تفسير قوله تعالى: { قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ..}

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا يَعْنِي: الْقُرْآنَ، وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أَيْ: مِنَ الصُّحُفِ وَالْوَحْيِ، وَالْأَسْبَاطِ وَهُمْ بُطُونُ بَنِي إِسْرَائِيلَ المتشعّبة من أولاد إسرائيل -وهو يَعْقُوبُ- الِاثْنَيْ عَشَرَ، وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى يَعْنِي بِذَلِكَ: التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ، وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ وَهَذَا يَعُمُّ جَمِيعَ الْأَنْبِيَاءِ جُمْلَةً، لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ يَعْنِي: بَلْ نُؤْمِنُ بِجَمِيعِهِمْ، وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [آل عمران:84].

الشيخ: وهذا هو الواجب على جميع المسلمين، هذا هو الواجب على كل مسلمٍ ومسلمةٍ: الإيمان بجميع ما أُنْزِل على الأنبياء جميعًا: من آدم إلى محمدٍ عليه الصلاة والسلام، يجب الإيمانُ بما أُنزل عليهم إجمالًا وتفصيلًا؛ إجمالًا بأن نُؤمن بجميع ما أُنزل إليهم، وإن لم نعرف تفاصيل ذلك، كما قال تعالى: قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ إلى آخره، وتفصيلًا فيما بيَّن من التّوراة والإنجيل والزَّبور وصحف موسى وإبراهيم والقرآن، هذه مُبينة؛ ولهذا قال: وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ عامّ، وَالنَّبِيُّونَ يعمّ المرسلين، ويعمّ الأنبياء غير المرسلين، يعمّ الجميع.

فالواجب على كل مؤمنٍ ومؤمنةٍ الإيمان بكلِّ ما أنزل اللهُ على الأنبياء من الكتب والوحي المنزل من الشَّرائع، وإن لم يعرفوا تفاصيل ذلك، نؤمن بأنَّ الله أرسل الرسلَ، وأنزل الكتبَ، وأوحى إلى أنبيائه بما يُشرع لهم، كل ذلك نُؤمن به إيمانًا مجملًا، وإيمانًا مُفصَّلًا فيما فصّل وفيما بيَّن.

وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ.

الشيخ: يعني: مُنقادون، مسلمون: مُنقادون لهذا الأمر، الإسلام: الانقياد للحقِّ، أسلم أي: انقاد وذلَّ، سُمِّي الإسلام إسلامًا لما فيه من الانقياد للحقِّ، والذل لله، والتَّعظيم له، والخشوع له، فالمسلم هو المنقاد لأمر الله، الذَّليل بين يدي الله، المبتعد عن التَّكبر، وسُمِّي المسلم: مؤمنًا لتصديقه؛ لأنَّه مُصدّقٌ بما أخبر اللهُ به، وأخبرت به الرسل، وهو مسلمٌ لله، ومُنقادٌ ذليلٌ لما جاء عن الله وعن رسله، منقادٌ لهذا الشيء، غير مُتكبرٍ، بل يُؤديه عن الرضا والقبول والذلّ والمحبّة والرغبة، مؤمنٌ بما جاء به الوحي، مُصدّق لما جاء به الأنبياء، وأنه حقٌّ، وعلى رأسهم أفضلهم وإمامهم وخاتمهم نبينا محمد عليه الصلاة والسلام.

فكل إنسانٍ من جنٍّ وإنسٍ، من ذكورٍ وإناثٍ يجب أن يُؤمن هذا الإيمان المجمل والمفصّل، كما قال تعالى: قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا، وفي آية البقرة: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ الآية [البقرة:136].

وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ يعني: مُنقادون لفعل الأوامر، وترك النَّواهي التي وجّهت إلينا ..... يعني: علينا أن نُؤدّي الأوامر، وننتهي عن النَّواهي بذلٍّ وخضوعٍ ورغبةٍ ومحبةٍ وانشراح صدرٍ، مع الإيمان والتَّصديق بالقلوب، فالجوارح مُنقادة، والقلب مُنقادٌ، وهو قلب مصدّق أيضًا، فالمسلم يلين بقلبه وينقاد بقلبه وبجوارحه بفعل الأوامر: من صلاةٍ وصومٍ ومعاملات وحجّ وغير ذلك، مصدّق بقلبه بكل ما أخبر اللهُ به ورسوله مما ثبت في الكتب المنزلة، وفي السنة الصَّحيحة، لا يتكبر عن شيءٍ، بل يُؤدّي حقَّ الله بخضوعٍ وذلٍّ ورغبةٍ ومحبةٍ، خلاف الكفرة المتكبرين، وخلاف الكفرة المعرضين.

فالكفار أقسام:

منهم المعرِض، كما قال تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ [الأحقاف:3]، لا يتعلم، ولا يُبالي، ولا يصدق بشيءٍ.

ومنهم العارف المتكبر، يدري أنَّ ما جاءت به الرسل حقّ، ويعرف أنَّ محمدًا حقّ، ويعرف أنَّ موسى حقّ، وأن عيسى حقّ، ولكن يتكبر، كفعل اليهود والنصارى؛ فاليهود مع عيسى مُتكبّرون، ومع محمدٍ مُتكبِّرون، كذلك النَّصارى ما بين جاهلٍ، وما بين مُعاندٍ.

وهكذا أُمَّة محمدٍ: فيهم الـمُعْرِض، وهم الأغلب والأكثر، مُعْرِضون. وفيهم مُعاند: كأبي جهل، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبي لهبٍ، وأشباههم ممن عاند الحقَّ وهو يعرف الحقَّ، لكن تكبرًا وتعظيمًا للأسلاف والأكابر، كما قال جلَّ وعلا في كتابه العظيم في سورة الأنعام: قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [الأنعام:33]، وكما قال في آل فرعون: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا [النمل:14]، وقال في أهل النار: فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ [الزمر:72]، أخبر عنهم أنَّهم مُتكبّرون، يعني: لتركهم الحقّ عمدًا وبطرًا وإيثارًا لأهوائهم وعادات آبائهم وأسلافهم؛ ولهذا في الحديث الصَّحيح يقول النبيُّ ﷺ لما سُئِلَ قال له رجلٌ: يا رسول الله، إنَّ الرجلَ يُحبّ أن يكون ثوبه حسنًا، ونعله حسنةً، أفذلك من الكبر؟ قال ﷺ: إنَّ الله جميلٌ يُحبّ الجمالَ يعني: ليس من الكبر كون ثيابه حسنةً، ونعله حسنةً، وبشته حسنًا، لا، ثم قال: الكبر بطر الحقّ وغمط الناس رواه مسلم في "صحيحه". يعني: ردّ الحقّ، بطر يعني: ردّه ودفعه إذا خالف هواه، وغمط الناس يعني: احتقار الناس: إمَّا لفقرٍ، وإما لدمامةٍ، وإما لجهلٍ، وإما لغير ذلك.

فالمؤمن لا يحتقر إخوانه، يعرف لهم منازلهم وفضلهم على قدر حالهم، ولا يرد الحقَّ، بل يقبله وإن خالف هواه، يقبله وينشره، فالحقّ فوق الهوى وفوق الجميع: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ۝ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات:40- 41]، ويقول سبحانه: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ [القصص:50] يعني: ما أحد أضلّ من هذا الصنف من الناس: إيثار الهوى على الهدى، وقال في الكفرة: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ [النجم:23]، هذا مُستندهم، إن يتَّبعون إلا الظنّ، يعني: لا يتبعون، "إن" نافية، ما يتبعون إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ، هؤلاء عُمدتهم أهواؤهم وظنونهم الفاسدة، فلا علمَ صحيح، ولا إرادة صحيحة، فالعلوم الفاسدة ظنون، والإرادات الفاسدة اتِّباع الهوى.

أما أهل الحقّ الذين يتّبعون العلمَ والهدى، لا الظنّ والهوى، أهل العلم والإيمان عُمدتهم على العلم النَّافع والهدي الثابت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، أو في كتاب الله.

فالواجب على طالب العلم، وعلى كل مؤمنٍ أن يتحرى الحقَّ بأدلته، وأن يُؤثره على هواه، وألا يكون كسولًا، ما يكون كسولًا، يكون مُشَمِّرًا حريصًا على طلب الحقِّ أينما كان: في السفر والإقامة، والصحة والمرض، وفي الشدة والرَّخاء، وفي الفقر والغِنَى، المؤمن هكذا: قويٌّ، حريصٌ على الحقِّ، طالبٌ له، مُؤثرٌ له، راغبٌ فيه، تاركٌ لما يُخالفه، كما قال ﷺ في الحديث الصَّحيح: المؤمن القوي خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضَّعيف، ثم قال: وفي كلِّ خيرٌ يعني: في كليهما خيرٌ –المؤمنين- ولكن القويّ في دين الله على بصيرةٍ وعلى علمٍ أفضل من الضَّعيف.

ثم قال: احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، بذل الوسع، مع الاستعانة بالله، مع الإخلاص، بذل الوسع في طلب الحقِّ، في طلب الحلال، في هداية الناس، في صلة الرحم، في برِّ الوالدين، في إكرام جاره، في إعطاء أخيه حقَّه، إلى غير ذلك، يجتهد، مع الاستعانة بالله، مع الحذر من الهوى والتَّكبر والحسد.

وفَّق اللهُ الجميعَ، نعم.

فَالْمُؤْمِنُونَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يُؤْمِنُونَ بِكُلِّ نَبِيٍّ أُرْسِلَ، وَبِكُلِّ كِتَابٍ أُنْزِلَ، لَا يَكْفُرُونَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، بَلْ هُمْ يصدّقون بِمَا أُنْزِلَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَبِكُلِّ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ الآية، أَيْ: مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا سِوَى مَا شَرَعَهُ اللَّهُ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85]، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ.

الشيخ: وهذه الآية نصٌّ في أنَّ جميع الأديان التي أنزلها اللهُ هي دين الإسلام، إنما الشَّرائع تختلف، وإلا فالدّين واحدٌ، وهو دين الإسلام، دين آدم ومَن تبعه من ذُريته: دين نوح، ودين هود، ودين صالح، ودين شعيب، ودين إبراهيم، هو الإسلام، ليس هناك دينٌ آخر، هو الإسلام فقط: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ [آل عمران:19]، وهو الانقياد لأمر الله، والإخلاص له، وتوحيده، وترك عبادة ما سواه، وقبول شرائعه، هذا هو الإسلام، هو دين الأنبياء جميعًا: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ، الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا [المائدة:3]، وفي آية آل عمران هذه يقول: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ.

فدين الأنبياء كلهم من آدم إلى محمدٍ كلهم دينهم جميعًا الإسلام، وأصله شهادة أن لا إله إلا الله، والشَّهادة بالرسول الذي بُعِثَ؛ الشَّهادة لآدم، لنوح، لإبراهيم، لهود، لصالح، مع التوحيد، الشَّهادة للنبي الذي بُعث إليهم بالرسالة، هو الإسلام، ولأمّة محمدٍ الشّهادة بالتوحيد، مع الإيمان بمحمدٍ عليه الصلاة والسلام.

فالإسلام هو توحيد الله، والإخلاص له، مع الإيمان بالنبي المرسل إلى القوم: في عهد آدم بآدم، وفي عهد نوحٍ بنوح، وفي عهد هودٍ بهود، وفي عهد صالحٍ بصالح، هذا هو الإسلام: في عهد إبراهيم بإبراهيم، وفي عهد إسماعيل بإسماعيل، وفي عهد إسحاق بإسحاق، وهكذا في عهد موسى بموسى، وفي عهد داود وسليمان بداود وسليمان، وفي عهد عيسى بعيسى.

ثم جاء محمدٌ ﷺ، فالإسلام في عهد محمدٍ هو شهادة أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله، مع الإيمان بجميع الأنبياء الماضين والرسل، ومع الإيمان بجميع ما أنزل عليهم، ومع الإيمان بكل ما شرع اللهُ، ومع الإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله، كله داخلٌ في الإسلام، كله من دين الإسلام؛ لأنَّ الإسلام خضوعٌ لله، وانقيادٌ له بتصديق أخباره، وطاعة أوامره، وترك نواهيه، هذا هو الإسلام، وهو دين الله لجميع الأنبياء وجميع الأمم، دين جميع الأمم وجميع الرسل هو الإسلام، لكن الشَّرائع تختلف: قد يحرم في هذه الشَّريعة ما لا يحرم في هذه الشَّريعة، وقد يجب في هذه الشَّريعة ما لا يجب في الشَّريعة الأخرى، كما قال سبحانه: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا [المائدة:48]، ومن هذا قوله جلَّ وعلا: وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا [الأنعام:146] هذا في شريعة التَّوراة على اليهود.

وقال: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ في شريعتهم؛ عُقوبةً لهم وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا الآية [النساء:160].

فالشَّرائع متنوعة في بيان الحرام والحلال والأوامر، أما أصل الدِّين الذي هو توحيد الله والإيمان به، وبالجنة وبالنار، وبالآخرة وبالرسل، وبكلِّ ما أخبر اللهُ به، هذا عامٌّ، هذا للأنبياء جميعًا، كلهم على هذا، كلهم على توحيد الله والإخلاص له، وترك الإشراك به، والإيمان بالآخرة، وبالجنة والنار، والإيمان بكلِّ ما أخبر اللهُ به ورسوله، الأنبياء كلهم على هذا، وخاتمهم محمد على هذا عليه الصلاة والسلام، إنما الشَّرائع متنوعة، وأكمل الشرائع وأتمّها وأفضلها شريعة هذا النبي العظيم محمد عليه الصلاة والسلام، هي أكمل الشَّرائع؛ ولهذا قال فيها: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة:3]، فهي شريعة كاملة من جميع الوجوه، ومُشتملة على تحقيق مصالح العباد في هذه العاجلة، وفي الآخرة، ومُشتملة على نهيهم عمَّا يضرّهم في العاجل والآجل، ففيها صلاحهم، وفيها سلامتهم، وفيها نجاتهم، وفيها توجيههم إلى ما فيه صلاح أمر دينهم ودنياهم، وفيها توجيههم وتحذيرهم عمَّا يضرّهم في دينهم ودنياهم، فهي أكمل شريعةٍ، وأعظم شريعةٍ نزلت على الأنبياء؛ لما فيها من الاشتمال على جميع مصالح العباد في الدنيا والآخرة؛ ولاشتمالها على نهيهم وتحذيرهم مما يضرّهم في العاجل والآجل.

س: ............؟

ج: تساهل في العبارة، يعني: من عند الله، يقوله بعضُ العلماء، يعني: من السَّماء، ما هي من وضع البشر، من السماء، يعني: من جهة الله ، كما قال تعالى: أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ [الملك:16] يعني: الله .

س: الدَّعوة إلى زمالة الأديان .....؟

ج: هذا باطلٌ؛ لأنها نُسخت بشريعة محمدٍ ﷺ، ما عادت شريعة إلا شريعة محمدٍ ﷺ، فلو أنَّ إنسانًا قال: أريد شريعة اليهود. يكون كافرًا، ما في إلا شريعة محمدٍ عليه الصلاة والسلام، الأديان كلها نُسخت: كان النبيُّ يُبْعَث إلى قومه خاصَّةً، وبُعِثْتُ إلى الناس عامَّةً.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ -مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ- حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ رَاشِدٍ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ: حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ إِذْ ذَاكَ وَنَحْنُ بِالْمَدِينَةِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: تَجِيءُ الْأَعْمَالُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَتَجِيءُ الصَّلَاةُ فَتَقُولُ: يَا رَبِّ، أَنَا الصَّلَاةُ. فَيَقُولُ: إِنَّكِ على خيرٍ. وتجيء الصَّدَقَةُ فَتَقُولُ: يَا رَبِّ، أَنَا الصَّدَقَةُ. فَيَقُولُ: إِنَّكِ عَلَى خَيْرٍ. ثُمَّ يَجِيءُ الصِّيَامُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، أَنَا الصِّيَامُ. فَيَقُولُ: إِنَّكَ عَلَى خَيْرٍ. ثُمَّ تَجِيءُ الْأَعْمَالُ، كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّكَ عَلَى خَيْرٍ. ثُمَّ يَجِيءُ الْإِسْلَامُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، أَنْتَ السَّلَامُ، وَأَنَا الْإِسْلَامُ. فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّكَ عَلَى خَيْرٍ، بِكَ الْيَوْمَ آخُذُ، وَبِكَ أُعْطِي. قَالَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85]. تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.

قَالَ أَبُو عَبْدِالرَّحْمَنِ عَبْدُاللَّهِ ابْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: عَبَّادُ بْنُ رَاشِدٍ ثِقَةٌ، وَلَكِنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ من أبي هريرة.

الشيخ: هذا المشهور: أنَّ الحسن لم يسمع من أبي هريرة، وأنه إذا قال: "حدَّثنا" المراد به: حدَّث جماعته في البصرة، لكن هذا صريحٌ في هذا الحديث، صريح أنَّه حدَّثه في المدينة، فهو صريحٌ أنه سمع منه، والحسن ثقة، إمام، فلا يقال أنه يكذب، ولا يقول: "حدَّثنا في المدينة" والمراد جماعته، يكون تدليسًا.

انظر: عباد بن راشد في "التقريب".

الطالب: عباد بن راشد التَّميمي مولاهم، البصري، البزار ..... قريب داود ابن أبي هند، صدوق، له أوهام، من السابعة. (البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه).

الشيخ: انظر أبا سعيد مولى بني هاشم.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ رَاشِدٍ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ: حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ إِذْ ذَاكَ وَنَحْنُ بِالْمَدِينَةِ.

الشيخ: يعني قبل أن يذهب الحسنُ إلى البصرة، حدَّثه في المدينة قبل أن يذهب إلى البصرة، هذا يظهر منه أنَّه سمع منه هذا الخبر، وبكل حالٍ فالخبر صحيحٌ، الله جلَّ وعلا يأخذ ويُعطي بالإسلام، والإسلام هو دين الله، والصيام والصّدقات والصّلاة والحجّ كلها من شرائعه، ومن فرائضه، فبه يأخذ، وبه يُعطي، فالإسلام يشملها كلّها، الإسلام يشمل شرائع .....، يشمل الصَّلاة والزكاة والصّوم والحجّ وجميع ما أمر اللهُ به في جميع الأديان، كل شريعةٍ يشملها الإسلام، سواء شريعة آدم، أو نوح، أو إبراهيم، كلها يشملها الإسلام، كما أنه يشمل الإسلام في شريعة محمدٍ ﷺ.

فالإسلام في شريعة محمدٍ يشمل التوحيد الذي هو أصله، ويشمل الصلاة، والزكاة، والصّوم، والحجّ، والجهاد، والأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر، وبرّ الوالدين، وترك المحارم، كلها إسلام، كلها انقيادٌ لله، كلها ذلٌّ لله، وطاعةٌ له سبحانه، فبه يأخذ، وبه يُعطي، بالإسلام تحصل النَّجاة، وبتركه يحصل الهلاك، وبالتَّفريط في شيءٍ منه يكون الخطر، ويكون صاحبه مُفرِّطًا بالمعصية، وتحت المشيئة إذا سلم له الأصل، إذا سلم الرأسُ وصار على الإسلام، ولكن عنده معاصٍ؛ صار عنده خطرٌ لما مات عليه من المعاصي، وبذلك يكون تحت مشيئة الله، كما جاء به النَّص.

الطالب: عبدالرحمن بن عبدالله بن عبيد البصري، أبو سعيد، مولى بني هاشم، نزيل مكة، لقبه: جردقة -بفتح الجيم والدال، بينهما راء ساكنة، ثم قاف- صدوق ربما أخطأ، من التاسعة، مات سنة سبعٍ وتسعين ومئة. (خ، صد، س، ق).

الشيخ: عباد له أوهام، وهذا ربما أخطأ، قد يكون أحدُهما أخطأ في قوله: "حدَّثنا"، يمكن المقصود أنَّ المعنى صحيحٌ.