تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ..}

وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي "دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ" قِصَّةَ وَفْدِ نَجْرَانَ مُطَوَّلَةً جِدًّا، وَلْنَذْكُرْهُ فَإِنَّ فِيهِ فَوَائِدَ كَثِيرَةً، وَفِيهِ غَرَابَةً، وَفِيهِ مُنَاسَبَةً لِهَذَا الْمَقَامِ.

قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِاللَّهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ.

الشيخ: أبو عبدالله الحافظ هو الحاكم النَّيسابوري، صاحب "الصحيح"، هو شيخ البيهقيّ.

قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِالْجَبَّارِ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ يَسُوعَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ -قَالَ يُونُسُ: وَكَانَ نَصْرَانِيًّا فَأَسْلَمَ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَتَبَ إِلَى أَهْلِ نَجْرَانَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِ طس سُلَيْمَانَ: بِاسْمِ إِلَهِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ، مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى أَسْقُفِ نَجْرَانَ وَأَهْلِ نَجْرَانَ، سِلْمٌ أَنْتُمْ، فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكُمْ إِلَهَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ. أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَدْعُوكُمْ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ مِنْ عِبَادَةِ الْعِبَادِ، وَأَدْعُوكُمْ إِلَى وِلَايَةِ اللَّهِ مِنْ وِلَايَةِ الْعِبَادِ، فإن أبيتُم فالجزية، فإن أبيتم فقد آذَنْتُكُمْ بِحَرْبٍ، وَالسَّلَامُ.

الشيخ: هذا لعلّه قبل أن ينزل عليه: طس سليمان، يعني: سورة النمل التي فيها قصّة سليمان ..... البيهقي في أي كتابٍ؟

الطالب: في "دلائل النبوة".

الشيخ: يُراجع الكتاب لعله {طس} يعني: سورة النمل فيها قصّة سليمان، الله المستعان.

فَلَمَّا أَتَى الْأُسْقُفَ الْكِتَابُ وقرأه فَظِعَ بِهِ، وَذَعَرَهُ ذُعْرًا شَدِيدًا، وَبَعَثَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ يُقَالُ لَهُ: شُرَحْبِيلُ بْنُ وَدَاعَةَ، وَكَانَ مِنْ هَمْدَانَ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يُدْعَى إِذَا نَزَلَتْ مُعْضِلَةٌ قَبْلَهُ، لَا الأيهم، ولا السيد، ولا العاقب، فَدَفَعَ الْأَسْقُفُ كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِلَى شُرَحْبِيلَ فَقَرَأَهُ، فَقَالَ الْأسْقُفُ: يَا أَبَا مَرْيَمَ، مَا رَأْيُكَ؟ فَقَالَ شُرَحْبِيلُ: قَدْ عَلِمْتَ مَا وَعَدَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ فِي ذُرِّيَّةِ إِسْمَاعِيلَ مِنَ النُّبُوَّةِ، فَمَا يُؤْمَنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا هُوَ ذَاكَ الرَّجُلُ، لَيْسَ لِي في أمر النّبوة رأيٌ، ولو كان في أَمْرٍ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا لَأَشَرْتُ عَلَيْكَ فِيهِ برأيي، واجتهدتُ لك. فقال الْأسْقُفُ: تَنَحَّ فَاجْلِسْ. فَتَنَحَّى شُرَحْبِيلُ فَجَلَسَ نَاحِيَةً، فَبَعَثَ الْأسْقُفُ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ يُقَالُ لَهُ: عَبْدُاللَّهِ بْنُ شُرَحْبِيلَ، وَهُوَ مِنْ ذِي أَصْبَحَ مِنْ حِمْيَرَ، فَأَقْرَأَهُ الْكِتَابَ وَسَأَلَهُ عَنِ الرَّأْيِ فِيهِ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ قول شرحبيل، فقال له الأسقف: تنحَّ فاجلس. فتنحى عبدُالله فَجَلَسَ نَاحِيَةً، فَبَعَثَ الْأَسْقُفُ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ يُقَالُ لَه:ُ جَبَّارُ بْنُ فَيْضٍ، مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ -أَحَدُ بَنِي الْحَمَاسِ- فَأَقْرَأَهُ الْكِتَابَ، وَسَأَلَهُ عَنِ الرَّأْيِ فِيهِ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ قَوْلِ شُرَحْبِيلَ وَعَبْدِاللَّهِ، فَأَمَرَهُ الْأَسْقُفُ فَتَنَحَّى فَجَلَسَ نَاحِيَةً، فَلَمَّا اجْتَمَعَ الرَّأْيُ مِنْهُمْ عَلَى تِلْكَ الْمَقَالَةِ جَمِيعًا أَمَرَ الْأَسْقُفُ بِالنَّاقُوسِ فَضُرِبَ بِهِ، وَرُفِعَتِ النِّيرَانُ وَالْمُسُوحُ فِي الصَّوَامِعِ، وَكَذَلِكَ كَانُوا يَفْعَلُونَ إِذَا فَزِعُوا بِالنَّهَارِ، وَإِذَا كَانَ فَزَعُهُمْ لَيْلًا ضَرَبُوا بِالنَّاقُوسِ، وَرُفِعَتِ النِّيرَانُ فِي الصَّوَامِعِ، فَاجْتَمَعُوا حِينَ ضُرِبَ بِالنَّاقُوسِ وَرُفِعَتِ الْمُسُوحُ، أَهْلَ الْوَادِي، أَعْلَاهُ وَأَسْفَلهُ.

وَطُولُ الْوَادِي مَسِيرَةُ يَوْمٍ لِلرَّاكِبِ السَّرِيعِ، وَفِيهِ ثَلَاثٌ وَسَبْعُونَ قَرْيَةً، وَعِشْرُونَ وَمِئَةُ أَلْفِ مُقَاتِلٍ، فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَسَأَلَهُمْ عَنِ الرَّأْيِ فِيهِ، فَاجْتَمَعَ رَأْيُ أَهْلِ الرَّأْيِ مِنْهُمْ عَلَى أَنْ يَبْعَثُوا شُرَحْبِيلَ بْنَ وَدَاعَةَ الْهَمْدَانِيَّ وَعَبْدَاللَّهِ بْنَ شُرَحْبِيلَ الْأَصْبَحِيَّ وَجَبَّارَ بْنَ فَيْضٍ الْحَارِثِيَّ فَيَأْتُونَهُمْ بِخَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.

فَانْطَلَقَ الْوَفْدُ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْمَدِينَةِ وَضَعُوا ثِيَابَ السَّفَرِ عَنْهُمْ، وَلَبِسُوا حُلَلًا لَهُمْ يَجُرُّونَهَا مِنْ حِبَرَةٍ وَخَوَاتِيمَ الذَّهَبِ، ثُمَّ انْطَلَقُوا حَتَّى أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ، وَتَصَدَّوْا لِكَلَامِهِ نَهَارًا طَوِيلًا، فَلَمْ يُكَلِّمْهُمْ وَعَلَيْهِمْ تِلْكَ الْحُلَلُ وَخَوَاتِيمُ الذَّهَبِ، فَانْطَلَقُوا يَتَّبِعُونَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَعَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ -وَكَانَا مَعْرِفَةً لَهُمْ- فَوَجَدُوهُمَا فِي نَاسٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فِي مَجْلِسٍ، فَقَالُوا: يَا عُثْمَانُ، وَيَا عَبْدَالرَّحْمَنِ، إنَّ نبيَّكم كتب إلينا كتابًا فَأَقْبَلْنَا مُجِيبِينَ لَهُ، فَأَتَيْنَاهُ فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ سَلَامَنَا، وَتَصَدَّيْنَا لِكَلَامِهِ نَهَارًا طَوِيلًا، فَأَعْيَانَا أَنْ يُكَلِّمَنَا، فَمَا الرَّأْيُ مِنْكُمَا؟ أَتَرَوْنَ أَنْ نَرْجِعَ؟ فَقَالَا لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -وَهُوَ فِي الْقَوْمِ- مَا تَرَى يَا أَبَا الْحَسَنِ في هؤلاء القوم؟ فقال عليٌّ لعثمان وعبدالرَّحْمَنِ: أَرَى أَنْ يَضَعُوا حُلَلَهُمْ هَذِهِ وَخَوَاتِيمَهُمْ، ويلبسوا ثيابَ سفرهم، ثم يعودون إليه. ففعلوا، فسلَّموا عليه، فَرَدَّ سَلَامَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ، لَقَدْ أَتَوْنِي الْمَرَّةَ الْأُولَى وَإِنَّ إِبْلِيسَ لَمَعَهُمْ.

ثُمَّ سَأَلَهُمْ وَسَأَلُوهُ، فَلَمْ تَزَلْ بِهِ وَبِهِمُ المسألةُ حتى قالوا له: مَا تَقُولُ فِي عِيسَى؟ فَإِنَّا نَرْجِعُ إِلَى قَوْمِنَا، وَنَحْنُ نَصَارَى، يَسُرُّنَا إِنْ كُنْتَ نَبِيًّا أن نسمع ما تقول فِيهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَا عِنْدِي فِيهِ شَيْءٌ يَوْمِي هَذَا، فَأَقِيمُوا حَتَّى أُخْبِرَكُمْ بِمَا يَقُولُ لِي رَبِّي فِي عيسى، فأصبح الغدُ وقد أنزل اللهُ هَذِهِ الْآيَةَ: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ إلى قوله: الْكَاذِبِينَ [آل عمران:59- 61]، فَأَبَوْا أَنْ يُقِرُّوا بِذَلِكَ.

فَلَمَّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْغَدَ بَعْدَمَا أَخْبَرَهُمُ الْخَبَرَ، أَقْبَلَ مُشْتَمِلًا عَلَى الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ فِي خَمِيلٍ لَهُ، وَفَاطِمَةُ تَمْشِي عِنْدَ ظَهْرِهِ لِلْمُلَاعَنَةِ، وَلَهُ يَوْمَئِذٍ عِدَّةُ نِسْوَةٍ، فقال شرحبيل لصاحبيه: لقد عَلِمْتُمَا أَنَّ الْوَادِيَ إِذَا اجْتَمَعَ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلُهُ لَمْ يَرِدُوا وَلَمْ يَصْدُرُوا إِلَّا عَنْ رَأْيِي، وَإِنِّي وَاللَّهِ أَرَى أَمْرًا ثَقِيلًا، وَاللَّهِ لَئِنْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ مَلِكًا مَبْعُوثًا، فَكُنَّا أَوَّلَ العرب طعنًا في عينيه، وردًّا عَلَيْهِ أَمْرَهُ، لَا يَذْهَبُ لَنَا مِنْ صَدْرِهِ وَلَا مِنْ صُدُورِ أَصْحَابِهِ حَتَّى يُصِيبُونَا بِجَائِحَةٍ، وَإِنَّا لَأَدْنَى الْعَرَبِ مِنْهُمْ جِوَارًا، وَلَئِنْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ نَبِيًّا مُرْسَلًا فَلَاعَنَّاهُ لَا يَبْقَى منا على وجه الأرض شَعْرٌ وَلَا ظُفُرٌ إِلَّا هَلَكَ. فَقَالَ لَهُ صاحباه: فما الرأي يا أبا مريم؟ فَقَالَ: أَرَى أَنْ أُحَكِّمَهُ؛ فَإِنِّي أَرَى رَجُلًا لَا يَحْكُمُ شَطَطًا أَبَدًا. فَقَالَا لَهُ: أَنْتَ وَذَاكَ. قَالَ: فَلَقِيَ شُرَحْبِيلُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ لَهُ: إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ خَيْرًا مِنْ مُلَاعَنَتِكَ. فَقَالَ: وَمَا هُوَ؟ فَقَالَ: حُكْمُكَ الْيَوْمَ إِلَى اللَّيْلِ، وَلَيْلَتُكَ إِلَى الصَّبَاحِ، فَمَهْمَا حَكَمْتَ فِينَا فَهُوَ جَائِزٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَعَلَّ وَرَاءَكَ أَحَدًا يَثْرِبُ؟ فَقَالَ شُرَحْبِيلُ: سَلْ صَاحِبَيَّ. فَسَأَلَهُمَا فَقَالَا: مَا يَرِدُ الْوَادِي وَلَا يَصْدُرُ إِلَّا عَنْ رَأْيِ شُرَحْبِيلَ.

فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَلَمْ يُلَاعِنْهُمْ، حتى إذا كان من الْغَدِ أَتَوْهُ، فَكَتَبَ لَهُمْ هَذَا الْكِتَابَ: بِسْمِ الله الرحمن الرحيم، هذا ما كتب النبيُّ محمدٌ رَسُولُ اللَّهِ لِنَجْرَانَ -إِنْ كَانَ عَلَيْهِمْ حُكْمُهُ- فِي كُلِّ ثَمَرَةٍ وَكُلِّ صَفْرَاءَ وَبَيْضَاءَ وَسَوْدَاءَ وَرَقِيقٍ فَاضِلٍ عَلَيْهِمْ، وَتَرَكَ ذَلِكَ كُلَّهُ لَهُمْ عَلَى أَلْفَيْ حُلَّةٍ، فِي كُلِّ رَجَبٍ أَلْفُ حُلَّةٍ، وَفِي كُلِّ صَفَرٍ أَلْفُ حُلَّةٍ، وَذَكَرَ تمام الشُّروط وبقية السِّياق.

الشيخ: وهذا مثلما قال المؤلفُ فيه غرابة ونكارة؛ فإنَّ كونه هجرهم وتركهم حتى ذهبوا إلى الصَّحابة، وحتى خلعوا ثيابهم فيه نكارة؛ لأنَّ في إمكانه عليه الصلاة والسلام أن يُنبِّههم على ما يريد من جهة الخواتم ومن جهة الحلل التي أسبلوها، وقد أقرَّهم في وفدهم السَّابق على أن يُصلّوا إلى الشرق، وذلك أعظم، أقرّهم تأليفًا لهم حتى يُصالحهم، فهذا ساقه المؤلفُ لأجل ما فيه من بعض الغرائب وبعض الأشياء العجيبة، والسَّند فيه نظرٌ؛ لأنَّ أحمد بن عبدالجبار فيه كلامٌ، وعبد يسوع هذا وأبوه وجدّه محل نظرٍ؛ فلهذا قال فيه رحمه الله: في متنه غرابة، وفي صحّته نظر.

مداخلة: علَّق عليه محقق نسخة "الشعب"، علَّق على الحديث هذا فقال: في هذا الحديث نظر؛ فإنَّ نجران لم تكن من السّعة بحيث يقطعها الراكبُ السَّريع في يومٍ وليلةٍ، ولم يكن أهلُها من الكثرة بحيث يكون عدّةُ جيشهم مئة ألفٍ وعشرين ألفًا، ولو كانوا كذلك لما خافوا هذا الخوف الذي تُصوّره الرِّواية، وعدم ردِّ الرسول ﷺ سلامهم وتركه كلامهم نهارًا كاملًا، حتى أشار عليهم عليٌّ بخلع ثيابهم وخواتيمهم أمرٌ مُستبعدُ الحصول من النبي ﷺ، فقد كان يلقى الوفودَ ويتحدث إليهم على الرغم من اختلاف مظهرهم مع مظهر المسلمين.

الشيخ: مثلما قال المحشي، طيب .....

وَالْغَرَضُ أَنَّ وُفُودَهُمْ كَانَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ؛ لِأَنَّ الزُّهْرِيَّ قَالَ: كَانَ أَهْلُ نَجْرَانَ أَوَّلَ مَنْ أَدَّى الْجِزْيَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَآيَةُ الْجِزْيَةِ إِنَّمَا أُنْزِلَتْ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ [التوبة:29].

وَقَالَ أَبُو بَكْرِ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ المكي: حدَّثنا بشر بن مهران: حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ دَاوُدَ ابْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ الْعَاقِبُ والطَّيبُ، فدعاهما إلى الملاعنة، فواعداه عَلَى أَنْ يُلَاعِنَاهُ الْغَدَاةَ، قَالَ: فَغَدَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَأَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِمَا، فأبيا أن يُجيبا، وأقرَّا له بِالْخَرَاجِ. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ لَوْ قَالَا: لَا؛ لَأَمْطَرَ عَلَيْهِمُ الْوَادِي نَارًا.

قَالَ جَابِرٌ: وفيهم نَزَلَتْ: نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ [آل عمران:61]. قال جابرٌ: أَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَعَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَأَبْنَاءَنَا الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ، وَنِسَاءَنَا فَاطِمَةَ.

وَهَكَذَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "مُسْتَدْرَكِهِ" عَنْ عَلِيِّ بْنِ عِيسَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ الْأَزْهَرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ، عَنْ دَاوُدَ ابْنِ أَبِي هِنْدٍ بِهِ بِمَعْنَاهُ، ثُمَّ قَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. هَكَذَا قَالَ.

وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ مُرْسَلًا، وَهَذَا أَصَحُّ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْبَرَاءِ نَحْوُ ذَلِكَ.

ثُمَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ أَيْ: هَذَا الَّذِي قَصَصْنَاهُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ فِي شَأْنِ عِيسَى هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا مَعْدِلَ عَنْهُ وَلَا مَحِيدَ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ۝ فَإِنْ تَوَلَّوْا أَيْ: عَنْ هَذَا إِلَى غَيْرِهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ [آل عمران:62- 63] أَيْ: مَنْ عَدَلَ عَنِ الْحَقِّ إِلَى الْبَاطِلِ فَهُوَ الْمُفْسِدُ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِهِ، وَسَيَجْزِيهِ عَلَى ذَلِكَ شَرَّ الْجَزَاءِ، وَهُوَ الْقَادِرُ الَّذِي لَا يَفُوتُهُ شَيْءٌ سُبْحَانَهُ وَبِحَمْدِهِ، وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ حُلُولِ نقمته.

س: الملاعنة ما المقصود بها؟

ج: الملاعنة أن يتلاعنا أنَّ مَن كان مُبطلًا يهلك في مقامه ذلك، أو ينزل به كذا وكذا، الكاذب منهما يعذّب عاجلًا.

س: ماذا كان مصدرُ دخل بيت مال المسلمين غير الخراج؟

ج: أنواع كثيرة: الخراج، والجزية، والخمس -خمس الغنائم- ومَن مات وليس له وارثٌ، والمعادن التي يستخرجها وليُّ الأمر، ونحو ذلك أشياء كثيرة.

س: ألم يكن هناك ضرائب على المسلمين؟

ج: لا، هذه العشور التي تُؤخذ للزكاة من بيت المال، الضَّريبة، العُشر كان يأخذه النبيُّ ﷺ، وكان يأخذه عمر والصَّحابة، أما الضَّرائب غير الزكاة وغير ما شرع الله فهذا ما يجوز، هذا يُسمَّى: مكسًا.

وتجارة الكفّار للمسلمين يجعل عليها إمَّا العشر أو نصف العشر، يسمّى: العشور، بدل الزكاة، كالخراج، نعم.