تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ..}

قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ۝ وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ۝ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ [الأنعام:71- 73].

قَالَ السُّدي: قال المشركون للمُسلمين: اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا [العنكبوت:12] وَاتْرُكُوا دِينَ مُحَمَّدٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ : قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا أَيْ: فِي الْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ فَيَكُونُ مَثَلُنَا مَثَلَ الذي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ، يقول: مثلكم إن كفرتم بعد إيمانكم كمثل رجلٍ خرج مَعَ قَوْمٍ عَلَى الطَّرِيقِ، فَضَلَّ الطَّرِيقَ، فَحَيَّرَتْهُ الشَّيَاطِينُ، وَاسْتَهْوَتْهُ فِي الْأَرْضِ، وَأَصْحَابُهُ عَلَى الطَّرِيقِ، فَجَعَلُوا يَدْعُونَهُ إِلَيْهِمْ يَقُولُونَ: ائْتِنَا فَإِنَّا عَلَى الطَّرِيقِ. فَأَبَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ يَتَّبِعُهُمْ بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ بِمُحَمَّدٍ ﷺ، وَمُحَمَّدٌ هُوَ الَّذِي يَدْعُو إِلَى الطَّرِيقِ، وَالطَّرِيقُ هُوَ الْإِسْلَامُ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ.

وَقَالَ قَتَادَةُ: اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ أَضَلَّتْهُ فِي الأرض، يعني: استهوته سيرته، كقوله: تَهْوِي إِلَيْهِمْ.

وَقَالَ عَلِيُّ ابْنُ أَبِي طَلْحَةَ: عَنِ ابْنِ عباسٍ في قوله: قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا الْآيَةَ، هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْآلِهَةِ ومَن يدعو إليها، والدّعاة الذين يدعون إلى هدى اللَّهِ ، كَمَثَلِ رَجُلٍ ضَلَّ عَنْ طريقٍ تائهًا، إِذْ نَادَاهُ مُنَادٍ: يَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، هَلُمَّ إِلَى الطَّرِيقِ. وَلَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ: يَا فُلَانُ، هَلُمَّ إِلَى الطَّرِيقِ. فَإِنِ اتَّبَعَ الدَّاعِيَ الْأَوَّلَ انْطَلَقَ بِهِ حَتَّى يُلْقِيَهُ إِلَى الْهَلَكَةِ، وَإِنْ أَجَابَ مَنْ يَدْعُوهُ إِلَى الْهُدَى اهْتَدَى إِلَى الطَّرِيقِ، وَهَذِهِ الدَّاعِيَةُ الَّتِي تَدْعُو فِي الْبَرِيَّةِ مِنَ الْغِيلَانِ، يَقُولُ: مَثَلُ مَنْ يَعْبُدُ هَذِهِ الْآلِهَةَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ يَرَى أَنَّهُ فِي شَيْءٍ، حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمَوْتُ، فَيَسْتَقْبِلُ النَّدامةَ والهلكة.

وَقَوْلُهُ: كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ هُمُ الْغِيلَانُ يَدْعُونَهُ بِاسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ وَجَدِّهِ، فَيَتَّبِعُهَا وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ فِي شَيْءٍ، فَيُصْبِحُ وَقَدْ رمته فِي هَلَكَةٍ، وَرُبَّمَا أَكَلَتْهُ، أَوْ تُلْقِيهِ فِي مَضَلَّةٍ مِنَ الْأَرْضِ يَهْلَكُ فِيهَا عَطَشًا، فَهَذَا مِثْلُ مَنْ أَجَابَ الْآلِهَةَ الَّتِي تُعْبَدُ مَنْ دُونِ اللَّهِ . رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ.

الشيخ: والمقصود من هذا كلِّه التَّنفير من عبادة الآلهة والأنداد، والتَّنفير من إجابة دُعاة الباطل من الشياطين -من شياطين الإنس والجنّ- وأنهم كالذي على الصِّراط المستقيم وعلى الطريق الواضح، فيدعونه إلى طرق الهلكة ومشايخ الضَّلالة، والله جلَّ وعلا أمرهم بأن يعبدوه وحده، وخلقهم لذلك، وأرسل الرسلَ تدعوهم إلى وحدانية الله، وإلى طاعة أمره، وترك نهيه، والشياطين التي تدعو الناس إلى الضَّلالة يُريدون إخراجهم من هذا الطريق إلى طريق الهلاك، سواء كان الشياطينُ من شياطين الإنس، أو من شياطين الجنّ، كما قال جلَّ وعلا: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ [الأنعام:112].

فالمقصود أنَّ شياطين الإنس والجنّ يدعون إلى الهاوية، إلى الضَّلالة، إلى الطّرق المهلكة، كالذي على الصِّراط الواضح والطريق الواضح، فيُدعا إلى طرقٍ تُفضي به إلى الهلكة، إلى أراضٍ ليس فيها ماءٌ، ولا شرابٌ، ولا نجاةٌ، فهؤلاء يدعون إلى النار، وإلى الهلكة، وإلى البُعد عن الله.

فلا يليق بالعاقل أن يُجيب دُعاة الضَّلالة، ويدع دُعاة الحقِّ، فهو أرسل الرسلَ وأنزل الكتبَ للهداية إلى الحقِّ، وإيضاح الحقّ، والإرشاد إليه، وأعداؤه سبحانه من الجنِّ والإنس دُعاة إلى ضدِّ ذلك؛ دُعاة إلى الضَّلالة، وإلى الشِّرك به جلَّ وعلا، وإلى مُخالفة أمره، فهذا المدعو إلى طرق الضَّلالة كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا، كالذي استهوته الشَّياطين وأضلّته عن الطريق، وأصبح حيرانَ في الأرض لا يدري أين يذهب؟ ولا يدري أين يسلك؟ قد اختلفت عليه الطّرق والعالم، وضلَّ عن طريق الرَّشاد، فهو في حيرةٍ وضلالٍ حتى يهلك، أو يأخذ اللهُ بيده إلى الحقِّ بأن يُوصله إلى طريق الهداية، وإلى دُعاة الهداية.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ: عَنْ مُجَاهِدٍ: كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ قَالَ: رَجُلٌ حَيْرَانُ يَدْعُوهُ أَصْحَابُهُ إِلَى الطَّرِيقِ، وَذَلِكَ مِثْلُ مَنْ يَضِلُّ بَعْدَ أَنْ هُدِيَ.

وَقَالَ الْعَوْفِيُّ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَوْلُهُ: كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ هُوَ الَّذِي لَا يَسْتَجِيبُ لِهُدَى اللَّهِ، وَهُوَ رَجُلٌ أَطَاعَ الشَّيْطَانَ، وَعَمِلَ فِي الْأَرْضِ بِالْمَعْصِيَةِ، وحاد عَنِ الْحَقِّ، وَضَلَّ عَنْهُ، وَلَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى، وَيَزْعُمُونَ أَنَّ الَّذِي يَأْمُرُونَهُ بِهِ هُدًى، يَقُولُ اللَّهُ ذَلِكَ لِأَوْلِيَائِهِمْ مِنَ الْإِنْسِ؛ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ، وَالضَّلَال مَا يَدْعُو إِلَيْهِ الْجِنُّ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ أَصْحَابَهُ يدعونه إلى الضَّلال، ويزعمون أنَّه هدى. قال: وَهَذَا خِلَافُ ظَاهِرِ الْآيَةِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ أنَّهم يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى، فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ ضَلَالًا، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّهُ هُدًى.

وَهُوَ كما قال ابنُ جريرٍ؛ فإنَّ السياق يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا الَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَان، وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ، أَيْ: فِي حَالِ حِيرَتِهِ وَضَلَالِهِ وَجَهْلِهِ وَجْه الْمَحَجَّةِ، وَلَهُ أَصْحَابٌ عَلَى الْمَحَجَّةِ سَائِرُونَ، فَجَعَلُوا يَدْعُونَهُ إِلَيْهِمْ وَإِلَى الذَّهَابِ مَعَهُمْ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْمُثْلَى، وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ: فَيَأْبَى عَلَيْهِمْ، وَلَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِمْ، وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَهَدَاهُ وَلَرَدَّ بِهِ إِلَى الطَّرِيقِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى، كَمَا قَالَ: وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ [الزمر:37]، وَقَالَ: إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ [النحل:37].

وَقَوْلُهُ: وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ أَيْ: نُخْلِصُ لَهُ الْعِبَادَةَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ أَيْ: وَأُمِرْنَا بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَبِتَقْوَاهُ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ، وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ أَيْ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ أي: بالعدل، فهو خَالِقُهُمَا وَمَالِكُهُمَا وَالْمُدَبِّرُ لَهُمَا وَلِمَنْ فِيهِمَا.

وَقَوْلُهُ: وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ يَعْنِي: يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِي يَقُولُ اللَّهُ: كُنْ فَيَكُونُ عَنْ أَمْرِهِ كَلَمْحِ الْبَصَرِ، أَوْ هُوَ أَقْرَبُ، (وَيَوْمَ) مَنْصُوبٌ: إِمَّا عَلَى الْعَطْفِ عَلَى قَوْلِهِ: وَاتَّقُوهُ، وَتَقْدِيرُهُ: وَاتَّقُوا يَوْمَ يَقُولُ: كُنْ فَيَكُونُ. وَإِمَّا عَلَى قَوْلِهِ: خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَيْ: وَخَلَقَ يَوْمَ يَقُولُ: كُنْ فَيَكُونُ، فَذَكَرَ بَدْءَ الْخَلْقِ وَإِعَادَته، وَهَذَا مُنَاسِبٌ، وَإِمَّا عَلَى إِضْمَارِ فِعْلٍ تَقْدِيرُهُ: وَاذْكُرْ يَوْمَ يَقُولُ: كُنْ فَيَكُونُ.

وَقَوْلُهُ: قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ جُمْلَتَانِ مَحَلُّهُمَا الْجَرُّ عَلَى أَنَّهُمَا صِفَتَانِ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَقَوْلُهُ: يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ قَوْلِهِ: وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ، يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِقَوْلِهِ: وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ، كَقَوْلِهِ: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [غافر:16]، كقوله: الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا [الفرقان:26]، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.

وَاخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي قَوْلِهِ: يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ:

فقال بعضُهم: المراد بالصّور هنا جَمْعُ صُورَةٍ، أَيْ: يَوْمَ يُنْفَخُ فِيهَا فَتَحْيَا.

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: كَمَا يُقَالُ: سُورٌ، لِسُورِ البلد، وهو جَمْعُ سُورَةٍ.

وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالصُّورِ الْقَرْنُ الَّذِي يَنْفُخُ فِيهِ إِسْرَافِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ.

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَالصَّوَابُ عِنْدَنَا مَا تَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ إِسْرَافِيلَ قَدِ الْتَقَمَ الصُّورَ، وَحَنَى جَبْهَتَهُ يَنْتَظِرُ مَتَى يُؤْمَرُ فَيَنْفُخُ. رواه مسلم في "صحيحه".

الشيخ: كذا عندكم: رواه مسلم في "صحيحه"؟

الطالب: هناك حاشية على هذا الكلام، يقول: أشار إلى موضع ..... الطّبري، قال: وقد ورد في الطبعات السَّابقة لهذا التَّفسير بعد هذا الحديث: رواه مسلم في "صحيحه". على حين خلت منها مخطوطة الأزهر التي اعتمدنا عليها. ويقول السيد محقق "تفسير الطبري" وهو يُخرج هذا الحديث: إنَّ ابن كثير قال: (رواه مسلم في "صحيحه") ولم أستطع أن أعرف مكانه في "صحيح مسلم"، وهذه العبارة لا نشكّ أنها مُقحمة على نصِّ ابن كثير. انتهى.

الشيخ: نعم، الحديث ليس في مسلمٍ، الحديث في خارج مسلم، ليس في مسلمٍ، والنَّفخ في الصّور قد تكرر في القرآن الكريم في سورٍ كثيرةٍ من القرآن الكريم، وبيَّن في سورة الزمر أنها نفختان: نفخة الفزع والصّعق -وهي نفخة الموت- والنفخة الثانية نفخة البعث والنُّشور، وكلاهما حقّ.

وقال قومٌ أنها ثلاثٌ: نفخة الفزع حين يفزع الناس حين يسمعونها، ثم نفخة الصّعق -وهي الموت- ثم نفخة البعث والنّشور، ولكن الأولى ليست في حديثٍ ثابتٍ، في حديث الصُّور، وهو ضعيفٌ، والذي في القرآن نفختان: نفخة الفزع، وهي نفخة الصّعق، وهي نفخةٌ طويلةٌ يمدّها إسرافيل، والناس في أعمالهم: في بيعهم وشرائهم، وأكلهم وشُربهم، وغير ذلك من أحوالهم، يمدّها حتى إنَّ الرجل يُصغي ليتًا ويرفع ليتًا، هكذا وهكذا يتسمَّع هذا الصّوت العظيم، ثم لا يزال الصوتُ يزداد ويرتفع حتى يموت الناسُ من شدّة الأمر، فينفخ في الصّور والرجل يأكل، فلا تصل لقمتُه إلى فمه من شدّة الأمر والفزع، والآخر بيده البيع والشِّراء مع صاحبه، يمدّا الثوب فلا يطويانه، والآخر يلوط حوض إبله فلا يسقيها، والآخر بيده الفسيلة –النخلة- يريد أن يغرسها فلا يتمكّن من غرسها، يسقط قبل ذلك، وهكذا هم في أعمالهم، كما قال جلَّ وعلا: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ [الزمر:68].

فالحاصل أنها نفخةٌ طويلةٌ عظيمةٌ، وهي مذكورة في سورة النمل: وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ [النمل:87] أي: صاغرين.

وأمَّا النَّفخة الأخيرة فهي نفخة البعث والنّشور التي بها يقوم الناسُ من قبورهم، ويجمعهم اللهُ لحسابهم وجزائهم .

وبينهما أربعون، كما في حديثٍ قال: "لا أدري: أربعين شهرًا، أو أربعين سنةً، أو أربعين يومًا"، وفي رواية البزار: "أربعين خريفًا"، المقصود أنَّ بين النَّفختين مدّةً قدرها أربعون، ولم يثبت تفسير الأربعين: هل هي يومًا أو سنةً أو شهرًا؟ ثم يبعث اللهُ الناسَ ويحشرهم ويُجازيهم بأعمالهم .

س: ما المراد بآية النَّمل؟ هل هي النفخة الأولى: نفخة الصّعق؟

ج: نعم، الصّعق في آية النمل، ويقال لها: الفزع، هي المذكورة في سورة النَّمل.

س: لها اسمان: تُسمّى بالفزع، وتُسمّى بالصّعق؟

ج: بالصّعق نعم.

س: ..... ذكرت في النَّمل؟

ج: نعم، وفي الزمر وغيرها الصّعق، نعم.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَسْلَمَ الْعِجْلِيِّ، عَنْ بِشْرِ بْنِ شَغَافٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ أَعْرَابِيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الصُّورُ؟ قَالَ: قَرْنٌ يُنْفَخُ فِيهِ.

وَقَدْ رُوِّينَا حَدِيثَ الصُّورِ بِطُولِهِ مِنْ طَرِيقِ الْحَافِظِ أَبِي الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيِّ فِي كِتَابِهِ "الـمطوّلَات"، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمصرِيُّ الْأَيْلِيُّ.

الشيخ: كذا عندك: المصري أو المقري؟

الطالب: المصري.

طالب آخر: المقري.

الطالب: أحسن الله إليك، وضع حاشيةً عندنا، قال: في المخطوطة: البصري، والمثبت -أي المصري- عن "المعجم الصغير" للطَّبراني، و"ميزان الاعتدال".

الشيخ: أحمد بن الحسن؟

الطالب: أحمد بن الحسن المقري الأبلي.

الشيخ: الأبُلي، ويُقال: الأيلي، فيحتمل هذا أنَّه أيلي، ويحتمل أنَّه أبلي، والأبلة مدينة أو قرية، أظنّها من قرى العراق، انظر: "التقريب" عندك.

الطالب: ما هو بموجود يا شيخ.

الشيخ: شيوخ الطَّبراني غالبهم مُتأخِّرون، ليسوا من رجال السّتة.

مُداخلة: الإسناد الذي عند أحمد: قال الإمامُ أحمد: حدَّثنا إسماعيل، قال في الحاشية ..... في "مسند الإمام" قال الإمام أحمد: حدَّثنا يحيى بن سعيد .....

الشيخ: هذا سندٌ آخر غير سند الطَّبراني، لكن إنما يدور على إسماعيل، يعني: إسماعيل بن رافع، نعم، حطّ على (المصري) إشارة نسخة: البصري، ونسخة: المقري.

مداخلة: في كتاب الطبراني: الطّوالات.

الشيخ: كأنَّ مُراده يعني: الأحاديث الطويلة، جمع فيه الأحاديث الطويلة، يقال: طويل وطويلة، طويل وطوال، يمكن أن يجمعها طويلات، لكنه مذكر: طويل، طويلات، طوال.

س: .............؟

ج: لا غير "المعجم" .....

مداخلة: آخر أجزاء "المعجم الكبير" هو المطولات.

الشيخ: ما عندي خبر، يمكن! يُراجع، لكن ظاهر كلام المؤلف أنه كتاب مُستقلّ، ظاهر كتاب المؤلف أنه كتابٌ مستقلٌّ "المطولات"، ويحتمل أنه أيضًا ضمَّه إلى "المعجم"، يحتمل.

حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ رَافِعٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ.

الشيخ: هكذا عندكم: عن أبي عاصم النَّبيل؟

الطالب: نعم.

الشيخ: هذا يدل على أنَّه مُعمّر هذا الرجل؛ لأنَّ أبا عاصم النَّبيل من كبار التَّاسعة.

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَمَّا فَرَغَ مِنْ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ خَلَقَ الصُّورَ، فَأَعْطَاهُ إِسْرَافِيلَ، فَهُوَ وَاضِعُهُ عَلَى فِيهِ، شَاخِصًا بَصَرَهُ إِلَى الْعَرْشِ، يَنْتَظِرُ مَتَى يُؤْمَرُ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الصُّورُ؟ قَالَ: الْقَرْنُ، قُلْتُ: كَيْفَ هُوَ؟ قَالَ: عَظِيمٌ، وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ إِنَّ عِظَمَ دَارَةٍ فِيهِ كَعَرْضِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، يُنْفَخُ فِيهِ ثَلَاثُ نَفَخَاتٍ: النَّفْخَةُ الْأُولَى نَفْخَةُ الْفَزَعِ، وَالثَّانِيَةُ نَفْخَةُ الصَّعْقِ، وَالثَّالِثَةُ نفخة القيام لربِّ العالمين، يَأْمُرُ اللَّهُ تَعَالَى إِسْرَافِيلَ بِالنَّفْخَةِ الْأُولَى، فَيَقُولُ: انْفُخْ، فَيَنْفُخُ نَفْخَةَ الْفَزَعِ، فَيَفْزَعُ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ والأرض إلا مَن شاء الله، ويأمره فيُطيلها ويُديمها وَلَا يَفْتُرُ، وَهِيَ كَقَوْلِ اللَّهِ: وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَها مِنْ فَوَاقٍ [ص:15]، فَيُسَيِّرُ اللَّهُ الْجِبَالَ، فَتَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ، فَتَكُونُ سَرَابًا، ثُمَّ تَرْتَجُّ الْأَرْضُ بِأَهْلِهَا رجًّا، فَتَكُونُ كَالسَّفِينَةِ الْمَرْمِيَّةِ فِي الْبَحْرِ.

الشيخ: (المرمية في البحر) يعني: يلعب بها البحرُ، سفينة مرميّة في البحر، ليس لها قائدٌ، يلعب بها البحرُ، نسأل الله العافية.

 

تَضْرِبُهَا الْأَمْوَاجُ، تكفّأ بأهلها كالقنديل المعلَّق في العرش، ترجرجه الرِّياح، وهو الَّذي يَقُولُ: يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ ۝ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ ۝ قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ [النازعات:6- 8]، فَيَمِيدُ النَّاسُ عَلَى ظَهْرِهَا، وَتُذْهَلُ الْمَرَاضِعُ، وَتَضَعُ الْحَوَامِلُ، وَتَشِيبُ الْوِلْدَانُ، وَتَطِيرُ الشَّيَاطِينُ هَارِبَةً مِنَ الْفَزَعِ، حَتَّى تَأْتِيَ الْأَقْطَارَ، فَتَأْتِيهَا الْمَلَائِكَةُ فَتَضْرِبُ وُجُوهَهَا فَتَرْجِعُ، وَيُوَلِّي النَّاسُ مُدْبِرِينَ، ما لهم من أمن اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ، يُنَادِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ اللَّهُ تعالى: يَوْمَ التَّنَادِ [غافر:32].

فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ إِذْ تَصَدَّعَتِ الْأَرْضُ مِنْ قُطْرٍ إِلَى قُطْرٍ، فَرَأَوْا أَمْرًا عَظِيمًا لَمْ يَرَوْا مِثْلَهُ، وَأَخَذَهُمْ لِذَلِكَ مِنَ الْكَرْبِ وَالْهَوْلِ مَا اللَّهُ بِهِ عَلِيمٌ، ثُمَّ نَظَرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَإِذَا هِيَ كَالْمُهْلِ، ثُمَّ انْشَقَّتِ السَّماءُ فانتثرت نجومُها، وانخسفت شَمْسُهَا وَقَمَرُهَا

.

 

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: الْأَمْوَاتُ لَا يَعْلَمُونَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.

قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ حِينَ يَقُولُ: فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ [النمل:87]؟ قَالَ: أُولَئِكَ الشُّهَدَاءُ، وَإِنَّمَا يَصِلُ الْفَزَعُ إِلَى الْأَحْيَاءِ، وَهُمْ أحياءٌ عند ربِّهم يُرْزَقُونَ، وَقَاهُمُ اللَّهُ فَزَعَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَأَمَّنَهُمْ مِنْهُ، وَهُوَ عَذَابٌ اللَّهُ يَبْعَثُهُ عَلَى شِرَارِ خَلْقِهِ.

قَالَ: «وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ اللَّهُ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ۝ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ [الحج:1- 2]، فَيَكُونُونَ فِي ذَلِكَ الْعَذَابِ مَا شَاءَ اللَّهُ، إِلَّا أَنَّهُ يَطُولُ، ثُمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ إِسْرَافِيلَ بِنَفْخَةِ الصَّعْقِ، فَيَنْفُخُ نَفْخَةَ الصَّعْقِ، فَيُصْعَقُ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ والأرض إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ، فَإِذَا هُمْ قَدْ خَمِدُوا.

وَجَاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى الْجَبَّارِ ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، قَدْ مَاتَ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شِئْتَ. فَيَقُولُ اللَّهُ -وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ بَقِيَ- فَمَنْ بَقِيَ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، بَقِيتَ أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لَا تَمُوتُ، وَبَقِيَتْ حَمَلَةُ الْعَرْشِ، وَبَقِيَ جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ، وَبَقِيتُ أَنَا. فَيَقُولُ اللَّهُ : لِيَمُتْ جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ. فَيُنْطِقُ اللَّهُ الْعَرْشَ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، يَمُوتُ جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ! فَيَقُولُ: اسْكُتْ، فَإِنِّي كَتَبْتُ الْمَوْتَ عَلَى كُلِّ مَنْ كَانَ تَحْتَ عَرْشِي. فَيَمُوتَانِ.

ثُمَّ يَأْتِي مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى الجبَّارِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، قَدْ مَاتَ جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ. فَيَقُولُ اللَّهُ -وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ بَقِيَ- فَمَنْ بقي؟ فَيَقُولُ: بَقِيتَ أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لَا تَمُوتُ، وبقيت حملةُ عرشك، وبقيتُ أنا. فيقول الله: لِتَمُتْ حملةُ العرشِ. فتموت، وَيَأْمُرُ اللَّهُ الْعَرْشَ فَيَقْبِضُ الصُّورَ مِنْ إِسْرَافِيلَ، ثُمَّ يَأْتِي مَلَكُ الْمَوْتِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، قَدْ مَاتَ حَمَلَةُ عَرْشِكَ. فَيَقُولُ اللَّهُ -وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ بَقِيَ- فَمَنْ بَقِيَ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، بَقِيتَ أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لَا تَمُوتُ، وبقيتُ أنا. فيقول الله: أَنْتَ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِي، خَلَقْتُكَ لِمَا رَأَيْتَ، فَمُتْ. فَيَمُوتُ.

فَإِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ الْأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، كَانَ آخِرًا كَمَا كَانَ أَوَّلًا، طَوَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ طَيَّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ، ثُمَّ دَحَاهُمَا، ثُمَّ يَلْقَفُهُمَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْجَبَّارُ، أَنَا الْجَبَّارُ، أَنَا الْجَبَّارُ. ثَلَاثًا، ثُمَّ هَتَفَ بِصَوْتِهِ: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ؟ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَلَا يُجِيبُهُ أَحَدٌ، ثُمَّ يَقُولُ لِنَفْسِهِ: لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ. يَقُولُ اللَّهُ: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ [إبراهيم:48]، فَيَبْسُطُهُمَا وَيَسْطَحُهُمَا، ثُمَّ يَمُدُّهُمَا مَدَّ الْأَدِيمِ الْعُكَاظِيِّ: لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا ولَا أَمْتًا [طه:107].

ثُمَّ يَزْجُرُ اللَّهُ الْخَلْقَ زَجْرَةً واحدةً فَإِذَا هُمْ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ الْمُبَدَّلَةِ مِثْلَمَا كَانُوا فِيهَا مِنَ الْأُولَى: مَنْ كَانَ فِي بَطْنِهَا كَانَ فِي بَطْنِهَا، وَمَنْ كَانَ عَلَى ظَهْرِهَا كَانَ عَلَى ظَهْرِهَا، ثُمَّ يُنَزِّلُ اللهُ عَلَيْهِمْ مَاءً مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ، ثُمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ السَّمَاءَ أَنْ تُمْطِرَ، فَتُمْطِرُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا حَتَّى يَكُونَ الْمَاءُ فَوْقَهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ ذِرَاعًا، ثُمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ الْأَجْسَادَ أَنْ تَنْبُتَ؛ فَتَنْبُتُ كَنَبَاتِ الطَّرَاثِيثِ، أَوْ كَنَبَاتِ الْبَقْلِ، حَتَّى إِذَا تَكَامَلَتْ أَجْسَادُهُمْ فَكَانَتْ كَمَا كَانَتْ قَالَ اللَّهُ : ليحي حَمَلَةُ عَرْشِي. فَيَحْيَوْنَ، وَيَأْمُرُ اللَّهُ إِسْرَافِيلَ فَيَأْخُذُ الصّور فيضعه على فيه، ثم يقول: ليحي جبريلُ وميكائيل. فيحييان، ثم يدعو اللهُ بالأرواح فَيُؤْتَى بِهَا تَتَوَهَّجُ: أَرْوَاحُ الْمُسْلِمِينَ نُورًا، وَأَرْوَاحُ الْكَافِرِينَ ظُلْمَةً، فَيَقْبِضُهَا جَمِيعًا، ثُمَّ يُلْقِيهَا فِي الصُّورِ.

ثُمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ إِسْرَافِيلَ أَنْ يَنْفُخَ نَفْخَةَ الْبَعْثِ، فَيَنْفُخُ نَفْخَةَ الْبَعْثِ؛ فَتَخْرُجُ الْأَرْوَاحُ كَأَنَّهَا النَّحْلُ، قَدْ مَلَأَتْ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ والأرضِ، فيقول: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَيَرْجِعَنَّ كُلُّ رُوحٍ إِلَى جَسَدِهِ. فَتَدْخُلُ الْأَرْوَاحُ فِي الْأَرْضِ إِلَى الْأَجْسَادِ، فَتَدْخُلُ فِي الْخَيَاشِيمِ، ثُمَّ تَمْشِي فِي الْأَجْسَادِ كَمَا يَمْشِي السُّمُّ فِي اللَّدِيغِ، ثُمَّ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ عنهم، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ عَنْهُ، فَتَخْرُجُونَ سِرَاعًا إِلَى رَبِّكُمْ تَنْسِلُونَ: مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ [القمر:8]، حُفَاةً، عُرَاةً، غُلْفًا، غُرْلًا، فَتَقِفُونَ مَوْقِفًا وَاحِدًا مِقْدَارُهُ سَبْعُونَ عَامًا، لَا يُنْظَرُ إِلَيْكُمْ، وَلَا يُقْضَى بَيْنَكُمْ، فَتَبْكُونَ حَتَّى تَنْقَطِعَ الدُّمُوعُ، ثُمَّ تَدْمَعُونَ دَمًا وَتَعْرَقُونَ، حَتَّى يُلْجِمَكُمُ الْعَرَقُ، أَوْ يَبْلُغَ الأذقان، وَتَقُولُونَ: مَنْ يَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّنَا فَيَقْضِي بَيْنَنَا؟ فَتَقُولُونَ: مَنْ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْ أَبِيكُمْ آدَمَ؛ خَلَقَهُ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ، وَكَلَّمَهُ قُبُلًا.

الشيخ: قف على هذا: الشَّفاعة، هو حديثٌ ضعيفٌ مُطوّل، جمع إسماعيلُ أشياء كثيرة، وهو ضعيفٌ عند أهل العلم، مُجمّع من هنا ومن هنا، وعلّته إسماعيل بن رافع، والمحفوظ نفختان فقط: نفخة الصّعق، ويُقال لها: نفخة الفزع، ونفخة البعث والنُّشور، وهي الثانية، والله المستعان، رحمه الله.