِوَاهُ، وَتَذْهَبُ عَنْكُمْ أَصْنَامُكُمْ وأندادُكم، كَقَوْلِهِ: وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ الآية [الإسراء:67].

وَقَوْلُهُ: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ يَعْنِي: الْفَقْرَ وَالضِّيقَ فِي الْعَيْشِ، وَالضَّرَّاءِ وَهِيَ الْأَمْرَاضُ وَالْأَسْقَامُ وَالْآلَامُ، لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ أَيْ: يَدْعُونَ اللَّهَ وَيَتَضَرَّعُونَ إِلَيْهِ وَيَخْشَعُونَ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا أَيْ: فَهَلَّا إِذِ ابْتَلَيْنَاهُمْ بِذَلِكَ تَضَرَّعُوا إِلَيْنَا وتمسكنوا لدينا، وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ أَيْ: مَا رَقَّتْ، وَلَا خَشَعَتْ، وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ أي: من الشِّرك والمعاندة وَالْمَعَاصِي، فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَيْ: أَعْرَضُوا عَنْهُ وَتَنَاسَوْهُ، وَجَعَلُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ، فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ أَيْ: فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ الرِّزْقِ مِنْ كُلِّ مَا يَخْتَارُونَ، وَهَذَا اسْتِدْرَاجٌ مِنْهُ تَعَالَى وَإِمْلَاءٌ لَهُمْ، عِيَاذًا بِاللَّهِ مِنْ مَكْرِهِ.

الشيخ: وهذه دعوة من الرب جلَّ وعلا لهم ليستقيموا، وليتضرَّعوا، ولينتبهوا، وليحذروا، وألا يستمروا في الطغيان والعناد والباطل فيحلّ بهم عقابُ الله، أو يأخذهم بالبأساء والضَّراء لعلهم يتضرَّعون إليه، ولعلهم يرجعون ويُنيبون إلى الحقِّ في البأساء والضَّراء؛ تذكرة، ما يُصيب الناسَ من الفقر والحاجة والأمراض فيها تذكرة لمن أراد اللهُ هدايته، حتى ينتبه، وحتى يعدّ العدّة، لكن عند أكثر الخلق هذه الأمور عادية، لا تُؤثر عليهم، أكثر الخلق تمرّ عليه كأنها لم تمر؛ لأنه رآها عاديةً، ليس عنده يقظة، ولا انتباه، ولا إعداد للقاء ربِّه، كالجمل الذي ..... أهله ويعقلونه، ثم يُطلقونه ويُثيرونه، ليس عنده يقظة لشيءٍ، ولا انتباه لشيءٍ؛ ولهذا قال: وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ أي: ما زادهم الابتلاءُ والامتحانُ بالضَّراء والسَّراء إلا القسوة والغفلة والإعراض وعدم الانتباه لما يُراد بهم، ولما وعدهم الله وأوعدهم به.

ثم فُتحت عليهم الأبواب -أبواب النِّعَم- استدراجًا وزيادةً في البلاء: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ يعني: تركوه وأعرضوا عنه فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ من النعم والخيرات، حتى أمنوا مكر الله، وحتى استمرُّوا في طغيانهم وضلالهم؛ حلَّت بهم العقوبات: حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً، فهو وعيدٌ عظيمٌ يُوجب الحذر والانتباه، كل واحدٍ بنفسه، كل واحدٍ يُراقب ربَّه، وينظر حاله، ويُجاهد نفسه، وما أعطاه اللهُ من النِّعَم والخيرات هل اتَّقى فيها ربَّه؟ هل جاهد فيها نفسه؟ هل أدَّى حقَّها؟ هل استعان بها في طاعة الله؟

الأمر يحتاج إلى جهادٍ وصبرٍ ومُصابرةٍ ويقظةٍ وانتباهٍ، ليست الأمورُ بمجرد العادة، لله فيها حِكَمٌ، فانتقالك من فقرٍ إلى غنًى، ومن غنًى إلى فقرٍ، ومن ذلٍّ إلى عزٍّ، ومن عزٍّ إلى ذلٍّ، ومن كونك أعزب ليس عندك شيء، إلى كونك ذا زوجةٍ أو زوجات، وذا أولادٍ، كل هذه الأمور تحتاج إلى يقظةٍ وانتباهٍ وشكرٍ لله على ما أعطاك من النِّعَم، وصرف من النِّقَم، قبل أن تُؤخذ بغتةً.

ومن أعظم العقوبات بسبب هذه الأمور قسوة القلوب، وأنَّ القلب يقسو ويزداد قسوةً، ما ينتبه، يزداد بُعْدًا عن الله، يزداد سوادًا وغفلةً واستكبارًا عن الحقِّ، فهذه عُقوبة عاجلة، نسأل الله العافية ..... فيأخذهم اللهُ بغتةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ يعني: آيسون من كل خيرٍ؛ لأنها حلَّت بهم العقوبة، وهم مُفرّطون مُضيّعون، نسأل الله السلامة.

وَلِهَذَا قَالَ: حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَيْ: مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَالْأَرْزَاقِ، أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً أَيْ: عَلَى غَفْلَةٍ، فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ أَيْ: آيِسُونَ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ.

الشيخ: وهذا يُشبه قوله تعالى: أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ ۝ أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ ۝ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:97- 99]، ولا سيما في عصرنا هذا وما حصل فيه من النِّعَم العظيمة والخير الكثير، وما بُلِيَ به الناس من الغفلة والإعراض، وما حصل من الشُّبَه والشَّهوات، وما حصل من دُعاة الباطل، وقلّة دُعاة الحقِّ، إلى غير هذا من أسباب الخطر.

قَالَ الْوَالِبِيُّ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْمُبْلِسُ: الْآيِسُ.

وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: مَنْ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرَ أَنَّهُ يَمْكُرُ بِهِ، فَلَا رَأْيَ لَهُ، وَمَنْ قُتِرَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرَ أَنَّهُ يَنْظُرُ لَهُ، فَلَا رَأْيَ لَهُ. ثُمَّ قَرَأَ: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ [الأنعام:44]، قال: مَكَرَ بِالْقَوْمِ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ؛ أُعْطُوا حَاجَتَهُمْ ثُمَّ أُخِذُوا. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.

وَقَالَ قَتَادَةُ: بَغَتَ الْقَوْمَ أَمْرُ اللَّهِ، وَمَا أَخَذَ اللَّهُ قَوْمًا قَطُّ إِلَّا عِنْدَ سَكْرَتِهِمْ وَغِرَّتِهِمْ وَنِعْمَتِهِمْ، فلا تغترّوا بالله، فإنَّه لَا يَغْتَرُّ بِاللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ أَيْضًا.

وَقَالَ مَالِكٌ: عَنِ الزُّهْرِيِّ: فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ قَالَ: رخاء الدنيا ويسرها.

وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ غَيْلَانَ: حَدَّثَنَا رِشْدِينَ -يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ، أَبَا الْحَجَّاجِ الْمَهْرِيَّ- عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ عِمْرَانَ التُّجِيبِيِّ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ يُعْطِي الْعَبْدَ مِنَ الدُّنْيَا عَلَى مَعَاصِيهِ مَا يُحِبُّ فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ، ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ.

وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ حَرْمَلَةَ وَابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، بِهِ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ: حَدَّثَنَا عِرَاكُ بْنُ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ابْنِ أبي عبلة، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كان يقول: إذا أراد اللهُ بِقَوْمٍ بَقَاءً أَوْ نَمَاءً رَزَقَهُمُ الْقَصْدَ وَالْعَفَافَ، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ اقْتِطَاعًا فَتَحَ لَهُمْ -أَوْ فَتَحَ عَلَيْهِمْ- بَابَ خِيَانَةٍ: حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ، كما قال: فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. ورواه أحمدُ وغيره.

الشيخ: لا حول ولا قوة إلا بالله، نعوذ بالله من البلاء، نعوذ بالله من العقوبات، نسأل الله العافية.

س: الأثر المذكور والحديث .....؟

ج: السَّند الأول ضعيفٌ عن رشدين، والسند الثاني فيه ابن لهيعة، لكن قد يتقوَّى أحدُهما بالآخر، لكن ذكر شخصًا آخر غير ابن لهيعة: إبراهيم بن حرملة، يحتاج إلى مراجعةٍ: سند ابن جرير، لكن على كلٍّ الآية كافية، نسأل الله العافية، الآية صريحة، ولا حول ولا قوة إلا بالله: إذا رأيتَ الله يُعطي عبدَه على معاصيه ما يُحبّ فاعلموا أنَّ هذا استدراجٌ هذا نصّ الآية، الآية واضحة في هذا، وإلا فاستمرار الإنسان على المعاصي، مع كونه في نِعَمٍ وفي خيرٍ هذا استدراجٌ، نسأل الله العافية.