تفسير قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ..} (3)

حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ فِي كِتَابِ "السُّنَّة" لَهُ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ الْبَاهِلِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: وَعَدَنِي رَبِّي أَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفًا، مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُونَ أَلْفًا لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَلَا عَذَابَ، وَثَلَاثُ حَثَيَاتٍ مِنْ حَثَيَاتِ رَبِّي .

وَكَذَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ بِهِ، وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ.

الشيخ: إسماعيل عن الشَّاميين جيد، انظر "التقريب": محمد بن زياد، وروايته عن الحجازيين -عن غير الشَّاميين- فيها بعض التَّخليط.

وهذا يُبين ما تقدم، وأنَّ قوله: سبعون ألفًا لا مفهومَ له، هذا من مفهوم العدد، وهو ليس بحجَّةٍ، إنما أخبر عن سبعين، وفضل الله أوسع، فكل مَن مات على الهدى والتَّقوى والاستقامة فهو ممن لا حسابَ عليه ولا عذابَ؛ ولهذا في الحديث: مع كل ألفٍ سبعون ألفًا، وثلاث حثيات من حثيات ربي، هذه الحثيات أمرها عظيم، لا يُحصي عددها إلا الله ، الله جلَّ وعلا بشَّر بهذا الخبر العظيم على لسان نبيِّه ﷺ، ومثله في المعنى مَن استقام على الحقِّ من أول الأُمَّة إلى آخرها.

الطالب: محمد بن زياد بن عبيدالله الزيادي، أبو عبدالله البصري، يُلقّب: يُؤيُؤ -بتحتانيتين مضمومتين، صدوق يُخطئ، من العاشرة، مات في حدود الخمسين. (خ، ق)

محمد بن زياد الجُمحي مولاهم، أبو الحارث المدني، نزيل البصرة، ثقة، ثبت، ربما أرسل، من الثالثة. (ع).

محمد بن زياد الألهاني -بفتح الهمزة وسكون اللام- أبو سفيان، الحمصي، ثقة، من الرابعة. (خ).

الشيخ: هذا هو حمصي، ورواية إسماعيل عن الحمصيين والشَّاميين جيدة؛ ولهذا قال الذَّهبي: صحيح.

طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَبِي أُمَامَةَ: قَالَ ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ: حَدَّثَنَا دُحَيْمٌ.

الشيخ: دحيم هو عبدالرحمن بن إبراهيم الدّمشقي، يُلقّب عبدالرحمن: دحيم، وهو ثقة.

حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ الْهَوْزَنِيِّ.

الشيخ: فيه علّة، وهي عنعنة الوليد بن مسلم؛ ولهذا حكم عليه بالحسن؛ لأنَّه اعتضد بالحديث الذي قبله؛ حديث الألهاني.

وَاسْمُهُ: عَامِرُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ لحَيٍّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ وَعَدَنِي أَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ من أُمَّتي سبعين ألفًا بغير حسابٍ، فقال يَزِيدُ بْنُ الْأَخْنَسِ: وَاللَّهِ مَا أُولَئِكَ فِي أُمَّتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا مِثْلَ الذُّبَابِ الْأَصْهَبِ فِي الذُّبَابِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: فَإِنَّ اللَّهَ وَعَدَنِي سَبْعِينَ أَلْفًا، مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُونَ أَلْفًا، وَزَادَنِي ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ، وَهَذَا أَيْضًا إِسْنَادٌ حَسَنٌ.

الشيخ: مراد يزيد أنهم قليلٌ، يعني: هذه الأُمَّة فضلها عظيم، وهم قليل؛ ولهذا أخبر ﷺ أنَّ الله زاده مع كل ألفٍ سبعين ألفًا، وزاده ثلاث حثيات، نعم.

مُداخلة: في نسخة "الشعب": الوليد بن مسلم، صرَّح بالتَّحديث قال: حدَّثنا صفوان بن عمرو.

الشيخ: حطّها نسخة، عندكم نسخة: حدَّثنا عن صفوان، نسخة: حدَّثنا صفوان. يُراجع ابن أبي عاصم، كتاب "السنة" لابن أبي عاصم، وهو مطبوعٌ، كتاب "السنة" مطبوعٌ ومعروفٌ بكتاب "السنة" لابن أبي عاصم.

حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خُلَيْدٍ: حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ سَلَّامٍ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلَّامٍ يَقُولُ: حَدَّثَنِي عَامِرُ بْنُ زَيْدٍ الْبِكَالِيُّ: أَنَّهُ سَمِعَ عُتْبَةَ بْنَ عَبْدٍ السُّلَمِيَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّ رَبِّي وَعَدَنِي أَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفًا بِغَيرِ حِسَابٍ، ثُمَّ يَشْفَعُ كُلُّ أَلْفٍ لِسَبْعِينَ أَلْفًا، ثُمَّ يَحْثِي رَبِّي بِكَفَّيْهِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ، فَكَبَّرَ عُمَرُ وَقَالَ: إِنَّ السَّبْعِينَ الْأُوَلَ يُشَفِّعُهُمُ اللَّهُ فِي آبائهم وأبنائهم وَعَشَائِرِهِمْ، وَأَرْجُو أَنْ يَجْعَلَنِي اللَّهُ فِي إِحْدَى الحثيات الأواخر. قال الحافظ الضياء أَبُو عَبْدِاللَّهِ الْمَقْدِسِيُّ فِي كِتَابِهِ "صِفَةِ الْجَنَّةِ": لَا أَعْلَمُ لِهَذَا الْإِسْنَادِ عِلَّةً، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الشيخ: انظر: عامر بن زيد البكالي في "التقريب"، وأحمد بن خليد شيخ الطبراني، وإلا البقية معروفون، كلّهم حُفَّاظ، أئمّة.

هذا من تواضع عمر إذا صحَّ، وقد شهد له النبيُّ بالجنة عليه الصلاة والسلام، هو من العشرة المشهود لهم بالجنة، ومن خير الأُمَّة وأفضلها بعد الصّديق رضي الله عن الجميع.

حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حدَّثني يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ -يَعْنِي الدَّسْتَوَائِيَّ- حَدَّثَنَا يَحْيَى ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ هِلَالِ ابْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ: حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ: أَنَّ رِفَاعَةَ الْجُهَنِيَّ حَدَّثَهُ قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حتى إِذَا كُنَّا بِالْكُدَيْدِ -أَوْ قَالَ: بِقُدَيْدٍ- فَذَكَرَ حَدِيثًا، وَفِيهِ: ثُمَّ قَالَ: وَعَدَنِي رَبِّي أَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ ألفًا بغير حسابٍ، وإني لأرجو ألَّا يَدْخُلُوهَا حَتَّى تَبُوءُوا أَنْتُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَذُرِّيَّاتِكُمْ مَسَاكِنَ فِي الْجَنَّةِ.

قَالَ الضِّيَاءُ: وَهَذَا عِنْدِي عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.

حَدِيثٌ آخَرُ: قال عبدُالرزاق: أنبأنا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّ اللَّهَ وَعَدَنِي أَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي أَرْبَعَمِئَةِ أَلْفٍ، قَالَ أبو بكرٍ : زِدْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: وَاللَّهِ هَكَذَا، فَقَالَ عُمَرُ: حَسْبُكَ يَا أَبَا بَكْرٍ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: دَعْنِي، وَمَا عَلَيْكَ أَنْ يُدْخِلَنَا اللَّهُ الْجَنَّةَ كُلَّنَا؟! فَقَالَ عُمَرُ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَدْخَلَ خَلْقَهُ الْجَنَّةَ بِكَفٍّ وَاحِدٍ. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: صَدَقَ عُمَرُ.

هذا الحديثُ بهذا الإسناد تفرَّد بِهِ عَبْدُالرَّزَّاقِ. قَالَهُ الضِّيَاءُ.

وَقَدْ رَوَاهُ الحافظُ أبو نعيم الأصبهاني، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَخْلَدٍ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْهَيْثَمِ الْبَلَدِيُّ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ: حَدَّثَنَا أَبُو هِلَالٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: وَعَدَنِي رَبِّي أَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي مِئَةَ أَلْفٍ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، زِدْنَا. قَالَ: وَهَكَذَا وَأَشَارَ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ بِيَدِهِ كَذَلِكَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، زِدْنَا. فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ أَنْ يُدْخِلَ النَّاسَ الْجَنَّةَ بِحَفْنَةٍ وَاحِدَةٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: صَدَقَ عُمَرُ.

هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَأَبُو هِلَالٍ اسْمُهُ: مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمٍ الرَّاسِبِيُّ، بصريّ.

الشيخ: طرقه تدور على قتادة، معنعن، وقتادة إذا عنعن فهو ضعيفٌ مُدَلِّسٌ، والمقصود الرِّوايات الأخرى كلّها .....، وأنَّه في أداء الحساب، ومع كل ألفٍ سبعون ألفًا وثلاث حثيات، وهذا لا يُبقي أحدًا من أهل الإيمان والاستقامة، كلّهم يدخلون في الحثيات، وعد الله كلّ مؤمنٍ مات على الإيمان فهو من أهل الجنّة، في حجّة الوداع بعث النبيُّ مُناديًا يُنادي: "أنَّه لا يدخل الجنةَ إلا نفس مُسلمة". وفي اللَّفظ الآخر: "نفس مؤمنة"، وصحَّ عنه عليه الصَّلاة والسلام أنَّه قال: مَن مات لا يُشرك بالله شيئًا دخل الجنةَ، كل مَن مات على التوحيد فهو من أهل الجنة، ولا يُحصيهم إلا الله ، فهم آلاف وآلاف الملايين، لا يُحصيهم إلا الله ، لكن دخول الجنّة بغير حسابٍ ولا عذابٍ هذه صفة خاصّة من خواصِّ الإيمان.

طريقٌ آخر عَنْ أَنَسٍ: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْنُ أَبِي بَكْرٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُالْقَاهِرِ بْنُ السَّرِيِّ السُّلَمِيُّ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قال: يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا، قَالُوا: زِدْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: لِكُلِّ رَجُلٍ سَبْعُونَ أَلْفًا، قَالُوا: زِدْنَا. وَكَانَ عَلَى كَثِيبٍ، فَقَالَ: هَكَذَا وَحَثَا بِيَدِهِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَبْعَدَ اللَّهُ مَنْ دَخَلَ النَّارَ بَعْدَ هذا.

وهذا إسنادٌ جيدٌ، ورجاله كلّهم ثِقَاتٌ، مَا عَدَا عَبْدَالْقَاهِرِ بْنَ السَّرِيِّ، وَقَدْ سُئِلَ عَنْهُ ابْنُ مَعِينٍ فَقَالَ: صَالِحٌ.

حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ ابْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ ابْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ وَعَدَنِي أَنْ يُدْخِلَ مِنْ أُمَّتِي ثَلَاثَمِئَةِ أَلْفٍ الْجَنَّةَ بغير حسابٍ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، زِدْنَا. فَقَالَ: هَكَذَا بِيَدِهِ، فَقَالَ عُمَيْرٌ: يَا رَسُولَ الله، زدنا. فقال عمر: حسبُك، إِنَّ اللَّهَ إِنْ شَاءَ أَدْخَلَ النَّاسَ الْجَنَّةَ بِحَفْنَةٍ -أَوْ بِحَثْيَةٍ- وَاحِدَةٍ. فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ: صَدَقَ عُمَرُ.

س: ...........؟

ج: يعني عمير يرويه عن عمر.