تفسير قوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ..}

ذِكْرُ الْآثَارِ بِذَلِكَ:

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا هَنَّادٌ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المسيب قَالَ: قَالَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ: كُلْ وَإِنْ أَكَلَ ثُلُثَيْهِ -يَعْنِي الصَّيْدَ إِذَا أَكَلَ مِنْهُ الْكَلْبُ.

وَكَذَا رَوَاهُ سَعِيدُ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ وَعُمَرُ بْنُ عَامِرٍ، عَنْ قَتَادَةَ. وَكَذَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ سَلْمَانَ. وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ أَيْضًا عَنْ مُجَاهِدِ بْنِ مُوسَى، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ حميدٍ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ الْمُزَنِيِّ وَالْقَاسِمِ: أنَّ سَلْمَانَ قَالَ: إِذَا أَكَلَ الْكَلْبُ فَكُلْ، وَإِنْ أَكَلَ ثُلُثَيْهِ.

الشيخ: وهذا الأثر عن سلمان وإن كان صحيح الإسناد، لكنه ليس بصحيحٍ، ولعلَّ سلمان خفي عليه الأمرُ، خفيت عليه السّنة؛ فإنَّ كلَّ إنسانٍ من الصَّحابة وغيرهم يخفى عليه من السّنة ما قد يخفى، والحجّة فيما قاله اللهُ ورسوله، وكل قولٍ يُخالف الكتابَ والسّنة فهو مردودٌ على صاحبه، كائنًا مَن كان، فقد صحَّ عن الرسول أنَّه قال: فإن أكل فلا تأكل؛ فإنَّه إنما أمسك على نفسه هكذا في "الصحيحين".

المقصود أنَّ هذا الأثر عن سلمان وإن صحَّ سنده فهو غير صحيح المتن، وهو محمولٌ على أنَّ سلمان لم تبلغه السّنة ، فقال باجتهاده، خفيت عليه السّنة فقال باجتهاده، والاجتهاد إذا صادم النَّص وجب ردُّه ولو كان من الخلفاء الراشدين الأربعة، فكيف من سلمان وغيره؟! ولهذا يقول جلَّ وعلا: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59]، وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى:10]، ويقول جلَّ وعلا: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، ويقول سبحانه: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63]، وهذا عامٌّ في أقوال الصَّحابة وغيرهم، نعم.

س: سنده صحيحٌ؟

ج: صحيحٌ نعم.

س: ما فيه عنعنة قتادة؟

ج: لا، قبله، السَّند الأول أيش؟

الطالب: حدَّثنا هناد، قال: حدَّثنا وكيع، عن شعبة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب قال: قال سلمان الفارسي.

الشيخ: السَّند الأخير الذي بعده؟

الطالب: وكذا رواه سعيد ابن أبي عروبة وعمر بن عامر، عن قتادة، وكذا رواه محمد بن زيد، عن سعيد بن المسيب، عن سلمان.

الشيخ: هذا طريقٌ آخر، نعم.

س: ...........؟

ج: كذا قالوا عن شعبة أنَّه ما تحمّل إلا ما سمعه قتادة، على كل حالٍ صحَّ عنه أو لم يصحّ السُّنة مُقدَّمة.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِالْأَعْلَى: أَخْبَرَنَا ابْنُ وهبٍ: أخبرني مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حُمَيْدِ بن مالك بن خثيم الدُّؤَلِيِّ: أَنَّهُ سَأَلَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَنِ الصَّيْدِ يَأْكُلُ مِنْهُ الْكَلْبُ، فَقَالَ: كُلْ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ إِلَّا حِذْيَةٌ. يَعْنِي: بِضْعَةٌ.

الشيخ: كذلك الحكم واحد.

وَرَوَاهُ شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِرَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: كُلْ وَإِنْ أَكَلَ ثُلُثَيْهِ.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا عَبْدُالْأَعْلَى: حَدَّثَنَا دَاودُ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال: إذا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ فَأَكَلَ مِنْهُ، فَإِنْ أَكَلَ ثُلُثَيْهِ وبقي ثلثُه فكُلْه.

الشيخ: أخذوا بعموم: فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ [المائدة:4]، ما بلغتهم الحُجَّة.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِالأعلى: حدَّثنا المعتمرُ قال: سمعتُ عبدَاللَّهِ. وَحَدَّثَنَا هَنَّادٌ: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ عُبَيْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ مَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ، أَكَلَ أَوْ لَمْ يَأْكُلْ.

وَكَذَا رَوَاهُ عُبَيدُاللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ نَافِعٍ.

فَهَذِهِ الْآثَارُ ثَابِتَةٌ عَنْ سَلْمَانَ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ عَطَاءٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ وَرَبِيعَةَ وَمَالِكٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ، وَأَوْمَأَ إِلَيْهِ فِي الْجَدِيدِ.

وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ مَرْفُوعًا، فَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ بَكَّارٍ الْكَلَاعِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُالْعَزِيزِ بْنُ مُوسَى اللاجوني: حدَّثنا محمد بن دينار -وهو الطاجي- عَنْ أَبِي إِيَاسٍ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قال: إِذَا أَرْسَلَ الرَّجُلُ كَلْبَهُ عَلَى الصَّيْدِ فَأَدْرَكَهُ وَقَدْ أَكَلَ مِنْهُ فَلْيَأْكُلْ مَا بَقِيَ.

ثُمَّ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَفِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ نَظَرٌ، وَسَعِيدٌ غَيْرُ مَعْلُومٍ لَهُ سَمَاعٌ مِنْ سَلْمَانَ، وَالثِّقَاتُ يَرْوُونَهُ مِنْ كَلَامِ سَلْمَانَ غَيْرَ مَرْفُوعٍ.

وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ جَرِيرٍ صَحِيحٌ، لَكِنْ قَدْ رُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى مَرْفُوعًا مِنْ وُجُوهٍ أُخَرَ، فَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِنْهَالٍ الضَّرِيرُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ: حَدَّثَنَا حَبِيبٌ الْمُعَلِّمُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ أَعْرَابِيًّا يُقَالُ لَهُ أَبُو ثَعْلَبَةَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي كِلَابًا مُكَلَّبَةً، فَأَفْتِنِي فِي صَيْدِهَا. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: إِنْ كَانَ لَكَ كِلَابٌ مُكَلَّبَةٌ فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عليك، فقال: ذكيًّا وغير ذكيٍّ؟ وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَإِنْ أَكَلَ منه، فقال: يا رسول الله، أفتني في قوسي. قال: كُلْ مَا رَدَّتْ عَلَيْكَ قَوْسُكَ، قَالَ: ذَكِيًّا وغير ذكيٍّ؟ قال: وإن تغيَّب عنك، ما لم يضلّ أَوْ تَجِدْ فِيهِ أَثَرَ غَيْرِ سَهْمِكَ، قَالَ: أَفْتِنِي فِي آنِيَةِ الْمَجُوسِ إِذَا اضْطُرِرْنَا إِلَيْهَا. قَالَ: اغْسِلْهَا وَكُلْ فِيهَا.

هَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو داود من طريق يونس بن سيف، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ.

مُداخلة: في نسخة "الشُّعب" يقول: من طريق بسر بن عبيدالله، عن أبي إدريس الخولاني. قال في الحاشية: قال: هكذا مكانه في المخطوطة: يوسف بن سيف، ويوسف مُحرَّفة من يونس، ورواية يونس بن سيف، عن أبي إدريس الخولاني هي كما في "سنن أبي داود": أنَّ رسول الله ﷺ قال لأبي ثعلبة: يا أبا ثعلبة، كُلْ ما ردَّت عليك قوسُك وكلبُك. والذي أثبته ابنُ كثيرٍ هو رواية بسر بن عبيدالله، كما في "سنن أبي داود"، فاستبدلنا بيونس بن سيف: بسر بن عبيدالله.

مداخلة: ........

الشيخ: أيش عندك: ورواه أبو داود؟ نعم.

وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو داود من طريق بسر بن عبيدالله، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ، وَكُلْ مَا رَدَّتْ عَلَيْكَ يَدُكَ. وَهَذَانِ إِسْنَادَانِ جَيِّدَانِ.

وَقَدْ رَوَى الثَّوْرِيُّ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَدِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَا كَانَ مِنْ كَلْبٍ ضَارٍّ أَمْسَكَ عَلَيْكَ فَكُلْ، قُلْتُ: وَإِنْ أَكَلَ؟ قَالَ: نَعَمْ.

وَرَوَى عَبْدُالْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ: حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ الشَّعبي، عن عديٍّ بمثله.

فهذه آثارٌ دالَّة على أنَّه يُغتفر وإن أَكَلَ مِنْهُ الْكَلْبُ، وَقَدِ احْتَجَّ بِهَا مَنْ لَمْ يُحَرِّمِ الصَّيْدَ بِأَكْلِ الْكَلْبِ وَمَا أَشْبَهَهُ، كَمَا تَقَدَّمَ عَمَّنْ حَكَيْنَاهُ عَنْهُمْ.

وَقَدْ تَوَسَّطَ آخَرُونَ فَقَالُوا: إِنْ أَكَلَ عَقِبَ مَا أَمْسَكَهُ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ؛ لِحَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، وَلِلْعِلَّةِ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ ﷺ: فَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ؛ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ.

وَأَمَّا إِنْ أَمْسَكَهُ ثُمَّ انْتَظَرَ صَاحِبَهُ، فَطَالَ عَلَيْهِ وَجَاعَ فأكل منه لِجُوعِهِ؛ فَإِنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي التَّحْرِيمِ، وَحَمَلُوا عَلَى ذَلِكَ حَدِيثَ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ. وَهَذَا تَفْرِيقٌ حَسَنٌ، وَجَمْعٌ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ صَحِيحٌ.

الشيخ: ليس الأمرُ كما قال رحمه الله، بل الصَّواب المنع؛ لأنَّ أحاديث المنع في "الصَّحيحين"، والأصل في المنع أنه لا يُعارَض بالإباحة، المنع لا يُعارض بالإباحة، وأيضًا أحاديث الإباحة شاذَّة مخالفة للأحاديث الصَّحيحة، فلا يجوز الاعتمادُ عليها، وكونه تأخَّر أو ما تأخَّر هذا محلّ شكٍّ، النبيُّ لم يُفرِّق، ما قال: .....، فالصَّواب أنه متى أكل حرم، كما في الأحاديث الصَّحيحة، وأمَّا أثر: "وإن أكل" من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه، كل هذا لا يُعارض الأحاديث الصَّحيحة، متى عُورضت الأحاديث الصَّحيحة بما هو أضعف منها وأقلّ منها قُدِّمت الأحاديث الصَّحيحة، وما عارضها فهو شاذٌّ، إن كان صحيحَ السَّند فهو شاذٌّ، ضعيفٌ من جهة الشّذوذ، وأما الموقوفات فلا تُعارض المرفوعات، الصَّواب أنه متى أكل حرم مطلقًا.

س: ما يُقال أنَّ المنع ناسخٌ، وأنَّ الأمر للإباحة ثم نُسخ؟

ج: لا، لا، الأصل المنع فقط، الأصل المنع والتَّحريم، هذا هو الأصل في الأحاديث الصَّحيحة.

س: ...........؟

ج: متى أكل منها، الكلبُ لا يأكل منها، تصير ميتةً.

وَقَدْ تَمَنَّى الْأُسْتَاذُ أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيُّ فِي كِتَابِهِ "النِّهَايَة" أَنْ لَوْ فَصَّلَ مُفَصِّلٌ هَذَا التَّفْصِيلَ، وَقَدْ حَقَّقَ اللَّهُ أُمْنِيَّتَهُ، وَقَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ وَالتَّفْرِيقِ طَائِفَةٌ مِنَ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ.

وَقَالَ آخَرُونَ قَوْلًا رَابِعًا فِي الْمَسْأَلَةِ: وَهُوَ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ أَكْلِ الْكَلْبِ فَيَحْرُمُ لِحَدِيثِ عَدِيٍّ، وَبَيْنَ أَكْلِ الصُّقُورِ وَنَحْوِهَا فَلَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيمَ إِلَّا بِالْأَكْلِ.

الشيخ: ..... لهم مُغتفر؛ لأنَّه لا يتعلم إلا بذلك، ولا يصيد إلا بذلك.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الطَّيْرِ: إِذَا أَرْسَلْتَهُ فَقَتَلَ فَكُلْ، فَإِنَّ الْكَلْبَ إِذَا ضَرَّبْتَهُ لَمْ يَعْدُ، وَإِنْ تَعَلَّمَ الطَّيْرُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى صَاحِبِهِ وَلَيْسَ يَضْرِبُ، فَإِذَا أَكَلَ مِنَ الصَّيْدِ وَنَتَفَ الرِّيشَ فَكُلْ. وَكَذَا قَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَحَمَّادُ ابْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ.

وَقَدْ يُحْتَجُّ لِهَؤُلَاءِ بِمَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ: حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ: حَدَّثَنَا مجالد، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا قَوْمٌ نصيد بالكلاب والبزاة، فما يَحِلُّ لَنَا مِنْهَا؟ قَالَ: يَحِلُّ لَكُمْ مَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ [المائدة:4]، ثُمَّ قَالَ: مَا أَرْسَلْتَ مِنْ كَلْبٍ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكَ عَلَيْكَ، قُلْتُ: وَإِنْ قَتَلَ؟ قَالَ: وَإِنْ قَتَلَ، مَا لَمْ يَأْكُلْ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنْ خَالَطَتْ كِلَابُنَا كِلَابًا غَيْرَهَا؟ قَالَ: فَلَا تَأْكُلْ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّ كَلْبَكَ هُوَ الَّذِي أَمْسَكَ. قَالَ: قُلْتُ: إِنَّا قَوْمٌ نَرْمِي، فَمَا يَحِلُّ لَنَا؟ قَالَ: مَا ذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَخَزَقْتَ فَكُلْ.

فَوَجْهُ الدَّلَالَةِ لَهُمْ أنَّه اشترط في الكلب ألَّا يَأْكُلَ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ فِي الْبُزَاةِ، فَدَلَّ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

س: إذن يا شيخ صيد الصّقور تكون حلالًا مُطلقًا؟

ج: البُزاة جمع بازي، يكون حادًّا له ..... العقاب: الباز والصَّقر والشَّاهين.

س: يكون حلالًا مُطلقًا يا شيخ؟

ج: نعم؛ لأنَّه لا يصيد إلا هكذا.

وقوله تَعَالَى: فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ [المائدة:4] أي: عند إرساله له، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ: إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ، وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ، فَكُلْ مَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ.

وَفِي حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْمُخَرَّجِ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" أَيْضًا: إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ فَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ، وَإِذَا رَمَيْتَ بِسَهْمِكَ فَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ.

وَلِهَذَا اشترط مَن اشترط من الأئمّة -كالإمام أحمد رحمه الله فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ- التَّسْمِيَةَ عِنْدَ إِرْسَالِ الْكَلْبِ وَالرَّمْيِ بِالسَّهْمِ؛ لِهَذِهِ الْآيَةِ، وَهَذَا الْحَدِيثِ. وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْمَشْهُورُ عَنِ الْجُمْهُورِ: أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْأَمْرُ بِالتَّسْمِيَةِ عِنْدَ الْإِرْسَالِ، كَمَا قال السُّدي وَغَيْره.

وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ يَقُولُ: إِذَا أَرْسَلْتَ جَارِحَكَ فَقُلْ: بِاسْمِ اللَّهِ، وَإِنْ نَسِيتَ فَلَا حَرَجَ.

وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: الْمُرَادُ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْأَمْرُ بِالتَّسْمِيَةِ عِنْدَ الأكل، كَمَا ثَبَتَ فِي "الصَّحِيحَيْنِ": أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَلَّمَ رَبِيبَهُ عُمَرَ ابْنَ أَبِي سَلَمَةَ فَقَالَ: سَمِّ اللَّهَ وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ.

وَفِي "صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ" عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ قَوْمًا يَأْتُونَنَا حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِكُفْرٍ بلُحْمَانٍ لَا نَدْرِي: أَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهَا أَمْ لَا؟ فَقَالَ: سَمُّوا اللَّهَ أَنْتُمْ وَكُلُوا.

الشيخ: إنَّ هذا ..... يذكروا اسم الله عند الأكل، ويذكر اسم الله عند إرسال السَّهم والكلب والطَّير، هذا وهذا، والآية عامَّة: فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ الله عند إرسال الكلب، وعند إرسال الطَّير، كما صرَّحت به الأحاديث: حديث عدي، وأبي ثعلبة، وغيرهما، لكن لو ترك ذلك ناسيًا أو جاهلًا سقطت: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286]، قال اللهُ: قد فعلتُ، إذا أرسله ونسي، أو رمى ونسي سقط ذلك؛ لأنَّ الله جلَّ وعلا أزال الحرجَ والنِّسيان والجهل.

س: إذا شكَّ الإنسانُ في اللُّحوم المستوردة: هل ذُكِرَ اسمُ الله عليها أم لا؟

ج: الأصل الإباحة، مثلما قال: سمُّوا الله عليها أنتم وكُلُوا، الأصل الإباحة، إذا كانت من ذبائح المسلمين، أو من ذبائح أهل الكتاب الأصل الإباحة، الأصل السَّلامة.

س: .............؟

ج: .............

حَدِيثٌ آخَرُ: وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ بُدَيْلٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَأْكُلُ الطَّعَامَ فِي سِتَّةِ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَأَكَلَهُ بِلُقْمَتَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: أَمَا إِنَّهُ لَوْ كَانَ ذَكَرَ اسمَ الله لكفاكم، فإذا أكل أحدُكم طعامًا فَلْيَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ، فَإِنْ نَسِيَ أَنْ يَذْكُرَ اسمَ الله في أوَّله، فليقل: بسم اللَّهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ.

وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي بَكْرِ ابْنِ أبي شيبة، عن يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ بِهِ. وَهَذَا مُنْقَطِعٌ بَيْنَ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ وَعَائِشَةَ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهَا هَذَا الْحَدِيثَ، بِدَلِيلِ ما رواه الإمامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُالْوَهَّابِ: أَخْبَرَنَا هِشَامٌ –يَعْنِي: ابْنَ أَبِي عَبْدِاللَّهِ الدَّسْتُوَائِيَّ- عَنْ بُدَيْلٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ: أَنَّ امْرَأَةً مِنْهُمْ يُقَالُ لَهَا: أُمُّ كُلْثُومٍ حَدَّثَتْهُ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَأْكُلُ طَعَامًا فِي ستة نفرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ جَائِعٌ فَأَكَلَهُ بِلُقْمَتَيْنِ، فَقَالَ: أَمَا إِنَّهُ لَوْ ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ لَكَفَاكُمْ، فَإِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ، فَإِنْ نَسِيَ اسْمَ اللَّهِ فِي أَوَّلِهِ، فَلْيَقُلْ: بسم الله أوَّله وآخره.

رَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ بِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.

الشيخ: بديل؟

الطالب: بديل -مُصغَّرًا- العُقيلي -بضم العين- ابن ميسرة، البصري، ثقة، من الخامسة، مات سنة خمسٍ وعشرين أو ثلاثين. (مسلم والأربعة).

الشيخ: غيره؟

الطالب: ما في غيره يا شيخ.

الشيخ: يمكن علّته ما بين عبدالله وعائشة: أم كلثوم، يحتاج إلى أن .....، وفيه غرابة من جهة المتن: كون الأعرابي يأكل بلقمتين طعامَ ستةٍ فيه غرابة من جهة المتن، كيف يأكل بلقمتين بيديه الثِّنتين؟! كيف يكون؟! المتن غريبٌ، والأدقّ والله أعلم ضعفه من جهة ما بين عبدالله وما بين عائشة.

على كل حالٍ، التَّسمية من أسباب البركة، وعدم التَّسمية من أسباب نزع البركة، فذكر الله على الطَّعام يُبارك فيه مثلما في الحديث؛ ولهذا قال النبيُّ لعمر ابن أبي سلمة: يا غلام، سمِّ الله وكُلْ بيمينك، وكُلْ مما يليك، وكان يومًا يأكل مع أصحابه، فجاء أعرابيٌّ كأنَّه يُدْفَع، فأهوى إلى طعامه، فأمسك النبيُّ بيده وقال: إنَّ الشيطان جاء به ليستحلَّ به طعامكم، فأمسك بيده حتى يُسمِّي.

المقصود أنَّ التَّسمية من أسباب البركة، وعدمها من أسباب نزع البركة، وإذا لم يُسمِّ في أوله وذكر يُسمِّي في أثنائه، أو في آخره.

س: قوله: "بسم الله أوله وآخره" هل يُقاس على الطعام المواضع الأخرى التي تُستحبّ فيها التَّسمية أو تجب كالوضوء؟

ج: لا، إذا ذكر في أثنائه سمَّى الله، ولو عند غسل اليدين، أو عند مسح الرأس، وإذا نسي سقطت على القول بالوجوب، إذا نسي سقطت، النِّسيان عذرٌ في الأكل والوضوء والغُسل.

س: ............؟

ج: لا، السُّنة "بسم الله"، هذا جاء في الطَّعام على ما في حديث ..... يُسمِّي متى ذكر، ويقول: "بسم الله" في أول الوضوء، أو في أثنائه، وإن لم يذكر فلا حرج.

س: ............؟

ج: كل واحدٍ يُسمِّي، ما هو بفرض كفايةٍ، سنة في حقِّ الجميع، كل واحدٍ يُسمِّي.

س: التَّسمية عند الوضوء؟

ج: المشهور عند العلماء أنها سنة، وقال بعضُهم بالوجوب.

حَدِيثٌ آخَرُ: وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِاللَّهِ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ صُبْحٍ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ الْخُزَاعِيُّ، وَصَحِبْتُهُ إِلَى وَاسِطٍ، فَكَانَ يُسَمِّي فِي أَوَّلِ طَعَامِهِ، وَفِي آخِرِ لُقْمَةٍ يَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ. فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّكَ تُسَمِّي فِي أَوَّلِ مَا تَأْكُلُ، أَرَأَيْتَ قَوْلَكَ فِي آخِرِ مَا تأكل: "بسم الله أوَّله وآخره"، فقال: أُخبرك: إِنَّ جَدِّي أُمَيَّةَ بْنَ مُخَشَّى -وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ- سَمِعْتُهُ يَقُولُ: إِنَّ رَجُلًا كَانَ يَأْكُلُ وَالنَّبِيُّ يَنْظُرُ، فلم يُسمِّ حتى كان آخر طعامه لقمة، قال: "بسم اللَّهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ"، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: وَاللَّهِ مَا زَالَ الشَّيْطَانُ يَأْكُلُ مَعَهُ حَتَّى سَمَّى، فَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ فِي بَطْنِهِ حَتَّى قَاءَهُ.

وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ صُبْحٍ الرَّاسِبِيِّ، أَبِي بِشْرٍ الْبَصْرِيِّ، وَوَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَالنَّسَائِيُّ، وَقَالَ أَبُو الْفَتْحِ الْأَزْدِيُّ: لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّة.

الشيخ: انظر: المثنى، ..... ليس بحُجَّةٍ؛ لأنَّه إنما ذكر في آخر الطَّعام فسمَّى، أمَّا إذا سمَّى في أوَّله كفى والحمد لله، وقد قاء -يعني الشيطان- فالتَّسمية في أوَّله كافية، كما جاء في الأحاديث الصَّحيحة، هذا لو صحَّ نسي، فإذا نسي يقول في آخره، انظر: المثنى. أمَّا قوله: (أبو الفتح الأزدي) فأبو الفتح ليس ممن يُعتمد في الجرح والتَّعديل.

الطالب: المثنى بن عبدالرحمن الخزاعي مستور، من الثالثة. (أبو داود والنَّسائي).

الشيخ: هذه علّة أخرى، قوله: (مستور) يعني: مجهول الحال، والعجب من المؤلف: يتكلم على جابر، ويترك المثنى! سبحان الله! يتكلم على جابر بن صبح، ويترك الذي هو أسوأ حالًا منه؛ وهو المثنى!

انظر الذي بعده: جابر بن صبح.

وهذا يُفيدنا أنَّ طالب العلم ما يغترّ برواية الكبار: كابن كثيرٍ وأشباهه، ما يغترّ بسكوت ابن كثير، أو ابن جرير، أو ابن القيم، أو شيخ الإسلام، أو غيرهم، بل يكون عنده عناية بالأسانيد والأقوال؛ لأنَّ العالم قد يغفل، قد يسهو، قد ينسى، وإن كان كبيرًا، وهذا قد جرى للمؤلف كثيرًا، ابن كثير رحمه الله في أحاديث كثيرة يذكر الرِّوايات، ولا يتكلم عليها بشيءٍ، وقد يتكلم على مَن هو موثوقٌ، ثقة، ويترك مَن هو أولى بالكلام فيه، مثل هذا: جابر والمثنى، المقصود أنَّ طالب العلم يكون عنده هِمَّة وانتباه لهذه الأمور، ولا يُقلِّد.

الطالب: جابر بن صُبْح -بضمِّ المهملة وسكون الموحَّدة- الرَّاسِبي -بكسر السين المهملة، بعدها مُوحَّدة- أبو بشر البصري، صدوق، من السابعة. (أبو داود، والترمذي، والنسائي).

الشيخ: طيب، نعم.

س: يكون هذا اجتهادًا من المثنى؟

ج: لا، يروي عن جدِّه، لكنَّه مستورٌ، ما يُعتمد في الرِّواية.

س: السّنة الجهر بالتَّسمية؟

ج: نعم، حتى يسمعك غيرك؛ حتى ينتفع غيرك.

س: ..............؟

ج: الجمع ما له معنى في هذا؛ لأنها مُتضادّة، وحمله على أنَّه إذا أبطأ .....، هذا ليس بشيءٍ، هذا لا ينضبط.

س: قوله: سعيد بن المسيب لم يرَ سلمان الفارسي، ولم يروِ عنه؟

ج: هذا محل نظرٍ؛ لأنَّه أدركه، لكن قد يكون في "المغازي" ..... راح المدينة ولم يجتمع به؛ لأنَّه ..... الغزو، ثم صار في الكوفة، لعله يحتاج إلى تأملٍ في ترجمة سعيد وترجمة سلمان.