تفسير قوله تعالى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} (1)

حديثٌ آخر: قال الإمامُ أحمد: قَرَأْتُ عَلَى عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ أَنَّهُ قَالَ: جَاءَنَا عَبْدُاللَّهِ بنُ عمر في حرّة بَنِي مُعَاوِيَةَ -قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى الْأَنْصَارِ- فَقَالَ لِي: هَلْ تَدْرِي أَيْنَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي مَسْجِدِكُمْ هَذَا؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَأَشَرْتُ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنْهُ، فَقَالَ: هل تدري ما الثّلاث التي دعاهنَّ فيه؟ فقلت: نعم، فقال: أخبرني بهنَّ، فقلتُ: دعا ألا يُظْهِرَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ، وَلَا يُهْلِكَهُمْ بِالسِّنِينَ، فَأُعْطِيهِمَا، وَدَعَا بِأَلَّا يُجْعَلَ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ، فَمُنِعَهَا. قَالَ: صَدَقْتَ، فَلَا يَزَالُ الْهَرْجُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. لَيْسَ هُوَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ قَوِيٌّ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.

حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: عَنْ حَكِيمِ بْنِ حَكِيم بن عباد، عن خصيف، عن عباد بن حُنَيْفٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ: أَخْبَرَنِي حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِلَى حَرَّةِ بَنِي مُعَاوِيَةَ. قَالَ: فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ فَأَطَالَ فيهن، ثم التفت إليَّ فقال: حبستُك يا حذيفة، قَلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: إِنِّي سَأَلْتُ اللَّهَ ثَلَاثًا فَأَعْطَانِيَ اثْنَتَيْنِ، وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً: سَأَلْتُهُ ألا يُسَلِّطَ عَلَى أُمَّتِي عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ، فَأَعْطَانِي، وسألتُه ألا يُهلكهم بغرقٍ، فأعطاني، وسألتُه ألا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ، فَمَنَعَنِي. رَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ من حديث محمد بن إِسْحَاقَ.

حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عبيدةُ بن حميدٍ: حدَّثني سليمان الْأَعْمَشُ، عَنْ رَجَاءٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقِيلَ لِي: خَرَجَ قَبْلُ. قَالَ: فَجَعَلْتُ لَا أَمُرُّ بِأَحَدٍ إِلَّا قَالَ: مَرَّ قَبْلُ. حَتَّى مررتُ فَوَجَدْتُهُ قَائِمًا يُصَلِّي. قَالَ: فَجِئْتُ حَتَّى قُمْتُ خَلْفَهُ. قَالَ: فَأَطَالَ الصَّلَاةَ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ قلتُ: يا رسول الله، قد صَلَّيْتَ صَلَاةً طَوِيلَةً! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنِّي صَلَّيْتُ صَلَاةَ رَغْبَةٍ ورهبةٍ، إني سَأَلْتُ اللَّهَ ثَلَاثًا، فَأَعْطَانِيَ اثْنَتَيْنِ، ومنعني واحدةً: سألتُه ألا يُهلك أمّتي غرقًا، فأعطاني، وسألتُه ألا يُظْهِرَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا لَيْسَ مِنْهُمْ، فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ ألا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ، فَرَدَّهَا عَلَيَّ.

وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "الْفِتَنِ" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، وَعَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ –كِلَاهُمَا- عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ بِهِ.

وَرَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِمِثْلِهِ، أَوْ نَحْوَهُ.

حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ: أَنَّ الضَّحَّاكَ بْنَ عَبْدِاللَّهِ الْقُرَشِيَّ حَدَّثَهُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِي سَفَرٍ صَلَّى سُبْحَةَ الضُّحَى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: إِنِّي صَلَّيْتُ صلاةَ رغبةٍ ورهبةٍ، وسألتُ رَبِّي ثَلَاثًا، فَأَعْطَانِيَ اثْنَتَيْنِ، وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً: سَأَلْتُهُ ألا يبتلي أُمَّتي بالسِّنين، ففعل، وسألتُه ألا يُظهر عليهم عدوَّهم، ففعل، وسألتُه ألا يلبسهم شيعًا، فأبى عليَّ.

ورواه النَّسَائِيُّ فِي "الصَّلَاةِ" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ بِهِ.

حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ ابْنُ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: حَدَّثَنِي عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ أَبِيهِ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ، مَوْلَى بَنِي زُهْرَةَ -وَكَانَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ- أَنَّهُ قَالَ: وافيتُ رسولَ الله ﷺ في لَيْلَةٍ صَلَّاهَا كُلَّهَا، حَتَّى كَانَ مَعَ الْفَجْرِ، فَسَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ من صلاته، فقلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ صَلَّيْتَ اللَّيْلَةَ صَلَاةً مَا رَأَيْتُكَ صَلَّيْتَ مِثْلَهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَجَلْ، إِنَّهَا صَلَاةُ رَغَبٍ وَرَهَبٍ، سَأَلْتُ رَبِّي فِيهَا ثَلَاثَ خِصَالٍ، فَأَعْطَانِيَ اثْنَتَيْنِ، وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً: سَأَلْتُ ربي ألا يُهْلِكَنَا بِمَا أَهْلَكَ بِهِ الْأُمَمَ قَبْلَنَا، فَأَعْطَانِيهَا، وسألتُ ربي ألا يُظْهِرَ عَلَيْنَا عَدُوًّا مِنْ غَيْرِنَا، فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُ ربي ألا يَلْبِسَنَا شِيَعًا، فَمَنَعَنِيهَا.

وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ شُعَيْبِ ابْنِ أَبِي حَمْزَةَ بِهِ، وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" بِإِسْنَادَيْهِمَا عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي "الْفِتَنِ" مِنْ حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ رَاشِدٍ، كِلَاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ به، وقال: حسنٌ صحيحٌ.

س: (صلَّاها كلَّها) قيام اللَّيل؟

ج: في بعض الأحيان يقوم الليل كلَّه عليه الصلاة والسلام، لكنه نادرٌ قليلٌ.

س: ما صحَّ أنَّه قام الليل كلَّه؟

ج: إذا صار لعارضٍ، وإلا فالغالب مثلما قال ﷺ لعبدالله بن عمرو: قم ونم، وهكذا أبو الدَّرداء، السنة أنه لا يقوم الليلَ كلَّه، لكن إذا عرض عارضٌ في بعض الأحيان وقام الليلَ كلَّه لأمرٍ مهمٍّ ما في حرج، مثلما قام في العشر الأواخر عليه الصلاة والسلام في رمضان.

مُداخلة: أشار المحشي أحسن الله إليك إلى أنَّ الرِّواية في "مسند الإمام أحمد" في ليلةٍ صلَّاها رسولُ الله ﷺ.

الشيخ: والذي عندكم؟

الطالب: الذي في المتن: (في ليلةٍ صلَّاها كلَّها).

الشيخ: المعنى مُتقارب.

حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ أَبُو جَعْفَرِ ابْنُ جَرِيرٍ في "تفسيره": حدَّثني زياد بن عبداللَّهِ الْمُزَنِيُّ: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو مَالِكٍ: حَدَّثَنِي نَافِعُ بْنُ خَالِدٍ الْخُزَاعِيُّ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى صَلَاةً خَفِيفَةً تَامَّةَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، فَقَالَ: قَدْ كَانَتْ صَلَاةَ رَغْبَةٍ وَرَهْبَةٍ، سَأَلْتُ اللَّهَ فِيهَا ثَلَاثًا، أَعْطَانِي اثنتين ومنعني واحدةً: سألتُ الله ألَّا يُصيبكم بعذابٍ أصاب به مَن كان قبلكم، فأعطانيها، وسألتُ الله ألَّا يُسلِّط عليكم عدوًّا يستبيح بيضَتكم، فأعطانيها، وسألتُ الله ألَّا يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ، فَمَنَعَنِيهَا.

قَالَ أَبُو مَالِكٍ: فَقُلْتُ لَهُ: أَبُوكَ سَمِعَ هَذَا مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ بِهَا الْقَوْمَ أَنَّهُ سَمِعَهَا مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.

الشيخ: وهذه من المصائب العظيمة التي قدّرها سبحانه لحكمةٍ بالغةٍ، من جملة الابتلاء والامتحان والاختلاف بين الأمّة وجعل بأسهم بينهم، هذه من آيات الله التي ابتلى بها عباده، كما قال : وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً [الأنبياء:35]، وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الأعراف:168]، وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ۝ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ [هود:118- 119].

فالله جلَّ وعلا يبتلي عباده بالسَّراء والضَّراء، والشّدة والرَّخاء؛ ليمتحن صبرهم وشكرهم وثباتهم على الحقِّ، ومن جملة ذلك الاختلاف وما يقع من الحروب بينهم، وأول ذلك ما وقع في عهد عثمان من مقتل عثمان، ومن البلية العظيمة، ثم بعد ذلك ما بين عليٍّ ومعاوية وأهل الجمل، ثم بعد ذلك الفتن الكثيرة التي وقعت بعد موت يزيد بن معاوية، إلى غير ذلك من الفتن العظيمة، وكلّها داخلة في قوله: أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ [الأنعام:65]، لا حول ولا قوة إلا بالله، نسأل الله السَّلامة والعافية.

س: الجماعات الإسلامية .....؟

ج: نرجو ألا يكونوا من هذا الكلام، نرجو ما داموا كلّهم على الحقِّ وليس عندهم بدعٌ، إنما هو تعاون على البرِّ والتَّقوى، ما يكون من هذا التَّفرق المذموم الذي تفرّق على الشَّر والبدعة والمخالفة، أمَّا إذا اجتمعوا وتعاونوا على البرِّ والتَّقوى، ويتساعدون على إقامة مدارس أو حلقات علم، أو للتَّعاون على المساجد، أو على الدَّعوة؛ فلا يضرّ هذا، مثل: أنصار السنة في مصر، وأنصار السنة في السودان، والإخوان المسلمون، إذا هداهم الله وتعاونوا على البرِّ والتقوى، إذا كان المقصودُ التعاون على الخير، ليس المقصود أمرًا آخر؛ فلا يضرّ، التَّعاون على البرِّ والتقوى مطلوبٌ، إنما يذمّ هذا التَّجمع إذا صارت فيه أهداف أخرى، وليس من الثِّنتين والسَّبعين فرقة، هذا شيءٌ آخر.

س: ............؟

ج: يعني مبالغة، هذا المقصود، كل الصَّلاة رغبٌ ورهبٌ؛ لأنَّ المقصود والله أعلم يعني: صلاة حصلت فيها مُبالغة بالرَّغب والرَّهب.

س: .............؟

ج: كأنها وقعت مرات كثيرة؛ ولهذا اختلفت الدَّعوات.

س: .............؟

ج: نعم.