تفسير قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ..} (4)

حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُالصَّمَدِ: حَدَّثَنَا عَبْدُالْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ: حَدَّثَنَا ضِرَارُ بْنُ مُرَّةَ -أَبُو سِنَانٍ الشَّيْبَانِيُّ- عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: أَهْلُ الْجَنَّةِ عِشْرُونَ وَمِئَةُ صَفٍّ، هَذِهِ الْأُمَّةُ مِنْ ذلك ثمانون صفًّا.

وكذا رَوَاهُ عَنْ عَفَّانَ، عَنْ عَبْدِالْعَزِيزِ بِهِ.

وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سِنَانٍ بِهِ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.

وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ بِهِ.

الشيخ: وهذا يدل على أنَّ هذه الأُمّة هم أكثر أهل الجنة؛ في الحديث الأول رجا أن يكونوا شطرها: شطر أهل الجنة -يعني النصف- ثم زاده اللهُ فصاروا ثلثي أهل الجنّة ..... ابن بُريدة، فعلى هذا يكون المسلمون من هذه الأُمَّة -من أُمَّة محمدٍ عليه الصلاة والسلام- يكونون ثلثي أهل الجنة، يعني: ثمانين صفًّا من مئةٍ وعشرين صفًّا، والأصل أنها صفوفٌ مُتساوية، فصاروا أكثر أهل الجنّة، وما ذاك إلا لكمال إيمانهم وتقواهم، وطول المدّة التي عاشتها بعد نبيِّها عليه الصلاة والسلام، وما شرع اللهُ لهم من التَّيسير والتَّسهيل ..... يديه من الخير عليه الصلاة والسلام؛ ولهذا قال فيهم: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110]، فصاروا خير أُمَّةٍ، وصاروا أكثر أهل الجنّة، لا بأنسابهم وأموالهم، ولكن بتقواهم لله، وإيمانهم بالله، وقيامهم بحقِّه؛ ولهذا بيَّن الصّفة فقال: تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110]، فإيمانهم بالله يشمل جميعَ ما يتعلق بالدّين من فعل الأوامر وترك النَّواهي، ومن جملة ذلك، ومن أهم ذلك: الأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر، خصَّهم الله بالذكر من بين شُعَب الإيمان؛ لعظم شأنهم، وشدّة الحاجة إليهم، ولعموم منفعتهم، ثم قال بعدها: وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ..... من عطف العامِّ على الخاصِّ، كما قدَّمه في آيةٍ أخرى على الصلاة والزكاة فقال: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [التوبة:71].

فالواجب على هذه الأُمّة أن تُعنى بهذا الأمر أكمل عنايةٍ، وهو الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر؛ لما يترتب عليه من صلاح الأُمّة: رجالها ونسائها، عربها وعجمها، حاضرتها وباديتها، مُسافريها ومُقيميها، فالحاجة شديدة إلى هذا الواجب في كل مكانٍ، وفي كل زمانٍ؛ ولهذا جاءت النصوصُ بشأن الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر في غاية العناية والترغيب، وعلى الأُمّة أن تُعنى بذلك بالحكمة، والأسلوب الحسن، والتَّحري لأسباب التأثير، والبُعد عن العنف، بل يتحرى الآمرُ والنَّاهي الوسائلَ التي تُؤثر في القلوب وتجذبها إلى الخير، وتُباعدها عن الشَّر، ولا يعدل إلى الشّدة إلا عند الحاجة إليها، كما قال تعالى: وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ [العنكبوت:46]، فجعل الشّدة مع الظَّالمين الذين لا يقبلون الدَّعوة، ولا يخضعون للأمر والنَّهي، ولا ينصاعون للحقِّ، فأولئك ينتقل معهم إلى ما يجب من الشّدة والتَّأديب والإلزام حسب الطاقة.

وفي آيةٍ أخرى يقول جلَّ وعلا: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران:104]، فحصر فيهم الفلاح، يعني الكمال، ومن هنا للجنس، يعني: كنتم خير أُمَّةٍ، في الآية الأخرى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ أي: كونوا جميعًا كذلك.

قال جماعةٌ من أهل العلم: إنَّ الآية معناها: ليكن منكم أُمَّة مُنتصبة لهذا الأمر، يعني: مُعتنية بها، علاوةً على قيام الجميع بذلك، أي: ليكن من الأُمَّة أناسٌ مختصُّون لهذا الأمر، يعتنون به أكثر، وهو مهمّتهم، علاوةً على ما يجب على الباقين من القيام بذلك، كلٌّ في محلِّه وفي زمانه بحسب طاقته.

وقد فصَّل النبيُّ ﷺ هذا الواجبَ فقال: مَن رأى منكم منكرًا فليُغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان رواه مسلم.

وفي الحديث الآخر يقول ﷺ: ما بعث اللهُ من نبيٍّ في أُمَّةٍ قبلي إلا كان له من أُمَّته حواريون يعني: أنصار وأصحاب يأخذون بسنَّته، ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوفٌ يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يُؤمَرون، فمَن جاهدهم بيده فهو مؤمنٌ، ومَن جاهدهم بلسانه فهو مؤمنٌ، ومَن جاهدهم بقلبه فهو مؤمنٌ، وليس وراء ذلك من الإيمان حبَّة خردلٍ خرَّجه مسلمٌ أيضًا من حديث ابن مسعودٍ.

فالواجب على المسلمين أينما كانوا: رجالًا ونساء، حاضرة وبادية، عربًا وعجمًا أن يُعنوا بهذا الواجب، ويحتسبوا فيه الأجر، وأن يُخلصوا فيه لله، ويتحرّوا فيه الأوقات المناسبة، والألفاظ المناسبة حسب الطاقة؛ ليكثر الخير، ويقلّ الشَّر، ولتكون الأُمَّة مُتماسكةً، مُتعاضدةً، متعاونةً أينما كانوا، وهكذا في المراكب الجوية والبرية والبحرية هم في حاجةٍ إلى ذلك، وفي البيوت مع أهله وأولاده وعمَّاته وجميع أهل بيته، يقول تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم:6]، ويقول جلَّ وعلا: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا [طه:132]، ويقول جلَّ وعلا عن نبيِّه ورسوله إسماعيل عليه الصلاة والسلام: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا ۝ وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا [مريم:54- 55].

وكثيرٌ من الناس لا يُعير هذا الشَّيء اهتمامًا، ولا يهتمّ به، وهذا خطرٌ عظيمٌ، تجب العناية بهذا الأمر في بيتك، ومع جُلسائك، ومع زملائك، ومع جيرانك، وفي الأسواق، وفي المجتمعات، وتتحرى الأساليب المناسبة، والوقت المناسب؛ حتى تقوم بهذا الواجبِ خير قيامٍ، وتتحرى الألفاظَ المناسبة، وتُخاطب كلَّ قومٍ بلغتهم، مَن لا يُجيد العربية تُخاطبه باللغة التي يفهمها، إذا كنت تفهمها، أو تستعين بمَن يفهمها؛ حتى تُبلّغه أمرَ الله.

حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ غَيْلَانَ: حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ مَخْلَدٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ ۝ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ [الواقعة:39- 40] قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَنْتُمْ رُبُعُ أَهْلِ الْجَنَّةِ، أَنْتُمْ ثُلُثُ أَهْلِ الْجَنَّةِ، أَنْتُمْ نِصْفُ أَهْلِ الْجَنَّةِ، أَنْتُمْ ثُلُثَا أَهْلِ الْجَنَّةِ.

الشيخ: انظر: أبا عمرو هذا عن أبيه، انظر "التقريب"، وانظر: موسى بن غيلان، وهاشم بن مخلد في "التقريب"، أبو عمرو في "الكنى".

حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ الدِّمَشْقِيِّ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ الْبَجَلِيُّ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: أَهْلُ الْجَنَّةِ عِشْرُونَ وَمِئَةُ صَفٍّ، ثَمَانُونَ مِنْهَا مِنْ أُمَّتِي. تَفَرَّدَ بِهِ خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ الْبَجَلِيُّ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ ابْنُ عَدِيٍّ.

الشيخ: يكفي ما قبله من الأحاديث، يكون شاهدًا، نعم.

وَقَالَ عَبْدُالرَّزَّاقِ: أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قال: نَحْنُ الْآخِرُونَ الْأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، نَحْنُ أَوَّلُ النَّاسِ دُخُولًا الْجَنَّةَ، بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ من قبلنا، وأوتيناه من بعدهم، فهدانا اللهُ لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ، فَهَذَا الْيَوْمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ النَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ؛ غدًا لليهود، وللنَّصارى بَعْدَ غَدٍ.

رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ مَرْفُوعًا بِنَحْوِهِ.

وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: نحن الْآخِرُونَ الْأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَنَحْنُ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ .. وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ.

حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "الْأَفْرَادِ" مِنْ حَدِيثِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: إِنَّ الْجَنَّةَ حُرِّمَتْ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ كُلِّهِمْ حَتَّى أَدْخُلَهَا، وَحُرِّمَتْ عَلَى الْأُمَمِ حتى تدخلها أُمَّتي. ثم قال: انفرد بِهِ ابْنُ عُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ سِوَاهُ. وَتَفَرَّدَ بِهِ زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ عُقَيْلٍ. وَتَفَرَّدَ بِهِ عَمْرُو ابْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ زُهَيْرٍ.

وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو أَحْمَدَ ابْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْأَعْيَنُ مُحَمَّدُ ابْنُ أَبِي إياسٍ.

مداخلة: في نسخة "الشُّعَب": أبو بكر الأعين محمد ابن أبي عتّابٍ.

الشيخ: حطّ عليه إشارة، وانظر "التقريب": أبو بكر الأعين.

............

حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ التِّنِّيسِيُّ: حَدَّثَنَا صَدَقَةُ الدِّمَشْقِيُّ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بن عقيل، عن الزهري.

ورواه الثَّعلبي: حدَّثنا أبو العباس المخلدي: أنبأنا أبو نُعيم عبدالملك بن محمد: أنبأنا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى التِّنِّيسِيُّ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ سَلَمَةَ.

مُداخلة: في نسخة "الشُّعَب": عمرو ابن أبي سلمة.

الشيخ: حطّ نسخة.

الطالب: محمد ابن أبي عتاب البغدادي، أبو بكر الأعين، واسم أبيه: طريف، وقيل: حسن بن طريف، صدوق، من الحادية عشرة، مات سنة أربعين (م، ت).

الشيخ: انظر: المحمدين، محمد ابن أبي عتاب ذكره في المحمدين.

الطالب: في المحمدين.

الشيخ: صلحه: عتاب أبو بكر الأعين، صلحها: ابن أبي عتاب.

ورواه الثَّعلبي: حدَّثنا أبو العباس المخلدي: أنبأنا أبو نعيم عبدالملك بن محمد: أنبأنا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى التِّنِّيسِيُّ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ سَلَمَةَ: حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ عُقَيْلٍ بِهِ.

فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110]، فَمَنِ اتَّصَفَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ دَخَلَ مَعَهُمْ في هذا المدح، كَمَا قَالَ قَتَادَةُ: بَلَغَنَا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فِي حَجَّةٍ حَجَّهَا رَأَى مِنَ النَّاسِ دعَةً، فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ تِلْكَ الْأُمَّةِ فليُؤَدِّ شرطَ الله منها. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ.

مداخلة: في نسخة "الشُّعَب" قال: فرأى من الناس سرعةً. وفي الحاشية قال: كذا في مخطوطتنا، وفي تفسير الطبري: "رعة سيئة"، وفُسِّرت "الدّعة" بكسرٍ وبفتحٍ بأنها سوء أدبٍ.

الشيخ: يُراجع ابن جرير.

وَمَنْ لَمْ يَتَّصِفْ بِذَلِكَ أَشْبَهَ أَهْلَ الْكِتَابِ الَّذِينَ ذَمَّهُمُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ تعالى: كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ الآية [المائدة:79]؛ ولهذا لما مدح تَعَالَى هَذِهِ الْأُمَّةَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَاتِ شَرَعَ في ذمِّ أهل الكتاب وتأنيبهم، فقال تعالى: وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَيْ: بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ [آل عمران:110] أَيْ: قَلِيلٌ مِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ، وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى الضَّلَالَةِ وَالْكُفْرِ وَالْفِسْقِ وَالْعِصْيَانِ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ، وَمُبَشِّرًا لَهُمْ أَنَّ النَّصْرَ وَالظَّفَرَ لَهُمْ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ الْكَفَرَةِ الْمُلْحِدِينَ، فَقَالَ تعالى: لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى [آل عمران:111].

الشيخ: يعني النَّصر لهم بشرطه: إذا استقاموا على الصِّفات الحميدة ونصروا اللهَ نصرهم اللهُ.

وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ [آل عمران:111]، وَهَكَذَا وَقَعَ؛ فَإِنَّهُمْ يوم خيبر أذلَّهم اللهُ وأرغم أنوفَهم، وَكَذَلِكَ مَنْ قَبْلَهُمْ مِنْ يَهُودِ الْمَدِينَةِ: بَنِي قَيْنُقَاعَ، وَبَنِي النَّضِيرِ، وَبَنِي قُرَيْظَةَ، كُلُّهُمْ أَذَلَّهُمُ اللَّهُ، وَكَذَلِكَ النَّصَارَى بِالشَّامِ كَسَرَهُمُ الصَّحَابَةُ فِي غَيْرِ مَا مَوْطِنٍ، وَسَلَبُوهُمْ مُلْكَ الشَّامِ أَبَدَ الآبدين، ودهر الدَّاهرين، ولا تزال عصابةُ الْإِسْلَامِ قَائِمَةً بِالشَّامِ حَتَّى يَنْزِلَ عِيسَى ابْنُ مريم وهم كذلك، ويحكم بملّة الإسلام وشرع مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ، وَلَا يَقْبَلُ إِلَّا الْإِسْلَامَ.

...........

الطالب: هَاشِمُ بنُ مَرْثَدٍ، أَبُو سَعِيدٍ الطَّبَرَانِيُّ، الطَّيَالِسِيُّ، مَوْلَى بَنِي العَبَّاسِ.

قال الذَّهبي: روى عنه سُلَيْمَانُ الطَّبَرَانِيُّ، وَهُوَ مِنْ كِبَارِ شُيُوخِهِ، سَمِعَ مِنْهُ بِطَبَرِيَّةَ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَمِئَتَيْنِ، وَمَا هُوَ بذَاكَ الـمُجَوِّدُ.

قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لَيْسَ بِشَيْءٍ. توفي سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ وَمِئَتَيْنِ.

.............

الشيخ: صلّحوه عليه ابن أبي بكر، بارك الله فيكم.